فصل: تفسير الآيات (38- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (38- 41):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)}
38- وإذا كان المشركون يثيرون العجب من أن لك أزواجاً وذرية، ويطلبون معجزة غير القرآن، فقد أرسلنا من قبلك رسلا لهم أزواج وأولاد، فالرسول من البشر له أوصاف البشر، ولكنه خير كله، وليس لنبى أن يأتى بمعجزة كما يحب أو يحب قومه، بل الذي يأتى بالمعجزة هو الله، وهو الذي يأذن له بها. لكل جيل من الأجيال أمر كتبه الله لهم يصلح به أمرهم، فلكل جيل معجزته التي تناسبه.
39- يمحو الله ما يشاء من شرائع ومعجزات، ويحل محلها ما يشاء ويثبته وعنده أصل الشرائع الثابت الذي لا يتغير، وهو الوحدانية وأمهات الفضائل، وغير ذلك.
40- ولئن أريناك بعض الذي نعدهم من ثواب أو عقاب، أو توفَّيناك قبل ذلك، لرأيت هول ما ينزل بالمشركين، ولرأيت نعيم المؤمنين، وليس عليك هذا، إنما الذي عليك أن تبلغ الرسالة والحساب علينا وحدنا.
41- وإن أمارات العذاب والهزيمة قائمة، ألم ينظروا إلى أنّا نأتى الأرض التي قد استولوا عليها، يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الأرض من حولهم، والله- وحده- هو الذي يحكم بالنصر أو الهزيمة، والثواب أو العقاب، ولا راد لحكمه، وحسابه سريع في وقته، فلا يحتاج الفصل إلى وقت طويل، لأن عنده علم كل شيء، فالبينات قائمة.

.تفسير الآيات (42- 43):

{وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
42- وقد دبَّر الذين من قبلهم التَّدبير السيئ لرسلهم، ولله سبحانه تدبير الأمر كله في حاضر الكافرين وقابلهم، وسيكون الجزاء على ما يصنعون، وهو يعلم ما تعمله كل نفس. وإذا كانوا يجهلون أن العاقبة الحسنة للمؤمنين، فسيعلمون يوم القيامة- بالرؤية- لمن تكون العاقبة الحسنة بالإقامة في دار النعيم.
43- والغاية من المراء الذي يقوم به الذين جحدوا ولم يذعنوا للحق أن يقولوا لك- أيها النبى- لست مرسلا من عند الله، فقل لهم: حسبى أن الله هو الذي يحكم بينى وبينكم، والذى يعلم حقيقة القرآن، وما يدل عليه من إعجاز باهر تُدركه العقول السليمة.

.سورة إبراهيم:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)}
1- ألف. لام. راء: في الابتداء بهذه الحروف تنبيه إلى إعجاز القرآن، مع أنه مكون من حروف يتكلمون بها، وتنبيه للاستماع. هذا المذكور في السورة كتاب منزل إليك يا محمد من عندنا، لتخرج الناس كافة من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم بتيسير ربهم.
2- طريق الله الذي له كل ما في السموات وما في الأرض- خلْقاً ومُلْكاً- إذا كان هذا هو حال الإله الحق، فالهلاك بعذاب شديد للكافرين.

.تفسير الآيات (3- 7):

{الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}
3- الذين يفضلون الحياة الدنيا على الآخرة، ويمنعون الناس عن شريعة الله، ويرغبون أن تصير الشريعة معوجة في نظر الناس لينفروا منها؛ أولئك الموصوفون بما ذكر قد ضلوا ضلالا بعيداً عن الحق.
4- وما أرسلنا رسولا قبلك- يا أيها النبى- إلا متكلماً بلغة قومه الذين بعثناه فيهم ليفهمهم ما أتى به، فيفقهوه ويدركوه بسهولة، وليس عليه هدايتهم، فالله يضل من يشاء لعدم استعداده لطلب الحق، ويهدى من يشاء لحسن استعداده، وهو القوى الذي لا يغلب على مشيئته، والذى يضع الأمور في مواضعها، فلا يهدى ولا يضل إلا لحكمة.
5- ولقد أرسلنا موسى مؤيداً بمعجزاتنا، وقلنا له: أخرج قومك بني إسرائيل من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وذكّرهم بالوقائع والنقم التي أوقعها الله بالأمم قبلهم. إن في ذلك التذكير دلائل عظيمة على وحدانية الله، تدعو إلى الإيمان وإلى كل ما يتحقق به كمال الصبر على البلاء، والشكر على النعماء، وهذه صفة المؤمن.
6- واذْكر- أيها النبى- لقومك، لعلهم يعتبرون، وقت قول موسى لقومه تنفيذاً لأمر ربك: اذكروا نعمة الله عليكم، حين أنجاكم من قوم فرعون وهم يذيقونكم العذاب الأليم، بتكليفكم الأعمال الشاقة، ويذبحون أبناءكم الذكور، ويستبقون نساءكم بلا قتل ذليلات مهانات، وفى كل ما ذكر من التعذيب والإنجاء اختبار من الله عظيم، ليظهر مقدار الصبر والشكر.
7- واذكروا- يا بني إسرائيل- حين أعلمكم ربكم وقال: والله إن شكرتم ما وهبتكم من نعمة الإنجاء وغيرها، وبالثبات على الإيمان والطاعة لأزيدنكم من نعمى، وإن جحدتم نعمى بالكفر والمعصية، لأعذبنكم عذابا مؤلما، لأن عذابى شديد للجاحدين.

