فصل: تفسير الآيات (22- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (22- 25):

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)}
22- ولا يَحّلِف الصالحون وذوو اليسار منكم على أن يمنعوا إحسانهم ممن يستحقونه من الأقارب والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وغيرهم لسبب من الأسباب الشخصية، كإساءتهم إليهم، ولكن ينبغى أن يسامحوهم ويعرضوا عن مجازاتهم، وإذا كنتم تحبون أن يعفو الله عن سيئاتكم فافعلوا مع المسئ إليكم مثل ما تحبون أن يفعل بكم ربكم، وتأدبوا بأدبه فهو واسع المغفرة والرحمة.
23- إن الذين يتهمون بالزنا المؤمنات العفيفات الطاهرات، اللاتى لا يظن فيهن ذلك، بل هن لفرط انصرافهن إلى الله غافلات عما يُقال عنهن، يُبعدهم الله عن رحمته في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم إن لم يتوبوا.
24- ذلك العذاب يكون يوم القيامة حيث لا سبيل للإنكار، بل يثبت عليهم ما ارتكبوا إذ تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بجميع ما ارتكبوا من آثام، وذلك بظهور آثار مما عملوه عليها، أو بأن يُنطقها الله الذي أنطق كل شيء.
25- في ذلك اليوم يعاقبهم الله العقاب المقرر لهم كاملاً غير منقوص، وهنا يعلمون علم اليقين أُلوهية الله وأحكام شريعته، وصدق وعده ووعيده، لأن كل ذلك واضح دون خفاء.

.تفسير الآيات (26- 30):

{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}
26- الخبيثات من النساء يَكُنَّ للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال يكونون للخبيثات من النساء، وكذلك الطيبات من النساء يكن للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال يكونون للطيبات من النساء، فكيف يُتصور السوء في الطيبة المصونة زوج الأمين، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الطيبون مبرَّأون من التهم التي يصفهم بها الخبيثون، ولهم مغفرة من الله على مما لا يخلو منه البشر من صغار الذنوب، وإكرام عظيم بنعيم الجنة، وطيباتها.
27- يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً ليست لكم إلا بعد أن تطلبوا الإذن من ساكنيها ويسمح لكم بالدخول، وبعد أن تلقوا تحية السلام على ساكنيها. ذلك الاستئذان والسلام خير لكم من الدخول بدونهما، وشرعه الله لكم لتتعظوا وتعملوا به.
28- فإن لم تجدوا في هذه البيوت أحداً يأذن لكم، فلا تدخلوا حتى يجئ من يسمح لكم به. وإن لم يُسمح لكم وطُلب منكم الرجوع فارجعوا، ولا تلحوا في طلب السماح بالدخول، فإن الرجوع أكرم بكم وأطهر لنفوسكم، والله مطلع على كل أحوالكم ومجازيكم عليها فلا تخالفوا إرشاداته.
29- وإذا أردتم دخول بيوت عامة غير مسكونة بقوم مخصوصين، ولكم فيها حاجة كالحوانيت والفنادق ودور العبادة فلا حرج عليكم إن دخلتم بدون استئذان، والله عالم أتم العلم بجميع أعمالكم الظاهرة والباطنة فاتقوا مخالفته.
30- قل- يا أيها النبى- للمؤمنين- محذراً لهم مما يوصل إلى الزنا ويعرض للتهم-: إنهم مأمورون ألا ينظروا إلى ما يحرم النظر إليه من عورات النساء ومواطن الزينة منهن، وأن يصونوا فروجهم بسترها وبعدم الاتصال غير المشروع، ذلك الأدب أكرم بهم وأطهر لهم وأبعد عن الوقوع في المعصية والتهم. إن الله عالم أتم العلم بجميع ما يعملون ومجازيهم على ذلك.

