فصل: تفسير الآيات (83- 88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (83- 88):

{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}
83- واذكر- أيها الرسول- يوم نجمع من كل أمة طائفة من المكذبين بآياتنا، وهم الزعماء المتَّبَعون فهم يساقون في مقدمة أممهم إلى الحساب والجزاء.
84- وحينما يقفون بين يدى الله للحساب يقول- سبحانه- لهم تبكيتاً وتعنيفاً: قد كذبتم بكل آياتى وأنكرتموها دون تدبر ولا فهم. بل ماذا كنتم تعملون وأنتم لم تخلقوا عبثاً؟
85- وحل بهم العذاب بسبب ظلمهم أنفسهم بالكفر، فهم عاجزون عن الدفاع والاعتذار.
86- لقد شاهدوا أن الله جعل الليل ليستريحوا فيه، وجعل النهار مضيئاً ليتصرفوا فيه ويسعوا على معايشهم؛ إن في ذلك لدلالات واضحة على ألوهية الله ووحدانيته لقوم يتدبرونها فيؤمنون.
87- واذكر- أيها الرسول- يوم ينفخ إسرافيل في البوق بإذن الله، فيرتعب من في السموات ومن في الأرض من هول النفخة إلا من طمأنه الله وأعفاه من الفزع، وكل المخلوقات يأتون إلى ربهم صاغرين.
88- وترى- أيها الرسول- الجبال تظنها ثابتة لا تتحرك، ولكنها في واقع الأمر تتحرك بسرعة كالسحاب، وهذا من صنع الله الذي خلق كل شيء وأبدعه. إنه سبحانه كامل العلم بما يفعل الناس من طاعة ومعصية، ومجازيهم عليه.

.تفسير الآيات (89- 92):

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)}
89- كل من أتى بالحسنة في الدنيا وهى الإيمان والإخلاص في الطاعة فله في الآخرة الثواب الأعظم من أجل ما تقدم. وأصحاب هذه الحسنات آمنون من الخوف والفزع يوم القيامة.
90- وكل من أتى في الدنيا بالسيئة- وهى الشرك والمعصية- ومات على ذلك فجزاء هذا الفريق أن يكبهم الله على وجوههم في النار يوم القيامة ويقال لهم حينئذ- توبيخاً- إنكم لا تجزون اليوم إلا بسبب شرككم ومعصيتكم.
91- قل- أيها الرسول- للناس: ما أمرت أن أعبد أحداً إلا الله رب مكة الذي كرمها، فجعلها حرماً آمناً، لا يسفك فيها دم، ولا يصاد صيدها، ولا يقطع شجرها. وله سبحانه كل ما في الكون خلقاً وملكاً وأمرت أن أكون من الخاضعين لله.
92- وأمرت أن أواظب على تلاوة القرآن عبادة وتدبراً ودعوة إلى ما فيه، فمن اهتدى وآمن به واتبعك فإنما خير ذلك وجزاؤه لنفسه لا لك، ومن ضل عن الحق ولم يتبعك فقل: إنما أنا رسول أنذر وأبلغ.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
93- وقل- أيها الرسول-: الحمد لله على نعمة النبوة والهداية، سيكشف الله لكم في الدنيا عن آثار قدرته، وفى الآخرة عن صدق ما أخبركم به فتعرفونها معرفة حق، وليس الله بعاجز عن حسابكم ولا بغافل عن أعمالكم.

.سورة القصص:

.تفسير الآيات (1- 3):

{طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)}
1- طسم: حروف صوتية سيقت لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف التي يتألف منها حديثكم، ولتنبيه السامعين.
2- هذه الآيات التي نوحيها إليك- أيها الرسول- آيات القرآن المبين الواضح، المظهر للحق من الباطل، وللحلال من الحرام، والوعد بالثواب، والوعيد بالعقاب.
3- نقُص عليك بعض أخبار موسى وفرعون بالصدق، ليعتبر بما فيه المؤمنون.

