فصل: فصل: حكم المدبرة وأم الولد والمعتقة بصفة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

والحكم في المدبرة وأم الولد والمعتقة بصفة‏,‏ كالأمة القن لأنها ناقصة بالرق إلا أن ولد أم الولد والمدبرة يقوم كأنه عبد له حكم أمه وكذلك من أعتق بعضها‏,‏ إلا أنه إذا فدى الولد لم يلزمه إلا فداء ما فيه من الرق لأن بقيته حر بحرية أمه لا باعتقاد الوطء فإن كانت مكاتبة فكذلك‏,‏ إلا أن مهرها لها لأنه من كسبها وكسبها لها وتجب قيمة ولدها على الرواية المشهورة قال أبو بكر‏:‏ ويكون ذلك لها تستعين به في كتابتها فإن كان الغرور منها‏,‏ فلا شيء لها إذ لا فائدة في إيجاب شيء لها يرجع به عليها وإن كان الغرور من غيرها‏,‏ غرمه لها ويرجع به على من غره‏.‏

فصل‏:‏

ولا يثبت أنها أمة بمجرد الدعوى فإن أقام بذلك بينة‏,‏ ثبت وإن أقرت أنها أمة فقال أحمد في رواية أبي الحارث‏:‏ لا يستحقها بإقرارها وذلك لأن إقرارها يزيل النكاح عنها‏,‏ ويثبت حقا على غيرها فلم يقبل كإقرارها بمال على غيرها وقال في رواية حنبل‏:‏ لا شيء له حتى يثبت‏,‏ أو تقر هي أنها أمته فظاهر هذا أنه يقبل إقرارها لأنها مقرة على نفسها بالرق أشبه غير الزوجة والأول أولى ولا نسلم أنه يقبل من غير ذات الزوج إقرارها بالرق بعد إقرارها بالحرية لأنها أقرت بما يتعلق به حق الله تعالى‏.‏

فصل‏:‏

إذا حملت المغرور بها فضرب بطنها ضارب‏,‏ فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة لأن هذا الجنين محكوم بحريته ويرثها ورثته من كانوا‏,‏ وعلى الضارب كفارة القتل وإن كان الضارب أباه لم يرثه وورثه أقاربه ولا يجب بذل هذا الولد للسيد لأنه إنما يستحق بذل حي‏,‏ وهذا ميت ويحتمل أن يجب له عشر قيمة أمه لأن الواطئ فوت ذلك عليه باعتقاد الحرية ولولاه لوجب له ذلك‏.‏

فصل‏:‏

إذا تزوجت المرأة عبدا على أنه حر فالنكاح صحيح وهذا قول أبي حنيفة‏,‏ وأحد قولي الشافعي لأن اختلاف الصفة لا يمنع صحة العقد كما لو تزوج أمة على أنها حرة وهذا إذا كملت شروط النكاح وكان ذلك بإذن سيده وإن كانت المرأة حرة‏,‏ وقلنا‏:‏ الحرية ليست من شروط الكفاءة أو أن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح فهو صحيح وللمرأة الخيار بين الفسخ والإمضاء فإن اختارت إمضاءه فلأوليائها الاعتراض عليها لعدم الكفاءة وإن كانت أمة فينبغي أن يكون لها الخيار أيضا لأنه لما ثبت الخيار للعبد إذا غر بأمة‏,‏ ثبت للأمة إذا غرت بعبد وكل موضع حكمنا بفساد العقد ففرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها مهر المثل‏,‏ أو المسمى على ما قدمنا من الاختلاف وكل موضع فسخ النكاح مع القول بصحته قبل الدخول فلا شيء لها‏,‏ وإن كان بعده فلها المسمى لأنه فسخ طرأ على نكاح فأشبه الطلاق‏.‏

