فصل: تفسير الآيات (63- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (63- 68):

{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)}
63- قل- أيها النبى- للمشركين: من الذي ينقذكم من أهوال البر والبحر، إذا حلت بكم، فلجأتم إليه تدعونه في خضوع ظاهر وباطن قائلين: نقسم لئن أنقذتنا من هذه الأهوال لنكونن من المقرين بفضلك، القائمين بشكرك.
64- قل: الله- وحده- هو الذي ينقذكم من هذه الأهوال، ومن كل شدة أخرى، ثم أنتم مع ذلك تشركون معه في العبادة غيره مما لا يدفع شراً ولا يجلب خيراً.
65- قل: إن الله- وحده- هو الذي يقدر على أن يرسل عليكم عذاباً يأتيكم من أعلاكم أو من أسفلكم. أو يجعل بعضكم لبعض عدواً. وتكونون طوائف مختلفة الأهواء متناكرة، يعذب بعضكم بعضا عذاباً شديداً!! انظر كيف دلت الدلائل على قدرتنا واستحقاقنا وحدنا للعبادة، لعلهم يتأملونها ويفهمون الحق!
66- وكذب قومك بالقرآن، وهو الحق الذي لا موضع فيه لتكذيب قل أيها النبي لهم: لست موكلا بحفظكم، وإحصاء أعمالكم ومجازاتكم عليها. بل أمركم فيها إلى الله.
67- لكل خبر جاء به القرآن وقت يتحقق فيه. وسوف تعلمون- صِدْق- هذه الأخبار عند وقوعها.
68- وإذا حضرت مجلس الكفار، ووجدتهم يطعنون في آيات القرآن، أو يستهزئون بها، فانصرف عنهم حتى ينتقلوا إلى حديث آخر. وإن نسيت وجالستهم في أثناء حديثهم الباطل. ثم تذكرت أمر الله بالبعد عنهم. فلا تجلس بعد التذكر مع القوم الظالمين.

.تفسير الآيات (69- 72):

{وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)}
69- وليس على الذين يتقون الله شيء من إثم هؤلاء الظالمين، إذا استمروا على ضلالهم، ولكن يجب أن يُذكِّروهم، لعلهم يخشون عذاب الله ويكفون عن الباطل.
70- واترك- أيها النبى- الذين اتخذوا شريعتهم اللهو واللعب، وخدعتهم الحياة الدنيا عن الآخرة، وذَكِّر دائماً بالقرآن، وحذرهم هول يوم تحبس فيه كل نفس بعملها، حيث لا ناصر ولا معين غير الله، وإن كل فدية للنجاة من العذاب لا تقبل. أولئك الكافرون الذين حبسوا في العذاب بسبب ما عملوا من شر، لهم في جهنم شراب من ماء شديد الحرارة، وعذاب شديد الألم بسبب كفرهم.
71- قل لأولاء الكفار توبيخاً لهم، هل يصح أن يعبد غير الله مما لا يملك جلب نفع، ولا دفع ضر، وننتكس في الشرك بعد أن وفقنا الله إلى الإيمان، ونكون كالذى غررت به الشياطين وأضلته في الأرض، فصار في حيرة لا يهتدى معها إلى الطريق المستقيم، وله رفقة مهتدون يحاولون تخليصه من الضلال، قائلين له: ارجع إلى طريقنا السوى، فلا يستجيب لهم. قل- أيها النبى-: إن الإسلام هو الهدى والرشاد، وما عداه ضلال، وقد أمرنا الله بالانقياد له، فهو خالق العالمين ورازقهم ومدبر أمورهم.
72- أعرضوا عن المشركين بعد أن تدعوهم إلى الهدى، وانصرفوا إلى عبادة ربكم، وأدوا الصلاة على أكمل وجه من الخضوع، وخافوا الله، وأدوا أوامره، فإنه هو الذي تجمعون عنده.