.تفسير الآيات (8- 11):

{وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}
8- وقال موسى لقومه- حينما عاندوا وجحدوا-: إن تجحدوا نعم الله ولا تشكروها بالإيمان والطاعة، أنتم وجميع من في الأرض، فإن ذلك لن يضر الله شيئا، لأن الله غنى عن شكر الشاكرين، مستوجب الحمد بذاته، وإن لم يحمده أحد.
9- ألم يصل إليكم خبر الذين مَضوْا من قبلكم، قوم نوح وعاد وثمود، والأمم الذين جاءوا من بعدهم، وهم لا يعلمهم إلا الله لكثرتهم، وقد جاءتهم رسلهم بالحُجج الواضحة على صدقهم، فوضعوا أيديهم على أفواههم استغراباً واستنكاراً، وقالوا للرسل: إنا كفرنا بما جئتم به من المعجزات والأدلة، وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه من الإيمان والتوحيد، لأننا لا نطمئن إليه ونشك فيه.
10- قالت الرسل لأقوامهم- منكرين عليهم شكهم في وجود الله ووحدانيته، متعجبين من ذلك- أفى وجود الله وألوهيته- وحده- شك، وهو خالق السموات والأرض على غير مثال يحتذيه، وهو يدعوكم ليغفر لكم بعض ذنوبكم التي وقعت منكم قبل الإيمان، ويؤخركم إلى انتهاء آجالكم؟! قالت الأقوام لرسلهم تعنتاً: ما أنتم إلا بشر مثلنا، لا فضل لكم علينا يؤهلكم للرسالة.. تريدون أن تمنعونا بما تدعوننا إليه عمَّا كان عليه آباؤنا من العبادة، فأتونا بحُجة واضحة مما نقترحه عليكم.
11- قالت لهم رسلهم: ما نحن إلا بشر مثلكم كما قلتم، ولكن الله يصطفى من يشاء من عباده فيخصهم بالنبوة والرسالة، وما كان في قدرتنا أن نأتيكم بحُجة مما تقترحون إلا بتيسير منه، وعلى الله- وحده- فليتوكل المؤمنون ولنتوكل عليه بالصبر على معاندتكم.

.تفسير الآيات (12- 17):

{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}
12- وأى عذر لنا في ترك التوكل على الله، وهو قد أرشدنا إلى سبيله ومنهاجه الذي شرع له، وأوجب عليه سلوكه في الدين، وإنا لنؤكد توكلنا على الله، ولنصبرن على أذاكم لنا بالعناد واقتراح المعجزات، والله- وحده- هو الذي يتوكل عليه المتوكلون.
13- عمد الكفار المتجبرون إلى القوة، بعد أن عجزوا جميعاً عن مقاومة الدليل، وقالوا لرسلهم: ليكونن أحد أمرين: إما أن نخرجكم من أرضنا، وإما أن تدخلوا في ديننا، فأوحى الله إلى الرسل قائلا: لنهلكن الكافرين لظلمهم.
14- ولنُسْكننّكم أرضهم من بعد هلاكهم. وذلك الإسكان للمؤمنين حق لمن خاف موقف حسابى، وخاف وعيدى بالعذاب، فإن من غلب عليه الخوف أطاع.
15- إن الرسل استنصروا على أقوامهم لما يئسوا من إيمانهم وطلبوا النصر من ربهم على الكافرين من أقوامهم، فنصرهم الله وربحوا، وخسر كل متكبر عن طاعة الله شديد العناد.
16- وقد استقبل الهزيمة في الدنيا، ومن ورائه في الآخرة عذاب جهنم، ويُسْقى فيها من ماء كريه، وهو كالصديد يسيل من أهل النار.
17- يتكلف شربه كأنه يبتلعه مرة أخرى، ولا يقرب من استساغته لأنه لا يمكن أن يستساغ لكراهته وقذارته ويحيط به أسباب الموت من الشدائد من كل جهة، وما هو في جهنم بميت فيستريح مما هو فيه، بل يستقبل في كل وقت عذاباً أشد.

