فصل: فصل: لا يثبت في النكاح خيار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ولا يثبت في النكاح خيار وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط ولا نعلم أحدا خالف في هذا‏,‏ وذلك لأن الحاجة غير داعية إليه فإنه لا يقع في الغالب إلا بعد ترو وفكر‏,‏ ومسألة كل واحد من الزوجين عن صاحبه والمعرفة بحاله بخلاف البيع الواقع في الأسواق من غير فكر ولا روية ولأن النكاح ليس بمعاوضة محضة‏,‏ ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا صفة ويصح من غير تسمية العوض ومع فساده ولأن ثبوت الخيار فيه يفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة‏,‏ فإن في فسخه بعد العقد ضررا بالمرأة ولذلك أوجب الطلاق قبل الدخول نصف الصداق‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب أن يخطب العاقد أو غيره قبل التواجب ثم يكون العقد بعده لقول النبي‏:‏ -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد لله‏,‏ فهو أقطع ‏)‏‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء ‏)‏‏)‏ رواهما ابن المنذر ويجزئ من ذلك أن يحمد الله تعالى ويتشهد‏,‏ ويصلى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمستحب أن يخطب بخطبة عبد الله بن مسعود التي قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة قال‏:‏ التشهد في الحاجة‏:‏ إن الحمد لله‏,‏ نحمده ونستعينه ونستغفره‏,‏ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له‏,‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات‏:‏ ‏{‏ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ‏}‏ و‏:‏ ‏{‏ اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ‏}‏ و‏:‏ ‏{‏ اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم‏}‏ الآية ‏)‏‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن قال الخلال‏:‏ حدثنا أبو سليمان إمام طرسوس قال‏:‏ كان الإمام أحمد بن حنبل إذا حضر عقد نكاح لم يخطب فيه بخطبة عبد الله بن مسعود قام وتركهم وهذا كان من أبي عبد الله على طريق المبالغة في استحبابها‏,‏ لا على الإيجاب فإن حرب بن إسماعيل قال‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ فيجب أن تكون خطبة النكاح مثل قول ابن مسعود‏؟‏ فوسع في ذلك وقد روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعى ليزوج قال‏:‏ لا تفضضوا علينا الناس‏,‏ الحمد لله وصلى الله على محمد إن فلانا يخطب إليكم‏,‏ فإن أنكحتموه فالحمد لله وإن رددتموه فسبحان الله والمستحب خطبة واحدة يخطبها الولي أو الزوج‏,‏ أو غيرهما وقال الشافعي‏:‏ المسنون خطبتان هذه التي ذكرناها في أوله‏,‏ وخطبة من الزوج قبل قبوله والمنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن السلف خطبة واحدة وهو أولى ما اتبع‏.‏

