فصل: باب ذكر خلافة شيث أباه آدم عليه السلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 باب ذكر خلافة شيث أباه آدم عليه السلام

قد ذكرأن شيث بن آدم كان وصي أبيه‏.‏

وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أنزل على شيث خمسون صحيفة وأنه كان نبيًا وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم اليوم وذلك أن نسل سائر بني آدم غير نسل شيث انقرضوا‏.‏

ولم يزل شيث مقيمًا بمكة يحج ويعتمر وجمع ما أنزل عليه من الصحف إلى صحف أبيه آدم فعمل بها‏.‏

ذكر الأحداث التي جرت في ولاية شيث من ذلك موت أمه حواء فإنهم ذكروا أنها عاشت بعد آدم سنة ثم ماتت فدفنت مع آدم وأنهما لم يزالا هنالك حتى استخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة فلم ذهب الطوفان ردهما إلى أماكنهما‏.‏

ومن ذلك أن شيث بن آدم بنى الكعبة بالحجارة والطين‏.‏

وقد زعم قوم أنه لم تزل القبة التي جعلت لآدم في مكان البيت إلى أيام الطوفان‏.‏

ومن الأحداث التي كان ابتداؤها في زمن آدم وامتدت بعده أن قابيل لما قتل أخاه هرب إلى اليمن فأتاه ابليس فقال‏:‏ إنما قبل قربان أخيك لأنه كان يخدم النار ويعبدها فانصب أنت نارًا تكون لك ولعقبك‏.‏

فبنى بيت نار فهو أول من نصب النار وعبدها‏.‏

وجاء من أولاده جبابرة وفراعنة ثم انقرض ولده وكذلك أولاد آدم انقطع نسلهم إلا ما كان من شيث‏.‏

وقيل‏:‏ إن بعض أولاد قابيل اتخذ آلات اللهو من المزامير والطبوال والعيدان والطنابير والمعازف فانهمك ولد قابيل في اللهو فذهب إليهم قوم من أولاد شيث ثم نزل آخرون فأما ما يتعلق بشيث فإنه كان قد ولد له أنوش في زمن أبيه آدم وأوصى شيث إلى أنوش بعد موت أبيه بسياسة الملك وتدبير الرعايا على منهاج أبيه من غيرتغير ولا تبديل وهوأول من غرس النخل وزرع الحبّ ونطق بالحكمة وعاش تسعمائة وخمس سنين‏.‏

وولد لأنُوش قَيْنَان في زمن آدم أيضًا وأوصى أنوش إلى قَيْنَان‏.‏

وولد لقينان مَهلائيل في زمن آدم أيضًا‏.‏

فوصى قَيْنَان إليه وكان مَهْلاَئِيل على منهاج أبيه‏.‏

وولد لمَهْلاَئِيل يَرْدإه فأوصى إليه وقيل إن يَرْد ولد في زمان آدم أيضًا‏.‏

وولد ليَرْد خَنُوخ وهو إدريس النبي عليه السلام‏.‏

وهذه الأسماء لا يكاد الرواة يتوافقون عليها فإني رأيت أبا الحسن بن المنادي قد ضبط بخطه لمك بتسكين الميم وحنوح بالحاء غيرمعجمة‏.‏

وقد ذكر قوم أن اوشْهَنْج هو ابن آدم لصلبه وأنه أول ملك ملك الأرض وقوم يزعمون أنه من ولد نوح فقال قوم‏:‏ أوشْهَنْج وهو مَهْلائِيل بن قَيْنَان وأن أوشهَنج كان في زمان آدم رجلًا وأنه خلف جده خيومرث وملك الأقاليم السبعة وكان فضلًا محمودًا وهو أول من استنبط الحديد في ملكه فاتخذ منه الأدوات للصناعات واستخرج المعادن ورتب الممالك وحضَّ الناس على الزراعة واتخذ الملابس من جلود السباع وأمر بذبح البهائم والأكل من لحومها ووضع الحدود فيَ الأحكام وكان ملكه أربعين سنة وأنه بنى مدينة الريّ وأنها أول مدينة بنيت بعد مدينة جيومرث التي كان يسكنها بدنبا وتَدمن طبرستان وبنى مدينة بابل والسوس‏.‏

بعد في البلاد وجلس على السرير وأنه نزل الهند وعقد على رأسه تاجًا ونفى أهل الفساد والذعار من البلدان إلى البراري وجزائر البحار وألجأهم إلى رؤوس الجبال وقرب أهل الصلاح وانتهى ملكه إلى طهمورث وهومن ولده إلا أن بينهما عدة آباء‏.‏

فصل‏.‏

فأما يَرْد أبو إدريس فإنه عاش تسعمائة سنة‏.‏

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال‏:‏ في زمان يَرْد عُبدت الأصنام‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن المسلمة قال‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله الجوهري حدثنا أبو علي الحسن بن عليل العنبري حدثنا أبو الحسن علي بن الصباح بن الفرات أخبرنا هشام بن السائب الكلبي قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ أول ما عبدت الأصنام ان آدم عليه السلام لما مات جعله بنوشيث في مغارة في الجبل الذي أهبط عليه بأرض الهند ويقال للجبل نود‏.‏

وقال هشام‏:‏ وأخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ فكان بنوشيث يأتون جنب آدم في المغارة فيعظمونه ويترحمون عليه فقال رجل من بني قابيل‏:‏ إن لبني شيث دواراَ يدورون حوله ويعظمونه وليس لكم شيء فنحت لهم صنمًا فكان أول من عملها‏.‏

