فصل: كتاب البيوع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب البيوع

البيع‏:‏ مبادلة المال بالمال‏,‏ تمليكا وتملكا واشتقاقه‏:‏ من الباع لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للأخذ والإعطاء ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع ولذلك سمي البيع صفقة وقال بعض أصحابنا‏:‏ هو الإيجاب والقبول‏,‏ إذا تضمن عينين للتمليك وهو حد قاصر لخروج بيع المعاطاة منه ودخول عقود سوى البيع فيه والبيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأحل الله البيع‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأشهدوا إذا تبايعتم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 282‏]‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 29‏]‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 198‏]‏‏.‏ وروى البخاري‏,‏ عن ابن عباس قال‏:‏ كانت عكاظ ومجنة‏,‏ وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا فيه‏,‏ فأنزلت‏:‏ ‏{‏ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 198‏]‏‏.‏ يعني في مواسم الحج وعن الزبير نحوه وأما السنة فقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‏)‏ متفق عليه وروى رفاعة أنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى‏,‏ فرأى الناس يتبايعون فقال‏:‏ ‏(‏يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال‏:‏ إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا‏,‏ إلا من بر وصدق‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وروى أبو سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن في أحاديث كثيرة سوى هذه وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة والحكمة تقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه‏,‏ وصاحبه لا يبذله بغير عوض ففي شرع البيع وتجويزه شرع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته‏.‏

فصل‏:‏

والبيع على ضربين أحدهما‏,‏ الإيجاب والقبول فالإيجاب أن يقول‏:‏ بعتك أو ملكتك أو لفظ يدل عليهما والقبول‏,‏ أن يقول‏:‏ اشتريت أو قبلت ونحوهما فإن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي‏,‏ فقال‏:‏ ابتعت منك فقال‏:‏ بعتك صح لأن لفظ الإيجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما به فصح كما لو تقدم الإيجاب وإن تقدم بلفظ الطلب‏,‏ فقال‏:‏ بعني ثوبك فقال‏:‏ بعتك ففيه روايتان إحداهما يصح كذلك وهو قول مالك‏,‏ والشافعي والثانية لا يصح وهو قول أبي حنيفة لأنه لو تأخر عن الإيجاب لم يصح به البيع‏,‏ فلم يصح إذا تقدم كلفظ الاستفهام ولأنه عقد عري عن القبول‏,‏ فلم ينعقد كما لو لم يطلب وحكى أبو الخطاب فيما إذا تقدم بلفظ الماضي روايتين أيضا‏,‏ فأما إن تقدم بلفظ الاستفهام مثل أن يقول‏:‏ أتبيعني ثوبك بكذا‏؟‏ فيقول‏:‏ بعتك لم يصح بحال نص عليه أحمد وبه يقول أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأن ذلك ليس بقبول ولا استدعاء الضرب الثاني‏,‏ المعاطاة مثل أن يقول‏:‏ أعطني بهذا الدينار خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول‏:‏ خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه‏,‏ فهذا بيع صحيح نص عليه أحمد في من قال لخباز‏:‏ كيف تبيع الخبز‏؟‏ قال‏:‏ كذا بدرهم قال‏:‏ زنه وتصدق به فإذا وزنه فهو عليه وقول مالك نحو من هذا‏,‏ فإنه قال‏:‏ يقع البيع بما يعتقده الناس بيعا وقال بعض الحنفية‏:‏ يصح في خسائس الأشياء وحكي عن القاضي مثل هذا قال‏:‏ يصح في الأشياء اليسيرة دون الكبيرة ومذهب الشافعي -رحمه الله- ‏,‏ أن البيع لا يصح إلا بالإيجاب والقبول وذهب بعض أصحابه إلى مثل قولنا ولنا أن الله أحل البيع‏,‏ ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق‏,‏ والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ولأن البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم‏,‏ وإنما علق الشرع عليه أحكاما وأبقاه على ما كان فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم‏,‏ ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإيجاب والقبول‏,‏ ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله‏,‏ ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله ولأن البيع مما تعم به البلوى فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه - صلى الله عليه وسلم - بيانًا عامًا‏,‏ ولم يخف حكمه لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا وأكلهم المال بالباطل ولم ينقل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه‏,‏ ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ولم ينقل إنكاره من قبل مخالفينا فكان ذلك إجماعا‏,‏ وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهدية‏,‏ والصدقة ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه وقد أهدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من الحبشة وغيرها‏,‏ وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة متفق عليه وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بطعام سأل عنه‏:‏ أهدية أم صدقة‏؟‏ فإن قيل‏:‏ صدقة قال لأصحابه‏:‏ كلوا ولم يأكل وإن قيل‏:‏ هدية ضرب بيده‏,‏ وأكل معهم‏)‏ وفي حديث سلمان حين جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر فقال‏:‏ هذا شيء من الصدقة‏,‏ رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به ‏(‏فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه‏:‏ كلوا ولم يأكل‏)‏ ثم أتاه ثانية بتمر فقال‏:‏ رأيتك لا تأكل الصدقة‏,‏ وهذا شيء أهديته لك ‏(‏فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ بسم الله وأكل‏)‏ ولم ينقل قبول ولا أمر بإيجاب وإنما سأل ليعلم هل هو صدقة أو هدية‏,‏ وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول وليس إلا المعاطاة والتفرق عن تراض يدل على صحته‏,‏ ولو كان الإيجاب والقبول شرطا في هذه العقود لشق ذلك ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة وأكثر أموالهم محرمة ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي‏,‏ فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي قام مقامهما‏,‏ وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه‏.‏

‏[‏خيار المتبايعين‏]‏

أي باب خيار المتبايعين فحذف اختصارًا‏.‏

مسألة‏:‏

قال أبو القاسم - رحمه الله -‏:‏ ‏[‏والمتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما‏]‏‏.‏