.تفسير الآيات (18- 21):

{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)}
18- إن حال أعمال الخيّرين الكافرين الدنيوية وكسبهم فيها- لبنائها على غير أساس من الإيمان- كحال رماد اشتدت لتفريقه الريح في يوم شديد العواصف، لا يقدرون يوم القيامة على شيء مما كسبوا في الدنيا من تلك الأعمال فلا يمكنهم الانتفاع بشئ منها إذ لا يرون لها أثراً من الثواب، كما لا يقدر صاحب الرماد المتطاير في الريح على إمساك شيء منه، وهؤلاء الضالون يحسبون أنهم محسنون، مع أن أعمالهم بعيدة أشد البعد عن طريق الحق.
19- ألم تعلم- أيها المخاطب- أن الله تعالى خلق السموات والأرض لتقوما على الحق بمقتضى حكمته، ومن قدر على هذا كان قادراً على إهلاككم أيها الكافرون والإتيان بخلق جديد غيركم يعترفون بوجوده ووحدانيته إذا شاء.
20- وما ذلك الإذهاب والإتيان على الله بمتعذر ولا بمتعسر.
21- وسيظهر الكفار جميعاً من قبورهم للرائين- لأجل حساب الله تعالى- ظهوراً لا شك فيه كأنه واقع الآن فعلا، فيقول ضعفاء الرأى من الأتباع للقادة المستكبرين: إنا كنا لكم تابعين في تكذيب الرسل ومحاربتهم والإعراض عن نصائحهم، فهل أنتم اليوم دافعون عنا من عذاب الله بعض الشئ؟ قال المستكبرون: لو هدانا الله إلى طريق النجاة ووفقنا له لأرشدنا ودعوناكم إليه، ولكن ضللنا فأضللناكم، أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا، ونحن وأنتم الآن سواء علينا الجزع والصبر، ليس لنا مهرب من العذاب.

.تفسير الآيات (22- 26):

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}
22- ويقول إبليس- حين يقضى الله الأمر بتنعيم الطائعين وتعذيب العاصين- لمن اتبعه: إن الله تعالى وعدكم وعداً حقاً بالبعث والجزاء فأنجزه، ووعدتكم وعداً باطلا بأن لا بعث ولا جزاء فأخلفتكم وعدى، وما كان لى عليكم قوة أقهركم بها على اتباعى، لكن دعوتكم بوسوستى إلى الضلالة فأسرعتم إلى طاعتى، فلا تلومونى بوسوستى، ولوموا أنفسكم على إجابتى وما أنا اليوم بمغيثكم من العذاب، وما أنتم بمغيثىَّ. إني جحدت اليوم إشراككم إياى مع الله في الدنيا حيث أطعتمونى كما يطيع العبد ربه. إن الكافرين لهم عذاب مؤلم.
23- وأُدخل في الآخرة الذين صدقوا وعملوا الأعمال الصالحة جنات تجرى من تحت قصورها الأنهار خالدين فيها بإذن الله تعالى وأمره، تحيتهم فيها من الملائكة تفيد الأمن والاطمئنان.
24- ألم تعلم- ايها الإنسان- كيف ضرب الله مثلا لكلمة الحق الطيبة، وكلمة الباطل الخبيثة، فجعل الكلمة الحسنة الفائدة مثل شجرة حسنة المنفعة، أصلها ضارب بجذورها في الأرض، وأفنانها مرتفعة إلى جهة السماء.
25- تعطى ثمرها كل وقت عيَّنه الله؛ لإثمارها بإرادة خالقها، كذلك كلمة التوحيد ثابتة في قلب المؤمن، وعمله يصعد إلى الله، وينال بركته وثوابه كل وقت، ويبيِّن الله الأمثال للناس، فيشبه المعانى بالمحسوسات ليتعظوا فيؤمنوا.
26- الكلمة الباطلة الخبيثة شبيهة بشجرة خبيثة، كأنها اقتلعت، وكأنها ملقاة على الأرض لأنها ليس لها ثبات فيها، كذلك كلمة الباطل داحضة لا ثبات لها. لأنها لم تعاضد بحُجة.