وأخبرني أبي قال‏:‏ كان ودّ وسواع وبغوث ويعوق ونمر قومًا صالحين فماتوا في شهر فجزع عليهم أهاليهم وأقاربهم فقال رجل من بني قابيل‏:‏ يا قوم هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم غير أني لا أقدر أن أجعل فيها أرواحًا قالوا‏:‏ نعم فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم ونصبها لهم وكان الرجل يأتي أخاه وعمه وابن عمه ليعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذلك القرن الأول وعملت على عهد يرد بن مهلائيلَ ثم جاء قرن آخر فعظموهم أشد من تعظيم القرن الأول ثم جاء من بعدهم القرن الثالث فقالوا‏:‏ ما عظم أولونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله فعبدوهم وعظم أمرهم واشتد كفرهم فبعث اللّه إليهم إدريس فدعاهم ولم يزل أمرهم يشتد حتى بعث نوحًا وجاء الطوفان فأهبط الماء هذه الأصنام من أرض إلى أرض حتى قذفها إلى أرض جدة‏.‏

والصحيح ان هذه الأصنام الخمسة عملتَ بعد نوح على ما سنذكره فيجوز أن يكونوا عملوها اتباعًا لفعل قدمائهم‏.‏

 باب‏:‏ ذكر إدريس عليه السلام

واسمه خنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏ وهو إدريس بن اليارد بن مهلائيل بن قينان بن الطاهر بن هبه وهو شيث بن آدم وإنما قيل له إدريس لأنه أول من درس الوحي المكتوب‏.‏

وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ إن أول نبي بعد آدم إدريس عليه السلام وهو حنوخ بن يرذ وكان يصعد له في اليوم من العمل ما لا يصعد لبني آدم في السنة فحسده إبليس وعصاه قومه فرفعه الله مكانًا عليًا وأدخله الجنة‏.‏

قلت‏:‏ كذا في هذه الرواية لاحنوخ بالحاء المهملة ثم بالخاء المعجمة ويرذ بالذال المعجمة‏.‏

ورويت الكلمة الأولى بخاءين معجمتين ويرد بدال مهملة‏.‏

وزعم ابن اسحاق أن إدريس أول نبي أعطي النبوة‏.‏

وقد روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ أربع من الرسل سريانيون‏:‏ آدم وشيث وأحنوح وهو إدريس ونوح ‏"‏‏.‏

وقال علماء السير‏:‏ نبأ الله تعالى إدريس في حياة آدم وقد مضى من عمر آدم ستمائة واثنتان وعشرون سنة وأنزل عليه ثلاثون صحيفة فدعا قومه ووعظهم وأمرهم بطاعة اللهّ ومخالفة الشيطان وأن لا يلامسوا أولاد قابيل فخالفوا فجاهدهم وسبى منهم واسترق‏.‏

وهو أول نبي خط بالقلم وقطع الثياب وخاطها ورفع إدريس وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سنة وأبوه حي فعاش أبوه بعد ارتفاعه مائة وخمسًا وثلانين سنة‏.‏

قال زيد بن أسلم‏:‏ كان يصعد لإدريس من العمل مثل ما يصعد لجميع بنىِ آدم فجاءه ملك فاستأذن اللّه في جلسة فأذن له فهبط إليه في صورة آدمي وكان يسجد فلما عرفه قال‏:‏ إني أسألك حاجة قال‏:‏ ما هي قال‏:‏ تذيقني الموت فلعلي أعلم ما شدته فأكون له أشد استعدادًا ؤأوحى اللهّ إليه أن أقبض روحه ساعة ثم أرسله فافعل ثم قال‏:‏ كيف رأيت‏.‏

قال‏:‏ أشد ما بلغني عنه وإني أحب أن تريني النار قال‏:‏ فحمله وأراه إياها قال‏:‏ إني أحب أن تريني الجنة فأراه إياها فلما دخلها وطاف فيها قال له ملك الموت‏:‏ اخرج فقال‏:‏ واللّه لا أخرج حتى يكون اللهّ تعالى يخرجني فبعث اللهّ ملكًا يحكم بينهما فقال‏.‏

ما تقول يا ملك الموت فقص عليه ما جرى فقال‏:‏ ما تقول يا إدريس قال‏:‏ إن اللهّ تعالى قال‏:‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَة الْمَوْتِ‏}‏ وقد ذقته وقال‏:‏ ‏{‏وَإِن مِنْكُمْ إِلاَّ وَاردهَا‏}‏ وقد وردتها‏.‏

وقال لأهل الجنة ‏{‏وَمَا هُم مِنْها بمخرَجِينَ‏}‏ فو الله لا أخرج حتى يكون اللّه يخرجني فسمع هاتفًا من فوقه يقول‏:‏ بإذني دخل وبأمرىِ فعل فخل سبيله‏.‏

فإن قيل‏:‏ أين هذه الآيات لأدريس فالجواب‏:‏ إن الله أعلم بوجوب الورود وامتناع الخروج من الجنة وغير ذلك فقاله‏.‏

ذكر الأحداث التى كانت في زمن إدريس عليه السلام منها أنه ملك الدنيا كلها في عهد إدريس بِيوَراسب ويقال‏:‏ بوراسب وهو الضحاك بن الأهنوب وهو صديق إبليس قبل إدريس ظهره وظهرت في منكبه حيتان وكان دينه فى دين البراهمة فبقي ملكًا للأقاليم جميعًا ألف سنة إلا نصف يوم‏.‏

 

ذكر الأحداث بعد إدريس

استخلف إدريس ولده مَتُوشَلَخ على أمر اللّه وأوصاه قبل أن يرفع وكان أول من ركب البحر وملك بطريق الطاعة لله سبحانه‏.‏

