فصل: فصل: اشتمال الجنس الواحد على جنسين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

وقد يكون الجنس الواحد مشتملا على جنسين كالتمر‏,‏ يشتمل على النوى وغيره وهما جنسان واللبن‏,‏ يشتمل على المخيض والزبد وهما جنسان فما داما متصلين اتصال الخلقة فهما جنس واحد‏,‏ فإذا ميز أحدهما من الآخر صارا جنسين حكمهما حكم الجنسين الأصليين‏.‏

فصل‏:‏

في بيع التمر بالتمر وفروعه‏,‏ يجوز بيع التمر بالتمر كيلا بكيل بغير خلاف وسواء تساويا في الجودة والرداءة وفي كونهما ينكبسان في المكيال‏,‏ أو اختلفا في ذلك قيل لأحمد‏:‏ صاع تمر بصاع تمر وأحد التمرين يدخل في المكيال منه أكثر‏؟‏ فقال‏:‏ إنما هو صاع بصاع وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏التمر بالتمر مدي بمدي ثم قال‏:‏ من زاد‏,‏ أو ازداد فقد أربى‏)‏ فإن كان في كل واحد منهما نواه جاز بيعه متساويا بغير خلاف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم أن التمر يكون فيه النوى وإن نزع من كل واحد منهما نواه‏,‏ جاز أيضا وقال أصحاب الشافعي‏:‏ لا يجوز في أحد الوجهين لأنهما لم يتساويا في حال الكمال ولأنه يتجافى في المكيال ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏التمر بالتمر مدي بمدي‏)‏ ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز‏,‏ كما لو كان في كل واحد منهما نواه ويجوز بيع النوى بالنوى كيلا لذلك وإذا باع تمرا منزوع النوى بتمر نواه فيه لم يجز لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه دون الآخر وإن نزع النوى ثم باع النوى والتمر بنوى وتمر‏,‏ لم يجز لأنه زالت التبعية بنزعه فصار كبيع تمر وحنطة بتمر وحنطة وإن باع النوى بتمر منزوع النوى جاز متفاضلا‏,‏ ومتساويا لأنهما جنسان وإن باع النوى بتمر نواه فيه فعلى روايتين منع منه في رواية مهنا وأحمد بن القاسم لأن التمر نوى‏,‏ فيصير كمد عجوة وكما لو باع تمرا فيه نواه بتمر منزوع النوى وأجاز ذلك في رواية ابن منصور لأن النوى في التمر غير مقصود‏,‏ ولذلك جاز بيع التمر بالتمر في كل واحد منهما نواه وصار هذا كبيع دار مموه سقفها بالذهب بذهب فعلى هذا يجوز بيعه متفاضلا ومتساويا لأن النوى الذي في التمر لا عبرة به فصار كبيع النوى بمنزوع النوى‏.‏

فصل‏:‏

ويصنع من التمر الدبس‏,‏ والخل والناطف والقطارة ولا يجوز بيع التمر بشيء منها لأن مع بعضها من غير جنسه‏,‏ وبعضها مائع والتمر جامد ولا يجوز بيع الناطف بعضه ببعض ولا بغيره من المصنوع من التمر لأن معها شيئا مقصودا من غير جنسهما‏,‏ فينزل منزلة مد عجوة ويجوز بيع القطارة والدبس والخل‏,‏ كل نوع بعضه ببعض متساويا قال أحمد في رواية مهنا في خل الدقل‏:‏ يجوز بيع بعضه ببعض متساويا وذلك لأن الماء في كل واحد منهما غير مقصود وهو من مصلحته‏,‏ فلم يمنع جواز البيع كالخبز بالخبز والتمر بالتمر‏,‏ في كل واحد منهما نواه ولا يباع نوع بنوع آخر لأن في كل واحد منهما من غير جنسه يقل ويكثر فيفضي إلى التفاضل‏.‏

فصل‏:‏

والعنب كالتمر فيما ذكرناه إلا أنه لا يباع خل العنب بخل الزبيب لانفراد كل واحد منهما بما ليس من جنسه ويجوز بيع خل الزبيب بعضه ببعض‏,‏ كما يجوز بيع خل التمر بعضه ببعض‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ والبر والشعير جنسان ‏)‏ هذا هو المذهب وبه يقول الثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد‏,‏ أنهما جنس واحد وحكي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وابن معيقيب الدوسي‏,‏ والحكم وحماد ومالك‏,‏ والليث لما روي عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال‏:‏ بعه‏,‏ ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء معمرا‏,‏ أخبره بذلك فقال له معمر‏:‏ لم فعلت ذلك‏؟‏ انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلا بمثل‏,‏ فإن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل‏)‏ وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل‏:‏ فإنه ليس بمثله قال‏:‏ إني أخاف أن يضارع أخرجه مسلم ولأن أحدهما يغش بالآخر فكانا كنوعي الجنس ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لا بأس ببيع البر بالشعير‏,‏ والشعير أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم‏)‏ وهذا صريح صحيح‏,‏ لا يجوز تركه بغير معارض مثله ولأنهما لم يشتركا في الاسم الخاص فلم يكونا جنسا واحدا‏,‏ كالتمر والحنطة ولأنهما مسميان في الأصناف الستة‏,‏ فكانا جنسين كسائرها وحديث معمر لا بد فيه من إضمار الجنس بدليل سائر أجناس الطعام‏,‏ ويحتمل أنه أراد الطعام المعهود عندهم وهو الشعير فإنه قال في الخبر‏:‏ وكان طعامنا يومئذ الشعير‏,‏ ثم لو كان عاما لوجب تقديم الخاص الصريح عليه وفعل معمر وقوله لا يعارض به قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقياسهم ينتقض بالذهب والفضة‏.‏

فصل‏:‏

في الحنطة وفروعها وفروعها نوعان‏,‏ أحدهما ما ليس فيه غيره كالدقيق‏,‏ والسويق والثاني ما فيه غيره كالخبز‏,‏ والهريسة والفالوذج والنشاء‏,‏ وأشباهها ولا يجوز بيع الحنطة بشيء من فروعها وهي ثلاثة أقسام‏:‏ أحدها السويق فلا يجوز بيعه بالحنطة وبهذا قال الشافعي‏,‏ وحكي عن مالك وأبي ثور جواز ذلك متماثلا‏,‏ ومتفاضلا ولنا أنه بيع الحنطة ببعض أجزائها متفاضلا فلم يجز‏,‏ كبيع مكوك حنطة بمكوكي دقيق ولا سبيل إلى التماثل لأن النار قد أخذت من أحدهما دون الآخر فأشبهت المقلية القسم الثاني‏,‏ ما معه غيره فلا يجوز بيعها به أيضا وقال أصحاب أبي حنيفة‏:‏ يجوز ذلك بناء على مسألة مد عجوة وسنذكر الدليل على ذلك - إن شاء الله تعالى - القسم الثالث‏,‏ الدقيق فلا يجوز بيعها به في الصحيح وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن‏,‏ والحكم وحماد والثوري‏,‏ وأبي حنيفة ومكحول وهو المشهور عن الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه جائز وبهذا قال ربيعة‏,‏ ومالك وحكي ذلك عن النخعي وقتادة وابن شبرمة‏,‏ وإسحاق وأبي ثور لأن الدقيق نفس الحنطة وإنما تكسرت أجزاؤها‏,‏ فجاز بيع بعضها ببعض كالحنطة المكسرة بالصحاح فعلى هذا إنما تباع الحنطة بالدقيق وزنا لأنها قد تفرقت أجزاؤها بالطحن وانتشرت‏,‏ فتأخذ من المكيال مكانا كبيرا والحنطة تأخذ مكانا صغيرا والوزن يسوي بينهما وبهذا قال إسحاق ولنا‏,‏ أن بيع الحنطة بالدقيق بيع للحنطة بجنسها متفاضلا فحرم كبيع مكيلة بمكيلتين وذلك لأن الطحن قد فرق أجزاءها‏,‏ فيحصل في مكيالها دون ما يحصل في مكيال الحنطة وإن لم يتحقق التفاضل فقد جهل التماثل‏,‏ والجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل فيما يشترط التماثل فيه ولذلك لم يجز بيع بعضها ببعض جزافا وتساويهما في الوزن لا يلزم منه التساوي في الكيل‏,‏ والحنطة والدقيق مكيلان لأن الأصل الكيل ولم يوجد ما ينقل عنه ولأن الدقيق يشبه المكيلات‏,‏ فكان مكيلا كالحنطة ثم لو كان موزونا‏,‏ لم يتحقق التساوي بين المكيل والموزون لأن المكيل لا يقدر بالوزن كما لا يقدر الموزون بالكيل‏.‏