.تفسير الآيات (4- 9):

{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)}
4- إن فرعون تعاظم في نفسه، وجاوز الحد في ظلمه، واستكبر في أرض مصر، وصيَّر أهلها فرقا، يصطفى بعضها ويسخِّر بعضها، ويستضعف منهم بني إسرائيل، فيذبح الذكور من أولادهم، ويستبقى الإناث. إنه كان من المسرفين في الطغيان والإفساد.
5- وأراد الله أن يتفضَّل على الذين استضعفهم فرعون في الأرض، وأن يجعلهم هداة إلى الخير، ويورثهم ملك الأرض والسلطان.
6- ونُثَّبتهم في الأرض ويتخذون فيها مكاناً، ونُثَبت لفرعون ووزيره هامان وجندهما ما كانوا يخشونه من ذهاب ملكهم على يد مولود من بني إسرائيل.
7- وألهم الله أمَّ موسى- حينما خشيت عليه أن يذبحه فرعون كما يذبح أبناء بني إسرائيل- أن ترضعه مطمئنة عليه من قتل فرعون، فإذا خشيت أن يعرف أمره وضعته في صندوق وألقته في النيل غير خائفة ولا محزونه، فقد تكفل الله لها بحفظه وردِّه إليها، وأن يرسله إلى بني إسرائيل.
8- فأخذه آل فرعون ليتحقق ما قدَّره الله بأن يكون موسى رسولا معاديا لهم، ومثيرا لحزنهم بنقد دينهم والطعن على ظلمهم. إن فرعون وهامان وأعوانهما كانوا آثمين مسرفين في الطغيان والفساد.
9- وقالت امرأة فرعون- حين رأته- لزوجها: هذا الطفل مبعث السرور لى ولك. نستبقيه ولا نقتله رجاء أن ننتفع به في تدبير شأننا أو نتبناه، وهم لا يشعرون بما قدر الله في شأنه.

.تفسير الآيات (10- 14):

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)}
10- وصار قلب أم موسى خاليا من العقل لما دهمها من الجزع لوقوع ولدها في يد فرعون. إنها كادت تظهر أمره بأنه ولدها لولا أن ثَبَّت الله قلبها بالصبر لأعلنت أنه ولدها شفقة عليه، ولتكون في ضمن المؤمنين المطمئنين.
11- وقالت أمه لأخته: تتبعى أثره لتعرفى خبره، فرأته عن بُعد وهى تتجنب ظهور أمرها وفرعون وآله لا يدرون أنها أخته.
12- ومنع الله الطفل- موسى- أن يرضع ثديا لمرضع قبل أن يرشدوا إلى أمه، فاغتم آل فرعون، وأهمهم ذلك، فقالت لهم أخته: ألا أرشدكم إلى أسرة تكفله وتتعهده بالرضاع والتربية وهم له حافظون؟
13- فقبلوا إرشادها، وردَّه الله إلى أمه كي تطيب نفسها، وتفرح بعودته إليها، ولا تحزن بفراقه، ولتزداد علما بأن وعد الله بردِّه لها حاصل لا يتخلف، ولكن أكثر الناس لا يعلمون عودة موسى إلى أمه، لخفائه عليهم.
14- ولما بلغ موسى رشده واكتمل نضجه أعطاه الله الحكمة والعلم، ومثل ذلك الإحسان الذي أحسنا به إلى موسى وأمه نكافئ المحسنين على إحسانهم.

.تفسير الآيات (15- 19):

