فصل: تفسير الآيات (61- 64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (61- 64):

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)}
61- وقد أرسلنا إلى ثمود واحداً منهم، تربطه بهم صلة النسب والمودة، وهو صالح، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله- وحده- ليس لكم من يستحق العبادة غيره، هو خلقكم من الأرض ومكَّنكم من عمارتها، واستثمار ما فيها والانتفاع بخيرها.. فادْعوه أن يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم، ثم ارجعوا إليه بالندم على معصيته والإقبال على طاعته كلما وقعتم في ذنب. إنّ ربى قريب الرحمة مجيب الدعاء لمن يستغفره ويدعوه.
62- قالوا: يا صالح قد كنت بيننا موضع الرجاء والمحبة والتقدير من نفوسنا، قبل هذا الذي تدعونا إليه، أتطلب منا أن نترك عبادة ما كان يعبد آباؤنا وما ألفناه وألفوه؟ إنَّا لفى شك من دعوتك إلى عبادة الله- وحده فهذا مثير للرّيب، وسوء الظن فيك، وفيما تدعو إليه.
63- قال: يا قوم: خبِّرونى إن كنت على بصيرة نيِّرة وبيِّنة مما أدعوكم إليه مُؤيداً بحجة من ربى، وأعطانى ربى رحمة لى ولكم، وهى النبوة والرسالة، فكيف أخالف أمره وأعصيه بعدم تبليغ رسالته، استجابة لكم؟ ومن ينصرنى ويعيننى على دفع عذابه إن عصيته؟ إنكم لا تستطيعون نصرتى ودفع عذابه عنى، فما تزيدوننى غير الضياع والوقوع في الخسران إن أطعتكم وعصيت ربى وربكم.
64- ويا قوم، هذه ناقة الله جعلها لكم علامة تشهد على صدقى فيما أبلغه لكم، لأنها على غير ما تألفون من أمثالها، فاتركوها تأكل في أرض الله لأنها ناقته، والأرض أرضه، ولا تنالوها بسوء يؤذيها، فإنكم إن فعلتم ذلك يأخذكم من الله عذاب قريب.

.تفسير الآيات (65- 69):

{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
65- فلم يسمعوا نصحه، ولم يستجيبوا له، وبلغ بهم الكبرياء والاستهانة بتهديده أن قتلوا الناقة، فقال لهم: تمتعوا بحياتكم في داركم ثلاثة أيام، ثم يأتيكم بعدها عذاب الله، ذلك وعده الحق الذي لا يتخلف، ولا يقع عليه تكذيب.
66- فلما جاء عذابنا نجّينا صالحاً والذين آمنوا معه من الهلاك برحمة خاصة منا، ونجيناهم من مهانة وفضيحة يوم هلاك ثمود. إن ربك- أيها النبى- هو القوى الغالب، فاطمئن إلى قوته وعزته وعونه ونصره.
67- وأخذت الصيحة ثمود بعنفها ورجفتها وصاعقتها، لأنهم ظلموا أنفسهم بالكفر والعدوان، فأصبحوا في ديارهم هامدين، راقدين على وجوههم، ميتين لا حراك بهم.
68- وانتهى أمرهم، وزالت آثارهم من ديارهم، كأنهم لم يقيموا فيها، ونطق حالهم بما يجب أن يتنبه له ويعتبر به كل عاقل، ويعلم أن ثَمودَ جحدوا بآيات من خلقهم، وبسبب ذلك كان الهلاك والبُعد عن رحمة الله.
69- ولقد أرسلنا الملائكة إلى إبراهيم ببشارته هو وزوجته بمولود. قالوا يحيُّونه: سلاماً قال يرد تحيتهم: سلام. وأسرع فلم يمكث أن حضر إليهم بعجل مشوى سمين ليأكلوا منه.

.تفسير الآيات (70- 76):

