فصل: تفسير الآيات (13- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (13- 15):

{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)}
13- وإن الرعد خاضع لله سبحانه وتعالى خضوعاً مطلقاً، حتى أن صوته الذي تسمعون كأنه تسبيح له سبحانه بالحمد على تكوينه، دلالة على خضوعه، وكذلك الأرواح الطاهرة التي لا ترونها تسبِّح حامدة له، وهو الذي يُنْزِل الصواعق المحرقة فيصيب بها من يريد أن تنزل عليه، ومع هذه الدلائل الظاهرة الدالة على قدرته سبحانه يجادلون في شأن الله سبحانه، وهو شديد القوة والتدبير في رد كيد الأعداء.
14- وأن الذين يدعون في خوفهم وأمنهم من الأصنام- دون أن يدعوا الله وحده- لا يجيبون لهم نداء ولا دعاء، وحالهم معهم كحال مَنْ يبْسط كفه ويضعها ليحمل بهذه اليد المبسوطة الماء ليبلغ فمه فيرتوى، وليس من شأن الكف المبسوطة أن توصل الماء إلى الفم، وإذا كانت تلك حالهم فما دعاؤهم الأصنام إلا ضياع وخسارة.
15- والله سبحانه يخضع لإرادته وعظمته كل من في السموات والأرض من أكْوان وأناس وجن وملائكة طائعين، أو كارهين لما ينزل بهم، حتى ظلالهم من طول وقصر حسب أوقات النهار في الظهيرة وفى الأصيل خاضعة لأمر الله ونهيه.

.تفسير الآيات (16- 17):

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}
16- أمر الله نبيه أن يجادل المشركين هادياً مبيناً، فقال له: قل لهم- أيها النبى-: مَنْ الذي خلق السموات والأرض، وهو الحافظ لهما، والمسير لما فيهما؟ ثم بين لهم الجواب الصحيح الذي لا يحارون فيه، فقل لهم: هو الله المعبود بحق دون سواه، فكان حقا عليكم أن تعبدوه- وحده- ثم قل لهم: أفترون الأدلة المثبتة لإنشائه- وحده- كل شيء. وتتخذون مع ذلك أوثاناً تعتبرونها آلهة من غير أن تقروا بوحدانيته، وهذه الأوثان لا تملك لذاتها نفعاً ولا ضراً، فكيف تسوونها بالخالق المدبر، إنكم تسوون بين الخالق لكل شيء ومن لا يملك شيئاً! فكنتم كمن يسوى بين المتضادين، فهل يستوى من يبصر ومن لا يبصر؟ وهل تستوى الظلمة المتكاثفة الحالكة والنور المبين؟ أيسوغون تلك التسوية؟ أم ذهب بهم فرط ضلالهم إلى زعم أن أوثانهم شركاء له في الخلق والتدبير، فتشابه عليهم أمر الخلق، كما ضلوا العبادة، قل لهم، أيها النبى: الله- وحده- هو الخالق لكل ما في الوجود، وهو المتفرد بالخلق والعبادة، الغالب على كل شيء.
17- وأن نعمه تعالى مرئية لكم، وأصنامكم لا تأثير لها في هذه النعم، فهو الذي أنزل عليكم الأمطار من السحاب، فتسيل بها الأنهار والوديان كل بالمقدار الذي قدره الله تعالى لإنبات الزرع، وإثمار الشجر. والأنهار في جريانها تحمل ما لا نفع فيه ويعلو على سطحها، فيكون فيها ما فيه نفع فيبقى، وما لا نفع فيه يذهب. ومثل ذلك الحق والباطل، فالأول يبقى والثانى يذهب، ومن المعادن التي يصهرونها بالنار ما يتخذون منها حلية كالذهب والفضة، ومنافع ينتفعون بها كالحديد والنحاس، ومنها ما لا نفع فيه يعلو السطح، وأن ما لا نفع فيه يرمى وينبذ، وما فيه النفع يبقى، كذلك الأمر في العقائد ما هو ضلال يذهب، وما هو صدق يبقى. وبمثل هذا يبين الله سبحانه الحقائق، ويمثل بعضها ببعض لتكون كلها واضحة بينة.