فصل‏:‏

والخطبة غير واجبة عند أحد من أهل العلم علمناه‏,‏ إلا داود فإنه أوجبها لما ذكرناه ولنا ‏(‏‏(‏ أن رجلا قال للنبي‏:‏ -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله زوجنيها فقال رسول الله‏:‏ -صلى الله عليه وسلم- زوجتكها بما معك من القرآن ‏)‏‏)‏ متفق عليه ولم يذكر خطبة وخطب إلى عمر مولاة له‏,‏ فما زاد على أن قال‏:‏ قد أنكحناك على ما أمر الله على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال جعفر بن محمد‏,‏ عن أبيه‏:‏ إن كان الحسين ليزوج بعض بنات الحسن وهو يتعرق العرق رواهما ابن المنذر وروى أبو داود بإسناده عن رجل من بني سليم‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ خطبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد ‏)‏‏)‏ ولأنه عقد معاوضة فلم تجب فيه الخطبة كالبيع‏,‏ وما استدلوا به يدل على عدم الكمال بدون الخطبة لا على الوجوب‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب إعلان النكاح والضرب فيه بالدف قال أحمد‏:‏ يستحب أن يظهر النكاح‏,‏ ويضرب فيه بالدف حتى يشتهر ويعرف وقيل له‏:‏ ما الدف‏؟‏ قال‏:‏ هذا الدف قال‏:‏ لا بأس بالغزل في العرس بمثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار‏:‏ ‏(‏‏(‏ أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم‏,‏ لولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السوداء ما سرت عذاريكم ‏)‏‏)‏ لا على ما يصنع الناس اليوم ومن غير هذا الوجه‏:‏ ‏(‏‏(‏ ولولا الحنطة الحمراء ما سمنت عذاريكم ‏)‏‏)‏ وقال أحمد أيضا‏:‏ يستحب ضرب الدف‏,‏ والصوت في الإملاك فقيل له‏:‏ ما الصوت‏؟‏ قال‏:‏ يتكلم ويتحدث ويظهر والأصل في هذا ما روى محمد بن حاطب قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ فصل ما بين الحلال والحرام والصوت والدف في النكاح ‏)‏‏)‏ رواه النسائي وقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏‏(‏ أعلنوا النكاح ‏)‏‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏‏(‏ أظهروا النكاح ‏)‏‏)‏ وكان يحب أن يضرب عليه بالدف وفي لفظ‏:‏ ‏(‏‏(‏ واضربوا عليه بالغربال ‏)‏‏)‏ وعن عائشة‏,‏ أنها زوجت يتيمة رجلا من الأنصار وكانت عائشة في من أهداها إلى زوجها قالت‏:‏ فلما رجعنا قال لنا رسول الله‏:‏ -صلى الله عليه وسلم- ‏"‏ ما قلتم يا عائشة‏؟‏ ‏"‏ قالت‏:‏ سلمنا‏,‏ ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال‏:‏ ‏"‏ إن الأنصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا عائشة‏:‏ ‏(‏‏(‏ أتيناكم أتيناكم‏,‏ فحيانا وحياكم ‏)‏‏)‏ روى هذا كله أبو عبد الله بن ماجه في ‏"‏ سننه ‏"‏ وقال أحمد -رحمه الله-‏:‏ لا بأس بالدف في العرس والختان وأكره الطبل‏,‏ وهو المنكر وهو الكوبة التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-‏.‏

