فصل: مسألة: لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء‏,‏ إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فيركب ويحلب بقدر العلف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء‏,‏ إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فيركب ويحلب بقدر العلف‏]‏

الكلام في هذه المسألة في حالين أحدهما ما لا يحتاج إلى مؤنة كالدار والمتاع ونحوه‏,‏ فلا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال لا نعلم في هذا خلافا لأن الرهن ملك الراهن فكذلك نماؤه ومنافعه فليس لغيره أخذها بغير إذنه‏,‏ فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض وكان دين الرهن من قرض لم يجز لأنه يحصل قرضا يجر منفعة‏,‏ وذلك حرام قال أحمد‏:‏ أكره قرض الدور وهو الربا المحض يعنى‏:‏ إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المرتهن وإن كان الرهن بثمن مبيع‏,‏ أو أجر دار أو دين غير القرض فأذن له الراهن في الانتفاع‏,‏ جاز ذلك روى ذلك عن الحسن وابن سيرين وبه قال إسحاق فأما إن كان الانتفاع بعوض مثل إن استأجر المرتهن الدار من الراهن بأجرة مثلها‏,‏ من غير محاباة جاز في القرض وغيره لكونه ما انتفع بالقرض‏,‏ بل بالإجارة وإن حاباه في ذلك فحكمه حكم الانتفاع بغير عوض‏,‏ لا يجوز في القرض ويجوز في غيره ومتى استأجرها المرتهن أو استعارها‏,‏ فظاهر كلام أحمد أنها تخرج عن كونها رهنا فمتى انقضت الإجارة أو العارية‏,‏ عاد الرهن بحاله قال أحمد في رواية الحسن بن ثواب عن أحمد إذا كان الرهن دارا فقال المرتهن‏:‏ اسكنها بكرائها‏,‏ وهي وثيقة بحقى ينتقل فيصير دينا ويتحول عن الرهن وكذلك إن أكراها للراهن قال أحمد في رواية ابن منصور‏:‏ إذا ارتهن دارا‏,‏ ثم أكراها لصاحبها خرجت من الرهن فإذا رجعت إليه صارت رهنا والأولى أنها لا تخرج عن الرهن‏,‏ إذا استأجرها المرتهن أو استعارها لأن القبض مستدام ولا تنافي بين العقدين‏,‏ وكلام أحمد في رواية الحسن بن ثواب محمول على أنه أذن للراهن في سكناها كما في رواية ابن منصور لأنها خرجت عن يد المرتهن فزال اللزوم لزوال اليد‏,‏ بخلاف ما إذا سكنها المرتهن ومتى استعار المرتهن الرهن صار مضمونا عليه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا ضمان عليه ومبنى ذلك على العارية فإنها عندنا مضمونة وعنده غير مضمونة‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرط في الرهن أن ينتفع به المرتهن فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى الرهن وعن أحمد أنه يجوز في المبيع قال القاضي‏:‏ معناه أن يقول‏:‏ بعتك هذا الثوب بدينار‏,‏ بشرط أن ترهننى عبدك يخدمني شهرا فيكون بيعا وإجارة فهو صحيح وإن أطلق فالشرط باطل لجهالة ثمنه وقال مالك‏:‏ لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الرهن إلى أجل في الدور والأرضين‏,‏ وكرهه في الحيوان والثياب وكرهه في القرض ولنا أنه شرط في الرهن ما ينافيه‏,‏ فلم يصح كما لو شرطه في القرض‏.‏