في هذه المسألة ثلاثة فصول‏:‏

فصل‏:‏

أحدها أن البيع يقع جائزا ولكل من المتبايعين الخيار في فسخ البيع‏,‏ ما داما مجتمعين لم يتفرقا وهو قول أكثر أهل العلم‏,‏ يروى ذلك عن عمر وابن عمر وابن عباس‏,‏ وأبي هريرة وأبي برزة وبه قال سعيد بن المسيب‏,‏ وشريح والشعبي وعطاء‏,‏ وطاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو عبيد‏,‏ وأبو ثور وقال مالك وأصحاب الرأي‏:‏ يلزم العقد بالإيجاب والقبول ولا خيار لهما لأنه روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ ‏:‏ البيع صفقة أو خيار ولأنه عقد معاوضة فلزم بمجرده‏,‏ كالنكاح والخلع ولنا ما روى ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار‏,‏ ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر‏,‏ فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع‏,‏ وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع‏)‏ متفق عليه وقال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‏)‏ رواه الأئمة كلهم ورواه عبد الله بن عمر‏,‏ وعبد الله بن عمرو وحكيم بن حزام وأبو برزة الأسلمي واتفق على حديث ابن عمر‏,‏ وحكيم ورواه عن نافع عن ابن عمر‏,‏ مالك وأيوب وعبيد الله بن عمر‏,‏ وابن جريج والليث بن سعد ويحيى بن سعيد‏,‏ وغيرهم وهو صريح في حكم المسألة وعاب كثير من أهل العلم على مالك مخالفته للحديث مع روايته له وثبوته عنده‏,‏ وقال الشافعي - رحمه الله -‏:‏ لا أدري هل اتهم مالك نفسه أو نافعا‏؟‏ وأعظم أن أقول‏:‏ عبد الله بن عمر وقال ابن أبي ذئب‏:‏ يستتاب مالك في تركه لهذا الحديث فإن قيل‏:‏ المراد بالتفرق ها هنا التفرق بالأقوال كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما تفرق الذين أوتوا الكتاب‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏4‏]‏‏.‏ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة‏)‏ أي بالأقوال والاعتقادات قلنا‏:‏ هذا باطل لوجوه‏:‏ منها‏,‏ أن اللفظ لا يحتمل ما قالوه إذ ليس بين المتبايعين تفرق بلفظ ولا اعتقاد إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع بعد الاختلاف فيه الثاني أن هذا يبطل فائدة الحديث إذ قد علم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه وإتمامه‏,‏ أو تركه الثالث أنه قال في الحديث‏:‏ ‏(‏إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار‏)‏ فجعل لهما الخيار بعد تبايعهما‏,‏ وقال‏:‏ ‏(‏وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع‏)‏ الرابع‏,‏ أنه يرده تفسير ابن عمر للحديث بفعله فإنه كان إذا بايع رجلا مشى خطوات ليلزم البيع وتفسير أبي برزة له‏,‏ بقوله على مثل قولنا وهما راويا الحديث وأعلم بمعناه‏,‏ وقول عمر‏:‏ البيع صفقة أو خيار معناه أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار وبيع لم يشترط فيه‏,‏ سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه فإنه قد روى عنه أبو إسحاق الجوزجاني مثل مذهبنا ولو أراد ما قالوه‏,‏ لم يجز أن يعارض به قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا حجة في قول أحد مع قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد كان عمر إذا بلغه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجع عن قوله فكيف يعارض قوله بقوله‏؟‏ على أن قول عمر ليس بحجة إذا خالفه بعض الصحابة وقد خالفه ابنه‏,‏ وأبو برزة وغيرهما ولا يصح قياس البيع على النكاح لأن النكاح لا يقع غالبا إلا بعد روية ونظر وتمكث‏,‏ فلا يحتاج إلى الخيار بعده ولأن في ثبوت الخيار فيه مضرة لما يلزم من رد المرأة بعد ابتذالها بالعقد‏,‏ وذهاب حرمتها بالرد وإلحاقها بالسلع المبيعة فلم يثبت فيه خيار لذلك‏,‏ ولهذا لم يثبت فيه خيار الشرط ولا خيار الرؤية والحكم في هذه المسألة ظاهر لظهور دليله‏,‏ ووهاء ما ذكره المخالف في مقابلته والله أعلم‏.‏

الفصل الثاني‏:‏

أن البيع يلزم بتفرقهما لدلالة الحديث عليه ولا خلاف في لزومه بعد التفرق‏,‏ والمرجع في التفرق إلى عرف الناس وعادتهم فيما يعدونه تفرقا لأن الشارع علق عليه حكما ولم يبينه‏,‏ فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز‏,‏ فإن كانا في فضاء واسع كالمسجد الكبير والصحراء‏,‏ فبأن يمشي أحدهما مستدبرًا لصاحبه خطوات وقيل‏:‏ هو أن يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة قال أبو الحارث‏:‏ سئل أحمد عن تفرقة الأبدان‏؟‏ فقال‏:‏ إذا أخذ هذا كذا وهذا كذا‏,‏ فقد تفرقا وروى مسلم عن نافع قال‏:‏ فكان ابن عمر إذا بايع‏,‏ فأراد أن لا يقيله مشي هنيهة ثم رجع وإن كانا في دار كبيرة‏,‏ ذات مجالس وبيوت فالمفارقة أن يفارقه من بيت إلى بيت أو إلى مجلس‏,‏ أو صفة أو من مجلس إلى بيت أو نحو ذلك فإن كانا في دار صغيرة‏,‏ فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد فارقه وإن كانا في سفينة صغيرة‏,‏ خرج أحدهما منها ومشى وإن كانت كبيرة صعد أحدهما على أعلاها ونزل الآخر في أسفلها وهذا كله مذهب الشافعي فإن كان المشتري هو البائع‏,‏ مثل أن يشتري لنفسه من مال ولده أو اشترى لولده من مال نفسه لم يثبت فيه خيار المجلس لأنه تولى طرفي العقد‏,‏ فلم يثبت له خيار كالشفيع ويحتمل أن يثبت فيه‏,‏ ويعتبر مفارقة مجلس العقد للزومه لأن الافتراق لا يمكن ها هنا لكون البائع هو المشتري ومتى حصل التفرق لزم العقد‏,‏ قصدا ذلك أو لم يقصداه علماه أو جهلاه لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم- علق الخيار على التفرق وقد وجد ولو هرب أحدهما من صاحبه‏,‏ لزم العقد لأنه فارقه باختياره ولا يقف لزوم العقد على رضاهما ولهذا كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم البيع ولو أقاما في المجلس‏,‏ وسدلا بينهما سترا أو بنيا بينهما حاجزا أو ناما‏,‏ أو قاما فمضيا جميعا ولم يتفرقا فالخيار بحاله وإن طالت المدة لعدم التفرق وروى أبو داود‏,‏ والأثرم بإسنادهما عن أبي الوضيء قال‏:‏ غزونا غزوة لنا‏,‏ فنزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرسا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما‏,‏ فلما أصبحا من الغد وحضر الرحيل قام إلى فرسه يسرجه‏,‏ فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع‏,‏ فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال‏:‏ بيني وبينك أبو برزة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالا له هذه القصة فقال‏:‏ أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏؟‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‏)‏ ما أراكما افترقتما فإن فارق أحدهما الآخر مكرها‏,‏ احتمل بطلان الخيار لوجود غايته وهو التفرق ولأنه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له‏,‏ فكذلك في مفارقته لصاحبه وقال القاضي‏:‏ لا ينقطع الخيار لأنه حكم علق على التفرق فلم يثبت مع الإكراه كما لو علق عليه الطلاق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار‏,‏ إن أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه‏,‏ وفارقه بغير رضاه ويكون الخيار للمكره منهما في المجلس الذي يزول عنه فيه الإكراه حتى يفارقه وإن أكرها جميعا انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر له‏,‏ فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه وذكر ابن عقيل من صور الإكراه ما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه‏,‏ أو حملهما سيل أو فرقت ريح بينهما‏.‏

فصل‏:‏

وإن خرس أحدهما قامت إشارته مقام لفظه فإن لم تفهم إشارته‏,‏ أو جن أو أغمي عليه قام وليه من الأب‏,‏ أو وصيه أو الحاكم مقامه‏,‏ وهذا مذهب الشافعي وإن مات أحدهما بطل خياره لأنه قد تعذر منه الخيار والخيار لا يورث وأما الباقي منهما فيبطل خياره أيضا لأنه يبطل بالتفرق والتفرق بالموت أعظم‏,‏ ويحتمل أن لا يبطل لأن التفرق بالأبدان لم يحصل فإن حمل الميت بطل الخيار لأن الفرقة حصلت بالبدن والروح معا‏.‏

فصل‏:‏

وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله‏)‏ رواه النسائي‏,‏ والأثرم والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن وقوله‏:‏ ‏"‏إلا أن تكون صفقة خيار‏"‏ يحتمل أنه أراد البيع المشروط فيه الخيار‏,‏ فإنه لا يلزم بتفرقهما ولا يكون تفرقهما غاية للخيار فيه لكونه ثابتا بعد تفرقهما ويحتمل أنه أراد البيع الذي شرطا فيه أن لا يكون بينهما فيه خيار فيلزم بمجرد العقد من غير تفرق وظاهر الحديث تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشية من فسخ البيع‏,‏ وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم فإنه ذكر له فعل ابن عمر وحديث عمرو بن شعيب‏,‏ فقال‏:‏ هذا الآن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد‏,‏ جواز ذلك لأن ابن عمر كان إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه متفق عليه والأول أصح لأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم- يقدم على فعل ابن عمر والظاهر أن ابن عمر لم يبلغه هذا ولو علمه لما خالفه