ثم ولد لمتوشلخ لمك في حياة آدم ثم ولد للَمَك نوح روى عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى‏}‏ قال‏:‏ كان فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وإن بَطْنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخريسكن الجبال وكان رجال الجبال صِباحًا وفي المساء دمامة وكان نساء السهل صِباحًا وفي الرجال دمامة وأتى إبليس رجلًا من أهل السهل في صورة غلام فآجر نفسه منه وكان إبليس يخدمه فأخذ ابليس مثل هذا الذي يزمُر فيه الرِّعاء فجاء فيه بصوت لم يسمِع الناس مثله فبلغ ذلك مَنْ حولهم فانتابوهم يسمعون إليه أواتخذوا عيدًا يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال‏.‏

قال‏:‏ وينزل الرجال لهن‏.‏

وإن ررجلًا من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصبَاحتهنَ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك ثم تحولوا إليهن فنزلوا معهن فظهرت الفاحشة فيهن فهو قوله تعالى‏:‏‏{‏وَلاَ تَبرَّجْنَ تَبَرًّجَ الجاهِلِيةِ الأولَى‏}‏‏.‏

وقد كانت أحداث كثيرة وقرون بين آدم ونوح لا يعلم أكثرها‏.‏

وروى أبو أمامة أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كم كان بين آدم ونوح‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ عشرة قرون ‏"‏‏.‏

قال الشيخ الإمام أبو الفرج‏:‏ وقد اختلف في ترتيب هذه القرون والأحداث الكائنة فيها فمن ذلك‏:‏ أن قومًا قالوا‏:‏ ملك طَهْمُرث ويقال‏:‏ طهمورب بالباء كذلك ضبط أبو الحسين ابن المنادي‏.‏

ويقال‏:‏ طهومرت وهو من ولد أوشنج وبينهما عدة آباء فسلك طريق جده وملك الأقاليم كلها وبنى الموضع الذي جدده بعد ذلك شابور ملك فارس ونزله ونفى الأشرار وهو أول من كتب بالفارسية واتخذ الخيل والبغال والحمير والكلاب لحفظ المواشي واستمرت أحواله على الصلاح‏.‏

ثم ملك أخوه جم الشيذ وتفسيره سد الشعاع سمي بذلك لأنه كان جميلًا وضيئًَا فملك الأقاليم وسلك السيرة الجميلة وزاد في الملك بأن ابتدع عمل السيوف والسلاح دلّ على صنعة الإبريْسم والقز وغيره ومما يُغزَل‏.‏

وأمر بنسج الثياب وصبغها و نحت السروج والأكُف وتذليل الدواب بها‏.‏

وصنف الناس أربع طبقات‏:‏ طبقة مقاتلة وطبقة كتّابًا وطبقة صنَّاعًا وحراثين وطبقة خدمًا‏.‏

وعمل أربعة خواتم‏:‏ خاتمًا للحرث والشرط وكتب عليه الأناة وخاتمًا للخراجِ وجباية الأموال وكتب عليه العمارة‏.‏

وخاتمًا للبريد وكتب عليه الرخاء‏.‏

وخاتماَ للمظالم وكتب عليه العدل فبقيت هذه الرسوم في ملوك الفرس إلى أن جاء الإسلام‏.‏

وألزم من غلبه من أهل الفساد بالأعمال الصعبة من قطع الصخور من الجبال وعمل الرخام والجص والبناء والكَلْس والحمامات‏.‏

وأخرج من البحار والجبال والمعادن والفلوات كل ما ينتفع به الناس من الذهب والفضة وما يذاب من الجواهر وأنواع الطيب والأدوية وأحدث النوروز فجعله عيدًا‏.‏

ثم إنه بطر وجمع الخلق فأخبرهم أنه مالكهم والدافع عنهم بقوته الهرم والسقم والموت وجحد إحسان اللّه إليه وأدعى الربوبية‏.‏

فأحس بذلك الملك بيورَاسب الذي يسمى الضحاك وهو من ولد جيومرث ويزعم قوم ان جم الشيذ زوج أخته بعض آشراف أهل بيت فولدت له الحكم فانتدب إلى جم بنفسه فهرب منه ثم ظفربه الضحاك فامتلخ أمعاءه ونشره بمنشار‏.‏

وقد روينا عن وهب بن منبه قصة تشبه أن تكون قصة جم لولا أن فيها ذكر بخت نصر وبين جم وبخت نصر بون بعيد إلا أن يكون الضحاك سمي بذلك الزمان بخت نصر‏.‏

فأخبرنا عبد الخالق بن أحمد بن يوسف أخبرنا علي بن محمد بن اسحاق اليزدي أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الرازي أخبرنا جعفر بن عبد الله الروياني حدثنا أبو بكر محمد بن هارون حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا خلف حدثنا إسماعيل حدثنا عبد الصمد بن معقل قال‏:‏ إن رجلًا ملك وهو شاب فقال‏:‏ إني لأجد للمُلْك لذة ولا أدري أكذلك يجد الناس الملك أم أنا أجده من بينهم فقيل‏:‏ بل الملك كذلك فقال‏:‏ ما الذي يقيمه لي فقيل له‏:‏ يقيمه أن تطيع اللّه ولا تعصيه فدعا ناسًا من خيارمن كان في ملكه فقال لهم‏:‏ كونوا بحضرتي وفي مجلسي فما رأيتم أنه طاعة الله فمروني أن أعمل به وما رأيتم أنه معصية اللهّ فازجروني عنه أنزجر ففعل ذلك هو وهم فاستقام ملكه أربعمائة سنة مطيعًا للّه‏.‏

ثم إن إبليس انتبه لذلك فقال‏:‏ تركت رجلًا يعبد اللّه ملكًا أربعمائة سنة فجاء فدخل عليه وتمثل له برجل ففزع منه الملك فقال‏:‏ من أنت‏.‏

