فصل: مسألة: ليس لحر مسلم أن يتزوج أمة مسلمة‏,‏ إلا أن لا يجد حرة مسلمة ويخاف العنت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا لحر مسلم أن يتزوج أمة مسلمة‏,‏ إلا أن لا يجد طولا بحرة مسلمة ويخاف العنت‏]‏

الكلام في هذه المسألة في شيئين‏:‏

أحدهما‏:‏

أنه يحل له نكاح الأمة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان‏,‏ عدم الطول وخوف العنت وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم اختلافا فيه والأصل فيه قول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏ ومن لم يستطع منكم طولا ‏}‏ الآية والصبر عنها مع ذلك خير وأفضل لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ وأن تصبروا خير لكم‏}

والثاني‏:‏

إذا عدم الشرطان أو أحدهما‏,‏ لم يحل نكاحها لحر‏.‏ روى ذلك عن جابر وابن عباس وبه قال عطاء وطاوس‏,‏ والزهري وعمرو بن دينار ومكحول‏,‏ ومالك والشافعي وإسحاق وقال مجاهد‏:‏ مما وسع الله على هذه الأمة‏,‏ نكاح الأمة وإن كان موسرا وبه قال أبو حنيفة إلا أن يكون تحته حرة لأن القدرة على النكاح لا تمنع النكاح‏,‏ كما يمنعه وجود النكاح كنكاح الأخت والخامسة وقال قتادة والثوري‏:‏ إذا خاف العنت حل له نكاح الأمة‏,‏ وإن وجد الطول لأن إباحتها لضرورة خوف العنت وقد وجدت فلا يندفع إلا بنكاح الأمة‏,‏ فأشبه عادم الطول ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏ ذلك لمن خشى العنت منكم ‏}‏ فشرط في نكاحها عدم استطاعة الطول فلم يجز مع الاستطاعة كالصوم في كفارة الظهار مع عدم استطاعة الإعتاق‏,‏ ولأن في تزويج الأمة إرقاق ولده مع الغني عنه فلم يجز كما لو كان تحته حرة وقياسهم ليس بصحيح فإن نكاح الخامسة والأخت‏,‏ إنما حرم لأجل الجمع وبالقدرة على الجمع لا يصير جامعا والعلة ها هنا‏,‏ هو الغني عن إرقاق ولده وذلك يحصل بالقدرة على نكاح الحرة وأما من يجد الطول ويخاف العنت فإن كان ذلك لكونه لا يجد إلا حرة صغيرة أو غائبة أو مريضة لا يمكن وطؤها‏,‏ أو وجد مالا ولم يتزوج لقصور نسبه فله نكاح الأمة لأنه عاجز عن حرة تعفه وإن كانت الحرة في حبالة غيره فله نكاح أمة نص عليه أحمد في الغائبة وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم‏:‏ لا يجوز لوجدان الطول ولنا‏,‏ أنه غير مستطيع للطول إلى حرة تعفه فأشبه من لا يجد شيئا ألا ترى أن الله سبحانه جعل ابن السبيل الذي له اليسار في بلده فقيرا لعدم قدرته عليه في الحال‏,‏ وإن كانت له حرة يتمكن من وطئها والعفة بها فليس بخائف العنت‏.‏

فصل‏:‏

وإن قدر على تزويج كتابية تعفه‏,‏ لم يحل له نكاح الأمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وذكروا وجها آخر أنه يجوز له لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ‏}‏ وهذا غير مستطيع لذلك ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ ذلك لمن خشى العنت منكم ‏}‏ وهذا غير خائف له‏,‏ ولأنه قدر على صيانة ولده عن الرق فلم يجز له إرقاقه كما لو قدر على نكاح مؤمنة‏.‏

فصل‏:‏

ومن كانت تحته حرة يمكنه أن يستعف بها‏,‏ لم يجز له نكاح أمة لا نعلم في هذا خلافا ولا فرق بين الكتابية والمسلمة في ذلك لما ذكرنا من قبل‏.‏

