فصل: سورة يونس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.سورة يونس:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}
1- هذه حروف بدأ الله تعالى بها السورة، وهو أعلم بمراده منها، وهى مع ذلك تشير إلى أن القرآن مُكَوَّن من مثل هذه الحروف، ومع ذلك عجزتم عن أن تأتوا بمثله، وهذه الحروف الصوتية تثير انتباه المشركين فيستمعون إليه، وإن اتفقوا على عدم استماع هذه الآيات الكريمة ونحوها التي هي آيات القرآن المحكم في أسلوبه ومعانيه، الذي اشتمل على الحكمة وما ينفع الناس في أمور دينهم ودنياهم.
2- ما كان للناس أن يَعجبوا ويُنكروا وحْينا إلى رجل منهم محمد، ليُحذّر الناس من عذاب الله، ويُبَشّر الذين آمنوا منهم بأن لهم منزلة عالية عند ربهم، لا يتخلف وعد الله، وما كان لهؤلاء المنكرين أن يقولوا عن محمد- رسولنا-: إنه ساحر واضح أمره.

.تفسير الآيات (3- 5):

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
3- إن ربكم- أيها الناس- هو الله الذي خلق السموات والأرض وما فيهما في ستة أيام لا يعلم إلا الله مداها. ثم هيْمن- بعظيم سلطانه- وحده، ودبَّر أمور مخلوقاته، فليس لأحد سلطان مع الله في شيء، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يشفع لأحد إلا بإذنه. ذلكم الله الخالق، هو ربكم وولى نعمتكم فاعبدوه- وحده- وصدقوا رسوله، وآمنوا بكتابه. فعليكم أن تذكروا نعمة الله وتتدبروا آياته الدالة على وحدانيته.
4- وكما بدأ الله الخلق فإليه- وحده- مرجعكم، ومرجع المخلوقات كلها، وقد وعد الله بذلك وعداً صادقاً لا يتخلف. وإنه سبحانه بدأ الخلق بقدرته، وبعد فنائه سيعيده بقدرته، ليثيب المؤمنين المطيعين بعدله التام، وأما الكافرون فلهم شراب في جهنم شديد الغليان، ولهم عذاب موجع جزاء كفرهم.
5- وربكم الذي خلق السموات والأرض، والذى جعل الشمس تشع الضياء، والقمر يرسل النور، وجعل للقمر منازل ينتقل فيها، فيختلف نوره تبعاً لهذه المنازل، لتستعينوا بهذا في تقدير مواقيتكم، وتعلموا عدد السنين والحساب، وما خلق الله ذلك إلا بالحكمة، وهو سبحانه يبسط في كتابه الآيات الدالة على ألوهيته وكمال قدرته، لكى تتدبروها بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم.

.تفسير الآيات (6- 9):

{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
6- إن في تعاقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة والنقصان، وفى خلْق السموات والأرض وما فيهما من الكائنات، لأدلة واضحة وحُججاً بينة على ألوهية الخالق وقدرته لمن يتجنبون غضبه ويخافون عذابه.
7- إن الذين لا يؤمنون بالبعث ولقاء الله في اليوم الآخر، واعتقدوا- واهمين- أن الحياة الدنيا هي منتهاهم وليس بعدها حياة، فاطمأنوا بها، ولم يعملوا لما بعدها، وغفلوا عن آيات الله الدالة على البعث والحساب.
8- هؤلاء مأواهم الذي يستقرون فيه هو النار، جزاء ما كسبوا من الكفر وقبيح الأعمال.
9- إن الذين آمنوا إيماناً صحيحاً، وعملوا الأعمال الصالحة في دنياهم يثبتهم ربهم على الهداية بسبب إيمانهم، ويدخلون يوم القيامة جنات تجرى الأنهار خلالها، وينعمون فيها نعيماً خالداً.

.تفسير الآيات (10- 13):