.تفسير الآيات (31- 32):

{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)}
31- قل أيضاً- يا أيها النبى- للمؤمنات: إنهن مأمورات بكف نظرهن عما يحرم النظر إليه، وأن يَصُنَّ فروجهن بالستر وعدم الاتصال غير المشروع، وألا يُظهرن للرجال ما يغريهم من المحاسن الخلقية والزينة كالصدر والعضد والقلادة، إلا ما يظهر من غير إظهار كالوجه واليد، واطلب منهن- يا أيها النبى- أن يسترن المواضع التي تبدو من فتحات الملابس، كالعنق والصدر، وذلك بأن يسترن عليها أغطية رؤوسهن، وألا يسمحن بظهور محاسنهن، إلا لأزواجهن والأقارب الذين يحرم عليهم التزوج منهن تحريماً مؤبداً كآبائهن أو آباء أزواجهن، أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن من غيرهن، أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن، ومثل هؤلاء صواحبهن، وسواء منهن الحرائر والمملوكات، والرجال الذين يعيشون معهن، ولا يوجد عندهم الحاجة والميل للنساء كالطاعنين في السن، وكذلك الأطفال الذين لم يبلْغوا حد الشهوة، واطلب منهن أيضاً ألا يفعلن شيئاً يلفت أنظار الرجال إلى ما خفى من الزينة، وذلك كالضرب في الأرض بأرجلهن، ليسمع صوت خلاخيلهن المستترة بالثياب، وتوبوا إلى الله جميعاً- أيها المؤمنون- فيما خالفتم فيه أمر الله، والتزموا آداب الدين لتسعدوا في دنياكم وأخراكم.
32- وأعينوا على الابتعاد عن الزنا وما يوصل إليه بتزويج من لم يتزوج منْ رجالكم ونسائكم، ومَنْ كان صالحاً من مماليككم كذلك، ولا تكن رقة الحال مانعة من الزواج فإن الله سيهيئ وسائل العيش الكريم لمن أراد إعفاف نفسه، وفضل الله واسع لا يثقله إغناء الناس، هو عالم أتم العلم بالنيات وبكل ما يجرى في الكون.

.تفسير الآيات (33- 34):

{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}
33- والذين لا يجدون القدرة على مؤونات الزواج، فعليهم أن يسلكوا وسيلة أخرى كالصوم والرياضة. والأعمال العقلية، يعفون بها أنفسهم، حتى يهيئ الله لهم من فضله ما يستطيعون به الزواج، والأرقاء الذين يطلبون منكم تعاقداً على دفع عوض مقابل عتقهم، عليكم أن تجيبوهم إلى ما طلبوا، إنْ علمتم أنهم سيصدقون في الوفاء ويستطيعون الأداء، وعليكم أن تساعدوهم على الوفاء بما تعاقدوا عليه، وذلك مثلا بتخفيض ما اتفقتم عليه أو إعطائهم بعض المال الذي أنعم الله به عليكم بالزكاة أو الصدقة. ويحرم عليكم أن تجعلوا جواريكم وسيلة للكسب الدنيوى الرخيص باحتراف البغاء وتكرهوهن عليه. كيف تُكرِهُوهُنَّ وهن يردن العفاف؟ ومن يكرههن عليه فإن الله يغفر لمن يكرهونهن بالتوبة عن الإكراه. لأن الله واسع المغفرة والرحمة.
34- ولقد أنزلنا إليكم في هذه السورة وغيرها آيات واضحة مبينة للأحكام، وأنزلنا إليكم أمثلة من أحوال السابقين. وإرشادات ومواعظ يفيد منها الخائفون من الله.

.تفسير الآيات (35- 37):

