فصل: بيعة أهل البصرة عليًا وقسمة ما في بيت المال عليهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 استئذان طلحة والزبير عليًّا

وحدثنا سيف عن محمد وطلحة قالا‏:‏ استأذن طلحة والزبير عليًا في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة وأحدث أهل المدينة أن يعلموا ما رأي علي في معاوية ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة أيجسر عليه أو ينكل عنه وقد بلغم أن الحسن بن علي دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي - وكان منقطعًا إلى علي - فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثم قال له علي‏:‏ يا زياد تيسر فقال‏:‏ لأي شيء فقال‏:‏ لغزو الشام فقال زياد‏:‏ الأناة والرفق أمثل وقال هذا البيت‏:‏ ومَنْ لايُصانِعْ في أموركثيرةٍ يُضَرسْ بأنياب ويوطأ بمنْسِم فتمثل عليّ وكأنه لا يريده يقول‏:‏ متى تَجمَع القلبَ الذكي وصارِمًا وأنْفًا حَمِيًا تَجْتَنِبْكَ المظَالِمُ فخرج زياد على الناس فقالوا‏:‏ ما وراءك فقال‏:‏ السيف يا قوم فعرفوا ما هو فاعل ودعا علي محمد بن الحنفية فدفع إليه اللواء وولى عبد الله بن عباس ميمنة وعمرو بن أبي سلمة - أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد - ولاه ميسرته ودعا أبا ليلى بن عمرو بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح فجعله على مقدمته واستخلف على المدينة قثم بن عباس وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى مثل ذلك وأصر على التهيؤ والتجهز وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة وقال‏:‏ انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون تفريق جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق أو تقضوا الذي عليكم‏.‏

فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر فقام فيهم فقال‏:‏ ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين قد تمالأوا على سخط إمارتي وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم‏.‏

ثم أتاه أنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح فتعبى للخروج نحوهم فاشتد على أهل المدينة الأمر فتثاقلوا فبعث إلى عبد الله بن عمر كُميْلا النَخَعِي فجاء به فقال‏:‏ انهض معي فقال‏:‏ أنا مع أهل المدينة إنما أنا رجل منهم فإن يخرجوا أخرج وإن يقعدوا أقعد فرجع عبد الله إِلى أهل المدينة وهم يقولون‏:‏ لا والله ما ندري كيف نصنع فإن هذا الأمر لمشتبه علينا فخرجٍ من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم بنت عليً بالذي سمع من أهل المدينة وأنه يخرج معتمرا مقيمًا على طاعة علي ما خلا النهوض وكان صدوقًا فاستقر ذلك عندها وأصبح علي رضي الله عنه فقيل له‏:‏ البارحة حدث حدثٌ وهو أشد عليك من طلحة والزبير وأم المؤمنين معاوية قال‏:‏ وما ذلك فقال‏:‏ خرج ابن عمر إلى الشام فأتى على السوق ودعا بالظهر فحمل الرجال وأعد لكل طريق طُلابًا‏.‏

وماج أهل المدينة وسمعت أم كلثوم بالذي هو فيه فأتت عليًا فقالت‏:‏ ما لك لا تَزَند من هذا الرجل وحدثته حديثه وقالت‏:‏ أنا ضامنة له فطابت نفسه وقال‏:‏ انصرفوا إنه عندي ثقة فانصرفوا‏.‏

وكانت عائشة مقيمة بالمدينة تريد عمرة المحرم فلما قضت عمرتها وخرجت سمعت بما جرى فانصرفت إلى مكة وهي لا تقول شيئًا فنزلت على باب المسجد وقصدت الحجر فسُترَتْ فيه واجتمع الناس إليها فقالت‏:‏ إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول بالأمس فبادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام فاجتماعكم عليهم ينكل بهم غيرهم ويشرد بهم من بعدهم فقال عبد الله بن عامر الحضرمي‏:‏ ها أنا لها أول طالب فكان أول منتدب‏.‏

وحدثنا سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال‏:‏ خرجت عائشة نحو المدينة من مكة بعد مقتل عثمان فلقيها رجل من أخوالها فقالت‏:‏ ما وراءك‏.‏

قال‏:‏ قتل عثمان واجتمع الناس على علي رضي الله عنه والأمر أمر الغوغاء‏.‏

قالت‏:‏ ما أظن ذلك تامًا ردوني فانصرفت راجعة إلى مكة حتى إذا دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي - وكان أمير عثمان عليها - فقال‏:‏ ما ردك يا أم المؤمنين قالت‏:‏ ردني أن عثمان قتل مظلومًا وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام‏.‏