.تفسير الآيات (18- 20):

{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)}
18- وإن الناس في تلقيهم للهدى قسمان: قسم أجاب دعوة الله الخالق المدبر، فلهم العاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة، وقسم لم يُجب دعوة الذي أنشأه، وهؤلاء لهم العاقبة في الآخرة، ولو ثبت لهم ملك كل ما في الأرض جميعاً ومثله معه، ما استطاعوا أن يدفعوا عن أنفسهم العاقبة السيئة، ولكن أنى يكون لهم ذلك الملك؟ ولذلك كان لهم حساب يسوؤهم وينتهون به إلى جهنم وبئس القرار والمستقر.
19- إن المهتدين والضالين لا يستوون، فهل يكون الذي يعلم أن ما نزل عليك من الله الذي ربَّاك وكوَّنك واصطفاك لأداء رسالته، هو الحق الذي لا شك فيه.. هل يكون كمن ضل عن الحق، حتى صار كالأعمى الذي لا يبصر؟ إنه لا يدرك الحق وما يتذكر عظمة الله إلا أصحاب العقول التي تفكر.
20- أولئك الذين يدركون الحق، هم الذين يوفون بعهد الله تعالى عليهم بمقتضى الفطرة والتكوين وبمقتضى توثيق عقودهم وعهودهم، ولا يقطعون المواثيق التي عقدوها باسم الله بينهم وبين العباد، ولا بالميثاق الأكبر الذي عقده بالفطرة والتكوين، وجعلهم يدركون الحق ويؤمنون، إلا أن يضلوا في يقينهم.

.تفسير الآيات (21- 25):

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}
21- وأولئك المؤمنون من دأبهم المحبة والطاعة، إنهم يعقدون المودة مع الناس ويخصون ذوى أرحامهم، ويؤيدون ولاتهم في الحق، وهم يعرفون حق الله فيخشونه، ويخافون الحساب الذي يسوؤهم يوم القيامة فيتوقّون الذنوب ما استطاعوا.
22- وهم يصبرون على الأذى يطلبون رضا الله بتحمله في سبيل إعلاء الحق، ويؤدون الصلاة على وجهها تطهيراً لأرواحهم وتذكراً لربهم، وينفقون من المال الذي أعطاهم الله في السر والعلن من غير رياء، ويدفعون السيئات بالحسنات يقومون بها، وهم بهذه الصفات لهم العاقبة الحسنة، بالإقامة يوم القيامة بأحسن دار وهى الجنة.
23- تلك العاقبة الطيبة إقامة مستمرة في الجنات والنعيم، يكونون فيها هم وآباؤهم الذين صلحت عقائدهم وأعمالهم، ومعهم أزواجهم وذرياتهم والملائكة تحييهم وتجئَ إليهم من كل ناحية.
24- وتقول لهم: السلام الدائم لكم بسبب صبركم على الأذى وصبركم في مكافحة أهوائكم، وما أحسن هذه العاقبة التي صرتم إليها، وهى الإقامة في دار النعيم.
25- وأن أوصاف المؤمنين الطيبة تقابلها أوصاف المشركين الذميمة.. فالمشركون ينقضون عهد الله الذي أخذه عليهم بمقتضى الفطرة ووثقه، فيخالفون فطرتهم وعقولهم بعبادتهم حجارة لا تنفع، ولا تضر، وينكثون في عهودهم مع العباد، ثم يقطعون مودتهم مع الناس وصلتهم بالله، فلا يطيعون أوامره ولا يفردونه بالعبادة ويفسدون في الأرض بالاعتداء فيها، وعدم إصلاحها والانتفاع بها، والله سبحانه لا يحب العبث والإفساد.

.تفسير الآيات (26- 30):

{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
26- وإذا كان أولئك المشركون يرون أنهم قد أُوتوا مالاً وفيراً، والمؤمنون فقراء ضعفاء، فليعلموا أن الله تعالى يعطى الرزق الوفير لمن يشاء إذا أخذ في الأسباب، ويضيِّقه على من يشاء، فهو يعطيه للمؤمن وغير المؤمن، فلا تظنوا أن كثرة المال في أيديهم دليل على أنهم على الحق، ولكنهم يفرحون بما أوتوا من مال، مع أن الله تعالى يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، وما الحياة الدنيا إلا متع عارضة ضئيلة فانية.
27- وأن أولئك المشركين تذهب بهم اللجاجة فيقولون: هلا أُنزل على النبي من الله معجزة أخرى؟ فقل- أيها النبى-: إن السبب في عدم إيمانكم ليس نقص المعجزة، إنما هو الضلال، والله سبحانه وتعالى يضل من يريد ضلاله ما دام يسير في طريق الضلال، ويهدى إلى الحق من يرجع إلى الله دائماً.
28- وأن هؤلاء الذين يرجعون إلى الله، ويقبلون على الحق، هم الذين آمنوا وهم الذين تسكن قلوبهم عند ذكر الله تعالى بالقرآن وغيره، وإن القلوب لا تسكن وتطمئن إلا بتذكر عظمة الله وقدرته وطلب رضاه بطاعته.
29- وإن الذين أذعنوا للحق، وقاموا بالأعمال الصالحة، لهم العاقبة الطيبة والمآل الحسن.
30- كما أرسلنا إلى الماضين من الأمم رسلا بينوا لهم الحق، فضل من ضل واهتدى من اهتدى، وآتيناهم معجزات تدل على رسالتهم، أرسلناك في أمة العرب وغيرهم، وقد مضت من قبلهم أمم، وكانت معجزتك القرآن لتقرأه لهم قراءة توضح معانيه وجلاله، وهم جاحدون برحمة الله عليهم بإنزال القرآن، فقل لهم- أيها النبى-: الله هو الذي خلقنى ويحمينى ويرحمنى، لا إله يُعبد- بحق- غيره، أعتمد عليه- وحده- وإليه مرجعى ومرجعكم.

