فصل: فصل: لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

قال أحمد لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره وهذا قول عامة الفقهاء روي عن عمر‏,‏ أنه أتي برجل فسأله‏:‏ أسرقت‏؟‏ قل‏:‏ لا فقال‏:‏ لا فتركه وروي معنى ذلك عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة‏,‏ وابن مسعود وأبي الدرداء وبه قال إسحاق وأبو ثور وقد روينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للسارق‏:‏ ‏"‏ ما أخالك سرقت ‏"‏ وقال لماعز‏:‏ ‏"‏ لعلك قبلت‏,‏ أو لمست ‏"‏ وعن على ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أقر عنده بالسرقة فانتهره وروى أنه طرده وروي أنه رده‏.‏

ولا بأس بالشفاعة في السارق ما لم يبلغ الإمام فإنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد وجب‏)‏ وقال الزبير بن العوام في الشفاعة في الحد‏:‏ يفعل ذلك دون السلطان‏,‏ فإذا بلغ الإمام فلا أعفاه الله إن أعفاه وممن رأى ذلك الزبير وعمار‏,‏ وابن عباس وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي وقال مالك‏:‏ إن لم يعرف بشر‏,‏ فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام وأما من عرف بشر وفساد‏,‏ فلا أحب أن يشفع له أحد ولكن يترك حتى يقام الحد عليه وأجمعوا على أنه إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه لأن ذلك إسقاط حق وجب لله تعالى وقد غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - حين شفع أسامة في المخزومية التي سرقت وقال‏:‏ ‏(‏أتشفع في حد من حدود الله تعالى‏)‏ وقال ابن عمر‏:‏ من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في حكمه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا اشترك الجماعة في سرقة قيمتها ثلاثة دراهم قطعوا‏]‏

وبهذا قال مالك‏,‏ وأبو ثور وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي‏,‏ وإسحاق‏:‏ لا قطع عليهم إلا أن تبلغ حصة كل واحد منهم نصابا لأن كل واحد لم يسرق نصابا فلم يجب عليه قطع كما لو انفرد بدون النصاب وهذا القول أحب إلى لأن القطع ها هنا لا نص فيه‏,‏ ولا هو في معنى المنصوص والمجمع عليه فلا يجب والاحتياط بإسقاطه أولى من الاحتياط بإيجابه لأنه مما يدرأ بالشبهات واحتج أصحابنا بأن النصاب أحد شرطي القطع‏,‏ فإذا اشترك الجماعة فيه كانوا كالواحد قياسا على هتك الحرز ولأن سرقة النصاب فعل يوجب القطع فاستوى فيه الواحد والجماعة‏,‏ كالقصاص ولم يفرق أصحابنا بين كون المسروق ثقيلا يشترك الجماعة في حمله وبين أن يخرج كل واحد منه جزءا‏,‏ ونص أحمد على هذا وقال مالك‏:‏ إن انفرد كل واحد بجزء منه لم يقطع واحد منهم كما لو انفرد كل واحد من قاطعي اليد بقطع جزء منها‏,‏ لم يجب القصاص ولنا أنهم اشتركوا في هتك الحرز وإخراج النصاب فلزمهم القطع‏,‏ كما لو كان ثقيلا فحملوه وفارق القصاص فإنه تعتمد المماثلة‏,‏ ولا توجد المماثلة إلا أن توجد أفعالهم في جميع أجزاء اليد وفي مسألتنا القصد الزجر من غير اعتبار مماثلة والحاجة إلى الزجر عن إخراج المال‏,‏ وسواء دخلا الحرز معا أو دخل أحدهما فأخرج بعض النصاب ثم دخل الآخر فأخرج باقيه لأنهما اشتركا في هتك الحرز وإخراج النصاب‏,‏ فلزمهما القطع كما لو حملاه معا‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان أحد الشريكين ممن لا قطع عليه كأبي المسروق منه‏,‏ قطع شريكه في أحد الوجهين كما لو شاركه في قطع يد ابنه والثاني‏:‏ لا يقطع وهو أصح لأن سرقتهما جميعا صارت علة لقطعهما‏,‏ وسرقة الأب لا تصلح موجبة للقطع لأنه أخذ ما له أخذه بخلاف قطع يد ابنه فإن الفعل تمحض عدوانا‏,‏ وإنما سقط القصاص لفضيلة الأب لا لمعنى في فعله وها هنا فعله قد تمكنت الشبهة منه فوجب أن لا يجب القطع به‏,‏ كاشتراك العامد والخاطئ وإن أخرج كل واحد منهما نصابا وجب القطع على شريك الأب لأنه انفرد بما يوجب القطع وإن أخرج الأب نصابا وشريكه دون النصاب‏,‏ ففيه الوجهان وإن اعترف اثنان بسرقة نصاب ثم رجع أحدهما فالقطع على الآخر لأنه اختص بالإسقاط فيختص بالسقوط ويحتمل أن يسقط عن شريكه لأن السبب السرقة منهما‏,‏ وقد اختل أحد جزأيها وكذلك لو أقر بمشاركة آخر في سرقة نصاب ولم يقر الآخر ففي القطع وجهان‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد في رجلين دخلا دارا‏,‏ أحدهما في سفلها جمع المتاع وشده بحبل والآخر في علوها مد الحبل فرمى به وراء الدار فالقطع عليهما لأنهما اشتركا في إخراجه وإن دخلا جميعا‏,‏ فأخرج أحدهما المتاع وحده فقال أصحابنا‏:‏ القطع عليهما وبه قال أبو حنيفة وصاحباه إذا أخرج نصابين وقال مالك‏,‏ والشافعي وأبو ثور وابن المنذر‏:‏ القطع على المخرج وحده لأنه هو السارق وإن أخرج أحدهما دون النصاب‏,‏ والآخر أكثر من نصاب فتما نصابين فعند أصحابنا وأبي حنيفة وصاحبيه‏:‏ يجب القطع عليهما وعند الشافعي وموافقيه‏:‏ لا قطع على من لم يخرج نصابا وإن أخرج أحدهما نصابا والآخر دون النصاب‏,‏ فعند أصحابنا عليهما القطع وعند الشافعي‏:‏ القطع على مخرج النصاب وحده وعند أبي حنيفة‏:‏ لا قطع على واحد منهما لأن المخرج لم يبلغ نصبا بعدد السارقين وقد ذكرنا وجه ما قلنا فيما تقدم‏.‏