فكان أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي وذلك أول ما تكلمت بنو أمية بالحجاز ورفعوا رؤوسهم وقام معهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية‏.‏

وقد قدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة ويعلى بن أمية من اليمن وطلحة والزبير من المدينة واجتمع ملؤهم بعد نظر طويل في أمورهم على البصرة وقالت عائشة في مقام آخر‏:‏ يا أيها الناس إن هذا حدث عظيم وأمر منكر فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم لعل الله عز وجل أن يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم‏.‏

وحدثنا سيف عن محمد وطلحة قالا‏:‏ كان أول من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أمية ثم قدم يعلى بن أمية ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف فأناخ بالأبطح معسكرًا وقدم عليهم طلحة والزبير فلقيا عائشة رضي الله عنها فقالت‏:‏ ما وراءكما فقالا‏:‏ إنًا تحملنا هُرابًا من المدينة من غوغاء وأعراب وفارقنا قومًا حيارى لا يعرفون حقًا ولا ينكرون باطلًا فائتمر القوم بالشام‏.‏

فقال عبد الله بن عامر‏:‏ قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته فقال له طلحة والزبير‏:‏ فأين قال‏:‏ البصرة فإن لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى فقالوا‏:‏ يا أم المؤمنين دعي المدينة واشخصي معنا إلى البصرة فتنهضيهم كما أنهضت أهل مكة فإن أصلح الله الأمر كان الذي تريدين وإلا احتسبنا ودفعنا عن هذا الأمر بجهدنا قالت‏:‏ نعم‏.‏

فانطلقوا إلى حفصة فقالت‏:‏ رأي تبعٌ لرأي عائشة حتى إذا لم يبقَ إلا الخروج قالوا‏:‏ كيف نستقل وليس معنا مال نجهز به الناس فقال يعلى بن أمية‏:‏ معي ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها فقال ابن عامر‏:‏ معي كذا وكذا فتجهزوا بها‏.‏

فنادى المنادي‏:‏ إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ولم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب - وكانوا جميعًا ألفًا - وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل واستقلوا ذاهبين‏.‏

وأرادت حفصة الخروج فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت وبعثت إلى وخرج المغيرة بن شعبة وسعيد بن العاص معهم مرحلة من مكة فقال سعيد للمغيرة‏:‏ ما الرأي قال‏:‏ الرأي والله الاعتزال فإنهم ما يفلح أمرهم فإن أظفره الله أتيناه فقلنا‏:‏ كان صغونا معك فجلسا‏.‏

وأخبرنا سيف عن محمد بن قيس عن الأغر قال‏:‏ لما اجتمع إلى مكة بنو أمية ويعلى بن أمية وطلحة والزبير ائتمروا أمرهم واجتمع ملؤهم على الطلب بدم عثمان وقتال السبئية حتى يثأروا وأمرتهم عائشة بالخروج إِلى المدينة واجتمع القوم على البصرة وردوها عن رأيها وأمرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فكان يصلي بهم‏.‏

وحدثنا سيف عن سعيد بن عبد الله عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ سمعت عائشة بخبر عثمان في الطريق فرجعت فقالت‏:‏ ألا إن عثمان عدت عليه الغوغاء وضعف عنه أِصحابه فقتلوه مظلومًا وإن عليًا رضي الله عنه بويع فلم يقو عليهم ولا ينبغي له أن يقيم معهم فاطلبوا بدم عثمان فخرجت لتنهض الناس وترجع‏.‏

 خروج علي رضي اللّه عنه إلى الربذة يريد البصرة

وحدَثنا سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال‏:‏ جاء عليًا الخبر عن طلحة والزبير وأم المؤمنين فأمر على المدينة تمام بن العباس وبعث إلى مكة وحدثنا سيف عن محمد وطلحة قالا‏:‏ خرج عليّ رضي الله عنه على تعبيته التي تعبى بها إلى الشام وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في تسعمائة رجل وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج‏.‏

