فصل: تفسير الآيات (20- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (20- 26):

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)}
20- هذا الخالق المنعم العالم بكل شيء، هو- وحده- المستحق للعبادة، أما الأصنام التي تعبدونها، فهى عاجزة لا تستطيع أن تخلق شيئا، ولو كان ذبابا.. بل هي نفسها مخلوقة ربما صنعتموها بأيديكم.
21- وهى جمادات ميتة لا حس لها ولا حركة، ولا تدرى متى تكون القيامة والبعث لعابديها، فلا يليق بكم- أيها العقلاء- بعد هذا أن تظنوا أنها تنفعكم فتشركوها مع اللَّه في العبادة.
22- وقد وضح بكل هذه الدلائل أن إلهكم الذي يجب أن تعبدوه وحده إله واحد لا شريك له، ومع ذلك فالذين لا يؤمنون بالبعث والحساب قلوبهم منكرة لوحدانيته، منعهم الاستكبار عن اتباع الحق والخضوع له.
23- لا شك أن اللَّه يعلم ما يسرون وما يعلنون من عقائد وأقوال وأفعال، وسيحاسبهم على كل ذلك ويعاقبهم على استكبارهم، لأنه- سبحانه- لا يحب المستكبرين عن سماع الحق والخضوع له.
24- وإذا سئل هؤلاء الكفار المستكبرون: أي شيء أنزله ربكم على محمد؟ قالوا في عناد: هذا الذي يزعم أن اللَّه أنزله عليه ما هو إلا أباطيل وخرافات سطرها السابقون فنقلها وصار يرددها.
25- قالوا ذلك، ليصدوا الناس عن اتباع رسول اللَّه، لتكون عاقبة أمرهم أنهم يعذبون يوم القيامة عذاب ضلالهم كاملا، وعذاب بعض الناس الذين خدعوهم وغرورا بهم حتى ضلوا دون علم أو بحث. تنبه- أيها السامع- لقبح ما ارتكب هؤلاء من ذنوب ما أشد عقابهم عليها.
26- وقد سبق هؤلاء الكافرين المتكبرين أمثال لهم، دبَّروا المكائد لأنبيائهم، واحتالوا في إضلال الناس فأبطل اللَّه كيدهم، ودمر بلادهم ونزل بهم عذاب النار في الدنيا من حيث لا يتوقعون.

.تفسير الآيات (27- 30):

{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}
27- ثم في الآخرة حيث يبعث الناس ويحاسبون على أعمالهم، ويوقفهم اللَّه موقف الخزى والعار، حين يفضحهم ويظهر ما كانت تخفيه صدورهم، ويقول لهم: أين هؤلاء الذين اتخذتموهم شركاء لى في العبادة؟ وكنتم تحاربوننى ورسلى في سبيلهم. أين هم حتى يمدوا لكم العون كما كنتم تزعمون، فلا يستطيعون جوابا، وحينئذ يقول الذين يعلمون الحق من الأنبياء والمؤمنين والملائكة: إن الخزى اليوم والعذاب المسئ واقعان على الجاحدين.
28- الخزى على الكافرين الذين استمروا على كفرهم حتى قبضت الملائكة أرواحهم، وهم ظالمون لأنفسهم بالشرك وبارتكاب السوء، واستسلموا بعد طوال العناد إذ علموا حقيقة جرمهم، وقالوا كذبا من شدة دهشتهم: ما كنا في الدنيا نعمل شيئا من المعاصى، فتقول لهم الملائكة والأنبياء: كلا، إنكم كاذبون، وقد ارتكبتم أفظع المعاصى. واللَّه- سبحانه- محيط بكل صغيرة وكبيرة مما كنتم تعملونه في دنياكم، فلا يفيدكم إنكاركم.
29- ويقال لهم بعد ذلك: مآلكم دخول النار والعذاب فيها عذابا مؤبدا لا ينقطع، وقبحت جهنم دارا ومقاما لكل متكبر على الانقياد إلى الحق والإيمان باللَّه ورسله.
30- وقيل للذين آمنوا باللَّه وابتعدوا عما يغضبه من قول أو فعل أو عقيدة: ما الذي أنزله ربكم على رسوله؟ قالوا: أنزل عليه القرآن، فيه خير الدنيا والآخرة للناس جميعا، فكانوا بذلك من المحسنين. واللَّه- سبحانه- يكافئ المحسنين بحياة طيبة في هذه الحياة الدنيا، ويكافئهم في الآخرة بما هو خير وأحسن مما نالوه في الدنيا. ولنعم الدار التي يقيم فيها المتقون في الآخرة.

