فصل: فصل: تلقي الركبان والبيعهم لهم بمنزلة الشراء منهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

فإن تلقى الركبان فباعهم شيئا‏,‏ فهو بمنزلة الشراء منهم ولهم الخيار إذا غبنهم غبنا يخرج عن العادة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقالوا في الآخر‏:‏ النهي عن الشراء دون البيع فلا يدخل البيع فيه وهذا مقتضى قول أصحاب مالك لأنهم عللوا ذلك بما ذكرنا عنهم‏,‏ ولا يتحقق ذلك في البيع لهم ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏لا تلقوا الركبان‏)‏ والبائع داخل في هذا ولأن النهي عنه لما فيه من خديعتهم وغبنهم وهذا في البيع كهو في الشراء‏,‏ والحديث قد جاء مطلقا ولو كان مختصا بالشراء لألحق به ما في معناه وهذا في معناه‏.‏

فصل‏:‏

فإن خرج لغير قصد التلقي‏,‏ فلقي ركبا فقال القاضي‏:‏ ليس له الابتياع منهم ولا الشراء وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويحتمل أن لا يحرم عليه ذلك وهو قول الليث بن سعد والوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه لم يقصد التلقي‏,‏ فلم يتناوله النهي ووجه الأول أنه إنما نهى عن التلقي دفعا للخديعة والغبن عنهم وهذا متحقق‏,‏ سواء قصد التلقي أو لم يقصده فوجب المنع منه‏,‏ كما لو قصد‏.‏

فصل‏:‏

وإن تلقى الجلب في أعلى الأسواق فلا بأس فإن ابن عمر روى ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تتلقى السلع حتى يهبط بها الأسواق‏)‏ رواه البخاري ولأنه إذا صار في السوق فقد صار في محل البيع والشراء‏,‏ فلم يدخل في النهي كالذي وصل إلى وسطها‏.‏

فصل‏:‏

والاحتكار حرام لما روى عن الأثرم عن أبي أمامة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحتكر الطعام‏)‏ وروى أيضا بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏من احتكر فهو خاطئ‏)‏ وروى ‏(‏أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ خرج مع أصحابه‏,‏ فرأى طعاما كثيرا قد ألقى على باب مكة فقال‏:‏ ما هذا الطعام‏؟‏ فقالوا‏:‏ جلب إلينا فقال‏:‏ بارك الله فيه وفي من جلبه فقيل له‏:‏ فأنه قد احتكر قال‏:‏ ومن احتكره‏؟‏ قالوا‏:‏ فلان مولى عثمان‏,‏ وفلان مولاك فأرسل إليهما فقال‏:‏ ما حملكما على احتكار طعام المسلمين‏؟‏ قالا‏:‏ نشتري بأموالنا ونبيع قال‏:‏ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ من احتكر على المسلمين طعامهم لم يمت حتى يضربه الله بالجذام أو الإفلاس‏)‏ قال الراوي‏:‏ فأما مولى عثمان فباعه وقال‏:‏ والله لا أحتكره أبدا وأما مولى عمر فلم يبعه‏,‏ فرأيته مجذوما وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏الجالب مرزوق والمحتكر ملعون‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

والاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط أحدها أن يشتري فلو جلب شيئا‏,‏ أو أدخل من غلته شيئا فادخره لم يكن محتكرا روى ‏[‏عن‏]‏ الحسن ومالك وقال الأوزاعي الجالب ليس بمحتكر لقوله‏:‏ ‏(‏الجالب مرزوق‏,‏ والمحتكر ملعون‏)‏ ولأن الجالب لا يضيق على أحد ولا يضر به بل ينفع‏,‏ فإن الناس إذا علموا عنده طعاما معدا للبيع كان ذلك أطيب لقلوبهم من عدمه الثاني أن يكون المشتري قوتا فأما الإدام‏,‏ والحلواء والعسل والزيت‏,‏ وأعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرم قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن أي شيء الاحتكار‏؟‏ قال‏:‏ إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره وهذا قول عبد الله بن عمرو وكان سعيد بن المسيب وهو راوي حديث الاحتكار - يحتكر الزيت قال أبو داود‏:‏ كان يحتكر النوى‏,‏ والخيط والبزر ولأن هذه الأشياء مما لا تعم الحاجة إليها فأشبهت الثياب‏,‏ والحيوانات الثالث أن يضيق على الناس بشرائه ولا يحصل ذلك إلا بأمرين أحدهما يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار‏,‏ كالحرمين والثغور قال أحمد‏:‏ الاحتكار في مثل مكة والمدينة والثغور فظاهر هذا أن البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب كبغداد‏,‏ والبصرة ومصر لا يحرم فيها الاحتكار لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبا الثاني أن يكون في حال الضيق‏,‏ بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها ويضيقون على الناس فأما إن اشتراه في حال الاتساع والرخص على وجه لا يضيق على أحد فليس بمحرم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وبيع العصير ممن يتخذه خمرا باطل‏]‏

وجملة ذلك أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم وكرهه الشافعي‏,‏ وذكر بعض أصحابه أن البائع إذا اعتقد أنه يعصرها خمرا فهو محرم وأنما يكره إذا شك فيه وحكى ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثوري أنه لا بأس ببيع التمر لمن يتخذه مسكرا قال الثوري بع الحلال ممن شئت واحتج لهم بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأحل الله البيع‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏‏.‏ ولأن البيع تم بأركانه وشروطه ولنا‏,‏ قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعاونوا على الإثم والعدوان‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 2‏]‏‏.‏ وهذا نهي يقتضي التحريم وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لعن في الخمر عشرة فروى ابن عباس ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل فقال‏:‏ يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها‏,‏ وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها‏,‏ ومبتاعها وساقيها‏)‏ وأشار إلى كل معاون عليها ومساعد فيها أخرج هذا الحديث الترمذي‏,‏ من حديث أنس وقال‏:‏ قد روى هذا الحديث عن ابن عباس وابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وروى ابن بطة في تحريم النبيذ‏,‏ بإسناده عن محمد بن سيرين أن قيما كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيبا‏,‏ ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعصره فأمر بقلعه وقال‏:‏ بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر ولأنه يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية‏,‏ فأشبه إجارة أمته لمن يعلم أنه يستأجرها ليزني بها والآية مخصوصة بصور كثيرة فيخص منها محل النزاع بدليلنا وقولهم‏:‏ تم البيع بشروطه وأركانه قلنا‏:‏ لكن وجد المانع منه إذا ثبت هذا فإنما يحرم البيع ويبطل‏,‏ إذا علم البائع قصد المشتري ذلك إما بقوله وإما بقرائن مختصة به‏,‏ تدل على ذلك فأما إن كان الأمر محتملا مثل أن يشتريها من لا يعلم أو من يعمل الخل والخمر معا‏,‏ ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر فالبيع جائز وإذا ثبت التحريم فالبيع باطل‏,‏ ويحتمل أن يصح وهو مذهب الشافعي لأن المحرم في ذلك اعتقاده بالعقد دونه فلم يمنع صحة العقد‏,‏ كما لو دلس العيب ولنا أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصح‏,‏ كإجارة الأمة للزنى والغناء وأما التدليس فهو المحرم دون العقد ولأن التحريم ها هنا لحق الله تعالى‏,‏ فأفسد العقد كبيع درهم بدرهمين ويفارق التدليس‏,‏ فإنه لحق آدمي‏.‏

فصل‏:‏

وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق‏,‏ أو في الفتنة وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك‏,‏ أو إجارة داره لبيع الخمر فيها أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار‏,‏ وأشباه ذلك فهذا حرام والعقد باطل لما قدمنا قال ابن عقيل‏:‏ وقد نص أحمد -رحمه الله- على مسائل نبه بها على ذلك‏,‏ فقال في القصاب والخباز‏:‏ إذا علم أن من يشتري منه يدعو عليه من يشرب المسكر لا يبيعه‏,‏ ومن يخترط الأقداح لا يبيعها ممن يشرب فيها ونهى عن بيع الديباج للرجال ولا بأس بيعه للنساء وروى عنه لا يبيع الجوز من الصبيان للقمار وعلى قياسه البيض فيكون بيع ذلك كله باطلا‏.‏

