فصل: تفسير الآيات (102- 109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (102- 109):

{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}
102- قال موسى: لقد علمت يا فرعون أن الذي أنزل هذه الآيات هو رب السموات والأرض، لأنه هو الذي يقدر عليها وهى واضحات تبصرك بصدقى، ولكنك تكابر وتعاند، وإنى لأظنك يا فرعون هالكاً إذا لم ترجع عن عنادك.
103- فتمادى فرعون في طغيانه، فأراد أن يخرج موسى وبني إسرائيل من أرض مصر، فأغرقناه مع جنوده جميعاً.
104- ونجَّينا موسى وقومه، وقلنا من بعد إغراق فرعون لبني إسرائيل: اسكنوا الأرض المقدسة بالشام، فإذا جاء وقت الحياة الأخرى جئنا بكم من قبوركم مختلطين ثم نحكم بينكم بالعدل.
105- وما أنزلنا القرآن إلا مؤيداً بالحكمة الإلهية التي اقتضت إنزاله، وهو في ذاته وما نزل إلا مشتملا على الحق كله، فعقائده هي الصحيحة، وأحكامه هي المستقيمة، وما أرسلناك- أيها النبى- إلا مبشراً لمن آمن بالجنة، ونذيراً لمن كفر بالنار. فليس عليك شيء إذا لم يؤمنوا.
106- وقد فرَّقنا هذا القرآن ونزَّلناه منجما على مدة طويلة لتقرأه على الناس على مهل ليفهموه، نزلناه شيئاً بعد شيء تنزيلا مؤكداً لا شبهة فيه.
107- قل لكفار مكة تهديداً لهم: اختاروا لأنفسكم ما تحبون من الإيمان بالقرآن أو عدمه، فإن الذين أوتوا العلم الصحيح والإدراك السليم من قبل نزوله، إذا يتلى عليهم يقعون على الوجوه سجداً، شكراً لله على نعمته.
108- ويقولون: تنزه ربنا عن خلف الوعد الذي وعد به من نعيم وعذاب، إن وعده كان حاصلا لا محالة.
109- ويقعون ثانيا على الوجوه سجداً باكين من خوف الله، ويزيدهم القرآن تواضعاً لله.

.تفسير الآيات (110- 111):

{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}
110- قل لهؤلاء المشركين: سموا الله باسم الله أو اسم الرحمن فأى اسم تسمونه فهو حسن، وهو تعالى له الأسماء الحسنى، ولا شبهة لكم في أن تعدد الأسماء يستوجب تعدد المسمى. وإذا قرأت القرآن في صلاتك فلا ترفع صوتك به، لئلا يسمع المشركون فيسبوك ويؤذوك، ولا تسر به فلا يسمع المؤمنون، وكن وسطا في قراءتك.
111- وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا لعدم حاجته إليه، ولم يكن له شريك في الملك، لأنه- وحده- منشئه، ولم يكن له ناصر يعطيه عزة من ذُلٍّ لحقه، وعظِّم ربك تعظيماً يليق به.

.سورة الكهف:

.تفسير الآية رقم (1):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)}
1- الثناء الجميل مستحق لله تعالى الذي أنزل على عبده محمد صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن، ولم يجعل فيه شيئاً من الانحراف عن الصواب، بل كان فيه الحق الذي لا ريب فيه.

.تفسير الآيات (2- 9):

{قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)}
2- وجعله قيماً مستقيماً في تعاليمه لينذر الجاحدين بعذاب شديد صادر من عنده، ويبشر المصدقين الذين يعملون الأعمال الصالحات بأن لهم ثواباً جزيلاً.
3- هو الجنة خالدين فيها أبدا.
4- ويُنذر- على وجه الخصوص- الذين قالوا عن الله: إنه اتخذ ولدا، وهو المنزه عن أن يكون كالحوادث يَلِدُ أو يُوَلَدُ له.
5- وليس عندهم علم بذلك ولا عند آبائهم من قبل، فما أعظم الافتراء في هذه الكلمة التي تجرءوا على إخراجها من أفواههم! ما يقولون: إلا افتراء ليس بعده افتراء.
6- لا تهلك نفسك- أيها النبى- أسفاً وحزناً على إعراضهم عن دعوتك غير مصدقين بهذا القرآن.
7- إنا قد خلقناهم للخير والشر، وصيَّرنا ما فوق الأرض زينة لها ومنفعة لأهلها، لنعاملهم معاملة المختبر ليُظهر منهم الأصلح عملا، فمن استهوته الدنيا ولم يلتفت إلى الآخرة ضلَّ، ومن آمن بالآخرة اهتدى.
8- وإنا لمصيِّرون عند انقضاء الدنيا ما فوقها مثل أرض مستوية لا نبات فيها، بعد أن كانت خضراء عامرة بمظاهر الحياة.
9- لقد أنكر الذين استهوتهم الدنيا بزينتها البعث، مع أن الوقائع تثبت الحياة بعد الرقود الطويل، وهذه قصة أهل الكهف في الجبل واللوح الذي رقمت فيه أسماؤهم بعد موتهم لم تكن عجباً وحدها دون سائر الآيات، وإن كان شأنها خارقاً للعادة، فليس أعجب من آياتنا الدالة على قدرتنا.