فصل‏:‏

فأما بيع بعض فروعها ببعض فيجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بنوعه متساويا‏,‏ وبه قال أبو حنيفة والمشهور عن الشافعي المنع من ذلك لأنه يعتبر تساويهما حالة الكمال وهو حال كونها حنطة وقد فات ذلك لأن أحد الدقيقين قد يكون من حنطة رزينة‏,‏ والآخر من حنطة خفيفة فيستويان دقيقا ولا يستويان حنطة ولنا‏,‏ أنهما تساويا حال العقد على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز كبيع التمر بالتمر إذا ثبت هذا‏,‏ فإنما يباع بعضه ببعض كيلا لأن الحنطة مكيلة ولم يوجد في الدقيق والسويق ما ينقلهما عن ذلك ويشترط أن يتساويا في النعومة ذكره أبو بكر وغيره من أصحابنا وهو مذهب أبي حنيفة لأنهما إذا تفاوتا في النعومة تفاوتا في ثاني الحال‏,‏ فيصير كبيع الحنطة بالدقيق وذكر القاضي أن الدقيق يباع بالدقيق وزنا ولا وجه له وقد سلم في السويق أنه يباع بالكيل والدقيق مثله فأما بيع الدقيق بالسويق‏,‏ فالصحيح أنه لا يجوز وهو مذهب الشافعي وروي عن أحمد أنه يجوز لأن كل واحد منهما أجزاء حنطة ليس معه غيره فأشبه الدقيق بالدقيق‏,‏ والسويق بالسويق ولنا أن النار قد أخذت من أحدهما فلم يجز بيع بعضه ببعض‏,‏ كالمقلية بالنيئة وروي عن مالك وأبي يوسف ومحمد‏,‏ وأبي ثور أنه لا بأس ببيع الدقيق بالسويق متفاضلا لأنهما جنسان ولنا أنهما أجزاء جنس واحد‏,‏ فلم يجز التفاضل بينهما كالدقيق مع الدقيق والسويق بالسويق‏.‏

فصل‏:‏

فأما ما فيه غيره‏,‏ كالخبز وغيره فهو نوعان أحدهما‏,‏ أن يكون ما فيه من غيره غير مقصود في نفسه إنما جعل فيه لمصلحته كالخبز والنشاء‏,‏ فيجوز بيع كل واحد منهما بنوعه إذا تساويا في النشافة والرطوبة ويعتبر التساوي في الوزن لأنه يقدر به في العادة ولا يمكن كيله وقال مالك‏:‏ إذا تحرى أن يكون مثلا بمثل‏,‏ فلا بأس به وإن لم يوزن وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة‏:‏ لا بأس به قرصا بقرصين وقال الشافعي‏:‏ لا يجوز بيع بعضه ببعض بحال‏,‏ إلا أن ييبس ويدق دقا ناعما ويباع بالكيل‏,‏ ففيه قولان لأنه مكيل يجب التساوي فيه ولا يمكن كيله فتعذرت المساواة فيه‏,‏ ولأن في كل واحد منهما من غير جنسه فلم يجز بيعه به كالمغشوش من الذهب والفضة‏,‏ وغيرهما ولنا على وجوب التساوي أنه مطعوم موزون‏,‏ فحرم التفاضل فيهما كاللحم واللبن‏,‏ ومتى وجب التساوي وجبت معرفة حقيقة التساوي في المعيار الشرعي كالحنطة بالحنطة‏,‏ والدقيق بالدقيق ولنا على الشافعي أن معظم نفعه في حال رطوبته فجاز بيعه به‏,‏ كاللبن باللبن ولا يمتنع أن يكون موزونا أصله غير موزون كاللحم‏,‏ والأدهان ولا يجوز بيع الرطب باليابس لانفراد أحدهما بالنقص في ثاني الحال فأشبه الرطب بالتمر ولا يمنع زيادة أخذ النار من أحدهما أكثر من الآخر حال رطوبتهما إذا لم يكثر لأن ذلك يسير ولا يمكن التحرز منه‏,‏ أشبه بيع الحديثة بالعتيقة ولا يلزم ما فيه من الملح والماء لأن ذلك ليس بمقصود فيه ويراد لمصلحته فهو كالملح في الشيرج وإن يبس الخبز‏,‏ فدق وجعل فتيتا بيع بمثله كيلا لأنه أمكن كيله‏,‏ فرد إلى أصله وقال ابن عقيل‏:‏ فيه وجه آخر أنه يباع بالوزن لأنه انتقل إليه النوع الثاني ما فيه غيره مما هو مقصود‏,‏ كالهريسة والخزيرة والفالوذج‏,‏ وخبز الأبازير والخشكنانج والسنبوسك‏,‏ ونحوه فلا يجوز بيع بعضه ببعض ولا بيع نوع بنوع آخر لأن كل واحد منهما يشتمل على ما ليس من جنسه‏,‏ وهو مقصود كاللحم في الهريسة والعسل في الفالوذج والماء‏,‏ والدهن في الخزيرة ويكثر التفاوت في ذلك فلا يتحقق التماثل فيه وإذا لم يمكن التماثل في النوع الواحد ففي النوعين أولى‏.‏

فصل‏:‏

والحكم في الشعير وسائر الحبوب كالحكم في الحنطة ويجوز بيع الحنطة والمصنوع منها بغيرها من الحبوب والمصنوع منها لعدم اشتراط المماثلة بينهما والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ وسائر اللحمان جنس واحد ‏)‏ أراد جميع اللحم‏,‏ وجمعه - وهو اسم جنس - لاختلاف أنواعه ظاهر كلام الخرقي أن اللحم كله جنس واحد وذكره أبو الخطاب‏,‏ وابن عقيل رواية عن أحمد وهو قول أبي ثور وأحد قولي الشافعي وأنكر القاضي أبو يعلى كون هذا رواية عن أحمد‏,‏ وقال‏:‏ الأنعام والوحوش والطير‏,‏ ودواب الماء أجناس يجوز التفاضل فيها رواية واحدة وإنما في اللحم روايتان إحداهما‏,‏ أنه أربعة أجناس كما ذكرنا وهو مذهب مالك إلا أنه يجعل الأنعام‏,‏ والوحش جنسا واحدا فيكون عنده ثلاثه أصناف والثانية أنه أجناس باختلاف أصوله‏,‏ وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وهي أصح لأنها فروع أصول هي أجناس‏,‏ فكانت أجناسا كالأدقة والأخباز وهذا اختيار ابن عقيل واختيار القاضي أنها أربعة أجناس وحمل كلام الخرقي عليها‏,‏ واحتج بأن لحم هذه الحيوانات تختلف المنفعة بها والقصد إلى أكلها فكانت أجناسا وهذا ضعيف جدا لأن كونها أجناسا لا يوجب حصرها في أربعة أجناس‏,‏ ولا نظير لهذا فيقاس عليه ولا يصح حمل كلام الخرقي عليه لعدم احتمال لفظه له وتصريحه في الأيمان بأنه إذا حلف لا يأكل لحما فأكل من لحم الأنعام‏,‏ أو الطائر أو السمك حنث فيتعين حمل كلامه على عمومه في أن جميع اللحم جنس لأنه اشترك في الاسم الواحد حال حدوث الربا فيه‏,‏ فكان جنسا واحدا كالطلع والصحيح أنه أجناس باختلاف أصوله وهذا الدليل ينتقض بالتمر الهندي والتمر البرني‏,‏ وعسل القصب وعسل النحل وغير ذلك فعلى هذا لحم الإبل كله صنف‏,‏ بخاتيها وعرابها والبقر عرابها وجواميسها صنف والغنم ضأنها ومعزها صنف ويحتمل أن يكونا صنفين لأن الله تعالى سماها في الأزواج الثمانية فقال‏:‏ ‏(‏ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين‏)‏ ففرق بينهما‏,‏ كما فرق بين الإبل والبقر فقال‏:‏ ‏(‏ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين‏)‏ والوحش أصناف بقرها صنف وغنمها صنف‏,‏ وظباؤها صنف وكل ماله اسم يخصه فهو صنف والطيور أصناف كل ما انفرد باسم وصفة فهو صنف‏,‏ فيباع لحم صنف بلحم صنف آخر متفاضلا ومتماثلا ويباع بصفة متماثلا‏,‏ ومن جعلها صنفا واحدا لم يجز عنده بيع لحم بلحم إلا متماثلا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا ويجوز إذا تناهى جفافه مثلا بمثل ‏)‏ اختار الخرقي أنه لا يباع بعضه ببعض إلا في حال جفافه وذهاب رطوبته كلها وهو مذهب الشافعي وذهب أبو حفص في ‏"‏ شرحه ‏"‏ إلى هذا قال القاضي‏:‏ والمذهب‏:‏ جواز بيعه‏,‏ ونص عليه وقوله في الرطب بالرطب بجواز البيع ينبه على إباحة بيع اللحم باللحم من حيث كان اللحم‏,‏ حال كماله ومعظم نفعه في حال رطوبته دون حال يبسه فجرى مجرى اللبن بخلاف الرطب فإن حال كماله ومعظم نفعه في حال يبسه‏,‏ فإذا جاز فيه البيع ففي اللحم أولى ولأنه وجد التماثل فيهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص‏,‏ فجاز كبيع اللبن باللبن فأما بيع رطبه بيابسه أو نيئه بمطبوخه أو مشويه فغير جائز لانفراد أحدهما بالنقص في الثاني‏,‏ فلم يجز كالرطب بالتمر‏.‏