فصل‏:‏

فإن عقده بولي وشاهدين‏,‏ فأسروه أو تواصوا بكتمانه كره ذلك‏,‏ وصح النكاح وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر وممن كره نكاح السر عمر رضي الله عنه وعروة‏,‏ وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة والشعبي ونافع مولى ابن عمر وقال أبو بكر عبد العزيز النكاح باطل لأن أحمد قال‏:‏ إذا تزوج بولي وشاهدين‏:‏ لا‏,‏ حتى يعلنه وهذا مذهب مالك والحجة لهما ما تقدم في الفصل الذي قبل هذا ولنا قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا نكاح إلا بولي ‏)‏‏)‏ مفهومه انعقاده بذلك وإن لم يوجد الإظهار ولأنه عقد معاوضة فلم يشترط إظهاره كالبيع وأخبار الإعلان يراد بها الاستحباب‏,‏ بدليل أمره فيها بالضرب بالدف والصوت وليس ذلك بواجب فكذلك ما عطف عليه وقول أحمد لا نهى كراهة‏,‏ فإنه قد صرح فيما حكينا عنه قبل هذا باستحباب ذلك ولأن إعلان النكاح والضرب فيه بالدف إنما يكون في الغالب بعد عقده ولو كان شرطا لاعتبر حال العقد كسائر الشروط‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب عقد النكاح يوم الجمعة لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك منهم ضمرة بن حبيب‏,‏ وراشد بن سعد وحبيب بن عتبة ولأنه يوم شريف ويوم عيد‏,‏ فيه خلق الله آدم عليه السلام والمساية أولى فإن أبا حفص روى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ مسوا بالإملاك فإنه أعظم للبركة ‏)‏‏)‏ ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب أن يقال للمتزوج‏:‏ بارك الله لك‏,‏ وبارك عليك وجمع بينكما في خير وعافية وقد روى ‏(‏‏(‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن أثر صفرة فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقال‏:‏ إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب قال‏:‏ بارك الله لك‏,‏ أولم ولو بشاة ‏)‏‏)‏ متفق عليه قال بعض أهل العلم‏:‏ وزن النواة خمسة دراهم وذلك ثلاثة مثاقيل ونصف من الذهب وقال المبرد‏:‏ الصواب عند أهل العلم بالعربية أن يقال‏:‏ على نواة فحسب فإن النواة عندهم اسم لخمسة دراهم‏,‏ كما أن الأوقية أربعون درهما والنش عشرون والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب أن يقول إذا زفت إليه ما روى صالح بن أحمد‏,‏ في ‏"‏ مسائله ‏"‏ عن أبيه حدثنا داود عن أبي نضرة‏,‏ عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال‏:‏ تزوج فحضره عبد الله بن مسعود‏,‏ وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحضرت الصلاة‏,‏ فقدموه وهو مملوك فصلى بهم ثم قالوا له‏:‏ إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين‏,‏ ثم خذ برأس أهلك فقل‏:‏ اللهم بارك لي في أهلى وبارك لأهلى في‏,‏ وارزقهم مني وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك وروى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب‏,‏ عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما‏,‏ فليقل‏:‏ اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه‏,‏ وليقل مثل ذلك ‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات ‏)‏‏)‏ أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحدا خالفه منهم إلا شيئا يحكى عن القاسم بن إبراهيم‏,‏ أنه أباح تسعا لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ‏}‏ والواو للجمع ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات عن تسع وهذا ليس بشيء لأنه خرق للإجماع وترك للسنة فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ قال لغيلان بن سلمة‏,‏ حين أسلم وتحته عشر نسوة‏:‏ أمسك أربعا وفارق سائرهن ‏)‏‏)‏ وقال نوفل بن معاوية‏:‏ ‏(‏‏(‏ أسلمت وتحتى خمس نسوة فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ فارق واحدة منهن ‏)‏‏)‏ رواهما الشافعي‏,‏ في ‏"‏ مسنده ‏"‏ وإذا منع من استدامة زيادة عن أربع فالابتداء أولى فالآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع‏,‏ كما قال‏:‏ ‏{‏ أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع ‏}‏ ولم يرد أن لكل ملك تسعة أجنحة ولو أراد ذلك لقال‏:‏ تسعة ولم يكن للتطويل معنى ومن قال غير هذا فقد جهل اللغة العربية وأما النبي -صلى الله عليه وسلم- فمخصوص بذلك‏,‏ ألا ترى أنه جمع بين أربعة عشر‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ وليس للعبد أن يجمع إلا اثنتين ‏)‏‏)‏