وحدثنا سيف عن خالد بن مهران البجلي عن مروان بن عبد الرحمن الخُميسي عن طارق بن شهاب قال‏:‏ خرجنا من الكوفة معتمرين حين أتانا قتل عثمان رضي الله عنه فلما انتهيا إلى الربذة إذا الرفاق يحدو بعضهم بعضًا فقلت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ أمير المؤمنين فأتيته فلما انصرف من الصلاة أتاه ابنه الحسن فجلس فقال‏:‏ قد أمرتك فعصيتني فتقتل غدًا بمضيعة لا ناصر لك‏.‏

قال علي رضي الله عنه‏:‏ لا تزال تَخِنّ خنين الجارية وما الذي أمرتني فعصيتك قال‏:‏ أمرتك يوم أحيط بعثمان رضي الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها ثم أمرتك يوم قتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود العرب وبيعة كل مصر ثم أمرتك حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد كان على يدي غيرك فعصيتني في ذلك كله فقال‏:‏ أي بني أما قولك‏:‏ لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به‏.‏

وأما قولك‏:‏ لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار فإن الأمر أمر أهل المدينة وكرهنا أن يضيع هذا الأمر‏.‏

أما قولك‏:‏ حين خرج طلحة والزبير فإن ذلك كان وهنًا على أهل الاسلام ولا والله ما زلت مقهورًا مذ وليت منقوصًا لا أصل إِلى شيء مما ينبغي‏.‏

وأما قولك‏:‏ اجلس في بيتك فكيف لي بما قد لزمني وإذا لم أنظر فيما قد لزمني من هذا الأمر فمن ينظر فيه فكف يا بني‏.‏

وحدثنا سيف عن سعيد بن عبد الله عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ قيل لعلي بالربذة يا أمير المؤمنين ما فكرتك في هذا الأمر إن البصرة لفي يديك وإن الكوفة لفي يديك فقال‏:‏ ويحكم ابتليت بثلاثة ما رمي بمثلهم أحد قط ابتليت بفتى العرب وأجودهم طلحة وبفارس العرب وأحربهم الزبير وبأم المؤمنين أطوع الناس في الناس‏.‏

 دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف

وحدثنا سيف عن محمد وطلحة قالا‏:‏ لما كان الناس بفناء البصرة لقيهم عمير بن عبد الله التميمي فقال‏:‏ يا أم المؤمنين أنشدك الله أن تقدمي اليوم على قوم لم تراسلي منهم أحدًا فأرسلت ابن عامر وكتبت إلى رجال من أهل البصرة وإلى الأحنف بن قيس فدعا عثمان بن حنيف عمران بن الحصين وألزه بأبي الأسود الدؤلي فقال‏:‏ انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها‏.‏

فخرجا فانتهيا إليها فاستأذنا فأذن لهما فقالا‏:‏ إن أميرنا بعثنا إليك يسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا فقالت‏:‏ والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه وانتهبوا فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا‏.‏

فخرجا من عندها فأتيا طلحة فقالا‏:‏ ما أقدمك قال‏:‏ الطلب بدم عثمان قالا‏:‏ ألم تبايع عليًا قال‏:‏ بلى واللج على عنقي وما أستقيل عليًا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان ثم أتيا الزبير فقالا له مثل ما قالا لطلحة فقال مثل ذلك‏.‏

فنادى عثمان بن حنيف في الناس وأمرهم بلبس السلاح وقام رجل فقال للناس‏:‏ يا أيها الناس إن هؤلاء القوم إن كانوا جاءوا خائفين فقد جاءوا من المكان الذي يأمن به الطير وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان‏.‏ أطيعوني وردوهم‏.‏

فقال الأسود بن سريع‏:‏ إنما فزعوا إلينا ليستعينوا بنا على قتلة عثمان فحصبه الناس‏.‏

فتكلم طلحة فدعا إلى الطلب بدم عثمان فتحاصب الناس فتكلمت عائشة وقالت‏:‏ ينبغي أخذ قتلة عثمان فتحاصب القوم‏.‏

وأقبل حكيم بن جبلة فأنشب القتال وأصحاب عائشة كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم فغدا حكيم بن جبلة يُبَرْبر وفي يده الرمح فقال له رجل من عبد القيس‏:‏ من الذي تسب قال‏:‏ عائشة قال‏:‏ يا بن الخبيثة ألأم المؤمنين تقول هذا فوضع حكيم السنان بين ثدييه فقتله‏.‏

ثم اقتتلوا قتالًا شديدًا ومنادي عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكف فيأبون فقالت عائشة‏:‏ لا تقتلوا إلا من قاتلكم ونادوا‏:‏ من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان فأنشب حكيم القتال فاقتتلوا أشد قتال‏.‏

وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخرة سنة ست وثلاثين‏.‏

فلما نزل علي رضي الله عنه على الثعلبية أتاه الخبر بما لقي عثمان بن حنيف ثم أتاه ما لقي حكيم بن جبلة ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعرة‏.‏

وأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس وخرج إِلى علي خلق كثير من أهل الكوفة فدعا على القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال‏:‏ الق هذين الرجلين فادعهما إلى الألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة فخرج القعقاع حتى أتى البصرة فبدأ بعائشة فسلم عليها فقال‏:‏ أي أماه ما أشخصك وما أقدمك على هذه البلدة قالت‏:‏ أي بني إصلاح بين الناس قال‏:‏ فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت إليهما فجاءا فقال‏:‏ إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها فقالت‏:‏ الإصلاح بين الناس فما تقولان أنتما أمتابعين أم مخالفين قالا‏:‏ متابعين قال‏:‏ فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح فوالله لئن عرفناه لنصلحن ولئن أنكرناه لا يصلح قالا‏:‏ قتلة عثمان فإن هذا إن ترك كان تركًا للقرآن وإن أعمل به كان إحياء للقرآن فقال‏:‏ قد قتلتما قتلة أمير المؤمنين من أهل البصرة قتلتم ستمائة إلا رجلًا قالت أم المؤمنين‏:‏ فتقول أنت ماذا‏.‏قال‏:‏ أقول إن هذا الأمر دواؤه التسكين وإذا سكن اختلجوا فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير ودَركٌ يثأر هذا الرجل وسلامة لهذه الأمة وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة الشر فكونوا مفاتيح الخير فقالوا له‏:‏ قد أحسنت فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح وأقبلت وفودَ اَلبصرة نحو عليّ‏.‏

وجاءت وفود تميم وبكر فجمع علي الناس وقام فذكر إنعام الله تعالى على هذه الأمة بالاجتماع إلى أن قال‏:‏ ثم حدث هذا الحدث الذي جره على هذه الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا وحسدوا من أفاءها الله عليه ألا وإني راحل غدًا فارتحلوا ولا يرتحلن أحد أعان على عثمان بشيء وليُغْنِ السفهاء عني أنفسهم‏.‏

فاجتمع نفر منهم عِلْباء بن الهيثم وعدي بن حاتم وسالم بن ثعلبة القيسي وشريح بن أوفى بن ضبيعة والأشتر في عدة ممن سار إلى عثمان ورضي مسير من سار وجاء معهم المصريون‏:‏ ابن السوداء وخالد بن ملجم وتشاوروا فقالوا‏:‏ ما الرأي وهذا والله علي وهو أبصر الناس بكتاب الله وأقرب ممن يطلب قتلة عثمان وأقربهم إلى العمل بذلك وهو يقول ما يقول فكيف به إذا شام القوم وشامّوه ورأوا قتلنا وقتلنا في كثرتهم إياكم والله ترادون‏.‏

فقال الأشتر‏:‏ أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهما وأما علي فلم نعرف أمره حتى كان اليوم ورأيُ الناس فينا واحد وإن يصطلحوا على دمائنا فهلموا نتواثب على علي فنلحقه بعثمان فتعود فتنة يُرضَى منا فيها بالسكوت‏.‏

فقال عبد الله بن السوداء‏:‏ بئس الرأي رأيت نحن نحو من ستمائة وهذا ابن الحنظلية وأصحابه في خمسة آلاف بالأسواق إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلًا‏.‏

وقال علباء بن الهيثم‏:‏ انصرفوا بنا عنهم ودعوهم وارجعوا فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتقون به وامتنعوا من الناس‏.‏

قال ابن السوداء‏:‏ بئس ما رأيت ودّ والله الناس أنكم على جديلة ولم تكونوا مع أقوام براء ولو كان الذي تقول لتخطفكم كل شيء‏.‏

وقال ابن السوداء‏:‏ إذا التقى الناس غدًا فانشبوا القتال ولا تدعوهم يفرغون للنظر فإذا من أنتم معه لا يجد بدًا من أن يمتنع فيشغل الله عليًا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عما تكرهون فتفرقوا على مثل ذلك والناس لا يشعرون‏.‏