فصل‏:‏

قال القاضي‏:‏ ولا يجوز بيع بعضه ببعض إلا منزوع العظام كما لا يجوز بيع العسل بالعسل إلا بعد التصفية وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وكلام أحمد‏,‏ -رحمه الله- يقتضي الإباحة من غير نزع عظامه ولا جفافه قال في رواية حنبل‏:‏ إذا صار إلى الوزن مثلا بمثل‏,‏ رطلا برطل فأطلق ولم يشترط شيئا وذلك لأن العظم تابع للحم بأصل الخلقة فلم يشترط نزعه كالنوى في التمر وفارق العسل‏,‏ من حيث إن اختلاط الشمع بالعسل من فعل النحل لا من أصل الخلقة‏.‏

فصل‏:‏

واللحم والشحم جنسان والكبد صنف والطحال صنف والقلب صنف والمخ صنف ويجوز بيع كل صنف بصنف آخر متفاضلا وقال القاضي‏:‏ لا يجوز بيع اللحم بالشحم وكره مالك ذلك‏,‏ إلا أن يتماثلا وظاهر المذهب إباحة البيع فيهما متماثلا ومتفاضلا وهو قول أبي حنيفة‏,‏ والشافعي لأنهما جنسان فجاز التفاضل فيهما كالذهب والفضة وإن منع منه لكون اللحم لا يخلو من شحم لم يصح لأن الشحم لا يظهر وإن كان فيه شيء فهو غير مقصود‏,‏ فلا يمنع البيع ولو منع لذلك لم يجز بيع لحم بلحم لاشتمال كل واحد منهما على ما ليس من جنسه ثم لا يصح هذا عند القاضي لأن السمين الذي يكون مع اللحم لحم عنده‏,‏ فلا يتصور اشتمال اللحم على الشحم وذكر القاضي أن اللحم الأبيض الذي على ظاهر اللحم الأحمر هو والأحمر جنس واحد وأن الألية والشحم جنسان وظاهر كلام الخرقي خلاف هذا لقوله‏:‏ إن اللحم لا يخلو من شحم‏,‏ ولو لم يكن هذا شحما لم يختلط لحم بشحم فعلى قوله كل أبيض في الحيوان يذوب بالإذابة ويصير دهنا‏,‏ فهو جنس واحد وهذا أصح لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 146‏]‏‏.‏ فاستثنى ما حملت الظهور من الشحم ولأنه يشبه الشحم في ذوبه ولونه ومقصده فكان شحما‏,‏ كالذي في البطن‏.‏

فصل‏:‏

وفي اللبن روايتان إحداهما هو جنس واحد لما ذكرنا في اللحم والثانية هو أجناس باختلاف أصوله كاللحم وهذا مذهب الشافعي وبه قال مالك لأن الأنعام كلها جنس واحد وقال ابن عقيل‏:‏ لبن البقر الأهلية والوحشية جنس واحد على الروايات كلها لأن اسم البقر يشملهما وليس بصحيح لأن لحمهما جنسان‏,‏ فكان لبنهما جنسين كالإبل والبقر ويجوز بيع اللبن بغير جنسه متفاضلا‏,‏ وكيف شاء يدا بيد وبجنسه متماثلا كيلا قال القاضي‏:‏ هو مكيل لا يباع إلا بالكيل لأنه العادة فيه ولا فرق بين أن يكونا حليبين أو حامضين‏,‏ أو أحدهما حليب والآخر حامض لأن تغيير الصفة لا يمنع جواز البيع كالجودة والرداءة وإن شيب أحدهما بماء‏,‏ أو غيره لم يجز بيعه بخالص ولا بمشوب من جنسه لأن معه من غير جنسه لغير مصلحته‏.‏