فقال ابليس‏:‏ لا تُرَعْ ولكن أخبرني من أنت فقال الملك‏:‏ أنا رجل من بني آدم فقال له إبليس‏:‏ لوكنت من بني آدم لقد مت كما يموت بنو آدم ألم تَر َكَمْ قد مات من الناس وذهب أمن القرون ولكنك إله فادعُ الناس إلى عبادتك‏.‏

فدخل ذلك في قلبه ثم صعد المنبر فخطب الناس فقال‏:‏ يا أيها الناس إني قد كنت أخفيت عليكم أمرًا بان لي إظهاره لكم أتعلمون أني ملكتكم أربعمائة سنة فلو كنت من بني آدم لقد مت كما ماتوا ولكني إله فاعبدوني فأرعش مكانه فأوحى اللّه تعالى إلى بعض من كان معه فقال‏:‏ أخبره أني قد استقمت له ما استقام لي فارعوى من طاعتي إلى معصيتي فلم يستقم لي فبعزتي حلفتُ لأسلِّطَنَّ عليه بخت نصر فليضربن عنقه وليأخذن ما في خزانته وكان في ذلك الزمان لا يسخط اللّه على أحد إلا سلط عليه بخت نصر فضرب عنقه وأوقر من خزانته سبعين سفينة ذهبًا‏.‏

 

باب‏:‏ ذكر نوح عليه السلام

وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن إدريس‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ نوح بن ملكان بن مثوب بن إدريس وكان بين آدم ونوح ألف سنة وولد نوح عليه السلام بعد وفاة آدم بثمانمائة وست وعشرين سنة فلما بلغ قال له أبوه‏:‏ قد علمت انه لم يبق في هذا الموضع غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة فما زال على حاله حتى بعثه اللهّ تعالى بعد أن تكامل له خمسون سنة وقيل‏:‏ ثلاثمائة وخمسون وقيل‏:‏ كان ابن أربعمائة وثمانين سنة فبعث وليس في الزمان من يأمر بالمعروف وكانوا يعبدون الأوثان فدعاهم وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا الجوهري أخبرنا أبوعمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن ابن عباس قال‏:‏ كان للمك يوم ولد نوحًا اثنتان وثمانون سنة ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينهى عن منكر فبعث الله نوحًا إليهم وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة ودعاهم مائة وعشرون سنة وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة‏.‏

أخبرنا أبو المعمر الأنصاري أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب بن منده أخبرنا أبو طاهر بن عبد الرحيم أخبرنا أبو محمد بن حبان حدثنا محمد بن أحمد بن معدان حدثنا أبو عمير حدثنا أبو ضمرة عن سعيد بن حسن قال‏:‏ كان قوم نوح يزرعون في الشهر مرتين وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره‏.‏

قال علماء السير‏:‏ فرض الله على نوح الصلاة والحلال والحرام وأمره الله عز وجل بصنعه السفينة فغرس شجرة فعظمت ثم قطعها وجعل يعمل سفينة فيمرون عليه فيسخرون منه‏.‏

قال سلمان الفارسي‏:‏ أنبت الساج أربعين سنة وعملها في أربعمائة سنة‏.‏

قال قتادة‏:‏ ذكر لنا أن طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون وارتفاعها في السماء ثلاثون‏.‏

وقيل‏:‏ طولها ألف ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنَب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على وروى يوسف بن مِهْران عن ابن عباس قال‏:‏ أول ما حمل في الفلك من الدواب الذرة وآخر ما حمل الحمار‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ كانوا ثمانين رجلًا منهم سام وحام ويافث‏.‏

وكنائنه نساء بنيه هؤلاء وثلاثة وسبعون من ولد شيث‏.‏

وقال قتادة‏:‏ كانوا ثمانية‏:‏ نوح وامرأته وبنوه الثلاثة ونساؤهم‏.‏

وقال الأعمش‏:‏ كانوا سبعة ولم يذكر امرأة نوح‏.‏

وقال ابن اسحاق‏:‏ كانوا عشرة‏.‏

قال ابن جريج‏:‏ حدثت أن حامًا أصاب امرأته في السفينة فدعا عليه نوح فتغير نطفته فجاء بالسودان‏.‏

وقال الحسن‏:‏ كان التنور الذي فار منه الماء حجارة‏.‏

واختلفوا أين فار التنور فروى عكرمة عن ابن عباس انه فار بالهند‏.‏

وقال الشعبي ومجاهد بالكوفة‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك حدثنا أبو الحسين بن علي الطناجيري أخبرنا عمرو بن أحمد بن شاهين حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبيه عن أنس قال‏:‏ لما ركب نوح السفينة جاء إبليس فتعلق بالسفينة وقال‏:‏ من أنت قال‏:‏ إبليس قال‏:‏ ما جاء بك قال‏:‏ جئت لتسأل لي ربك هل لي من توبة قال‏:‏ فأوحى الله إليه أن توبته أن يأتي قبرآ فيسجد له فقال‏:‏ أنا لم أسجد له حيّاُ وأسجد له ميتًا فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ ‏"‏‏.‏

قال علماء السير‏:‏ فلما استقرنوح بمن معه فتحت أبواب السماء بماء منهمر فغطى السفينة وكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل السفينة أربعون يومًا ثم ارتفع الماء فوق الجبال فهلك كل ما على وجه الأرض من في روح وشجر فلم يبق سوى نوح ومن معه‏.‏

