فصل: تفسير الآيات (30- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (30- 34):

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}
30- لو تراهم حين يقفون للحساب أمام ربهم، ويعرفون صدق ما أنزله على رسله، لرأيت سوء حالهم إذ يقول الله لهم: أليس هذا الذي تشاهدونه الآن هو الحق الذي أنكرتموه في دنياكم؟ فيقولون متذللين: بلى وربنا إنه الحق! فيقول الله لهم بعد ذلك: ادخلوا النار بسبب ما كنتم حريصين عليه من الكفر.
31- قد خسر الذين أنكروا لقاء الله للحساب والجزاء يوم القيامة، وظلّوا على إنكارهم، حتى إذا فاجأتهم مشاهد يوم القيامة ندموا وقالوا: يا حسرتنا على إهمالنا اتباع الحق في الدنيا! وهم يومئذٍ يرزحون تحت أعباء ذنوبهم. ألا قُبْحُ ما يحملون من الذنوب.
32- وليست الحياة الدنيا التي حسب الكفار أنه لا حياة غيرها، والتى لا يقصد بالعمل فيها مرضاة الله، إلا لعباً لا نفع فيه، ولهواً يتلهى به!! وان الدار الآخرة لهى الحياة الحقيقية، وهى أنفع للذين يخافون الله فيمتثلون أمره. أفلا تعقلون هذا الأمر الواضح؟، أفلا تفهمون ما يضركم ولا ينفعكم؟
33- إننا نعلم أنه ليحزنك أيها النبي ما يقوله الكفار تكذيباً لك، فلا تحزن من ذلك. لأن الحقيقة أنهم لا يتهمونك بالكذب، ولكنهم لظلمهم لأنفسهم وللحق يكابرون، فينكرون بألسنتهم دلائل صدقك، وعلامات نبوتك.
34- ولقد قوبل رسل من قبلك بالتكذيب والإيذاء من أقوامهم، كما فعل معك قومك، فصبروا على التكذيب والإيذاء حتى نصرناهم، فاصبر كما صبروا حتى يأتيك نصرنا، ولا مغير لوعد الله بنصر الصابرين، فلابد من تحققه. ولقد قصصنا عليك من أخبار هؤلاء الرسل وتأييدنا لهم، ما فيه تسلية لك، وما توجبه الرسالة من تحمل الشدائد.

.تفسير الآيات (35- 38):

{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
35- وإن كان قد شق عليك انصرافهم عن دعوتك، فإن استطعت أن تتخذ طريقاً في باطن الأرض، أو سلماً تصعد به إلى السماء، فتأتيهم بدليل على صدقك، فافعل. وليس في قدرتك ذلك. فأرح نفسك واصبر لحكم ربك، ولو شاء الله هدايتهم لحملهم جميعاً على الإيمان بما جئت به قسراً وقهراً، ولكنه تركهم لاختيارهم فلا تكونن من الذين لا يعلمون حكم الله وسنته في الخلق.
36- إنما يجيب دعوة الحق مقبلين عليه، الذين يسمعون سماع فهم وتدبر. وأما هؤلاء فلا ينتفعون بدعوتك، لأنهم في حكم الأموات. وسيبعثهم الله يوم القيامة من القبور، ويرجعهم إليه، فيحاسبهم على ما فعلوا.
37- وقال الكفار متعنتين: نطلب أن ينزل على محمد دليل مادى من ربه يشهد بصدق دعوته. قل لهم أيها النبى: إن الله قادر على أن ينزل أي دليل تقترحونه. ولكن أكثرهم لا يعلمون حكمة الله في إنزال الآيات، وأنها ليست تابعة لأهوائهم، وأنه لو أجاب مقترحاتهم ثم كذبوا بعد ذلك لأهلكهم، ولكن أكثرهم لا يعلمون نتائج أعمالهم!!
38- وإن أقوى دليل على قدرة الله وحكمته ورحمته، أنه خلق كل شيء، وليس في الأرض حيوان يدب في ظاهر الأرض وباطنها، أو طائر يطير بجناحيه في الهواء، إلا خلقها الله جماعات تماثلكم، وجعل لها خصائصها ومميزاتها ونظام حياتها. ما تركنا في الكتاب المحفوظ عندنا شيئاً إلا أثبتناه. وإن كانوا قد كذبوا، فيحشرون مع كل الأمم للحساب يوم القيامة.

.تفسير الآيات (39- 43):

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}
39- والذين لم يصدقوا بأدلتنا الدالة على قدرتنا وصدق رسالتك، لم ينتفعوا بحواسهم في معرفة الحق، فتخبطوا في ضلال الشرك والعناد، تخبط الأصم الأبكم في ظلمات الليل، لا نجاة له من الهلاك. ولو كان في هؤلاء استعداد للخير لوفقهم الله إليه، فإنه سبحانه إذا أراد إضلال إنسان لفساد قصده، تركه وشأنه، وإذا أراد هدايته لسلامة قصده، يسر له السير في طريق الإيمان الواضح المستقيم.
40- قل أيها النبي لهؤلاء الكفار: أخبرونى إن جاءكم عذاب من عند الله في الدنيا أو جاءتكم القيامة بأهوالها، هل تتجهون لغير الله تضرعون إليه في هذا الوقت فينفعكم شيئاً، إن كنتم صادقين في عبادتكم لغير الله؟
41- بل إنكم لا تتجهون إلا إليه، إذ تدعونه فيكشف عنكم ما تطلبون كشفه إن شاء. وفى حال هذه الشدة، تنسون من تجعلونهم لله شركاء!!
42- لا يشق عليك- أيها النبى- ما تلاقيه من قومك. فلقد بعثنا قبلك رسلا إلى أمم كثيرة قبل أمتك. فكذبوهم، فعاقبناهم بالشدائد تنزل بهم، وبما يضرهم في أبدانهم، لعلهم يخشعون ويرجعون إلى الله.
43- وكان ينبغى لهم أن يرجعوا إلى ربهم، ولكنهم لم يفعلوا، بل استمرت قلوبهم على قسوتها، وزين لهم الشيطان عملهم القبيح.

.تفسير الآيات (44- 49):

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}
44- فلما تركوا الاتعاظ بما ابتليناهم من الفقر والمرض، ابتليناهم بعد ذلك بالرزق الواسع، ففتحنا عليهم أبواب كل شيء من أسباب الرزق، حتى إذا فرحوا بما أنعمنا به عليهم، ولم يشكروا الله عليه، جاءهم العذاب فجأة، فإذا هم متحيّرون يائسون، لا يجدون للنجاة سبيلا!
45- فأبيد هؤلاء القوم الظالمون عن آخرهم. والحمد لله مربى الخلق بالنقم والنعم، ومطهر الأرض من فساد الظالمين.
46- قل لهم- أيها النبى-: أخبرونى إن سلب الله سمعكم، وغطى قلوبكم بما يحجبها عن الإدراك، فجعلكم صماً عمياً لا تفهمون شيئاً، مَنْ تعبدون غير الله. من إله يستطيع أن يرد إليكم ما سلبه الله منكم؟ انظر- أيها النبى- كيف نوضح البراهين وننوعها، ثم هم مع هذا يعرضون عن تدبرها والانتفاع بها!!
47- قل: أخبرونى إن حل بكم عذاب الله فجأة دون توقع، أو جاءكم عيانا على ترقب، لسبق ما ينذركم بوقوعه، هل يصيب هذا العذاب إلا القوم الذين ظلموا أنفسهم بالإصرار على الشرك والضلال؟ أنه لا يصيب غيرهم.
48- وما نرسل الأنبياء إلا ليبشروا من يؤمن بالخير والثواب، وليحذروا من يكفر من العذاب. فمن آمن بدعوتهم وعمل صالحاً، فلا خوف عليهم من شر يصيبهم، ولا يحزنون على خير يفوتهم.
49- والذين كذبوا بالأدلة الواضحة على صدق ما جاء به الرسل، يصيبهم العذاب بسبب خروجهم عن الطاعة والإيمان.

.تفسير الآيات (50- 53):

{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)}
50- قل- أيها الرسول- لهؤلاء الكفار: لا أقول لكم إني أملك التصرف بما يملكه الله فأجيبكم إلى ما تطلبون، ولا أدعى علم الغيب الذي لم يطلعنى الله عليه، ولا أقول إني ملك أستطيع الصعود إلى السماء! إنما أنا بشر لا أتبع إلا ما يوحيه الله إلى. قل- أيها النبى-: هل يستوى الضال والمهتدى في معرفة هذه الحقائق؟ هل يليق بكم أن تعرضوا عن هدى أسوقه لكم، فلا تتأملون فيه بعقولكم حتى يتبين لكم الحق؟
51- وحذّر- بما في هذا القرآن- الذين يخافون من هول يوم تسوقهم فيه الملائكة للحساب والجزاء، حيث لا ناصر لهم ولا شفيع إلا بإذن الله، ليبتعدوا عما يغضب الله.
52- ولا تستجب- أيها النبى- لدعوة المتكبرين من الكفار، فتُبعد عنك المستضعفين من المؤمنين، الذين يعبدون ربهم دائماً، ولا يريدون إلا رضاه. ولا تلتفت لدس المشركين على هؤلاء المؤمنين، فلست مسئولا أمام الله عن شيء من أعمالهم، كما أنهم ليسوا مسئولين عن شيء من أعمالك، فإن استجبت لهؤلاء الكفار المتعنتين، وأبعدت المؤمنين، كنت من الظالمين.
53- وبمثل هذا الابتلاء الذي جرت به سُنَّتنا، امتحنا المتكبرين بسبق الضعفاء إلى الإسلام، ليقول المتكبرون مستنكرين ساخرين، هل هؤلاء الفقراء هم الذين أنعم الله عليهم من بيننا بالخير الذي يعدهم به محمد؟ إن هؤلاء الفقراء يعرفون نعمة الله عليهم بالتوفيق إلى الإيمان فيشكرونه. والله أعلم بمن يشكرون فضله ونعمه.

.تفسير الآيات (54- 58):

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}
54- وإذا جاءك الذين يصدقون بالقرآن فقل لهم تكريماً لهم: سلام عليكم، أبشركم برحمة الله الواسعة، التي أوجبها على نفسه تفضلا منه، والتى تقضى بأن من عمل منكم سيئة غير متدبر نتائجها، ثم رجع إلى الله نادماً تائباً، وأصلح أعماله، غفر الله له، لأنه كثير المغفرة واسع الرحمة.
55- وبمثل ذلك البيان الواضح نوضح الدلائل المتنوعة، ليظهر طريق الحق الذي يسلكه المؤمنون، ويتبين طريق الباطل الذي يسلكه الكافرون.
56- قل- أيها النبى- لهؤلاء الكفار: إن الله قد نهانى عن عبادة الذين تعبدونهم من دون الله فلا أتبع أهواءكم، فإنى حين أتبعكم أكون قد انحرفت عن الحق، ولم أكن من المهتدين!
57- قل لهم: إني على شريعة واضحة منزلة من ربى وقد كذبتم القرآن الذي جاء بها، وليس في قدرتى أن أقدم ما تستعجلونه من العذاب، بل هو في قدرة الله، ومرهون بإرادته وحكمته، وليس الأمر والسلطان إلا لله، إن شاء عجل لكم العذاب، وإن شاء أخره، له سبحانه في ذلك الحكمة، وهو خير الفاصلين بينى وبينكم.
58- قل: لو أن في قدرتى إنزال العذاب الذي تتعجلونه، لأنزلته عليكم غضبا لربى، وانتهى الأمر بينى وبينكم بذلك، ولكن الأمر لله وهو أعلم بما يستحقه الكافرون من العذاب العاجل أو الآجل.

.تفسير الآيات (59- 62):

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)}
59- وعند الله علم جميع أبواب المغيبات، لا يحيط بها علماً إلا هو ومن يريد إعطاءه بعضها، ويحيط علمه كذلك بجميع الموجودات في البر والبحر ولا تسقط ورقة- أيَّة ورقة كانت- إلا يعلمها، ولا تسقط حبة ما في باطن الأرض ولا شيء رطب ولا يابس، إلا وهو سبحانه محيط بعلمه إحاطة تامة.
60- وهو الذي ينيمكم بالليل، ويوقظكم بالنهار، ويعلم ما كسبتم فيه حتى ينتهى أجل كل منكم في الدنيا بموته، ثم يوم القيامة ترجعون جميعاً إلى الله- وحده- يخبركم بأعمالكم في الدنيا من خير أو شر، ويجازيكم عليها.
61- هو الغالب بقدرته، المستعلى بسلطانه على عباده، والذى يرسل عليكم ملائكة يحصون كل أعمالكم إلى أن تجئ نهاية كل منكم، فتقبض روحه ملائكتنا الذين نرسلهم لذلك، وهم لا يقصرون فيما يوكل إليهم.
62- ثم يُبعث هؤلاء الأموات يوم القيامة، ويوقفون أمام ربهم الذي يتولى وحده أمورهم بحق. اعلموا أن له- وحده- الفصل بين الخلائق وحسابهم في ذلك اليوم، وهو أسرع من يتولى الحساب والجزاء.