فصل‏:‏

ويتفرع من اللبن قسمان ما ليس فيه غيره كالزبد والسمن‏,‏ والمخيض واللبأ وما فيه غيره وكلاهما لا يجوز بيعه باللبن لأنه مستخرج من اللبن فلم يجز بيعه بأصله الذي فيه منه‏,‏ كالحيوان باللحم والسمسم بالشيرج وهذا مذهب الشافعي وعن أحمد أنه يجوز بيع اللبن بالزبد‏,‏ إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وهذا يقتضي جواز بيعه به متفاضلا ومنع جوازه متماثلا قال القاضي‏:‏ وهذه الرواية لا تخرج على المذهب لأن الشيئين إذا دخلهما الربا لم يجز بيع أحدهما بالآخر‏,‏ ومعه من غير جنسه كمد عجوة ودرهم بمدين والصحيح أن هذه الرواية دالة على جواز البيع في مسألة مد عجوة وكونها مخالفة لروايات أخر لا يمنع كونها رواية‏,‏ كسائر الروايات المخالفة لغيرها لكنها مخالفة لظاهر المذهب والحكم في السمن كالحكم في الزبد وأما اللبن بالمخيض الذي فيه زبده فلا يجوز نص عليه أحمد‏,‏ فقال‏:‏ اللبن بالمخيض لا خير فيه ويتخرج الجواز كالتي قبلها وأما اللبن باللبأ فإن كان قبل أن تمسه النار جاز متماثلا لأنه لبن بلبن وإن مسته النار لم يجز وذكر القاضي وجها‏,‏ أنه يجوز وليس بصحيح لأن النار عقدت أجزاء أحدهما وذهبت ببعض رطوبته‏,‏ فلم يجز بيعه بما لم تمسه النار كالخبز بالعجين والمقلية بالنيئة وهذا مذهب الشافعي وأما بيع النوع من فروع اللبن بنوعه‏,‏ فما فيه خلط من غير اللبن كالكشك والكامخ ونحوهما‏,‏ لا يجوز بيعه بنوعه ولا بغيره لأنه مختلط بغيره فهو كمسألة مد عجوة وما ليس فيه غيره‏,‏ أو فيه غيره إلا أن ذلك الغير لمصلحته فيجوز بيع كل نوع منه بعضه ببعض إذا تساويا في النشافة والرطوبة‏,‏ فيبيع المخيض بالمخيض واللبأ باللبأ والجبن بالجبن‏,‏ والمصل بالمصل والأقط بالأقط والزبد بالزبد‏,‏ والسمن بالسمن متساويا ويعتبر التساوي بين الأقط بالأقط بالكيل لأنه قدر بالصاع في صدقة الفطر وهو يشبه المكيلات‏,‏ وكذلك المصل والمخيض ويباع الخبز بالخبز بالوزن لأنه موزون ولا يمكن كيله فأشبه الخبز وكذلك الزبد والسمن ويتخرج أن يباع السمن بالكيل ولا يباع ناشف من ذلك برطب كما لا يباع الرطب بالتمر ويحتمل كلام الخرقي أن لا يباع رطب من ذلك برطب كاللحم وأما بيع ما نزع من اللبن بنوع آخر‏,‏ كالزبد والسمن والمخيض‏,‏ فظاهر المذهب أنه يجوز بيع الزبد والسمن بالمخيض متماثلا ومتفاضلا لأنهما جنسان‏,‏ وذلك لأنهما شيئان من أصل واحد أشبها اللحم بالشحم وممن أجاز بيع الزبد بالمخيض الثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق ولأن اللبن الذي في الزبد غير مقصود وهو يسير فأشبه الملح في الشيرج وبيع السمن بالمخيض أولى بالجواز لخلو السمن من المخيض ولا يجوز بيع الزبد بالسمن لأن في الزبد لبنا يسيرا‏,‏ ولا شيء في السمن فيختل التماثل ولأنه مستخرج من الزبد‏,‏ فلم يجز بيعه به كالزيتون بالزيت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي‏:‏ عندي يجوز لأن اللبن في الزبد غير مقصود فوجوده كعدمه‏,‏ ولذلك جاز بيعه بالمخيض وبزبد مثله وهذا لا يصح لأن التماثل واجب بينهما وانفراد أحدهما بوجود اللبن فيه يخل بالتماثل‏,‏ فلم يجز بيعه به كتمر منزوع النوى بتمر فيه نواه ولأن أحدهما ينفرد برطوبة لا توجد في الآخر‏,‏ فأشبه الرطب بالتمر والعنب بالزبيب وكل رطب بيابس من جنسه ولا يجوز بيع شيء من الزبد والسمن والمخيض بشيء من أنواع اللبن‏,‏ كالجبن واللبأ ونحوهما لأن هذه الأنواع لم ينتزع منها شيء فيكون حكمها حكم اللبن الذي فيه زبده فلم يجز بيعها‏,‏ كبيع اللبن بها وأما بيع الجبن بالأقط فلا يجوز مع رطوبتهما أو رطوبة أحدهما‏,‏ كما لا يجوز بيع الرطب بالتمر وإن كانا يابسين احتمل أن لا يجوز أيضا لأن الجبن موزون والأقط مكيل فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالخبز بالدقيق‏,‏ ويحتمل الجواز إذا تماثلا كبيع الخبز بالخبز‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان‏]‏

لا يختلف المذهب أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه وهو مذهب مالك‏,‏ والشافعي وقول فقهاء المدينة السبعة وحكي عن مالك أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان معد للحم‏,‏ ويجوز بغيره وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز مطلقا لأنه باع مال الربا بما لا ربا فيه أشبه بيع اللحم بالدراهم أو بلحم من غير جنسه ولنا‏,‏ ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏نهى عن بيع اللحم بالحيوان‏)‏ رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عبد البر‏:‏ هذا أحسن أسانيده وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ‏(‏نهى أن يباع حي بميت‏)‏ ذكره الإمام أحمد وروي عن ابن عباس أن جزورا نحرت فجاء رجل بعناق فقال‏:‏ أعطوني جزءا بهذا العناق فقال أبو بكر‏:‏ لا يصلح هذا قال الشافعي‏:‏ لا أعلم مخالفا لأبي بكر في ذلك وقال أبو الزناد‏:‏ وكل من أدركت ينهي عن بيع اللحم بالحيوان ولأن اللحم نوع فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه‏,‏ فلم يجز كبيع السمسم بالشيرج وبهذا فارق ما قاسوا عليه وأما بيع اللحم بحيوان من غير جنسه فظاهر كلام أحمد والخرقي‏,‏ أنه لا يجوز فإن أحمد سئل عن بيع الشاة باللحم فقال‏:‏ لا يصح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏نهى أن يباع حي بميت‏)‏ واختار القاضي جوازه وللشافعي فيه قولان واحتج من منعه بعموم الأخبار‏,‏ وبأن اللحم كله جنس واحد ومن أجازه قال‏:‏ مال الربا بيع بغير أصله ولا جنسه فجاز كما لو باعه بالأثمان وإن باعه بحيوان غير مأكول اللحم‏,‏ جاز في ظاهر قول أصحابنا وهو قول عامة الفقهاء‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز بيع شيء من مال الربا بأصله الذي فيه منه كالسمسم بالشيرج‏,‏ والزيتون بالزيت وسائر الأدهان بأصولها والعصير بأصله‏,‏ كعصير العنب والرمان والتفاح‏,‏ والسفرجل وقصب السكر لا يباع شيء منها بأصله وبه قال الشافعي وابن المنذر وقال أبو ثور‏:‏ يجوز لأن الأصل مختلف‏,‏ والمعنى مختلف وقال أبو حنيفة يجوز إذا علم يقينا أن ما في الأصل من الدهن والعصير أقل من المنفرد وإن لم يعلم لم يجز ولنا‏,‏ أنه مال ربا بيع بأصله الذي فيه منه فلم يجز كبيع اللحم بالحيوان‏,‏ وقد أثبتنا ذلك بالنص‏.‏

فصل‏:‏

فأما بيع شيء من هذه المعتصرات بجنسه فيجوز متماثلا ويجوز بيعه بغير جنسه متفاضلا وكيف شاء لأنهما جنسان‏,‏ ويعتبر التساوي فيهما بالكيل لأنه يقدر به ويباع به عادة وهذا مذهب الشافعي وسواء كانا مطبوخين أو نيئين وقال أصحاب الشافعي‏:‏ لا يجوز بيع المطبوخ بجنسه لأن النار تعقد أجزاءهما‏,‏ فيختلف ويؤدي إلى التفاضل ولنا أنهما متساويان في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص فأشبه النيء بالنيء فأما بيع النيء بالمطبوخ من جنس واحد‏,‏ فلا يجوز لأن أحدهما ينفرد بالنقص في ثاني الحال فلم يجز بيعه به كالرطب بالتمر وإن باع عصير شيء من ذلك بثفله فإن كانت فيه بقية من المستخرج منه‏,‏ لم يجز بيعه به فلا يجوز بيع الشيرج بالكسب ولا الزيت بثفله الذي فيه بقية من الزيت‏,‏ إلا على الرواية التي يجوز فيها مسألة مد عجوة فإن لم يبق فيه شيء من عصيره جاز بيعه به متفاضلا ومتماثلا لأنهما جنسان‏.‏