{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)}
70- فلما رأى أيديهم لا تبلغه ولا تمتد إليه، كما هو معروف عن الضيوف أنكر أنهم ضيوف، وأحس أنهم ملائكة، وأضمر الخوف أن يكون مجيئهم لأمر أنكره الله عليه، أو لتعذيب قومه. قالوا- وقد عرفوا أثر الخوف في نفسه-: لا تخف إنا أرسلنا لهلاك قوم لوط.
71- وكانت امرأته قائمة تسمع كلامهم في مكان قريب منهم، فضحكت لسرورها لنجاة لوط ابن أخى زوجها، فبشرناها على ألْسِنَة الملائكة بأنها ستلد من إبراهم زوجها ولداً يسمى إسحاق، وسيعيش ولدها، وسيكون لها منه بعد إسحاق يعقوب.
72- صاحت متعجبة وقالت: يا عجبا! أألدُ وأنا عجوز، وهذا زوجى ترونه شيخاً كبيراً ولا يولد لمثله؟ إن هذا الذي أسمعه والله شيء عجيب، إذ كيف يولد لهرِمَيْن مثلى ومثل زوجى؟.
73- قالت الملائكة لها: أتعجبين من أن يولد لكما على كبركما، وهو من أمر الله الذي لا يعجزه شئ؟ تلك رحمة الله ونعمه الكثيرة عليكم- أهل بيت النبوة- فليس بعجيب أن يهب لكم ما لا يهب لغيركم، إنه فاعل ما يستوجب الحمد، عظيم كثير الإحسان والكرم والعطاء.
74- فلما ذهب عن إبراهيم الخوف، وسمع البشارة السارة بالولد، أخذه الإشفاق، وأخذ يجادل رسلنا في هلاك قوم لوط.
75- إن إبراهيم لكثير الحلم، لا يحب تعجيل العقاب، كثير التأوه والتوجع من السوء الذي يصيب غيره، تائب راجع إلى الله بما يحبه ويرضاه، فَرِقته ورحمته ورأفته حملته على المجادلة رجاء أن يرفع الله عذابه عن قوم لوط وأن يتوبوا وينيبوا إليه.
76- قالت الملائكة: يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال والتماس الرحمة لهؤلاء القوم، إنه قد جاء أمر ربك بهلاكهم، وأنهم لابد آتيهم عذاب نافذ غير مردود بجدل أو غير جدل.

.تفسير الآيات (77- 81):

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)}
77- ولما جاءت الملائكة- رُسلنا- إلى لوط في صورة شُبانٍ حِسَان، تألم واستاء، وأحس بضعفه عن حمايتهم، وضيقه بهم، لخوفه عليهم من فساد قومه، وقال: هذا يوم شديد المكاره والآلام.
78- وعلم قومه بهم، فجاءوا مسرعين إليه، ومن قبل ذلك كانوا يرتكبون الفواحش، ويقترفون السيئات، قال لهم لوط: يا قوم هؤلاء بناتى، تزوّجوا بهن، فذلك أطهر لكم من ارتكاب الفواحش مع الذكور، فخافوا الله وصونوا أنفسكم من عقابه، ولا تفضحونى وتهينونى بالاعتداء على ضيفى، أليس فيكم رجل سديد الرأى، رشيد العقل، يردكم عن الغىِّ ويكفكم عن السوء؟.
79- قالوا: لقد علمتَ يا لوط إنه ليس لنا في بناتك أي حق في نكاحهن أو رغبة فيهن، وإنك دون شك تعلم ما نريد من مجيئنا وإسراعنا إليك.
80- قال لوط: لو أن لى قوة أو ركناً قوياً اعتمدت عليه، لكان موقفى منكم غير هذا، ولدفعتكم عن ضيفى ومنعتكم من السيئات.
81- قالت الملائكة، وقد ظهرت على حقيقتها: يا لوط، لا تخف ولا تحزن إنا رسل ربك، لا بَشر كما بدا لك ولقومك، ولن يصل هؤلاء إليك بِشَرٍ يسوءك أو ضر يصيبك، فسر أنت وأهلك في بعض أوقات الليل، إذا دخل جزء كبير منه، واخْرج بهم من هذه القرية، ولا يلتفت أحد منكم خلفه، لكيلا يرى هول العذاب فيصاب بشر منه، لكن امرأتك التي خانتك فلا تكن من الخارجين معك، إنه لابد مصيبها ما قُدّر أن يصيب هؤلاء.. إن موعد هلاكهم الصبح، وهو موعد قريب، فلا تخف.

.تفسير الآيات (82- 86):