{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)}
15- ودخل موسى المدينة في وقت غفل فيه أهلها، فوجد فيها رجلين يقتتلان: أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من قوم فرعون، فاستعان به الإسرائيلى على خصمه فأعانه موسى، وضرب الخصم بقبضة يده فقتله من غير قصد. ثم أسف موسى، وقال: إنَّ إقدامى على هذا من عمل الشيطان. إن الشيطان لعدو ظاهر العداوة واضح الضلال.
16- قال موسى متضرعاً إلى الله في ندم: يا رب إني أسأت إلى نفسى بما فعلت، فاغفر لى فعلتى. فأجاب الله دعوته وغفر له. إن الله هو العظيم المغفرة الواسع الرحمة.
17- قال موسى متضرعاً: يا رب بحق إنعامك علىَّ بالحكمة والعلم وفقنى للخير والصواب، فإذا وفقتنى فلن أكون عوناً للكافرين.
18- فأصبح موسى في المدينة- مصر- فزعا، يتوقع أن يصيبه الأذى من القوم بسبب قتله المصرى، فوجد الإسرائيلي الذي طلب منه النصرة بالأمس يستغيث به ثانية على مصرى آخر، فنهره موسى قائلا له: إنك لشديد الغواية ظاهر الضلال، حيث عدت لمثل ما فعلت بالأمس ودعوتنى مرة ثانية لنصرتك.
19- فلما هم موسى بالبطش بالمصرى الذي هو عدو لهما، بسبب هذه العداوة، قال- وقد ظن أن موسى سيقتله-: أتريد أن تقتلنى كما قتلت شخصاً آخر بالأمس. ما تريد إلا أن تكون طاغية في الأرض، وما تريد أن تكون من دعاة الإصلاح والخير.

.تفسير الآيات (20- 24):

{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}
20- وجاء رجل مؤمن من آل فرعون- يخفى إيمانه- من أقصى المدينة حينما انتشر نبأ قتل موسى للمصرى، يخبر موسى أن قوم فرعون يتشاورون لقتلك، ويقول له: اخرج من المدينة فرارا من القتل، إني لك من الناصحين.
21- فخرج موسى من المدينة خائفاً يتوقع أن يتعرض له أعداؤه بالأذى، ضارعا إلى الله أن يُنجيه من ظلم الكافرين.
22- ولما توجه ناحية مدين- قرية شعيب- لما فيها من الأمن- تضرع إلى الله أن يهديه طريق الخير والنجاة.
23- ولما وصل ماء آل مدين الذي يسقون منه، وجد على جانب البئر جماعة كثيرة من أناس مختلفين يسقون مواشيهم، ووجد في مكان أسفل من مكانهم امرأتين تدفعان غنمهما بعيدا عن الماء، فقال لهما موسى: لم تبتعدان عن الماء؟ فأجابتا: لا نستطيع الزحام، ولا نسقى حتى يسقى الرعاة، وأبونا شيخ طاعن لا يستطيع الرعى ولا السقى.
24- فتطوع موسى وسقى لهما، ثم ركن إلى ظل شجرة يستريح من الجهد، وهو يقول في ضراعة: يا رب إني فقير لما تسوقه إلىَّ من خير ورزق.

.تفسير الآيات (25- 29):

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)}
25- فجاءت إحدى الفتاتين- مُرْسَلة من قبل أبيها بعد أن علم بأمر موسى معهما- تسير إلى موسى حياء، قالت: إن أبى يدعوك ليجزيك أجر سقيك لنا. فلما ذهب إليه وقصَّ عليه قصة خروجه من مصر قال والد الفتاتين: لا تخف، نجوت من القوم الظالمين، إذ لا سلطان لفرعون علينا.
26- قالت أحدى الفتاتين: يا أبت اتخذه أجيرا لرعى الغنم والقيام على شأنها، إنه خير من تستأجره لقوَّته وأمانته.
27- قال له شعيب عليه السلام إني أريد أن أزوجك واحدة من ابنتى هاتين، على أن يكون مهرها أن تعمل عندنا ثمانى سنوات، فإن أتممت عشرا فمن عندك تطوعا، وما أريد أن ألزمك بأطول الأجلين، وستجدنى إن شاء الله من الصالحين المحسنين للمعاملة الموفين بالعهد.
28- قال موسى: ذلك الذي عاهدتنى عليه قائم بينى وبينك، أي مدة من المدتين أقضيها في العمل أكون وفيتك عهدك فلا أطالب بزيادة عليها، والله شاهد على ما نقول.
29- فلما أتم موسى المدة المشروطة، وأصبح زوجاً لبنت الذي آواه، وعاد بها إلى مصر أبصر في طريقه من ناحية جبل الطور نارا، فقال لمن معه: امكثوا هنا، إني رأيت نارا استأنست بها في هذه الظلمة، سأذهب إليها لآتيكم من عندها بخبر عن الطريق أو بجذوة منها لعلكم تستدفئون بها.