وأصبح عليّ رضي الله عنه على ظهر فمضى ومضى الناس وقام علي فخطبهم وقال‏:‏ يا أيها الناس كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم فإنهم إخوانكم ومضى حتى أطل على القوم فبعث إليهم حكيم بن سلامة ومالك بن حبيب فقال‏:‏ إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا وأقرونا ننزل وننظر في هذا الأمر فقال له الأحنف بن قيس‏:‏ إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم ستقتل رجالهم وتسبي نساءهم‏.‏

فقال‏:‏ ما مثلي يخاف هذا منه وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر وهم قوم مسلمون فهل أنت مغن عني قومك‏.‏

قال‏:‏ نعم فاختر مني واحدة من اثنتين إما أن آتيك فأكون معك بنفسي وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف‏.‏

فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وارتحل حتى نزل بحذاء القوم والناس لا يشكون في الصلح ومع عائشة ثلاثون ألفًا ومع علي عشرون ألفًا فلما نزل الناس واطمأنوا خرج علي وخرج طلحة والزبير فتواقفوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه فلم يجدوا أمرًا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب فافترقوا عن موقفهم على ذلك ورجع علي إلى عسكره ورجع وطلحة والزبير إلى عسكرهما‏.‏

 أمر القتالَ

وبعث عليّ من العشي عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير وبعثاهما من العشي محمد بن طلحة إلى عليّ وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه فقالوا‏:‏ نعم فلما أمسوا أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه ما خلا أولئك الذين هضبوا على عثمان فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه والنزوع عمَّا اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط قد أشرفوا على الهلكة وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر واستسروا بذلك خشية أن يفطن لهم فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم أحد غير جيراِنهم فخرج مُضَريهم إلى مضرِيِّهم ورَبعيهم إلى رَبعيِّهم ويمانيهم إلى يمانيهم حتى وضعوا فيهم السلاح فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم وخرج الزبير وطلحة فبعثا إلى الميمنة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وإلى الميسرة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وثبتا في القلب وقالا‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ طرقنا أهل الكوفة ليلًا فقالا‏:‏ قد علمنا أن عليًا غير منته حتى يسفك الدماء ويستحل الحرمة وإنه لن يطاوعنا ثم رجعا بأهل البصرة‏.‏

فسمع علي وأهل الكوفة الصوت وقد وضعوا رجلًا قريبًا من عليّ ليخبره بما يريدون فلما قال‏:‏ ما هذا قال ذلك الرجل‏:‏ ما فاجئنا إلا وقوم منهم قد بيتونا فرددناهم من حيث جاءوا فوجدنا القوم على رِجْل فركبونا وثار الناس وقال علي لصاحب ميمنته‏:‏ ائت الميمنة ولصاحب ميسرته ائت الميسرة ولقد علمت أن طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء وأقبل كعب بن سعد حتى أتى عائشة رضي الله عنهما فقال‏:‏ أدركي فقد أبى القوم إلا القتال لعل الله يصلح بك‏.‏

فركبت وألبسوا هودجها الأدراع ثم بعثوا جملها فلما برزت - وكانت بحيث تسمع الغوغاء - وقفت فقالت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ ضجة العسكر قالت‏:‏ بخير أم بشر قالوا‏:‏ بشر‏.‏

قالت‏:‏ وأي الفريقين كانت منهم هذه للضجة فهم المهزومون‏.‏

فما فجئها إلا الهزيمة فمضى الزبير في وجهه فسلك وادي السباع وجاء طلحة سهم غَرْب يخُل ركبتَه بصفحة الفرس فلما امتلأ مَوْزَجه دمًا وثقل قال لغلامه‏:‏ ابغني مكانًا أنزل فيه وتمثل بهذا يقول‏:‏ نَدمتُ نَدَامةَ الكُسَعِي لمَا شَرَبت رِضَا بني سَهْم برغمي أطعتهم بفُرْقةِ آل لأي فَألْقوا للسباع دمي ولَحْمِي واقتتل الناس وأقبلوا في هزيمتهم يريدون البصرة فلما رأوا الجمل طافت به مضر فقالت عائشة‏:‏ خل يا كعب عن البعير وتقدم بكتاب الله عز وجل فادعهم إليه ودفعت إليه مصحفًا‏.‏