الفصل الثالث‏:‏

أن ظاهر كلام الخرقي أن الخيار يمتد إلى التفرق ولا يبطل بالتخاير قبل العقد ولا بعده‏,‏ وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن أكثر الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‏)‏ من غير تقييد ولا تخصيص هكذا رواه حكيم بن حزام‏,‏ وأبو برزة وأكثر الروايات عن عبد الله بن عمر والرواية الثانية أن الخيار يبطل بالتخاير اختارها الشريف بن أبي موسى وهذا مذهب الشافعي‏,‏ وهو أصح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع‏)‏ يعني لزم وفي لفظ‏:‏ ‏(‏المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا‏,‏ إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع‏)‏ متفق عليه والأخذ بالزيادة أولى والتخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس واحد فالتخاير في ابتدائه أن يقول‏:‏ بعتك ولا خيار بيننا ويقبل الآخر على ذلك‏,‏ فلا يكون لهما خيار والتخاير بعده أن يقول كل واحد منهما بعد العقد‏:‏ اخترت إمضاء العقد أو إلزامه أو اخترت العقد‏,‏ أو أسقطت خيارى فيلزم العقد من الطرفين وإن اختار أحدهما دون الآخر لزم في حقه وحده‏,‏ كما لو كان خيار الشرط لهما فأسقط أحدهما خياره دون الآخر وقال أصحاب الشافعي‏:‏ في التخاير في ابتداء العقد قولان أظهرهما لا يقطع الخيار لأنه إسقاط للحق قبل سببه‏,‏ فلم يجز كخيار الشفعة فعلى هذا هل يبطل العقد بهذا الشرط‏؟‏ على وجهين‏,‏ بناء على الشروط الفاسدة ولنا قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك‏,‏ فقد وجب البيع‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع‏)‏ وهذا صريح في الحكم فلا يعول على ما خالفه ولأن ما أثر في الخيار في المجلس‏,‏ أثر فيه مقارنا للعقد كاشتراط الخيار ولأنه أحد الخيارين في البيع فجاز إخلاؤه عنه‏,‏ كخيار الشرط وقولهم‏:‏ إنه إسقاط للخيار قبل سببه ليس كذلك فإن سبب الخيار البيع المطلق فأما البيع مع التخاير فليس بسبب له ثم لو ثبت أنه سبب الخيار‏,‏ لكن المانع مقارن له فلم يثبت حكمه وأما الشفيع‏,‏ فإنه أجنبي من العقد فلم يصح اشتراط إسقاط خياره في العقد بخلاف مسألتنا فإن قال أحدهما لصاحبه‏:‏ اختر ولم يقل الآخر شيئا‏,‏ فالساكت منهما على خياره لأنه لم يوجد منه ما يبطل خياره وأما القائل فيحتمل أن يبطل خياره لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه‏:‏ اختر‏)‏ رواه البخاري‏,‏ وأبو داود والنسائي ولأنه جعل لصاحبه ما ملكه من الخيار‏,‏ فسقط خياره وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يبطل خياره لأنه خيره فلم يختر‏,‏ فلم يؤثر فيه كما لو جعل لزوجته الخيار فلم تختر‏,‏ شيئا ويحمل الحديث على أنه خيره فاختار والأول أولى لظاهر الحديث ولأنه جعل الخيار لغيره‏,‏ ويفارق الزوجة لأنه ملكها ما لا تملك فإذا لم تقبل سقط‏,‏ وها هنا كل واحد منهما يملك الخيار فلم يكن قوله تمليكا إنما كان إسقاطا‏,‏ فسقط‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏فإن تلفت السلعة أو كان عبدا فأعتقه المشتري أو مات‏,‏ بطل الخيار‏]‏

أما إذا تلفت السلعة في مدة الخيار فلا يخلو إما أن تكون قبل القبض‏,‏ أو بعده فإن كان قبل القبض وكان مكيلا‏,‏ أو موزونا انفسخ البيع وكان من مال البائع‏,‏ ولا أعلم في هذا خلافا إلا أن يتلفه المشتري فيكون من ضمانه‏,‏ ويبطل خياره وفي خيار البائع روايتان وإن كان المبيع غير المكيل والموزون ولم يمنع البائع المشتري من قبضه فظاهر المذهب أنه من ضمان المشتري‏,‏ ويكون كتلفه بعد القبض وأما إن تلف المبيع بعد القبض في مدة الخيار فهو من ضمان المشتري ويبطل خياره وفي خيار البائع روايتان إحداهما‏,‏ يبطل وهو اختيار الخرقي وأبي بكر لأنه خيار فسخ‏,‏ فبطل بتلف المبيع كخيار الرد بالعيب إذا تلف المعيب والرواية الثانية لا يبطل‏,‏ وللبائع أن يفسخ ويطالب المشتري بقيمته وهذا اختيار القاضي وابن عقيل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‏)‏ ولأنه خيار فسخ فلم يبطل بتلف المبيع‏,‏ كما لو اشترى ثوبا بثوب فتلف أحدهما ووجد الآخر بالثوب عيبا‏,‏ فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه كذا ها هنا وأما إذا أعتقه المشتري‏,‏ فإن خياره يبطل لأنه أتلفه وفي بطلان خيار البائع روايتان كما لو تلف المبيع وخيار المجلس‏,‏ وخيار الشرط في هذا كله سواء‏.‏