.تفسير الآيات (73- 77):

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}
73- وهو الله وحده الذي خلق السموات والأرض، وأقام خلقهما على الحق والحكمة، وفى أي وقت تتجه إرادته سبحانه إلى إيجاد شيء يوجد فوراً، يوجد الأشياء بكلمة: كن، وكل قول له هو الصدق والحق، وله وحده التصرف المطلق يوم القيامة، حين يُنْفَخ في البوق إيذاناً بالبعث، وهو سبحانه الذي يستوى في علمه الغائب والحاضر، وهو الذي يتصرف بالحكمة في جميع أفعاله، والذى يحيط علمه ببواطن الأمور وظواهرها.
74- واذكر- أيها النبى- ما كان، حين قال إبراهيم لأبيه آزر، منكراً عليه عبادة غير الله: ما كان لك أن تجعل الأصنام آلهة؟ إني أراك وقومك الذين يشاركونك في هذه العبادة في بُعْدٍ واضح عن طريق الحق.
75- وكما رأى إبراهيم- بتوفيقنا- ضلال أمته وقومه في تأليه الأصنام نريه مُلكنا العظيم للسموات والأرض وما فيهما، ليقيم الحُجة على قومه، وليزداد إيماناً.
76- طلب إبراهيم ربه، فهداه الله، إذ ستر الليل وجه النهار بظلمته، فرأى نجماً متألقاً، قال: هذا ربى. فلما غاب، قال مبطلا لربوبية النجم: لا أقبل عبادة الآلهة الزائلين المتغيرين!.
77- وحين رأى القمر طالعاً بعد ذلك قال محدثاً نفسه: هذا ربى. فلما غاب هو الآخر، وظهر بطلان ربوبيته، قال ليوجه نفوسهم إلى التماس الهداية: أقسم إن لم يهدنى ربى إلى الحق لأكونن من القوم الحائرين.

.تفسير الآيات (78- 82):

{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}
78- ثم رأى الشمس طالعة بعد ذلك، فقال محدثاً نفسه: هذا ربى، لأنه أكبر ما يرى من الكواكب، فلما غابت قال: يا قوم إني برئ من الأصنام التي تشركونها مع الله في العبادة.
79- بعد أن رأى ضعف المخلوقات اتجه إلى خالقها قائلا: إني وجهت قصدى إلى عبادة الله- وحده- الذي خلق السموات والأرض، مجانباً كل سبيل غير سبيله وما أنا بعد الذي رأيت من دلائل التوحيد- ممن يرضى أن يكون من المشركين مثلهم.
80- ومع ذلك جادله قومه في توحيد الله، وخوفوه غضب آلهتهم، فقال لهم: ما كان لكم أن تجادلونى في توحيد الله وقد هدانى إلى الحق، ولا أخاف غضب آلهتكم التي تشركونها مع الله، لكن إذا شاء ربى شيئاً من الضر وقع ذلك، لأنه- وحده- القادر، وقد أحاط علم ربى بالأشياء كلها، ولا علم لآلهتكم بشئ منها. أتغفلون عن كل ذلك فلا تدركون أن العاجز الجاهل لا يستحق أن يعبد؟!
81- وكيف تتصورون أنى يمكن أن أخاف آلهتكم الباطلة، على حين لا تخافون الإله الحق الذي أشركتم به غيره في العبادة؟! فأى فريق منا في هذه الحالة أحق بالطمأنينة والأمان، إن كنتم تعلمون الحق وتدركونه؟
82- الذين آمنوا بالله، ولم يخلطوا إيمانهم هذا بعبادة أحد سواه، هؤلاء- وحدهم- هم الأحق بالطمأنينة، وهم- وحدهم- المهتدون إلى طريق الحق والخير.

.تفسير الآيات (83- 89):

{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)}
83- وتلك الحُجة العظيمة على ألوهيتنا ووحدانيتنا، أعطيناها إبراهيم ليقيمها على قومه، فارتفع بها عليهم، وسنتنا في عبادنا أن نرفع بالعلم والحكمة من نريد منهم درجات. إن ربك- أيها النبى- حكيم يضع الشئ في موضعه، عليم بمن يستحق الرفعة ومن لا يستحق.
84- ووهبنا لإبراهيم إسحق ويعقوب بن إسحق، ووفقنا كلا منهما إلى الحق والخير كأبيهما، ووفقنا من قبلهم نوحاً إلى ذلك، وهدينا من ذرية نوح داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، وكما جزينا هؤلاء نجزى المحسنين بما يستحقون.
85- وهدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، كل واحد من هؤلاء من عبادنا الصالحين.
86- وهدينا إسماعيل وإليسع ويونس ولوطا، وفضلنا كل واحد من هؤلاء جميعاً على العالمين في زمانه، بالهداية والنبوة.
87- واصطفينا بعض آباء هؤلاء وذرياتهم وإخوانهم، ووفقناهم إلى طريق لا اعوجاج فيه.
88- ذلك التوفيق العظيم الذي ناله هؤلاء، هو توفيق من الله، يوفق إليه من يشاء من عباده. ولو أشرك هؤلاء المختارون لضاعت كل أعمال الخير التي يعملونها، فلا يكون عليها ثواب.
89- أولئك الذين آتيناهم الكتب المنزلة والعلم النافع وشرف النبوة، فإن يجحد بهذه الثلاثة مشركو مكة فقد عهدنا برعايتها والانتفاع بها إلى قوم لا يكفرون بها.

