فصل: فصل: في شك المزكي في مال له غائب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ولو كان له مال غائب فشك في سلامته‏,‏ جاز له إخراج الزكاة عنه وكانت نية الإخراج صحيحة لأن الأصل بقاؤه فإن نوى إن كان مالي سالما فهذه زكاته وإن كان تالفا فهي تطوع فبان سالما‏,‏ أجزأت نيته لأنه أخلص النية للفرض ثم رتب عليها النفل وهذا حكمها كما لو لم يقله‏,‏ فإذا قاله لم يضر ولو قال‏:‏ هذا زكاة مالي الغائب أو الحاضر صح لأن التعيين ليس بشرط بدليل أن من له أربعون دينارا إذا أخرج نصف دينار عنها صح‏,‏ وإن كان ذلك يقع عن عشرين غير معينة وإن قال‏:‏ هذا زكاة مالي الغائب أو تطوع لم يجزئه ذكره أبو بكر لأنه لم يخلص النية للفرض أشبه ما لو قال‏:‏ أصلي فرضا أو تطوعا وإن قال‏:‏ هذا زكاة مالي الغائب إن كان سالما وإلا فهو زكاة مالي الحاضر أجزأه عن السالم منهما وإن كانا سالمين فعن أحدهما لأن التعيين ليس بشرط وإن قال‏:‏ زكاة مالي الغائب وأطلق فبان تالفا‏,‏ لم يكن له أن يصرفه إلي زكاة غيره لأنه عينه فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها فلم يقع عنها لم يكن له صرفه إلى كفارة أخرى هذا التفريع فيما إذا كانت المعينة مما لا يمنع إخراج زكاته في بلد رب المال إما لقربه‏,‏ أو لكون البلد لا يوجد فيه أهل السهمان أو على الرواية التي تقول بإخراجها في بلد بعيد من بلد المال وإن كان له مورث غائب فقال‏:‏ إن كان مورثي قد مات فهذه زكاة ماله الذي ورثته منه‏,‏ فبان ميتا لم يجزئه ما أخرج لأنه يبنى على غير أصل فهو كما لو قال ليلة الشك‏:‏ إن كان غدا من رمضان فهو فرضي‏,‏ وإن لم يكن فهو نفل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا ‏)‏ مقتضى كلام الخرقي أن الإنسان متى دفع زكاته طوعا لم تجزئه إلا بنية سواء دفعها إلى الإمام أو غيره‏,‏ وإن أخذها الإمام منه قهرا أجزأت من غير نية لأن تعذر النية في حقه أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون وقال القاضي‏:‏ متى أخذها الإمام أجزأت من غير نية سواء أخذها طوعا أو كرها وهذا قول الشافعي لأن أخذ الإمام بمنزلة القسم بين الشركاء‏,‏ فلم يحتج إلى نية ولأن للإمام ولاية في أخذها ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقا ولو لم يجزئه لما أخذها‏,‏ أو لأخذها ثانيا وثالثا حتى ينفد ماله لأن أخذها إن كان لإجزائها فلا يحصل الإجزاء بدون النية وإن كان لوجوبها فالوجوب باق بعد أخذها واختار أبو الخطاب وابن عقيل‏:‏ أنها لا تجزئ فيما بينه وبين الله تعالى إلا بنية رب المال لأن الإمام إما وكيله وإما وكيل الفقراء‏,‏ أو وكيلهما معا وأى ذلك كان فلا تجزئ نيته عن نية رب المال ولأن الزكاة عبادة تجب لها النية‏,‏ فلا تجزئ عمن وجبت عليه بغير نية إن كان من أهل النية كالصلاة وإنما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتها‏,‏ ولو صلى بغير نية لم يجزئه عند الله تعالى قال ابن عقيل‏:‏ ومعنى قول الفقهاء‏:‏ يجزئ عنه أي في الظاهر بمعنى أنه لا يطالب بأدائها ثانيا كما قلنا في الإسلام‏,‏ فإن المرتد يطالب بالشهادة فمتى أتى بها حكم بإسلامه ظاهرا ومتى لم يكن معتقدا صحة ما يلفظ به‏,‏ لم يصح إسلامه باطنا قال‏:‏ وقول أصحابنا‏:‏ لا تقبل توبة الزنديق معناه‏:‏ لا يسقط عنه القتل الذي توجه عليه لعدم علمنا بحقيقة توبته لأن أكثر ما فيه أنه أظهر إيمانه وقد كان دهره يظهر إيمانه ويستر كفره‏,‏ فأما عند الله عز وجل فإنها تصح إذا علم منه حقيقة الإنابة وصدق التوبة واعتقاد الحق ومن نصر قول الخرقي‏,‏ قال‏:‏ إن للإمام ولاية على الممتنع فقامت نيته مقام نيته كولي اليتيم والمجنون‏,‏ وفارق الصلاة فإن النيابة فيها لا تصح فلا بد من نية فاعلها وقوله‏:‏ لا يخلو من كونه وكيلا له أو وكيلا للفقراء‏,‏ أو لهما قلنا‏:‏ بل هو وال على