فصل‏:‏

ومتى تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار تصرفا يختص الملك بطل خياره كإعتاق العبد‏,‏ وكتابته وبيعه وهبته‏,‏ ووطء الجارية أو مباشرتها أو لمسها لشهوة‏,‏ ووقف المبيع وركوب الدابة لحاجته أو سفر‏,‏ أو حمله عليها أو سكنى الدار ورمها‏,‏ وحصاد الزرع وقصل منه فما وجد من هذا فهو رضاء بالمبيع‏,‏ ويبطل به خياره لأن الخيار يبطل بالتصريح بالرضاء وبدلالته ولذلك يبطل خيار المعتقة بتمكينها الزوج من وطئها ‏(‏وقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم -‏:‏ إن وطئك فلا خيار لك‏)‏ وهذا مذهب أبي حنيفة‏,‏ والشافعي فأما ركوب الدابة لينظر سيرها والطحن على الرحى ليعلم قدر طحنها وحلب الشاة ليعلم قدر لبنها‏,‏ ونحو ذلك فليس برضا بالبيع ولا يبطل خياره لأن ذلك هو المقصود بالخيار‏,‏ وهو اختبار المبيع وذكر أبو الخطاب وجها في أن تصرف المشتري لا يبطل خياره ولا يبطل إلا بالتصريح بالرضا ولا يصح لأن هذا يتضمن إجازة البيع‏,‏ ويدل على الرضا به فبطل به الخيار كصريح القول ولأن التصريح إنما أبطل الخيار لدلالته على الرضا به فما دل على الرضا به يقوم مقامه‏,‏ ككنايات الطلاق تقوم مقام صريحه وإن عرضه على البيع أو باعه بيعا فاسدا‏,‏ أو عرضه على الرهن أو غيره من التصرفات أو وهبه‏,‏ فلم يقبل الموهوب له بطل خياره لأن ذلك يدل على الرضا به قال أحمد‏:‏ إذا اشترط الخيار فباعه قبل ذلك بربح‏,‏ فالربح للمبتاع لأنه وجب عليه حين عرضه وإن استخدم المشتري المبيع ففيه روايتان إحداهما لا يبطل خياره‏,‏ وقال أبو الصقر‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ رجل اشترى جارية وله الخيار فيها يومين فانطلق بها‏,‏ فغسلت رأسه أو غمزت رجله أو طحنت له‏,‏ أو خبزت هل يستوجبها بذلك‏؟‏ قال‏:‏ لا حتى يبلغ منها ما لا يحل لغيره قلت‏:‏ فإن مشطها‏,‏ أو خضبها أو حفها هل يستوجبها بذلك‏؟‏ قال‏:‏ قد بطل خياره لأنه وضع يده عليها وذلك لأن الاستخدام لا يختص الملك‏,‏ ويراد لتجربة المبيع فأشبه ركوب الدابة ليعلم سيرها ونقل حرب عن أحمد‏,‏ أنه يبطل خياره لأنه انتفاع بالمبيع أشبه لمسها لشهوة ويمكن أن يقال‏:‏ ما قصد به من الاستخدام تجربة المبيع‏,‏ لا يبطل الخيار كركوب الدابة ليعلم سيرها وما لا يقصد به ذلك يبطل الخيار‏,‏ كركوب الدابة لحاجته وإن قبلت الجارية المشتري لم يبطل خياره وهذا مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب‏:‏ يحتمل أن يبطل خياره إذا لم يمنعها لأن إقراره لها على ذلك يجري مجرى استمتاعه بها وقال أبو حنيفة‏:‏ إن قبلته لشهوة بطل خياره‏,‏ لأنه استمتاع يختص الملك فأبطل خياره كقبلته لها ولنا‏:‏ أنها قبلة لأحد المتعاقدين‏,‏ فلم يبطل خياره كما لو قبلت البائع ولأن الخيار له لا لها‏,‏ فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه ولا دلالة عليه وفارق ما إذا قبلها فإنه وجد منه ما يدل على الرضا بها ومتى بطل خيار المشتري بتصرفه‏,‏ فخيار البائع باق بحاله لأن خياره لا يبطل برضا غيره إلا أن يكون تصرف المشتري بإذن البائع فإنه يبطل خيارهما معا لوجود الرضا منهما بإبطاله وإن تصرف البائع في المبيع بما يفتقر إلى الملك‏,‏ كان فسخا للبيع وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لما ذكرناه في المشتري ولأنه أحد المتعاقدين‏,‏ فتصرفه في المبيع اختيار له كالمشتري وعن أحمد رواية أخرى أنه لا ينفسخ البيع بذلك لأن الملك انتقل عنه‏,‏ فلم يكن تصرفه فيه استرجاعا له كمن وجد ماله عند مفلس فتصرف فيه‏.‏

فصل‏:‏

وينتقل الملك إلى المشتري في بيع الخيار بنفس العقد في ظاهر المذهب‏,‏ ولا فرق بين كون الخيار لهما أو لأحدهما أيهما كان‏,‏ وهذا أحد أقوال الشافعي وعن أحمد‏:‏ أن الملك لا ينتقل حتى ينقضي الخيار وهو قول مالك والقول الثاني للشافعي‏,‏ وبه قال أبو حنيفة إذا كان الخيار لهما وللبائع وإن كان للمشتري خرج عن ملك البائع فلم يدخل في ملك المشتري لأن البيع الذي فيه الخيار عقد قاصر‏,‏ فلم ينقل الملك كالهبة قبل القبض والقول الثالث للشافعي‏:‏ أن الملك موقوف مراعى فإن أمضيا البيع تبينا أن الملك للمشتري‏,‏ وإلا تبينا أنه لم ينتقل عن البائع ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏من باع عبدًا وله مال فماله للبائع‏,‏ إلا أن يشترطه المبتاع‏)‏ رواه مسلم وقوله‏:‏ ‏(‏من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع‏)‏ متفق عليه فجعله للمبتاع بمجرد اشتراطه‏,‏ وهو عام في كل بيع ولأنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه كالذي لا خيار له ولأن البيع تمليك‏,‏ بدليل قوله‏:‏ ملكتك فيثبت به الملك كسائر البيع يحققه أن التمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري ويقتضيه لفظه‏,‏ والشرع قد اعتبره وقضى بصحته فيجب أن يعتبره فيما يقتضيه ويدل عليه لفظه وثبوت الخيار فيه لا ينافيه‏,‏ كما لو باع عرضا بعرض فوجد كل واحد منهما بما اشتراه عيبا وقولهم‏:‏ إنه قاصر غير صحيح وجواز فسخه لا يوجب قصوره‏,‏ ولا يمنع نقل الملك كبيع المعيب وامتناع التصرف إنما كان لأجل حق الغير فلا يمنع ثبوت الملك‏,‏ كالمرهون والمبيع قبل القبض وقولهم‏:‏ إنه يخرج من ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري لا يصح لأنه يفضي إلى وجود ملك لا مالك له‏,‏ وهو محال ويفضي أيضا إلى ثبوت الملك للبائع في الثمن من غير حصول عوضه للمشتري أو إلى نقل ملكه عن المبيع من غير ثبوته في عوضه‏,‏ وكون العقد معاوضة يأبى ذلك وقول أصحاب الشافعي‏:‏ إن الملك موقوف إن أمضيا البيع تبينا أنه انتقل وإلا فلا غير صحيح أيضا فإن انتقال الملك إنما ينبني على سببه الناقل له‏,‏ وهو البيع وذلك لا يختلف بإمضائه وفسخه فإن إمضاءه ليس من المقتضي ولا شرطا فيه‏,‏ إذ لو كان كذلك لما ثبت الملك قبله والفسخ ليس بمانع فإن المنع لا يتقدم المانع كما أن الحكم لا يسبق سببه ولا شرطه ولأن البيع مع الخيار سبب يثبت الملك عقيبه فيما إذا لم يفسخ‏,‏ فوجب أن يثبته وإن فسخ كبيع المعيب وهذا ظاهر إن شاء الله‏.‏

فصل‏:‏

وما يحصل من غلات المبيع ونمائه المنفصل في مدة الخيار‏,‏ فهو للمشتري أمضيا العقد أو فسخاه‏,‏ قال أحمد في من اشترى عبدا فوهب له مال قبل التفرق ثم اختار البائع العبد‏:‏ فالمال للمشتري وقال الشافعي‏:‏ إن أمضيا العقد‏,‏ وقلنا‏:‏ الملك للمشتري أو موقوف فالنماء المنفصل له وإن قلنا‏:‏ الملك للبائع فالنماء له وإن فسخا العقد‏,‏ وقلنا‏:‏ الملك للبائع أو موقوف فالنماء له وإلا فهو للمشتري ولنا‏,‏ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏الخراج بالضمان‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح وهذا من ضمان المشتري فيجب أن يكون خراجه له ولأن الملك ينتقل بالبيع على ما ذكرنا فيجب أن يكون نماؤه له‏,‏ كما بعد انقضاء الخيار ويتخرج أن يكون النماء المنفصل للبائع إذا فسخا العقد بناء على الرواية التي قلنا‏:‏ إن الملك لا ينتقل فأما النماء المتصل فهو تابع للمبيع أمضيا العقد‏,‏ أو فسخاه كما يتبعه في الرد بالعيب والمقايلة‏.‏