{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
10- دعاء المؤمنين في هذه الجنات تسبيح وتنزيه لله عما كان يقوله الكافرون في الدنيا، وتحية الله لهم، وتحية بعضهم لبعض تقرير للأمن والاطمئنان، وخاتم دعائهم دائماً حمد الله على توفيقه إياهم بالإيمان، وظفرهم برضوانه عليهم.
11- ولو أجاب الله ما يستعجل به الناس على أنفسهم من الشر مثل استعجالهم لطلب الخير، لأهلكهم وأبادهم جميعاً، ولكنه يتلطف بهم، فيرجئ هلاكهم، انتظاراً لما يظهر منهم حسب ما علمه فيهم، فتتضح عدالته في جزائهم، إذ يتركون- والأدلة قائمة عليهم- يتعمدون الانحراف والاتجاه إلى طريق الضلال والظلم.
12- وإذا أصاب الإنسان ضر في نفسه أو ماله أو نحو ذلك، أحس بضعفه ودعا ربه على أي حال من حالاته، مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً، أن يكشف ما نزل به من محنته، فلما استجاب الله له، فكشف عنه ضره، انصرف عن جانب الله واستمر على عصيانه، ونسى فضل الله عليه، كأنه لم يصبه ضر ولم يدع الله إلى كشفه، وكمثل هذا المسلك زيَّن الشيطان للكافرين ما عملوا من سوء وما اقترفوا من باطل.
13- ولقد أهلكنا الأمم السابقة عليكم بسبب كفرهم حين جاءتهم رسلهم بالآيات الواضحة على صدق دعوتهم إلى الإيمان، وما كان في علم الله أن يحصل منهم إيمان، بسبب تشبثهم بالكفر والعصيان، فاعتبروا يا كفار قريش، فكما أهلكنا مَنْ قبلكم، سنجزى المجرمين بإهلاكهم.

.تفسير الآيات (14- 17):

{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}
14- ثم جعلناكم- يا أمة محمد- خلفاء في الأرض، تعمرونها من بعد هؤلاء السابقين، لنختبركم ونظهر ما تختارونه لأنفسكم من طاعة أو عصيان، بعد أن عرفتم ما جرى على أسلافكم.
15- وحينما تجلت آيات القرآن من رسولنا- محمد- على المشركين، قال له الكافرون الذين لا يخافون عذاب الله ولا يرجون ثوابه: آتنا كتاباً غير هذا القرآن، أو بَدِّل ما فيه مما لا يعجبنا. قل لهم- أيها الرسول: لا يمكننى ولا يجوز أن أغير أو أبدل فيه من عندى. ما أنا إلا متبع ومبلغ ما يوحى إلىَّ من ربى، إني أخاف إن خالفت وحى ربى عذاب يوم عظيم خطره، شديد هوله.
16- قل لهم- يا أيها الرسول-: لو شاء الله ألا ينزل علىَّ قرآناً من عنده، وألا أبلغكم به ما أنزله، وما تلوته عليكم، ولا أعلمكم الله به. لكنه نزل، وأرسلنى به، وتلوته عليكم كما أمرنى، وقد مكثت بينكم زمناً طويلا قبل البعث لم أدّع فيه الرسالة، ولم أتل عليكم شيئاً، وأنتم تشهدون لى بالصدق والأمانة، ولكن جاء الوحى به فأمرت بتلاوته، ألا فاعقلوا الأمور وأدركوها، واربطوا بين الماضى والحاضر.
17- ليس هناك أشد ظلماً لنفسه ممن كفر وافترى الكذب على الله، أو كذب بآيات الله التي جاء بها رسوله. إنه لا ينجح الكافر في عمله، وقد خسر خسراناً مبيناً بكفره، ومغاضبته لله تعالى.

.تفسير الآيات (18- 21):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
18- ويعبد هؤلاء المشركون- المفترون على الله بالشرك- أصناماً باطلة، لا تضرهم ولا تنفعهم، ويقولون: هؤلاء الأصنام يشفعون لنا عند الله في الآخرة، قل لهم- أيها الرسول-: هل تخبرون الله بشريك لا يعلم الله له وجوداً في السموات ولا في الأرض؟! تنزه الله عن الشريك وعما تزعمونه بعبادة هؤلاء الشركاء.
19- وما كان الناس في تكوينهم إلا أمة واحدة بمقتضى الفطرة، ثم بعثنا إليهم الرسل لإرشادهم وهدايتهم بمقتضى وحى الله تعالى، فكانت تلك الطبيعة الإنسانية التي استعدت للخير والشر سبباً في أن يغلب الشر على بعضهم، وتحكم الأهواء ونزغات الشيطان، فاختلفوا بسبب ذلك. ولولا حكم سابق من ربك بإمهال الكافرين بك- أيها النبى- وإرجاء هلاكهم إلى موعد محدد عنده، لعجل لهم الهلاك والعذاب، بسبب الخلاف الذي وقعوا فيه، كما وقع لأمم سابقة.
20- ويقول هؤلاء المشركون: هلا أنزل على محمد معجزة من عند الله غير القرآن، تقنعنا بصدق رسالته؟ فقل لهم- أيها الرسول-: إن نزول الآيات غيب، ولا أحد يعلم الغيب إلا الله، وإن كان القرآن لا يقنعكم فانتظروا قضاء الله بينى وبينكم فيما تجحدونه، إني معكم من المنتظرين.
21- ومن شأن الناس أننا إذا أنعمنا عليهم، من بعد شدة أصابتهم في أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم، لم يشكروا الله على ما أنعم به عليهم بعد صرف الضر عنهم، بل هم يقابلون ذلك بالإمعان في التكذيب والكفر بالآيات. قل- أيها الرسول-: إن الله قادر على إهلاككم والإسراع بتعذيبكم، لولا حكم سابق منه بإمهالكم إلى موعد اختص- وحده- بعلمه. إن رسلنا من الملائكة الموكلين بكم يكتبون ما تمكرون، وسيحاسبكم ويجازيكم.