أجمع أهل العلم على أن للعبد أن ينكح اثنتين واختلفوا في إباحة الأربع فمذهب أحمد‏,‏ أنه لا يباح له إلا اثنتان وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلى وعبد الرحمن بن عوف‏,‏ عليه السلام وبه قال عطاء والحسن والشعبي‏,‏ وقتادة والثوري والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطاوس‏,‏ ومجاهد والزهري وربيعة‏,‏ ومالك وأبو ثور‏,‏ وداود‏:‏ له نكاح أربع لعموم الآية ولأن هذا طريقه اللذة والشهوة فساوى العبد الحر فيه كالمأكول ولنا قول من سمينا من الصحابة‏,‏ ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا وقد روى ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة‏,‏ قال‏:‏ أجمع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ويقوى هذا ما روى الإمام أحمد بإسناده عن محمد بن سيرين أن عمر رضي الله عنه سأل الناس‏:‏ كم يتزوج العبد‏؟‏ فقال عبد الرحمن بن عوف‏:‏ باثنتين‏,‏ وطلاقه باثنتين فدل هذا على أن ذلك كان بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر وهذا يخص عموم الآية‏,‏ على أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ أو ما ملكت أيمانكم ‏}‏ ويفارق النكاح المأكول فإنه مبنى على التفضل ولهذا فارق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه أمته ولأن فيه ملكا‏,‏ والعبد ينقص في الملك عن الحر‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ وله أن يتسرى بإذن سيده ‏)‏‏)‏ هذا هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والشعبي‏,‏ والنخعي والزهري ومالك‏,‏ والأوزاعي والثوري وأبي ثور وكره ذلك ابن سيرين‏,‏ وحماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي وللشافعي قولان مبنيان على أن العبد هل يملك بتمليك سيده أو لا‏؟‏ وقال القاضي أبو يعلى‏:‏ يجب أن يكون في مذهب أحمد في تسري العبد وجهان مبنيان على الروايتين في ثبوت الملك له بتمليك سيده واحتج من منع ذلك بأن العبد لا يملك المال‏,‏ ولا يجوز له الوطء إلا في نكاح أو ملك يمين لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ‏}‏ ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يتسرى العبد‏,‏ ونحوه عن ابن عباس ولأن العبد يملك النكاح فملك التسري كالحر وقولهم‏:‏ إن العبد لا يملك المال ممنوع فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ من اشترى عبدا‏,‏ وله مال ‏)‏‏)‏ فجعل المال له ولأنه آدمي فملك المال كالحر وذلك لأنه بآدميته يتمهد لأهلية الملك‏,‏ إذ كان الله تعالى خلق الأموال للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف التكاليف وأداء العبادات قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ‏}‏ والعبد داخل في العموم‏,‏ ومن أهل التكليف والعبادات فيكون أهلا للملك ولذلك ملك في النكاح‏,‏ وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة لا حياة فيها باعتبار مآله إلى الآدمية‏,‏ فالعبد الذي هو آدمي مكلف أولى إذا ثبت هذا فلا يجوز له التسري إلا بإذن سيده ولو ملكه سيده جارية‏,‏ لم يبح له وطؤها حتى يأذن له فيه لأن ملكه ناقص ولسيده نزعه منه متى شاء من غير فسخ عقد فلم يكن له التصرف فيه إلا بإذن سيده فإن أذن له فقال‏:‏ تسراها أو‏:‏ أذنت لك في وطئها أو ما دل عليه‏,‏ أبيح له وما ولد له من التسري فحكمه حكم ملكه لأن الجارية مملوكة له فكذلك ولدها وإن تسري بغير إذن سيده‏,‏ فالولد ملك لسيده‏.‏

فصل‏:‏

وله التسري بما شاء إذا أذن له السيد في ذلك نص عليه أحمد لأن من جاز له التسري جاز من غير حصر كالحر فإن أذن له وأطلق التسري تسري بواحدة وكذلك إذا أذن له في التزويج‏,‏ لم يجز أن يتزوج أكثر من واحدة وبهذا قال أصحاب الرأي وأبو ثور‏:‏ إذا أذن له في التزويج فعقد على اثنتين في عقد جاز ولنا أن الإذن المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم يقينا‏,‏ وما زاد مشكوك فيه فيبقى على الأصل كما لو أذن له في طلاق امرأته‏,‏ لم يكن له أن يطلق أكثر من واحدة ولأن الزائد على الواحدة يحتمل أن يكون غير مراد فيبقى على أصل التحريم كما لو شك هل أذن له أو لا‏؟‏‏.‏