فصل‏:‏

فإن غرها بنسب فبان دونه‏,‏ وكان ذلك مخلا بالكفاءة وقلنا بصحة النكاح فلها الخيار‏,‏ فإن اختارت الإمضاء فلأوليائها الاعتراض عليها وإن لم يخل بالكفاءة‏,‏ فلا خيار لها لأن ذلك ليس بمعتبر في النكاح فأشبه ما لو شرطه فقيها فبان بخلافه وكذلك إن شرطت غير النسب‏,‏ فإن كان مما يعتبر في الكفاءة فهو كما لو تبين أنه غير مكافئ لها في النسب وإن لم يعتبر في الكفاءة‏,‏ كالفقه والجمال وأشباه ذلك فلا خيار لها لأن ذلك مما لا يعتبر في النكاح فلا يؤثر اشتراطه وذكر فيما إذا بان نسبه دون ما ذكر وجه في ثبوت الخيار لها إن لم يخل بالكفاءة‏,‏ والأولى ما ذكرناه والله أعلم‏.‏

قال‏:‏ وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار ويفديهم إذا عتق ويرجع به على من غره

وجملة ذلك أن المغرور إذا كان عبدا فولده أحرار وقال أبو حنيفة‏:‏ يكون رقيقا لأن أبويه رقيق وليس ذلك بصحيح فإنه وطئها معتقدا حريتها‏,‏ فكان ولده حرا كولد الحر فإن هذا هو العلة المقتضية للحرية في محل الوفاق‏,‏ ولولا ذلك لكان رقيقا فإن علة رق الولد رق الأم خاصة ولا عبرة بحال الأب‏,‏ بدليل ولد الحر من الأمة وولد الحرة من العبد وعلى العبد فداؤهم لأنه فوت رقهم باعتقاده وفعله ولا مال له في الحال‏,‏ فيخرج في ذلك وجهان أحدهما‏:‏ يتعلق برقبته بمنزلة جنايته والثاني بذمته يتبع به بعد العتق‏,‏ بمنزلة عوض الخلع من الأمة إذا بذلته بغير إذن سيدها ويفارق الاستدانة والجناية لأنه إذا استدان أتلف مال الغريم فكان جناية منه وهاهنا لم يجن في الأولاد جناية‏,‏ وإنما عتقوا من طريق الحكم وما حصل له منهم عوض فيكون ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق‏,‏ ويرجع به حين يغرمه فإنه لا ينبغي أن يجب له بذل ما لم يفت عليه وأما الحرية فتتعجل في الحال وإن قلنا‏:‏ إن الفداء يتعلق برقبته وجب في الحال ويرجع به سيده في الحال‏,‏ ويثبت للعبد الخيار إذا علم كما ثبت للحر لمن يحل له نكاح الإماء لأن عليه ضررا في رق ولده ونقصا في استمتاعه‏,‏ فإنها لا تبيت معه ليلا ونهارا ولم يرض به ويحتمل أن لا يثبت له خيار لأنه فقد صفة لا ينقص بها عن رتبته فأشبه ما لو شرط نسب امرأة فبانت بخلافه لأنها مساوية لنسبه‏,‏ بخلاف تغرير الحر وقال بعض الشافعية‏:‏ لا خيار له قولا واحدا وقال بعضهم‏:‏ فيه قولان والأولى ما ذكرناه وإذا اختار الإقامة فالمهر واجب‏,‏ لا يرجع به على أحد وإن اختار الفسخ قبل الدخول فلا مهر وإن كان بعده والنكاح بإذن سيده‏,‏ فالمهر واجب عليه وفي الرجوع به خلاف ذكرناه فيما مضى وإن كان بغير إذنه‏,‏ فالنكاح فاسد فإن دخل بها ففي قدر ما يجب عليه وجهان أحدهما‏:‏ مهر المثل والثاني‏:‏ الخمسان وهل يرجع به‏؟‏ على وجهين‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرط أنها مسلمة‏,‏ فبانت كافرة فله الخيار لأنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرطها بكرا‏,‏ فبانت ثيبا فعن أحمد كلام يحتمل أمرين أحدهما‏:‏ لا خيار له لأن النكاح لا يرد فيه بعيب سوى ثمانية عيوب فلا يرد منه بمخالفة الشرط والثاني‏,‏ له الخيار لأنه شرط صفة مقصودة فبان خلافها فيثبت له الخيار‏,‏ كما لو شرط الحرية وعلى هذا لو شرطها ذات نسب فبانت دونه أو شرطها بيضاء‏,‏ فبانت سوداء أو شرطها طويلة فبانت قصيرة‏,‏ أو حسناء فبانت شوهاء خرج في ذلك كله وجهان ونحو هذا مذهب الشافعي وقال أبو ثور‏:‏ القياس أن له الرد إن كان فيه اختلاف وإن كان إجماعا فالإجماع أولى من النظر قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم أحدا وافق أبا ثور على مقالته وممن ألزم الزوج من هذه صفتها الثوري والشافعي‏,‏ وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وروى الزهري‏,‏ أن رجلا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء كانت الحيضة خرقت عذرتها‏,‏ فأرسلت إليه عائشة إن الحيضة تذهب العذرة يقينا وعن الحسن والشعبي وإبراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء‏:‏ ليس عليه شيء‏,‏ العذرة تذهبها الوثبة وكثرة الحيض والتعنس‏,‏ والحمل الثقيل والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا تزوج امرأة يظنها حرة فبانت أمة أو يظنها مسلمة‏,‏ فبانت كافرة أو تزوجت عبدا تظنه حرا فلهم الخيار‏,‏ كما لو شرطوا ذلك نص عليه أحمد في امرأة تزوجت عبدا تظنه حرا فلها الخيار وقال الشافعي في الأمة‏:‏ لا خيار له وفي الكافرة‏:‏ له الخيار وقال بعضهم فيهما جميعا قولان ولنا أن بعض الرق أعظم ضررا‏,‏ فإنه يؤثر في رق ولده ويمنع كمال استمتاعه فكان له الخيار‏,‏ كما لو كانت كافرة‏.‏