وأقبل القوم وأمامهم السبئية يخافون أن يجري الصلح فاستقبلهم كعب بالمصحف فرشقوه رشقا واحدًا فقتلوه ثم رموا أم المؤمنين في هودجها فجعلت تنادي‏:‏ يا بَني البقية البقية - ويعلو صوتها - اذكروا الله والحساب ويأبون إلا إقدامًا فقالت‏:‏ أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم فضجوا بالدعاء فسمع علي فقال‏:‏ ما هذه الضجة قالوا‏:‏ عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم فأقبل يدعو ويقول‏:‏ اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم‏.‏

وأرسلت إلى عبد الرحمن بن عتاب وعبد الرحمن بن الحارث‏:‏ اثبتا مكانكما فاجتلدوا قدام الجمل والمجنبتان على حالهما‏.‏

وكان القتال الأول يتسحر إلى انتصاف النهار وأصيب فيه طلحة رضي الله عنه وذهب فيه الزبير فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل الكوفة إلا القتال ولم يريدوا إلا عائشة اقتتلوا حتى تحاجزوا بعد الظهر وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة فاقتتلوا صدر النهار مع طلحة والزبير وفي وسطه مع عائشة وتزاحف الناس فهزمت يمن البصرة يمن الكوفة وربيعة البصرة ربيعة الكوفة ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة‏.‏

واقتتلت المجنبتان حين تزاحفتا قتالًا يشبه ما فيه القَلْبان وأقبل أهل اليمن على راية علي فقتل على راية علي من أهل الكوفة عشرة كلما أخذها رجل قتل قيل‏:‏ وكان العشرة خمسة من همذان وخمسة من سائر اليمن‏.‏

ولما رأت الكماة من مضر الكوفة ومضر البصرة الصبر جعلوا يتوخون الأطراف‏:‏ الأيدي والأرجل فما رُئيت وقعة قط قبلها ولا بعدها ولا يسمع بها أكثر يدًا مقطوعة ورجلًا مقطوعة منها لا يدرى من صاحبها‏.‏

فلما ظهر الخلل في العسكرين رموا الجمل وقالوا‏:‏ لا يزول القوم أو يصرع الجمل وأزرت مجنبتا عليّ فصارت في القلب وكانت أم المؤمنين في حلقة من أهل النجدات والبصائر وكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا كان كمن يحمل الراية وكان لا يأخذه إلا معروف عند المُطيفين بالجمل فإن القوم ليقتتلون عليه وما رامه أحد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت ثم لم يعد‏.‏

ولما اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه ففقئت عينه ونكل‏.‏

وحدثنا سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ كان لا يجيء رجل فيأخذ بالزمام حتى يقول‏:‏ أنا فلان بن فلان فجاء عبد الله بن الزبير فقالت‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا عبد الله بن الزبير فقالت‏:‏ واثكْل أسماء‏.‏

وانتهى إلى الجمل الأشتر وعدي بن حاتم فخرج عبد الله بن حكيم بن حزام إلى الأشتر فاختلفا ضربتين فقتله الأشتر ومضى إليه عبد الله بن الزبير فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحًا شديدًا وضرب عبد الله الأشتر ضربة خفيفة واعتنق كل واحد منهما صاحبه وخرا إلى الأرض يعتركان‏.‏

وحدثنا سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال‏:‏ لا والله ما بقي من بني عامر يومئذ شيخ إلا أصيب قدام الجمل‏.‏

وحدثنا سيف عن محمد وطلحة قالا‏:‏ كان من آخر من قاتل ذلك اليوم زُفَر بن الحارث فزحف إليه القعقاع وقال‏:‏ يا بجير بن دُلجة صِحْ بقومك فليعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين فاجتث ساق البعير وأقطع بطانه وحملا الهودج فوضعاه‏.‏

وحدثنا سيف عن الصعب عن أبيه قال‏:‏ لما اختلط بالجمل وعقره بجير بن دلجة قال عليّ رضي الله عنه‏:‏

إليك أشكو عُجَرِي وَبُجَرِي ** ومَعْشَرًا غَشوْا عَليً بَصَري

قَتلتُ منهمْ مُضَرًا بِمُضَرِي ** شَفَيْتُ نفسي وقتلتُ مَعشري

وكان رجل يومئذ يقول‏:‏ يال مضر علام يقتل بعضنا بعضًَا فنادوا لا ندري إلا أنَا إلى قضاء‏.‏

وحدَثنا سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال‏:‏ قال طلحة يومئذ‏:‏ اللهم اعط عثمان مني حتى يرضى فجاءه سهم غرب وهو واقف فخلى ركبته بالسرج فمضى به إلى دار من دور البصرة خربة فمات فيها‏.‏