فصل‏:‏

الحال الثاني ما يحتاج فيه إلى مؤنة فحكم المرتهن في الانتفاع به‏,‏ بعوض أو بغير عوض بإذن الراهن كالقسم الذي قبله وإن أذن له في الإنفاق والانتفاع بقدره‏,‏ جاز لأنه نوع معاوضة وأما مع عدم الإذن فإن الرهن ينقسم قسمين محلوبا ومركوبا وغيرهما‏,‏ فأما المحلوب والمركوب فللمرتهن أن ينفق عليه ويركب‏,‏ ويحلب بقدر نفقته متحريا للعدل في ذلك ونص عليه أحمد‏,‏ في رواية محمد بن الحكم وأحمد بن القاسم واختاره الخرقي وهو قول إسحاق وسواء أنفق مع تعذر النفقة من الراهن‏,‏ لغيبته أو امتناعه من الإنفاق أو مع القدرة على أخذ النفقة من الراهن‏,‏ واستئذانه وعن أحمد رواية أخرى لا يحتسب له بما أنفق وهو متطوع بها‏,‏ ولا ينتفع من الرهن بشيء وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه ‏)‏‏)‏ ولأنه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به‏,‏ ولا الإنفاق عليه فلم يكن له ذلك كغير الرهن ولنا ما روى البخاري‏,‏ وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا‏,‏ ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا ‏)‏‏)‏ وعلى الذي يركب ويشرب النفقة فجعل منفعته بنفقته وهذا محل النزاع فإن قيل‏:‏ المراد به أن الراهن ينفق وينتفع قلنا‏:‏ لا يصح لوجهين أحدهما‏,‏ أنه قد روى في بعض الألفاظ‏:‏ ‏"‏ إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب‏,‏ وعلى الذي يشرب ويركب نفقته ‏"‏ فجعل المنفق المرتهن فيكون هو المنتفع والثاني أن قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ بنفقته ‏)‏‏)‏ يشير إلى أن الانتفاع عوض النفقة‏,‏ وإنما ذلك حق المرتهن أما الراهن فإنفاقه وانتفاعه لا بطريق المعاوضة لأحدهما بالآخر ولأن نفقة الحيوان واجبة‏,‏ وللمرتهن حق قد أمكنه استيفاء حقه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه واستيفاء ذلك من منافعه فجاز ذلك كما‏,‏ يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه والنيابة عنه في الإنفاق عليها والحديث نقول به‏:‏ والنماء للراهن‏,‏ ولكن للمرتهن ولاية صرفها إلى نفقته لثبوت يده عليه وولايته وهذا فيمن أنفق محتسبا بالرجوع‏,‏ فأما إن أنفق متبرعا بغير نية الرجوع لم ينتفع به رواية واحدة‏.‏

فصل‏:‏

وأما غير المحلوب والمركوب‏,‏ فيتنوع نوعين حيوان وغيره فأما الحيوان كالعبد والأمة ونحوهما‏,‏ فهل للمرتهن أن ينفق ويستخدمه بقدر نفقته‏؟‏ ظاهر المذهب أنه لا يجوز ذكرها الخرقي ونص عليه أحمد في رواية الأثرم قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يرهن العبد فيستخدمه فقال‏:‏ الرهن لا ينتفع منه بشيء‏,‏ إلا حديث أبي هريرة خاصة في الذي يركب ويحلب ويعلف قلت له‏:‏ فإن كان اللبن والركوب أكثر‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا بقدر ونقل حنبل عن أحمد أن له استخدام العبد أيضا - وبه قال أبو ثور - إذا امتنع المالك من الإنفاق عليه قال أبو بكر‏:‏ خالف حنبل الجماعة‏,‏ والعمل على أنه لا ينتفع من الرهن بشيء إلا ما خصه الشرع به فإن القياس يقتضي أن لا ينتفع بشيء منه‏,‏ تركناه في المركوب والمحلوب للأثر ففيما عداه يبقى على مقتضى القياس النوع الثاني غير الحيوان‏,‏ كدار استهدمت فعمرها المرتهن لم يرجع بشيء رواية واحدة وليس له الانتفاع بها بقدر نفقته‏,‏ فإن عمارتها غير واجبة على الراهن فليس لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه فإن فعل كان متبرعا‏,‏ بخلاف الحيوان فإنه يجب على مالكه الإنفاق عليه لحرمته في نفسه‏.‏