ويزعم أهل الكتاب أنه بقي عوج بن عناق أيضًا‏.‏

روى أبو صالح عن ابن عباس قال‏:‏ أرسل اللّه المطر أربعين يومًا وأربعين ليلة فأقبلت الوحش والدواب كلها إلى نوح وسخرت له فحمل له منها من كل زوجين اثنين وحمل جسد آدم فجعله حاجزًا بين النساء والرجال فركبوا فيها لعشر ليال مضيْن من رجب وخرجو منها يوم عاشوراء فسارت بهم السفينة وطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر حتى أتت الحرم فلم تدخله ودارت بالحرم اسبوعًا ورفع البيت الذىِ بناه آدم رفع من الغرق وهو البيت المعمور والحجر الأسود على أبي قبيس ثم انتهت بهم إلى الجودي وهو جبل في أرض الموصل فاستقرت عليه و ‏"‏ قيل يا أرض ابلغي ماءك ويا سماء أقلعي ‏"‏‏.‏

فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض فآخر ما بقي من الطوفان في الأرض ماء بحِسْمَى بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان ثم ذهب‏.‏

قال العلماء‏:‏ أرسل الله الطوفان لمضي ستمائة سنة من عمر نوح ولتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وست وخمسين سنة من لَدُن هبوط آدم وكان ذلك لثلاث عشرة خلت من آب وأقام نوح في السفينة إلى أن غاض الماء فلما خرج اتخذ بناحية بقردى من أرض الجزيرة موضعًا وابتنى هناك قرية سموها ثمانين لأنه كان فيها لكل انسان معه بيت فهي إلى اليوم تسمى سوق ثمانين‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين حدثنا موسى بن عبد الله بن يحيى قال‏:‏ حدثني عبد الله بن أبي سعد حدثني محمد بن الهيثم بن عدي حدثني أبو يعقوب بن سابق حدثنا هشيم عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس قال‏:‏ كان مجتمع الناس حيث خرجوا من السفينة ببابل فنزلوا سوق ثمانين بالجزيرة فابتنى كل واحد منهم بيتًا وكانوا ثمانين رجلًا فسمي سوق ثمانين ثم ضاقت بهم حتى خرجوا فنزلوا موضع بابل وكان طول بابل اثني عشر فرسخًا في اثني عشر فرسخًا وكان سورها عند النيل وبابهاعند دَاوَرْدان فمكثوا بها حتى كثروا وملكهم يومئذ نمرود بن كنعان بن حام بن نوح فلما كفروا بلبل الله ألسنتهم ففرقوا على اثنين وسبعين لسانًا وفهم الله العربية عمليق وأمَيم وطسم بن لوط بن سام وعاد وعبيل ابني عوص بن إرم بن سام وثمود وجديس بن جاثم بن إرم بن سام وقنطود بن عابر بن شالخ بن أرفخسد بن سام‏.‏

فخرجت عاد وعبيل فنزلت عاد الشَحْر ونزلت عبيل يثرب ونزلت عماليق صنعاء وما حولها ونزلت أميم أبار ومضى بعضهم مع عاد ومضت طسم وجديس فنزلوا اليمامة ونزلت ثمود الحجر وما والاها‏.‏

فهلكتَ عاد والعماليق بصنعاء وتحولت العماليق فنزلت مكة ثم مضى بعضهم إلى يثرب ويثرب اسم رجل منهم‏.‏

قال ابن شاهين‏:‏ وحدثني أبي حدثنا محمد بن علي حدثنا القعنبي حدثنا أبو ضمرة عن مالك بن أنس قال‏:‏ كان الرجل في زمان نوح ينتسب إلى خمسة عشر أبًا كلهم حي‏.‏

قال العلماء‏:‏ عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة على خلاف في عدد السنين وكان جميع عمر نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا ويقال أكثر وإنما ذلك مقدار لبثه في الإنذار والله أعلم‏.‏

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال‏:‏ ولد نوح سامًا وفي ولده بياض وآدمة وحامًا وفي ولده سواد وبياض قليل ويافث وفيهم الشقرة والحمرة وكنعان وهو الذي غرق والعرب تسميه يامًا‏.‏

قال ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وجعلنا ذريته هم الباقين ‏"‏ قال‏:‏ لم يبق إلا ذرية نوح‏.‏

وقال قتادة‏:‏ الناس كلهم من ذرية نوح‏.‏

وهو بيوراسب‏.‏

لما قهر جمًا الملك ملك مكانه وسار في الناس بجور شديد‏.‏

وذكر بعض المؤرخين أن نوحًا بعث في زمان هذا الرجل إليه وإلى أهل مملكته ممن تمرد وعصى وأنهم هلكوا بمخالفته فلذلك ذكرنا خبره ها هنا‏.‏

كان الضحاك عظيم المملكة‏.‏

ويقال‏:‏ ان جمًا الملك زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته وملكه على اليمن فولدت له الضحاك‏.‏

واليمن تدعيه وتزعم أنه من أنفسها وأنه الضحاك بن علوان بن عبيد بن عويج وأنه ملك على مصر أخاه سنان بن علوان وهو أول الفراعنة وأنه ملك مصر حين قدمها الخليل‏.‏

والفرس تنسب الضحاك غير هذا النسب فترفع نسبه إلى جيومرث وقيل‏:‏ كان كثير الإقامة ببابل‏.‏

وعامة المؤرخين ذكروا أنه ملك الأقاليم السبعة كلها وأنه كان ساحرًا فاجرًا‏.‏

قال هشام بن محمد‏:‏ ملك الضحاك بعد جم فيما يزعمون ألف سنة وسار بالجور والقتل وكان أول من سن الصلب والقطع وأول من وضع العُشور وضرب الدراهم وأول من تَغنَّى وغُنَيَ له‏.‏