فصل‏:‏

والمكاتب كالعبد القن‏,‏ لا يتزوج ولا يتسرى إلا بإذن سيده لأن في ذلك إتلافا للمال الذي في يديه وقد قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏‏(‏ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ‏)‏‏)‏ وأما المعتق بعضه فإذا ملك بجزئه الحر جارية‏,‏ فملكه تام وله الوطء بغير إذن سيده لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏ أو ما ملكت أيمانكم‏}‏ ولأن ملكه عليها تام له التصرف فيها بما شاء بغير إذن سيده‏,‏ فكذلك الوطء وما فيه من الرق لا يمنعه من استيفاء ما يملكه كما له أن يتصرف ويأكل ما ملكه بنصفه الحر وقال القاضي‏:‏ حكمه حكم القن وهو منصوص الشافعي وقال بعض أصحابه كقولنا‏,‏ واحتج من منع ذلك بأنه لا يمكنه الوطء بنصفه الحر وحده وكذلك منعناه التزويج حتى يأذن له سيده ولنا أنه لا حق لسيده فيها ولا يلحقه ضرر باستمتاعه منها‏,‏ فلم يعتبر إذنه فيها كاستخدامها وأما التزويج فإنه يلزمه به حقوق تتعلق بجملته فاعتبر رضا السيد‏,‏ ليكون راضيا بتعلق الحق بملكه بخلاف مسألتنا فإن الحق له لا عليه فأما إن أذن له سيده فيه جاز‏,‏ إلا عند من منع العبد التسري لأنه كالقن في قولهم

فصل‏:‏

نقل محمد بن ماهان عن أحمد‏:‏ لا بأس للعبد أن يتسرى إذا أذن له سيده فإن رجع السيد‏,‏ فليس له أن يرجع إذا أذن له مرة وتسرى وكذلك نقل عنه إبراهيم بن هانئ ويعقوب بن بختان‏,‏ ولم أر عنه خلاف هذا فظاهر هذا أنه إذا تسري بإذن السيد لم يملك السيد الرجوع لأنه يملك به البضع فلم يملك سيده فسخه‏,‏ قياسا على النكاح وقال القاضي‏:‏ يحتمل أنه أراد بالتسري ها هنا التزويج وسماه تسريا مجازا ويكون للسيد الرجوع فيما ملك عبده وظاهر كلام أحمد خلاف هذا وذلك لأنه ملكه بضعا أبيح له وطؤه‏,‏ فلم يملك رجوعه فيه كما لو زوجه وما ذكره في هذا الفصل مناقض لما ذكر قبله في صدر المسألة‏,‏ من قوله‏:‏ ولسيده نزعه منه متى شاء من غير فسخ‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏ومتى طلق الحر أو العبد طلاقا يملك الرجعة أو لا يملك لم يكن له أن يتزوج أختها حتى تنقضي عدتها وكذلك إذا طلق واحدة من أربع‏,‏ لم يتزوج حتى تنقضي عدتها وكذلك العبد إذا طلق إحدى زوجتيه‏]‏

وجملة ذلك أن الرجل إذا تزوج امرأة حرمت عليه أمها على التأبيد‏,‏ وتحرم عليه أختها وعمتها وخالتها وبنت أخيها وبنت أختها تحريم جمع وكذلك إن تزوج الحر أربعا حرمت الخامسة تحريم جمع وإن تزوج العبد اثنتين حرمت الثالثة تحريم جمع فإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا‏,‏ فالتحريم باق بحاله في قولهم جميعا وإن كان الطلاق بائنا أو فسخا فكذلك عند إمامنا حتى تنقضي عدتها وروى ذلك عن على وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وعروة وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر‏:‏ له نكاح جميع من سمينا في تحريم الجمع وروى ذلك عن زيد بن ثابت لأن المحرم الجمع بينهما في النكاح‏,‏ بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ حرمت عليكم أمهاتكم ‏}‏ أي‏:‏ نكاحهن ثم قال‏:‏ ‏{‏ وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ‏}‏ معطوفا عليه والبائن ليست في نكاحه ولأنها بائن فأشبهت المطلقة قبل الدخول‏,‏ ولنا قول على وابن عباس وروي عن عبيدة السلماني أنه قال‏:‏ ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر وأن لا تنكح امرأة في عدة أختها وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين ‏)‏‏)‏ وروي عن أبي الزناد‏,‏ قال‏:‏ كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة فطلق واحدة ألبتة وتزوج قبل أن تحل فعاب ذلك عليه كثير من الفقهاء‏,‏ وليس كلهم عابه قال سعيد بن منصور‏:‏ إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأى شيء بقي‏؟‏ ولأنها محبوسة عن النكاح لحقه‏,‏ أشبه ما لو كان الطلاق رجعيا ولأنها معتدة في حقه أشبهت الرجعية وفارق المطلقة قبل الدخول بها‏.‏