فصل‏:‏

فأما الحيوان‏,‏ إذا أنفق عليه متبرعا لم يرجع بشيء لأنه تصدق به فلم يرجع بعوضه كما لو تصدق على مسكين وإن نوى الرجوع على مالكه‏,‏ وكان ذلك بإذن المالك رجع عليه لأنه ناب عنه في الإنفاق بإذنه فكانت النفقة على المالك‏,‏ كما لو وكله في ذلك وإن كان بغير إذنه فهل يرجع عليه‏؟‏ يخرج على روايتين‏,‏ بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه لأنه ناب عنه فيما يلزمه وقال أبو الخطاب‏:‏ إن قدر على استئذانه فلم يستأذنه فهو متبرع لم يرجع بشيء‏,‏ وإن عجز عن استئذانه فعلى روايتين وكذلك الحكم فيما إذا مات العبد المرهون فكفنه والأول أقيس في المذهب إذ لا يعتبر في قضاء الدين العجز عن استئذان الغريم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا انتفع المرتهن بالرهن‏,‏ باستخدام أو ركوب أو لبس أو استرضاع‏,‏ أو استغلال أو سكنى أو غيره‏,‏ حسب من دينه بقدر ذلك قال أحمد‏:‏ يوضع عن الراهن بقدر ذلك لأن المنافع ملك الراهن فإذا استوفاها فعليه قيمتها في ذمته للراهن فيتقاص القيمة وقدرها من الدين‏,‏ ويتساقطان‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وغلة الدار وخدمة العبد وحمل الشاة وغيرها‏,‏ وثمرة الشجرة المرهونة من الرهن‏]‏

أراد بغلة الدار أجرها وكذلك خدمة العبد وجملة ذلك أن نماء الرهن جميعه وغلاته تكون رهنا في يد من الرهن في يده كالأصل وإذا احتيج إلى بيعه في وفاء الدين بيع مع الأصل‏,‏ سواء في ذلك المتصل كالسمن والتعلم والمنفصل كالكسب والأجرة والولد والثمرة واللبن والصوف والشعر وبنحو هذا قال النخعي والشعبي‏,‏ وقال الثوري وأصحاب الرأي‏:‏ في النماء يتبع وفي الكسب لا يتبع لأن الكسب في حكم الكتابة والاستيلاد والتدبير فلا يتبع في الرهن‏,‏ كأعيان مال الراهن وقال مالك‏:‏ يتبع الولد في الرهن خاصة دون سائر النماء لأن الولد يتبع الأصل في الحقوق الثابتة كولد أم الولد وقال الشافعي‏,‏ وأبو ثور وابن المنذر‏:‏ لا يدخل في الرهن شيء من النماء المنفصل ولا من الكسب لأنه حق تعلق بالأصل يستوفى من ثمنه‏,‏ فلا يسرى إلى غيره كحق الجناية قال الشافعي‏:‏ ولو رهنه ماشيا مخاضا فنتجت‏,‏ فالنتاج خارج من الرهن وخالفه أبو ثور وابن المنذر ومن حجتهم أيضا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه ‏)‏‏)‏ والنماء غنم‏,‏ فيكون للراهن ولأنها عين من أعيان ملك الراهن لم يعقد عليها عقد رهن فلم تكن رهنا كسائر ماله ولنا‏,‏ أنه حكم يثبت في العين بعقد المالك فيدخل فيه النماء والمنافع كالملك بالبيع وغيره‏,‏ ولأن النماء نماء حادث من عين الرهن فيدخل فيه‏,‏ كالمتصل ولأنه حق مستقر في الأم ثبت برضى المالك‏,‏ فيسرى إلى الولد كالتدبير والاستيلاد لنا على مالك أنه نماء حادث من عين الرهن فسرى إليه حكم الرهن كالولد وعلى أبي حنيفة أنه عقد يستتبع النماء‏,‏ فاستتبع الكسب كالشراء فأما الحديث فنقول به وأن غنمه ونماءه وكسبه للراهن لكن يتعلق به حق الرهن‏,‏ كالأصل فإنه للراهن والحق متعلق به‏,‏ والفرق بينه وبين سائر مال الراهن أنه تبع فثبت له حكم أصله وأما حق الجناية‏,‏ فإنه ثبت بغير رضي المالك فلم يتعد ما ثبت فيه ولأنه جزاء عدوان‏,‏ فاختص الجاني كالقصاص ولأن السراية في الرهن لا تفضي إلى استيفاء أكثر من دينه فلا يكثر الضرر فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ارتهن أرضا‏,‏ أو دارا أو غيرهما تبعه في الرهن ما يتبع في البيع فإن كان في الأرض شجر‏,‏ فقال‏:‏ رهنتك هذه الأرض بحقوقها أو ذكر ما يدل على أن الشجر في الرهن دخل فيه وإن لم يذكر ذلك‏,‏ فهل يدخل الشجر في الرهن‏؟‏ على وجهين بناء على دخوله في البيع وإن رهنه شجرا مثمرا وفيه ثمرة ظاهرة‏,‏ لم تدخل في الرهن كما لا تدخل في البيع وإن لم تكن ظاهرة دخلت وقال الشافعي‏:‏ لا تدخل الثمرة في الرهن بحال وقال أبو حنيفة‏:‏ تدخل بكل حال لأن الرهن عنده لا يصح على الأصول دون الثمرة‏,‏ وقد قصد إلى عقد صحيح فتدخل الثمرة ضرورة الصحة ولنا أن الثمرة المؤبرة لا تدخل في البيع‏,‏ مع قوته وإزالته لملك البائع فالرهن مع ضعفه أولى‏,‏ وعلى الشافعي أنه عقد على الشجرة فاستتبع الثمرة غير المؤبرة كالبيع‏,‏ ويدخل في الرهن الصوف واللبن الموجودان كما يدخل في البيع وكذلك الحمل وسائر ما بيع في البيع لأنه عقد وارد على العين‏,‏ فدخلت فيه هذه التوابع كالبيع ولو كان الرهن دارا فخربت كانت أنقاضها رهنا لأنها من أجزائها‏,‏ ولو كانت مرهونة قبل خرابها ولو رهنه أرضا فنبت فيها شجر‏,‏ فهو من الرهن سواء نبت بفعل الراهن أو بفعل غيره لأنه من نمائها‏.‏