فصل‏:‏

قيل لأحمد‏:‏ رجل مات‏,‏ وخلف جارية مغنية وولدا يتيما وقد احتاج إلى بيعها قال‏:‏ يبيعها على أنها ساذجة فقيل له‏:‏ فإنها تساوى ثلاثين ألف درهم‏,‏ فإذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا قال‏:‏ لا تباع إلا على أنها ساذجة ووجه ذلك ما روى أبو أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يجوز بيع المغنيات ولا أثمانهن‏,‏ ولا كسبهن‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا لا نعرفه إلا من حديث على بن يزيد وقد تكلم فيه أهل العلم ورواه ابن ماجه وهذا يحمل على بيعهن لأجل الغناء فأما ماليتهن الحاصلة بغير الغناء فلا تبطل‏,‏ كما أن العصير لا يحرم بيعه لغير الخمر لصلاحيته للخمر‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز بيع الخمر ولا التوكيل في بيعه‏,‏ ولا شراؤه قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن بيع الخمر غير جائز وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز للمسلم أن يوكل ذميا في بيعها وشرائها وهو غير صحيح فإن عائشة روت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏حرمت التجارة في الخمر‏)‏ وعن جابر أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- عام الفتح وهو بمكة‏,‏ يقول ‏(‏إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل‏:‏ يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلي بها السفن وتدهن بها الجلود‏,‏ ويستصبح بها الناس‏؟‏ فقال‏:‏ لا هو حرام ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل الله اليهود إن الله تعالى حرم عليهم شحومها‏,‏ فجملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه‏)‏ متفق عليه ومن وكل في بيع الخمر‏,‏ وأكل ثمنه فقد أشبههم في ذلك ولأن الخمر نجسة محرمة يحرم بيعها‏,‏ والتوكيل في بيعها كالميتة والخنزير ولأنه يحرم عليه بيعه‏,‏ فحرم عليه التوكيل في بيعه كالخنزير‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ويبطل البيع إذا كان فيه شرطان ولا يبطله شرط واحد‏]‏

ثبت عن أحمد - رحمه الله - أنه قال‏:‏ الشرط الواحد لا بأس به إنما نهى عن الشرطين في البيع ذهب أحمد إلى ما روى عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يحل سلف وبيع‏,‏ ولا شرطان في بيع ولا تبع ما ليس عندك‏)‏‏.‏ أخرجه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح قال الأثرم‏:‏ قيل لأبي عبد الله‏:‏ إن هؤلاء يكرهون الشرط في البيع فنفض يده‏,‏ وقال‏:‏ الشرط الواحد لا بأس به في البيع إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن شرطين في البيع وحديث جابر يدل على إباحة الشرط حين باعه جمله وشرط ظهره إلى المدينة واختلف في تفسير الشرطين المنهي عنهما‏,‏ فروى عن أحمد أنهما شرطان صحيحان ليسا من مصلحة العقد فحكى ابن المنذر عنه وعن إسحاق في من اشترى ثوبا‏,‏ واشترط على البائع خياطته وقصارته أو طعاما واشترط طحنه وحمله‏:‏ إن اشترط أحد هذه الأشياء فالبيع جائز‏,‏ وإن اشترط شرطين فالبيع باطل وكذلك فسر القاضي في ‏"‏شرحه‏"‏ الشرطين المبطلين بنحو من هذا التفسير وروى الأثرم عن أحمد تفسير الشرطين أن يشتريها على أنه لا يبيعها من أحد وأنه لا يطؤها ففسره بشرطين فاسدين وروى عنه إسماعيل بن سعيد في الشرطين في البيع‏,‏ أن يقول‏:‏ إذا بعتكها فأنا أحق بها بالثمن وأن تخدمني سنة وظاهر كلام أحمد أن الشرطين المنهي عنهما ما كان من هذا النحو فأما إن شرط شرطين أو أكثر‏,‏ من مقتضى العقد أو مصلحته مثل أن يبيعه بشرط الخيار‏,‏ والتأجيل والرهن والضمين‏,‏ أو بشرط أن يسلم إليه المبيع أو الثمن فهذا لا يؤثر في العقد وإن كثر وقال القاضي في ‏"‏المجرد‏"‏‏:‏ ظاهر كلام أحمد أنه متى شرط في العقد شرطين بطل سواء كانا صحيحين‏,‏ أو فاسدين لمصلحة العقد أو لغير مصلحته أخذا من ظاهر الحديث‏,‏ وعملا بعمومه ولم يفرق الشافعي وأصحاب الرأي بين الشرطين ورووا ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع وشرط‏)‏‏.‏ ولأن الصحيح لا يؤثر في البيع وإن كثر والفاسد يؤثر فيه وإن اتحد والحديث الذي رويناه يدل على الفرق ولأن الغرر اليسير إذا احتمل في العقد‏,‏ لا يلزم منه احتمال الكثير وحديثهم لم يصح وليس له أصل وقد أنكره أحمد ولا نعرفه مرويا في مسند‏,‏ ولا يعول عليه وقول القاضي‏:‏ إن النهي يبقى على عمومه في كل شرطين بعيد أيضا فإن شرط ما يقتضيه العقد لا يؤثر فيه بغير خلاف وشرط ما هو من مصلحة العقد كالأجل‏,‏ والخيار والرهن والضمين‏,‏ وشرط صفة في المبيع كالكتابة والصناعة‏,‏ فيه مصلحة العقد فلا ينبغي أن يؤثر أيضا في بطلانه قلت أو كثرت ولم يذكر أحمد في هذه المسألة شيئا من هذا القسم‏,‏ فالظاهر أنه غير مراد له‏.‏