وإن نقبا حرزا ودخل أحدهما فقرب المتاع من النقب‏,‏ وأدخل الخارج يده فأخرجه فقال أصحابنا‏:‏ قياس قول أحمد أن القطع عليهما وقال الشافعي‏:‏ القطع على الخارج لأنه مخرج المتاع وقال أبو حنيفة‏:‏ لا قطع على واحد منهما ولنا أنهما اشتركا في هتك الحرز‏,‏ وإخراج المتاع فلزمهما القطع كما لو حملاه معا فأخرجاه وإن وضعه في النقب‏,‏ فمد الآخر يده فأخذه فالقطع عليهما ونقل عن الشافعي في هذه المسألة‏:‏ قولان كالمذهبين في الصورة التي قبلها‏.‏

فصل‏:‏

وإن نقب أحدهما وحده‏,‏ ودخل الآخر وحده فأخرج المتاع فلا قطع على واحد منهما لأن الأول لم يسرق‏,‏ والثاني لم يهتك الحرز وإنما سرق من حرز هتكه غيره فأشبه ما لو نقب رجل وانصرف‏,‏ وجاء آخر فصادف الحرز مهتوكا فسرق منه وإن نقب رجل وأمر غيره فأخرج المتاع فلا قطع أيضا على واحد منهما وإن كان المأمور صبيا مميزا لأن المميز له اختيار فلا يكون آلة للآمر‏,‏ كما لو أمره بقتل إنسان فقتله وإن كان غير مميز وجب القطع على الآمر لأنه آلته وإن اشترك رجلان في النقب‏,‏ ودخل أحدهما فأخرج المتاع وحده أو أخذه وناوله للآخر خارجا من الحرز أو رمى به إلى خارج الحرز‏,‏ فأخذه الآخر فالقطع على الداخل وحده لأنه مخرج المتاع وحده مع المشاركة في النقب وبهذا قال الشافعي وأبو ثور‏,‏ وابن المنذر وقال أبو حنيفة‏:‏ لا قطع عليهما لأن الداخل لم ينفصل عن الحرز ويده على السرقة فلم يلزمه القطع كما لو أتلفه داخل الحرز ولنا أن المسروق خرج من الحرز ويده عليه‏,‏ فوجب عليه القطع كما لو خرج به ويخالف إذا أتلفه فإنه لم يخرجه من الحرز‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يقطع وإن اعترف أو قامت بينة‏,‏ حتى يأتي مالك المسروق يدعيه‏]‏

وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو بكر‏:‏ يقطع‏,‏ ولا يفتقر إلى دعوى ولا مطالبة وهذا قول مالك وأبي ثور وابن المنذر لعموم الآية ولأن موجب القطع ثبت‏,‏ فوجب من غير مطالبة كحد الزنا ولنا أن المال يباح بالبذل والإباحة فيحتمل أن مالكه أباحه إياه‏,‏ أو وقفه على المسلمين أو على طائفة السارق منهم أو أذن له في دخول حرزه‏,‏ فاعتبرت المطالبة لتزول هذه الشبهة وعلى هذا يخرج الزنا فإنه لا يباح بالإباحة ولأن القطع أوسع في الإسقاط‏,‏ ألا ترى أنه إذا سرق مال أبيه لم يقطع ولو زنى بجاريته حد‏؟‏ ولأن القطع شرع لصيانة مال الآدمي فله به تعلق‏,‏ فلم يستوف من غير حضور مطالب به والزنا حق لله تعالى محض فلم يفتقر إلى طلب به إذا ثبت هذا‏,‏ فإن وكيل المالك يقوم مقامه في الطلب وقال القاضي‏:‏ إذا أقر بسرقة مال غائب حبس حتى يحضر الغائب لأنه يحتمل أن يكون قد أباحه ولو أقر بحق مطلق لغائب لم يحبس لأنه لا حق عليه لغير الغائب‏,‏ ولم يأمر بحبسه فلم يحبس وفي مسألتنا تعلق به حق الله تعالى‏,‏ وحق الآدمي فحبس لما عليه من حق الله تعالى فإن كانت العين في يده‏,‏ أخذها الحاكم وحفظها للغائب وإن لم يكن في يده شيء‏,‏ فإذا جاء الغائب كان الخصم فيها‏.‏

فصل‏:‏

ولو أقر بسرقة من رجل فقال المالك‏:‏ لم تسرق مني ولكن غصبتني أو كان لي قبلك وديعة فجحدتني لم يقطع لأن إقراره لم يوافق دعوى المدعي وبهذا قال أبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وإن أقر أنه سرق نصابا من رجلين فصدقه أحدهما دون الآخر أو قال الآخر‏:‏ بل غصبتنيه أو جحدتنيه‏,‏ لم يقطع وبه قال أصحاب الرأي وقال أبو ثور‏:‏ إذا قال الآخر‏:‏ غصبتنيه أو جحدتنيه قطع ولنا أنه لم يوافق على سرقة نصاب فلم يقطع كالتي قبلها‏,‏ وإن وافقاه جميعا قطع وإن حضر أحدهما فطالب‏,‏ ولم يحضر الآخر لم يقطع لأن ما حصلت المطالبة به لا يوجب القطع بمفرده وإن أقر أنه سرق من رجل شيئا فقال الرجل‏:‏ قد فقدته من مالي فينبغي أن يقطع لما روي عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري‏,‏ عن أبيه أن عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ‏(‏جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ يا رسول الله إني سرقت جملا لبني فلان فطهرني فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم‏,‏ فقالوا‏:‏ إنا افتقدنا جملا لنا فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطعت يده قال ثعلبة‏:‏ أنا أنظر إليه حين وقعت يده وهو يقول‏:‏ الحمد لله الذي طهرني منك أردت أن تدخلي جسدي النار‏)‏ أخرجه ابن ماجه‏.‏

فصل‏:‏

ومن ثبتت سرقته ببينة عادلة‏,‏ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره وإن قال‏:‏ أحلفوه لي إني سرقت منه لم يحلف لأن السرقة قد ثبتت بالبينة وفي إحلافه عليها قدح في الشهادة وإن قال‏:‏ الذي أخذته ملك لي‏,‏ كان لي عنده وديعة أو رهنا أو ابتعته منه‏,‏ أو وهبه لي أو أذن لي في أخذه أو غصبه مني‏,‏ أو من أبي أو بعضه لي فالقول قول المسروق منه مع يمينه لأن اليد ثبتت له فإن حلف سقطت دعوى السارق‏,‏ ولا قطع عليه لأنه يحتمل ما قال ولهذا أحلفنا المسروق منه وإن نكل‏,‏ قضينا عليه بنكوله وهذه إحدى الروايتين وهو منصوص الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه يقطع لأن سقوط القطع بدعواه يؤدي إلى أن لا يجب قطع سارق‏,‏ فتفوت مصلحة الزجر وعنه رواية ثالثة أنه إن كان معروفا بالسرقة قطع لأنه يعلم كذبه وإلا سقط عنه القطع والأول أولى لأن الحدود تدرأ بالشبهات‏,‏ وإفضاؤه إلى سقوط القطع لا يمتنع اعتباره كما أن الشرع اعتبر في شهادة الزنا شروطا لا يقع معها إقامة حد ببينة أبدا على أنه لا يفضي إليه لازما‏,‏ فإن الغالب من السراق أنهم لا يعلمون هذا ولا يهتدون إليه وإنما يختص بعلم هذا الفقهاء الذين لا يسرقون غالبا وإن لم يحلف المسروق منه‏,‏ قضى عليه وسقط الحد وجها واحدا‏.‏