فصل‏:‏

وإن باع شيئا فيه الربا‏,‏ بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه‏,‏ كمد ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو بدرهمين أو باع شيئا محلى بجنس حليته‏,‏ فهذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة والمذهب أنه لا يجوز ذلك نص على ذلك أحمد في مواضع كثيرة وذكره قدماء الأصحاب‏,‏ قال ابن أبي موسى في السيف المحلى والمنطقة والمراكب المحلاة بجنس ما عليها‏:‏ لا يجوز قولا واحدا وروي هذا عن سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد‏,‏ وشريح وابن سيرين وبه قال الشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وعن أحمد رواية أخرى‏,‏ تدل على أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه فإن مهنا نقل عن أحمد في بيع الزبد باللبن‏,‏ يجوز إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وروى حرب قال‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ دفعت دينارا كوفيا ودرهما‏,‏ وأخذت دينارا شاميا وزنهما سواء لكن الكوفي أوضع‏؟‏ قال‏:‏ لا يجوز‏,‏ إلا أن ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضة وكذلك روى عنه محمد بن أبي حرب الجرجرائي وروى الميموني أنه سأله‏:‏ لا يشتري السيف والمنطقة حتى يفصلها‏؟‏ فقال‏:‏ لا يشتريها حتى يفصلها إلا أن هذا أهون من ذلك لأنه قد يشتري أحد النوعين بالآخر يفصله وفيه غير النوع الذي يشتري به فإذا كان من فضل الثمن‏,‏ إلا أن من ذهب إلى ظاهر القلادة لا يشتريه حتى يفصله قيل له‏:‏ فما تقول أنت‏؟‏ قال‏:‏ هذا موضع نظر وقال أبو داود‏:‏ سمعت أحمد سئل عن الدراهم المسيبية بعضها صفر وبعضها فضة بالدراهم‏؟‏ قال‏:‏ لا أقول فيه شيئا‏,‏ قال أبو بكر‏:‏ روي هذه المسألة عن أبي عبد الله خمسة عشر نفسا كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز حتى يفصل إلا الميموني ونقل مهنا كلاما آخر وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة‏:‏ يجوز هذا كله إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه وقال الحسن‏:‏ لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بالدراهم وبه قال الشعبي‏,‏ والنخعي واحتج من أجاز ذلك بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة لم يحمل على الفساد لأنه لو اشترى لحمًا من قصاب‏,‏ جاز مع احتمال كونه ميتة ولكن وجب حمله على أنه مذكى تصحيحا للعقد ولو اشترى من إنسان شيئا جاز‏,‏ مع احتمال كونه غير ملكه ولا إذن له في بيعه تصحيحا للعقد أيضا وقد أمكن التصحيح ها هنا‏,‏ بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل ولنا ما روى فضالة بن عبيد‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ لا‏,‏ حتى تميز بينهما‏)‏ قال‏:‏ فرده حتى ميز بينهما رواه أبو داود وفي لفظ رواه مسلم قال‏:‏ فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏الذهب بالذهب وزنا بوزن‏)‏ ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه‏,‏ فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض بيانه أنه إذا اشترى عبدين قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة كان ثمن أحدهما ثلثي العشرة‏,‏ والآخر ثلثها فلو رد أحدهما بعيب رده بقسطه من الثمن‏,‏ ولذلك إذا اشترى شقصا وسيفا بثمن أخذ الشفيع الشقص بقسطه من الثمن فإذا فعلنا هذا في من باع درهما ومدا قيمته درهمان بمدين قيمتهما ثلاثة‏,‏ حصل الدرهم في مقابلة ثلثي مد والمد الذي مع الدرهم في مقابلة مد وثلث فهذا إذا تفاوتت القيم ومع التساوي يجهل ذلك لأن التقويم ظن وتخمين‏,‏ والجهل بالتساوي كالعلم بعدمه في باب الربا ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخرص وقولهم‏:‏ يجب تصحيح العقد ليس كذلك‏,‏ بل يحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد ولذلك لو باع بثمن وأطلق وفي البلاد نقود بطل ولم يحمل على نقد أقرب البلاد إليه‏,‏ أما إذا اشترى من إنسان شيئا فإنه يصح لأن الظاهر أنه ملكه لأن اليد دليل الملك وإذا باع لحما فالظاهر أنه مذكى لأن المسلم في الظاهر لا يبيع الميتة‏.‏

فصل‏:‏

فأما إن باع نوعين مختلفي القيمة من جنس‏,‏ وبنوع واحد من ذلك الجنس كدينار مغربي ودينار سابوري بدينارين مغربيين‏,‏ أو دينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو قراضتين‏,‏ أو حنطة حمراء وسمراء ببيضاء أو تمرا برنيا ومعقليا بإبراهيمي فإنه يصح قال أبو بكر‏:‏ وأومأ إليه أحمد واختار القاضي أبو يعلى أن الحكم فيها كالتي قبلها وهو مذهب مالك والشافعي لأن العقد يقتضي انقسام الثمن على عوضه على حسب اختلافه في قيمته كما ذكرنا وروى عن أحمد منع ذلك في النقد‏,‏ وتجويزه في الثمن نقله أحمد بن القاسم لأن الأنواع في غير الأثمان يكثر اختلاطها ويشق تمييزها فعفي عنها بخلاف الأثمان ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏الذهب بالذهب مثلا بمثل‏,‏ والفضة بالفضة مثلا بمثل‏)‏ الحديث وهذا يدل على إباحة البيع عند وجود المماثلة المراعاة وهي المماثلة في الموزون وزنا وفي المكيل كيلا‏,‏ ولأن الجودة ساقطة في باب الربويات فيما قوبل بجنسه فيما لو اتحد النوع في كل واحد من الطرفين‏,‏ فكذلك إذا اختلفا واختلاف القيمة ينبني على الجودة والرداءة لأنه باع ذهبا بذهب متساويا في الوزن فصح‏,‏ كما لو اتفق النوع وإنما يقسم العوض على المعوض فيما يشتمل على جنسين أو في غير الربويات بدليل ما لو باع نوعا بنوع يشتمل على جيد ورديء‏.‏

فصل‏:‏

وإن باع ما فيه الربا بغير جنسه‏,‏ ومعه من جنس ما بيع به إلا أنه غير مقصود كدار مموه سقفها بالذهب‏,‏ جاز لا أعلم فيه خلافا وكذلك لو باع دارا بدار مموه سقف كل واحدة منها بذهب أو فضة جاز لأن ما فيه الربا غير مقصود بالبيع فوجوده كعدمه وكذلك لو اشترى عبدا له مال فاشترط ماله وهو من جنس الثمن‏,‏ جاز إذا كان المال غير مقصود ولو اشترى عبدا بعبد واشترط كل واحد منهما مال العبد الذي اشتراه‏,‏ جاز إذا لم يكن ماله مقصودا لأنه غير مقصود بالبيع فأشبه التمويه في السقف ولذلك لا تشترط رؤيته في صحة البيع ولا لزومه‏,‏ وإن باع شاة ذات لبن بلبن أو عليها صوف بصوف أو باع لبونا بلبون‏,‏ وذات صوف بمثلها ففيه وجهان أحدهما الجواز‏,‏ اختاره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة وسواء كانت الشاة حية أو مذكاة لأن ما فيه الربا غير مقصود‏,‏ فلم يمنع كالدار المموه سقفها الثاني المنع‏,‏ وهو مذهب الشافعي لأنه باع مال الربا بأصله الذي فيه منه أشبه الحيوان باللحم والفرق بينهما‏,‏ أن اللحم في الحيوان مقصود بخلاف اللبن ولو كانت الشاة محلوبة اللبن جاز بيعها بمثلها وباللبن وجها واحدا لأن اللبن لا أثر له‏,‏ ولا يقابله شيء من الثمن فأشبه الملح في الشيرج والخبز والجبن وحبات الشعير في الحنطة‏,‏ ولا نعلم فيه أيضا خلافا وكذلك لو كان اللبن المنفرد من غير جنس لبن الشاة جاز بكل حال ولو باع نخلة عليها تمر بتمر‏,‏ أو بنخلة عليها تمر ففيه أيضا وجهان أحدهما الجواز اختاره أبو بكر لأن التمر غير مقصود بالبيع والثاني‏,‏ لا يجوز ووجه الوجهين ما ذكرناه في المسألة قبلها واختار القاضي أنه لا يجوز وفرق بينهما وبين الشاة ذات اللبن بكون الثمرة يصح إفرادها بالبيع وهي معلومة‏,‏ بخلاف اللبن في الشاة وهذا الفرق غير مؤثر فإن ما يمنع إذا جاز إفراده يمنع‏,‏ وإن لم يجز إفراده كالسيف المحلى يباع بجنس حليته وما لا يمنع لا يمنع‏,‏ وإن جاز إفراده كمال العبد‏.‏