المالك وأما إلحاق الزكاة بالقسمة فغير صحيح فإن القسمة ليست عبادة‏,‏ ولا يعتبر لها نية بخلاف الزكاة‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة قال الإمام أحمد‏:‏ أعجب إلى أن يخرجها‏,‏ وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز وقال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير وميمون بن مهران يضعها رب المال في موضعها وقال الثوري احلف لهم وأكذبهم ولا تعطهم شيئا‏,‏ إذا لم يضعوها مواضعها وقال لا تعطهم‏:‏ وقال عطاء‏:‏ أعطهم إذا وضعوها مواضعها فمفهومه أنه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك وقال الشعبي وأبو جعفر إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة من أهلها‏:‏ وقال إبراهيم ضعوها في مواضعها‏,‏ وإن أخذها السلطان أجزأك وقال سعيد‏:‏ أنبأنا أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن قال‏:‏ أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها‏,‏ ثم جئت مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال لي‏:‏ ردها فضعها مواضعها وقد روى عن أحمد أنه قال‏:‏ أما صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان وأما زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة إلى الأئمة وذلك لأن العشر قد ذهب قوم إلى أنه مئونة الأرض‏,‏ فهو كالخراج يتولاه الأئمة بخلاف سائر الزكاة والذي رأيت في ‏"‏ الجامع ‏"‏ قال‏:‏ أما صدقة الفطر فيعجبني دفعها إلى السلطان ثم قال أبو عبد الله قيل لابن عمر إنهم يقلدون بها الكلاب‏,‏ ويشربون بها الخمور‏؟‏ قال‏:‏ ادفعها إليهم وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب دفع الزكاة إلى الإمام العادل أفضل وهو قول أصحاب الشافعي وممن قال‏:‏ يدفعها إلى الإمام الشعبي ومحمد بن علي وأبو رزين والأوزاعي لأن الإمام أعلم بمصارفها‏,‏ ودفعها إليه يبرئه ظاهرا وباطنا ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنا لاحتمال أن يكون غير مستحق لها‏,‏ ولأنه يخرج من الخلاف وتزول عنه التهمة وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير أو نجدة الحروري وقد روي عن سهيل بن أبي صالح‏,‏ قال‏:‏ أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت‏:‏ عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى‏,‏ فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ ادفعها إليهم فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك‏,‏ فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك ويروى نحوه عن عائشة ـ رضي الله عنه ـا وقال مالك وأبو حنيفة وأبو عبيد‏:‏ لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الإمام لقول الله تعالى ‏{‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 103‏]‏‏.‏ ولأن أبا بكر طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها‏,‏ وقال‏:‏ لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليها ووافقه الصحابة على هذا ولأن ما للإمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولى عليه‏,‏ كولي اليتيم وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه كما لو دفع الدين إلى غريمه‏,‏ وكزكاة الأموال الباطنة ولأنه أحد نوعي الزكاة فأشبه النوع الآخر‏,‏ والآية تدل على أن للإمام أخذها ولا خلاف فيه ومطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدوها إلى أهلها‏,‏ ولو أدوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها لأن ذلك مختلف في إجزائه فلا تجوز المقاتلة من أجله وإنما يطالب الإمام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقيها‏,‏ فإذا دفعها إليهم جاز لأنهم أهل رشد فجاز الدفع إليهم بخلاف اليتيم وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه‏,‏ فلأنه إيصال الحق إلى مستحقه مع توفير أجر العمالة وصيانة حقهم‏,‏ عن خطر الخيانة ومباشرة تفريج كربة مستحقها وإغنائه بها‏,‏ مع إعطائها للأولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة رحمه بها‏,‏ فكان أفضل كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل فإن قيل‏:‏ فالكلام في الإمام العادل إذ الخيانة مأمونة في حقه قلنا‏:‏ الإمام لا يتولى ذلك بنفسه‏,‏ وإنما يفوضه إلى نوابه فلا تؤمن منهم الخيانة ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شيء منها‏,‏ وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومواساته وقولهم‏:‏ إن أخذ الإمام يبرئه ظاهرا وباطنا قلنا‏:‏ يبطل هذا بدفعها إلى غير العادل فإنه يبرئه أيضا وقد سلموا أنه ليس بأفضل ثم إن البراءة الظاهرة تكفي وقولهم‏:‏ إنه تزول به التهمة قلنا‏:‏ متى أظهرها زالت التهمة‏,‏ سواء أخرجها بنفسه أو دفعها إلى الإمام ولا يختلف المذهب أن دفعها إلى الإمام‏,‏ سواء كان عادلا أو غير عادل وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الإمام أو لم تتلف‏,‏ أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها لما ذكرنا عن الصحابة ـ رضي الله عنه ـم ـ ولأن الإمام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها إليه كولي اليتيم إذا قبضها له‏,‏ ولا يختلف المذهب أيضا في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دفع الزكاة استحب أن يقول‏:‏ اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما ويحمد الله على التوفيق لأدائها فقد روي أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا‏:‏ اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما‏)‏ أخرجه ابن ماجه ويستحب للآخذ أن يدعو لصاحبها فيقول آجرك الله فيما أعطيت‏,‏ وبارك لك فيما أنققت وجعله لك طهورا وإن كان الدفع إلى الساعي أو الإمام شكره ودعا له‏,‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 103‏]‏‏.‏ ‏(‏قال عبد الله بن أبي أوفى‏:‏ كان أبي من أصحاب الشجرة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه قوم بصدقتهم قال‏:‏ اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقته‏,‏ فقال‏:‏ اللهم صل على آل أبي أوفى‏)‏ متفق عليه والصلاة ها هنا الدعاء والتبريك وليس هذا بواجب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- حين بعث معاذا إلى اليمن قال‏:‏ ‏(‏أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم‏)‏ متفق عليه فلم يأمره بالدعاء ولأن ذلك لا يجب على الفقير المدفوع إليه‏,‏ فالنائب أولى‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز دفع الزكاة إلى الكبير والصغير سواء أكل الطعام أو لم يأكل قال أحمد يجوز أن يعطي زكاته في أجر رضاع لقيط غيره هو فقير من الفقراء وعنه‏:‏ لا يجوز دفعها إلا إلى من أكل الطعام قال المروذي‏:‏ كان أبو عبد الله لا يرى أن يعطى الصغير من الزكاة‏,‏ إلا أن يطعم الطعام والأول أصح لأنه فقير فجاز الدفع إليه كالذي طعم‏,‏ ولأنه يحتاج إلى الزكاة لأجر رضاعه وكسوته وسائر حوائجه فيدخل في عموم النصوص ويدفع الزكاة إلى وليه لأنه يقبض حقوقه‏,‏ وهذا من حقوقه فإن لم يكن له ولي دفعها إلى من يعني بأمره ويقوم به من أمه أو غيرها نص عليه أحمد وكذلك المجنون قال هارون الحمال‏:‏ قلت لأحمد فكيف يصنع بالصغار‏؟‏ قال‏:‏ يعطى أولياؤهم فقلت‏:‏ ليس لهم ولي‏,‏ قال‏:‏ فيعطي من يعنى بأمرهم من الكبار فرخص في ذلك وقال مهنا‏:‏ سألت أبا عبد الله يعطى من الزكاة المجنون والذاهب عقله‏؟‏ قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ من يقبضها له‏؟‏ قال‏:‏ وليه قلت‏:‏ ليس له ولي‏؟