وحدثنا سيف عن فطر بن خليفة عن أبي بشير قال‏:‏ شهدت الجمل فوالله ما سمعت دق القصارين إلا ذكرت يوم الجمل‏.‏

وحدثنا سيف عن محمد بن راشد السلميَ عن ميسرة أبي جميلة أن محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أتيا عائشة وقد عقر الجمل فاحتملا الهودج فنحياه فقال عليّ‏:‏ ادخلا بها وحدَّثنا سيف عن محمد وطلحة قالا‏:‏ أمر علي نفرًا بحمل الهودج من بين القتلى وقد كان القعقاع وزفر بن الحارث أنزلاه عن ظهر البعير فوضعاه إلى جنب البعير فأقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه نفر فأدخل يده فيه فقالت‏:‏ من هذا قال‏:‏ أخوك البر قالت‏:‏ عققت فأبرزوها بهودجها من القتلى فوضعوها ليس قربها أحد وكأن هودجها فرخ مقصب مما فيه من النبل‏.‏

وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي حتى اطلع في الهودج فقالت‏:‏ إليك لعنك الله فقال‏:‏ والله ما أرى إلا حُميْراء قالت‏:‏ هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك‏.‏

فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمي به عريانًا في خربة من خراب الأزد فارتقى إليها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقال‏:‏ أي أماه يغفر الله لنا ولكم قالت‏:‏ غفر الله لنا ولكم‏.‏

وحدثنا سيف عن الصعب بن حكيم بن شريك عن أبيه عن جده قال‏:‏ انتهى محمد بن أبي بكر إلى الهودج ومعه عمار بن ياسر فقطعا الأنساع عن الهودج واحتملاه فلما وضعاه أدخل محمد يده وقال‏:‏ أخوك محمد قالت‏:‏ مذمم قال‏:‏ يا أخية هل أصابك شيء قالت‏:‏ ما أنت من ذلك في شيء قال‏:‏ فمن إذن ألضلال قالت‏:‏ بل الهداة‏.‏

وانتهى إليها علي رضي الله عنه وقال‏:‏ كيف أنت يا أماه‏.‏

قالت‏:‏ بخير قال‏:‏ يغفر الله لك قالت‏:‏ ولك‏.‏

وحدثنا سيف عن محمد وطلحة قالا‏:‏ لما كان من آخر الليل خرج محمد بعائشة حتى أدخلها البصرة فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية ابنة الحارث بن طلحة وهي أم طلحة الطلَحات‏.‏

من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى في البلاد ومضى الزبير في صدر يوم الهزيمة راحلًا نحو المدينة وكر عليه ابن جرموز فطعنه فدق صلبه وأخذ رأسه‏.‏

ودخلوا على عائشة فقالت‏:‏ والله لوودت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة‏.‏

ودخلوا على علي فقال‏:‏ لوودت أني مت قبل هذا بعشرين سنة‏.‏

وبلغ قتلى يوم الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب عليّ ونصفهم من أصحاب عائشة من الأزد ألفان ومن سائر اليمن خمسمائة ومن مضر ألفان وخمسمائة وخمسمائة من تميم وألف من بني ضبة وخمسمائة من بكر بن وائل‏.‏

وقتل من أهل البصرة في المعركة الأولى خمسة آلاف ولم ير يوم كان أكثر من يد مقطوعة ورجل مقطوعة لا يدرى من صاحبها منه‏.‏

وقتل من أهل البصرة يومئذ عشرة آلاف من أصحاب علي خمسة آلاف وقتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخًا كلهم قد قرأ القرآن سوى الشباب ومن لم دخول علي رضي اللّه عنه على عائشة رضي اللّه عنها ودخل عليّ البصرة يوم الاثنين وانتهى إلى المسجد فصلى فيه فأتاه الناس ثم راح إلى عائشة على بغلته فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة وجد النساء تبكين على عبد الله وعثمان ابني خلف قتل أحدهما مع عليَ والآخر مع عائشة وصفية بنت الحارث تبكي مختمرة فلما رأته قالت‏:‏ يا عليّ يا قاتل الأحبة يا مفرق الجماعة أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه فلم يرد عليها شيئًا‏.‏

فدخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها وقال‏:‏ جَبَهَتْنَا صفية أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم‏.‏