.تفسير الآيات (10- 15):

{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)}
10- اذكر حين صار هؤلاء الفتيان إلى هذه المغارة وجعلوها مأوى لهم، فراراً بدينهم من الشرك والمشركين، فقالوا: يا ربنا آتنا من عندك مغفرة وأمناً من عدونا، ويسِّر لنا من شأننا هداية وتوفيقا.
11- فاستجبنا دعاءهم فَأنَمْنَاهُمْ آمنين في الكهف سنين عديدة.
12- ثم أيقظهم الله بعد أن ظلوا نياماً أمداً طويلاً، لتكون عاقبة ذلك إظهار عِلْمنا بمن أصاب من الفريقين في تقدير مدة مكثهم.
13- نحن نقص عليك- أيها الرسول- خبرهم بالصدق: إنهم فتيان كانوا قبل العهود السابقة على دين الحق، صدَّقوا بوحدانية ربهم وسط قوم مشركين وزدناهم يقينا.
14- وثبتنا قلوبهم على الإيمان والصبر على الشدائد حين قاموا في قومهم فقالوا متعاهدين: ربنا أنت الحق رب السموات والأرض لن نعبد من غيره إلها، ولن نتحول عن هذه العقيدة. والله إذا قلنا غير هذا لكان قولنا بعيداً عن الصواب.
15- ثم قال بعضهم لبعض: هؤلاء قومنا أشركوا بالله غيره، هلاَّ يأتون على ألوهية من يعبدونهم من دون الله بحُجة ظاهرة؟ إنهم لظالمون فيما فعلوا، ولا أحد أشد ظلماً ممن افترى على الله كذباً بنسبة الشريك إليه.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)}
16- وقال بعضهم لبعض: ما دمنا قد اعتزلنا القوم في كفرهم وشركهم فالجأوا إلى الكهف فراراً بدينكم، يبسط لكم ربكم من مغفرته، ويسهل لكم من أمركم ما تنتفعون به من مرافق الحياة.

.تفسير الآيات (17- 20):

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}
17- وقد كان في الكهف فتحة متسعة في الجبل، وهى متجهة إلى الشمال يجيئهم منها النسيم العليل، وإذا طلعت الشمس من الشرق عن يمينهم مالت أشعتها عنهم، وإذا غربت عن يسارهم تجاوزتهم ولم تدخل أشعتها في كهفهم، فحرارة الشمس لا تؤذيهم. ونسيم الهواء يأتيهم، وذلك كله من دلائل قدرة الله، ومن يوفقه الله لإدراكها يهتدى، ومن لا يوفقه فلا مرشد له من بعد.
18- وتظنهم- أيها الناظر- منتبهين، وفى الحقيقة هم نيام، ونقلبهم في نومهم يمينا مرة ويسارا مرة لنحفظ أجسامهم من تأثير الأرض، وكلبهم- الذي صاحبهم- مادا ذراعيه بالفناء وهو نائم أيضاً في شكل اليقظان، لو اطلعت- أيها المخاطب- عليهم وهم على تلك الحال لفررت منهم هاربا، ولملئ قلبك منهم فزعا لهيبتهم في منامهم، فلا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم، كيلا يدنو منهم أحد، ولا تمسهم يد حتى تنتهى المدة.
19- وكما أنَمْنَاهم أيقظناهم ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة مكثهم نائمين، فقال واحد منهم: ما الزمن الذي مكثتموه في نومكم؟ فقالوا: مكثنا يوماً أو بعض يوم، ولما لم يكونوا مُسْتَيقنين من ذلك قالوا: اتركوا الأمر لله، فهو الأعلم به، وليذهب واحد منكم بهذه العملة الفضية إلى المدينة وليتخير أطيب الأطعمة فيأتيكم بطعام منه، وليكن حسن التفاهم، ولا يظهرن أمركم لأحد من الناس.
20- إنهم إن رأوكم يقتلوكم رجماً بالحجارة أو يعيدوكم إلى الشرك بالقوة، وإذا عدتم إليه فلن تفلحوا في الدنيا والآخرة.