ويقال انه خرج في منكبه سِلْعتان كانتا تضربان عليه حتى يطليهما بدماغ إنسان وكان يقتل لذلك في كل يوم رجلين ويَطْلي سِلْعتيه بدماغيهما فإذا فعل ذلك سكن مايجد‏.‏

بَلْ كَانَ كَالضَحَّاكِ في سَطَوَاتِهِ بالعالمين وَأنْتَ أفريدون وأفريدون من نسل جم الملك الذي كان من قبل الضحاك ثم قدم إلى منزل الضحاك فاحتوى عليه وأوثق الضحاك وسمي ذلك اليوم مهرجانًا وعلا أفريدون سرير الملك‏.‏

وكان عرض صدر الملك أفريدون أربعة أرماح‏.‏

والفرس تزعم أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أوشهنج وجم وطَهمُورث وأن الضحاك كان غاصبًا غصب أهل الأرض بسحره أوخبثه‏.‏

وكان على منكبيه ناتئتان كل واحدة كرأس الثعبان فكان يسترهما ويزعم أنهما حيتان يقتضيانه الطعام وكانتا تتحركان إذا جاع وزعم أنه نبي‏.‏

وقيل‏:‏ ما زال الناس معه في جهد حتى وثب رجل اسمه كابي من أهل أصبهان كان قد قتل له ابنين فجمع الناس لقتاله فهرب الضحاك وولى مكانه أفريدون فاحتوى على ملك الضحاك‏.‏

وملك أفريدون خمسمائة سنة وكان عمر الضحاك ألف سنة وملكه ستمائة سنة وقد زعم بعض نسابي الفرس أن أفريدون هو نوح الذي قهر الضحاك وغلبه وسلبه ملكه‏.‏

وقال قوم‏:‏ أفريدون هو ذو القرنين‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هو سليمان بن داود وقال الفرس‏:‏ أفريدون من ولد جم الملك وهو التاسع من ولده‏.‏

وكان أفريدون قد أمر بالعدل ورد المظالم وهو أول من نظر في النجوم والطب وأول من ذلل الفيلة وامتطاها وقاتل بها الأعداء واتخذ الأوز يقال له ‏"‏ كَيْ أفريدون ‏"‏ وهي كلمة معناها التنزيه أي‏:‏ هو منزه متصل بالروحانية‏.‏

وأنه ملك الأرض فقسمها بين أولاد له ثلاثة فوثب اثنان منهم على الثالث فقتلاه واقتسما الأرض فملكاها ثلاثمائة سنة‏.‏

ثم بغى منهم طوج بن أفريدون ثم نشأ له أفراسياب بن ترك الذي تنسب إليه الترك من ولد طوج‏.‏

ويقال‏:‏ الضحاك هو نمرود الخليل وأن الخليل ولد في زمانه وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه‏.‏

واللّه أعلم‏.‏

ذكر أولاد نوح عليه السلام

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا عبد الوهاب عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن نبي اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لاسام أبو الترك وحام أبو الحبشْ ويافث أبو الروم ‏"‏‏.‏

وقال سعيد بن المسيب‏:‏ ولد نوح ثلاثة أولاد‏:‏ سام وحام ويافث‏.‏

فولد سام العرب وفارس والروم وولد حام السودان والبربر والقبط وولد يافث الترك والصقالبة و يأجوج ومأجوج‏.‏

وقال وهب بن منبه‏:‏ سام أبو العرب وفارس والروم وحام أبو السود ويافث أبو الترك وأبو ويزعم أهل التوراة أن نوحًا نام فانكشفت عورته ورآها حام فلم يغطها ورآها سامٍ ويافث وألقيا عليها ثوبًا فلما انتبه علم بالحال فدعا على أولاد حام أن يكونوا عبيدًا لإخوته‏.‏

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال‏:‏ لما ضاقت بولد نوح سوق ثمانين تحولوا إلى بابل فبنوها وهي بين الفرات والصراة وكانت اثني عشر فرسخًا في اثني عشر فرسخًا وكثروا بها حتى صاروا مائة ألف‏.‏

ذكر أولاد سام

من أولاد سام‏:‏ فارس وطسم وعمليق وهو أبو العماليق كلهم وإرم وأرفخشد وأولاد أرفخشد الأنبياء والرسل وخيار الناس والعرب كلها والفراعنة - ومن أولاد إرم‏:‏ عابر وعوص ومن ولد عابر ثمود وجديس وكانوا عربًا وولد عوص عاد‏.‏

وكانت طسم والعماليق وهاشم يتكلمون بالعربية وفارس يتكلمون باللسان الفارسي وكانت العرب تقول لهذه الأمم العرب العاربة لأنه لسانهم الذي جبلوا عليه وتقول لبني إسماعيل العرب المتعربة لأنهم كانوا يتكلمون بلسان هذه الأمم حتى سكنوا بين أظهرهم‏.‏

وولد لعابر فالغ ومعناه بالعربية قاسم وإنما سمي بذلك لأنه قسم الأرض بين بني نوح‏.‏

وولد لعابر أيضًا أرغوا وولد لأرغوا ساروغ وولد لساروغ ناخور وولد لناخور تارخ أبو ابراهيم وولد لعابر أيضًا قحطان وقحطان أول من ملك اليمن وأول من سُلًم عليه ‏"‏ أبيت اللعن ‏"‏‏.‏

وولد لقحطان يعرب وولد ليعرب شجب سبأ وسبأ هو الذي ينسب القبيلة الذين قال لهم سبأ إليه‏.‏