فصل‏:‏

وليس للراهن الانتفاع بالرهن‏,‏ باستخدام ولا وطء ولا سكنى‏,‏ ولا غير ذلك ولا يملك التصرف فيه بإجارة ولا إعارة‏,‏ ولا غيرهما بغير رضا المرتهن وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وقال مالك وابن أبي ليلى والشافعي وابن المنذر‏:‏ للراهن إجارته وإعارته مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول الدين وهل له أن يسكن بنفسه‏؟‏ على اختلاف بينهم فيه وإن كان الرهن عبدا‏,‏ فله استيفاء منافعه بغيره وهل له ذلك بنفسه‏؟‏ على الخلاف وليس له إجارة الثوب ولا ما ينقص بالانتفاع وبنوه على أن المنافع للراهن لا تدخل في الرهن ولا يتعلق بها حقه وقد سبق الكلام في هذا ولأنها عين محبوسة‏,‏ فلم يكن للمالك الانتفاع بها كالبيع المحبوس عند البائع على استيفاء ثمنه أو نقول‏:‏ نوع انتفاع فلا يملكه الراهن‏,‏ كالذي ينقص قيمة الرهن إذا ثبت هذا فإن المتراهنين إذا لم يتفقا على الانتفاع بها لم يجز الانتفاع بها وكانت منافعها معطلة‏,‏ فإن كانت دارا أغلقت وإن كان عبدا أو غيره تعطلت منافعه حتى يفك الرهن وإن اتفقا على إجارة الرهن أو إعارته‏,‏ جاز ذلك هذا ظاهر كلام الخرقي لأنه جعل غلة الدار وخدمة العبد رهنا ولو عطلت منافعهما لم يكن لهما غلة وقال ابن أبي موسى‏:‏ إن أذن الراهن للمرتهن في إعارته أو إجارته‏,‏ جاز والأجرة رهن وإن أجره الراهن بإذن المرتهن خرج من الرهن‏,‏ في أحد الوجهين والآخر لا يخرج كما لو أجره المرتهن وقال أبو الخطاب‏,‏ في المشاع‏:‏ يؤجره الحاكم لهما وذكر أبو بكر في الخلاف أن منافع الرهن تعطل مطلقا ولا يؤجراه وهذا قول الثوري‏,‏ وأصحاب الرأي وقالوا‏:‏ إذا أجر الراهن الرهن بإذن المرتهن كان إخراجا من الرهن لأن الرهن يقتضي حبسه عند المرتهن أو نائبه على الدوام فمتى وجد عقد يستحق به زوال الحبس زال الرهن ولنا‏,‏ أن مقصود الرهن الاستيثاق بالدين واستيفاؤه من ثمنه عند تعذر استيفائه من ذمة الراهن وهذا لا ينافي الانتفاع به‏,‏ ولا إجارته ولا إعارته فجاز اجتماعهما‏,‏ كانتفاع المرتهن به ولأن تعطيل منفعته تضييع للمال وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال‏,‏ ولأنه عين تعلق بها حق الوثيقة فلم يمنع إجارتها كالعبد إذا ضمن بإذن سيده‏,‏ ولا نسلم أن مقتضى الرهن الحبس وإنما مقتضاه تعلق الحق به على وجه تحصل به الوثيقة وذلك غير مناف للانتفاع به‏,‏ ولو سلمنا أن مقتضاه الحبس فلا يمنع أن يكون المستأجر نائبا عنه في إمساكه وحبسه ومستوفيا لمنفعته لنفسه‏.‏