.تفسير الآيات (31- 35):

{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)}
31- وهى جنات ثابتة للإقامة، تجرى من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، لهم فيها ما يشاءون من النعيم، ومثل هذا الجزاء الحسن، يجزى اللَّه كل المتقين الذين آمنوا به، واتقوا ما يغضبه، وأحسنوا عملهم.
32- وهم الذين تقبض أرواحهم الملائكة، وهم طاهرون من دنس الشرك والمعاصى، وتقول الملائكة تطمينا لهم: أمان من اللَّه لكم، فلا يصيبكم بعد اليوم مكروه، وأبشروا بالجنة تدخلونها بسبب ما قدمتم من أعمال صالحة في دنياكم.
33- هؤلاء هم المتقون الذين استعدوا لآخرتهم، وذلك جزاؤهم. أما المشركون، فإنهم بعنادهم وبقائهم على شركهم، لا ينتظرون إلا الملائكة تقبض أرواحهم، وهم ظالمون لأنفسهم بالشرك وعمل الشر، ويأتيهم عذاب ربك بإهلاكهم جميعاً. ومثل ما فعل هؤلاء الكفار المعاندون، فعل الذين سبقوهم في ذلك مع أنبيائهم فعاقبهم الله على فعلهم، ولم يكن ظالماً لهم حين عاقبهم، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم حين عرضوها لعذاب الله بكفرهم.
34- فأصابهم جزاء ما عملوا من سيئات، وأحاط بهم العذاب الذي كانوا ينكرونه ويستهزئون به.
35- وقال الذين أشركوا عناداً ومغالطة: لو شاء الله أن نعبده- وحده- ونطيعه فيما يأمر به لما عبدنا غيره، ولما حرَّمنا من عندنا ما لم يحرمه، كالبحيرة والسائبة وهى حجة باطلة يستندون عليها في كفرهم. وقد احتج بها من سبقوهم من الكفار، بعد ما أرسلنا إليهم رسلنا، فأمروهم بالتوحيد وطاعة الله، ونهوهم عن الشرك وعن تحريم ما حَرَّمه الله، فقامت عليهم الحُجة، وأدى رسلنا ما أمرناهم بتبليغه، وعلينا نحن حسابهم، وليس على الرسل شيء بعد ذلك.

.تفسير الآيات (36- 39):

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)}
36- ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ليقول لهم: اعبدوا الله- وحده- واجتنبوا كل طاغية مفسد، فبلغهم وأرشدهم، ففريق استمع إلى الإرشاد وتقبله، فهداه الله بحسن استعداده إلى الطريق المستقيم، وفريق أعرض عن سماع الحق فانحرف عن سواء السبيل، فأنزل الله به العذاب. وإذا كنتم في شك من هذا- يا مشركى مكة- فسيروا في الأرض، قريباً منكم، فانظروا وتأملوا كيف حل بالمكذبين- من عاد وثمود وقوم لوط- عذاب الله، وكيف كانت عاقبة أمرهم خسراناً وهلاكاً؟!.
37- إن تكن حريصاً- أيها النبى- على هداية المشركين من قومك، باذلاً معهم أقصى ما في جهدك، فلا تهلك نفسك حزناً إذا لم يتحقق ما تريد، فقد تحكمت فيهم الشهوات، والله لا يجبر على الهداية من اختاروا الضلال وتمسكوا به، لأنه يتركهم لما اختاروا لأنفسهم، وسيلقون جزاءهم عذاباً عظيماً، ولا يجدون لهم يوم القيامة من ينصرهم ويحميهم من عذاب الله.
38- وقد أضاف المشركون إلى شركهم بالله إنكارهم ليوم القيامة، فأقسموا بالله غاية طاقتهم في القسم، وأكدوا أن الله لا يبعث من يموت وهم كاذبون في قَسَمِهِمْ، وسيبعثهم الله جميعاً، لأنه أخذ العهد على نفسه بذلك، ولن يخلف الله عهده، ولكن أكثر الناس من الكفار لا يعلمون حكمة الله في خلْق هذا العالم وأنه لم يخلقه عبثاً، ولا عن حسابه في الآخرة ومجازاته.
39- وأن من عدل الله في خلقه أن يبعثهم جميعاً بعد موتهم، فيظهر لهم حقائق الأمور التي اختلفوا فيها، ليعلم المؤمنون أنهم على حق، ويعلم الكافرون أنهم كانوا مخطئين في اتخاذهم شركاء.

.تفسير الآيات (40- 44):

{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}
40- وليس بعث الناس يوم القيامة بعسير علينا حتى يستبعده هؤلاء الكفار، لأننا إذا أردنا شيئاً لا يحتاج إيجاده إلا أن نقول له: كن. فيكون كما نريد.
41- والمؤمنون الذين هاجروا من ديارهم لوجه الله تعالى، وإخلاصاً لعقيدتهم، من بعد ما وقع عليهم الظلم والعذاب من المشركين، لنُعوّضهم في الدنيا على إخلاصهم واحتمالهم للعذاب، حياة طيبة حسنة لا تأتى إلا بالجهاد، وسيكون أجرهم يوم القيامة أكبر، ونعيمهم في الجنة أعظم، لو كان المخالفون لهم يعلمون ذلك لما ظلموهم وظلموا أنفسهم.
42- وهؤلاء المهاجرون هم الذين صبروا على ما تحملوه من عذاب في سبيل عقيدتهم، وفوضوا أمرهم إلى الله- وحده- غير مبالين بما سواه، ومن أجل هذا أحسنا لهم الجزاء.
43- وما أرسلنا إلى الأمم السابقة قبل إرسالك إلى أمتك- أيها النبى- إلا رجالاً نوحى إليهم بما نريد تبليغه لهم، ولم نرسل ملائكة كما يريد كفار قومك، فاسألوا- أيها الكافرون- أهل العلم بالكتب السماوية، إن كنتم لا تعلمون ذلك، فستعرفون أن رسل الله جميعاً ما كانوا إلا رجالاً لا ملائكة.
44- وقد أيدنا هؤلاء الرسل بالمعجزات والدلائل البينة لصدقهم، وأنزلنا عليهم الكتب تبين لهم شرعهم الذي فيه مصلحتهم، وأنزلنا إليك- أيها النبى- القرآن لتبين للناس ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام، وتدعوهم إلى التَّدبر فيه، رجاء أن يتدبروا فيتعظوا ويستقيم أمرهم.