‏ قال الذي يقوم عليه وإن دفعها إلى الصبي العاقل فظاهر كلام أحمد أنه يجزئه قال المروذي قلت لأحمد يعطى غلام يتيم من الزكاة‏؟‏ قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ فإني أخاف أن يضيعه قال‏:‏ يدفعه إلى من يقوم بأمره وقد روى الدارقطني‏,‏ بإسناده عن أبي جحيفة قال‏:‏ ‏(‏بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فينا ساعيا فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردها في فقرائنا‏,‏‏)‏ وكنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دفع الزكاة إلى من يظنه فقيرا لم يحتج إلى إعلامه أنها زكاة قال الحسن أتريد أن تقرعه‏,‏ لا تخبره‏؟‏ وقال أحمد بن الحسين‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ يدفع الرجل الزكاة إلى الرجل فيقول‏:‏ هذا من الزكاة أو يسكت‏؟‏ قال‏:‏ ولم يبكته بهذا القول‏؟‏ يعطيه ويسكت وما حاجته إلى أن يقرعه‏؟‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين‏,‏ وإن علوا ولا للولد وإن سفل ‏)‏ قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين‏,‏ في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه‏,‏ ويعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز‏,‏ كما لو قضى بها دينه وقول الخرقي ‏"‏ للوالدين ‏"‏ يعني الأب والأم وقوله‏:‏ ‏"‏ وإن علوا ‏"‏ يعني آباءهما وأمهاتهما وإن ارتفعت درجتهم من الدافع‏,‏ كأبوى الأب وأبوى الأم وأبوى كل واحد منهم‏,‏ وإن علت درجتهم من يرث منهم ومن لا يرث وقوله‏:‏ ‏"‏ والولد وإن سفل ‏"‏ يعنى وإن نزلت درجته من أولاده البنين والبنات الوارث وغير الوارث نص عليه أحمد فقال‏:‏ لا يعطى الوالدين من الزكاة‏,‏ ولا الولد ولا ولد الولد ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت قال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إن ابني هذا سيد‏)‏ يعني الحسن‏,‏ فجعله ابنه ولأنه من عمودى نسبه فأشبه الوارث ولأن بينهما قرابة جزئية وبعضية‏,‏ بخلاف غيرها‏.‏

فصل‏:‏

فأما سائر الأقارب فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة إليه سواء كان انتفاء الإرث لانتفاء سببه‏,‏ لكونه بعيد القرابة ممن لم يسم الله تعالى ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم- له ميراثا أو كان لمانع مثل أن يكون محجوبا عن الميراث‏,‏ كالأخ المحجوب بالابن أو الأب والعم المحجوب بالأخ وابنه وإن نزل فيجوز دفع الزكاة إليه لأنه لا قرابة جزئية بينهما ولا ميراث‏,‏ فأشبها الأجانب وإن كان بينهما ميراث كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما الآخر ففيه روايتان إحداهما‏:‏ يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر وهي الظاهرة عنه‏,‏ رواها عنه الجماعة قال في رواية إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور‏,‏ وقد سأله‏:‏ يعطى الأخ والأخت والخالة من الزكاة‏؟‏ قال‏:‏ يعطى كل القرابة إلا الأبوين والولد وهذا قول أكثر أهل العلم قال أبو عبيد هو القول عندي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏الصدقة على المسكين صدقة وهي لذي الرحم اثنان صدقة وصلة‏)‏ فلم يشترط نافلة ولا فريضة ولم يفرق بين الوارث وغيره ولأنه ليس من عمودي نسبه‏,‏ فأشبه الأجنبي والرواية الثانية لا يجوز دفعها إلى الموروث وهو ظاهر قول الخرقي لقوله‏:‏ ولا لمن تلزمه مؤنته ‏"‏ وعلى الوارث مؤنة الموروث لأنه يلزمه مؤنته فيغنيه بزكاته عن مؤنته‏,‏ ويعود نفع زكاته إليه فلم يجز كدفعها إلى والده‏,‏ أو قضاء دينه بها والحديث يحتمل صدقة التطوع فيحمل عليها فعلى هذا إن كان أحدهما يرث الآخر ولا يرثه الآخر‏,‏ كالعمة مع ابن أخيها والعتيق مع معتقه فعلى الوارث منهما نفقة مورثه‏,‏ وليس له دفع زكاته إليه وليس على الموروث منهما نفقة وارثه ولا يمنع من دفع زكاته إليه‏,‏ لانتفاء المقتضي للمنع ولو كان الأخوان لأحدهما ابن والآخر لا ولد له فعلى أبي الابن نفقة أخيه‏,‏ وليس له دفع زكاته إليه وللذي لا ولد له له دفع زكاته إلى أخيه‏,‏ ولا يلزمه نفقته لأنه محجوب عن ميراثه ونحو هذا قول الثوري فأما ذوو الأرحام في الحال التي يرثون فيها فيجوز دفعها إليهم في ظاهر المذهب لأن قرابتهم ضعيفة‏,‏ لا يرث بها مع عصبة ولا ذي فرض غير أحد الزوجين‏,‏ فلم تمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين فإن ماله يصير إليهم إذا لم يكن له وارث‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا للزوج‏,‏ ولا للزوجة‏]‏ أما الزوجة فلا يجوز دفع الزكاة إليها إجماعا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة وذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة فلم يجز دفعها إليها‏,‏ كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها وأما الزوج ففيه روايتان‏:‏ إحداهما لا يجوز دفعها إليه وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة لأنه أحد الزوجين‏,‏ فلم يجز للآخر دفع زكاته إليه كالآخر ولأنها تنتفع بدفعها إليه لأنه إن كان عاجزا عن الإنفاق عليها تمكن بأخذ الزكاة من الإنفاق‏,‏ فيلزمه وإن لم يكن عاجزا ولكنه أيسر بها‏,‏ لزمته نفقة الموسرين فتنتفع بها في الحالين فلم يجز لها ذلك‏,‏ كما لو دفعتها في أجرة دار أو نفقة رقيقها أو بهائمها فإن قيل‏:‏ فيلزم على هذا الغريم فإنه يجوز له دفع زكاته إلى غريمه ويلزم الآخذ بذلك وفاء دينه فينتفع الدافع بدفعها إليه قلنا‏:‏ الفرق بينهما من وجهين‏:‏ أحدهما‏,‏ أن حق الزوجة في النفقة آكد من حق الغريم بدليل أن نفقة المرأة مقدمة في مال المفلس على أداء دينه وأنها تملك أخذها من ماله بغير علمه‏,‏ إذا امتنع من أدائها والثاني أن المرأة تنبسط في مال زوجها بحكم العادة ويعد مال كل واحد منهما مالا للآخر‏,‏ ولهذا قال ابن مسعود في عبد سرق مرآة امرأة سيده‏:‏ عبدكم سرق مالكم ولم يقطعه وروى ذلك عن عمر وكذلك لا تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه بخلاف الغريم مع غريمه والرواية الثانية يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها وهو مذهب الشافعي وابن المنذر وطائفة من أهل العلم ‏(‏لأن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت يا نبي الله‏,‏ إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلى لي فأردت أن أتصدق به‏,‏ فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم‏)‏ رواه البخاري وروى ‏(‏أن امرأة عبد الله سألت النبي - صلى الله عليه وسلم- عن بني أخ لها أيتام في حجرها أفتعطيهم زكاتها‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏)‏ وروى الجوزجاني‏,‏ بإسناده عن عطاء قال‏:‏ ‏(‏أتت النبي - صلى الله عليه وسلم- امرأة فقالت‏:‏ يا رسول الله إن على نذرا أن أتصدق بعشرين درهما‏,‏ وإن لي زوجا فقيرا أفيجزئ عنى أن أعطيه‏؟‏ قال‏:‏ نعم لك كفلان من الأجر‏)‏ ولأنه لا تجب نفقته‏,‏ فلا يمنع دفع الزكاة إليه كالأجنبي ويفارق الزوجة‏,‏ فإن نفقتها واجبة عليه ولأن الأصل جواز الدفع لدخول الزوج في عموم الأصناف المسمين في الزكاة وليس في المنع نص ولا إجماع وقياسه على من ثبت المنع في حقه غير صحيح لوضوح الفرق بينهما‏,‏ فيبقى جواز الدفع ثابتا والاستدلال بهذا أقوى من الاستدلال بالنصوص لضعف دلالتها فإن الحديث الأول في صدقة التطوع‏,‏ لقولها‏:‏ أردت أن أتصدق بحلى لي ولا تجب الصدقة بالحلى وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم‏)‏ والولد لا تدفع إليه الزكاة والحديث الثاني ليس فيه ذكر الزوج‏,‏ وذكر الزكاة فيه غير محفوظ قال أحمد من ذكر الزكاة فهو عندي غير محفوظ إنما ذاك صدقة من غير الزكاة كذا قال الأعمش فأما الحديث الآخر فهو مرسل‏,‏ وهو في النذر‏.‏