فصل‏:‏

فإن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه ذلك‏,‏ لم يلزمه لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته ولصاحبه مطالبته به في الحال وكذلك إن رضيت الحرة بتأخير صداقها أو تفويض بضعها لأن لها مطالبته بعوضه وكذلك إن بذل له باذل أن يزنه عنه‏,‏ أو يهبه إياه لم يلزمه قبوله لما عليه من ضرر المنة وله في ذلك كله نكاح الأمة وإن لم يجد من يزوجه إلا بأكثر من مهر المثل‏,‏ وكان قادرا عليه ولا يجحف به لم يكن له نكاح الأمة وقال أصحاب الشافعي‏:‏ له ذلك‏,‏ كما لو لم يجد الماء إلا بزيادة عن ثمن المثل فله التيمم ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ ومن لم يستطع منكم طولا ‏}‏ وهذا مستطيع‏,‏ ولأنه قادر على نكاح حرة بما لا يضره فلم يجز له إرقاق ولده كما لو كان بمهر مثلها‏,‏ ولا نسلم ما ذكروه في التيمم ثم هذا مفارق للتيمم من وجهين أحدهما أن التيمم رخصة عامة‏,‏ وهذا أبيح للضرورة ومع القدرة على الحرة لا ضرورة والثاني أن التيمم يتكرر‏,‏ فإيجاب شرائه بزيادة على ثمن المثل يفضي إلى الإجحاف به وهذا لا يتكرر فلا ضرر فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان في يده مال‏,‏ فذكر أنه معسر وأن المال لغيره فالقول قوله لأنه حكم بينه وبين الله تعالى فقبل قوله فيه‏,‏ كما لو ادعى مخافة العنت ومتى تزوج الأمة ثم أقر أنه كان موسرا حال النكاح فرق بينهما لأنه أقر بفساد نكاحه وهكذا إن أقر أنه لم يكن يخشى العنت فإن كان قبل الدخول وصدقه السيد‏,‏ فلا مهر وإن كذبه فله نصف المسمى لأنه يدعى صحة النكاح والأصل معه‏,‏ وإن كان بعد الدخول فعليه المسمى جميعه إلا أن يكون مهر المثل أكثر‏,‏ فعلى قول من أوجب مهر المثل في النكاح الفاسد يلزمه مهر المثل لإقراره به وإن كان المسمى أكثر وجب وللسيد ألا يصدقه فيما قال‏,‏ فيكون له من المهر ما يجب في النكاح الفاسد وهل ذلك المسمى أو مهر المثل‏؟‏ على روايتين‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومتى عقد عليها وفيه الشرطان عدم الطول وخوف العنت ثم أيسر‏,‏ لم ينفسخ النكاح‏]‏

هذا ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي وفي المذهب وجه آخر‏,‏ أنه يفسد النكاح وهو قول المزني لأنه إنما أبيح للحاجة فإذا زالت الحاجة لم يجز له استدامته كمن أبيح له أكل الميتة للضرورة‏,‏ فإذا وجد الحلال لم يستدمه ولنا أن فقد الطول أحد شرطى إباحة نكاح الأمة فلم تعتبر استدامته‏,‏ كخوف العنت ويفارق أكل الميتة فإن أكلها بعد القدرة ابتداء للأكل‏,‏ وهذا لا يبتدئ النكاح إنما يستديمه والاستدامة للنكاح تخالف ابتداءه بدليل أن العدة والردة وأمن العنت يمنعن ابتداءه دون استدامته‏.‏

فصل‏:‏

وإن تزوج على الأمة حرة‏,‏ صح وفي بطلان نكاح الأمة روايتان إحداهما لا يبطل وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وروى معنى ذلك عن على رضي الله عنه والرواية الثانية ينفسخ نكاح الأمة وهو قول ابن عباس ومسروق‏,‏ وإسحاق والمزني ووجه الروايتين ما تقدم في المسألة وقال النخعي إن كان له من الأمة ولد لم يفارقها‏,‏ وإلا فارقها ولا يصح لأن ما كان مبطلا للنكاح في غير ذات الولد أبطله في ذات الولد كسائر مبطلاته ولأن ولده منها مملوك لسيدها‏,‏ ونفقته عليه وقد استدل على بقاء النكاح بما روي عن على أنه قال‏:‏ إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة فإنه لو بطل بنكاح الحرة‏,‏ لبطل بالقدرة عليه فإن القدرة على المبدل كاستعماله بدليل الماء مع التراب‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وله أن ينكح من الإماء أربعا‏,‏ إذا كان الشرطان فيه قائمين‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد في إباحة أكثر من أمة إذا لم تعفه فعنه أنه قال‏:‏ إذا خشى العنت تزوج أربعا إذا لم يصبر كيف يصنع‏؟‏ وهذا قول الزهري‏,‏ والحارث العكلى ومالك وأصحاب الرأي والرواية الثانية‏,‏ قال أحمد‏:‏ لا يعجبني أن يتزوج إلا أمة واحدة يذهب إلى حديث ابن عباس وهو ما روي عن ابن عباس‏:‏ أن الحر لا يتزوج من الإماء إلا واحدة وقرأ‏:‏ ‏{‏ ذلك لمن خشى العنت منكم ‏}‏ وبه قال قتادة والشافعي‏,‏ وابن المنذر لأن من له زوجة يمكنه وطؤها لا يخشى العنت ووجه الأولى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ومن لم يستطع منكم طولا ‏}‏ الآية وهذا داخل في عمومها ولأنه عادم للطول خائف للعنت‏,‏ فجاز له نكاح أمة كالأولى وقولهم‏:‏ لا يخشى العنت قلنا‏:‏ الكلام في من يخشاه ولا نبيحه إلا له وقول ابن عباس يحمل على من لم يخش العنت‏,‏ وكذلك الرواية الأخرى عن أحمد وإن تزوج حرة فلم تعفه فذكر فيها أبو الخطاب روايتين مثل نكاح الأمة في حق من تحته أمة لم تعفه لما ذكرنا وإن كانت الحرة تعفه‏,‏ فلا خلاف في تحريم نكاح الأمة وإن نكح أمة تعفه لم يكن له أن ينكح أخرى فإن نكحها‏,‏ فنكاحها باطل لأنه يبطل في إحداهما وليست إحداهما بأولى من الأخرى فبطل‏,‏ كما لو جمع بين أختين‏.‏

