فصل: تفسير الآيات (43- 47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (43- 47):

{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)}
43- لقد عفا الله عنك- أيها الرسول- في إذنك لهؤلاء المنافقين في التخلف عن الجهاد، قبل أن تتبيَّن أمرهم، وتعلم الصادق من أعذارهم إن كان، كما تعرف الكاذبين منهم في ادعائهم الإيمان وفى انتحال الأعذار غير الصادقة.
44- ليس من شأن المؤمنين حقاً بالله، وحسابه في اليوم الآخر، أن يستأذنوك في الجهاد بالمال والنفس، أو في التخلف عنك، لأن صدق إيمانهم يحبب إليهم الجهاد في سبيل الله. والله يعلم صدق نِيَّات المؤمنين.
45- إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون إيماناً صادقاً بالله وحسابه في اليوم الآخر، فإن قلوبهم دائماً في شك وريبة، وهم يعيشون في حيرة، وسينالون جزاء ذلك.
46- ولو صدقت نيَّة هؤلاء المنافقين في الخروج مع الرسول للجهاد، لأخذوا أهبة الحرب واستعدوا لها، ولكن الله كره خروجهم لعلمه أنهم لو خرجوا معكم لكانوا عليكم لا لكم، فعوّقهم عن الخروج بما امتلأت به قلوبهم من النفاق، وقال قائلهم: اقعدوا مع القاعدين من أصحاب المعاذير.
47- ولو خرجوا معكم إلى الجهاد ما زادوكم بخروجهم قوة، ولكن يُشيعون الاضطراب أو يُسرعون إلى الفتنة، ويشيعونها فيما بينكم، وفيكم مَنْ يجهل خُبث نيَّاتهم، ويمكن أن يُخْدَع بكلامهم، أو لضعفه يسمع دعوتهم إلى الفتنة، والله عليم بهؤلاء المنافقين الذين يظلمون أنفسهم بما أضمروه من الفساد.

.تفسير الآيات (48- 53):

{لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)}
48- وقد سبق أن سعى هؤلاء المنافقون بالفتنة فيما بينكم، ودبروا لك- أيها الرسول- المكايد، فأحبط الله تدبيرهم، وحقق نصرك، وأظهر دينه على الرغم منهم.
49- وبعض المنافقين كان يقول للرسول: ائذن لى في القعود عن الجهاد، ولا توقعنى في شدة وضيق. إنهم بهذا الموقف قد أوقعوا أنفسهم في معصية الله، وإن نار جهنم لمحيطة بهم في اليوم الآخر.
50- هؤلاء المنافقون لا يريدون بك- أيها الرسول- وبأصحابك إلا المكاره، فيتألمون إذا نالكم خير من نصر أو غنيمة، ويفرحون إذا أصابكم شر من جراح أو قتل، ويقولون حينئذ شامتين: قد أخذنا حذرنا بالقعود عن الخروج للجهاد، وينصرفون مسرورين.
51- قل لهم أيها الرسول: لن ينالنا في دنيانا من الخير أو الشر إلا ما قدره الله علينا، فنحن راضون بقضاء الله، لا نغتر بالخير نناله، ولا نجزع بالشر يصيبنا، فإن الله وحده المتولى لجميع أمورنا، وعليه- وحده- يعتمد المؤمنون الصادقون.
52- قل لهم- أيها الرسول- ليس لكم أن تتوقعوا شيئاً ينالنا إلا إحدى العاقبتين الحميدتين، إما النصر والغنيمة في الدنيا، وإما الاستشهاد في سبيل الله والجنة في الآخرة، ونحن ننتظر لكم أن يوقع الله بكم عذاباً من عنده يهلككم به، أو يعذبكم بالذلة على أيدينا، فانتظروا أمر الله، ونحن معكم منتظرون أمره.
53- قل- أيها الرسول- للمنافقين، الذين يريدون أن يستروا نفاقهم بإنفاق المال في الجهاد وغيره: أنفقوا ما شئتم طائعين أو مكرهين، فلن يتقبل الله عملكم الذي أحبطه نفاقكم، إنكم دائماً متمردون على دين الله، خارجون على أمره.