فصل‏:‏

وضمان المبيع على المشتري إذا قبضه ولم يكن مكيلا‏,‏ ولا موزونا فإن تلف أو نقص أو حدث به عيب في مدة الخيار‏,‏ فهو من ضمانه لأنه ملكه وغلته له فكان من ضمانه‏,‏ كما بعد انقضاء الخيار ومؤنته عليه وإن كان عبدا فهل هلال شوال‏,‏ ففطرته عليه لذلك فإن اشترى حاملا فولدت عنده في مدة الخيار ثم ردها على البائع‏,‏ لزمه رد ولدها لأنه مبيع حدثت فيه بزيادة متصلة فلزمه رده بزيادته كما لو اشترى عبدين‏,‏ فسمن أحدهما عنده وقال الشافعي في أحد قوليه‏:‏ لا يرد الولد لأن الحمل لا حكم له لأنه جزء متصل بالأم فلم يأخذ قسطا من الثمن كأطرافها ولنا‏,‏ أن كل ما يقسط عليه الثمن إذا كان منفصلا يقسط عليه إذا كان متصلا كاللبن وما قالوه يبطل بالجزء المشاع‏,‏ كالثلث والربع والحكم في الأصل ممنوع‏,‏ ثم يفارق الحمل الأطراف لأنه يئول إلى الانفصال وينتفع به منفصلا ويصح إفراده بالعتق‏,‏ والوصية به وله ويرث إن كان من أهل الميراث‏,‏ ويفرد بالدية ويرثها ورثته ولا يصح قولهم‏:‏ إنه لا حكم للحمل لهذه الأحكام وغيرها مما ذكرناه في غير هذا الموضع‏.‏

فصل‏:‏

وإن تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار في المبيع تصرفا ينقل المبيع كالبيع‏,‏ والهبة والوقف أو يشغله‏,‏ كالإجارة والتزويج والرهن‏,‏ والكتابة ونحوها لم يصح تصرفه‏,‏ إلا العتق سواء وجد من البائع أو المشتري لأن البائع تصرف في غير ملكه‏,‏ والمشتري يسقط حق البائع من الخيار واسترجاع المبيع فلم يصح تصرفه فيه‏,‏ كالتصرف في الرهن إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه‏,‏ ويبطل خياره لأنه لا حق لغيره فيه وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه كالمعيب قال أحمد‏:‏ إذا اشترط الخيار‏,‏ فباعه قبل ذلك بربح فالربح للمبتاع لأنه قد وجب عليه حين عرضه يعني بطل خياره ولزمه وهذا والله أعلم فيما إذا شرط الخيار له وحده‏,‏ وكذلك إذا قلنا‏:‏ إن البيع لا ينقل الملك وكان الخيار لهما أو للبائع وحده‏,‏ فتصرف فيه البائع نفذ تصرفه وصح لأنه ملكه‏,‏ وله إبطال خيار غيره وقال ابن أبي موسى‏:‏ في تصرف المشتري في المبيع قبل التفرق ببيع أو هبة روايتان إحداهما لا يصح لأن في صحته إسقاط حق البائع من الخيار والثانية‏,‏ هو موقوف فإن تفرقا قبل الفسخ صح وإن اختار البائع الفسخ بطل بيع المشتري قال أحمد في رواية أبي طالب‏:‏ إذا اشترى ثوبا بشرط فباعه بربح قبل انقضاء الشرط‏,‏ يرده إلى صاحبه إن طلبه فإن لم يقدر على رده فللبائع قيمة الثوب لأنه استهلك ثوبه‏,‏ أو يصالحه فقوله‏:‏ يرده إن طلبه يدل على أن وجوب رده مشروط بطلبه وقد روى البخاري عن ‏(‏ابن عمر أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر‏,‏ فكان على بكر صعب وكان يتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول له أبوه‏:‏ لا يتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ بعنيه فقال عمر‏:‏ هو لك يا رسول الله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت‏)‏ وهذا يدل على أن التصرف قبل التفرق جائز‏,‏ وذكر أصحابنا في صحة تصرف المشتري بالوقف وجها آخر لأنه تصرف يبطل الشفعة فأشبه العتق والصحيح أنه لا يصح شيء من هذه التصرفات لأن المبيع يتعلق به حق البائع تعلقا يمنع جواز التصرف‏,‏ فمنع صحته كالرهن ويفارق الوقف العتق لأن العتق مبني على التغليب والسراية بخلاف الوقف وأما حديث ابن عمر‏,‏ فليس فيه تصريح بالبيع فإن قول عمر‏:‏ هو لك يحتمل أنه أراد هبة وهو الظاهر‏,‏ فإنه لم يذكر ثمنا والهبة لا يثبت فيها الخيار وقال الشافعي‏:‏ تصرف البائع في المبيع بالبيع والهبة ونحوهما صحيح لأنه إما أن يكون على ملكه فيملك بالعقد عليه وإما أن يكون للمشتري‏,‏ والبائع يملك فسخه فجعل البيع والهبة فسخا وأما تصرف المشتري فلا يصح إذا قلنا‏:‏ الملك لغيره وإن قلنا‏:‏ الملك له ففي صحة تصرفه وجهان ولنا‏,‏ على إبطال تصرف البائع أنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية شرعية ولا نيابة عرفية‏,‏ فلم يصح كما بعد الخيار وقولهم‏:‏ يملك الفسخ قلنا‏:‏ إلا أن ابتداء التصرف لم يصادف ملكه فلم يصح‏,‏ كتصرف الأب فيما وهب لولده قبل استرجاعه وتصرف الشفيع في الشقص المشفوع قبل أخذه‏.‏

فصل‏:‏

وإن تصرف المشتري بإذن البائع أو البائع بوكالة المشتري‏,‏ صح التصرف وانقطع خيارهما لأن ذلك يدل على تراضيهما بإمضاء البيع فيقطع به خيارهما‏,‏ كما لو تخايرا ويصح تصرفهما لأن قطع الخيار حصل بالإذن في البيع فيقع البيع بعد انقطاع الخيار وإن تصرف البائع بإذن المشتري‏,‏ احتمل أن يقع صحيحا لأن ذلك دليل على فسخ البيع أو استرجاع المبيع فيقع تصرفه بعد استرجاعه‏,‏ ويحتمل أن لا يصح لأن البائع لا يحتاج إلى إذن المشتري في استرجاع المبيع فيصير كتصرفه بغير إذن المشتري وقد ذكرنا أنه لا يصح‏,‏ كذا ها هنا وكل موضع قلنا‏:‏ إن تصرف البائع لا ينفذ ولكن ينفسخ به البيع فإنه متى أعاد ذلك التصرف أو تصرف تصرفا سواه‏,‏ صح لأنه بفسخ البيع عاد إليه الملك فصح تصرفه فيه كما لو فسخ البيع بصريح قوله‏,‏ ثم تصرف فيه وكذلك إن تقدم تصرفه ما ينفسخ به البيع صح تصرفه لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