.تفسير الآيات (31- 33):

{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
31- إنهم يطلبون معجزة غير القرآن مع عظم تأثيره لو طلبوا الحق وأذعنوا له، فلو ثبت أن كتاباً يُقرأ فتتحرك به الجبال من أماكنها، أو تتصدع به الأرض، أو تخاطب به الموتى، لكان ذلك هو القرآن، ولكنهم معاندون، ولله- وحده- الأمر كله في المعجزات وجزاء الجاحدين، وله في ذلك القدرة الكاملة، وإذا كانوا في هذه الحال من العناد، أفلا ييأس الذين أذعنوا للحق من أن يؤمن هؤلاء الجاحدين، وإن جحودهم بإرادة الله، ولو أراد أن يهتدى الناس جميعاً لاهتدوا، وأن قدرة الله ظاهرة بين أيديهم، فلا يزالون تصيبهم بسبب أعمالهم القوارع الشديدة التي تهلكهم، أو تنزل قريباً منهم، حتى يكون الموعد الذي وعد الله به، والله تعالى لا يخلف موعده.
32- وإذا كان أولئك الجاحدون قد استهزأوا بما تدعو إليه وبالقرآن، فقد سخروا بالرسل الذين أرسلوا قبلك- أيها النبى- فلا تحزن لأنى أمهل الذين جحدوا ثم آخذهم فيكون العقاب الشديد الذي لا يقدر وصفه ولا تُعرف حاله.
33- إن المشركين ضلوا في جحودهم، فجعلوا لله شركاء في العبادة، فهل من هو حافظ مراقب لكل نفس مُحْصٍ عليها ما تكسب من خير أو شر، تماثله هذه الأوثان؟ قل لهم- أيها النبى-: صفوهم بأوصافهم الحقيقية، أهم أحياء؟ أهم يدفعون الضر عن أنفسهم؟ فإن كانت حجارة لا تنفع ولا تضر، فهل تخدعون أنفسكم بأن يخبروا الله بما تتوهمون أنه لا يعلمه في هذه الأرض، أم تضعونهم في موضع العبادة بألفاظ تتلوى بها ألسنتكم، بل الحقيقة أنه زين لهم تدبيرهم وتمويههم الباطل، وبسبب ذلك صرفوا عن طريق الحق وتاهوا، ومن يكن ضلالهم مثلهم، فلن يهديه أحد، لأنه صرف نفسه عن سبيل الهداية.

.تفسير الآيات (34- 37):

{لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
34- لهم العذاب في الدنيا بالهزيمة والأسر والقتل، إن سار المؤمنون في سبيل الحق، ولعذاب الآخرة النازل بهم لا محالة أشد وأدوْم، وما لهم أحد يقيهم من عذاب الله القاهر فوق كل شيء.
35- وإذا كان لهؤلاء هذا العذاب، فللمؤمنين الجنة ونعيمها، وقد وعدوا بها. وحال هذه الجنة التي وعد بها أولئك الذين استقاموا على الحق، وجعلوا بينهم وبين الباطل وقاية من الإيمان أنها تجرى من تحت أشجارها المياه العذبة ثمراتها دائمة لا تنقطع، وظلها دائم. وهذه عاقبة الذين اتقوا الشر. أما الجاحدون فعاقبتهم دخول النار.
36- والذين أعطوا علم الكتب المنزلة من شأنهم أن يفرحوا بالكتاب الذي أنزل عليك: لأنه امتداد للرسالة الإلهية، ومن يتخذون التدين تحزباً: ينكرون بعض ما أنزل إليك عداوة وعصبية، فقل- أيها النبى-: إني ما أمرت إلا بأن أعبد الله لا أشرك في عبادته شيئاً، وإلى عبادته- وحده- أدعو، وإليه- وحده- مرجعى.
37- ومِثْل الإنزال للكتب السماوية، أنزلنا إليك القرآن حاكماً للناس فيما بينهم، وحاكماً على الكتب السابقة بالصدق. وقد أنزلناه بلغة عربية، فهو عربى، ولا تساير المشركين أو أهل الكتاب بعد الذي جاءك من الوحى والعلم، ولئن سايرتهم فما لك ناصر ينصرك من الله، أو يقيك منه. والخطاب للنبى، وهو أولى بالمؤمنين، والتحذير لهم حقيقى، وللنبي لبيان أنه مع اصطفائه وعلو منزلته قابل للتحذير.