فصل: تفسير الآيات (26- 30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (26- 30):

{أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)}
26- قائلاً لهم: إني أطلب منكم ألا تعبدوا إلا الله، لأنى أخاف عليكم- إن عبدتم غيره أو أشركتم معه سواه في العبادة- أن يحل عليكم يَوْمٌ عذابه ذو ألم شديد.
27- قال الكبار من قومه: ما نرى إلا أنك بشر مثلنا، فليس فيك ما يجعل لك ميزة خاصة، وفضلاً يحملنا على الإيمان بأنك رسول من عند الله، وما نرى الذين اتبعوك من بيننا إلا الطبقة الدنيا منا، وما نرى لكم من فضل علينا. بل إنا نعتقد أنكم كاذبون فيما تزعمون.
28- قال نوح: يا قوم، أخبرونى- إن كنت مؤيَّداً بحُجة واضحة من ربى، وأعطانى برحمته النبوة والرسالة، فحَجَب نورها عنكم، وعمَّاها عليكم اغتراركُم بالجاه والمال- فهل يصح أن نلزمكم بالحُجة والإيمان بها مضطرين كارهين؟.
29- ويا قوم، لا أطلب منكم على تبليغ رسالة ربى مالا، وإنما أطلب جزائى من الله، وما أنا بطارد الذين آمنوا بربهم عن مجلسى ومعاشرتى، لمجرد احتقاركم لهم. لأنهم سيلاقون ربهم يوم القيامة، فيشكوننى إليه إن طردتهم لفقرهم، ولكنى أراكم قوماً تجهلون ما يصح أن يتفاضل به الخلق عند الله. أهو الغنى والجاه، كما تزعمون؟ أم اتّباع الحق وعمل الخير؟.
30- ويا قوم، لا أحد يستطيع منع عقاب الله عنى إن طردتهم، وهم المؤمنون به، أهَلْ بعد هذا تصرون على جهلكم، فلا تتذكرون أن لهم رباً ينتقم لهم؟.

.تفسير الآيات (31- 36):

{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}
31- ولا أقول لكم، لأنى رسول، إن عندى خزائن رزق الله أتصرف فيها كما أشاء، فأجعل من يتبعنى غنياً! ولا أقول: إني أعلم الغيب، فأخبركم بما اختص به علم الله، بحيث لا يعلمه أحد من العباد!، ولا أقول: إني ملك حتى تردوا على بقولكم: ما ذاك إلا بشر، ولا أقول عن الذين تحتقرونهم إن الله لن يؤتيهم خيراً إرضاء لرغباتكم، لأن الله- وحده- هو الذي يعلم ما في أنفسهم من إخلاص. إني إذا قلت لهم ما تحبونه، أكون من زمرة الظالمين لأنفسهم ولغيرهم. د
32- قالوا: يا نوح قد جادلتنا لنؤمن بك فأكثرت جدالنا، حتى مَلِلْنا، ولم نعد نتحمل منك كلاماً، فأتنا بهذا العذاب الذي تهددنا به، إن كنت صادقاً في أن الله يعذبنا إذا لم نؤمن بك.
33- قال نوح: هذا أمر بيد الله- وحده- فهو الذي يأتيكم بما يشاء حسب حكمته، ولستم بمفلتين من عذابه إذا جاء، لأنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
34- ولا ينفعكم نصحى لمجرد إرادتى الخير لكم، إن كان الله يريد أن تضلوا لعلمه وتقديره فساد قلوبكم حتى صارت لا تقبل حقاً، وهو سبحانه ربكم، وسيرجعكم إليه يوم القيامة، ويجازيكم على ما كنتم تعملونه.
35- إن هذا القَصصَ الصادق، ماذا يكون موقف المشركين منه؟ أيقولون افتراه؟ وإن قالوا ذلك، فقل- أيها الرسول- إن كنت افتريته على الله كما تزعمون، فهو جرم عظيم، علىَّ وحدى إثمه، وإذا كنت صادقاً، فأنتم المجرمون وأنا برئ من آثار جرمكم.
36- وأوحى الله إلى نوح: أنه لن يصدّقك ويذعن للحق من قومك أحد بعد الآن- غير من سبق منه الإيمان قبل ذلك- فلا تحزن يا نوح بسبب ما كانوا يفعلونه معك من تكذيبك وإيذائك؛ لأننا سننتقم منهم قريباً.