.تفسير الآيات (54- 58):

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
54- وما منع الله من قبول نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله، والكفر يحبط الأعمال، وإلا أنهم لا يؤدون الصلاة على الوجه الذي أمروا أن يؤدوها عليه، فهم يؤدونها غير مقبلين عليها ستراً لنفاقهم، ولا ينفقون شيئاً إلا وهم كارهون لهذا الإنفاق في سرائرهم.
55- ولا يروقك- أيها السامع- ويأخذ بقلبك، ما ترى من المنافقين فيه من مال وبنين، فإن الله ما أعطاهم هذا إلا ليكابدوا في سبيله المتاعب والمشقات، لحفظه في الحياة الدنيا، دون أن يؤجروا على ذلك، ويدركهم الموت وهم كافرون، فيعذبون بسببها في الآخرة.
56- ويقسم هؤلاء المنافقون كذباً لكم- يا جماعة المؤمنين- أنهم مؤمنون مثلكم، والحقيقة أنهم ليسوا مؤمنين بالله، ولكنهم قوم من شأنهم الضعف والخوف، وإن ذلك يدفعهم إلى النفاق والخوف الدائم، فهم يؤكدونه بالأيْمان الفاجرة.
57- وهم يضيقون بكم، ويكرهون معاشرتكم، ولو يجدون حصناً أو سراديب في الجبال أو جحوراً في الأرض يدخلون فيها، لانصرفوا إليها مسرعين.
58- وبعض هؤلاء المنافقين يعيبك- أيها الرسول- ويطعن عليك في قسمة الصدقات والغنائم، إذ لا هم لهم إلا حطام الدنيا، فإن أعطيتهم ما يرغبون منها رضوا عن عملك، وإن لم تعطهم تعجلوا بالسخط عليك.

.تفسير الآيات (59- 60):

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}
59- ولو أن هؤلاء المنافقين، الذين عابوك في قسم الصدقات والغنائم، رضوا بما قسم الله لهم، وهو ما أعطاهم رسوله، وطابت نفوسهم به- وإن قل- وقالوا: كفانا حكم الله، وسيرزقنا الله من فضله، ويعطينا رسوله أكثر مما أعطانا في هذه المرة، وإنا إلى طاعة الله وأفضاله وإحسانه لراغبون، لو أنهم فعلوا ذلك لكان خيراً لهم.
60- لا تُصرف الزكاة المفروضة إلا للذين لا يجدون ما يكفيهم، والمرضى الذين لا يستطيعون كسباً ولا مال لهم، والذين يجمعونها ويعملون فيها، والذين تؤلف قلوبهم، لأنهم يرجى منهم الإسلام والانتفاع بهم في خدمته ونصرته، والذين يدعون إلى الإسلام ويبشرون به، وفى عتق رقاب الأرقاء والأسرى من ربقة العبودية وذل الأسر، وفى قضاء الديون عن المدينين العاجزين عن الأداء، إذا لم تكن ناشئة عن إثم أو ظلم أو سفه، وفى إمداد الغزاة بما يعينهم على الجهاد في سبيل الله، وما يتصل بذلك من طريق الخير ووجوه البر، وفى عون المسافرين إذا انقطعت أسباب اتصالهم بأموالهم وأهليهم. شرع الله ذلك فريضة منه لمصلحة عباده، والله سبحانه عليم بمصالح خلقه، حكيم فيما يشرع.

.تفسير الآيات (61- 65):

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)}
61- ومن الناس منافقون يتعمَّدون إيذاء النبى، وتناوله بما يكره، فيتهمونه بأنه محب لسماع كل ما يقال له من صدق وكذب، وأنه يخدع بما يسمع، فقل لهم- أيها الرسول-: إن من تتناولونه في غيبته بهذه التهمة، ليس كما زعمتم، بل هو أذن خير لا يسمع إلا الصدق، ولا يخدع بالباطل، يصدق بالله ووحيه، ويصدق المؤمنين، لأن إيمانهم يمنعهم عن الكذب، وهو رحمة لكل من يؤمن منكم. وإن الله أعد لمن يؤذيه عذاباً مؤلماً دائماً شديداً.
62- يتخلفون عنكم في قتال أعدائكم دون تردد، ثم يعتذرون عن تخلفهم كذباً، ويحلفون لكم لترضوا عنهم وتقبلوا معاذيرهم، والله والرسول أحق بحرصهم على رضائه إن كانوا مؤمنين حقاً.
63- ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن مَن يكفر، أو يُحاد الله ورسوله جزاؤه العذاب الدائم في نار جهنم، وذلك هو العار الفاضح، والذل الشديد.
64- المنافقون يستهزئون فيما بينهم بالرسول، ويخشون أن يفتضح أمرهم، فتنزل فيهم على النبي آيات من القرآن تظهر ما يخفون في قلوبهم ويسرونه فيما بينهم، فقل لهم- أيها الرسول- استهزئوا ما شئتم، فإن الله مظهر ما تخشون ظهوره.
65- تأكد- أيها الرسول- أنك إن سألت المنافقين، بعد افتضاح أمرهم، عن سبب طعنهم في الدين واستهزائهم بالله وآياته، اعتذروا بقولهم: كنا نخوض في الحديث ونلهو، فقل لهم: كيف ساغ لكم أن تخوضوا أو تلهوا مستهزئين بالله وآياته ورسوله؟!