فصل‏:‏

وإن باع جنسا فيه الربا بجنسه ومع كل واحد من غير جنسه غير مقصود‏,‏ فذلك ينقسم أقساما أحدها أن يكون غير المقصود يسيرا لا يؤثر في كيل ولا وزن‏,‏ كالملح فيما يعمل فيه وحبات الشعير في الحنطة فلا يمنع لأنه يسير لا يخل بالتماثل‏,‏ وكذلك لو وجد في أحدهما دون الآخر لم يمنع لذلك ولو باع ذلك بجنس غير المقصود الذي معه‏,‏ مثل أن يبيع الخبز بالملح جاز لأن وجود ذلك كعدمه الثاني أن يكون غير المقصود كثيرا‏,‏ إلا أنه لمصلحة المقصود كالماء في خل التمر والزبيب‏,‏ ودبس التمر فهذا يجوز بيع الشيء منه بمثله وينزل خلطه منزلة رطوبته لكونه من مصلحته‏,‏ فلا يمنع من بيعه بما يماثله كالرطب بالرطب ولا يجوز بيعه بما ليس فيه خلط‏,‏ كبيع خل العنب بخل الزبيب لإفضائه إلى التفاضل فجرى مجرى بيع التمر بالرطب ومنع الشافعي ذلك كله إلا بيع الشيرج بالشيرج لكون الماء لا يظهر في الشيرج الثالث‏,‏ أن يكون غير المقصود كثيرا وليس من مصلحته كاللبن المشوب بالماء‏,‏ والأثمان المغشوشة بغيرها فلا يجوز بيع بعضها ببعض لأن خلطه ليس من مصلحته وهو يخل بالتماثل المقصود فيه‏,‏ وإن باعه بجنس غير المقصود كبيع الدينار المغشوش بالفضة بالدراهم احتمل الجواز لأنه يبيعه بجنس غير مقصود فيه‏,‏ فأشبه بيع اللبن بشاة فيها لبن ويحتمل المنع بناء على الوجه الآخر في الأصل وإن باع دينارا مغشوشا بمثله والغش فيهما متفاوت أو غير معلوم المقدار‏,‏ لم يجز لأنه يخل بالتماثل المقصود وإن علم التساوي في الذهب والغش الذي فيهما خرج على الوجهين أولاهما الجواز لأنهما تماثلا في المقصود وفي غيره‏,‏ ولا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة لكون الغش غير مقصود فكأنه لا قيمة له‏.‏

فصل‏:‏

ولو دفع إليه درهما فقال‏:‏ أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم‏,‏ وبنصفه فلوسا أو حاجة أخرى جاز لأنه اشترى نصفا بنصف وهما متساويان‏,‏ فصح كما لو دفع إليه درهمين وقال‏:‏ بعني بهذا الدرهم فلوسا‏,‏ وأعطني بالآخر نصفين وإن قال‏:‏ أعطني بهذا الدرهم نصفا وفلوسا جاز أيضا لأن معناه ذلك ولأن ذلك لا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة فإن قيمة النصف الذي في الدرهم كقيمة النصف الذي مع الفلوس يقينا‏,‏ وقيمة الفلوس كقيمة النصف الآخر سواء‏.‏

فصل

وما كان مشتملا على جنسين بأصل الخلقة‏,‏ كالتمر الذي اشتمل على النوى وما عليه والحيوان المشتمل على لحم وشحم وغيره وأشباه ذلك‏,‏ فهذا إذا قوبل بمثله جاز بيعه به ولا نظر إلى ما فيه‏,‏ فإن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز بيع التمر بالتمر والحيوان بالحيوان‏)‏ وقد علم اشتمالهما على ما فيهما ولو باع ذلك بنوع غير مقصود فيه‏,‏ كبيع التمر الذي فيه النوى بالنوى ففيه عن أحمد روايتان قد ذكرناهما فيما مضى‏,‏ فأما العسل قبل تصفيته فقال أصحابنا‏:‏ لا يجوز بيع بعضه ببعض لاشتماله على عسل وشمع وذلك بفعل النحل فأشبه السيف المحلى‏.‏

فصل‏:‏

ويحرم الربا في دار الحرب‏,‏ كتحريمه في دار الإسلام وبه قال مالك والأوزاعي وأبو يوسف‏,‏ والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجري الربا بين مسلم وحربي في دار الحرب وعنه في مسلمين أسلما في دار الحرب لا ربا بينهما لما روى مكحول‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب‏)‏‏.‏ ولأن أموالهم مباحة وإنما حظرها الأمان في دار الإسلام فما لم يكن كذلك كان مباحا ولنا‏,‏ قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وحرم الربا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 278‏]‏‏.‏ وعموم الأخبار يقتضي تحريم التفاضل وقوله‏:‏ ‏(‏من زاد أو ازداد فقد أربى‏)‏‏.‏ عام وكذلك سائر الأحاديث ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب كالربا بين المسلمين‏,‏ وخبرهم مرسل لا نعرف صحته ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن‏,‏ وتظاهرت به السنة وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول‏,‏ لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به‏,‏ وهو مع ذلك مرسل محتمل ويحتمل أن المراد بقوله‏:‏ ‏(‏لا ربا‏)‏ النهي عن الربا كقوله‏:‏ ‏{‏فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏ وما ذكروه من الإباحة منتقض بالحربي إذا دخل دار الإسلام فإن ماله مباح‏,‏ إلا فيما حظره الأمان ويمكن حمله بين المسلمين على هيئة التفاضل وهو محرم بالإجماع‏,‏ فكذا ها هنا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا اشترى ذهبا بورق عينا بعين فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا‏,‏ فله الخيار بين أن يرد أو يقبل إذا كان بصرف يومه وكان العيب يدخل عليه من غير جنسه‏]‏

معنى قوله‏:‏ ‏"‏ عينا بعين ‏"‏ هو أن يقول بعتك هذا الدينار بهذه الدراهم ويشير إليهما‏,‏ وهما حاضران وبغير عينه أن يوقع العقد على موصوف غير مشار إليه‏,‏ فيقول‏:‏ بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم ناصرية وإن وقع القبض في المجلس وقد يكون أحد العوضين معينا دون الآخر وكل ذلك جائز والمشهور في المذهب‏,‏ أن النقود تتعين بالتعيين في العقود فيثبت الملك في أعيانها فعلى هذا إذا تبايعا ذهبا بفضة مع التعيين فيهما‏,‏ ثم تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عيبا لم يخل من قسمين‏:‏ أحدهما‏,‏ أن يكون العيب غشا من غير جنس المبيع مثل أن يجد الدراهم رصاصا أو نحاسا‏,‏ أو فيه شيء من ذلك أو الدينار مسحا فالصرف باطل نص عليه أحمد‏,‏ وهو قول الشافعي وذكر أبو بكر فيها ثلاث روايات إحداهن البيع باطل والثانية‏,‏ البيع صحيح لأن البيع وقع على عينه وللمشتري الخيار بين الإمساك أو الرد‏,‏ وأخذ البدل والثالثة يلزمه العقد وليس له رده‏,‏ ولا بدله ولنا أنه باعه غير ما سمي له فلم يصح كما لو قال‏:‏ بعتك هذه البغلة فإذا هو حمار‏,‏ أو هذا الثوب القز فوجده كتانا وأما القول بأنه يلزمه المبيع فغير صحيح فإن اشترى معيبا لم يعلم عيبه فلم يلزمه ذلك بغير أرش‏,‏ كسائر المبيعات ثم إن أبا بكر يقول فيمن دلس العيب‏:‏ لا يصح بيعه مع وجود ذات المسمى في البيع فهاهنا مع اختلاف الذات أولى القسم الثاني أن يكون العيب من جنسه مثل كون الفضة سوداء‏,‏ أو خشنة تتفطر عند الضرب أو سكتها مخالفة لسكة السلطان فالعقد صحيح‏,‏ والمشتري مخير بين الإمساك وبين فسخ العقد والرد وليس له البدل لأن العقد واقع على عينه فإذا أخذ غيره أخذ ما لم يشتره‏,‏ وإن قلنا‏:‏ إن النقد لا يتعين بالتعيين في العقد فله أخذ البدل ولا يبطل العقد لأن الذي قبضه ليس هو المعقود عليه فأشبه السلم إذا قبضه‏,‏ فوجد به عيبا وإن كان العيب في بعضه فله رد الكل أو إمساكه وهل له رد المعيب وإمساك الصحيح‏؟‏ على وجهين بناء على تفريق الصفقة‏,‏ والحكم فيما إذا كان العوضان من جنس واحد كالحكم في الجنسين على ما ذكرنا لكن يتخرج على قول من منع بيع النوعين بنوع واحد من ذلك الجنس‏,‏ أنه إذا وجد بعض العوض معيبا أن يبطل العقد في الجميع لأن الذي يقابل المعيب أقل من الذي يقابل الصحيح فيصير كمسألة مد عجوة ومذهب الشافعي مثل ما ذكرنا في هذا الفصل‏,‏ سواء‏.‏