فصل‏:‏

وإن شرطها أمة فبانت حرة أو ذات نسب‏,‏ فبانت أشرف منه أو على صفة دنيئة فبانت خيرا من شرطه‏,‏ أو كافرة فبانت مسلمة فلا خيار له في ذلك لأنه زيادة وقال أبو بكر له الخيار إذا بانت مسلمة لأنه قد يكون له غرض في عدم وجوب العبادات والأول أولى‏.‏

فصل‏:‏

وكل موضع ثبت له الخيار ففسخ قبل الدخول‏,‏ فلا مهر عليه وإن فسخ بعده وكان التغرير ممن له المهر فلا شيء عليه أيضا‏,‏ وإن كان من غيره فعليه المهر يدفعه ثم يرجع به على الغار‏,‏ فإن كان التغرير من أوليائها رجع عليهم وإن علم بعضهم احتمل أن يرجع عليه وحده لأنه الغار‏,‏ واحتمل أن يرجع على جميعهم لأن حقوق الآدميين في العمد والسهو سواء‏.‏

قال‏:‏ وإذا قال‏:‏ قد جعلت عتق أمتى صداقها بحضرة شاهدين فقد ثبت العتق والنكاح وإذا قال‏:‏ أشهد إني قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها كان العتق والنكاح أيضا ثابتين‏,‏ سواء تقدم العتق أو تأخر إذا لم يكن بينهما فصل فإن طلقها قبل الدخول‏,‏ رجع عليها بنصف قيمتها