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)}
82- فلما جاء وقت العذاب الذي قدرناه وقضينا به، جعلنا عالى القرية التي كان يعيش فيها قوم لوط سافلها، فقلبناها، وأمطرنا عليهم في أثناء ذلك حجارة من طين حمى بالنار حتى تحجَّر.
83- كانت تقع عليهم متتابعة منتظمة معلنة العذاب من عند ربك- أيها النبى- وليست بعيدة عن الظالمين من قومك.
84- ولقد أرسلنا إلى قوم مدين أخاهم في النسب والمودة والتراحم شُعيبا، قال لهم: يا قوم اعبدوا الله- وحده- ليس لكم من يستحق العبادة غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان حين تبيعون لغيركم ما يُكال ويُوزن، إني أراكم يرجى منكم الخير، بالشكر والطاعة لله، وإعطاء الناس حقوقهم كاملة، وإنى أخاف عليكم إذا لم تشكروا خيره وتطيعوا أمره، أن يحل بكم عذاب يوم لا تستطيعون أن تفلتوا من أهواله، لأنها تحيط بالمعذبين فيها فلا يجدون سبيلا إلى الخلاص منها.
85- ويا قوم أدُّوا المكِيل والموزون مما تبيعونه وافياً على وجْه العدل والتسوية، ولا تنقصوا الناس حقهم في أشيائهم، ولا تجوروا وتفسدوا في الأرض بسرقة أموالهم، أو الإغارة عليهم، أو قطع الطريق على العابرين منهم، تتخذون الفساد وسيلة للكسب الحرام.
86- ما يبقى لكم من المال الحلال الذي تفضَّل به الله عليكم، خير لكم من المال الذي تجمعونه من حرام، إن كنتم تؤمنون بالله وتجتنبون ما حرمه عليكم فحاسبوا أنفسكم، وراقبوا ربكم، لست عليكم رقيباً أحصى أعمالكم وأحاسبكم عليها.

.تفسير الآيات (87- 90):

{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}
87- قالوا ساخرين مستهزئين: يا شعيب، أصلاتك هي التي تأمرك أن تحملنا على ترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام، وعلى أن نمتنع عن التصرف في أموالنا كما نريد مما نرى فيه مصلحتنا؟ إن ذلك غاية السَّفه والطيش. ولا يتفق مع ما نعرفه عنك من العقل وسداد الرأى، فأنت المعروف بكثرة الحلم والرشد.
88- قال: يا قوم: أخبرونى إن كنت على حُجة واضحة ويقين من ربى، ورزقنى رزقاً حسناً تفضلا منه، أيصح لى أن أكتم ما أمرنى بتبليغه لكم، من ترك عبادة الأصنام، وطلب إيفاء الكيل والميزان، وترك الفساد في الأرض؟ وأنا لا أريد أن أتجه إلى فعل ما أنهاكم عنه من ذلك، ما أريد بموعظتى ونصيحتى وأمْرى ونهيى إلا الإصلاح قدر طاقتى وجهدى واستطاعتى، وما كنت موفّقاً لإصابة الحق إلا بمعونة الله وتأييده وتسديده، عليه- وحده- أعتمد، وإليه- وحده- أرجع.
89- ويا قوم لا يحملنكم الخلاف بينى وبينكم على العناد والإصرار على الكفر، فيصيبكم ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح، وما عهد قوم لوط ومكانهم وهلاكهم ببعيد عنكم، فاعتبروا بهم حتى لا يصيبكم ما أصابهم.
90- واطلبوا من الله أن يغفر لكم ذنوبكم، ثم ارجعوا إليه نادمين مستغفرين كلما وقع الذنب منكم، إن ربى كثير الرحمة محب ودود، يغفر للتائبين ويحب الأوَّابين.

.تفسير الآيات (91- 94):

{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)}
91- قالوا: يا شعيب ما نعقل كثيراً مما تقوله لنا، ونؤكد لك أننا نراك بيننا ضعيفاً لا قدرة لك على الدفاع، وعلى الإقناع، إن أردنا بك ما تكره، ولولا مجاملتنا لعشيرتك، لأنها على ديننا، لقتلناك رجماً بالحجارة، وما أنت علينا بعزيز حتى نجلَّك ونحترمك ونكرمك ونصونك عن القتل بالرجم، وإنما هي المجاملة لعشيرتك تمنعنا عن قتلك.
92- قال: يا قوم، أعشيرتى أحق بالمجاملة من الله، فذكرتموها ونسيتموه، وجاملتمونى واتخذتموه كالشئ المنبوذ وراء الظهر؟ إن ربى محيط علمه بكل ما تعملون، فلا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيحاسبكم عليها إن نسيتموه.
93- ويا قوم اعملوا على ما أنتم قادرون عليه، وما تستطيعون عمله، إن لم تسمعوا نصحى إني مثابر على العمل بما يخالف عملكم، وسوف تعلمون مَنْ مِنا الذي يأتيه عذاب يفضحه ويذله، ومَن مِنا الذي هو كاذب: أأنا الذي أنذركم بالعذاب، أم أنتم الذين أنذرتمونى بالإخراج من القرية؟ وانتظروا ما سيحصل، إني معكم منتظر.
94- ولما وقع أمرنا بعذابهم وهلاكهم، نجينا شعيباً والذين آمنوا معه من العذاب والهلاك، وكانت نجاتهم بسبب رحمة منا لهم، وأخذت الظالمين من أهل مدين الصيحة، والرجفة المهلكة، فأصبحوا في ديارهم هامدين، راقدين على وجوههم: لا حراك بهم.