.تفسير الآيات (22- 24):

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
22- الله الذي تكفرون بنعمه، وتُكَذِّبون بآياته، هو الذي يُمكِّنكم من السير والسعى في البر مشاة وركباناً، وفى البحر بما سخَّر لكم من السفن التي تجرى على الماء، بما يهيئ الله لها من ريح طيبة تدفعها في أمان إلى غايتها، حتى إذا اطمأننتم إليها وفرحتم بها هبت ريح عاصفة أثارت عليكم الموج من كل جانب، وأيقنتم أن الهلاك واقع لا محالة، في هذه الشدة لا تجدون ملجأ غير الله فتدعونه مخلصين في الدعاء، وموقنين أنه لا منقذ لكم سواه، متعهدين له لئن أنجاكم من هذه الكربة لتؤمنن به ولتكونن من الشاكرين.
23- فلما أنجاهم مما تعرضوا له من الهلاك، نقضوا عهدهم، وعادوا مسرعين إلى الفساد الذي كانوا من قبل- يا أيها الناس- الناقضون للعهد إن عاقبة اعتدائكم وظلمكم سترجع عليكم- وحدكم- وإن ما تتمتعون به في دنياكم متاع دنيوى زائل، ثم إلى الله مصيركم في النهاية فيجزيكم بأعمالكم التي أسلفتموها في دنياكم.
24- ما حالة الحياة الدنيا في روعتها وبهجتها، ثم في فنائها بعد ذلك، إلا كحالة الماء ينزل من السماء، فيختلط به نبات الأرض، مما يأكله الناس والحيوان، فيزدهر ويثمر وتزدان به الأرض نضارة وبهجة، حتى إذا بلغت هذه الزينة تمامها، وأيقن أهلها أنهم مالكون زمامها ومنتفعون بثمارها وخيراتها، فاجأها أمرنا بزوالها فجعلناها شيئاً محصوداً، كأن لم تكن آهلة بسكانها وآخذة بهجتها من قبل، ففى كلتا الحالتين نضارة وازدهار يبتهج بهما الناس، ثم يعقبهما زوال ودمار، وكما بيَّن الله ذلك بالأمثال الواضحة، يبيِّن الآيات ويفصل ما فيها من أحكام وآيات لقوم يتفكرون ويعقلون.

.تفسير الآيات (25- 30):

{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
25- والله يدعو عباده بالإيمان والعمل الصالح إلى الجنة دار الأمن والاطمئنان، وهو سبحانه يهدى من يشاء هدايته- لحسن استعداده وميله إلى الخير- إلى الطريق الحق وهو السلام.
26- للذين أحسنوا بالاستجابة لدعوة الله، فآمنوا وعملوا الخير لدينهم ودنياهم، لهم المنزلة الحسنى في الآخرة وهى الجنة، ولهم زيادة على ذلك فضلا من الله وتكريماً، ولا يغشى وجوههم كآبة من همّ وهوان، وهؤلاء هم أهل الجنة الذين ينعمون فيها أبداً.
27- والذين لم يستجيبوا لدعوة الله، فكفروا واقترفوا المعاصى فسيجزون بمثل ما عملوا من سوء، ويغشاهم الهوان، وليس لهم واقٍ يمنعهم من عذاب الله، ووجوهم مسودة من الغم والكآبة كأنما أسدل عليها سواد من ظلمة الليل، وهم أهل النار يشقون فيها أبداً.
28- واذكر- أيها الرسول- هوْل الموقف، يوم نجمع الخلائق كافة، ثم نقول للذين أشركوا في عبادتهم مع الله غيره: قفوا مكانكم أنتم ومن اتخذتموهم شركاء من دون الله، حتى تنظروا ما يفعل بكم، فوقعت الفرقة بين المشركين والشركاء، وتبرأ الشركاء من عابديهم، قائلين لهم: لم ندعكم إلى عبادتنا، وما كنتم تعبدوننا، وإنما كنتم تعبدون أهواءكم.
29- ويكفينا الله بعلمه وحكمه شهيداً وفاصلاً بيننا وبينكم. إنا كنا بمعزل عنكم لا نشعر بعبادتكم لنا.
30- في ذلك الموقف تعلم كل نفس ما قدَّمت من خير أو شر، وتلقى جزاءها. وفى هذا الموقف أيقن المشركون بوحدانية الله الحق، وبطل كل ما كانوا يفترونه على الله.