.تفسير الآيات (90- 92):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}
90- أولئك الذين وفقهم الله إلى طريق الحق والخير، فاتبعهم فيما اجتمعوا عليه من أصول الدين وأمهات الفضائل، ولا تسلك غير سبيلهم.. قل- أيها النبى- لقومك كما قال هؤلاء لأقوامهم: لا أطلب منكم على تبليغ كلام الله أجراً! ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين، ولا غاية لى إلا أن تنتفعوا به.
91- هؤلاء الكفار لم يقدروا الله ورحمته وحكمته حق التقدير، إذ أنكروا أن تنزل رسالته على أحد من البشر! قل- أيها النبى- للمشركين ومن يشايعهم على ذلك من اليهود: من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً يضئ، وهدى يرشد؟ إنكم- أيها اليهود- تجعلون كتابته في أجزاء متفرقة تظهرون منها ما يتفق وأهواءكم، وتخفون كثيراً مما يلجئكم إلى الإيمان والتصديق بالقرآن، وعلمتم منه ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم!! وتول أنت- أيها النبى- الجواب، وقل لهم: الله هو الذي أنزل التوراة، ثم اتركهم يمضون في الضلال عابثين كالصبيان.
92- وهذا القرآن كتاب أنزلناه- كما أنزلنا التوراة- كثير الخير، باق إلى يوم القيامة، مصدق لما تقدمه من الكتب المنزلة، مخبر عن نزولها، لتبشر به المؤمنين، وتخوف الكفار من أهل مكة ومن حولها في جميع أنحاء الأرض من غضب الله، إذا لم يذعنوا له. والذين يصدقون بيوم الجزاء يحملهم رجاء الثواب والخوف من العقاب على الإيمان به، وهم لذلك يحافظون على أداء صلاتهم كاملة مستوفاة.

.تفسير الآيات (93- 95):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}
93- لم يكذب النبي حين أعلن أن القرآن من عند الله، وليس أحد أكثر ظلماً ممن اختلق الكذب على الله، أو قال: تلقيت وحياً من الله، دون أن يكون قد تلقى شيئاً من الوحى. وليس أحد كذلك أشد ظلماً ممن قال: سآتى بكلام مثل ما أنزله الله! ولو تعلم حال الظالمين، وهم في شدائد الموت. والملائكة ينزعون أرواحهم من أجسادهم في قسوة وعنف، لرأيت هوْلاً رهيباً ينزل بهم! ويقال لهم حينئذ: الآن تبدأ مجازاتكم بالعذاب المذل المهين، جزاء ما كنتم تقولون على الله غير الحق، وجزاء استكباركم عن النظر والتدبر في آيات الله الكونية والقرآنية.
94- ويقول لهم الله يوم القيامة: لقد تأكدتم الآن بأنفسكم أنكم بعثتم أحياء من قبوركم كما خلقناكم أول مرة، وجئتم إلينا منفردين عن المال والولد والأصحاب، وتركتم وراءكم في الدنيا كل ما أعطيناكم إياه مما كنتم تغترون به ولا نرى معكم اليوم الشفعاء الذين زعمتم أنهم ينصرونكم عند الله، وأنهم شركاء لله في العبادة! لقد تقطعت بينكم وبينهم كل الروابط، وغاب عنكم ما كنتم تزعمون أنهم ينفعونكم!
95- إن دلائل قدرة الله على البعث، واستحقاقه وحده للعبادة، وبعثه للناس من قبورهم، متوافرة متنوعة، فهو وحده الذي يشق الحب، ويخرج منه النبات، ويشق النوى ويخرج منه الشجر، ويخرج الحى من الميت كالإنسان من التراب، ويخرج الميت من الحى كاللبن من الحيوان، ذلك القادر العظيم هو الإله الحق، فليس هناك صارف يصرفكم عن عبادته إلى عبادة غيره.