فصل‏:‏

وإذا زنت المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين أحدهما انقضاء عدتها‏,‏ فإن حملت من الزنى فقضاء عدتها بوضعه ولا يحل نكاحها قبل وضعه وبهذا قال مالك وأبو يوسف وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وفي الأخرى قال‏:‏ يحل نكاحها ويصح وهو مذهب الشافعي لأنه وطء لا يلحق به النسب فلم يحرم النكاح‏,‏ كما لو لم تحمل ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه زرع غيره ‏)‏‏)‏ يعني وطء الحوامل وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا توطأ حامل حتى تضع ‏)‏‏)‏ صحيح‏,‏ وهو عام وروي عن سعيد بن المسيب ‏(‏‏(‏ أن رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى‏,‏ فرفع ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ففرق بينهما وجعل لها الصداق وجلدها مائة ‏)‏‏)‏ رواه سعيد ‏(‏‏(‏ ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة مجحا على باب فسطاط‏,‏ فقال‏:‏ لعله يريد أن يلم بها‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له‏؟‏ أم كيف يورثه وهو لا يحل له‏؟‏ ‏)‏‏)‏ أخرجه مسلم ولأنها حامل من غيره فحرم عليه نكاحها‏,‏ كسائر الحوامل وإذا ثبت هذا لزمتها العدة وحرم عليها النكاح فيها لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملا‏,‏ فيكون نكاحها باطلا فلم يصح كالموطوءة بشبهة وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ لا عدة عليها لأنه وطء لا تصير به المرأة فراشا‏,‏ فأشبه وطء الصغير ولنا ما ذكرناه لأنه إذا لم يصح نكاح الحامل‏,‏ فغيرها أولى لأن وطء الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب وغيرها يحتمل أن يكون ولدها من الأول‏,‏ ويحتمل أن يكون من الثاني فيفضي إلى اشتباه الأنساب فكان بالتحريم أولى‏,‏ ولأنه وطء في القبل فأوجب العدة كوطء الشبهة‏,‏ ولا نسلم وطء الصغير الذي يمكن منه الوطء والشرط الثاني أن تتوب من الزنا وبه قال قتادة‏,‏ وإسحاق وأبو عبيد وقال أبو حنيفة ومالك‏,‏ والشافعي‏:‏ لا يشترط ذلك لما روى أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنى وحرص أن يجمع بينهما فأبي الرجل وروى أن رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية‏,‏ فقال‏:‏ يجوز أرأيت لو سرق من كرم ثم ابتاعه‏,‏ أكان يجوز‏؟‏ ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك إلى قوله‏:‏ وحرم ذلك على المؤمنين ‏}‏ وهي قبل التوبة في حكم الزنى فإذا تابت زال ذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ‏)‏‏)‏ وقوله ‏(‏‏(‏ التوبة تمحو الحوبة ‏)‏‏)‏ وروى ‏(‏‏(‏ أن مرثدا دخل مكة‏,‏ فرأى امرأة فاجرة يقال لها عناق فدعته إلى نفسها فلم يجبها‏,‏ فلما قدم المدينة سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له‏:‏ أنكح عناقا‏؟‏ فلم يجبه فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ‏}‏ فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلا عليه الآية وقال‏:‏ لا تنكحها ‏)‏‏)‏ ولأنها إذا كانت مقيمة على الزنا لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره‏,‏ وتفسد فراشه فأما حديث عمر فالظاهر أنه استتابها وحديث ابن عباس ليس فيه بيان ولا تعرض له لمحل النزاع إذا ثبت هذا فإن عدة الزانية كعدة المطلقة لأنه استبراء لحرة‏,‏ فأشبه عدة الموطوءة بشبهة وحكى ابن أبي موسى أنها تستبرأ بحيضه لأنه ليس من نكاح ولا شبهة نكاح فأشبه استبراء أم الولد إذا عتقت وأما التوبة‏,‏ فهي الاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب كالتوبة من سائر الذنوب وروي عن ابن عمر أنه قيل له‏:‏ كيف تعرف توبتها‏؟‏ قال‏:‏ يريدها على ذلك‏,‏ فإن طاوعته فلم تتب وإن أبت فقد تابت فصار أحمد إلى قول ابن عمر اتباعا له والصحيح الأول فإنه لا ينبغي لمسلم أن يدعو امرأة إلى الزنى‏,‏ ويطلبه منها ولأن طلبه ذلك منها إنما يكون في خلوة ولا تحل الخلوة بأجنبية ولو كان في تعليمها القرآن‏,‏ فكيف يحل في مراودتها على الزنى ثم لا يأمن إن أجابته إلى ذلك أن تعود إلى المعصية فلا يحل للتعرض لمثل هذا‏,‏ ولأن التوبة من سائر الذنوب وفي حق سائر الناس وبالنسبة إلى سائر الأحكام‏,‏ على غير هذا الوجه فكذلك يكون هذا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وجد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره في قول أكثر أهل العلم‏,‏ منهم أبو بكر وعمر وابنه‏,‏ وابن عباس وجابر وسعيد بن المسيب‏,‏ وطاوس وجابر بن زيد وعطاء‏,‏ والحسن وعكرمة والزهري‏,‏ والثوري والشافعي وابن المنذر‏,‏ وأصحاب الرأي وروي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة‏,‏ أنها لا تحل للزاني بحال قالوا‏:‏ لا يزالان زانيين ما اجتمعا لعموم الآية والخبر ويحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة أو قبل استبرائها‏,‏ فيكون كقولنا فأما تحريمها على الإطلاق فلا يصح لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم ‏}‏ ولأنها محللة لغير الزاني فحلت له كغيرها‏.‏