فصل‏:‏

والشروط تنقسم إلى أربعة أقسام أحدها ما هو من مقتضى العقد كاشتراط التسليم وخيار المجلس‏,‏ والتقابض في الحال فهذا وجوده كعدمه لا يفيد حكما ولا يؤثر في العقد الثاني‏,‏ تتعلق به مصلحة العاقدين كالأجل والخيار‏,‏ والرهن والضمين والشهادة‏,‏ أو اشتراط صفة مقصودة في المبيع كالصناعة والكتابة ونحوها فهذا شرط جائز يلزم الوفاء به ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافا الثالث‏,‏ ما ليس من مقتضاه ولا من مصلحته ولا ينافي مقتضاه‏,‏ وهو نوعان أحدهما اشتراط منفعة البائع في المبيع فهذا قد مضى ذكره الثاني‏,‏ أن يشترط عقدا في عقد نحو أن يبيعه شيئا بشرط أن يبيعه شيئا آخر أو يشتري منه‏,‏ أو يؤجره أو يزوجه أو يسلفه‏,‏ أو يصرف له الثمن أو غيره فهذا شرط فاسد يفسد به البيع سواء اشترطه البائع أو المشتري‏,‏ وسنذكره -إن شاء الله تعالى- الرابع اشتراط ما ينافي مقتضى البيع وهو على ضربين أحدهما‏,‏ اشتراط ما بنى على التغليب والسراية مثل أن يشترط البائع على المشتري عتق العبد فهل يصح‏؟‏ على روايتين إحداهما‏,‏ يصح وهو مذهب مالك وظاهر مذهب الشافعي ‏(‏لأن عائشة ـ رضي الله عنها ـ اشترت بريرة وشرط أهلها عليها عتقها وولاءها فأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم- شرط الولاء دون العتق‏)‏‏.‏ والثانية‏,‏ الشرط فاسد وهو مذهب أبي حنيفة لأنه شرط ينافي مقتضى العقد أشبه إذا شرط أن لا يبيعه لأنه شرط عليه إزالة ملكه عنه أشبه ما لو شرط أن يبيعه وليس في حديث عائشة أنها شرطت لهم العتق‏,‏ وإنما أخبرتهم بإرادتها لذلك من غير شرط فاشترطوا الولاء فإذا حكمنا بفساده‏,‏ فحكمه حكم سائر الشروط الفاسدة التي يأتي ذكرها وإن حكمنا بصحته فأعتقه المشتري فقد وفي بما شرط عليه‏,‏ وإن لم يعتقه ففيه وجهان أحدهما يجبر لأن شرط العتق إذا صح‏,‏ تعلق بعينه فيجبر عليه كما لو نذر عتقه والثاني‏,‏ لا يحبر لأن الشرط لا يوجب فعل المشروط بدليل ما لو شرط الرهن والضمين‏,‏ فعلى هذا يثبت للبائع خيار الفسخ لأنه لم يسلم له ما شرطه له أشبه ما لو شرط عليه رهنا وإن تعيب المبيع‏,‏ أو كان أمة فأحبلها أعتقه‏,‏ وأجزأه لأن الرق باق فيه وإن استغله أو أخذ من كسبه شيئا فهو له وإن مات المبيع‏,‏ رجع البائع على المشتري بما نقصه شرط العتق فيقال‏:‏ كم قيمته لو بيع مطلقا‏؟‏ وكم يساوي إذا بيع بشرط العتق‏؟‏ فيرجع بقسط ذلك من ثمنه في أحد الوجهين وفي الآخر يضمن ما نقص من قيمته الضرب الثاني‏,‏ أن يشترط غير العتق مثل أن يشترط أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق‏,‏ ولا يطأ أو يشترط عليه أن يبيعه أو يقفه أو متى نفق المبيع وإلا رده‏,‏ أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن وإن أعتقه فالولاء له فهذه وما أشبهها شروط فاسدة وهل يفسد بها البيع‏؟‏ على روايتين قال القاضي‏:‏ المنصوص عن أحمد أن البيع صحيح وهو ظاهر كلام الخرقي ها هنا وهو قول الحسن والشعبي والنخعي والحكم وابن أبي ليلى‏,‏ وأبي ثور والثانية البيع فاسد وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع وشرط‏)‏ ولأنه شرط فاسد فأفسد البيع‏,‏ كما لو شرط فيه عقدا آخر ولأن الشرط إذا فسد وجب الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولا ولأن البائع إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه‏,‏ والمشتري كذلك إذا كان الشرط له فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه‏,‏ والبيع من شرطه التراضي ولنا ما روت عائشة قالت‏:‏ ‏(‏جاءتني بريرة‏,‏ فقالت‏:‏ كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقلت‏:‏ إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة‏,‏ ويكون لي ولاؤك فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها‏,‏ فجاءت من عندهم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- جالس فقالت‏:‏ إني عرضت عليهم‏,‏ فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم- فأخبرت عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ خذيها واشترطى الولاء‏,‏ فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله‏,‏ وأثني عليه ثم قال‏:‏ أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله‏,‏ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق‏,‏ وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق‏)‏ متفق عليه فأبطل الشرط ولم يبطل العقد قال ابن المنذر‏:‏ خبر بريرة ثابت ولا نعلم خبرا يعارضه‏,‏ فالقول به يجب فإن قيل‏:‏ المراد بقوله‏:‏ ‏"‏اشترطي لهم الولاء‏"‏ أي عليهم بدليل أنه أمرها به ولا يأمرها بفاسد قلنا‏:‏ لا يصح هذا التأويل بوجهين أحدهما أن الولاء لها بإعتاقها فلا حاجة إلى اشتراطه الثاني‏,‏ أنهم أبوا البيع إلا أن يشترط الولاء لهم فكيف يأمرها بما يعلم أنهم لا يقبلونه منها‏؟‏ وأما أمره بذلك فليس هو أمرا على الحقيقة‏,‏ وإنما هو صيغة الأمر بمعنى التسوية بين الاشتراط وتركه كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏استغفر لهم أو لا تستغفر لهم‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏فاصبروا أو لا تصبروا‏)‏ والتقدير‏:‏ واشترطى لهم الولاء أو لا تشترطي ولهذا قال عقيبه‏:‏ ‏(‏فإنما الولاء لمن أعتق‏)‏ وحديثهم لا أصل له على ما ذكرنا‏,‏ وما ذكروه من المعنى في مقابلة النص غير مقبول‏.‏

فصل‏:‏

فإن حكمنا بصحة البيع فللبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن ذكره القاضي وللمشتري الرجوع بزيادة الثمن إن كان هو المشترط لأن البائع إنما سمح ببيعها بهذا الثمن لما يحصل له من الغرض بالشرط‏,‏ والمشتري إنما سمح بزيادة الثمن من أجل شرطه فإذا لم يحصل غرضه ينبغي أن يرجع بما سمح به‏,‏ كما لو وجده معيبا‏.‏

فصل‏:‏

فإن حكمنا بفساد العقد لم يحصل به ملك سواء اتصل به القبض‏,‏ أو لم يتصل ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع ولا هبة ولا عتق‏,‏ ولا غيره وبهذا قال الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى أن الملك يثبت فيه إذا اتصل به القبض وللبائع الرجوع فيه فيأخذه مع الزيادة المنفصلة‏,‏ إلا أن يتصرف فيه المشتري تصرفا يمنع الرجوع فيه فيأخذ قيمته واحتج بحديث بريرة فإن عائشة اشترتها بشرط الولاء فأعتقتها‏,‏ فأجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - العتق والبيع فاسد ولأن المشتري على صفة يملك المبيع ابتداء بعقد وقد حصل عليه الضمان للبدل عن عقد فيه تسليط‏,‏ فوجب أن يملكه كما لو كان العقد صحيحا ولنا أنه مقبوض بعقد فاسد‏,‏ فلم يملكه كما لو كان الثمن ميتة أو دما فأما حديث بريرة فإنما يدل على صحة العقد‏,‏ لا على ما ذكروه وليس في الحديث أن عائشة اشترتها بهذا الشرط بل الظاهر أن أهل بريرة حين بلغهم إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم- هذا الشرط تركوه ويحتمل أن الشرط كان سابقا للعقد‏,‏ فلم يؤثر فيه‏.‏

فصل‏:‏

وعليه رد المبيع مع نمائه المتصل والمنفصل وأجرة مثله مدة بقائه في يده‏,‏ وإن نقص ضمن نقصه لأنها جملة مضمونة فأجزاؤها تكون مضمونة أيضا فإن تلف المبيع في يد المشتري فعليه ضمانه بقيمته يوم التلف قاله القاضي ولأن أحمد نص عليه في الغصب‏,‏ ولأنه قبضه بإذن مالكه فأشبه العارية وذكر الخرقي في الغصب‏,‏ أنه يلزمه قيمته أكثر ما كانت فيخرج ها هنا كذلك وهو أولى لأن العين كانت على ملك صاحبها في حال زيادتها‏,‏ وعليه ضمان نقصها مع زيادتها فكذلك في حال تلفها كما لو أتلفها بالجناية‏,‏ ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان المبيع أمة فوطئها المشتري فلا حد عليه لاعتقاده أنها ملكه‏,‏ ولأن في الملك اختلافا وعليه مهر مثلها لأن الحد إذا سقط للشبهة وجب المهر ولأن الوطء في ملك الغير يوجب المهر وعليه أرش البكارة إن كانت بكرا فإن قيل‏:‏ أليس إذا تزوج امرأة ترويجا فاسدا‏,‏ فوطئها فأزال بكارتها لا يضمن البكارة‏؟‏ قلنا‏:‏ لأن النكاح تضمن الإذن في الوطء المذهب للبكارة لأنه معقود على الوطء‏,‏ ولا كذلك البيع فإنه ليس بمعقود على الوطء بدليل أنه يجوز شراء من لا يحل وطؤها ولا يحل نكاحها فإن قيل‏:‏ فإذا أوجبتم مهر بكر‏,‏ فكيف توجبون ضمان البكارة وقد دخل ضمانها في المهر‏؟‏ وإذا أوجبتم ضمان البكارة فكيف توجبون مهر بكر‏,‏ وقد أدى عوض البكارة بضمانه لها فجرى مجرى من أزال بكارتها بأصبعه ثم وطئها‏؟‏ قلنا‏:‏ لأن مهر البكر ضمان المنفعة‏,‏ وأرش البكارة ضمان جزء فلذلك اجتمعا وأما الثاني فإنه إذا وطئها بكرا‏,‏ فقد استوفى نفع هذا الجزء فوجبت قيمته بما استوفى من نفعه فإذا أتلفه وجب ضمان عينه‏,‏ ولا يجوز أن تضمن العين ويسقط ضمان المنفعة كما لو غصب عينا ذات منفعة‏,‏ فاستوفى منفعتها ثم أتلفها أو غصب ثوبا‏,‏ فلبسه حتى أبلاه وأتلفه فإنه يضمن القيمة والمنفعة كذا ها هنا‏.‏