في هذه المسألة خمسة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏

أن ظاهر المذهب أن الرجل إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها فهو نكاح صحيح نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروى ذلك عن على رضي الله عنه وفعله أنس بن مالك وبه قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن‏,‏ والحسن والزهري وإسحاق وقال الأوزاعي‏:‏ يلزمها أن تتزوجه وروى المروذي عن أحمد‏:‏ إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها‏,‏ يوكل رجلا يزوجه وظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة النكاح قال أبو الخطاب هي الصحيحة واختارها القاضي وابن عقيل وهو قول أبي حنيفة ومالك‏,‏ والشافعي لأنه لم يوجد إيجاب وقبول فلم يصح لعدم أركانه كما لو قال‏:‏ أعتقتك وسكت ولأنها بالعتق تملك نفسها‏,‏ فيجب أن يعتبر رضاها كما لو فصل بينهما ولأن العتق يزيل ملكه عن الاستمتاع بحق الملك فلا يجوز أن يستبيح الوطء بالمسمى‏,‏ فإنه لو قال‏:‏ بعتك هذه الأمة على أن تزوجنيها بالثمن لم يصح ولنا ما روى أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ أعتق صفية‏,‏ وجعل عتقها صداقها ‏)‏‏)‏ متفق عليه وفي لفظ‏:‏ أعتقها وتزوجها فقلت‏:‏ يا أبا حمزة ما أصدقها‏؟‏ قال‏:‏ نفسها وروى الأثرم بإسناده عن صفية قالت‏:‏ ‏(‏‏(‏ أعتقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعل عتقى صداقي ‏)‏‏)‏ وبإسناده عن على رضي الله عنه أنه كان يقول‏:‏ إذا أعتق الرجل أم ولده‏,‏ فجعل عتقها صداقها فلا بأس بذلك ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح لأن الصداق لا يتقدم النكاح‏,‏ ولو تأخر العتق عن النكاح لم يجز فدل على أنه انعقد بهذا اللفظ ولأنه لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه استأنف عقدا ولو استأنفه لظهر‏,‏ ونقل كما نقل غيره ولأن من جاز له تزويج امرأة لغيره من غير قرابة جاز له أن يتزوجها كالإمام وقولهم‏:‏ لم يوجد إيجاب ولا قبول عديم الأثر فإنه لو وجد لم يحكموا بصحته‏,‏ وعلى أنه إن لم يوجد فقد وجد ما يدل عليه وهو جعل العتق صداقا فأشبه ما لو تزوج امرأة هو وليها‏,‏ وكما لو قال الخاطب للولي‏:‏ أزوجت‏؟‏ فقال‏:‏ نعم وقال للزوج‏:‏ أقبلت‏؟‏ فقال‏:‏ نعم عند أصحابنا وكما لو أتى بالكنايات عند أبي حنيفة ومن وافقه

الفصل الثاني‏:‏

أن النكاح ينعقد بقوله‏:‏ أعتقتك وجعلت عتقك صداقك وتزوجتك وبذلك خاليا عن قوله‏:‏ وتزوجتك وهذا لفظ الخرقي‏,‏ وهو الذي جاء في حديث أنس وبقوله‏:‏ جعلت عتقك صداقك أو جعلت صداقك عتقك وهذا معنى قول الخرقي‏:‏ ‏"‏ سواء تقدم العتق أو تأخر ‏"‏ ونص أحمد على هذا في رواية صالح‏:‏ إذا قال‏:‏ جعلت عتقك صداقك أو صداقك عتقك كل ذلك جائز

الفصل الثالث‏:‏

أن لا يكون بينهما فصل ولو قال‏:‏ أعتقتك وسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه‏,‏ أو تكلم بكلام أجنبي ثم قال‏:‏ جعلت عتقك صداقك لم يصح النكاح لأنها صارت بالعتق حرة فيحتاج أن يتزوجها برضاها بصداق جديد

الفصل الرابع‏:‏

أنه لا بد من شاهدين إذا قلنا باشتراط الشهادة في النكاح نص عليه أحمد‏,‏ في رواية الجماعة وذلك لقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا نكاح إلا بولي وشاهدين ‏)‏‏)‏‏.‏