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا علي بن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة عن عبد اللّه بن مسرة الشيباني عن عبد الرحمن بن وعلة قال‏:‏ سمعت ابن عباس يقول‏:‏ ان رجلًا سأل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو أرجل أم امرأة أم أرض‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ بل هورجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعرون وأنمار وحمير‏.‏

وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان ‏"‏‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيويه أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا الحسن بن الحكم النخعي أخبرنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك المرادي قال‏:‏ أتيت رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا رسول اللّه ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم قال‏:‏ ‏"‏ بلى ‏"‏ قال‏:‏ ثم بدا لي فقلت‏:‏ يا رسوك اللّه لا بل أهل سبأ هم أعز وأشد قوة فأذن لي في قتال سبأ فلما خرجت من عنده أنزل اللهّ في سبأ ما أنزال فأرسل رسول اللّه إلى منزلي فوجدني قد سرت فردّني فلما أتيته وجدته قاعدًا وحوله أصحابه فقال‏:‏ ‏"‏ ادع القوم فمن أجابك منهم فاقبل ومن أبى ولا تعجل عليه حتى تحدث إلىِ فقال رجل من قوم‏:‏ يا رسول الله وما سبأ أرض أو امرأة‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ليست بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فأما ستة فتيامنوا أما أربعة فتشاموا‏.‏

فأما الذين تشاموا‏:‏ فلخم وجذام ومحسمان وعاملة ‏"‏‏.‏

وأما الذين تيامنوا‏:‏ فالأزد وكندة وحمير والأشعرون وأنهار ومذحج ‏"‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول اللهّ وما أنمار قال‏:‏ ‏"‏ هم الذين منهم خثعم وبجيلة والفرس والنبط من أولاد سام أيضًا ‏"‏‏.‏

ذكر أولاد يافث من أولاده يونان وولد ليونان نبطي ومن أولاده الروم‏.‏

ومن أولاد يافث ملوك العجم كلها من الترك والخزر والفرس‏.‏

ذكر أولاد حام منهم كوش وولد لكوش نمرود المتجبر وهو أول ملك ملك بعد الطوفان بثلاثمائة عام‏.‏

وعلى عهده قسمت الأرض وتفرق الناس والألسن‏.‏

ونمرود الأخير من أولاد نمرود هذا هوالذي ولد في زمن إبراهيم الخليل‏.‏

ومن أولاد حام تيرش ومن أولاده الترك والخزر‏.‏

ومنهم موعج ومن أولاده يأجوج ومأجوج‏.‏

و منهم نوار ومن أولاده الصقالبة والنوبة والحبشة وأهل السواحل والهند والسند‏.‏

ذكر الأحداث التي كانت بين نوح وإبراهيم عليهما السلام فمن الأحداث‏:‏ اقتسام أولاد نوح الأرض‏:‏ وقد ذكرنا أن يالغ بن عامر قسم الأرض فنزل بنو سام سرِّة الأرض وهو ما بين ساتيدما إلى البحر وما بين اليمن إلى الشام وجعل الله سبحانه فيهم النبوة والكتاب والجمال والآدمة والبياض ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدّبور وجعل الله فيهم أدمة وبياضًا قليلأ ورفع عنهم الطاعون‏.‏

ونزل بنو يافث مجرى الشمال والصبا وفيهم الحمرة والشقرة وأخلي الله أرضهم فاشتد بردها وأخلى سماءهم فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية لأنهم صاروا تحتَ بنات نعش والجدْي والفرقدين وابتلوا بالطاعون‏.‏

ثم لحقت عاد بالشَحْر فعليه هلكوا بواد يقال له مغيث‏.‏

ولحقت عبل وهوعبل بن عوص بن آدم صنعاء قبل أن تسمى صنعاء ثم انحدر بعضهم إلى يثرب فأخرجوا منها عبل فنزلوا موضع الجحفة فأقبل سيل فاحتجفهم فذهب بهم فسميت الحجفة‏.‏

ولحقت ثمود بالحجر ولحقت طسم وجديس باليمامة ولحقت بنو يقطن بن عامر باليمن فسميت اليمن حيث تيامنوا إليها‏.‏

ولحق قوم من بني كنعان بالشام فسميت الشام حيث تشاموا وكانت الشام يقال لها أرض كنعان‏.‏

وكانت العماليق في بلدان شتى وكان منهم بالمشرق إلى عمان وبالبحرين طائفة وكان بالشام ومصر ومكة والمدينة والحجاز ونجد منهم طائفة‏.‏

والطائفة التي كانت منهم بالشام يقال لهم لا الكنعانيون وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها وهم الجبابرة المعروفون‏.‏

والطائفة التي كانت بمصر يقال لهم الفراعنة ومنهم فرعون يوسف وكان اسمه الريّان بن الوليد وفرعون موسى وكان اسمه وائل بن مصعب‏.‏

وكان بمكة أيضًا طائفة منهم وكان سيدهم بكر بن معاوية وهو الذي نزل عليه وفد عاد حين ذهبوا يستسقون لعاد وكان معاوية هذا نازلًا بظاهر مكة خارجًا من الحرم وكان يتخذ منهم ناس يقال لهم‏:‏ بديل وراجل‏.‏

فكان بالمدينة منهم بنوحف وسعد بن هزان وبنو مطر وبنو الأرزن وكان ملك الحجاز منهم الملك الذي يدعى الأرقم وكان منزله تيماء وكانت منازلهم المدينة إلى تيماء وإلى فدك‏.‏

ومن الأحداث التي كانت بعد نوح عبادة الأصنام‏:‏ روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس قال‏:‏ ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر أسماء قوم صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت وصارت تلك الأوثان في العرب بعد‏.‏