فصل‏:‏

وإن ولدت كان ولدها حرا لأنه وطئها بشبهة ويلحق به النسب لذلك ولا ولاء عليه لأنه حر الأصل وعلى الواطئ قيمته يوم وضعه لأنه يوم الحيلولة بينه وبين صاحبه‏,‏ فإن سقط ميتا لم يضمن لأنه إنما يضمنه حين وضعه ولا قيمة له حينئذ فإن قيل‏:‏ فلو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا‏,‏ وجب ضمانه قلنا‏:‏ الضارب يجب عليه غرة وهاهنا يضمنه بقيمته ولا قيمة له‏,‏ ولأن الجاني أتلفه وقطع نماءه وهاهنا يضمنه بالحيلولة بينه وبين سيده‏,‏ ووقت الحيلولة وقت السقوط وكان ميتا فلم يجب ضمانه‏,‏ وعليه ضمان نقص الولادة وإن ضرب بطنها أجنبي فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة عبد أو أمة للسيد منها أقل الأمرين من أرش الجنين‏,‏ أو قيمته يوم سقط لأن ضمان الضارب له قام مقام خروجه حيا ولذلك ضمنه البائع وإنما كان للسيد أقل الأمرين لأن الغرة إن كانت أكثر من القيمة فالباقي منها لورثته لأنه حصل بالحرية‏,‏ فلا يستحق السيد منها شيئا وإن كانت أقل لم يكن على الضارب أكثر منها لأنه بسبب ذلك ضمن وإن ضرب الواطئ بطنها فألقت الجنين ميتا‏,‏ فعليه الغرة أيضا ولا يرث منها شيئا وللسيد أقل الأمرين كما ذكرنا وإن سلم الجارية المبيعة إلى البائع حاملا‏,‏ فولدت عنده ضمن نقص الولادة وإن تلفت بذلك ضمنها لأن تلفها بسبب منه وإن ملكها الواطئ‏,‏ لم تصر بذلك أم ولد على الصحيح من المذهب لأنها علقت منه في غير ملكه فأشبه الزوجة وهكذا كل موضع حبلت في ملك غيره‏,‏ ولا تصير له أم ولد بهذا‏.‏

فصل‏:‏

إذا باع المشتري المبيع الفاسد لم يصح لأنه باع ملك غيره بغير إذنه وعلى المشتري رده على البائع الأول لأنه مالك‏,‏ ولبائعه أخذه حيث وجد ويرجع المشتري الثاني بالثمن على الذي باعه ويرجع الأول على بائعه‏,‏ فإن تلف في يد الثاني فللبائع مطالبة من شاء منهما لأن الأول ضامن والثاني قبضه من يد ضامنه بغير إذن صاحبه‏,‏ فكان ضامنا فإن كانت قيمته أكثر من ثمنه فضمن الثاني لم يرجع بالفضل على الأول لأن التلف في يده‏,‏ فاستقر الضمان عليه فإن ضمن الأول رجع بالفضل على الثاني‏.‏

فصل‏:‏

وإن زاد المبيع في يد المشتري بسمن‏,‏ أو نحوه ثم نقص حتى عاد إلى ما كان عليه أو ولدت الأمة في يد المشتري‏,‏ ثم مات ولدها احتمل أن يضمن تلك الزيادة لأنها زيادة في عين مضمونة أشبهت الزيادة في المغصوب‏,‏ واحتمل أن لا يضمنها لأنه دخل على أن لا يكون في مقابلة الزيادة عوض فعلى هذا تكون الزيادة أمانة في يده فإن تلفت بتفريطه‏,‏ أو عدوانه ضمنها وإلا فلا‏,‏ وإن تلفت العين بعد زيادتها أسقط تلك الزيادة من القيمة وضمنها بما بقي من القيمة حين التلف قال القاضي‏:‏ وهذا ظاهر كلام أحمد‏.‏

فصل‏:‏

إذا باع بيعا فاسدا وتقابضا ثم أتلف البائع الثمن ثم أفلس فله الرجوع في المبيع وللمشتري أسوة الغرماء وبهذا قال الشافعي‏,‏ وقال أبو حنيفة المشتري أحق بالمبيع من سائر الغرماء لأنه في يده فكان أحق به كالمرتهن ولنا أنه لم يقبضه وثيقة فلم يكن أحق به كما لو كان وديعة عنده بخلاف المرتهن فإنه قبضه على أنه وثيقة بحقه‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ بع عبدك من فلان على أن على خمسمائة فباعه بهذا الشرط فالبيع فاسد لأن الثمن يجب أن يكون جميعه على المشتري فإذا شرط كون بعضه على غيره لم يصح لأنه لا يملك المنع والثمن على غيره‏,‏ ولا يشبه هذا ما لو قال‏:‏ أعتق عبدك أو طلق امرأتك وعلى خمسمائة لكون هذا عوضا في مقابلة فك الزوجية ورقبة العبد ولذلك لم يجز في النكاح أما في مسألتنا فإنه معاوضة في مقابلة نقل الملك‏,‏ فلا يثبت لمن العوض على غيره وإن كان هذا القول على وجه الضمان صح البيع ولزم الضمان‏.‏

فصل‏:‏

والعربون في البيع هو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهما أو غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن وإن لم يأخذها فذلك للبائع يقال عربون وأربون وعربان وأربان‏,‏ قال أحمد لا بأس به وفعله عمر رضي الله عنه وعن ابن عمر أنه أجازه وقال ابن سيرين لا بأس به وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين لا بأس إذا كره السلعة أن يردها يرد معها شيئا وقال أحمد هذا في معناه‏,‏ واختار أبو الخطاب أنه لا يصح وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي يروى ذلك عن ابن عباس والحسن لأن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع العربون‏)‏‏.‏ رواه ابن ماجه ولأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي ولأنه بمنزلة الخيار المجهول فإنه اشترط أن له رد البيع من غير ذكر مدة فلم يصح كما لو قال ولى الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما وهذا هو القياس وإنما صار أحمد فيه إلى ما روى فيه عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا قال الأثرم قلت لأحمد تذهب إليه‏؟‏ قال أي شيء أقل‏؟‏ هذا عمر رضي الله عنه وضعف الحديث المروي روى هذه القصة الأثرم بإسناده‏,‏ فأما إن دفع إليه قبل البيع درهما وقال لا تبع هذه السلع لغيري وإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدئ وحسب الدرهم من الثمن صح لأن البيع خلا عند الشرط المفسد ويحتمل أن الشراء الذي اشترى لعمر كان على هذا الوجه فيحتمل عليه جمعا بين فعله وبين الخبر وموافقة القياس والأئمة القائلين بفساد العربون وإن لم يشتر السلعة في هذه الصورة لم يستحق البائع الدرهم لأنه يأخذه بغير عوض ولصاحبه الرجوع فيه ولا يصح جعله عوضا عن انتظاره وتأخذ بيعه من أجله لأنه لو كان عوضا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء ولأن الانتظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه ولو جازت توجب أن يكن معلوم المقدار كما في الإجارة‏.‏