.تفسير الآيات (45- 50):

{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)}
45- فكيف يصح بعد كل هذا أن يتمادى المشركون في عنادهم، ويدبروا المكائد للرسول؟ هل أغراهم حلم الله بهم فاعتقدوا أنهم في مأمن من عذاب الله، فلا يخسف بهم الأرض كما فعل بقارون؟ أو يأتيهم العذاب فجأة بصاعقة كما فعل بثمود وهم لا يدرون أين نزل.
46- أو يهلكهم في أثناء تنقلهم في الأرض للتجارة بعيدين عن مساكنهم فلا يستطيعون الإفلات من عقاب الله، لأنه لا يعجزه شيء يريده.
47- أو ينزل بهم العذاب في أنفسهم وأموالهم رويداً رويدا، وهم في كل لحظة في عذاب من الخوف منه والترقب لوقوعه، فلا تتمادوا- أيها المشركون- وتغتروا بتأخير عقوبتكم، فقد اقتضت رأفة الله الشاملة ورحمته الواسعة ألا يعاجلكم بالعقوبة في الدنيا، كي تتفكروا وتتدبروا لأنه- سبحانه- رؤوف رحيم.
48- أغفل هؤلاء الكفار عن آيات الله حولهم، ولم ينظروا ويتدبروا فيما خلقه الله من الأشياء القائمة، تنتقل ظلالها وتمتد تارة يميناً وتارة شمالاً، تابعة في ذلك لحركة الشمس نهاراً والقمر ليلاً، وكل ذلك خاضع لأمر الله، منقاد لأحكام تدبيره. لو تدبر المشركون هذا لعلموا أن خالقه ومدبره هو- وحده- المستحق للعبادة والخضوع، القادر على إهلاكهم لو أراد.
49- ولله- وحده- لا لغيره- يخضع وينقاد جميع ما خلقه في السموات وما دب على الأرض ومشى على ظهرها من مخلوقات، وفى مقدمتهم الملائكة يخضعون له ولا يستكبرون عن طاعته.
50- وحالهم أنهم دائماً على خوف من ربهم القادر القاهر، ويفعلون ما يأمرهم به.

.تفسير الآيات (51- 58):

{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)}
51- وقال الله: لا تعبدوا اثنين، وتجعلوهما إلهين، لأن الإشراك في العبادة تنافى وحدانية الخلق والتّكون، إنما المعبود بحق إله واحد، فخافونى ولا تخافوا غيرى.
52- وله- وحده- ما في السموات والأرض خلقاً، وملكاً، وعبيداً، فحقه- دون غيره- أن يُعبد ويُحمد، ويُخضع له، وتُرْجى رحمته، ويخاف عذابه.
53- وأى شيء جاءكم من النعم فهو من الله- وحده- ثم إذا لحقكم ما يضركم فلا تتضرعوا بأعلى أصواتكم إلا إليه.
54- ثم إذا استجاب لدعائكم ورفع ذلك الضر عنكم، نسى بعضكم حق الله عليه من التوحيد وإخلاص العبادة له، فيشركون بخالقهم ومربيهم ويعبدون معه غيره.
55- ذلك يحدث منهم لتكون عاقبة أمرهم إنكار فضلنا على ما أعطيناهم، فتمتعوا- أيها الكافرون- بما لا تؤدون حق شكره، فسوف تعلمون عاقبة الكفر.
56- ويجعل المشركون لأوثانهم التي يسمونها بغير علم آلهة نصيبا يتقربون بها إليها، من الرزق الذي أعطيناهم إياه من الحرث والأنعام وغيرهما، لأسألكم وعزتى- أيها المشركون- عما كنتم تختلقونه من الكذب وتفترونه من الباطل، وأجازيكم عليه.
57- ويجعلون لله ما يكرهون، فيزعمون أن الملائكة بنات، ويعبدونها، تنزه الله عن ذلك، ويجعلون لأنفسهم ما يحبون، وهم الذكور من الأولاد.
58- وهم إذا خُبِّر أحدهم بأنه ولدت له أنثى، صار وجهه مسودا من الحزن وهو مملوء غيظاً يكظمه.