وإن تصرف أحدهما بالعتق‏,‏ نفذ عتق من حكمنا بالملك له وظاهر المذهب أن الملك للمشتري فينفذ عتقه‏,‏ سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما لأنه عتق من مالك جائز التصرف فنفذ‏,‏ كما بعد المدة وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏لا عتق فيما لا يملك ابن آدم‏)‏ يدل بمفهومه على أنه ينفذ في الملك وملك البائع للفسخ لا يمنع نفوذ العتق كما لو باع عبدا بجارية معينة‏,‏ فإن مشتري العبد ينفذ عتقه مع أن للبائع الفسخ ولو وهب رجل ابنه عبدا فأعتقه‏,‏ نفذ عتقه مع ملك الأب لاسترجاعه ولا ينفذ عتق البائع في ظاهر المذهب وقال أبو حنيفة والشافعي‏,‏ ومالك ينفذ عتقه لأنه ملكه وإن كان الملك انتقل فإنه يسترجعه بالعتق ولنا أنه إعتاق من غير مالك‏,‏ فلم ينفذ كعتق الأب عبد ابنه الذي وهبه إياه وقد دللنا على أن الملك انتقل إلى المشتري وإن قلنا بالرواية الأخرى‏,‏ وأن الملك لم ينتقل إلى المشتري نفذ عتق البائع دون المشتري وإن أعتق البائع والمشتري جميعا فإن تقدم عتق المشتري‏,‏ فالحكم على ما ذكرنا وإن تقدم عتق البائع فينبغي أن لا ينفذ عتق واحد منهما لأن البائع لم ينفذ عتقه لكونه أعتق غير مملوكه‏,‏ ولكن حصل بإعتاقه فسخ البيع واسترجاع العبد فلم ينفذ عتق المشتري ومتى أعاد البائع الإعتاق مرة ثانية‏,‏ نفذ إعتاقه لأنه عاد العبد إليه فأشبه ما لو استرجعه بصريح قوله ولو اشترى من يعتق عليه جرى مجرى إعتاقه بصريح قوله‏,‏ وقد ذكرنا حكمه وإن باع عبدا بجارية بشرط الخيار فأعتقهما‏,‏ نفذ عتق الأمة دون العبد وإن أعتق أحدهما ثم أعتق الآخر نظرت‏,‏ فإن أعتق الأمة أولا نفذ عتقها وبطل خياره‏,‏ ولم ينفذ عتق العبد وإن أعتق العبد أولا انفسخ البيع‏,‏ ورجع إليه العبد ولم ينفذ إعتاقه ولا ينفذ عتق الأمة لأنها خرجت بالفسخ عن ملكه‏,‏ وعادت إلى سيدها البائع لها‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال لعبده‏:‏ إذا بعتك فأنت حر ثم باعه صار حرا نص عليه أحمد‏,‏ وبه قال الحسن وابن أبي ليلى ومالك‏,‏ والشافعي وسواء شرطا الخيار أو لم يشرطاه وقال أبو حنيفة والثوري‏:‏ لا يعتق لأنه إذا تم بيعه زال ملكه عنه فلم ينفذ إعتاقه له ولنا‏,‏ أن زمن انتقال الملك زمن الحرية لأن البيع سبب لنقل الملك وشرط للحرية فيجب تغليب الحرية كما لو قال لعبده‏:‏ إذا مت فأنت حر‏,‏ ولأنه علق حريته على فعله للبيع والصادر منه في البيع إنما هو الإيجاب فمتى قال للمشتري‏:‏ بعتك فقد وجد شرط الحرية فيعتق قبل قبول المشتري‏,‏ وعلله القاضي بأن الخيار ثابت في كل بيع فلا ينقطع تصرفه فيه فعلى هذا لو تخايرا ثم باعه لم يعتق ولا يصح هذا التعليل على مذهبنا فإننا ذكرنا أن البائع لو أعتق في مدة الخيار لم ينفذ إعتاقه‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز للمشتري وطء الجارية في مدة الخيار إذا كان الخيار لهما أو للبائع وحده لأنه يتعلق بها حق البائع‏,‏ فلم يبح له وطؤها كالمرهونة ولا نعلم في هذا اختلافا فإن وطئها فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بشبهة الملك فبحقيقته أولى‏,‏ ولا مهر لها لأنها مملوكته وإن علقت منه فالولد حر يلحقه نسبه لأنه من أمته‏,‏ ولا يلزمه قيمته وتصير أم ولد له وإن فسخ البائع البيع رجع بقيمتها لأنه تعذر الفسخ فيها‏,‏ ولا يرجع بقيمة ولدها لأنه حدث في ملك المشتري وإن قلنا‏:‏ إن الملك لا ينتقل إلى المشتري فلا حد عليه أيضا لأن له فيها شبهة لوجود سبب نقل الملك إليه واختلاف أهل العلم في ثبوت الملك له‏,‏ والحد يدرأ بالشبهات وعليه المهر وقيمة الولد يكون حكمها حكم نمائها‏,‏ وإن علم التحريم وأن ملكه غير ثابت فولده رقيق وأما البائع فلا يحل له الوطء قبل فسخ البيع وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ له وطؤها لأن البيع ينفسخ بوطئه‏,‏ فإن كان الملك انتقل رجعت إليه وإن لم يكن انتقل انقطع حق المشتري منها فيكون واطئا لمملوكته التي لا حق لغيره فيها ولنا أن الملك انتقل عنه فلم يحل له وطؤها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 7‏]‏‏.‏ ولأن ابتداء الوطء يقع في غير ملكه‏,‏ فيكون حراما ولو انفسخ البيع قبل وطئه لم تحل له حتى يستبرئها ولا يلزمه حد وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ ومالك والشافعي وقال بعض أصحابنا‏:‏ إن علم التحريم‏,‏ وأن ملكه قد زال ولا ينفسخ بالوطء فعليه الحد وذكر أن أحمد نص عليه لأن وطأه لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك ولنا‏,‏ أن ملكه يحصل بابتداء وطئه فيحصل تمام الوطء في ملكه مع اختلاف العلماء في كون الملك له‏,‏ وحل الوطء له ولا يجب الحد مع واحدة من هذه الشبهات فكيف إذا اجتمعت‏,‏ مع أنه يحتمل أن يحصل الفسخ بالملامسة قبل الوطء فيكون الملك قد رجع إليه قبل وطئه ولهذا قال أحمد في المشتري‏:‏ إنها قد وجبت عليه حين وضع يده عليها فيما إذا مشطها‏,‏ أو خضبها أو حفها فبوضع يده عليها للجماع ولمس فرجها بفرجه أولى فعلى هذا يكون ولده منها حرا‏,‏ ونسبه لاحق به ولا يلزمه قيمته ولا مهر عليه‏,‏ وتصير الأمة أم ولده وقال أصحابنا‏:‏ إن علم التحريم فولده رقيق ولا يلحقه نسبه فإن لم يعلم لحقه النسب وولده حر‏,‏ وعليه قيمته يوم الولادة وعليه المهر ولا تصير الأمة أم ولده‏,‏ لأنه وطئها في غير ملكه‏.‏

فصل‏:‏

ولا بأس بنقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار وهو قول أبي حنيفة والشافعي وكرهه مالك قال‏:‏ لأنه في معنى بيع وسلف إذا أقبضه الثمن ثم تفاسخا البيع صار كأنه أقرضه إياه ولنا‏,‏ أن هذا حكم من أحكام البيع فجاز في مدة الخيار كالإجارة‏,‏ وما ذكره لا يصح لأننا لم نجز له التصرف فيه

فصل‏:‏

قول الخرقي‏:‏ ‏"‏ أو مات ‏"‏ الظاهر أنه أراد العبد ورد الضمير إليه وهو في معنى قوله‏:‏ ‏"‏ أو تلفت السلعة ‏"‏ ويحتمل أنه رد الضمير إلى المشتري‏,‏ وأراد إذا مات المشتري بطل الخيار لأن موت العبد قد تناوله بقوله‏:‏ ‏"‏ أو تلفت السلعة ‏"‏ والحكم في موت البائع والمشتري واحد والمذهب أن خيار الميت منهما يبطل بموته ويبقى خيار الآخر بحاله إلا أن يكون الميت قد طالب بالفسخ قبل موته فيه‏,‏ فيكون لورثته وهو قول الثوري وأبي حنيفة ويتخرج أن الخيار لا يبطل وينتقل إلى ورثته لأنه حق مالي‏,‏ فينتقل إلى الوارث كالأجل وخيار الرد بالعيب ولأنه حق فسخ للبيع‏,‏ فينتقل إلى الوارث كالرد بالعيب والفسخ بالتحالف‏,‏ وهذا قول مالك والشافعي ولنا أنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ وإذا تفرقا من غير فسخ لم يكن لأحدهما رده إلا بعيب أو خيار ‏)‏ لا خلاف في أن البيع يلزم بعد التفرق‏,‏ ما لم يكن سبب يقتضي جوازه وقد دل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار حتى يتفرقا‏)‏ جعل التفرق غاية للخيار وما بعد الغاية يجب أن يكون مخالفا لما قبلها إلا أن يجد بالسلعة عيبا فيردها به‏,‏ أو يكون قد شرط الخيار لنفسه مدة معلومة فيملك الرد أيضا ولا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الرد بهذين الأمرين وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏المؤمنون على شروطهم‏)‏ استشهد به البخاري وفي معنى العيب أن يدلس المبيع بما يختلف به الثمن أو يشترط في المبيع صفة يختلف بها الثمن‏,‏ فيتبين بخلافه فيثبت له الخيار أيضا ويقرب منه ما لو أخبره في المرابحة في الثمن أنه حال فبان مؤجلا‏,‏ ونحو هذا ونذكر هذا في مواضعه‏.‏