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)}
35- الله مصدر النور في السموات والأرض، فهو منورهما بكل نور حسى نراه ونسير فيه، وبكل نور معنوى، كنور الحق والعدل، والعلم والفضيلة، والهدى والإيمان، وبالشواهد والآثار التي أودعها مخلوقاته، وبكل ما يدل على وجود الله ويدعو إلى الإيمان به سبحانه، وَمَثلُ نوره العظيم وأدلته الباهرة في الوضوح، كمثل نور مصباح شديد التوهج، وضع في فجوة من حائط تساعد على تجميع نوره ووفرة إضاءته، وقد وضع المصباح في قارورة صافية لامعة لمعان كوكب مشرق، يتلألأ كالدر ويستمد المصباح وقوده من زيت شجرة كثيرة البركات، طيبة التربة والموقع، هي شجرة الزيتون المغروسة في مكان معتدل متوسط، فلا هي شرقية فتحرم حرارة الشمس آخر النهار، ولا هي غربية فتحرمها أول النهار، بل هي على قمة الجبل، أو في فضاء الأرض تفيد من الشمس في جميع أجزاء النهار، يكاد زيت هذه الشجرة لشدة صفائه يضئ، ولو لم تمسسه نار المصباح، فهذه العوامل كلها تزيد المصباح إضاءة فوق إضاءة، ونوراً على نور.
وهكذا تكون الشواهد المنبثة في الكون حسيها ومعنويها آيات واضحة لا تدع مجالا للشك في وجود الله، وفى وجوب الإيمان به وبرسالاته وما جاءت به. والله يوفق من يشاء إلى الإيمان عن طريقها، إذا حاول الانتفاع بنور عقله. وقد أتى الله بالأمثلة المحسوسة ليسهل إدراك الأمور المعقولة، وهو سبحانه واسع العلم، يعلم من نظر في آياته، ومن أعرض واستكبر، ومجازيهم على ذلك.
36- إن هناك قوماً يُسبحون الله ويعبدونه في المساجد التي أمر الله أن تبنى وتعظم وتُعمر بذكر الله، وهم يترددون عليها صباحا ومساء.
37- لا تشغلهم الدنيا بما فيها من بيع وشراء عن تذكر الله ومراقبته، فهم يقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة خائفين من يوم القيامة الذي لا تستقر فيه القلوب من القلق والهم، وترقب المصير فيه وتلتفت فيه الأنظار في حيرة ودهشة من غرابة المنظر وشدة الهول.

.تفسير الآيات (38- 39):

{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)}
38- وستكون عاقبة عملهم مكافأة الله لهم أحسن مكافأة على أعمالهم الطيبة، وأن يتفضل عليهم بأكثر مما يستحقون، فهو سبحانه واسع الفضل يعطى من يشاء من عباده الصالحين عطاء كبيرا، لا يحاسبه عليه أحد ولا يستطيع العادُّون إحصاءه.
39- والذين جحدوا وأنكروا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وأن أعمالهم الحسنة ستفيدهم يوم القيامة، ولكنهم مخطئون في ظنهم هذا، فمثل أعمالهم في بطلانها وعدم جدواها كمثل اللمعان الذي يحدث من سقوط أشعة الشمس وقت الظهيرة على أرض مستوية في بيداء، فيظنه العطشان ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً نافعاً كما كان يظنه، كذلك أعمال الكفار يوم الجزاء ستكون هباء منثوراً، وسيجد الكافر عقاب الله ينتظره واقعاً تاماً لا نقص فيه، إن حساب الله آت لا ريب فيه، وهو سبحانه سريع في حسابه لا يبطئ ولا يخطئ.

.تفسير الآيات (40- 42):

{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)}
40- وهذا مثل آخر لأعمال الكفار، فمثلها كمثل ظلمات البحر الواسع العميق، الذي تتلاطم أمواجه عند هياجه، ويعلو بعضها فوق بعض، ويغطيها سحاب كثيف قاتم يحجب النور عنها، فهذه ظلمات متراكمة، لا يستطيع راكب البحر معها أن يرى يده ولو أدناها إلى بصره، فوقف حائراً مبهوتاً، وكيف يرى شيئاً ويخلص من هذه الحيرة بدون نور يهديه في مسيره ويقيه الارتطام والهلاك؟ وكذلك الكافرون لا يفيدون من أعمالهم، ولا يخرجون من عمايتهم وضلالهم، ولا ينجون بأنفسهم إلا بنور الإيمان، ومن لم يوفقه الله لنور الإيمان، فليس له نور يهديه إلى الخير ويدله على الطريق المستقيم، فيكون من الهالكين.
41- ألم تعلم- يا أيها النبى- علماً يقينياً أن الله يخضع له كل من يسكن السموات والأرض، ويخضع له الطير كذلك، وهى باسطة أجنحتها. فهذه المخلوقات كلها خاضعة لأمر الله وتدبيره تنزهه عن الشريك وعن كل ما لا يليق، وكل منها قد علم بإلهام الله ما وجب عليه من خضوع وتنزيه وأداء لوظيفته في الحياة، والله من ورائهم عالم أتم العلم بصلاة كل مصل وتسبيح كل مسبح، وجميع ما يفعله العباد، فكيف لا يؤمن به الكافرون؟
42- والله- وحده- هو مالك السموات والأرض وما فيهن، وصاحب السلطان عليها وكلهم راجع إليه يوم القيامة للحساب والجزاء.