مسألة‏:‏

قال وإذا قال بعتك بكذا على أن آخذ منك الدينار بكذا لم ينعقد البيع وكذلك إن باعه بذهب على أن يأخذ منه دراهم بصرف ذكراه وجملته أن البيع بهذه الصفة باطل لأنه شرط في العقد أن يصارفه بالثمن الذي وقع العقد به‏,‏ والمصارفة عقد بيع فيكون بيعتان في بيعة قال أحمد هذا معناه وقد روى أبو هريرة قال ‏(‏نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة‏)‏ أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروى أيضا عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهكذا كل ما كان في معنى هذا مثل أن يقول بعتك داري هذه على أن أبيعك داري الأخرى بكذا أو على أن تبيعني دارك أو على أن أؤجرك أو على أن تؤجرني كذا أو على أن تزوجني ابنتك أو على أن أزوجك ابنتي ونحو هذا فهذا كله لا يصح قال ابن مسعود الصفقتان في صفقة ربا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور العلماء وجوزه مالك وقال لا ألتفت إلى اللفظ الفاسد إذا كان معلوما حلالا فكأنه باع السلعة بالدراهم التي ذكر أنه يأخذها بالدنانير ولنا الخبر وأن النهي يقتضي الفساد ولأن العقد لا يجب بالشرط لكونه لا يثبت في الذمة فيسقط فيفسد العقد لأن البائع لم يرض به إلا بذلك الشرط فإذا فات فات الرضا به‏,‏ ولأنه شرط عقدا في عقد لم يصح كنكاح الشغار وقوله لا ألتفت إلى اللفظ لا يصح لأن البيع هو اللفظ فإذا كان فاسدا فكيف يكن صحيحا‏؟‏ ويتخرج أن يصح البيع ويفسد الشرط بناء على ما لو شرط ما ينافي مقتضى العقد كما سبق والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

وقد روى في تفسير بيعتين في بيعة وجه آخر وهو أن يقول بعتك هذا العبد بعشرة نقدا أو بخمسة عشر نسيئة أو بعشرة مكسرة أو تسعة صحاحا هكذا فسره مالك‏,‏ والثوري وإسحاق وهو أيضا باطل وهو قول الجمهور لأنه لم يجزم له ببيع واحد فأشبه ما لو قال بعتك هذا أو هذا ولأن الثمن مجهول فلم يصح كالبيع بالرقم المجهول ولأن أحد العوضين غير معين ولا معلوم فلم يصح كما لو قال بعتك أحد عبيدي وقد روى عن طاوس والحكم وحماد أنهم قالوا لا بأس أن يقول أبعك بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا فيذهب على أحدهما وهذا محمول على أنه جرى بينهما بعدما يجرى في العقد فكأن المشتري قال أنا آخذه بالنسيئة بكذا فقال‏:‏ خذه أو قد رضيت ونحو ذلك فيكون عقدا كافيا وإن لم يوجد ما يقوم مقام الإيجاب أو يدل عليه‏,‏ لم يصح لأن ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجابا لما ذكرناه وقد روى عن أحمد في من قال وإن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم أنه يصح فيحتمل أن يلحق به هذا البيع فيخرج وجها في الصحة ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن العقد ثم يمكن أن يصح لكونه جعالة يحتمل فيها الجهالة بخلاف البيع ولأن العمل الذي يستحق به الأجرة لا يمكن وقوعه إلا على إحدى الصفقتين‏,‏ فتتعين الأجرة المسماة عوضا له فلا يفضي إلى التنازع وهاهنا بخلافه‏.‏

فصل‏:‏

ولو باعه بشرط أن يسلفه أو بقرضه أو شرط المشتري ذلك عليه فهو محرم والبيع باطل وهذا مذهب مالك والشافعي ولا أعلم فيه خلافا‏,‏ إلا أن مالكا قال‏:‏ إن ترك مشترط السلف السلف صح البيع ولنا ما روى عبد الله بن عمرو ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن وعن بيع ما لم يقبض وعن بيعتين في بيعة‏,‏ وعن شرطين في بيع وعن بيع وسلف‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي لفظ ‏(‏لا يحل بيع وسلف‏)‏ ولأنه اشترط عقدا في عقد فاسد كبيعتين في بيعة ولأنه إذا اشترط القرض زاد في الثمن لأجله فتصير الزيادة في الثمن عوضا عن القرض وريحا له وذلك ربا محرم ففسد كما لو صرح به ولأنه بيع فاسد فلا يعود صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين‏,‏ ثم ترك أحدهما‏.‏

فصل‏:‏

وإذا جمع بين عقدين مختلفي القيمة بعوض واحد كالصرف وبيع ما يجوز التفرق فيه قبل القبض والبيع والنكاح أو الإجارة نحو أن يقول بعتك هذا الدينار وهذا الثوب بعشرين درهما أو بعتك هذه الدار وأجرتك الأخرى بألف أو باعه سيفا محلى بالذهب بفضة أو زوجتك ابنتي وبعتك عبدها بألف صح العقد فيهما لأنهما عينان يجوز أخذ العوض عن كل واحدة منهما منفردة فجاز أخذ العوض عنهما مجتمعتين كالعبدين وهذا أحد قولي الشافعي وقال أبو الخطاب‏:‏ في ذلك وجه آخر أنه لا يصح وهو القول الثاني للشافعي لأن حكمهما مختلف فإن المبيع يضمن بمجرد البيع والإجارة بخلافه‏,‏ والأول أصح وما ذكروه يبطل بما إذا باع شقصا وسيفا فإنه يصح مع اختلاف حكمهما بوجوب الشفعة في أحدهما دون الآخر فأما إن جمع بين الكتابة والبيع فقال كاتبتك وبعتك عبدي هذا بألف في كل شهر مائة لم يصح لأن المكاتب قبل تمام الكتابة عبد قن فلا يصح أن يشتري من سيده شيئا ولا يثبت لسيده في ذمته ثمن‏,‏ وإذا بطل البيع فهل يصح في الكتابة بقسطها‏؟‏ فيه روايتان نذكرهما في تفريق الصفقة وسوى أبو الخطاب بين هذه الصورة وبين الصور التي قبلها فقال‏:‏ في الكل وجهان والذي ذكرناه -إن شاء الله تعالى- أولى‏.‏