فصل‏:‏

ولو ألحقا في العقد خيارا بعد لزومه لم يلحقه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ يلحقه لأن لهما فسخ العقد فكان لهما إلحاق الخيار به كحالة المجلس ولنا‏,‏ أنه عقد لازم فلم يصر جائزا بقولهما كالنكاح وفارق حال المجلس لأنه جائز‏.‏

فصل‏:‏

وكلام الخرقي يحتمل أن يريد به بيوع الأعيان المرئية فلا يكون فيه تعرض لبيع الغائب‏,‏ ويحتمل أنه أراد كل ما يسمى خيارا فيدخل فيه خيار الرؤية وغيره وفي بيع الغائب روايتان أظهرهما أن الغائب الذي لم يوصف‏,‏ ولم تتقدم رؤيته لا يصح بيعه وبهذا قال الشعبي والنخعي والحسن‏,‏ والأوزاعي ومالك وإسحاق وهو أحد قولي الشافعي وفي رواية أخرى‏,‏ أنه يصح وهو مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي وهل يثبت للمشتري خيار الرؤية‏؟‏ على روايتين أشهرهما ثبوته وهو قول أبي حنيفة واحتج من أجازه بعموم قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأحل الله البيع‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏‏.‏ وروى عن عثمان وطلحة‏,‏ أنهما تبايعا داريهما بالكوفة والأخرى بالمدينة فقيل لعثمان‏:‏ إنك قد غبنت‏,‏ فقال‏:‏ ما أبالي لأني بعت ما لم أره وقيل لطلحة فقال‏:‏ لي الخيار لأنني اشتريت ما لم أره فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة وهذا اتفاق منهم على صحة البيع‏,‏ ولأنه عقد معاوضة فلم تفتقر صحته إلى رؤية المعقود عليه كالنكاح ولنا‏,‏ ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه ‏(‏نهى عن بيع الغرر‏)‏ رواه مسلم ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف له فلم يصح‏,‏ كبيع النوى في التمر ولأنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم‏,‏ والآية مخصوصة بالأصل الذي ذكرناه وأما حديث عثمان وطلحة فيحتمل أنهما تبايعا بالصفة على أنه قول صحابي‏,‏ وفي كونه حجة خلاف ولا يعارض به حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنكاح لا يقصد منه المعاوضة ولا يفسد بفساد العوض‏,‏ ولا يترك ذكره ولا يدخله شيء من الخيارات وفي اشتراط الرؤية مشقة على المخدرات وإضرار بهن على أن الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح فلا يضر الجهل بها بخلاف البيع فإن قيل‏:‏ فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه‏)‏ والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح قلنا‏:‏ هذا يرويه عمر بن إبراهيم الكردي‏,‏ وهو متروك الحديث ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه إذا ثبت هذا فإنه يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب‏,‏ وشعر الجارية ونحوهما فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة‏,‏ لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب وإن حكمنا بالصحة فللمشتري الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء‏,‏ ويكون على الفور فإن اختار الفسخ فله ذلك وإن لم يفسخ لزم العقد لأن الخيار خيار الرؤية‏,‏ فوجب أن يكون عندها وقيل‏:‏ يتقيد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه لأنه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط فتقيد بالمجلس كخيار المجلس وإن اختار الفسخ قبل الرؤية انفسخ لأن العقد غير لازم في حقه فملك الفسخ‏,‏ كحالة الرؤية وإن اختار إمضاء العقد لم يلزم لأن الخيار يتعلق بالرؤية ولأنه يؤدي إلى إلزام العقد على المجهول‏,‏ فيفضي إلى الضرر وكذلك لو تبايعا بشرط أن لا يثبت الخيار للمشتري لم يصح الشرط لذلك وهل يفسد البيع بهذا الشرط‏؟‏ على وجهين‏,‏ بناء على الشروط الفاسدة في البيع‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وصف المبيع للمشتري فذكر له من صفاته ما يكفي في صحة السلم صح بيعه في ظاهر المذهب وهو قول أكثر أهل العلم وعن أحمد‏,‏ لا يصح حتى يراه لأن الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع فلم يصح البيع بها كالذي لا يصح السلم فيه ولنا أنه بيع بالصفة‏,‏ فصح كالسلم ولا نسلم أنه لا تحصل به معرفة المبيع فإنها تحصل بالصفات الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهرا‏,‏ وهذا يكفي بدليل أنه يكفي في السلم وأنه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية وأما ما لا يصح السلم فيه‏,‏ فلا يصح بيعه بالصفة لأنه لا يمكن ضبطه بها إذا ثبت هذا فإنه متى وجده على الصفة لم يكن له الفسخ وبهذا قال محمد بن سيرين‏,‏ وأيوب ومالك والعنبري‏,‏ وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وقال الثوري‏,‏ وأبو حنيفة وأصحابه‏:‏ له الخيار بكل حال لأنه يسمى بيع خيار الرؤية ولأن الرؤية من تمام العقد‏,‏ فأشبه غير الموصوف ولأصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين ولنا أنه سلم له المعقود عليه بصفاته فلم يكن له الخيار كالمسلم فيه‏,‏ ولأنه مبيع موصوف فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال كالسلم وقولهم‏:‏ إنه يسمى بيع خيار الرؤية لا نعرف صحته‏,‏ فإن ثبت فيحتمل أن يسميه من يرى ثبوت الخيار ولا يحتج به على غيره‏,‏ فأما إن وجده بخلاف الصفة فله الخيار ويسمى خيار الخلف في الصفة لأنه وجد الموصوف بخلاف الصفة فلم يلزمه كالسلم وإن اختلفا‏,‏ فقال البائع‏:‏ لم تختلف الصفة وقال المشتري‏:‏ قد اختلفت فالقول قول المشتري لأن الأصل براءة ذمته من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به‏,‏ أو يثبت ببينة أو ما يقوم مقامها‏.‏

فصل‏:‏

والبيع بالصفة نوعان أحدهما بيع عين معينة مثل أن يقول‏:‏ بعتك عبدي التركي ويذكر سائر صفاته‏,‏ فهذا ينفسخ العقد عليه برده على البائع وتلفه قبل قبضه لكون المعقود عليه معينا فيزول العقد بزوال محله‏,‏ ويجوز التفرق قبل قبض ثمنه وقبضه كبيع الحاضر‏.‏

الثاني‏,‏ بيع موصوف غير معين مثل أن يقول‏:‏ بعتك عبدا تركيا ثم يستقصي صفات السلم‏,‏ فهذا في معنى السلم فمتى سلم إليه عبدا على غير ما وصف‏,‏ فرده أو على ما وصف فأبدله‏,‏ لم يفسد العقد لأن العقد لم يقع على غير هذا فلم ينفسخ العقد برده كما لو سلم إليه في السلم غير ما وصف له‏,‏ فرده ولا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه وهذا قول الشافعي لأنه بيع في الذمة فلم يجز التفرق فيه قبل قبض أحد العوضين‏,‏ كالسلم وقال القاضي‏:‏ يجوز التفرق فيه قبل القبض لأنه بيع حال فجاز التفرق فيه قبل القبض كبيع العين‏.‏