.تفسير الآيات (21- 25):

{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}
21- وكما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا أهل المدينة عليهم ليعلم المطلعون أن وعد الله بالبعث حق، وأن القيامة لا شك في إتيانها. فآمن أهل المدينة بالله واليوم الآخر، ثم أمات الله الفتية فتنازعوا في شأنهم، فقال بعضهم: ابنوا على باب الكهف بنياناً ونتركهم وشأنهم فربهم أعلم بحالهم، وقال أصحاب الكلمة في القوم: لنتخذن على مكانهم مسجداً للعبادة.
22- سيقول فريق من الخائضين في قصتهم من أهل الكتاب: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول آخرون: هم خمسة سادسهم كلبهم. ظنا خالياً من الدليل، ويقول آخرون: هم سبعة وثامنهم كلبهم. قل لهؤلاء المختلفين: ربى عليم علماً ليس فوقه علم بعددهم. ولا يعلم حقيقته إلا قليل من الناس أطلعهم الله على عددهم، فلا تجادل هؤلاء المختلفين في شأن الفتية إلا جدالا ظاهراً ليناً دون محاولة إقناعهم، فإنهم لا يقتنعون. ولا تسأل أحداً منهم عن نبئهم، فقد جاءك الحق الذي لا مِرْيَة فيه.
23- ولا تقولن لشئ تُقْدِم عليه وتهتم به: إني فاعل ذلك فيما يستقبل من الزمان.
24- إلا قولا مقترناً بمشيئة الله بأن تقول: إن شاء الله! وإذا نسيت أمراً فتدارك نفسك بذكر الله، وقل عند اعتزامك أمراً وتعليقه على مشيئة الله: عسى أن يوفقنى ربى إلى أمر خير مما عزمت عليه وأرشد منه.
25- وإن الفتية مكثوا في كهفهم نياماً ثلاثمائة سنين زادت تسعا.

.تفسير الآيات (26- 29):

{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)}
26- وقل- أيها الرسول- للناس: إن الله- وحده- هو العالم بزمنهم كله، إنه- سبحانه- هو المختص بعلم الغيب في السموات والأرض، فما أعظم بصره في كل موجود، وما أعظم سمعه لكل مسموع، وما لأهل السموات والأرض من يتولى أمورهم غيره، ولا يشرك في قضائه أحداً من خلقه.
27- واقرأ- أيها الرسول- ما أُوحى إليك من القرآن، ومنه ما أُوحى إليك من نبأ الفتية، ولا تستمع لما يهزأون به من طلب تبديل معجزة القرآن بمعجزة أخرى، فإنه لا مغيِّر لما ينبئه الله بكلمة الحق في معجزاته، فإنه لا يقدر أحد على تبديله، ولا تخالف أمر ربك، فإنك حينئذ لن تجد غيره ملجأ يحفظك منه.
28- واحتفظ- أيها الرسول- بصحبة صحابتك من المؤمنين الذين يعبدون الله- وحده- في الصباح وفى العشى دائماً، يريدون رضوانه، ولا تنصرف عيناك عنهم إلى الجاحدين من الكفار لإرادة التمتع معهم بزينة الحياة الدنيا، ولا تطع في طرد فقراء المؤمنين من مجلسك من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا، لسوء استعداده، وصار عبداً لهواه، وصار أمره في جميع أعماله بعيداً عن الصواب، والنهى للنبي نهى لغيره، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد الحياة الدنيا وزينتها، ولكن كان اتجاه النهى إليه لكى يحترس غيره من استهواء الدنيا، فإنه إذا فرض فيه إرادة الزينة للأبدان؛ لفرض كل إنسان في نفسه ذلك ليحترس.
29- وقل- أيها الرسول-: إن ما جئت به هو الحق من عند ربكم، فمن شاء أن يؤمن به فليؤمن، فذلك خير له، ومن شاء أن يكفر فليكفر فإنه لم يظلم إلا نفسه. إننا أعددنا لمن ظلم نفسه بالكفر ناراً تحيط بهم كالسرادق. وإن يستغث الظالمون بطلب الماء وهم في جهنم؛ يؤت لهم بماء كالزيت العكر الشديد الحرارة يحرق الوجوه بلهيبه. قَبُحَ هذا الشراب لهم، وقبحت جهنم مكاناً لراحتهم.