فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أبو محمد

كان أبوه من أشراف قريش وقدم جبير في فداء أسارى بدر قال‏:‏ فنمت في المسجد بعد العصر فأقيمت المغرب فقمت فزعًا بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد فذاك أول يوم دخل الإسلام في قلبي‏.‏

وأسلم قبل الفتح ونزل المدينة ومات في وسط خلافة معاوية‏.‏

جويرية بنت الحارث بن أي ضرار‏:‏ سبيت في غزوة بني المصطلق فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها‏.‏

وكانت كثيرة التسبيح والتقديس والذكر‏.‏

وتوفيت في هذه السنة وهي بنت خمس وستين سنة‏.‏

حسان بن ثابت

ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عمي بن عمرو بن مالك بن النجار أبو الوليد الأنصاري‏:‏ كان من فحول شعراء الجاهلية وكان يضرب روثة أنفه من طوله ويقول‏:‏ ما يسرني به مقول من العرب والله لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه‏.‏

وكان يفد على ملوك غسان ويمدحهم‏.‏

أسلم قديمًا ولم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدًا كان يُجبن عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام ووهب له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيرين أخت مارية فولدت له عبد الرحمن وكانت له بنت تقول الشعر وكان ربما قال بيتًا فوقف ما بعده عليه فقالته فقال لها‏:‏ لا قلت شعرًا وأنت حيّة فقالت‏:‏ لا بل أنا لا أقول الشعر وأنت حي‏.‏

وكان للمشركين من الشعراء الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أبو سفيان بن الحارث وعمرو بن العاص وابن الزبعرى وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حسان وابن رواحة وكعب بن مالك‏.‏

وكان حسان يذكر عيوب القوم وآثامهم وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر وكان كعب يذكر الحرب ويقول‏:‏ فعلنا بهم وفعلنا ويتهددهم فكان أشده عليهم قول حسان وأهونه قول ابن رواحة‏.‏

فلما أسلموا كان أشده عليهم قول ابن رواحة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال للأنصار‏:‏ ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم وأنفسهم أن ينصروه بألسنتهم‏.‏

فقال حسان‏:‏ أنا لها قال‏:‏ كيف تهجوهم وأنا منهم قال‏:‏ إني أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا موسى بن داود قال‏:‏ حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن عائشة‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل ليؤيد حسان بروح القدس ينافح عن رسول الله ‏"‏‏.‏

وقال حسان في فتح مكة‏:‏ فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعين الله فيه من يشاء وقال الله قد سيرت جندًا هم الأنصار عرضتها اللقاء وجبريل أمين الله فينا وروح القدس ليس به كفاء ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء يعني أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فإنه كان يهاجي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم‏.‏

ولحسان‏:‏ هجوت محمدًا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء لساني صارم لا عيب فيه وبحري ما تكدره الدلاء أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن هبة الطبري قال‏:‏ أخبرنا ابن الفضل قال‏:‏ أخبرنا ابن درستويه قال‏:‏ أخبرنا يعقوب بن سفيان قال‏:‏ حدثنا محمد بن حميد قال‏:‏ حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبيه قال‏:‏ عاش حسان بن ثابت مائة سنة وأربع سنين وعاش أبوه ثابت مائة سنة وأربع سنين وكان عبد الرحمن إذا حدَّثنا بهذا الحديث اشرأب لها وثنى رجليه على مثلها فمات وهو ابن ثمان وأربعين‏.‏

الحكم بن عمرو الغفاري‏:‏ صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض ثم تحول إلى البصرة فولاه زياد بن أبي سفيان خراسان‏.‏

وقد ذكرنا قصته في تلك الولاية آنفًا‏.‏

وتوفي بخراسان سنة خمسين‏.‏

دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد

أسلم قديمًا ولم يشهد بدرًا وشهد ما بعدها وكان جبريل يأتي في صورته وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده وبعث معه ‏"‏ كتابًا إلى قيصر‏.‏