الفصل الخامس‏:‏

أنه إذا طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها‏,‏ وقد فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله فرجع بنصف قيمة نفسها وبهذا قال الحسن‏,‏ والحكم وقال الأوزاعي يرجع بربع قيمتها ولنا أنه طلاق قبل الدخول فأوجب الرجوع في النصف كسائر الطلاق وتعتبر القيمة حالة الإعتاق لأنها حالة الإتلاف فإن لم تكن قادرة على نصف القيمة‏,‏ فهل تستسعى فيها أو تكون دينا تنظر به إلى حال القدرة‏؟‏ على روايتين وإن قلنا‏:‏ إن النكاح لا ينعقد بهذا القول فعليها قيمة نفسها لأنه أزال ملكه بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمة المفوت‏,‏ كالبيع الفاسد وكذلك إن قلنا‏:‏ إن النكاح انعقد به فارتدت قبل الدخول أو فعلت ما ينفسخ به نكاحها مثل أن أرضعت زوجة له صغيرة‏,‏ ونحو ذلك انفسخ نكاحها وعليها قيمة نفسها‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لأمته‏:‏ أعتقتك على أن تزوجيني نفسك‏,‏ ويكون عتقك صداقك أو لم يقل‏:‏ ويكون عتقك صداقك فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تزوجه نفسها لأنه سلف في نكاح‏,‏ فلم يلزمها كما لو كان أسلف حرة ألفا على أن يتزوجها ولأنها أسقطت حقها من الخيار قبل وجود سببه‏,‏ فلم يسقط كالشفيع يسقط شفعته قبل البيع ويلزمها قيمة نفسها أومأ إليه أحمد‏,‏ في رواية عبد الله وهو مذهب الشافعي لأنه أزال ملكه منها بشرط عوض لم يسلم له فاستحق الرجوع بقيمته كالبيع الفاسد إذا تلفت السلعة في يد المشتري‏,‏ والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول ويحتمل أن لا يلزمها شيء بناء على ما إذا قال لعبده‏:‏ أعتقتك على أن تعطيني ألفا وهذا قول مالك وزفر لأن هذا ليس بلفظ شرط‏,‏ فأشبه ما لو قال‏:‏ أعتقتك وزوجيني نفسك وتعتبر القيمة حالة العتق ويطالبها بها في الحال إن كانت قادرة عليها‏,‏ وإن كانت معسرة فهل تنظر إلى الميسرة أو تجبر على الكسب‏؟‏ على وجهين‏,‏ أصلهما في المفلس هل يجبر على الكسب‏؟‏ على روايتين‏.‏

فصل‏:‏

وإن اتفق السيد وأمته على أن يعتقها وتزوجه نفسها فتزوجها على ذلك‏,‏ صح ولا مهر لها غير ما شرط من العتق وبه قال أبو يوسف وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ لا يكون العتق صداقا‏,‏ لكن إن تزوجها على القيمة التي له في ذمتها وهما يعلمان القيمة صح الصداق ولنا أن العتق صلح صداقا في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجوز في حق أمته كالدراهم ولأنه يصلح عوضا في البيع‏,‏ فإنه لو قال‏:‏ أعتق عبدك على ألف جاز فلأن يكون عوضا في النكاح أولى فإن النكاح لا يقصد فيه العوض وعلى هذا لو تزوجها على أن يعتق أباها‏,‏ صح نص عليه أحمد في رواية عبد الله إذا ثبت هذا فإن العتق يصير صداقا‏,‏ كما لو دفع إليها مالا ثم تزوجها عليه فإن بذلت له نفسها ليتزوجها فامتنع لم يجبر وكانت له القيمة لأنها إذا لم تجبر على تزويجه نفسها‏,‏ لم يجبر هو على قبولها وحكم المدبرة والمعتقة بصفة وأم الولد‏,‏ حكم الأمة القن في جميع ما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏

وإن أعتقت امرأة عبدها بشرط أن يتزوجها عتق‏,‏ ولا شيء عليه لأن النكاح يحصل به الملك للزوج وليس بمملوك به فإذا اشترطت عليه إثبات الملك له‏,‏ لم يلزمه ذلك كما لو اشترطت عليه أن تملكه دارا ولو أراد العبد تزوجها لم تجبر لأن الشرط لها فلا يوجب عليها‏,‏ كما لو شرط السيد على أمته أن تزوجه نفسها لم يلزمه ذلك‏.‏

فصل‏:‏

ولا بأس أن يعتق الرجل الأمة ثم يتزوجها سواء أعتقها لوجه الله تعالى‏,‏ أو أعتقها ليتزوجها وكره أنس تزويج من أعتقها لله تعالى قال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله روى شعبة عن قتادة عن أنس‏,‏ أنه كره أن يعتق الأمة ثم يتزوجها‏؟‏ فقال‏:‏ نعم إذا أعتقها لله‏,‏ كره أن يرجع في شيء منها ولنا ما روى أبو موسى قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ من كانت عنده جارية‏,‏ فعلمها وأحسن إليها ثم أعتقها‏,‏ وتزوجها فذلك له أجران ‏)‏‏)‏ متفق عليه ولأنه إذا تزوجها فقد أحسن إليها بإعفافها وصيانتها‏,‏ فلم يكره كما لو زوجها غيره وليس في هذا رجوع فيما جعل لله تعالى‏,‏ فإنه إنما يتزوجها بصداقها فهو بمنزلة من اشترى منها شيئا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أراد أن يتزوجها بعد عتقها لم يحتج إلى استبراء‏,‏ سواء كان يطؤها أو لم يكن لأن الاستبراء لصيانة الماء ولا يصان ذلك عنه فإن اشترى أمة فأعتقها قبل أن يستبرئها لم يحل له أن يتزوجها ولا يزوجها حتى يستبرئها لأنه كان واجبا‏,‏ فلا يسقط بإعتاقه لها قال أحمد في الرجل تكون له الأمة لا يطؤها فيعتقها‏:‏ لا يتزوجها من يومها حتى يستبرئها فإن كان يطؤها فأعتقها‏,‏ تزوجها من يومه ومتى شاء لأنها في مائه قال القاضي‏:‏ معنى قوله‏:‏ إن كان يطؤها أي يحل له وطؤها وهي التي قد استبرأها وقوله‏:‏ إن كان لا يطؤها أي‏:‏ لا يحل له وطؤها وهي التي لم يمض عليها زمان الاستبراء فلا يحل له تزوجها حتى يستبرئها وإذا مضى لها بعض الاستبراء قبل عتقها‏,‏ أتمته بعده ولا يلزمها استئناف الاستبراء لأن الاستبراء وجب بالشراء لا بالعتق‏,‏ فيحسب ابتداؤه من حين وجد سببه‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ أعتق عبدك على أن أزوجك ابنتى فأعتقه لم يلزمه أن يزوجه ابنته لأنه سلف في النكاح‏,‏ وعليه قيمة العبد وقال الشافعي في أحد قوليه‏:‏ لا يلزمه شيء لأنه لا فائدة له في العتق ولنا أنه أزال ملكه عن عبده بعوض شرطه فلزمه عوضه‏,‏ كما لو قال‏:‏ أعتق عبدك عني وعلى ثمنه وكما لو قال‏:‏ طلق زوجتك وعلى ألف فطلقها‏,‏ أو قال‏:‏ ألق متاعك في البحر وعلى ثمنه وبهذه الأصول يبطل قولهم‏:‏ إنه لا فائدة له في العتق‏.‏

فصل‏:‏

ولو قال‏:‏ زوجتك ابنتى فقال‏:‏ قبلت انعقد النكاح وقال الشافعي في أحد قوليه‏:‏ لا ينعقد حتى يقول‏:‏ قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج لأنه كناية في النكاح يفتقر إلى النية والإضمار‏,‏ فلم ينعقد به كلفظ الهبة والبيع ولنا أن القبول صريح في الجواب فانعقد به‏,‏ كما ينعقد به البيع وسائر العقود وقولهم‏:‏ يفتقر إلى النية ممنوع فإنه جواب فلا ينصرف إلا إلى المذكور‏.‏