.تفسير الآيات (37- 41):

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}
37- وقلنا له: اصنع الفلك لننجيك عليها بعنايتنا، وتحت رعايتنا، ولا تخاطبنى في شأن هؤلاء الظالمين لأننى استجبت دعاءك، وأمرت بإهلاكهم غرقاً.
38- وشرع نوح في عمل الفلك، وكلما مرَّ عليه قادة الكفر من قومه استهزأوا به، لجهلهم ولعدم معرفة الغرض الذي يقصده، قال نوح: إن تسخروا منا لجهلكم بصدق وعد الله، فإنا أيضاً سنسخر منكم كما تسخرون منا.
39- فسوف تعلمون من منا الذي سيأتيه عذاب يُذله في الدنيا، ويحل عليه في الآخرة عذاب دائم خالد.
40- حتى إذا جاء وقت أمرنا بإهلاكهم، جاء الماء بقوة فائراً ذا رغوة، كالماء الذي يغلى فوق النار، قلنا لنوح: احْمل معك في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكراً وأنثى، واحْمل فيها أيضاً أهل بيتك جميعاً، إلا من سبق عليه حكمنا بإهلاكه، واحْمل فيها أيضاً من آمن من قومك، ولم يكونوا إلا عدداً قليلاً.
41- وقال نوح للذين آمنوا من قومه- بعد أن أعدّ الفلك-: اركبوا فيها متيمنين بذكر اسم الله تعالى، وقت إجرائها، وفى وقت رسوها، وعند النزول فيها والخروج منها، وارجو مغفرة الله على ما فرط منكم، ورحمته بكم، فإن المغفرة والرحمة من شأنه سبحانه وتعالى.

.تفسير الآيات (42- 46):

{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)}
42- ونزلوا في السفينة، فصارت تجرى بهم سائرة في موج يعلو ويرتفع، حتى يصير كالجبال في علوها، وفى ابتداء سيرها تذكر نوح ابنه بعاطفة الأبوة، وقد كان في معزل عن دعوة أبيه فناداه: اركب معنا يا بُنى ولا تكن مع الجاحدين بدين الله تعالى.
43- لم يطع الولد أباه الشفيق، وقال: سأتخذ مأوى لى مكاناً يمنعنى من الماء، فقال الأب العالم بقضاء الله في شأن العصاة: يا بُنى لا يوجد ما يمنع من حكم الله تعالى بالإغراق للظالمين، وغاب الولد عن أبيه الناصح بالموج المرتفع؛ فكان مع المغرقين الهالكين الجاحدين.
44- وبعد أن هلك الجاحدون بالإغراق، جاء أمر الله التكوينى، فقيل بحكم التكوين: ابْلَعى ماءك أيتها الأرض، وامتنعى عن إنزال الماء أيتها السماء، فذهب الماء من الأرض، ولم تمد بشئ من السماء، وانتهى حكم الله بالإهلاك واستوت الفلك، ووقفت عند الجبل المسمى بالجودى، وقضى الله بإبعاد الظالمين عن رحمته، فقيل: هلاكاً للقوم الظالمين بسبب ظلمهم.
45- ثارت الشفقة في قلب نوح على ابنه، فنادى رَبَّه ضارعاً مشفقاً فقال: يا خالقى ومنشئى، إن ابنى قطعة منى، وهو من أهلى. وقد وعدت أن تنجى أهلى، وإن وعدك حق ثابت واقع، وأنت أعدل الحاكمين، لأنك أعلمهم، ولأنك أكثر حكمة من كل ذوى الحكم.
46- قال الله سبحانه: إن ابنك ليس من أهلك، إذ أنه بكفره وسيره مع الكافرين قد انقطعت الولاية بينك وبينه، وقد عمل أعمالا غير صالحة، فلم يصر منك، فلا تطلب ما لا تعلم: أهو صواب أم خطأ؟ ولا تَسِرْ وراء شفقتك وإنى أرشدك إلى الحق لكيلا تكون من الجاهلين الذين تنسيهم الشفقة الحقائق الثابتة.