فصل‏:‏

وإن زنت امرأة رجل‏,‏ أو زنى زوجها لم ينفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده‏,‏ في قول عامة أهل العلم وبذلك قال مجاهد وعطاء والنخعي‏,‏ والثوري والشافعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وعن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما وليس لها شيء وكذلك روي عن الحسن وعن على رضي الله عنه أنه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل الدخول بها واحتج لهم بأنه لو قذفها ولاعنها بانت منه لتحقيقه الزنى عليها‏,‏ فدل على أن الزنى يبينها ولنا أن دعواه الزنى عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لانفسخ بمجرد دعواه‏,‏ كالرضاع ولأنها معصية لا تخرج عن الإسلام فأشبهت السرقة‏,‏ فأما اللعان فإنه يقتضي الفسخ بدون الزنى بدليل أنها إذا لاعنته فقد قابلته فلم يثبت زناها‏,‏ ولذلك أوجب النبي -صلى الله عليه وسلم- الحد على من قذفها والفسخ واقع ولكن أحمد استحب للرجل مفارقة امرأته إذا زنت وقال‏:‏ لا أرى أن يمسك مثل هذه وذلك أنه لا يؤمن أن تفسد فراشه‏,‏ وتلحق به ولدا ليس منه قال ابن المنذر‏:‏ لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم فيكون مثل قول أحمد هذا قال أحمد‏:‏ ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض وذلك لما روى رويفع بن ثابت قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يوم حنين‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره ‏)‏‏)‏ يعني إتيان الحبالى ولأنها ربما تأتى بولد من الزنى فينسب إليه والأولى أنه يكفى استبراؤها بالحيضة الواحدة لأنها تكفى في استبراء الإماء‏,‏ وفي أم الولد إذا عتقت بموت سيدها أو بإعتاق سيدها فيكفى ها هنا‏,‏ والمنصوص ها هنا مجرد الاستبراء وقد حصل بحيضة فيكتفى بها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا علم الرجل من جاريته الفجور فقال أحمد‏:‏ لا يطؤها لعلها تلحق به ولدا ليس منه قال ابن مسعود‏:‏ أكره أن أطأ أمتى وقد بغت وروى مالك‏,‏ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان ينهى أن يطأ الرجل أمته وفي بطنها ولد جنين لغيره قال ابن عبد البر‏:‏ هذا مجمع على تحريمه وكان ابن عباس يرخص في وطء الأمة الفاجرة وروى ذلك عن سعيد بن المسيب ولعل من كره ذلك كرهه قبل الاستبراء‏,‏ أو إذا لم يحصنها ويمنعها من الفجور ومن أباحه بعدهما فيكون القولان متفقين والله تعالى أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن خطب امرأة‏,‏ فلم تسكن إليه فلغيره خطبتها‏]‏

الخطبة بالكسر‏:‏ خطبة الرجل المرأة لينكحها والخطبة‏,‏ بالضم‏:‏ هي حمد الله والتشهد ولا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ أن تسكن إلى الخاطب لها فتجيبه‏,‏ أو تأذن لوليها في إجابته أو تزويجه فهذه يحرم على غير خاطبها خطبتها لما روى ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ‏)‏‏)‏ وعن أبي هريرة‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ‏)‏‏)‏ متفق عليهما ولأن في ذلك إفسادا على الخاطب الأول وإيقاع العداوة بين الناس‏,‏ ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الرجل على بيع أخيه ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم إلا أن قوما حملوا النهى على الكراهة والظاهر أولى‏.‏

القسم الثاني‏:‏ أن ترده أو لا تركن إليه فهذه يجوز خطبتها لما روت فاطمة بنت قيس ‏(‏‏(‏ أنها أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن معاوية وأبا جهم خطباها‏,‏ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه‏,‏ انكحى أسامة بن زيد ‏)‏‏)‏ متفق عليه فخطبها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد إخبارها إياه بخطبة معاوية وأبي جهم لها ولأن تحريم خطبتها على هذا الوجه إضرار بها فإنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة النكاح إلا منعها بخطبته إياها‏,‏ وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة فقال‏:‏ لا تفوتيني بنفسك وأشباه هذا لم تحرم خطبتها لأن في قصة فاطمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها ‏(‏‏(‏ لا تفوتينا بنفسك ولم ينكر خطبة أبي جهم ومعاوية لها ‏)‏‏)‏ وذكر ابن عبد البر‏,‏ أن ابن وهب روى بإسناده عن الحارث بن سعد بن أبي ذباب أن عمر بن الخطاب خطب امرأة على جرير بن عبد الله وعلى مروان بن الحكم‏,‏ وعلى عبد الله بن عمر فدخل على المرأة وهي جالسة في بيتها فقال عمر‏:‏ إن جرير بن عبد الله يخطب‏,‏ وهو سيد أهل المشرق ومروان يخطب وهو سيد شباب قريش‏,‏ وعبد الله بن عمر يخطب وهو من قد علمتم وعمر بن الخطاب‏,‏ فكشفت المرأة الستر فقالت‏:‏ أجاد أمير المؤمنين‏؟‏ فقال‏:‏ نعم فقالت‏:‏ فقد أنكحت أمير المؤمنين فأنكحوه فهذا عمر قد خطب على واحد بعد واحد‏,‏ قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الأول‏.‏

القسم الثالث‏:‏ أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضى والسكون تعريضا لا تصريحا كقولها‏:‏ ما أنت إلا رضي‏,‏ وما عنك رغبة فهذه في حكم القسم الأول لا يحل لغيره خطبتها هذا ظاهر كلام الخرقي وظاهر كلام أحمد فإنه قال‏:‏ إذا ركن بعضهم إلى بعض‏,‏ فلا يحل لأحد أن يخطب والركون يستدل عليه بالتعريض تارة وبالتصريح أخرى وقال القاضي‏:‏ ظاهر كلام أحمد إباحة خطبتها وهو مذهب الشافعي في الجديد لحديث فاطمة حيث خطبها النبي -صلى الله عليه وسلم- وزعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما واستدل القاضي بخطبته لها قبل سؤالها هل وجد منها ما دل على الرضى أو لا‏؟‏ ولنا‏,‏ عموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ‏)‏‏)‏ ولأنه وجد منها ما دل على الرضى به وسكونها إليه فحرمت خطبتها‏,‏ كما لو صرحت بذلك وأما حديث فاطمة فلا حجة لهم فيه فإن فيه ما يدل على أنها لم تركن إلى واحد منهما من وجهين أحدهما‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد كان قال لها‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا تسبقيني بنفسك وفي لفظ‏:‏ لا تفوتيني بنفسك وفي رواية‏:‏ إذا حللت فآذنيني فلم تكن لتفتات بالإجابة قبل أن تؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏)‏‏)‏ والثاني أنها ذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كالمستشيرة له فيهما أو في العدول عنهما إلى غيرهما‏,‏ وليس في الاستشارة دليل على ترجيح أحد الأمرين ولا ميل إلى أحدهما على أنها إنما ذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- لترجع إلى قوله ورأيه‏,‏ وقد أشار عليها بتركهما لما ذكر من عيبهما فجرى ذلك مجرى ردها لهما وتصريحها بمنعهما ومن وجه آخر‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد سبقهما بخطبتها تعريضا بقوله لها ما ذكرنا فكانت خطبته بعدهما مبنية على الخطبة السابقة لهما‏,‏ بخلاف ما نحن فيه‏.‏

فصل‏:‏

والتعويل في الرد والإجابة على الولي إن كانت مجبرة وعليها إن لم تكن مجبرة لأنها أحق بنفسها من وليها ولو أجاب هو‏,‏ ورغبت عن النكاح كان الأمر أمرها وإن أجاب وليها فرضيت‏,‏ فهو كإجابتها وإن سخطت فلا حكم لإجابته لأن الحق لها ولو أجاب الولي في حق المجبرة فكرهت المجاب‏,‏ واختارت غيره سقط حكم إجابة وليها لكون اختيارها مقدما على اختياره وإن كرهته ولم تجز سواه‏,‏ فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضا لأنه قد أمر باستئمارها فلا ينبغي له أن يكرهها على من لا ترضاه وإن أجابته ثم رجعت عن الإجابة وسخطته‏,‏ زال حكم الإجابة لأن لها الرجوع وكذلك إذا رجع الولي المجبر عن الإجابة زال حكمها لأن له النظر في أمر موليته ما لم يقع العقد وإن لم ترجع هي ولا وليها‏,‏ ولكن ترك الخاطب الخطبة أو أذن فيها جازت خطبتها لما روى في حديث ابن عمر‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏أنه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يأذن له أو يترك ‏)‏‏)‏ رواه البخاري‏.‏

فصل‏:‏

وخطبة الرجل على خطبة أخيه في موضع النهى محرمة قال أحمد‏:‏ لا يحل لأحد أن يخطب في هذه الحال وقال أبو حفص العكبرى‏:‏ هي مكروهة غير محرمة وهذا نهى تأديب لا تحريم ولنا‏,‏ ظاهر النهى فإن مقتضاه التحريم ولأنه نهى عن الإضرار بالآدمى المعصوم‏,‏ فكان على التحريم كالنهى عن أكل ماله وسفك دمه فإن فعل فنكاحه صحيح نص عليه أحمد فقال‏:‏ لا يفرق بينهما وهو مذهب الشافعي وروي عن مالك وداود‏,‏ أنه لا يصح وهو قياس قول أبي بكر لأنه قال في البيع على بيع أخيه‏:‏ هو باطل وهذا في معناه ووجهه أنه نكاح منهي عنه فكان باطلا كنكاح الشغار ولنا‏,‏ أن المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما لو صرح بالخطبة في العدة‏.‏

فصل‏:‏

ولا يكره للولي الرجوع عن الإجابة‏,‏ إذا رأى المصلحة لها في ذلك لأن الحق لها وهو نائب عنها في النظر لها فلم يكره له الرجوع الذي رأى المصلحة فيه‏,‏ كما لو ساوم في بيع دارها ثم تبين له المصلحة في تركها ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب لأنه عقد عمر يدوم الضرر فيه فكان لها الاحتياط لنفسها‏,‏ والنظر في حظها وإن رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من إخلاف الوعد والرجوع عن القول‏,‏ ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمهما كمن ساوم بسلعته ثم بدا له أن لا يبيعها‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان الخاطب الأول ذميا‏,‏ لم تحرم الخطبة على خطبته نص عليه أحمد فقال‏:‏ لا يخطب على خطبة أخيه ولا يساوم على سوم أخيه‏,‏ إنما هو للمسلمين ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو استام على سومهم‏,‏ لم يكن داخلا في ذلك لأنهم ليسوا بإخوة للمسلمين وقال ابن عبد البر‏:‏ لا يجوز أيضا لأن هذا خرج مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به ولنا أن لفظ النهى خاص في المسلمين‏,‏ وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله وليس الذمى كالمسلم ولا حرمته كحرمته ولذلك لم تجب إجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها وقوله‏:‏ خرج مخرج الغالب قلنا‏:‏ متى كان في المخصوص بالذكر معنى يصح أن يعتبر في الحكم‏,‏ لم يجز حذفه ولا تعدية الحكم بدونه وللأخوة الإسلامية تأثير في وجوب الاحترام وزيادة الاحتياط في رعاية حقوقه‏,‏ وحفظ قلبه واستبقاء مودته فلا يجوز بخلاف ذلك والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو عرض لها وهي في العدة‏,‏ بأن يقول‏:‏ إني في مثلك لراغب وإن قضي شيء كان وما أشبهه من الكلام مما يدلها على رغبته فيها فلا بأس إذا لم يصرح‏]‏

وجملة ذلك أن المعتدات على ثلاثة أضرب‏:‏

معتدة من وفاة‏,‏ أو طلاق ثلاث أو فسخ لتحريمها على زوجها كالفسخ برضاع‏,‏ أو لعان أو نحوه مما لا تحل بعده لزوجها فهذه يجوز التعريض بخطبتها في عدتها‏.‏ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء‏}‏ ولما روت فاطمة بنت قيس ‏(‏‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها لما طلقها زوجها ثلاثا‏:‏ إذا حللت فآذنيني وفي لفظ‏:‏ لا تسبقيني بنفسك وفي لفظ‏:‏ لا تفوتينا بنفسك ‏)‏‏)‏ وهذا تعريض بخطبتها في عدتها ولا يجوز التصريح لأن الله تعالى لما خص التعريض بالإباحة‏,‏ دل على تحريم التصريح ولأن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحرص عليه على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها‏,‏ والتعريض بخلافه‏.‏

القسم الثاني الرجعية فلا يحل لأحد التعريض بخطبتها‏,‏ ولا التصريح لأنها في حكم الزوجات فهي كالتى في صلب نكاحه‏.‏

القسم الثالث بائن يحل لزوجها نكاحها‏,‏ كالمختلعة والبائن بفسخ لعيب أو إعسار ونحوه فلزوجها التصريح بخطبتها والتعريض لأنها مباحة له نكاحها في عدتها‏,‏ فهي كغير المعتدة وهل يجوز لغيره التعريض بخطبتها‏؟‏ فيه وجهان وللشافعي فيه أيضا قولان أحدهما يجوز لعموم الآية ولأنها بائن فأشبهت المطلقة ثلاثا والثاني‏,‏ لا يجوز لأن الزوج يملك أن يستبيحها فهي كالرجعية والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة‏,‏ فيما يحل ويحرم لأن الخطبة للعقد فلا يختلفان في حله وحرمته إذا ثبت هذا فالتعريض أن يقول‏:‏ إني في مثلك لراغب ورب راغب فيك وقال القاسم بن محمد التعريض أن يقول‏:‏ إنك على لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا أو رزقا وقال الزهري‏:‏ أنت جميلة وأنت مرغوب فيك وإن قال‏:‏ لا تسبقينا بنفسك أو لا تفوتينا بنفسك أو إذا حللت فآذنيني ونحو ذلك‏,‏ جاز قال مجاهد‏:‏ مات رجل وكانت امرأته تتبع الجنازة فقال لها رجل‏:‏ لا تسبقينا بنفسك فقالت‏:‏ سبقك غيرك وتجيبه المرأة‏:‏ إن قضي شيء كان وما نرغب عنك وما أشبهه والتصريح‏:‏ هو اللفظ الذي لا يحتمل غير النكاح‏,‏ نحو أن يقول‏:‏ زوجيني نفسك أو إذا انقضت عدتك تزوجتك ويحتمل أن هذا معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ولكن لا تواعدوهن سرا ‏}‏ فإن النكاح يسمى سرا قال الشاعر‏:‏

فلن تطلبوا سرها للغنى ** ولن تسلموها لإزهادها

وقال الشافعي‏:‏ السر‏:‏ الجماع وأنشد لامرئ القيس‏:‏

ألا زعمت بسباسة القوم أنني ** كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي

ومواعدة السر أن يقول‏:‏ عندي جماع يرضيك ونحوه وكذلك إن قال‏:‏ رب جماع يرضيك فنهى عنه لما فيه من الهجر والفحش والدناءة والسخف‏.‏

فصل‏:‏

فإن صرح بالخطبة‏,‏ أو عرض في موضع يحرم التعريض ثم تزوجها بعد حلها صح نكاحه وقال مالك‏:‏ يطلقها تطليقة‏,‏ ثم يتزوجها وهذا غير صحيح لأن هذا المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما في النكاح الثاني‏,‏ أو كما لو رآها متجردة ثم تزوجها‏.‏

فصل‏:‏

ويحرم على العبد نكاح سيدته قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن نكاح المرأة عبدها باطل وروى الأثرم بإسناده عن أبي الزبير قال‏:‏ سألت جابرا عن العبد ينكح سيدته‏,‏ فقال‏:‏ جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها‏,‏ فانتهرها عمر وهم أن يرجمها وقال‏:‏ لا يحل لك ولأن أحكام النكاح مع أحكام الملك يتنافيان فإن كل واحد منهما يقتضي أن يكون الآخر بحكمه‏,‏ يسافر بسفره ويقيم بإقامته وينفق عليه‏,‏ فيتنافيان‏.‏

فصل‏:‏

وليس للسيد أن يتزوج أمته لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه ولو ملك زوجته وهي أمة‏,‏ انفسخ نكاحها وكذلك لو ملكت المرأة زوجها انفسخ نكاحها ولا نعلم في هذا خلافا ولا يجوز أن يتزوج أمة له فيها ملك ولا يتزوج مكاتبته لأنها مملوكته‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز للحر أن يتزوج أمة ابنه لأن له فيها شبهة ملك وهذا قول أهل الحجاز وقال أهل العراق‏:‏ له ذلك لأنها ليست مملوكة له ولا تعتق بإعتاقه لها ولنا‏,‏ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ أنت ومالك لأبيك ‏)‏‏)‏ ولأنه لو ملك جزءا من أمة لم يصح نكاحه لها فما هي مضافة إليه بجملتها شرعا أولى بالتحريم وكذلك لا يجوز للعبد نكاح أم سيده أو سيدته‏,‏ مع ما ذكرنا من الخلاف ويجوز للعبد أن يتزوج أمة ابنه لأن الرق يقطع ولايته عن أبيه وماله ولهذا لا يلي ماله ولا نكاحه ولا يرث أحدهما صاحبه‏,‏ فهو كالأجنبي منه‏.‏

فصل‏:‏

وللابن نكاح أمة أبيه لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك فأشبه الأجنبي‏,‏ وكذلك سائر القرابات ويجوز أن يزوج الرجل ابنته لمملوكه إذا قلنا‏:‏ ليست الحرية شرطا في الصحة ومتى مات الأب فورث أحد الزوجين صاحبه‏,‏ أو جزءا منه انفسخ النكاح وكذلك إن ملكه أو جزءا منه بغير الإرث لا نعلم فيه خلافا إلا أن الحسن قال‏:‏ إذا اشترى امرأته للعتق‏,‏ فأعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما ولا يصح لأنهما متنافيان فلا يجتمعان قليلا ولا كثيرا‏,‏ فبمجرد الملك لها انفسخ نكاحه سابقا على عتقها وحكم المكاتب يتزوج بنت سيده أو سيدته حكم العبد في أنه إذا مات سيده‏,‏ انفسخ نكاحه وقال أصحاب الرأي‏:‏ النكاح بحاله لأنها لم تملكه إنما لها عليه دين وليس بصحيح فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ‏)‏‏)‏ ولأنه لو زال الملك عنه لما عاد بعجزه‏,‏ كما لو أعتق‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ملكت المرأة زوجها أو بعضه فانفسخ نكاحها فليس ذلك بطلاق‏,‏ فمتى أعتقته ثم تزوجها لم تحتسب عليه بتطليقة وبهذا قال الحكم‏,‏ وحماد ومالك والشافعي‏,‏ وابن المنذر وإسحاق وقال الحسن والزهري‏,‏ وقتادة والأوزاعي‏:‏ هي تطليقة وليس بصحيح لأنه لم يلفظ بطلاق صريح ولا كناية وإنما انفسخ النكاح بوجود ما ينافيه‏,‏ فأشبه انفساخه بإسلام أحدهما أو ردته ولو ملك الرجل بعض زوجته انفسخ نكاحها وحرم وطؤها‏,‏ في قول عامة المفتين حتى يستخلصها فتحل له بملك اليمين وروي عن قتادة أنه قال‏:‏ لم يزده ملكه فيها إلا قربا وليس بصحيح لأن النكاح لا يبقى في بعضها‏,‏ وملكه لم يتم عليها ولا يثبت الحل فيما لا يملكه ولا نكاح فيه‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز للرجل وطء جارية ابنه لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ‏}‏ وليست هذه زوجة له ولا مملوكته‏,‏ ولأنه يحل لابنه وطؤها ولا تحل المرأة لرجلين فإن وطئها فلا حد عليه نص عليه أحمد وقال داود‏:‏ يحد وقال بعض الشافعية‏:‏ إن كان ابنه وطئها حد لأنها محرمة عليه على التأبيد ولنا‏,‏ أن له فيها شبهة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ أنت ومالك لأبيك ‏)‏‏)‏ والحد يدرأ بالشبهات ولأن الأب لا يقتل بقتل ابنه والقصاص حق آدمي‏,‏ فإذا سقط بشبهة الملك فالحد الذي هو حق الله تعالى بطريق الأولى ولأنه لا يقطع بسرقة ماله‏,‏ ولا يحد بقذفه فكذلك لا يحد بالزنى بجاريته فإذا ثبت هذا فإنها تحرم على الابن على التأبيد وإن كان الابن قد وطئها‏,‏ حرمت عليهما على التأبيد وإذا لم تعلق من الأب لم يزل ملك الابن عنها ولم يلزمه قيمتها وقال أبو حنيفة‏:‏ يلزمه ضمانها لأنه أتلفها عليه‏,‏ وحرمه وطأها فأشبه ما لو قتلها ولنا أنه لم يخرجها عن ملكه‏,‏ ولم تنقص قيمتها فأشبه ما لو أرضعتها امرأته فإنها تحرم على الابن‏,‏ ولا يجب له ضمانها وإن علقت منه فالولد حر يلحق به النسب لأنه من وطء لا يجب به الحد‏,‏ لأجل الشبهة فأشبه ولد الجارية المشتركة وتصير الجارية أم ولد للأب وقال الشافعي‏,‏ في أحد قوليه‏:‏ لا تصير أم ولد لأنها غير مملوكة له فأشبه ما لو وطئ جارية أجنبي بشبهة ولنا أنها علقت منه بحر لأجل الملك‏,‏ فأشبهت الجارية المشتركة إذا كان موسرا قال أصحابنا‏:‏ ولا يلزم الأب قيمة الجارية ولا قيمة ولدها ولا مهرها وقال الشافعي‏:‏ يلزمه ذلك كله إذا حكم بأنها أم ولد وهذا يبنى على أصل‏,‏ وهو أن للأب أن يتملك من مال ولده ما شاء وأنه ليس للابن مطالبة أبيه بدين له عليه ولا قيمة متلف‏,‏ وعندهم بخلاف ذلك وهذا يذكر في موضع آخر -إن شاء الله تعالى-‏.‏

فصل‏:‏

وإن وطئ الابن جارية أبيه‏,‏ عالما بتحريم ذلك فعليه الحد ولا يلحقه النسب‏,‏ ولا تصير به الجارية أم ولد لأنه لا ملك له ولا شبهة ملك فأشبه وطء الأجنبية وكذلك سائر الأقارب‏.‏

فصل‏:‏

وإن وطئ الأب وابنه جارية الابن في طهر واحد‏,‏ فأتت بولد أرى القافة فألحق بمن ألحقته به منهما وصارت أم ولد له‏,‏ كما لو انفرد بوطئها وإن ألحقته بهما لحق بهما وإن أولدها أحدهما بعد الآخر فهي أم ولد للأول منهما خاصة لأنها بولادتها منه صارت له أم ولد‏,‏ لانفراده بإيلادها فلا تنتقل بعد ذلك إلى غيره لأن أم الولد لا ينتقل الملك فيها إلى غير مالكها وقد نقل عن أحمد في رجل وقع على جارية ابنه‏,‏ فإن كان الأب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها فأحبلها الأب‏,‏ فالولد ولده والجارية له وليس للابن فيها شيء قال القاضي‏:‏ ظاهر هذا أن الابن إن كان وطئها‏,‏ لم تصر أم ولد للأب لأنه يحرم عليه وطؤها وأخذها فتكون قد علقت بمملوك وإن كان الأب قبضها‏,‏ ولم يكن الابن وطئها ملكها لأن للأب أن يأخذ من مال ولده ما زاد على قدر نفقته ولم تتعلق به حاجته‏,‏ فيتملكه‏.‏

باب نكاح أهل الشرك‏:‏

أنكحة الكفار صحيحة يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداء نكاحها في الحال‏,‏ ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي‏,‏ والشهود وصيغة الإيجاب والقبول وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين قال ابن عبد البر‏:‏ أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا‏,‏ في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع وقد أسلم خلق في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسلم نساؤهم‏,‏ وأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شروط النكاح ولا كيفيته‏,‏ وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة فكان يقينا ولكن ينظر في الحال‏,‏ فإذا كانت المرأة على صفة يجوز له ابتداء نكاحها أقر وإن كانت ممن لا يجوز ابتداء نكاحها‏,‏ كأحد المحرمات بالنسب أو السبب أو المعتدة والمرتدة‏,‏ والوثنية والمجوسية والمطلقة ثلاثا‏,‏ لم يقر‏.‏ وإن تزوجها في العدة وأسلما بعد انقضائها أقرا لأنها يجوز ابتداء نكاحها‏.‏