فصل‏:‏

وينعقد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج والجواب عنهما إجماعا وهما اللذان ورد بهما نص الكتاب في قوله سبحانه‏:‏ ‏(‏‏(‏ زوجناكها ‏)‏‏)‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ‏}‏ وسواء اتفقا من الجانبين أو اختلفا‏,‏ مثل أن يقول‏:‏ زوجتك بنتى هذه فيقول‏:‏ قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج ولا ينعقد بغير لفظ الإنكاح والتزويج وبهذا قال سعيد بن المسيب وعطاء‏,‏ والزهري وربيعة والشافعي وقال الثوري‏,‏ والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه‏,‏ وأبو ثور وأبو عبيد وداود‏:‏ ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك وفي لفظ الإجارة عن أبي حنيفة روايتان وقال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر واحتجوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- زوج رجلا امرأة‏,‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ قد ملكتكها بما معك من القرآن ‏)‏‏)‏ رواه البخاري ولأنه لفظ ينعقد به تزويج النبي -صلى الله عليه وسلم- فانعقد به نكاح أمته كلفظ الإنكاح والتزويج ولأنه أمكن تصحيحه بمجازه فوجب تصحيحه‏,‏ كإيقاع الطلاق بالكنايات ولنا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين‏}‏ فذكر ذلك خالصا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأنه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كلفظ الإجارة والإباحة والإحلال ولأنه ليس بصريح في النكاح فلا ينعقد به‏,‏ كالذي ذكرنا وهذا لأن الشهادة شرط في النكاح والكناية إنما تعلم بالنية ولا يمكن الشهادة على النية‏,‏ لعدم اطلاعهم عليها فيجب أن لا ينعقد وبهذا فارق بقية العقود والطلاق وأما الخبر‏,‏ فقد روى‏:‏ ‏"‏ زوجتكها ‏"‏ و ‏"‏ أنكحتكها ‏"‏ و ‏"‏ زوجناكها ‏"‏ من طرق صحيحة والقصة واحدة والظاهر أن الراوى روى بالمعنى ظنا منه أن معناها واحد فلا تكون حجة‏,‏ وإن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الألفاظ فلا حجة لهم فيه لأن النكاح انعقد بأحدها والباقي فضلة‏.‏

فصل‏:‏

ومن قدر على لفظ النكاح بالعربية‏,‏ لم يصح بغيرها وهذا أحد قولي الشافعي وعند أبي حنيفة ينعقد لأنه أتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بلفظ العربية ولنا‏,‏ أنه عدل عن لفظ الإنكاح والتزويج مع القدرة فلم يصح كلفظ الإحلال فأما من لا يحسن العربية‏,‏ فيصح منه عقد النكاح بلسانه لأنه عاجز عما سواه فسقط عنه كالأخرس ويحتاج أن يأتى بمعناهما الخاص‏,‏ بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربى وليس على من لا يحسن العربية تعلم ألفاظ النكاح بها وقال أبو الخطاب‏:‏ عليه أن يتعلم لأن ما كانت العربية شرطا فيه لزمه أن يتعلمها مع القدرة كالتكبير ووجه الأول أن النكاح غير واجب‏,‏ فلم يجب تعلم أركانه بالعربية كالبيع بخلاف التكبير فإن كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الآخر أتى الذي يحسن العربية بها‏,‏ والآخر يأتى بلسانه فإن كان أحدهما لا يحسن لسان الآخر احتاج أن يعلم أن اللفظة التي أتى بها صاحبه لفظة الإنكاح بأن يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا‏.‏

فصل‏:‏

فأما الأخرس فإن فهمت إشارته صح نكاحه بها لأنه معنى لا يستفاد إلا من جهة واحدة‏,‏ فصح بإشارته كبيعه وطلاقه ولعانه وإن لم تفهم إشارته‏,‏ لم يصح منه كما لم يصح غيره من التصرفات القولية ولأن النكاح عقد بين شخصين فلا بد من فهم كل واحد منهما ما يصدر من صاحبه ولو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضا لأن الشهادة شرط‏,‏ ولا يصح على ما لا يفهم قال أحمد‏:‏ لا يزوجه وليه يعني إذا كان بالغا لأن الخرس لا يوجب الحجر فهو كالصمم‏.‏

فصل‏:‏

إذا تقدم القبول على الإيجاب لم يصح رواية واحدة سواء كان بلفظ الماضي‏,‏ مثل أن يقول‏:‏ تزوجت ابنتك فيقول‏:‏ زوجتك أو بلفظ الطلب كقوله‏:‏ زوجني ابنتك فيقول‏:‏ زوجتكها وقال أبو حنيفة ومالك‏,‏ والشافعي‏:‏ يصح فيهما جميعا لأنه قد وجد الإيجاب والقبول فيصح كما لو تقدم الإيجاب ولنا أن القبول إنما يكون للإيجاب‏,‏ فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه فلم يصح كما لو تقدم بلفظ الاستفهام‏,‏ ولأنه لو تأخر عن الإيجاب بلفظ الطلب لم يصح فإذا تقدم كان أولى‏,‏ كصيغة الاستفهام ولأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال‏:‏ قبلت هذا النكاح فقال الولي‏:‏ زوجتك ابنتى لم يصح فلأن لا يصح إذا أتى بغيرها أولى وأما البيع فلا يشترط فيه صيغة الإيجاب والقبول بل يصح بالمعاطاة ولأنه لا يتعين فيه لفظ‏,‏ بل يصح بأى لفظ كان مما يؤدى المعنى ولا يلزم الخلع لأنه يصح تعليقه على الشروط‏.‏

فصل‏:‏

وإذا عقد النكاح هازلا أو تلجئة صح لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ ثلاث هزلهن جد‏,‏ وجدهن جد الطلاق والنكاح والرجعة ‏)‏‏)‏ رواه الترمذي وعن الحسن قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ من نكح لاعبا‏,‏ أو طلق لاعبا أو أعتق لاعبا جاز ‏)‏‏)‏ وقال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن الطلاق‏,‏ والنكاح والعتاق والنذر وقال على أربع لا لعب فيهن‏:‏ الطلاق‏,‏ والعتاق والنكاح والنذر‏.‏

فصل‏:‏

إذا تراخى القبول عن الإيجاب‏,‏ صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا عنه بغيره لأن حكم المجلس حكم حالة العقد‏,‏ بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه وثبوت الخيار في عقود المعاوضات فإن تفرقا قبل القبول بطل الإيجاب فإنه لا يوجد معناه‏,‏ فإن الإعراض قد وجد من جهته بالتفرق فلا يكون قبولا وكذلك إن تشاغلا عنه بما يقطعه لأنه معرض عن العقد أيضا بالاشتغال عن قبوله وقد نقل أبو طالب عن أحمد‏,‏ في رجل مشى إليه قوم فقالوا له‏:‏ زوج فلانا قال‏:‏ قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال‏:‏ قد قبلت هل يكون هذا نكاحا‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال القاضي‏:‏ هذا محمول على أنه وكل من قبل العقد في المجلس وقال أبو بكر‏:‏ مسألة أبي طالب تتوجه على قولين واختار أنه لا بد من القبول في المجلس وهو الصحيح -إن شاء الله تعالى-‏.‏

فصل‏:‏

فإن أوجب النكاح‏,‏ ثم زال عقله بجنون أو إغماء بطل حكم الإيجاب ولم ينعقد بالقبول بعده لأنه ما لم يضامه القبول لم يكن عقدا‏,‏ فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون وهذا مذهب الشافعي وإن زال عقله بنوم‏,‏ لم يبطل حكم الإيجاب لأنه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هذا‏.‏