 بيعة أهل البصرة عليًا وقسمة ما في بيت المال عليهم

ثم بايعه أهل البصرة ونظر في بيت مال البصرة فإذا به ستمائة ألف وزيادة فقسمها على من شهد معه فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة وقال‏:‏ لكم إن أظفركم الله بالشام مثلها إلى أعطياتكم وخاض في ذلك السبئية وطعنوا على علي رضي الله عنه من وراء وراء‏.‏

تجهيز علي رضي اللّه عنه عائشة رضي اللّه عنها من البصرة وجهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وقال‏:‏ تجهز يا محمد فبلغها فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها وحضر الناس فخرجت وودعوها وودعتهم وقالت‏:‏ الله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه عندي على معتبتي لمن الأخيار‏.‏

وقال علي رضي الله عنه‏:‏ يا أيها الناس صدقت والله وبرَت ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة‏.‏

وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ست وثلاثين وشيعها علي أميالًا وسرح بنيه معها يومًا‏.‏

وقصدت عائشة مكة فأقامت بمكة إلى الحج ثم رجعت إلى المدينة وانصرف مروان والأسود بن أبي البختري إلى المدينة ورجع علي إلى منزله‏.‏

 تأمير ابن عباس على البصرة وتولية زياد الخراج

وأمر على البصرة ابن العباس وولى زيادًا الخراج وبيت المال وأمر ابن العباس أن يسمع منه وارتحلت السبئية بغير إذن علي فارتحل في آثارهم ليقطع عليهم أمرًا إِن كانوا أرادوه‏.‏

وعلم أهل المدينة بيوم الجمل يوم الخميس قبل مغرب الشمس من نَسْر مر بما حول المدينة معه شيء متعلقة فتأمله الناس فوقع فإذا هو كف فيها خاتم نقشه ‏"‏ عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ‏"‏ وجعل من بين مكة والمدينة ممن قرب من البصرة أو بعد يعلمون بالوقعة مما ينقل إليهم النسور من الأيدي والأقدام‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا حسين بن محمد قال‏:‏ حدثنا الفضل بن سليمان قال‏:‏ حدثنا محمد بن أبي يحيى عن أبي أسماء مولى أبي جعفر عن أبي رافع‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر ‏"‏ قال أنا يا رسول الله قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أنا قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأنا أشقاهم يا رسول الله قال‏:‏ ‏"‏ لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إِلى مأمنها ‏"‏‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الدقاق قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عثمان الآدمي قال‏:‏ حدثنا محمد بن سويد قال‏:‏ حدثنا سفيان بن محمد المصيصي قال‏:‏ حدثنا يوسف بن أسباط قال‏:‏ حدثنا سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ ما ذكرت عائشة مسيرها قط إلا بكت حتى تبل خمارها وتقول‏:‏ ‏"‏ ليتني كنت نسيًا منسيًا ‏"‏‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال‏:‏ أخبرني ليث بن طاهر المنادي قال‏:‏ أخبرنا محمد ين يعقوب قال‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر الرافعي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن خلاد قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول‏:‏ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ولم أكن خرجت على علي رضي الله عنه كان أحب إلي من أن يكون لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة كلهم مثل أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي أخبرنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم قال‏:‏ حدثني جدي محمد بن عبد الكريم حدَّثنا الهيثم بن عدي أخبرنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن سليمان بن صرد قال‏:‏ لما فرغ عليّ من أمر الجمل قدمت عليه البصرة فقال‏:‏ بويعت ورجعت عن نصرتك وما كنت أعرفك به وعنده الحسن بن علي رضي الله عنهما فقلت‏:‏ لا تؤنبنا واستصف كدر قلوبنا فإن السوط يطير وعمود حربك كما هو وقد بقي من أمرك ما تعرف به الغاش من الناصح قال‏:‏ لا ولكن وجدنا خزاعة أقل شيء شكرًا فقلت‏:‏ قد نصحنا وشكرنا من هو خير منك لله ولرسوله‏.‏

ثم قمت فأتيت ولده الحسن فقلت‏:‏ لا وصلتك رحم تسمع أمير المؤمنين يقول لي ما يقول ثم لا تعينني عليه فقال أبا مطرف لا يهولنك الذي سمعت فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيته يوم الجمل حيث أخذت السيوف مأخذها من جماجم الرجال يتغوث بي ويقول‏:‏ يا حسن وودت أن أباك هلك قبل اليوم بعشرين سنة‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة