فصل: باب الساعات التي نهى عن الصلاة فيها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


باب الساعات التي نهى عن الصلاة فيها

روى ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏شهد عندي رجال مرضيون‏,‏ وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر‏,‏ حتى تغرب الشمس‏)‏ وعن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس‏)‏ متفق عليهما وفي لفظ بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر رواه مسلم وعن أبي هريرة مثل حديث عمر إلا أنه قال‏:‏ وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز‏,‏ وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب‏)‏ رواهما مسلم وعن عقبة بن عامر قال‏:‏ ‏(‏ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيها موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل‏,‏ وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب‏)‏ وعن عمرو بن عبسة قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول الله أخبرنى عن الصلاة قال‏:‏ صل صلاة الصبح‏,‏ ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار‏,‏ ثم صل فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة‏,‏ فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان‏,‏ وحينئذ يسجد لها الكفار‏)‏ رواهن مسلم‏.‏

مسألة

قال أبو القاسم‏:‏ ‏[‏ويقضى الفوائت من الصلوات الفرض‏]‏

وجملته أنه يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهى وغيرها روى نحو ذلك عن على رضي الله عنه وغير واحد من الصحابة وبه قال أبو العالية والنخعي والشعبي‏,‏ والحكم وحماد ومالك‏,‏ والأوزاعي والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وابن المنذر وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا تقضى الفوائت في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس لعموم النهي‏,‏ وهو متناول للفرائض وغيرها ولأن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم- لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت الشمس‏)‏ متفق عليه ولأنها صلاة‏,‏ فلم تجز في هذه الأوقات كالنوافل وقد روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه نام في دالية فاستيقظ عند غروب الشمس‏,‏ فانتظر حتى غابت الشمس ثم صلى وعن كعب - أحسبه ابن عجرة - أنه نام حتى طلع قرن الشمس فأجلسه فلما أن تعالت الشمس قال له‏:‏ صل الآن ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها‏,‏ فليصلها إذا ذكرها‏)‏ متفق عليه وفي حديث أبي قتادة‏:‏ ‏(‏إنما التفريط في اليقظة على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها‏)‏ متفق عليه وخبر النهى مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين وبعصر يومه‏,‏ فنقيس محل النزاع على المخصوص وقياسهم منقوض بذلك أيضا وحديث أبي قتادة يدل على جواز التأخير‏,‏ لا على تحريم الفعل‏.‏

فصل

ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها وقال أصحاب الرأي‏:‏ تفسد لأنها صارت في وقت النهى ‏.‏

ولنا ما روى أبو هريرة‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس فليتم صلاته‏,‏ وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته‏)‏ متفق عليه وهذا نص في المسألة يقدم على عموم غيره‏.‏

فصل

ويجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي‏,‏ سواء كان النذر مطلقا أو مؤقتا وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز ويتخرج لنا مثله بناء على صوم الواجب في أيام التشريق ولنا أنها صلاة واجبة فأشبهت الفوائت من الفرائض وصلاة الجنازة‏,‏ وقد وافقنا فيه فيما بعد صلاة العصر وصلاة الصبح‏.‏

مسألة

قال: ‏[‏ويركع للطواف‏]‏

يعنى في أوقات النهى وممن طاف بعد الصبح والعصر وصلى ركعتين ابن عمر وابن الزبير‏,‏ وعطاء وطاوس وفعله ابن عباس‏,‏ والحسن والحسين ومجاهد‏,‏ والقاسم بن محمد وفعله عروة بعد الصبح وهذا مذهب عطاء‏,‏ والشافعي وأبي ثور وأنكرت طائفة ذلك منهم أبو حنيفة‏,‏ ومالك واحتجوا بعموم أحاديث النهى ‏.‏

ولنا ما روى جبير بن مطعم ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت‏,‏ وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار‏)‏ رواه الأثرم والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث صحيح ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولأن ركعتى الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع ينبغي أن يباح التبع‏,‏ وحديثهم مخصوص بالفوائت وحديثنا لا تخصيص فيه فيكون أولى‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويصلى على الجنازة‏]

أما الصلاة على الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس‏,‏ وبعد العصر حتى تميل للغروب فلا خلاف فيه قال ابن المنذر‏:‏ إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح‏,‏ وأما الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر فلا يجوز ذكرها القاضي وغيره قال الأثرم‏:‏ سألت أبا عبد الله عن الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس‏؟‏ قال‏:‏ أما حين تطلع فما يعجبني ثم ذكر حديث عقبة بن عامر وقد روي عن جابر وابن عمر نحو هذا القول‏,‏ وذكره مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن ابن عمر وقال الخطابي‏:‏ هذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى‏:‏ إن الصلاة على الجنازة تجوز في جميع أوقات النهى وهذا مذهب الشافعي لأنها صلاة تباح بعد الصبح والعصر‏,‏ فأبيحت في سائر الأوقات كالفرائض ولنا قول عقبة بن عامر‏:‏ ‏(‏ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلى فيهن‏,‏ وأن نقبر فيهن موتانا‏)‏ وذكره للصلاة مقرونا بالدفن دليل على إرادة صلاة الجنازة ولأنها صلاة من غير الصلوات الخمس فلم يجز فعلها في هذه الأوقات الثلاثة كالنوافل المطلقة‏,‏ وإنما أبيحت بعد الصبح والعصر لأن مدتهما تطول فالانتظار يخاف منه عليها وهذه مدتها تقصر‏,‏ وأما الفرائض فلا يقاس عليها لأنها آكد ولا يصح قياس هذه الأوقات الثلاثة على الوقتين الآخرين لأن النهى فيها آكد‏,‏ وزمنها أقصر فلا يخاف على الميت فيها ولأنه نهى عن الدفن فيها‏,‏ والصلاة المقرونة بالدفن تتناول صلاة الجنازة وتمنعها القرينة من الخروج بالتخصيص بخلاف الوقتين الآخرين والله أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويصلى إذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة وقد كان صلاها‏]

وجملته أن من صلى فرضه ثم أدرك تلك الصلاة في جماعة‏,‏ استحب له إعادتها أي صلاة كانت بشرط أن تقام وهو في المسجد‏,‏ أو يدخل المسجد وهم يصلون وهذا قول الحسن والشافعي وأبي ثور فإن أقيمت صلاة الفجر أو العصر وهو خارج المسجد‏,‏ لم يستحب له الدخول واشترط القاضي لجواز الإعادة في وقت النهى أن يكون مع إمام الحي ولم يفرق الخرقي بين إمام الحي وغيره ولا بين المصلى جماعة وفرادى وكلام أحمد يدل على ذلك أيضا قال الأثرم‏:‏ سألت أبا عبد الله عن من صلى في جماعة‏,‏ ثم دخل المسجد وهم يصلون أيصلى معهم‏؟‏ قال‏:‏ نعم وذكر حديث أبي هريرة‏:‏ أما هذا فقد عصى أبا القاسم إنما هي نافلة فلا يدخل فإن دخل صلى‏,‏ وإن كان قد صلى في جماعة قيل لأبي عبد الله‏:‏ والمغرب‏؟‏ قال‏:‏ نعم إلا أنه في المغرب يشفع وقال مالك‏:‏ إن كان صلى وحده أعاد المغرب‏,‏ وإن كان صلى في جماعة لم يعدها لأن الحديث الدال على الإعادة قال فيه‏:‏ صلينا في رحالنا وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تعاد الفجر ولا العصر ولا المغرب لأنها نافلة فلا يجوز فعلها في وقت النهى لعموم الحديث فيه ولا تعاد المغرب لأن التطوع لا يكون بوتر وعن ابن عمر والنخعي‏:‏ تعاد الصلوات كلها إلا الصبح والمغرب وقال أبو موسى‏,‏ وأبو مجلز ومالك والثوري‏,‏ والأوزاعي‏:‏ تعاد كلها إلا المغرب لئلا يتطوع بوتر وقال الحاكم‏:‏ إلا الصبح وحدها ‏.‏

ولنا ما روى جابر بن يزيد بن الأسود‏,‏ عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حجته فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف وأنا غلام شاب‏,‏ فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال‏:‏ على بهما فأتى بهما ترعد فرائصهما فقال‏:‏ ما منعكما أن تصليا معنا‏؟‏ فقالا‏:‏ يا رسول الله‏,‏ قد صلينا في رحالنا قال‏:‏ لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال حديث حسن صحيح والأثرم وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن زيد بن أسلم عن بسر بن محجن‏,‏ عن أبيه ‏(‏أنه كان جالسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأذن للصلاة فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فصلى ثم رجع ومحجن في مجلسه‏,‏ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم‏؟‏ فقال‏:‏ بلى يا رسول الله ولكنى قد صليت في أهلى فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ إذا جئت فصل مع الناس‏,‏ وإن كنت قد صليت‏)‏ وعن أبي ذر قال‏:‏ ‏(‏إن خليلى - يعنى النبي - صلى الله عليه وسلم- - أوصانى أن أصلى الصلاة لوقتها فإذا أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة‏)‏ رواه مسلم وفي رواية‏:‏ ‏(‏فإن أدركتها معهم فصل‏,‏ ولا تقل‏:‏ إني قد صليت فلا أصلي‏)‏ رواه النسائي وهذه الأحاديث بعمومها تدل على محل النزاع وحديث يزيد بن الأسود صريح في إعادة الفجر‏,‏ والعصر مثلها والأحاديث بإطلاقها تدل على الإعادة سواء كان مع إمام الحي أو غيره‏,‏ وسواء صلى وحده أو في جماعة وقد روى أنس قال‏:‏ صلى بنا أبو موسى الغداة في المربد فانتهينا إلى المسجد الجامع‏,‏ فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة وعن صلة عن حذيفة‏:‏ أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب‏,‏ وكان قد صلاهن في جماعة رواهما الأثرم‏.‏

فصل

إذا أعاد المغرب شفعها برابعة نص عليه أحمد وبه قال الأسود بن يزيد والزهري والشافعي‏,‏ وإسحاق ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب وروى صلة‏,‏ عن حذيفة أنه لما أعاد المغرب قال‏:‏ ذهبت أقوم في الثالثة‏,‏ فأجلسنى وهذا يحتمل أنه أمره بالاقتصار على ركعتين لتكون شفعا ويحتمل أنه أمره بالصلاة مثل صلاة الإمام ولنا أن هذه الصلاة نافلة‏,‏ ولا يشرع التنفل بوتر غير الوتر فكان زيادة ركعة أولى من نقصانها لئلا يفارق إمامه قبل إتمام صلاته‏.‏

فصل

إن أقيمت الصلاة وهو خارج من المسجد فإن كان في وقت نهى لم يستحب له الدخول‏,‏ وإن كان في غير وقت نهى استحب له الدخول في الصلاة معهم وإن دخل وصلى معهم فلا بأس لما ذكرنا من خبر أبي موسى ولا يستحب لما روى مجاهد قال‏:‏ خرجت مع ابن عمر من دار عبد الله بن خالد بن أسيد حتى إذا نظر إلى باب المسجد إذا الناس في الصلاة‏,‏ فلم يزل واقفا حتى صلى الناس وقال‏:‏ إني صليت في البيت رواه الإمام أحمد في المسند‏.‏

فصل

إذا أعاد الصلاة فالأولى فرضه روى ذلك عن على رضي الله عنه وبه قال الثوري وأبو حنيفة‏,‏ وإسحاق والشافعي في الجديد وعن سعيد بن المسيب وعطاء‏,‏ والشعبي التي صلى معهم المكتوبة لما روى في حديث يزيد بن الأسود أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم‏,‏ وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة‏)‏ ولنا قوله في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏تكن لكما نافلة‏)‏ وقوله في حديث أبي ذر‏:‏ ‏(‏فإنها لك نافلة‏)‏ ولأن الأولى قد وقعت فريضة وأسقطت الفرض‏,‏ بدليل أنها لا تجب ثانيا وإذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة وجعل الأولى نافلة قال حماد قال إبراهيم‏:‏ إذا نوى الرجل صلاة وكتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها‏,‏ فما صلى بعدها فهو تطوع وحديثهم لا تصريح فيه فيجب أن يحمل معناه على ما في الأحاديث الباقية سواء فعلى هذا لا ينوي الثانية فرضا لكن ينويها ظهرا معادة‏,‏ وإن نواها نافلة صح‏.‏

فصل

ولا تجب الإعادة قال القاضي‏:‏ لا تجب رواية واحدة وقال بعض أصحابنا فيها رواية أخرى‏:‏ إنها تجب مع إمام الحي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بها ولنا أنها نافلة‏,‏ والنافلة لا تجب وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تصل صلاة في يوم مرتين‏)‏ رواه أبو داود ومعناه واجبتان والله أعلم والأمر للاستحباب فعلى هذا إن قصد الإعادة فلم يدرك إلا ركعتين‏,‏ فقال الآمدي‏:‏ يجوز أن يسلم معهم لأنها نافلة ويستحب أن يتمها لأنه قصدها أربعا ونص أحمد -رحمه الله- ‏,‏ على أنه يتمها أربعا لقوله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏وما فاتكم فأتموا ‏)‏‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏في كل وقت نهى عن الصلاة فيه وهو بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس‏]

اختلف أهل العلم في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فذهب أحمد‏,‏ -رحمه الله- إلى أنها من بعد الفجر حتى ترتفع الشمس قدر رمح وبعد العصر حتى تغرب الشمس‏,‏ وحال قيام الشمس حتى تزول وعدها أصحابه خمسة أوقات من الفجر إلى طلوع الشمس وقت ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت‏,‏ وحال قيامها وقت ومن العصر إلى شروع الشمس في الغروب وقت وإلى تكامل الغروب وقت والصحيح أن الوقت الخامس من حين تتضيف الشمس للغروب إلى أن تغرب لأن عقبة بن عامر قال‏:‏ ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلى فيهن‏,‏ وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب فجعل هذه ثلاثة أوقات‏,‏ وقد ثبت لنا وقتان آخران بحديث عمر وأبي سعيد فيكون الجميع خمسة ومن جعل الخامس وقت الغروب فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم- خصه بالنهى في حديث ابن عمر‏,‏ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب‏)‏ وفي حديث‏:‏ ‏(‏ولا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها‏)‏ وعلى كل حال فهذه الأوقات المذكورة منهى عن الصلاة فيها وهو قول الشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقال ابن المنذر‏:‏ إنما المنهي عنه الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بدليل تخصيصها بالنهى في حديثه وحديث ابن عمر وقوله‏:‏ ‏(‏لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة‏)‏ رواه أبو داود وقالت عائشة‏:‏ وهم عمر إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها‏.‏

ولنا ما ذكرنا من الأحاديث في أول الباب وهي صحيحة صريحة والتخصيص في بعض الأحاديث لا يعارض العموم الموافق له‏,‏ بل يدل على تأكد الحكم فيما خصه وقول عائشة في رد خبر عمر غير مقبول فإنه مثبت لروايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وهي تقول برأيها‏,‏ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- أصح من قولها ثم هي قد روت ذلك أيضا فروى ذكوان مولى عائشة‏,‏ أنها حدثته ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد العصر وينهى عنه‏)‏ رواه أبو داود فكيف يقبل ردها لما قد أقرت بصحته‏,‏ وقد رواه أبو سعيد وعمرو بن عبسة وأبو هريرة‏,‏ وابن عمر والصنابحى وأم سلمة‏,‏ كنحو رواية عمر فلا يترك هذا بمجرد رأى مختلف متناقض‏.‏

فصل

والنهى عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة فمن لم يصل أبيح له التنفل‏,‏ وإن صلى غيره ومن صلى العصر فليس له التنفل وإن لم يصل أحد سواه لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر فأما النهى بعد الفجر فيتعلق بطلوع الفجر وبهذا قال سعيد بن المسيب والعلاء بن زياد‏,‏ وحميد بن عبد الرحمن وأصحاب الرأي وقال النخعي‏:‏ كانوا يكرهون ذلك يعنى التطوع بعد طلوع الفجر ورويت كراهته عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعن أحمد رواية أخرى‏,‏ أن النهى متعلق بفعل الصلاة أيضا كالعصر وروى نحو ذلك عن الحسن والشافعي لما روى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس‏,‏ ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس‏)‏ رواه مسلم وروى أبو داود حديث عمر بهذا اللفظ وفي حديث عمرو بن عبسة قال‏:‏ ‏(‏صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة كذا‏)‏ رواه مسلم وفي رواية أبي داود قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول الله‏,‏ أي الليل أسمع‏؟‏ قال‏:‏ جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مكتوبة مشهودة حتى تصلي الصبح‏,‏ ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قدر رمح أو رمحين‏)‏ ولأن لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم- في العصر علق على الصلاة دون وقتها فكذلك الفجر‏,‏ ولأنه وقت نهى بعد صلاة فيتعلق بفعلها كبعد العصر والمشهور في المذهب الأول لما روى ‏(‏يسار مولى ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ رآنى ابن عمر وأنا أصلى بعد طلوع الفجر فقال‏:‏ يا يسار إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرج علينا ونحن نصلى هذه الصلاة فقال‏:‏ ليبلغ شاهدكم غائبكم‏,‏ لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين‏)‏ رواه أبو داود وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا سجدتان‏)‏ رواه الدارقطني وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إلا ركعتى الفجر‏)‏ وقال‏:‏ هو غريب رواه قدامة بن موسى وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم وقال‏:‏ هذا ما أجمع عليه أهل العلم وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتى الفجر‏)‏ وهذا يبين مراد النبي - صلى الله عليه وسلم- من اللفظ المجمل‏,‏ ولا يعارضه تخصيص ما بعد الصلاة بالنهى فإن ذلك دليل خطاب وهذا منطوق‏,‏ فيكون أولى وحديث عمرو بن عبسة قد اختلفت ألفاظ الرواة فيه وهو في سنن ابن ماجه‏:‏ ‏(‏حتى يطلع الفجر ‏)‏‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولا يبتدئ في هذه الأوقات صلاة يتطوع بها‏]

لا أعلم خلافا في المذهب أنه لا يجوز أن يبتدئ صلاة تطوع غير ذات سبب وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن المنذر‏:‏ رخصت طائفة في الصلاة بعد العصر‏,‏ روينا ذلك عن على والزبير وابنه‏,‏ وتميم الدارى والنعمان بن بشير وأبي أيوب الأنصاري‏,‏ وعائشة وفعله الأسود بن يزيد وعمر‏,‏ وابن ميمون ومسروق وشريح‏,‏ وعبد الله بن أبي الهذيل وأبو بردة وعبد الرحمن بن الأسود‏,‏ وابن البيلمانى والأحنف بن قيس وحكي عن أحمد أنه قال‏:‏ لا نفعله ولا نعيب فاعله وذلك لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد العصر عندي قط‏)‏ وقولها‏:‏ وهم عمر إنما ‏(‏نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها‏)‏ رواهما مسلم وقول علي‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة‏)‏ ولنا الأحاديث المذكورة في أول الباب وهي صحيحة صريحة‏,‏ وروى أبو بصرة قال‏:‏ ‏(‏صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر بالمخمص فقال‏:‏ إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها‏,‏ فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد‏)‏ رواه مسلم وهذا خاص في محل النزاع وأما حديث عائشة فقد روى عنها ذكوان مولاها أنها حدثته ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد العصر وينهى عنها‏)‏ رواه أبو داود وروى أبو سلمة‏,‏ أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصليهما بعد العصر فقالت‏:‏ كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما‏,‏ أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها وعن أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينهى عنهما‏,‏ ثم رأيته يصليهما وقال‏:‏ يا بنت أبي أمية إنه أتانى ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم‏,‏ فشغلونى عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان‏)‏ رواهما مسلم وهذا يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما فعله لسبب وهو قضاء ما فاته من السنة‏,‏ وأنه نهى عن الصلاة بعد العصر كما رواه غيرهما وحديث عائشة يدل على اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم- بذلك‏,‏ ونهيه غيره وهذا حجة على من خالف ذلك فإن النزاع إنما هو في غير النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد ثبت ذلك من غير معارض له‏.‏

فصل

فأما التطوع لسبب غير ما ذكره الخرقي‏,‏ فالمنصوص عن أحمد -رحمه الله- في الوتر أنه يفعله قبل صلاة الفجر قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل‏:‏ أيوتر الرجل بعدما يطلع الفجر‏؟‏ قال‏:‏ نعم وروى ذلك عن ابن مسعود‏,‏ وابن عمر وابن عباس وحذيفة‏,‏ وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وفضالة بن عبيد‏,‏ وعائشة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعمرو بن شرحبيل‏,‏ وقال أيوب السختيانى وحميد الطويل‏:‏ إن أكثر وترنا لبعد طلوع الفجر وبه قال مالك والثوري والأوزاعي‏,‏ والشافعي وروي عن على رضي الله عنه أنه خرج بعد طلوع الفجر فقال‏:‏ لنعم ساعة الوتر هذه وروي عن عاصم قال‏:‏ جاء ناس إلى أبي موسى‏,‏ فسألوه عن رجل لم يوتر حتى أذن المؤذن‏؟‏ قال‏:‏ لا وتر له فأتوا عليا فسألوه فقال‏:‏ أغرق في النزع الوتر ما بينه وبين الصلاة وأنكر ذلك عطاء‏,‏ والنخعي وسعيد بن جبير وهو قول أبي موسى على ما حكينا‏,‏ واحتجوا بعموم النهى ‏.‏

ولنا ما روى أبو بصرة الغفارى قال‏:‏ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح‏,‏ الوتر الوتر‏)‏ رواه الأثرم واحتج به أحمد ولأنه قول من سمينا من الصحابة‏,‏ وأحاديث النهى الصحيحة ليست صريحة في النهى قبل صلاة الفجر على ما قدمناه إنما فيه حديث ابن عمر وهو غريب‏,‏ وقد روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر‏)‏ رواه ابن ماجه وهذا صريح في محل النزاع إذا ثبت هذا فإنه لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح لهذا الخبر‏,‏ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏فإذا خشى أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى‏)‏ متفق عليه وهكذا قال مالك وقال‏:‏ من فاتته صلاة الليل فله أن يصلي بعد الصبح قبل أن يصلي الصبح وحكاه ابن أبي موسى في ‏"‏ الإرشاد ‏"‏ مذهبا لأحمد‏,‏ قياسا على الوتر ولأن هذا الوقت لم يثبت النهى فيه صريحا فكان حكمه خفيفا‏.‏

فصل

فأما قضاء سنة الفجر بعدها فجائز‏,‏ إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى وقال‏:‏ إن صلاهما بعد الفجر أجزأ وأما أنا فأختار ذلك وقال عطاء‏,‏ وابن جريج والشافعي‏:‏ يقضيهما بعدها لما روي عن قيس بن فهد قال‏:‏ ‏(‏رآنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأنا أصلى ركعتى الفجر بعد صلاة الفجر‏,‏ فقال‏:‏ ما هاتان الركعتان يا قيس‏؟‏ قلت‏:‏ يا رسول الله لم أكن صليت ركعتى الفجر فهما هاتان‏)‏ رواه الإمام أحمد وأبو داود‏,‏ والترمذي وسكوت النبي - صلى الله عليه وسلم- يدل على الجواز ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قضى سنة الظهر بعد العصر وهذه في معناها‏,‏ ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتى الطواف وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا يجوز لعموم النهى ولما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من لم يصل ركعتى الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس‏)‏ رواه الترمذي‏,‏ وقال‏:‏ لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن عاصم قال ابن الجوزى -رحمه الله-‏:‏ وهو ثقة أخرج عنه البخاري وكان ابن عمر يقضيهما من الضحى‏,‏ وحديث قيس مرسل قاله أحمد والترمذي‏,‏ لأنه يرويه محمد بن إبراهيم عن قيس ولم يسمع منه وروى من طريق يحيى بن سعيد عن جده‏,‏ وهو مرسل أيضا ورواه الترمذي قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول الله‏:‏ إني لم أكن ركعت ركعتى الفجر قال‏:‏ فلا إذا‏)‏ وهذا يحتمل النهى وإذا كان الأمر هكذا كان تأخيرها إلى وقت الضحى أحسن لنخرج من الخلاف‏,‏ ولا نخالف عموم الحديث وإن فعلها فهو جائز لأن هذا الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز والله أعلم‏.‏

فصل

وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر فالصحيح جوازه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعله‏,‏ فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة والاقتداء بما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم- متعين ولأن النهى بعد العصر خفيف لما روى في خلافه من الرخصة‏,‏ وما وقع من الخلاف فيه وقول عائشة‏:‏ إنه كان ينهى عنها معناه - والله أعلم - أنه نهى عنها لغير هذا السبب أو أنه كان يفعلها على الدوام‏,‏ وينهى عن ذلك وهذا مذهب الشافعي ومنعه أصحاب الرأي لعموم النهى وما ذكرناه خاص فالأخذ به أولى إلا أن الصحيح في الركعتين قبل العصر أنها لا تقضى لما روت عائشة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلاهما فقلت له‏:‏ أنقضيهما إذا فاتتا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏)‏ رواه ابن النجار‏,‏ في الجزء الخامس من حديثه‏.‏

فصل

فأما قضاء السنن في سائر أوقات النهي، وفعل غيرها من الصلوات التي لها سبب، كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، وسجود التلاوة، فالمشهور في المذهب أنه لا يجوز. ذكره الخرقي في سجود التلاوة وصلاة الكسوف. وقال القاضي: في ذلك روايتان؛ أصحهما أنه لا يجوز. وهو قول أصحاب الرأي؛ لعموم النهي. والثانية: يجوز. وهو قول الشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين). متفق عليه. وقال في الكسوف: (فإذا رأيتموهما فصلوا). وهذا خاص في هذه الصلاة، فيقدم على النهي العام في الصلاة كلها، ولأنها صلاة ذات سبب، فأشبهت ما ثبت جوازه. ولنا، أن النهي للتحريم، والأمر للندب، وترك المحرم أولى من فعل المندوب. وقولهم: إن الأمر خاص في الصلاة؛ قلنا: ولكنه عام في الوقت، والنهي خاص فيه فيقدم، ولا يصح القياس على القضاء بعد العصر؛ لأن حكم النهي فيه أخف، لما ذكرنا، ولا على قضاء الوتر بعد طلوع الفجر لذلك، ولأنه وقت له، بدليل حديث أبي بصرة، ولا على صلاة الجنازة لأنها فرض كفاية، ويخاف على الميت، ولا على ركعتي الطواف، لأنهما تابعتان لما لا يمنع منه النهي، مع أننا قد ذكرنا أن الصحيح أنه لا يصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر. وكذلك لا ينبغي أن يركع للطواف فيها، ولا يعيد فيها جماعة. وإذا منعت هذه الصلوات المتأكدة فيها فغيرها أولى بالمنع، والله أعلم.

فصل

ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي. وقال الشافعي: لا يمنع فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار). وعن أبي ذر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس، ولا بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، إلا بمكة يقول: قال ذلك ثلاثًا). رواه الدارقطني. ولنا عموم النهي، وأنه معنى يمنع الصلاة، فاستوت فيه مكة وغيرها، كالحيض، وحديثهم أراد به ركعتي الطواف، فيختص بهما، وحديث أبي ذر ضعيف، يرويه عبد الله بن المؤمل، وهو ضعيف، قاله يحيى بن معين .

فصل

ولا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف، كان عمر بن الخطاب ينهى عنه، وقال ابن مسعود: (كنا ننهى عن ذلك يعني يوم الجمعة). وقال سعيد المقبري: أدركت الناس وهم يتقون ذلك. وعن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه قال: كنت ألقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا زالت الشمس قاموا فصلوا أربعا. ورخص فيه الحسن، وطاوس، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، والشافعي، وإسحاق في يوم الجمعة؛ لما روى أبو سعيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة). وعن أبي قتادة مثله، رواه أبو داود. ولأن الناس ينتظرون الجمعة في هذا الوقت، وليس عليهم قطع النوافل. وقال مالك: أكرهه إذا علمت انتصاف النهار، وإذا كنت في موضع لا أعلمه، ولا أستطيع أن أنظر، فإني أراه واسعا. وأباحه فيها عطاء في الشتاء دون الصيف؛ لأن شدة الحر من فيح جهنم، وذلك الوقت حين تسجر جهنم. ولنا، عموم الأحاديث في النهي. وذكر لأحمد الرخصة في الصلاة نصف النهار يوم الجمعة، قال: فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه: حديث عمرو بن عبسة، وحديث عقبة بن عامر، وحديث الصنابحي، رواه الأثرم، عن عبد الله الصنابحي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها). ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات. ولأنه وقت نهي، فاستوى فيه يوم الجمعة وغيره، كسائر الأوقات، وحديثهم ضعيف، في إسناده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، وهو مرسل؛ لأن أبا الخليل يرويه عن أبي قتادة، ولم يسمع منه. وقولهم: إنهم ينتظرون الجمعة. قلنا: إذا علم وقت النهي فليس له أن يصلي، فإن شك فله أن يصلي حتى يعلم؛ لأن الأصل الإباحة، فلا تزول بالشك. والله أعلم

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وصلاة التطوع مثنى مثنى‏]

يعنى يسلم من كل ركعتين والتطوع قسمان تطوع ليل وتطوع نهار‏,‏ فأما تطوع الليل فلا يجوز إلا مثنى مثنى هذا قول أكثر أهل العلم وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة‏:‏ إن شئت ركعتين‏,‏ وإن شئت أربعا وإن شئت ستا وإن شئت ثمانيا ولنا‏,‏ قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلاة الليل مثنى مثنى‏)‏ متفق عليه وعن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏مفتاح الصلاة الطهور وبين كل ركعتين تسليمة‏)‏ رواه الأثرم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن تطوع بأربع في النهار فلا بأس‏]

الأفضل في تطوع النهار‏:‏ أن يكون مثنى مثنى لما روى على بن عبد الله البارقى عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏صلاة الليل والنهار مثنى مثنى‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والأثرم ولأنه أبعد عن السهو وأشبه بصلاة الليل وتطوعات النبي - صلى الله عليه وسلم- فإن الصحيح في تطوعاته ركعتان وذهب الحسن‏,‏ وسعيد بن جبير ومالك والشافعي‏,‏ وحماد بن أبي سليمان إلى أن تطوع الليل والنهار مثنى مثنى لذلك والصحيح أنه إن تطوع في النهار بأربع فلا بأس فعل ذلك ابن عمر وكان إسحاق يقول‏:‏ صلاة النهار أختار أربعا‏,‏ وإن صلى ركعتين جاز ويشبهه قول الأوزاعي وأصحاب الرأي لما روي عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏أربع قبل الظهر لا تسليم فيهن تفتح لهن أبواب السماء‏)‏ رواه أبو داود ولأن مفهوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلاة الليل مثنى مثنى‏)‏ أن صلاة النهار رباعية ولنا على أن الأفضل مثنى‏,‏ ما تقدم وحديث أبي أيوب يرويه عبيد الله بن معتب وهو ضعيف‏,‏ ومفهوم الحديث المتفق عليه يدل على جواز الأربع لا على تفضيلها وأما حديث البارقى فإنه تفرد بزيادة لفظة ‏"‏ النهار ‏"‏ من بين سائر الرواة وقد رواه عن ابن عمر نحو من خمسة عشر نفسا‏,‏ لم يقل ذلك أحد سواه وكان ابن عمر يصلي أربعا فيدل ذلك على ضعف روايته‏,‏ أو على أن المراد بذلك الفضيلة مع جواز غيره والله أعلم‏.‏

فصل

قال بعض أصحابنا‏:‏ ولا يزاد في الليل على اثنتين ولا في النهار على أربع‏,‏ ولا يصح التطوع بركعة ولا بثلاث وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي‏:‏ لو صلى ستا في ليل أو نهار كره وصح وقال أبو الخطاب‏:‏ في صحة التطوع بركعة روايتان إحداهما يجوز لما روى سعيد‏,‏ قال‏:‏ حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه‏,‏ قال‏:‏ دخل عمر المسجد فصلى ركعة ثم خرج فتبعه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏,‏ إنما صليت ركعة قال‏:‏ هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص ولنا‏,‏ أن هذا خلاف قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلاة الليل مثنى مثنى‏)‏ ولأنه لم يرد الشرع بمثله والأحكام إنما تتلقى من الشارع إما من نصه‏,‏ أو معنى نصه وليس ها هنا شيء من ذلك‏.‏

فصل

والتطوعات قسمان أحدهما ما تسن له الجماعة‏,‏ وهو صلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح ونذكرها إن شاء الله‏,‏ في مواضعها والثاني ما يفعل على الانفراد وهي قسمان سنة معينة‏,‏ ونافلة مطلقة فأما المعينة فتتنوع أنواعا منها السنن الرواتب مع الفرائض وهي عشر ركعات‏:‏ ركعتان قبل الظهر‏,‏ وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء‏,‏ وركعتان قبل الفجر وقال أبو الخطاب‏:‏ وأربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا‏)‏ رواه أبو داود وقال الشافعي‏:‏ قبل الظهر أربع لما روى عبد الله بن شقيق قال‏:‏ ‏(‏سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ فقالت‏:‏ كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلى بالناس‏,‏ ثم يدخل فيصلى ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلى ركعتين‏,‏ ثم يصلي بالناس العشاء ويدخل بيتى فيصلى ركعتين‏)‏ رواه مسلم ‏.‏

ولنا ما روى ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته‏,‏ وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم- فيها‏,‏ حدثتنى حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين‏)‏ متفق عليه ولمسلم‏:‏ وبعد الجمعة سجدتين ولم يذكر ركعتين قبل الصبح وروى الترمذي عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك وقال‏:‏ هو حديث صحيح وقوله‏:‏ ‏(‏رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا‏)‏ ترغيب فيها‏,‏ ولم يجعلها من السنن الرواتب بدليل أن ابن عمر راويه ولم يحفظها عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وحديث عائشة قد اختلف فيه‏,‏ فروى عنها مثل رواية ابن عمر‏.‏

فصل

وآكد هذه الركعات ركعتا الفجر قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتى الفجر‏)‏ متفق عليه وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر‏)‏ أخرجه مسلم وقال‏:‏ ‏(‏ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وفي لفظ‏:‏ أحب إلى من الدنيا وما فيها‏)‏ رواه مسلم وعن أبي هريرة‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلوهما ولو طردتكم الخيل‏)‏ رواه أبو داود ويستحب تخفيفهما فإن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي ركعتى الفجر فيخفف‏,‏ حتى إني لأقول‏:‏ هل قرأ فيهما بأم الكتاب‏؟‏‏)‏ متفق عليه ويستحب أن يقرأ فيهما ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ و ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ لما روى أبو هريرة ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتى الفجر ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ و ‏{‏قل هو الله أحد ‏}‏‏)‏ رواه مسلم وقال ابن عمر‏:‏ ‏(‏رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم- شهرا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ و ‏{‏قل هو الله أحد ‏}‏‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في ركعتى الفجر ‏{‏قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا‏}‏ الآية التي في البقرة‏,‏ وفي الآخرة منهما ‏{‏آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون‏}‏‏)‏ رواه مسلم‏.‏

فصل

ويستحب أن يضطجع بعد ركعتى الفجر على جنبه الأيمن وكان أبو موسى ورافع بن خديج وأنس بن مالك يفعلونه‏,‏ وأنكره ابن مسعود وكان القاسم وسالم‏,‏ ونافع لا يفعلونه واختلف فيه عن ابن عمر وروي عن أحمد‏:‏ أنه ليس بسنة لأن ابن مسعود أنكره ‏.‏

ولنا ما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم ركعتى الفجر‏,‏ فليضطجع‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن رواه البزار في مسنده وقال‏:‏ ‏(‏على شقه الأيمن‏)‏ وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقه الأيمن‏)‏ متفق عليه وهذا لفظ رواية البخاري واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم- في قوله وفعله أولى من اتباع من خالفه كائنا من كان‏.‏

فصل

ويقرأ في الركعتين بعد المغرب ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ و ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ لما روى ‏(‏ابن مسعود قال‏:‏ ما أحصى ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين بعد المغرب‏,‏ وفي الركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون و ‏{‏قل هو الله أحد ‏}‏‏)‏ أخرجه الترمذي وابن ماجه‏.‏

ويستحب فعل السنن في البيت لما ذكرنا من حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ركعتى الفجر والمغرب والعشاء في بيته‏)‏ وقال أبو داود‏:‏ ما رأيت أحمد ركعهما يعنى ركعتى الفجر‏,‏ في المسجد قط إنما كان يخرج فيقعد في المسجد حتى تقام الصلاة وقال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله سئل عن الركعتين بعد الظهر أين يصليان‏؟‏ قال‏:‏ في المسجد ثم قال‏:‏ أما الركعتان قبل الفجر ففي بيته‏,‏ وبعد المغرب في بيته ثم قال‏:‏ ليس ها هنا شيء آكد من الركعتين بعد المغرب وذكر حديث ابن إسحاق‏:‏ ‏(‏صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم‏)‏ قيل لأحمد‏:‏ فإن كان منزل الرجل بعيدا‏؟‏ قال‏:‏ لا أدرى وذلك لما روى سعد بن إسحاق عن أبيه عن جده ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أتاهم في مسجد بنى عبد الأشهل‏,‏ فصلى المغرب فرآهم يتطوعون بعدها فقال‏:‏ هذه صلاة البيوت‏)‏ رواه أبو داود وعن رافع بن خديج قال‏:‏ ‏(‏أتانا النبي - صلى الله عليه وسلم- في بنى عبد الأشهل‏,‏ فصلى بنا المغرب في مسجدنا ثم قال‏:‏ اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم‏)‏ رواه ابن ماجه والأثرم‏,‏ ولفظه قال‏:‏ ‏(‏صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم ‏)‏‏.‏

فصل

كل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة‏,‏ وكل سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها فإن فات شيء من وقت هذه السنن‏,‏ فقال أحمد‏:‏ لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قضى شيئا من التطوع إلا ركعتى الفجر والركعتين بعد العصر وقال ابن حامد‏:‏ تقضى جميع السنن الرواتب في جميع الأوقات إلا أوقات النهى لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قضى بعضها‏,‏ وقسنا الباقي عليه وقال القاضي وبعض أصحابنا‏:‏ لا يقضى إلا ركعتا الفجر تقضى إلى وقت الضحى وركعتا الظهر فإن أحمد قال‏:‏ ما أعرف وترا بعد الفجر وركعتا الفجر تقضى إلى وقت الضحى قال مالك‏:‏ تقضى ركعتا الفجر إلى وقت الزوال‏,‏ ولا تقضى بعد ذلك وقال النخعي وسعيد بن جبير والحسن‏:‏ إذا طلعت الشمس فلا وتر وقال بعضهم‏:‏ من صلى الغداة فلا وتر عليه والأول أصح لما ذكرنا وقد قال أحمد‏,‏ -رحمه الله-‏:‏ أحب أن يكون له شيء من النوافل يحافظ عليه إذا فات قضى‏.‏

النوع الثاني‏:‏ تطوعات مع السنن الرواتب يستحب أن يصلي قبل الظهر أربعا وأربعا بعدها لما روت أم حبيبة‏,‏ قالت‏:‏ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح غريب وروى أبو أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء‏)‏ وقد ذكرناه وعلى أربع قبل العصر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا‏)‏ رواه أبو داود وعن على رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس‏,‏ وركعتين بعدها وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين رواه ابن ماجه وعلى أربع بعد سنة المغرب لما روى أبو هريرة‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له بعبادة اثنتى عشرة سنة‏)‏ رواه الترمذي‏,‏ وقال‏:‏ لا نعرفه إلا من حديث عمر بن أبي خثعم وضعفه البخاري جدا وعلى أربع بعد العشاء لما روي عن ‏(‏شريح بن هانئ عن عائشة قال‏:‏ سألتها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ فقالت‏:‏ ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- العشاء قط إلا صلى أربع ركعات‏,‏ أو ست ركعات‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل

واختلف في أربع ركعات منها ركعتان قبل المغرب بعد الأذان فظاهر كلام أحمد أنهما جائزتان وليستا سنة قال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏,‏ الركعتان قبل المغرب‏؟‏ قال‏:‏ ما فعلته قط إلا مرة حين سمعت الحديث وقال‏:‏ فيهما أحاديث جياد‏,‏ أو قال‏:‏ صحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين إلا أنه قال‏:‏ ‏"‏ لمن شاء ‏"‏ فمن شاء صلى وقال‏:‏ هذا شيء ينكره الناس وضحك كالمتعجب وقال‏:‏ هذا عندهم عظيم والدليل على جوازهما ما روى أنس‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏كنا نصلى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب قال المختار بن فلفل‏:‏ فقلت له أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاهما‏؟‏ قال‏:‏ كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا‏)‏ متفق عليه وقال أنس‏:‏ كنا بالمدينة إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري‏,‏ فركعوا ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما رواه مسلم وعن عبد الله بن المغفل‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏بين كل أذانين صلاة قالها ثلاثا ثم قال في الثالثة‏:‏ لمن شاء‏)‏ أخرجهما مسلم وقال عقبة‏:‏ كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعن عبد الله بن المزنى قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلوا قبل المغرب ركعتين قال‏:‏ ثم قال‏:‏ صلوا قبل المغرب ركعتين قال‏:‏ ثم قال‏:‏ صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة‏)‏ متفق عليه‏.‏

ومنها الركعتان بعد الوتر‏,‏ فظاهر كلام أحمد أنه لا يستحب فعلهما وإن فعلهما إنسان جاز قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن الركعتين بعد الوتر قيل له‏:‏ قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- من وجوه‏,‏ فما ترى فيهما‏؟‏ فقال‏:‏ أرجو إن فعله إنسان أن لا يضيق عليه ولكن يكون وهو جالس كما جاء الحديث قلت‏:‏ تفعله أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ ما أفعله وعدهما أبو الحسن الآمدي من السنن الراتبة والصحيح أنهما ليستا بسنة لأن أكثر من وصف تهجد النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يذكرهما من ذلك حديث ابن عباس وزيد بن خالد وعائشة‏,‏ فيما رواه عنهما عروة وعبد الله بن شقيق والقاسم واختلف فيه عن أبي سلمة‏,‏ وأكثر الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم على تركهما ووجه الجواز ما روى سعد بن هشام عن عائشة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل تسع ركعات‏,‏ ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد‏,‏ فتلك إحدى عشرة ركعة‏)‏ وقال ‏(‏أبو سلمة‏:‏ سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت‏:‏ كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمانى ركعات ثم يوتر‏,‏ ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح‏)‏ رواهما مسلم وروى ذلك أبو أمامة أيضا وأوصى بهما خالد بن معدان‏,‏ وكثير بن مرة الحضرمى وفعلهما الحسن فهذا وجه جوازهما‏.‏

النوع الثالث‏:‏ صلوات معينة سوى ذلك‏,‏ منها صلاة الضحى وهي مستحبة لما روى أبو هريرة قال‏:‏ ‏(‏أوصانى خليلى بثلاث‏:‏ صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتى الضحى‏,‏ وأن أوتر قبل أن أرقد‏)‏ متفق عليه وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏أوصانى حبيبى بثلاث لن أدعهن ما عشت‏:‏ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى وأن لا أنام حتى أوتر‏)‏ وروى أبو ذر‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة‏,‏ وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة‏,‏ ونهى عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى‏)‏ رواهما مسلم فأقلها ركعتان لهذا الخبر وأكثرها ثمان في قول أصحابنا لما روت أم هانئ ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- دخل بيتها يوم فتح مكة‏,‏ وصلى ثمانى ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود‏)‏ متفق عليه ووقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلاة الأوابين حين ترمض الفصال‏)‏ رواه مسلم قال بعض أصحابنا‏:‏ لا تستحب المداومة عليها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يداوم عليها ‏(‏قالت عائشة‏:‏ ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى قط‏)‏ متفق عليه وعن عبد الله بن شقيق‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏قلت لعائشة‏:‏ أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى‏؟‏ قالت‏:‏ لا إلا أن يجيء من مغيبه‏)‏ رواه مسلم وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى‏:‏ ‏(‏ما حدثنى أحد أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى إلا أم هانئ فإنها حدثت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- دخل بيتها يوم فتح مكة‏,‏ فصلى ثمانى ركعات ما رأيته قط صلى صلاة أخف منها غير أنه كان يتم الركوع والسجود‏)‏ متفق عليه ولأن في المداومة عليها تشبيها بالفرائض وقال أبو الخطاب‏:‏ تستحب المداومة عليها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أوصى بها أصحابه وقال‏:‏ ‏(‏من حافظ على شفعة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر‏)‏ قال الترمذي‏:‏ لا نعرفه إلا من حديث النهاس بن قهم ولأن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه‏.‏

فصل

فأما صلاة التسبيح‏,‏ فإن أحمد قال‏:‏ ما يعجبني قيل له‏:‏ لم‏؟‏ قال‏:‏ ليس فيها شيء يصح ونفض يده كالمنكر وقد روي عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال للعباس بن عبد المطلب‏:‏ يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك‏,‏ ألا أحبوك ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره‏,‏ وقديمه وحديثه وخطأه وعمده وصغيره وكبيره‏,‏ وسره وعلانيته عشر خصال أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القرآن‏,‏ قلت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله‏,‏ والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع‏,‏ فتقولها وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا‏,‏ ثم تهوى ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا‏,‏ ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا‏,‏ فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في الأربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل‏,‏ فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة‏,‏ فإن لم تفعل ففي عمرك مرة‏)‏ رواه أبو داود والترمذي ولم يثبت أحمد الحديث المروى فيها ولم يرها مستحبة‏,‏ وإن فعلها إنسان فلا بأس فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها‏.‏

فصل

في صلاة الاستخارة‏:‏ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن‏,‏ يقول‏:‏ إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل‏:‏ اللهم إني أستخيرك بعلمك‏,‏ وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر‏,‏ وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشى وعاقبة أمرى - أو قال‏:‏ في عاجل أمرى وآجله -‏,‏ فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعيشتى وعاقبة أمرى أو قال‏:‏ في عاجل أمرى وآجله‏,‏ فاصرفه عنى واصرفنى عنه واقدر لي الخير حيث كان‏,‏ ثم أرضنى به ويسمى حاجته‏)‏ أخرجه البخاري‏.‏

فصل

في صلاة الحاجة‏:‏ عن عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بنى آدم‏,‏ فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين‏,‏ وليثن على الله تعالى وليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم ليقل‏:‏ لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلى العظيم‏,‏ سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك‏,‏ وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم‏,‏ لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها‏,‏ يا أرحم الراحمين‏)‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث غريب‏.‏

فصل

في صلاة التوبة‏:‏ عن على رضي الله عنه قال‏:‏ حدثنى أبو بكر وصدق أبو بكر‏,‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين‏,‏ ثم يستغفر الله تعالى إلا غفر له ثم قرأ ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله‏}‏ إلى آخرها‏)‏ رواه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏

فصل

ويسن لمن دخل المسجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين قبل جلوسه لما روى أبو قتادة‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين‏)‏ متفق عليه فإذا جلس قبل الصلاة سن له أن يقوم فيصلى لما روى جابر قال‏:‏ ‏(‏جاء سليك الغطفانى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخطب‏,‏ فجلس فقال‏:‏ يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما‏)‏ رواه مسلم ويستحب أن يتطوع بمثل تطوع النبي - صلى الله عليه وسلم- فإن عليا رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا صلى الفجر يمهل حتى إذا كانت الشمس من ها هنا - يعنى من قبل المشرق - مقدارها من صلاة الظهر من العصر من ها هنا - يعنى من قبل المغرب - قام فصلى ركعتين‏,‏ ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من ها هنا - يعنى من قبل المشرق - مقدارها من صلاة الظهر من ها هنا قام فصلى أربعا وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها‏,‏ وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين فتلك ست عشرة ركعة تطوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالنهار‏,‏ وقل من يداوم عليها ‏)‏‏.‏

فصل

فأما النوافل المطلقة فتشرع في الليل كله وفي النهار فيما سوى أوقات النهى وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار قال أحمد‏:‏ ليس بعد المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل والنبي - صلى الله عليه وسلم- قد أمر بذلك‏,‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن الليل فتهجد به نافلة لك‏}‏ وروى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وكان قيام الليل مفروضا بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها المزمل ‏.‏ قم الليل إلا قليلا ‏.‏ نصفه‏}‏ ثم نسخ بقوله‏:‏ ‏{‏إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل‏}‏ الآية‏.‏

فصل

وأفضل التهجد جوف الليل الآخر لما روى عمرو بن عبسة قال‏:‏ ‏(‏قلت‏:‏ يا رسول الله‏,‏ أي الليل أسمع‏؟‏ قال‏:‏ جوف الليل الآخر فصل ما شئت‏)‏ رواه أبو داود وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل‏,‏ ويقوم ثلثه وينام سدسه‏)‏ وفي حديث ابن عباس في ‏(‏صفة تهجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه نام حتى انتصف الليل أو قبله بقليل‏,‏ أو بعده بقليل ثم استيقظ - فوصف تهجده حتى قال‏:‏ ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن‏)‏ وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينام أول الليل‏,‏ ويحيى آخره ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم نام‏,‏ فإذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء وإن لم يكن له حاجة توضأ وقالت‏:‏ ما ألفى عندي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- السحر الأعلى في بيتى إلا نائما‏)‏ متفق عليهن وفي رواية أبي داود‏:‏ ‏(‏فما يجيء السحر حتى يفرغ من وتره‏)‏ ولأن آخر الليل ينزل فيه الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا لما روى أبو هريرة‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول‏:‏ من يدعونى فأستجيب له‏؟‏ ومن يسألنى فأعطيه‏؟‏ ومن يستغفرنى فأغفر له‏؟‏‏)‏ متفق عليه قال أبو عبد الله‏:‏ إذا أغفى - يعنى بعد التهجد - فإنه لا يبين عليه أثر السهر وإذا لم يغف يبين عليه وقال مسروق‏:‏ ‏(‏سألت عائشة‏:‏ أي حين كان يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ قالت‏:‏ كان إذا سمع الصارخ قام‏,‏ فصلى‏)‏ متفق عليه‏.‏