فصل‏:‏

ولو أراد أخذ أرش العيب والعوضان في الصرف من جنس واحد لم يجز لحصول الزيادة في أحد العوضين‏,‏ وفوات المماثلة المشترطة في الجنس الواحد وخرج القاضي وجها بجواز أخذ الأرش في المجلس لأن الزيادة طرأت بعد العقد وليس لهذا الوجه وجه فإن أرش العيب من العوض‏,‏ يجبر به في المرابحة ويأخذ به الشفيع ويرد به‏,‏ إذا رد المبيع بفسخ أو إقالة ولو لم يكن من العوض‏,‏ فبأي شيء استحقه المشتري‏؟‏ فإنه ليس بهبة على أن الزيادة في المجلس من العوض ولو لم يكن أرشا‏,‏ فالأرش أولى وإن كان الصرف بغير جنسه فله أخذ الأرش في المجلس لأن المماثلة غير معتبرة وتخلف قبض بعض العوض عن بعض ما داما في المجلس لا يضر فجاز‏,‏ كما في سائر البيع وإن كان بعد التفرق لم يجز لأنه يفضي إلى حصول التفرق قبل القبض لأحد العوضين‏,‏ إلا أن يجعلا الأرش من غير جنس الثمن كأنه أخذ أرش عيب الفضة قفيز حنطة فيجوز وكذلك الحكم في سائر أموال الربا فيما بيع بجنسه‏,‏ أو بغير جنسه مما يشترط فيه القبض فإذا كان الأرش مما لا يشترط قبضه‏,‏ كمن باع قفيز حنطة بقفيزي شعير فوجد أحدهما عيبا فأخذ أرشه درهما جاز وإن كان بعد التفرق لأنه لم يحصل التفرق قبل قبض ما شرط فيه القبض‏.‏

فصل‏:‏

قول الخرقي‏:‏ ‏"‏إذا كان بصرف يومه‏"‏ يعني الرد جائز‏,‏ ما لم ينقص قيمة ما أخذه من النقد عن قيمته يوم اصطرفا فإن نقصت قيمته كأن أخذ عشرة بدينار‏,‏ فصارت أحد عشر بدينار فظاهر كلام أحمد والخرقي أنه لا يملك الرد لأن المبيع تعيب في يده لنقص قيمته‏,‏ وإن كانت قيمته قد زادت مثل أن صارت تسعة بدينار لم يمنع الرد لأنه زيادة‏,‏ وليس بعيب والصحيح أن هذا لا يمنع الرد لأن تغير السعر ليس بعيب ولهذا لا يضمن في الغصب ولا يمنع من الرد بالعيب في القرض ولو كان عيبا‏,‏ فإن ظاهر المذهب أنه إذا تعيب المبيع عند المشتري ثم ظهر على عيب قديم فله رده‏,‏ ورد أرش العيب الحادث عنده وأخذ الثمن‏.‏

فصل‏:‏

وإن تلف العوض في الصرف بعد القبض ثم علم عيبه‏,‏ فسخ العقد ورد الموجود وتبقى قيمة العيب في ذمة من تلف في يده‏,‏ فيرد مثلها أو عوضها إن اتفقا على ذلك سواء كان الصرف بجنسه أو بغير جنسه ذكره ابن عقيل‏,‏ وهو قول الشافعي قال ابن عقيل‏:‏ وقد روي عن أحمد جواز أخذ الأرش والأول أولى إلا أن يكونا في المجلس‏,‏ والعوضان من جنسين‏.‏

فصل‏:‏

إذا علم المصطرفان قدر العوضين جاز أن يتبايعا بغير وزن وكذلك لو أخبر أحدهما الآخر بوزن ما معه فصدقه‏,‏ فإذا باع دينارا بدينار كذلك وافترقا فوجد أحدهما ما قبضه ناقصا‏,‏ بطل الصرف لأنهما تبايعا ذهبا بذهب متفاضلا فإن وجد أحدهما فيما قبضه زيادة على الدينار نظرت في العقد فإن كان قال‏:‏ بعتك هذا الدينار بهذا فالعقد باطل لأنه باع ذهبا بذهب متفاضلا‏,‏ وإن قال‏:‏ بعتك دينارا بدينار ثم تقابضا كان الزائد في يد القابض مشاعا مضمونا لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض ولم يفسد العقد لأنه إنما باع دينارا بمثله‏,‏ وإنما وقع القبض للزيادة على المعقود عليه فإن أراد دفع عوض الزائد جاز سواء كان من جنسه‏,‏ أو من غير جنسه لأنه معاوضة مبتدأة وإن أراد أحدهما الفسخ فله ذلك لأن آخذ الزائد وجد المبيع مختلطا بغيره معيبا بعيب الشركة‏,‏ ودافعه لا يلزمه أخذ عوضه إلا أن يكون في المجلس فيرد الزائد‏,‏ ويدفع بدله ولو كان لرجل على رجل عشرة دنانير فوفاه عشرة عددا فوجدها أحد عشر‏,‏ كان هذا الدينار الزائد في يد القابض مشاعا مضمونا لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض عن ماله فكان مضمونا بهذا القبض ولمالكه التصرف فيه كيف شاء‏.‏