.تفسير الآيات (66- 69):

{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)}
66- لا تعتذروا بهذه المعاذير الباطلة، قد ظهر كفركم بعد ادعائكم الإيمان، فإن نعف عن طائفة منكم تابت وآمنت بسبب إيمانها وصدق توبتها، فإنا نعذب طائفة أخرى منكم بسبب إصرارها على الكفر والنفاق، وإجرامها في حق الرسول والمؤمنين.
67- المنافقون والمنافقات يتشابهون في أنهم يفعلون القبيح ويأمرون به، ويتركون الحق وينهون عنه، ويبخلون ببذل المال في وجوه الخير، فهم كأجزاء من شيء واحد، أعرضوا عن الله فأعرض عنهم ولم يهدهم، لأنهم هم الخارجون عن طاعة الله.
68- كتب الله للمنافقين وللكافرين نار جهنم يعذبون فيها ولا يخرجون منها، وهى حَسْبهم عقاباً، وعليهم مع هذا العقاب غضب الله والعذاب الدائم يوم القيامة.
69- إن حالكم- أيها المنافقون- كحال أمثالكم ممن سبقوكم إلى النفاق والكفر، فإنهم وقد كانوا أقوى منكم وأكثر أموالاً وأولاداً، استمتعوا بما قُدِّر لهم من حظوظ الدنيا، وأعرضوا عن ذكر الله وتقواه، وقابلوا أنبياءهم بالاستخفاف، وسخروا منهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وقد استمتعتم بما قُدِّر لكم من ملاذ الدنيا كما استمتعوا، وخضتم فيما خاضوا فيه من المنكر والباطل، إنهم قد بطلت أعمالهم، فلم تَنْفعهُم في الدنيا ولا في الآخرة، وكانوا هم الخاسرين، وأنتم مثلهم في سوء الحال والمآل.

.تفسير الآيات (70- 73):

{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)}
70- أفلا يعتبر المنافقون والكافرون بحال الذين سبقوهم، من قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم شعيب وقوم لوط، جاءتهم رسل الله بالحُجج البينات من عند الله، فكذبوا وكفروا، فأخذ الله كُلاً بذنبه، وأهلكهم جميعاً، وما ظلمهم الله بهذا، ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وتمردهم على الله واستحقاقهم العذاب- وحدهم- فهم الذين يظلمون أنفسهم.
71- والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أحباء ونصراء بعض بمقتضى الإيمان، يأمرون بما يأمر به دينهم الحق، وينهون عما ينكره الدين، يؤدون الصلاة في أوقاتها، ويؤتون الزكاة لمستحقيها في إبَّانها، ويمتثلون ما يأمر به اللَّه ورسوله، ويجتنبون ما ينهى عنه اللَّه ورسوله، وهؤلاء هم الذين سيظلون في رحمة اللَّه، فإن اللَّه قادر على رعايتهم بالرحمة، حكيم في عطائه.
72- وقد وعدهم اللَّه الجنة خالدين في نعيمها، وأعد لهم مساكن تطيب بها نفوسهم في دار الإقامة والخلود، ولهم مع ذلك رضاء اللَّه عنهم يستشعرون به، وهو النعيم الأكبر، وذلك هو الفوز العظيم.
73- يا أيها النبى، ثابر على جهادك في ردع الكفار عن كفرهم، والمنافقين عن نفاقهم، واشتد عليهم في جهادك، وإن مآلهم الذي أعدَه اللَّه لهم في الآخرة هو جهنم، وما أَسوأ هذا المصير.