فصل

ويقول عند انتباهه ما رواه عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏من تعار من الليل فقال‏:‏ لا إله إلا الله‏,‏ وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‏,‏ الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله‏,‏ والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال‏:‏ اللهم اغفر لي‏,‏ أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته‏)‏ رواه البخاري وعن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال‏:‏ اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن‏,‏ ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد‏,‏ أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق‏,‏ ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق‏,‏ والساعة حق والنبيون حق ومحمد - صلى الله عليه وسلم- حق‏,‏ اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت‏,‏ وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت‏,‏ فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر‏,‏ لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك‏)‏ متفق عليه وفي مسلم‏:‏ ‏(‏أنت رب السموات والأرض وفيه‏:‏ أنت إلهى لا إله إلا أنت‏)‏ وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل افتتح صلاته‏:‏ اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض‏,‏ عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك‏,‏ إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم‏)‏ أخرجه مسلم وعنها قالت‏:‏ ‏(‏كان - تعنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- - إذا قام كبر عشرا وحمد عشرا وسبح عشرا‏,‏ وهلل عشرا واستغفر عشرا وقال‏:‏ اللهم اغفر لي‏,‏ واهدنى وارزقنى وعافنى ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل

ويستحب أن يتسوك لما روى حذيفة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك‏)‏ متفق عليه وعن ابن عباس ‏(‏أنه رقد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فاستيقظ فسوك وتوضأ‏)‏ وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كنا نعد له - تعنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- - سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه‏,‏ فيتسوك ويتوضأ ويصلى تسع ركعات أخرجهما مسلم‏.‏

فصل

ويستحب أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين لما روى أبو هريرة‏,‏ رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين‏)‏ وعن زيد بن خالد أنه قال‏:‏ ‏(‏لأرمقن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين‏,‏ وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما‏,‏ ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر وذلك ثلاث عشرة ركعة‏)‏ وقال ابن عباس‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة‏)‏ أخرجهما مسلم وقد اختلف في عدد ركعات تهجد النبي - صلى الله عليه وسلم- ففي هذين الحديثين أنه ثلاث عشرة ركعة‏,‏ وقالت عائشة ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا‏,‏ فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن‏,‏ ثم يصلي ثلاثا وفي لفظ قالت‏:‏ كانت صلاته في شهر رمضان وغيره بالليل ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر وفي لفظ‏:‏ منها الوتر وركعتا الفجر وفي لفظ‏:‏ كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتى الفجر وفي لفظ‏:‏ كان يصلي فيما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة‏,‏ يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليهن ولعلها لم تعد الركعتين الخفيفتين اللتين ذكرهما غيرها ويحتمل أنه صلى في ليلة ثلاث عشرة‏,‏ وفي ليلة إحدى عشرة‏.‏

فصل

ويستحب أن يقرأ المتهجد جزءا من القرآن في تهجده فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعله وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة‏,‏ أو كان بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل‏,‏ وإن كان قريبا منه من يتهجد أو من يستضر برفع صوته فالإسرار أولى وإن لم يكن لا هذا ولا هذا‏,‏ فليفعل ما شاء ‏(‏قال عبد الله بن أبي قيس‏:‏ سألت عائشة‏:‏ كيف كانت قراءة رسول الله‏؟‏ فقالت‏:‏ كل ذلك كان يفعل ربما أسر وربما جهر‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وقال أبو هريرة‏:‏ ‏(‏كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرفع طورا ويخفض طورا‏)‏ وقال ابن عباس‏:‏ ‏(‏كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت‏)‏ رواهما أبو داود وعن أبي قتادة ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرج‏,‏ فإذا هو بأبى بكر يصلي يخفض من صوته ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته‏,‏ قال‏:‏ فلما اجتمعنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك قال‏:‏ إني أسمعت من ناجيت يا رسول الله قال‏:‏ ارفع قليلا وقال لعمر‏:‏ مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك قال فقال‏:‏ يا رسول الله أوقظ الوسنان‏,‏ وأطرد الشيطان قال‏:‏ اخفض من صوتك شيئا‏)‏ رواه أبو داود وقال أبو سعيد‏:‏ ‏(‏اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر‏,‏ وقال‏:‏ ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال‏:‏ في الصلاة‏)‏ أخرجه أبو داود‏.‏

فصل

ومن كان له تهجد ففاته‏,‏ استحب له قضاؤه بين صلاة الفجر والظهر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل‏)‏ وعن عائشة‏,‏ قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملا أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض‏,‏ صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة قالت‏:‏ وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قام ليلة حتى الصباح وما صام شهرا متتابعا إلا رمضان‏)‏ أخرجهما مسلم‏.‏

فصل

ويستحب التنفل بين المغرب والعشاء لما روي عن أنس بن مالك في هذه الآية‏:‏ ‏{‏تتجافى جنوبهم عن المضاجع‏}‏ الآية قال‏:‏ كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء‏,‏ يصلون رواه أبو داود وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة‏)‏ قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث غريب‏.‏

فصل

وما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- تخفيفه أو تطويله فالأفضل اتباعه فيه فإنه - عليه السلام - لا يفعل إلا الأفضل‏,‏ وقد ذكرنا بعض ما ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يخففه ويطوله‏)‏ وما عدا ذلك فاختلفت الرواية فيه فروى أن الأفضل كثرة الركوع والسجود ‏(‏لقول ابن مسعود‏:‏ إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرن بينهن سورتين في كل ركعة عشرون سورة من المفصل‏)‏ رواه مسلم وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ما من عبد سجد سجدة إلا كتب الله له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة‏,‏ ورفع له بها درجة‏)‏ والثانية التطويل أفضل لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أفضل الصلاة طول القنوت‏)‏ رواه مسلم ‏(‏ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان أكثر صلاته التهجد وكان يطيله على ما قد مر ذكره‏,‏ ولا يداوم إلا على الأفضل‏)‏ والثالثة هما سواء لتعارض الأخبار في ذلك والله أعلم‏.‏

فصل

والتطوع في البيت أفضل لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة‏)‏ رواه مسلم وعن زيد بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدى هذا‏,‏ إلا المكتوبة‏)‏ رواه أبو داود وقال‏:‏ ‏(‏إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا‏)‏ رواه مسلم ولأن الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء وهو من عمل السر وفعله في المسجد علانية والسر أفضل‏.‏

فصل

ويستحب أن يكون للإنسان تطوعات يداوم عليها‏,‏ وإذا فاتت يقضيها قال أبو داود‏:‏ سمعت أحمد -رحمه الله- يقول‏:‏ يعجبني أن يكون للرجل ركعات من الليل والنهار معلومة فإذا نشط طولها‏,‏ وإذا لم ينشط خففها وقالت عائشة‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أفضل‏؟‏ قال‏:‏ أدومه وإن قل وفي لفظ قال‏:‏ أحب الأعمال إلى الله الذي يداوم عليه صاحبه وإن قل‏)‏ متفق عليه وقالت‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها‏)‏ وقالت‏:‏ ‏(‏كان عمله ديمة وكان إذا عمل عملا أثبته‏)‏ رواه مسلم وقال عبد الله بن عمرو‏:‏ قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تكن مثل فلان‏,‏ كان يقوم الليل فترك قيام الليل‏)‏ متفق عليه‏.‏

فصل

يجوز التطوع جماعة وفرادى ‏(‏لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل الأمرين كليهما وكان أكثر تطوعه منفردا‏,‏ وصلى بحذيفة مرة وبابن عباس مرة وبأنس وأمه واليتيم مرة‏,‏ وأم أصحابه في بيت عتبان مرة وأمهم في ليالى رمضان ثلاثا‏)‏ وسنذكر أكثر هذه الأخبار في مواضعها -إن شاء الله تعالى- وهي كلها صحاح جياد‏.‏