فصل‏:‏

والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في النقد‏,‏ بمعنى أنه يثبت الملك بالعقد فيما عيناه ويتعين عوضا فيه فلا يجوز إبداله‏,‏ وإن خرج مغصوبا بطل العقد وبهذا قال مالك والشافعي وعن أحمد أنها لا تتعين بالعقد فيجوز إبدالها‏,‏ ولا يبطل العقد بخروجها مغصوبة وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه يجوز إطلاقها في العقد فلا تتعين بالتعيين فيه كالمكيال والصنجة ولنا‏,‏ أنه عوض في عقد فيتعين بالتعيين كسائر الأعواض ولأنه أحد العوضين فيتعين بالتعيين كالآخر‏,‏ ويفارق ما ذكروه فإنه ليس بعوض وإنما يراد لتقدير العقود عليه وتعريف قدره‏,‏ ولا يثبت فيها الملك بحال بخلاف مسألتنا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ وإذا تبايعا ذلك بغير عينه فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا‏,‏ فله البدل إذا كان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه كالوضوح في الذهب والسواد في الفضة ‏)‏ يعني اصطرفا في الذمة‏,‏ نحو أن يقول‏:‏ بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم فيقول الآخر‏:‏ قبلت فيصح البيع سواء كانت الدراهم والدنانير عندهما أو لم يكونا‏,‏ إذا تقابضا قبل الافتراق بأن يستقرضا أو غير ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك لا يجوز الصرف‏,‏ إلا أن تكون العينان حاضرتين وعنه لا يجوز حتى تظهر إحدى العينين وتعين وعن زفر مثله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏لا تبيعوا غائبا منها بناجز‏)‏ ولأنه إذا لم يعين أحد العوضين كان بيع دين بدين‏,‏ وهو غير جائز ولنا أنهما تقابضا في المجلس فصح كما لو كانا حاضرين والحديث يراد به أن لا يباع عاجل بآجل‏,‏ أو مقبوض بغير مقبوض بدليل ما لو عين أحدهما فإنه يصح وإن كان الآخر غائبا والقبض في المجلس يجري مجرى القبض حالة العقد‏,‏ ألا ترى إلى قوله‏:‏ ‏(‏عينا بعين‏)‏ ‏(‏يدا بيد‏)‏ والقبض يجري في المجلس كذا التعين فإذا ثبت هذا فلا بد من تعيينهما بالتقابض في المجلس‏,‏ ومتى تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عيبا قبل التفرق فله المطالبة بالبدل‏,‏ سواء كان العيب من جنسه أو من غير جنسه لأن العقد وقع على مطلق لا عيب فيه‏,‏ فله المطالبة بما وقع عليه العقد كالمسلم فيه وإن رضيه بعيبه والعيب من جنسه جاز‏,‏ كما لو رضي بالمسلم فيه معيبا وإن اختار أخذ الأرش فإن كان العوضان من جنس واحد‏,‏ لم يجز لإفضائه إلى التفاضل فيما يشترط فيه التماثل وإن كانا من جنسين جاز فأما إن تقابضا وافترقا ثم وجد العيب من جنسه‏,‏ فله إبداله في إحدى الروايتين اختارها الخلال والخرقي وروى ذلك عن الحسن وقتادة وبه قال أبو يوسف ومحمد‏,‏ وهو أحد قولي الشافعي لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه والرواية الثانية‏,‏ ليس له ذلك وهو قول أبي بكر ومذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي لأنه يقبضه بعد التفرق‏,‏ ولا يجوز ذلك في الصرف ومن صار إلى الرواية الأولى قال‏:‏ قبض الأول صح به العقد وقبض الثاني يدل على الأول ويشترط أن يأخذ البدل في مجلس الرد‏,‏ فإن تفرقا من غير قبض بطل العقد وإن وجد البعض رديئا فرده فعلى الرواية الأولى له البدل‏,‏ وعلى الثانية يبطل في المردود وهل يصح فيما لم يرد‏؟‏ على وجهين بناء على تفريق الصفقة ولا فرق بين كون المبيع من جنس أو من جنسين وقال مالك‏:‏ إن وجد درهما زيفا فرضي به‏,‏ جاز وإن رده انتقض الصرف في دينار‏,‏ وإن رد أحد عشر درهما انتقض الصرف في دينارين وكلما زاد على دينار‏,‏ انتقض الصرف في دينار آخر ولنا أن ما لا عيب فيه لم يرد فلم ينتقض الصرف فيما يقابله كسائر العوض وإن اختار واجد العيب الفسخ‏,‏ فعلى قولنا له البدل ليس له الفسخ إذا أبدل له لأنه يمكنه أخذ حقه غير معيب وعلى الرواية الأخرى‏,‏ له الفسخ أو الإمساك في الجميع لأنه تعذر عليه الوصول إلى ما عقد عليه مع إبقاء العقد فإن اختار أخذ أرش العيب بعد التفرق لم يكن له ذلك لأنه عوض يقبضه بعد التفرق عن الصرف‏,‏ إلا على الرواية الأخرى‏.‏

فصل‏:‏

ومن شرط المصارفة في الذمة أن يكون العوضان معلومين إما بصفة يتميزان بها‏,‏ وإما أن يكون للبلد نقد معلوم أو غالب فينصرف الإطلاق إليه ولو قال‏:‏ بعتك دينارا مصريا بعشرين درهما من نقد عشرة بدينار لم يصح‏,‏ إلا أن لا يكون في البلد نقد عشرة بدينار إلا نوع واحد فتنصرف تلك الصفة إليه وكذلك الحكم في البيع‏.‏

فصل‏:‏

إذا كان لرجل في ذمة رجل ذهب‏,‏ وللآخر عليه دراهم فاصطرفا بما في ذمتهما لم يصح‏,‏ وبهذا قال الليث والشافعي وحكي ابن عبد البر عن مالك وأبي حنيفة جوازه لأن الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة ولذلك جاز أن يشتري الدراهم بدنانير من غير تعيين ولنا أنه بيع دين بدين‏,‏ ولا يجوز ذلك بالإجماع قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز وقال أحمد‏:‏ إنما هو إجماع وقد روى أبو عبيد في الغريب ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الكالئ بالكالئ‏)‏ وفسره بالدين بالدين إلا أن الأثرم روى عن أحمد أنه سئل‏:‏ أيصح في هذا حديث‏؟‏ قال‏:‏ لا وإنما صح الصرف بغير تعيين بشرط أن يتقابضا في المجلس‏,‏ فجرى القبض والتعيين في المجلس مجرى وجوده حالة العقد ولو كان لرجل على رجل دنانير فقضاه دراهم شيئا بعد شيء نظرت فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار‏,‏ صح نص عليه أحمد وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد ذلك فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز نص عليه أيضا لأن الدنانير دين‏,‏ والدراهم صارت دينا فيصير بيع دين بدين وإن قبض أحدهما من الآخر ماله عليه ثم صارفه بعين وذمة‏,‏ صح وإذا أعطاه الدراهم شيئا بعد شيء ولم يقضه ذلك وقت دفعها إليه ثم أحضرها‏,‏ وقوماها فإنه يحتسب بقيمتها يوم القضاء لا يوم دفعها إليه لأنها قبل ذلك لم تصر في ملكه‏,‏ إنما هي وديعة في يده فإن تلفت أو نقصت‏,‏ فهي من ضمان مالكها ويحتمل أن تكون من ضمان القابض لها إذا قبضها بنية الاستيفاء لأنها مقبوضة على أنها عوض ووفاء والمقبوض في عقد فاسد كالمقبوض في العقد الصحيح‏,‏ فيما يرجع إلى الضمان وعدمه ولو كان لرجل عند صيرفي دنانير فأخذ منه دراهم إدرارا لتكون هذه بهذه لم يكن كذلك‏,‏ بل كل واحد منهما في ذمة من قبضه فإذا أراد التصارف أحضرا أحدهما واصطرفا بعين وذمة‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الأخر‏,‏ ويكون صرفا بعين وذمة في قول أكثر أهل العلم ومنع منه ابن عباس‏,‏ وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن شبرمة وروى ذلك عن ابن مسعود لأن القبض شرط وقد تخلف ولنا‏,‏ ما روى أبو داود والأثرم في ‏"‏ سننهما ‏"‏‏,‏ عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم‏,‏ وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وأعطى هذه من هذه‏,‏ فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت حفصة فقلت‏:‏ يا رسول الله رويدك‏,‏ أسألك إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير‏,‏ وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير‏,‏ آخذ هذه من هذه وأعطى هذه من هذه‏؟‏ فقال رسول الله‏:‏ - صلى الله عليه وسلم - لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء‏)‏ قال أحمد‏:‏ إنما يقضيه إياها بالسعر لم يختلفوا أنه يقضيه إياها بالسعر‏,‏ إلا ما قال أصحاب الرأي إنه يقضيه مكانها ذهبا على التراضي لأنه بيع في الحال فجاز ما تراضيا عليه إذا اختلف الجنس‏,‏ كما لو كان العوض عرضا ووجه الأول قول النبي‏:‏ - صلى الله عليه وسلم - ‏"‏ لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ‏"‏ وروى عن ابن عمر‏:‏ أن بكر بن عبد الله المزني ومسروقا العجلي سألاه عن كرى لهما‏,‏ له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير‏؟‏ فقال ابن عمر‏:‏ أعطوه بسعر السوق ولأن هذا جرى مجرى القضاء فيقيد بالمثل‏,‏ كما لو قضاه من الجنس والتماثل ها هنا من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة قيل لأبي عبد الله‏:‏ فإن أهل السوق يتغابنون بينهم بالدانق في الدينار وما أشبهه‏؟‏ فقال‏:‏ إذا كان مما يتغابن الناس به فسهل فيه ما لم يكن حيلة‏,‏ ويزاد شيئا كثيرا‏.‏