فصل‏:‏

ولا يمنع الراهن من إصلاح الرهن‏,‏ ودفع الفساد عنه ومداواته إن احتاج إليها فإذا كان الرهن ماشية فاحتاجت إلى إطراق الفحل‏,‏ فللراهن ذلك لأن فيه مصلحة للرهن وزيادته وذلك زيادة‏,‏ في حق المرتهن من غير ضرر وإن كانت فحولا لم يكن للراهن إطراقها بغير رضا المرتهن لأنه انتفاع لا مصلحة للرهن فيه فهو كالاستخدام‏,‏ إلا أن يصير إلى حال يتضرر بترك الإطراق فيجوز لأنه كالمداواة له‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومؤنة الرهن على الراهن وإن كان عبدا فمات فعليه كفنه‏,‏ وإن كان مما يخزن فعليه كراء مخزنه‏]‏

وجملته أن مؤنة الرهن من طعامه وكسوته‏,‏ ومسكنه وحافظه وحرزه‏,‏ ومخزنه وغير ذلك على الراهن وبهذا قال مالك والشافعي والعنبري‏,‏ وإسحاق‏:‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ أجر المسكن والحافظ على المرتهن لأنه من مؤنة إمساكه وارتهانه ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه ‏)‏‏)‏ ولأنه نوع إنفاق فكان على الراهن‏,‏ كالطعام ولأن الرهن ملك للراهن فكان عليه مسكنه وحافظه‏,‏ كغير الرهن وإن أبق العبد فأجرة من يرده على الراهن وقال أبو حنيفة‏:‏ يكون بقدر الأمانة على الراهن وبقدر الضمان على المرتهن وإن احتيج إلى مداواته لمرض أو جرح فذلك على الراهن وعند أبي حنيفة‏,‏ هو كأجر من يرده من إباقه وبنى ذلك على أصله في أن يد المرتهن يد ضمان بقدر دينه فيه وما زاد فهو أمانة عنده والكلام على ذلك في غير هذا الموضع وإن مات العبد كانت مؤنته‏,‏ كتجهيزه وتكفينه ودفنه على الراهن لأن ذلك تابع لمؤنته‏,‏ فإن كل من لزمته مؤنة شخص كانت مؤنته كتجهيزه ودفنه عليه كسائر العبيد والإماء والأقارب من الأحرار‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان الرهن ثمرة فاحتاجت إلى سقى وتسوية وجذاذ فذلك على الراهن‏,‏ وإن احتاجت إلى تجفيف والحق مؤجل فعليه التجفيف لأنه يحتاج إلى أن يستبقيها رهنا حتى يحل الحق وإن كان حالا‏,‏ بيعت ولم يحتج إلى تجفيفها وإن اتفقا على بيعها وجعل ثمنها رهنا بالحق المؤجل جاز وإن اختلفا في ذلك‏,‏ قدم قول من يستبقيها بعينها لأن العقد يقتضي ذلك إلا أن يكون مما تقل قيمته بالتجفيف وقد جرت العادة ببيعه رطبا‏,‏ فإنه يباع ويجعل ثمنه مكانه وإن اتفقا على قطع الثمرة في وقت فلهما ذلك‏,‏ سواء كان الحق حالا أو مؤجلا وسواء كان الأصلح القطع أو الترك لأن الحق لا يخرج عنهما وإن اختلفا قدمنا قول من طلب الأصلح‏,‏ إن كان ذلك قبل حلول الحق وإن كان الحق حالا قدم قول من طلب القطع لأنه إن كان المرتهن فهو طالب لاستيفاء حقه الحال‏,‏ فلزم إجابته وإن كان الراهن فهو يطلب تبرئة ذمته‏,‏ وتخليص عين ملكه من الرهن والقطع أحوط من جهة أن في تبقيته غررا ذكر القاضي هذا في المفلس وهو قول أكثر أصحاب الشافعي‏,‏ وهذا في معناه ويحتمل أن ينظر في الثمرة فإن كانت تنقص بالقطع نقصا كثيرا لم يجبر الممتنع من قطعها عليه لأن ذلك إتلاف‏,‏ فلا يجبر عليه كما لا يجبر على نقض داره ليبيع أنقاضها ولا على ذبح فرسه ليبيع لحمها وإن كانت الثمرة مما لا ينتفع بها قبل كمالها‏,‏ لم يجز قطعها قبله ولم يجبر عليه بحال‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان الرهن ماشية تحتاج إلى إطراق الفحل لم يجبر الراهن عليه لأنه ليس عليه ما يتضمن زيادة في الرهن‏,‏ وليس ذلك مما يحتاج إليه لبقائها ولا يمنع من ذلك لكونها زيادة لهما لا ضرر على المرتهن فيه وإن احتاجت إلى رعي‏,‏ فعلى الراهن أن يقيم لها راعيا لأن ذلك يجري مجرى علفها وإن أراد الراهن السفر بها ليرعاها في مكان آخر وكان لها في مكانها مرعى تتماسك به فللمرتهن منعه من ذلك لأن في