فصل‏:‏

في تفريق الصفقة ومعناه أن يبيع ما يجوز بيعه وما لا يجوز‏,‏ صفقة واحدة بثمن واحد وهو على ثلاثة أقسام أحدها أن يبيع معلوما ومجهولا كقول بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بألف فهذا البيع باطل بكل حال ولا أعلم في بطلانه خلافا لأن المجهول لا يصح بيعه لجهالته والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما والمجهول لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط الثاني‏,‏ أن يكن المبيعان مما ينقسم الثمن عليهما بالأجزاء كعبد مشترك بينه وبين غيره باعه كله بغير إذن شريكه وكقفيزين من صبرة واحدة باعهما من لا يملك إلا بعضهما ففيه وجهان أحدهما يصح في ملكه بقسطه من الثمن ويفسد فيما لا يملكه والثاني لا يصح فيهما وأصل الوجهين أن أحمد نص فيمن تزوج حرة وأمة على روايتين إحداهما يفسد فيهما والثانية يصح في الحرة‏,‏ والأولى أنه يصح فيما يملكه وهو قول مالك وأبي حنيفة وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر‏:‏ لا يصح وهو قول أبي ثور لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فغلب التحريم ولأن الصفقة إذا لم يكن تصحيحها في جميع المعقود عليه بطلت في الكل كالجمع بين الأختين وبيع درهم بدرهمين ولنا أن كل واحد منهما له حكم لو كان منفردا فإذا جمع بينهما ثبت لكل واحد منهما حكمه‏,‏ كما لو باع شقصا وسيفا ولأن ما يجوز له بيعه قد صدر فيه البيع من أهله في محله بشرطه فصح كما لو انفرد ولأن البيع سبب اقتضى الحكم في محلين وامتنع حكمه في أحد المحلين لنبوته عن قبول فيصح في الآخر كما لو أوصى بشيء لآدمي وبهيمة‏,‏ وأما الدرهمان والأختان فليس واحد منهما أولى بالفساد من الآخر فلذلك فسد فيهما وهاهنا بخلافه القسم الثالث‏,‏ أن يكون المبيعان معلومين مما لا ينقسم عليهما الثمن بالأجزاء كعبد وحر وخل وخمر‏,‏ ‏[‏وعبده‏]‏ وعبد غيره وعبد حاضر وآبق فهذا يبطل البيع فيما لا يصح بيعه وفي الآخر روايتان نقل صالح عن أبيه في من اشترى عبدين فوجد أحدهما حرا رجع بقيمته من الثمن‏,‏ ونقل عنه مهنا في من تزوج امرأة على عبدين فوجد أحدهما حرا فلها قيمة العبدين فأبطل الصداق فيهما جميعا وللشافعي قولان كالروايتين وأبطل مالك العقد فيهما إلا أن يبيع ملكه وملك غيره فيصح في ملكه ويقف في ملك غيره على الإجازة ونحوه قول أبي حنيفة فإنه قال إن كان أحدهما لا يصح بيعه بنص أو إجماع كالحر والخمر لم يصح العقد فيهما‏,‏ وإن لم يثبت ذلك كملكه وملك غيره صح فيما يملكه لأن ما اختلف فيه يمكن أن يلحقه حكم الإجازة بحكم حاكم بصحة بيعه وقال أبو ثور‏:‏ لا يصح بيعه لما تقدم في القسم الثاني‏,‏ ولأن الثمن مجهول لأنه إنما يتبين بالتقسيط للثمن على القيمة وذلك مجهول في الحال فلم يصح البيع به‏,‏ كما لو قال‏:‏ بعتك هذه السلعة برقمها أو بحصة من رأس المال ولأنه لو صرح به فقال بعتك هذا بقسطه من الثمن لم يصح فكذلك إذا لم يصرح وقال من نصر الرواية الأولى إنه متى سمى ثمنا في مبيع يسقط بعضه لا يوجب ذلك جهالة تمنع الصحة‏,‏ كما لو وجد بعض المبيع معيبا فأخذ أرشه والقول بالفساد في هذا القسم أظهر إن شاء الله والحكم في الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز كالحكم في البيع إلا أن الظاهر فيها الصحة لأنها ليست عقود معاوضة‏,‏ فلا توجد جهالة العوض فيها‏.‏

فصل‏:‏

وإن وقع العقد على مكيل أو موزون فتلف بعضه قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي رواية واحدة يأخذ المشتري الباقي بحصته من الثمن لأن العقد وقع صحيحا فذهاب بعضه لا يفسخه‏,‏ كما بعد القبض وكما لو وجد أحد المبيعين معيبا فرده أو أقال أحد المتبايعين الآخر في بعض المبيع فصل‏:‏ وإن كان لرجلين عبدان لكل واحد عبد فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد أو وكل أحدهما صاحبه فباعهما بثمن واحد ففيه وجهان أحدهما يصح فيهما ويتقسط العوض على قدر قيمتهما وهو قول مالك وأبي حنيفة‏,‏ وأحد قولي الشافعي لأن جملة الثمن معلومة فصح كما لو كانا لرجل واحد وكما لو باعا عبدا واحدا لهما أو قفيزين من صبرة واحدة والثاني لا يصح لأن كل واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن‏,‏ وهو مجهول على ما قدمنا وفارق ما إذا كانا لرجل واحد فإن جملة البيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط والعبد المشترك والقفيزان ينقسم الثمن عليهما بالأجزاء فلا جهالة فيه‏.‏

فصل‏:‏

ومتى حكمنا بالصحة في تفريق الصفقة وكان المشتري عالمًا بالحال فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة‏,‏ وإن لم يعلم مثل إن اشترى عبدا يظنه كله للبائع فبان أنه لا يملك إلا نصفه أو عبدين فتبين أنه لا يملك إلا أحدهما فله الخيار بين الفسخ والإمساك لأن الصفقة تبعضت عليه وأما البائع فلا خيار له لأنه رضي بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه ولو وقع العقد على شيئين يفتقر إلى القبض فيهما‏,‏ فتلف أحدها قبل قبضه فقال القاضي للمشتري الخيار بين إمساك الباقي بحصته وبين الفسخ لأن حكم ما قبل القبض في كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد بدليل أنه لو تعيب قبل قبضه لملك المشتري الفسخ به‏.‏