فصل‏:‏

ولو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية‏,‏ أو انفسخ النكاح بين الزوجين بخلع أو رضاع أو فسخ بعيب أو إعسار أو غيره لم يكن له أن يتزوج أحدا ممن يحرم الجمع بينه وبين زوجته حتى تنقضي عدتها سواء قلنا بتعجيل الفرقة أو لم نقل وإن أسلمت زوجته فتزوج أختها في عدتها‏,‏ ثم أسلما في عدة الأولى اختار منهما واحدة كما لو تزوجهما معا وإن أسلم بعد انقضاء عدة الأولى بانت‏,‏ وثبت نكاح الثانية‏.‏

فصل‏:‏

إذا أعتق أم ولده أو أمة كان يصيبها فليس له أن يتزوج أختها حتى ينقضي استبراؤها نص عليه أحمد في أم الولد وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن‏:‏ يجوز لأنها ليست زوجة‏,‏ ولا في عدة من نكاح ولنا أنها معتدة منه فلم يجز له نكاح أختها‏,‏ كالمعتدة من نكاح أو وطء بشبهة ولأنه لا يأمن أن يكون ماؤه في رحمها فيكون داخلا في عموم من جمع ماءه في رحم أختين ولا يمنع من نكاح أربع سواها ومنعه زفر وهو غلط لأن ذلك جائز قبل إعتاقها‏,‏ فبعده أولى‏.‏

فصل‏:‏

ولا يمنع من نكاح أمة في عدة حرة بائن ومنعه أبو حنيفة كما يحرم عليه أن يتزوجها في صلب نكاحها ولنا أنه عادم للطول‏,‏ خائف للعنت فأبيح له نكاحها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ومن لم يستطع منكم طولا ‏}‏ الآية ولا نسلم أنه لا يجوز في صلب نكاح الحرة‏,‏ بل يجوز إذا تحقق الشرطان‏.‏

فصل‏:‏

وإن زنى بامرأة فليس له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها وحكم العدة من الزنا والعدة من وطء الشبهة كحكم العدة من النكاح فإن زنى بأخت امرأته فقال أحمد‏:‏ يمسك عن وطء امرأته حتى تحيض ثلاث حيض وقد ذكر عنه في المزني بها أنها تستبرأ بحيضة لأنه وطء من غير نكاح‏,‏ ولا أحكامه أحكام النكاح ويحتمل أن لا تحرم بذلك أختها ولا أربع سواها لأنها ليست منكوحة ومجرد الوطء لا يمنع‏,‏ بدليل الوطء في ملك اليمين لا يمنع أربعا سواها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ادعى الزوج أن امرأته أخبرته بانقضاء عدتها في مدة يجوز انقضاؤها فيها وكذبته أبيح له نكاح أختها وأربع سواها في الظاهر فأما في الباطن فيبنى على صدقه في ذلك لأنه حق فيما بينه وبين الله تعالى‏,‏ فيقبل قوله فيه ولا يصدق في نفى نفقتها وسكناها ونفى النسب لأنه حق لها ولولدها فلا يقبل قوله فيه وبه قال الشافعي وغيره وقال زفر‏:‏ لا يصدق في شيء لأنه قول واحد لا يصدق في بعض حكمه‏,‏ فلا يصدق في البعض الآخر قياسا لأحدهما على الآخر وذلك لأنه لا يمكن أن يكون القول الواحد صدقا وكذبا‏,‏ ولنا أنه قول يتضمن إبطال حق لغيره وحقا له لا ضرر على غيره فيه فوجب أن يصدق في أحدهما دون الآخر‏,‏ كما لو اشترى عبدا ثم أقر أن البائع كان أعتقه صدق في حريته ولم يصدق في الرجوع بثمنه وكما لو أقر أن امرأته أخته من الرضاع قبل الدخول‏,‏ صدق في بينونتها وتحريمها عليه ولم يصدق في سقوط مهرها‏.‏