السفر بها إخراجها عن نظره ويده وإن أجدب مكانها‏,‏ فلم يجد ما تتماسك به فللراهن السفر بها لأنه موضع ضرورة لأنها تهلك إذا لم يسافر بها إلا أنها تكون في يد عدل يرضيان به‏,‏ أو ينصبه الحاكم ولا ينفرد الراهن بها فإن امتنع الراهن من السفر بها‏,‏ فللمرتهن نقلها لأن في بقائها هلاكها وضياع حقه من الرهن فإن أرادا جميعا السفر بها واختلفا في مكانها‏,‏ قدمنا قول من يعين الأصلح فإن استويا قدمنا قول المرتهن وقال الشافعي‏:‏ يقدم قول الراهن‏,‏ وإن كان الأصلح غيره لأنه أملك بها إلا أن يكون مأواها إلى يد عدل ولنا أن اليد للمرتهن‏,‏ فكان أولى كما لو كانا في بلد واحد وأيهما أراد نقلها عن البلد مع خصبه لم يكن له‏,‏ سواء أراد نقلها إلى مثله أو أخصب منه إذ لا معنى للمسافرة بالرهن مع إمكان ترك السفر به وإن اتفقا على نقلها‏,‏ جاز أيضا سواء كان أنفع لها أو لا لأن الحق لهما لا يخرج عنهما‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان عبدا يحتاج إلى ختان‏,‏ والدين حال أو أجله قبل برئه منع منه لأنه ينقص ثمنه‏,‏ وفيه ضرر وإن كان يبرأ قبل محل الحق والزمان معتدل لا يخاف عليه فيه‏,‏ فله ذلك لأنه من الواجبات ويزيد به الثمن ولا يضر المرتهن‏,‏ ومؤنته على الراهن فإن مرض فاحتاج إلى دواء لم يجبر الراهن عليه لأنه يتحقق أنه سبب لبقائه‏,‏ وقد يبرأ بغير علاج بخلاف النفقة وإن أراد الراهن مداواته بما لا ضرر فيه‏,‏ لم يمنع منه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما وإن كان الدواء مما يخاف غائلته كالسموم فللمرتهن منعه منه لأنه لا يأمن تلفه وإن احتاج إلى فصد‏,‏ أو احتاجت الدابة إلى توديج ومعناه فتح الودجين حتى يسيل الدم وهما عرقان عريضان غليظان من جانبي ثغرة النحر‏,‏ أو تبزيغ وهو فتح الرهصة فللراهن فعل ذلك‏,‏ ما لم يخف منه ضررا وإن احتيج إلى قطع شيء من بدنه بدواء لا يخاف منه جاز وإن خيف منه‏,‏ فأيهما امتنعا منه لم يجبر وإن كانت به آكلة كان له قطعها لأنه يخاف من تركها لا من قطعها لأنه لا يحس بلحم ميت وإن كانت به خبيثة فقال أهل الخبرة‏:‏ الأحوط قطعها وهو أنفع من بقائها‏,‏ فللراهن ذلك وإلا فليس له فعله وإن تساوى الخوف عليه في الحالين لم يكن له قطعها لأنه يحدث جرحا فيه لم يترجح إحداثه وإن كانت به سلعة أو إصبع زائدة لم يملك الراهن قطعها لأن قطعها يخاف منه‏,‏ وتركها لا يخاف منه وإن كانت الماشية جربة فأراد الراهن دهنها بما يرجى نفعه ولا يخاف ضرره‏,‏ كالقطران والزيت اليسير لم يمنع وإن خيف ضرره كالكثير‏,‏ فللمرتهن منعه وقال القاضي‏:‏ له ذلك بغير إذن المرتهن لأن له معالجة ملكه وإن امتنع من ذلك لم يجبر عليه ولو أراد المرتهن مداواتها بما ينفعها‏,‏ ولا يخشى ضرره لم يمنع لأن فيه إصلاح حقه بما لا يضر بغيره وإن خيف منه الضرر لم يمكن منه لأن فيه خطرا بحق غيره‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان الرهن نخلا‏,‏ فاحتاج إلى تأبير فهو على الراهن وليس للمرتهن منعه لأن فيه مصلحة بغير مضرة وما يسقط من ليف أو سعف أو عراجين‏,‏ فهو من الرهن لأنه من أجزائه أو من نمائه وقال أصحاب الشافعي ليس من الرهن بناء منهم على أن النماء ليس منه ولا يصح ذلك ها هنا لأن السعف من جملة الأعيان التي ورد عليها عقد الرهن فكانت منه‏,‏ كالأصول وأنقاض الدار وإن كان الرهن كرما فله زباره لأنه لمصلحته ولا ضرر فيه والزرجون من الرهن ولو كان الشجر مزدحما‏,‏ وفي قطع بعضه صلاح لما يبقى فله ذلك وإن أراد تحويله كله لم يملك ذلك وإن قيل‏:‏ هو الأولى لأنه قد لا يعلق فيفوت الرهن وإن امتنع الراهن من فعل هذا كله لم يجبر عليه لأنه لا يلزمه فعل ما فيه زيادة من الرهن‏.‏

فصل‏:‏

وكل زيادة تلزم الراهن إذا امتنع‏,‏ أجبره الحاكم عليها وإن لم يفعل اكترى له الحاكم من ماله فإن لم يكن له مال اكترى من الرهن فإن بذلها المرتهن متطوعا لم يرجع بشيء وإن أنفق بإذن الراهن‏,‏ أو إذن الحاكم عند تعذر إذن الراهن محتسبا رجع به وإن تعذر إذنهما‏,‏ أشهد على أنه أنفق ليرجع بالنفقة وله الرجوع بها وإن أنفق من غير استئذان الحاكم مع إمكانه‏,‏ أو من غير إشهاد بالرجوع عند تعذر استئذانه ليرجع به فهل يرجع به‏؟‏ على روايتين وإن أنفق بإذن الراهن ليكون الرهن رهنا بالنفقة والدين الأول لم يصح‏,‏ ولم يصر رهنا بالنفقة لما ذكرنا وإن قال الراهن‏:‏ أنفقت متبرعا وقال المرتهن‏:‏ بل أنفقت محتسبا بالرجوع فالقول قول المرتهن لأن الخلاف في نيته وهو أعلم بها ولا اطلاع لغيره من الناس عليها‏,‏ وعليه اليمين لأن ما قاله الراهن محتمل وكل مؤنة لا تلزم الراهن كنفقة المداواة والتأبير وأشباههما لا يرجع بها المرتهن إذا أنفقها محتسبا أو متبرعا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والرهن إذا تلف بغير جناية من المرتهن‏,‏ رجع المرتهن بحقه عند محله وكانت المصيبة فيه من راهنه وإن كان بتعدى المرتهن‏,‏ أو لم يحرزه ضم‏]‏

أما إذا تعدى المرتهن في الرهن أو فرط في الحفظ للرهن الذي عنده حتى تلف‏,‏ فإنه يضمن لا نعلم في وجوب الضمان عليه خلافا ولأنه أمانة في يده فلزمه إذا تلف بتعديه أو تفريطه كالوديعة وأما إن تلف من غير تعد منه ولا تفريط‏,‏ فلا ضمان عليه وهو من مال الراهن يروى ذلك عن على رضي الله عنه وبه قال عطاء والزهري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر ويروى عن شريح والنخعي والحسن أن الرهن يضمن بجميع الدين‏,‏ وإن كان أكثر من قيمته لأنه روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ الرهن بما فيه ‏)‏‏)‏ وقال مالك إن كان تلفه بأمر ظاهر كالموت والحريق فمن ضمان الراهن‏,‏ وإن ادعى تلفه بأمر خفي لم يقبل قوله وضمن وقال الثوري‏,‏ وأصحاب الرأي‏:‏ يضمنه المرتهن بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين ويروى ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه واحتجوا بما روى عطاء أن رجلا رهن فرسا فنفق عند المرتهن‏,‏ فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ ذهب حقك ‏)‏‏)‏ ولأنها عين مقبوضة للاستيفاء فيضمنها من قبضها لذلك‏,‏ أو من قبضها نائبه كحقيقة المستوفى ولأنه محبوس بدين‏,‏ فكان مضمونا كالمبيع إذا حبس لاستيفاء ثمنه ولنا ما روى ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب‏,‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه ‏)‏‏)‏ رواه الأثرم عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن ابن أبي ذئب ورواه الشافعي عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب‏,‏ ولفظه‏:‏ ‏(‏‏(‏ الرهن من صاحبه الذي رهنه ‏)‏‏)‏ وباقيه سواء قال‏:‏ ووصله ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله أو مثل معناه من حديث أبي أنيسة ولأنه وثيقة بالدين فلا يضمن‏,‏ كالزيادة على قدر الدين وكالكفيل والشاهد ولأنه مقبوض بعقد واحد بعضه أمانة‏,‏ فكان جميعه أمانة كالوديعة وعند مالك‏:‏ أن ما لا يضمن به العقار لا يضمن به الذهب كالوديعة‏,‏ فأما حديث عطاء فهو مرسل وقول عطاء يخالفه قال الدارقطني‏:‏ يرويه إسماعيل بن أمية‏,‏ وكان كذابا وقيل‏:‏ يرويه مصعب بن ثابت وكان ضعيفا ويحتمل أنه أراد ذهب حقك من الوثيقة‏,‏ بدليل أنه لم يسأل عن قدر الدين وقيمة الفرس وحديث أنس إن صح فيحتمل أنه محبوس بما فيه‏,‏ وأما المستوفى فإنه صار ملكا للمستوفي وله نماؤه وغنمه فكان عليه ضمانه وغرمه‏,‏ بخلاف الرهن والبيع قبل القبض ممنوع‏.‏