.تفسير الآيات (47- 51):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)}
47- قال نوح: يا خالقى ومتولى أمرى ألجأ إليك فلا أسألك من بعد ما لا أعلم الحق فيه، واغفر لى ما قلته بدافع شفقتى، وإن لم تتفضل علىَّ بمغفرتك، وترحمنى برحمتك، كنت في عداد الخاسرين.
48- قيل بلسان الوحى: يا نوح، انزل على الأرض من سفينة النجاة سالماً آمناً، بسلام من الله تعالى وأَمْنٍ منه، وبركات من الله عليك وعلى الذين معك، الذين سيكونون أمماً مختلفة من بعدك، وسينال بركة الإيمان والإذعان بعضهم، وبعضهم سيكونون أمما يستمتعون بالدنيا وينالون متعها غير مذعنين للحق، ثم يصيبهم يوم القيامة عذاب مؤلم شديد.
49- تلك القصة التي قصصناها عليك- أيها النبى- عن نوح وقومه، من أخبار الغيب التي لا يعلمها إلا الله، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك على هذا الوجه من الدقة والتفصيل من قبل هذا الوحى، فاصبر على إيذاء قومك كما صبر الأنبياء قبلك، فإن عاقبتك الفوز مثل عاقبتهم، والعاقبة الطيبة دائماً للذين يتقون عذاب الله بالإيمان وعمل الصالحات.
50- ولقد أرسلنا إلى قوم عَادٍ الأولى أخاً لهم من قبيلتهم هو هود فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله- وحده- إذ ليس لكم مَنْ يستحق العبادة غيره- وما أنتم إلا كاذبون في ادّعائكم أن لله شركاء في استحقاقهم للعبادة ليكونوا شفعاء لكم عند الله.
51- يا قوم، لا أطلب منكم على النصح مكافأة من جاه أو سلطان أو مال، وإنما أجرى على الله الذي خلقنى، ولا يصح أن تستولى عليكم الغفلة فلا تعقلون ما ينفعكم وما يضركم.

.تفسير الآيات (52- 56):

{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)}
52- ويا قوم، اطلبوا من خالقكم أن يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم، ثم ارجعوا إليه. إنكم إن فعلتم ذلك يُرْسِل المطر عليكم متتابعاً، فتكثر خيراتكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم التي تغترون بها، ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه، مصممين على الإجرام الذي يرديكم في الهلاك.
53- قالوا: يا هود ما جئتنا بحُجة واضحة على صحة ما تدعونا إليه، وما نحن بتاركى عبادة آلهتنا لمجرد قولك، أنتركها وما نحن لك بمصدقين.
54- ما نقول في موقفك منا: إلا أن بعض آلهتنا مَسَّتْكَ بِشَر، فصرت تهذى بهذا الكلام، قال مُصِراً على إيمانه متحدياً: أقول، وأشهد الله على ما أقول، وأشهدكم عليه: إني برئ من داء الشرك الذي أنتم فيه، فأنتم المرضى.
55- ولا أبالى بكم ولا بآلهتكم التي تدَّعون أنها مسَّتنى بسوء، فتعاونوا أنتم وآلهتكم على الكيد لى، ثم لا تؤخرون عقابى لحظة، إن استطعتم.
56- إننى اعتمدت على الله، وهو مالك أمرى وأمركم، لا يعجزه شيء عن رد كيدكم، وهو القادر على كل شيء. فما من دابة إلا وهو مالك أمرها ومتصرف فيها، فلا يعجزه حفظى من أذاكم، ولا إهلاككم، إن أفعال ربى تجرى على طريق الحق والعدل في ملكه، فينصر المؤمنين المصلحين، ويخذل الكافرين المفسدين.

.تفسير الآيات (57- 60):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}
57- فإن تُعرضوا عن دعوتى لم يضرنى إعراضكم، والعاقبة السيئة عليكم، فقد أبلغتكم ما أرسلنى الله به إليكم، وليس علىّ إلا البلاغ، والله يهلككم ويجئ بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم، وأنتم لا تضرونه بإعراضكم عن عبادته، إن ربى مهيمن على كل شيء، مطلع عليه، فما تخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مؤاخذتكم.
58- ولما جاء أمرنا بإهلاك عَادٍ نجّينا هُوداً، والذين آمنوا معه، من عذاب الريح العاتية التي أهلكتهم، ونجيناهم من عذاب شديد كبير في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب رحمتنا لهم بتوفيقهم للإيمان.
59- تلك عاد أنْكروا الحُجج الواضحة، وعصوا رُسل الله جميعاً، بعصيانهم رسوله إليهم، وطاعتهم لأمر كل طاغية شديد العناد من رؤسائهم وكبرائهم.
60- فاستحقوا من الله والملائكة والناس أجمعين لعنة تلحقهم في الدنيا، ولعنة تتبعهم يوم القيامة، ألا فلينتبه كل من علم خبر عاد. أن عاداً جحدوا نعمة خالقهم عليهم، ولم يشكروها بالإيمان به وحده، فأصبحوا جديرين بطردهم من رحمة الله، وإنزال الهلاك الشديد بهم، ألا فهلاكاً لهم لتكذيبهم هودا.