فصل‏:‏

إذا رأيا المبيع‏,‏ ثم عقدا البيع بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه جاز في قول أكثر أهل العلم وحكي عن أحمد رواية أخرى لا يجوز حتى يرياها حالة العقد وحكي ذلك عن الحكم‏,‏ وحماد لأن ما كان شرطا في صحة العقد يجب أن يكون موجودا حال العقد كالشهادة في النكاح ولنا‏,‏ أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد والشرط إنما هو العلم‏,‏ وإنما الرؤية طريق للعلم ولهذا اكتفى بالصفة المحصلة للعلم والشهادة في النكاح تراد لحل العقد والاستيثاق عليه‏,‏ فلهذا اشترطت حال العقد ويقرر ما ذكرناه ما لو رأيا دارا ووقفا في بيت منها أو أرضا‏,‏ ووقفا في طريقها وتبايعاها صح بلا خلاف مع عدم المشاهدة للكل في الحال ولو كانت الرؤية المشروطة للبيع مشروطة حال العقد لاشترط رؤية جميعه‏,‏ ومتى وجد المبيع بحاله لم يتغير لزم البيع‏,‏ وإن كان ناقصا ثبت له الخيار لأن ذلك كحدوث العيب وإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه يلزمه الثمن فلا يلزمه ما لم يعترف به فأما إن عقد البيع بعد رؤية المبيع بمدة يتحقق فيها فساد المبيع‏,‏ لم يصح البيع لأنه مما لا يصح بيعه وإن لم يتغير فيها لم يصح بيعه لأنه مجهول وكذلك إن كان الظاهر تغيره فأما إن كان يحتمل التغير وعدمه‏,‏ وليس الظاهر تغيره صح بيعه لأن الأصل السلامة ولم يعارضه ظاهر‏,‏ فصح بيعه كما لو كانت الغيبة يسيرة وهذا ظاهر مذهب الشافعي‏.‏

فصل‏:‏

ويثبت الخيار في البيع للغبن في مواضع‏:‏ أحدها‏,‏ تلقى الركبان إذا تلقاهم فاشترى منهم وباعهم وغبنهم الثاني‏:‏ بيع النجش ويذكران في مواضعهما الثالث‏:‏ المسترسل إذا غبن غبنا يخرج عن العادة فله الخيار بين الفسخ والإمضاء وبهذا قال مالك‏,‏ وقال ابن أبي موسى وقد قيل‏:‏ قد لزمه البيع وليس له فسخه وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد‏,‏ كبيع غير المسترسل وكالغبن اليسير ولنا أنه غبن حصل لجهله بالمبيع‏,‏ فأثبت الخيار كالغبن في تلقي الركبان فأما غير المسترسل‏,‏ فإنه دخل على بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالعيب وكذا لو استعجل‏,‏ فجهل ما لو تثبت لعلمه لم يكن له خيار لأنه انبنى على تقصيره وتفريطه والمسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المبايعة قال أحمد‏:‏ المسترسل‏,‏ الذي لا يحسن أن يماكس وفي لفظ الذي لا يماكس فكأنه استرسل إلى البائع فأخذ ما أعطاه من غير مماكسة‏,‏ ولا معرفة بغبنه فأما العالم بذلك والذي لو توقف لعرف إذا استعجل في الحال فغبن‏,‏ فلا خيار لهما ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد وحده أبو بكر في ‏"‏التنبيه‏"‏ وابن أبي موسى في ‏"‏الإرشاد‏"‏ بالثلث وهو قول مالك لأن الثلث كثير بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏والثلث كثير‏)‏ وقيل‏:‏ بالسدس‏,‏ وقيل‏:‏ ما لا يتغابن الناس به في العادة لأن ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وقع البيع على غير معين كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن‏,‏ فمقتضى قول الخرقي إذا تفرقا من غير فسخ لم يكن لأحدهما رده‏,‏ إلا بعيب أو خيار لأن البيع ها هنا يلزم بالتفرق سواء تقابضا أو لم يتقابضا وقال القاضي‏:‏ البيع لا يلزم إلا بالقبض كالمكيل والموزون وهذا تصريح بأنه لا يلزم قبل قبضه وذكر في موضع آخر‏,‏ من اشترى قفيزين من صبرتين فتلفت إحداهما قبل القبض بطل العقد في التالف دون الباقي‏,‏ رواية واحدة ولا خيار للبائع وهذا يدل على اللزوم في حق البائع قبل القبض فإنه لو كان جائزا كان له الخيار‏,‏ سواء تلفت إحداهما أو لم تتلف ووجه الجواز أنه مبيع لا يملك بيعه‏,‏ ولا التصرف فيه فكان البيع فيه جائزا كما قبل التفرق ولأنه لو تلف لكان من ضمان البائع ووجه الأول‏,‏ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع‏)‏ وما ذكرناه للقول الآخر ينتقض ببيع ما تقدمت رؤيته‏,‏ وبيع الموصوف والسلم فإن ذلك لازم مع ما ذكرناه‏,‏ وكذلك سائر المبيع على إحدى الروايتين‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والخيار يجوز أكثر من ثلاث‏]‏

يعني ثلاث ليال بأيامها وإنما ذكر الليالي لأن التاريخ يغلب فيه التأنيث قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 142‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 234‏]‏‏.‏ وفي حديث حبان‏:‏ ‏(‏ولك الخيار ثلاثا‏)‏ ويجوز اشتراط الخيار ما يتفقان عليه من المدة المعلومة قلت مدته أو كثرت‏,‏ وبذلك قال أبو يوسف ومحمد وابن المنذر وحكي ذلك عن الحسن بن صالح‏,‏ والعنبري وابن أبي ليلى وإسحاق‏,‏ وأبي ثور وأجازه مالك فيما زاد على الثلاث بقدر الحاجة مثل قرية لا يصل إليها في أقل من أربعة أيام لأن الخيار لحاجته‏,‏ فيقدر بها وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ لا يجوز أكثر من ثلاث لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ما أجد لكم أوسع مما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحبان جعل له الخيار ثلاثة أيام‏,‏ إن رضي أخذ وإن سخط ترك ولأن الخيار ينافي مقتضى البيع لأنه يمنع الملك واللزوم وإطلاق التصرف وإنما جاز لموضع الحاجة‏,‏ فجاز القليل منه وآخر حد القلة ثلاث قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 65‏]‏‏.‏ بعد قوله‏:‏ ‏{‏فيأخذكم عذاب قريب‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 64‏]‏‏.‏ ولنا‏,‏ أنه حق يعتمد الشرط فرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل‏,‏ أو نقول‏:‏ مدة ملحقة بالعقد فكانت إلى تقدير المتعاقدين كالأجل ولا يثبت عندنا ما روي عن عمر رضي الله عنه وقد روي عن أنس خلافه وتقدير مالك بالحاجة لا يصح فإن الحاجة لا يمكن ربط الحكم بها لخفائها واختلافها‏,‏ وإنما يربط بمظنتها وهو الإقدام فإنه يصلح أن يكون ضابطا‏,‏ وربط الحكم به فيما دون الثلاث وفي السلم والأجل وقول الآخرين‏:‏ إنه ينافي مقتضى البيع لا يصح فإن مقتضى البيع نقل الملك والخيار لا ينافيه وإن سلمنا ذلك‏,‏ لكن متى خولف الأصل لمعنى في محل وجب تعدية الحكم لتعدى ذلك المعنى‏.‏