مسألة‏:‏

قال ويتجر الوصي بمال اليتيم ولا ضمان عليه والربح كله لليتيم فإن أعطاه لمن يضارب له به فللمضارب من الربح ما وافقه الوصي عليه وجملته أن لولي اليتيم أن يضارب بماله وأن يدفعه إلى من يضارب له به ويجعل له نصيبا من الربح أيا كان‏,‏ أو وصيا أو حاكما أو أمين حاكم‏,‏ وهو أولى من تركه وممن رأى ذلك ابن عمر والنخعي والحسن بن صالح ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي يروى إباحة التجارة به عن عمر وعائشة والضحاك ولا نعلم أحدا كرهه إلا ما روي عن الحسن ولعله أراد اجتناب المخاطرة به ولأن خزنه أحفظ له‏,‏ والذي عليه الجمهور أولى لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ‏(‏من ولى يتيما له مال فليتجر ولا يتركه حتى تأكله الصدقة‏)‏ وروى ذلك عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وهو أصح من المرفوع ولأن ذلك أحظ للمولى عليه لتكون نفقته من فاضله وربحه كما يفعله البالغون في أموالهم وأموال من يعز عليهم من أولادهم إلا أنه لا يتجر إلا في المواضع الآمنة ولا يدفعه إلا لأمين ولا يغرر بماله وقد روى عن عائشة رضي الله عنها أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر في البحر فيحتمل أنه كان في موضع مأمون قريب من الساحل ويحتمل أنها جعلته من ضمانه عليها إن هلك غرمته فمتى اتجر في المال بنفسه فالربح كله لليتيم وأجاز الحسن بن صالح وإسحاق أن يأخذه الوصي مضاربة لنفسه لأنه جاز أن يدفعه بذلك إلى غيره فجاز أن يأخذ ذلك لنفسه والصحيح ما قلنا لأن الربح نماء مال اليتيم فلا يستحقه غيره إلا بعقد‏,‏ ولا يجوز أن يعقد الولي المضاربة مع نفسه فأما إن دفعه إلى غيره فللمضارب ما جعله له الولي ووافقه عليه أي اتفقا عليه في قولهم جميعا لأن الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته‏,‏ وهذا فيه مصلحته فصار تصرفه فيه كتصرف المالك في ماله‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز لولي اليتيم إبضاع ماله ومعناه دفعه إلى من يتجر به والربح كله لليتيم وقد روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر ولأنه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلى من يوفر الربح أولى ويجوز أن يشتري له العقار لأنه مصلحة له فإنه يحصل منه الفضل ويبقى الأصل والغرر فيه أقل من التجارة لأن أصله محفوظ ويجوز أن يبني له عقارا لأنه في معنى الشراء إلا أن يكن الشراء أحظ وهو ممكن فيتعين تقديمه وإذا أراد البناء بناه بما يرى الحظ في البناء به وقال أصحابنا يبنيه بالآجر والطين ولا يبني باللبن لأنه إذا هدم لا مرجوع له ولا بجص لأنه يلتصق بالآجر فلا يتخلص منه فإذا هدم فسد الآجر لأن تخليصه منه يفضي إلى كسره‏,‏ وهذا مذهب الشافعي والذي قلناه أولى - إن شاء الله تعالى- فإنه إذا كان الحظ له في البناء بغيره فتركه ضيع حظه وماله ولا يجوز تضييع الحظ العاجل وتحمل الضرر الناجز المتيقن لتوهم مصلحة بقاء الآجر عند هدم البناء ولعل ذلك لا يكون في حياته ولا يحتاج إليه مع أن كثيرًا من البلدان لا يوجد فيها الآجر وكثير منها لم تجر عادتهم بالبناء به فلو كلفوا البناء به لاحتاجوا إلى غرامة كثيرة لا يحصل منها طائل وقول أصحابنا يختص من عادتهم البناء بالآجر كالعراق ونحوها فلا يصح في حق غيرهم‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز بيع عقاره لغير حاجة لأننا نأمره بالشراء لما فيه من الحظ‏,‏ فيكون بيعه تفويتا للحظ فإن احتيج إلى بيعه جاز نقل أبو داود عن أحمد يجوز للوصي بيع الدور على الصغار إذا كان نظرا لهم وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وإسحاق قالوا يبيع إذا رأى الصلاح قال القاضي لا يجوز إلا في موضعين أحدهما أن يكون به ضرورة إلى كسوة‏,‏ أو نفقة أو قضاء دين أو ما لا بد منه‏,‏ وليس له ما تندفع به حاجته الثاني أن يكون في بيعه غبطة وهو أن يدفع فيه زيادة كثيرة على ثمن المثل قال أبو الخطاب كالثلث ونحوه أو يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب أو نحوه‏,‏ وهذا مذهب الشافعي وكلام أحمد يقتضي إباحة البيع في كل موضع يكون نظرا لهم ولا يختص بما ذكروه وقد يرى الولي الحظ في غير هذا مثل أن يكون في مكان لا ينتفع به‏,‏ أو نفعه قليل فيبيعه ويشتري له في مكان يكثر نفعه أو يرى شيئا في شرائه غبطة ولا يمكنه شراؤه إلا ببيع عقاره وقد تكون داره في مكان يتضرر الغلام بالمقام فيها‏,‏ لسوء الجوار أو غيره فيبيعها ويشتري له بثمنها دارا يصلح له المقام بها وأشباه هذا مما لا ينحصر وقد لا يكون له حظ في بيع عقاره وإن دفع فيه مثلا ثمنه إما لحاجته إليه وإما لأنه لا يمكن صرف ثمنه في مثله فيضيع الثمن ولا يبارك فيه فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏من باع دارًا أو عقارًا‏,‏ ولم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه‏)‏ فلا يجوز بيعه إذا فلا معنى لتقييده بما ذكروه في الجواز ولا في المنع بل متى كان بيعه أحظ له جاز بيعه وإلا فلا‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز لولي اليتيم كتابة رقيق اليتيم وإعتاقه على مال‏,‏ إذا كان الحظ فيه مثل أن تكون قيمته ألفا فيكاتبه بألفين أو يعتقه بألفين فإن لم يكن فيها حظ‏,‏ لم يصح وقال مالك وأبو حنيفة‏:‏ لا يجوز إعتاقه لأن الإعتاق بمال تعليق له على شرط فلم يملكه ولي اليتيم‏,‏ كالتعليق على دخول الدار وقال الشافعي‏:‏ لا تجوز كتابته ولا إعتاقه لأن المقصود منهما العتق دون المعاوضة‏,‏ فلم تجز كالإعتاق بغير عوض ولنا إنها معاوضة لليتيم فيها حظ‏,‏ فملكها وليه كبيعه ولا عبرة بنفع العقد‏,‏ ولا يضره كونه تعليقا فإنه إذا حصل الحظ لليتيم لا يضره نفع غيره‏,‏ ولا كون العتق حصل بالتعليق وفارق ما قاسوا عليه فإنه لا نفع فيه فمنع منه‏,‏ لعدم الحظ وانتفاء المقتضى لا لما ذكروه ولو قدر أن يكون في العتق بغير مال نفع كان نادرا ويتوجه أن يصح قال أبو بكر‏:‏ يتوجه العتق بغير عوض للحظ‏,‏ مثل أن يكون لليتيم جارية وابنتها يساويان مائة مجتمعتين ولو أفردت إحداهما ساوت مائتين‏,‏ ولا يمكن إفرادها بالبيع فيعتق الأخرى لتكثر قيمة الباقية‏,‏ فتصير ضعف قيمتها‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد ويجوز للوصي أن يشتري لليتيم أضحية إذا كان له مال يعني مالا كثيرا لا يتضرر بشراء الأضحية فيكون ذلك‏,‏ وعلى وجه التوسعة في النفقة في هذا اليوم الذي هو عيد ويوم فرح‏,‏ وفيه جبر قلبه وتطييبه وإلحاقه بمن له أب فينزل منزلة الثياب الحسنة وشراء اللحم سيما مع استحباب التوسعة في هذا اليوم‏,‏ وجرى العادة بها بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل‏)‏ رواه مسلم ومتى كان خلط مال اليتيم أرفق به‏,‏ وألين في الخبز وأمكن في حصول الأدم فهو أولى وإن كان إفراده أرفق به أفرده لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 220‏]‏‏.‏ أي ضيق عليكم وشدد‏,‏ من قولهم‏:‏ أعنت فلان فلانا إذا ضيق عليه وشدد وعنتت الرجل إذا ظلعت ويجوز للوصى ترك الصبى في المكتب بغير إذن الحاكم وحكى لأحمد قول سفيان‏:‏ لا يسلم الوصى الصبي إلا بإذن الحاكم فأنكر ذلك وذلك لأن المكتب من مصالحه‏,‏ فجرى مجرى نفقته ولمأكوله ومشروبه‏,‏ وملبوسه وكذلك يجوز له إسلامه في صناعة إذا كانت مصلحته في ذلك لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان الولى موسرا فلا يأكل من مال اليتيم شيئا إذا لم يكن أبا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن كان غنيا فليستعفف‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 6‏]‏‏.‏ وإن كان فقيرا‏,‏ فله أقل الأمرين من أجرته أو قدر كفايته لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعا فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجدا فيه فإذا أكل منه ذلك القدر‏,‏ ثم أيسر فإن كان أبا لم يلزمه عوضه رواية واحدة لأن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها وإن كان غير الأب فهل يلزمه عوض ذلك‏؟‏ على روايتين إحداهما‏,‏ لا يلزمه وهو قول الحسن والنخعي وأحد قولي الشافعي لأن الله تعالى أمر بالأكل من غير ذكر عوض فأشبه سائر ما أمر بأكله ولأنه عوض من عمله فلم يلزمه بدله‏,‏ كالأجير والمضارب والثانية يلزمه عوضه وهو قول عبيدة السلماني وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية لأنه استباحه بالحاجة من مال غيره فلزمه قضاؤه‏,‏ كالمضطر إلى طعام غيره والأول أصح لأنه لو وجب عليه إذا أيسر لكان واجبا في الذمة قبل اليسار فإن اليسار ليس بسبب للوجوب‏,‏ فإذا لم يجب بالسبب الذي هو الأكل لم يجب بعده وفارق المضطر فإن العوض واجب عليه في ذمته‏,‏ ولأنه لم يأكله عوضا عن شيء وهذا بخلافه‏.‏

فصل‏:‏

فأما قرض مال اليتيم فإذا لم يكن فيه حظ له لم يجز قرضه‏,‏ فمتى أمكن الولى التجارة به أو تحصيل عقار له فيه الحظ لم يقرضه لأن ذلك يفوت الحظ على اليتيم‏,‏ وإن لم يمكن ذلك وكان قرضه حظا لليتيم جاز قال أحمد‏:‏ لا يقرض مال اليتيم لأحد يريد مكافأته‏,‏ ومودته ويقرض على النظر والشفقة‏,‏ كما صنع ابن عمر وقيل لأحمد‏:‏ إن عمر استقرض مال اليتيم قال‏:‏ إنما استقرض نظرا لليتيم واحتياطا إن أصابه بشيء غرمه قال القاضي‏:‏ ومعنى الحظ أن يكون لليتيم مال في بلده‏,‏ فيريد نقله إلى بلد آخر فيقرضه من رجل في ذلك البلد ليقضيه بدله في بلده‏,‏ يقصد بذلك حفظه من الغرر في نقله أو يخاف عليه الهلاك من نهب أو غرق‏,‏ أو نحوهما أو يكون مما يتلف بتطاول مدته أو حديثه خير من قديمه‏,‏ كالحنطة ونحوها فيقرضه خوفا أن يسوس أو تنقص قيمته‏,‏ وأشباه هذا فيجوز القرض لأنه مما لليتيم فيه حظ فجاز كالتجارة به وإن لم يكن فيه حظ‏,‏ وإنما قصد إرفاق المقترض وقضاء حاجته فهذا غير جائز لأنه تبرع بمال اليتيم‏,‏ فلم يحز كهبته وإن أراد الولي السفر لم يكن له المسافرة بماله وقرضه لثقة أمين أولى من إيداعه لأن الوديعة لا تضمن إذا تلفت‏,‏ فإن لم يجد من يستقرضه على هذه الصفة فله إيداعه لأنه موضع حاجة ولو أودعه مع إمكان قرضه جاز‏,‏ ولا ضمان عليه فإنه ربما رأى الإيداع أحظ له من القرض فلا يكون مفرطا وكل موضع قلنا‏:‏ له قرضه فلا يجوز إلا لمليء أمين‏,‏ ليأمن جحوده وتعذر الإيفاء وينبغي أن يأخذ رهنا إن أمكنه‏,‏ وإن تعذر عليه أخذ الرهن جاز تركه في ظاهر كلام أحمد لأن الظاهر ممن يستقرضه من أجل حظ اليتيم‏,‏ أنه لا يبذل رهنا فاشتراط الرهن يفوت هذا الحظ وقال أبو الخطاب‏:‏ يقرضه إذا أخذ بالقرض رهنا فظاهر هذا أنه لا يقرضه إلا برهن لأن فيه احتياطا للمال وحفظا له عن الجحد‏,‏ والمطل وإن أمكنه أخذ الرهن فالأولى له أخذه احتياطا على المال‏,‏ وحفظا له فإن تركه احتمل أن يضمن إن ضاع المال لتقريطه واحتمل أن لا يضمن لأن الظاهر سلامته وهذا ظاهر كلام أحمد لكونه لم يذكر الرهن‏.‏

فصل‏:‏

قال أبو بكر‏:‏ وهل يجوز للوصي أن يستنيب فيما يتولى مثله بنفسه‏؟‏ على روايتين لأنه متصرف بالإذن في مال غيره‏,‏ فأشبه الوكيل وقال القاضي‏:‏ يجوز ذلك للوصي وفي الوكيل روايتان وفرق بينهما بأن الوكيل يمكنه الاستئذان والوصي بخلافه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ادعى الولي الإنفاق على الصبي‏,‏ أو على ماله أو عقاره بالمعروف من ماله‏,‏ أو ادعى أنه باع عقاره لحظه أو بناء لمصلحته أو أنه تلف‏,‏ قبل قوله وقال أصحاب الشافعي‏:‏ لا يمضي الحاكم بيع الأمين والوصي حتى يثبت عنده الحظ ببينة ولا يقبل قولهما في ذلك ويقبل قول الأب والجد ولنا أن من جاز له بيع العقار‏,‏ وشراؤه لليتيم يجب أن يقبل قوله في الحظ كالأب والجد‏,‏ ولأنه يقبل قوله في عدم التفريط فيما تصرف فيه من غير العقار فيقبل قوله في العقار كالأب وإذا بلغ الصبي‏,‏ فادعى أنه لاحظ له في البيع لم يقبل إلا ببينة فإن لم تكن بينة‏,‏ فالقول قول الولي مع يمينه وإن قال الولي‏:‏ أنفقت عليك منذ ثلاث سنين وقال الغلام‏:‏ ما مات أبي إلا منذ سنتين فالقول قول الغلام ذكره القاضي لأن الأصل حياة والده واختلافهما في أمر ليس الوصي أمينا فيه فكان القول قول من يوافق قوله الأصل‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ يجوز للوصي البيع على الغائب البالغ‏,‏ إذا كان من طريق النظر وقال أصحابنا‏:‏ يجوز للوصي البيع على الصغار والكبار إذا كانت حقوقهم مشتركة في عقار في قسمه إضرار وبالصغار حاجة إلى البيع‏,‏ إما لقضاء دين أو مؤنة لهم وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى‏:‏ يجوز البيع‏,‏ على الصغار والكبار فيما لا بد منه ولعلهما أرادا هذه الصورة لأن في ذلك نظرا للصغار واحتياطا للميت في قضاء دينه وقال الشافعي‏:‏ لا يصح بيعه على الكبار لأنه تصرف في مال غيره من غير وكالة ولا ولاية‏,‏ فلم يصح كبيع ماله المفرد أو ما لا تضر قسمته وهذا هو الصحيح‏,‏ وما ذكروه لا أصل له يقاس عليه ويعارضه أن فيه ضررا على الكبار ببيع ما لهم بغير إذنهم ولأنه لا يجوز له بيع غير العقار‏,‏ فلم يحز له بيع غير العقار كالأجنبي‏.‏

فصل‏:‏

ويصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء فيما أذن له الولي فيه في إحدى الروايتين وهو قول أبي حنيفة والثانية‏,‏ لا يصح حتى يبلغ وهو قول الشافعي لأنه غير مكلف أشبه غير المميز ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف لخفائه وتزايده تزايدا خفي التدريج‏,‏ فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة ولنا‏,‏ قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 6‏]‏‏.‏ ومعناه اختبروهم لتعلموا رشدهم وإنما يتحقق اختيارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ليعلم هل يغبن أو لا ولأنه عاقل مميز محجور عليه فصح تصرفه بإذن وليه‏,‏ كالعبد وفارق غير المميز فإنه لا تحصل المصلحة بتصرفه لعدم تمييزه ومعرفته ولا حاجة إلى اختياره لأنه قد علم حاله وقولهم‏:‏ إن العقل لا يمكن الاطلاع عليه قلنا‏:‏ يعلم ذلك بآثار وجريان تصرفاته على وفق المصلحة‏,‏ كما يعلم في حق البالغ فإن معرفة رشده شرط دفع ماله إليه‏,‏ وصحة تصرفه كذا ها هنا فأما إن تصرف بغير إذن وليه لم يصح تصرفه ويحتمل أن يصح‏,‏ ويقف على إجازة الولي وهو قول أبي حنيفة ومبنى ذلك على ما إذا تصرف في مال غيره بغير إذنه وقد ذكرناها فيما مضى وأما غير المميز فلا يصح تصرفه‏,‏ وإن أذن له الولي فيه إلا في الشيء اليسير كما روي عن أبي الدرداء‏,‏ أنه اشترى من صبي عصفورا فأرسله ذكره ابن أبي موسى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده‏,‏ أو يسلمه فإن جاوز ما استدان قيمته لم يكن على سيده أكثر من قيمته‏,‏ إلا أن يكون مأذونا له في التجارة فيلزم مولاه جميع ما استدان‏)‏ في هذه المسألة أربعة فصول‏:‏