فصل: فصل: من ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان‏‏ فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان‏,‏ فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها وبه قال الليث والحسن بن صالح‏,‏ وإسحاق إلا أن يكون تركها ليرجع إليها أو ضلت منه وقال مالك‏:‏ هي لمالكها الأول ويغرم ما أنفق عليها وقال الشافعي‏,‏ وابن المنذر‏:‏ هي لمالكها والآخر متبرع بالنفقة لا يرجع بشيء لأنه ملك غيره‏,‏ فلم يملكه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت في غير مهلكة ولا يملك الرجوع لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه‏,‏ فلم يرجع بشيء كما لو بنى داره ولنا ما روى الشعبي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏من وجد دابة قد عجز عنها أهلها‏,‏ فسيبوها فأخذها فأحياها‏,‏ فهي له‏)‏ قال عبد الله بن حميد بن عبد الرحمن‏:‏ فقلت ـ يعني للشعبي ـ ‏:‏ من حدثك بهذا‏؟‏ قال‏:‏ غير واحد من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رواه أبو داود بإسناده وفي لفظ عن الشعبي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏من ترك دابة بمهلكة فأحياها رجل‏,‏ فهي لمن أحياها‏)‏ ولأن في الحكم بملكها إحياءها وإنقاذها من الهلاك وحفظا للمال عن الضياع ومحافظة على حرمة الحيوان‏,‏ وفي القول بأنها لا تملك تضييع لذلك كله من غير مصلحة تحصل ولأنه نبذ رغبة عنه وعجزا عن أخذه‏,‏ فملكه آخذه كالساقط من السنبل وسائر ما ينبذه الناس رغبة عنه‏.‏

فصل‏:‏

وإن ترك متاعا‏,‏ فخلصه إنسان لم يملكه لأنه لا حرمة له في نفسه ولا يخشى عليه التلف‏,‏ كالخشية على الحيوان فإن الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى وتأكله السباع‏,‏ والمتاع يبقى حتى يرجع إليه صاحبه وإن كان المتروك عبدا لم يملك بأخذه لأن العبد في العادة يمكنه التخلص إلى الأماكن التي يعيش فيها بخلاف البهيمة وله أخذ العبد والمتاع ليخلصه لصاحبه‏,‏ وله أجر مثله في تخليص المتاع نص عليه وكذلك في العبد على قياسه قال القاضي‏:‏ يجب أن يحمل قوله في وجوب الأجر على أنه جعل له ذلك أو أمره به‏,‏ فأما إن لم يجعل له شيئا فلا جعل له لأنه عمل في مال غيره بغير جعل فلم يستحق شيئا‏,‏ كالملتقط وهذا خلاف ظاهر كلام أحمد فإنه لو جعل له جعلا لاستحقه ولم يجعل له أجر المثل ويفارق هذا الملتقط‏,‏ فإن الملتقط لم يخلص اللقطة من الهلاك ولو تركها أمكن أن يرجع صاحبها فيطلبها من مكانها فيجدها وها هنا إن لم يخرجه هذا ضاع وهلك‏,‏ ولم يرجع إليه صاحبه ففي جعل الأجر فيه حفظ للأموال من غير مضرة فجاز ذلك كالجعل في الآبق ولأن اللقطة جعل فيها الشارع ما يحث على أخذها‏,‏ وهو ملكها إن لم يجئ صاحبها فاكتفى به عن الأجر فينبغي أن يشرع في هذا ما يحث على تخليصه بطريق الأولى‏,‏ وليس إلا الأجر فأما ما ألقاه ركاب البحر فيه خوفا من الغرق فلم أعلم لأصحابنا فيه قولا‏,‏ سوى عموم قولهم الذي ذكرناه ويحتمل أن يملك هذا من أخذه وهو قول الليث بن سعد وبه قال الحسن في من أخرجه قال‏:‏ وما نضب عنه الماء فهو لأهله وقال ابن المنذر‏:‏ يرده على أصحابه‏,‏ ولا جعل له ويقتضيه قول الشافعي والقاضي لما تقدم ومقتضى قول الإمام أبي عبد الله أن لمن أنقذه أجر مثله لما ذكرنا ووجه ما ذكرناه من الاحتمال أن هذا مال ألقاه صاحبه فيما يتلف بتركه فيه اختيارا منه فملكه من أخذه‏,‏ كالذي ألقوه رغبة عنه ولأن فيما ذكروه تحقيقا لإتلافه فلم يجز‏,‏ كمباشرته بالإتلاف فأما إن انكسرت السفينة فأخرجه قوم فقال مالك‏:‏ يأخذ أصحاب المتاع متاعهم‏,‏ ولا شيء للذي أصابوه وهذا قول الشافعي وابن المنذر والقاضي وعلى قياس نص أحمد يكون لمستخرجه أجر المثل لأن ذلك وسيلة إلى تخليصه‏,‏ وحفظه لصاحبه وصيانته عن الغرق فإن الغواص إذا علم أنه يدفع إليه الأجر بادر إلى التخليص ليخلصه‏,‏ وإن علم أنه يؤخذ منه بغير شيء لم يخاطر بنفسه في استخراجه فينبغي أن يقضي له بالأجر‏,‏ كجعل رد الآبق‏.‏

فصل‏:‏

ذكر القاضي فيما إذا التقط عبدا صغيرا أو جارية أن قياس المذهب أنه لا يملك بالتعريف وقال الشافعي‏:‏ يملك العبد دون الجارية‏,‏ لأن التملك بالتعريف عنده اقتراض والجارية عنده لا تملك بالقرض وهذه المسألة‏:‏ فيها نظر فإن اللقيط محكوم بحريته فإن كان ممن يعبر عن نفسه‏,‏ فأقر بأنه مملوك لم يقبل إقراره لأن الطفل لا قول له ولو اعتبر قوله في ذلك‏,‏ لاعتبر في تعريفه سيده والله أعلم‏.‏