أما ود فكان لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكان لهذيل وأما يغوث فكان لمراد بني غطيف بالجرف وأما يعوق فكان لهمدان وأما نسر فكان لحميرلآل في الكلاع‏.‏

ومن الأحداث بين نوح وابراهيم طغيان جنين من أولاد إرم‏:‏ وهما‏:‏ عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وهي عاد الأولى وثمود بن جاثر ابن إرم وهم كانوا العرب العاربة‏.‏

 

ذكر قصة قوم عاد

وكفرانهم لما تجبروا وعتوا وعبدوا الأوثان أرسل اللهّ تعالى إليهم هود بن عبد اللهّ بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ومن النسابين من يقول‏:‏ الخلود بضم الخاء واللام كذلك رأيته بخط المنادي قال‏:‏ ويقال بالجيم المكسورة واللام المفتوحة‏.‏

ومنهم من يقول هود هو‏:‏ عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح‏.‏

فدعاهم إلى التوحيد وترك الظلم فكذبوه وقالوا‏:‏ من أشدُ منا قوَّة فلم يؤمن منهم بهود إلا القليل فبالغ في وعظهم فزاعوا في طغيانهم إلى أن قالوا‏:‏ ‏{‏ سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين‏}‏ فحبس اللّه عز وجل عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدوا فبعثوا إلى مكة وفدًا حتى يستسقي لهم منهم‏:‏ قيل ولقيم وجلهم ومرثدبن سعد وكان يكتم إيمانه ولقمان بن عاد فنزلوا على بكربن معاوية فجعل يسقيهم الخمر وتغنيهم الجرادتان شهرًا ثم بعثوا آخر فدعا فقال‏:‏ اللهم إني لم أجئك لأسير فأفاديه ولا لمريض فأشفيه فاسق عادًا ما كنت مسقيه‏.‏

فرفعت له سحابة فنودي منها‏:‏ اختر فجعل يقول‏:‏ إذهبي إلى بني فلان واذهبي إلى بني فلان‏.‏

فمرت سحابة سوداء فقال‏:‏ إذهبي إلى بني فلان واذهبي إلى بني فلان‏.‏

فمرت سحابة سوداء فقال‏:‏ إذهبي إلى عاد فنودي منها‏:‏ خذها رمادًا رمددًا لا تدع من عاد أحدًا‏.‏

قال‏:‏ وكتمهم والقوم عند بكر بن ساوية يشربون‏.‏

وفي رواية‏:‏ أن بكر بن معاوية لما رأى طول مقامهم عنده قال‏:‏ هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء ضيفي وما أدري ما أصنع واستحى أن يأمرهم بالخروج فشكى ذلك إلى قينتيه الجرادتين فقالتا له‏:‏ قل شعرًا نغنيهم به‏.‏

قال‏:‏‏:‏ فَيسقِي أرْضَ عادًٍا إِنَ عادًا قَد امسوا لا يُبِينُونَ الكَلاما من العطش الشَّديد فليس نرجو به الشيخَ الكبيرَولا الغلاما وَقَد كانتْ نساؤُهُمُ بخيِرِ فقدأمستْ نِساؤُهُمُ عَيَامَا وإنَّ الوحشَ تأتيهمْ جهارًا ولاتخشَى لعادي سِهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نَهارَكمُ وليلَكُمُ التماما فقبَح وفدكُمْ من وَفْد قوم ولا لُقوا التحية والسلاما فلما سمعوا هذا قالوا‏:‏ ويلكم ادخلوا الحرم فاستسقوا لقومكم فقال مرثد‏:‏ إنكم واللّه لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم سقيتم‏.‏

فقال جلهم‏:‏ احبسوا هذا عنا ولا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود‏.‏

ثم خرجوا يستسقون فنشأت سحابة وقيل له‏:‏ اختر فاختار سحابة سوداء فساقها الله تعالى إلى عاد حتى خرج عليهم من واد لهم يقال له مغيث فلما رأوها استبشروا بها فقالوا‏:‏ ‏{‏هذا عارض ممطرنا‏}‏‏.‏

فكان أول من رأى ما فيها امرأة منهم فصاحت وصعقت فقيل لها‏:‏ ما رأيت قالت‏:‏ ريحًا فيها كشهب النار أمامها رجالٌ يقودونها فسخرها الله عليهم ‏{‏سَبْعَ ليال وثمانيةَ أيام حُسُومًا‏}‏‏.‏

فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه منها إلا ماتلين الجلود وتلتذّ عليه النفوس فكانت تقلع الشجر وتهدم البيوت فمن لم يكن في بيته هبت الريح حتى تقطعه بالجبال وكانت ترفع الظعينة ما بين السماء والأرض وترميهم بالحجارة‏.‏

فوصل الخبر إلى الوفد وكانوا قد قيل لهم‏:‏ قد أعطيتم مناكم لدعائكم فاختاروا‏.‏

فقال مرثد‏:‏ يا رب أعطني برًا وصدقًا فأعطىِ ذلك‏.‏

وقيل لقيل‏:‏ ما تريد فقال‏:‏ أن يصيبني ما أصاب قومي‏.‏

وقال لقمان بن عاد‏:‏ أعطني عمر سبعة أنسر فعمر عمر سبعة أنسر يأخذ الفرخ حين يخرج من البيضة فيأخذ الذكر لقَوِّته حتى إذا مات أخذ غيره فلما لم يبق غير واحد قال له ابن أخيه‏:‏ يا عم ما بقي من عمرك إلا عمر هذا النسر فقال لقمان‏:‏ هذا لُبد - ولبد بلسانهم الدهر فلما انقضى عمر النسر طارت النسور ولم ينهض فمات لقمان‏.‏