صفية بنت حُيَيّ بن أخطب من سبط هارون بن عمران‏:‏ كان اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر وقيل‏:‏ اشتراها من دحية بسبعة أرس فأسلمت وأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر خضرة قريبًا من عنقها فقال‏:‏ ما هذا فقالت رأيت في المنام قمرًا أقبل من يثرب فوقع في حجري فذكرت ذلك لزوجي كنانة فقال‏:‏ أتحبين أن تكوني تحت هذا الملك الذي يأتي من المدينة فضرب وجهي‏.‏

فلما رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر وقد طهرت مال يريد أن يعرس بها فأبت فلما كان بالصهباء عرس بها هناك فقال‏:‏ ما حملك على ما صنعت في المنزل الأول قالت‏:‏ خشيت عليك قرب يهود فزادها ذلك عنده‏.‏

توفيت في هذه السنة ودفنت بالبقيع‏.‏

عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب

ابن عبد شمس بن عبد مناف يكنى أبا سعيد وكان اسمه عبد الكعبة فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن واستعمله عبد الله بن عامر على سجستان وغزا خراسان وفتح بها فتوحًا ثم رجع إلى البصرة فأقام بها حتى مات‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب أخبرنا الأزهري أخبرنا محمد بن العباس أخبرنا إبراهيم بن محمد الكندي حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال‏:‏ مات عبد الرحمن بن سمرة سنة خمسين‏.‏

وقال خليفة بن خياط‏:‏ سنة إحدى وخمسين‏.‏

عمرو بن أمية بن خويلد

أبو أمية الضمري‏:‏ شهد بدرًا وأحدًا مع المشركين وكان شجاعًا ثم أسلم فأول مشهد شهده في الإسلام بئر معونة فأسرته بنو عامر يومئذ فقال له عامر بن الطفيل‏:‏ إنه قد كان على أمي نسمة فأنت حر عنها فلما انصرف من بئر معونة لقي رجلين من بني كلاب فقتلهما وقد كان لهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان فوداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما القتيلان اللذان خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببهما إلى بني النضير يستعينهما في ديتهما‏.‏

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية ومعه سلمة بن أسلم بن حريش الأنصاري سرية إلى مكة إلى أبي سفيان بن حرب فعلم بمكانهما فطُلبا فتواريا وظفر عمرو بن أمية في تواريه ذلك في الغار بناحية مكة بعبيد الله التيمي فقتله ومضى فأنزل خبيبًا عن خشبته‏.‏

وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزار قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا عمرو بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا نوح بن يزيد قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن سعد قال‏:‏ حدثنيه ابن إسحاق عن عيسى بن معمر عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء عن أبيه قال‏:‏ دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة وذلك بعد الفتح فقال‏:‏ التمس صاحبًا قال‏:‏ فجاءني عمرو بن أمية فقال‏:‏ بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحبًا قلت‏:‏ أجل قال‏:‏ فأنا لك صاحب قال‏:‏ فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ قد وجدت صاحبًا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا وجدت صاحبًا فأذني فقال‏:‏ من قلت‏:‏ عمرو بن أمية فقال‏:‏ إذا هبطت إلى بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل‏:‏ أخوك البكري فلا تأمنه‏.‏

قال‏:‏ فخرجنا حتى جئت الأبواء قال‏:‏ إني أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي قال‏:‏ قلت راشدًا فلما ولى ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري ثم خرجت أوضعه حتى إذا كنت بالأضافر إذا هو يعارضني في رهط‏.‏

قال‏:‏ فأوضعت فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا وجاءني فقال‏:‏ كانت لي إلى قومي حاجة قلت‏:‏ أجل‏.‏ومضينا حتى قدمنا مكة فدفعت المال إلى أبي سفيان‏.‏

عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه

وأمه فاطمة بنت أسد وكان أسن ولد أبي طالب بعد طالب وكان بينه وبين طالب عشر سنين ثم بينه وبين جعفر عشر سنين ثم بين جعفر وبين علي عشر سنين وكان علي رضي الله عنه أصغرهم سنًا وأقدمهم إسلامًا‏.‏

وأخرج عقيل يوم بدر مع المشركين مكرهًا فشهدها وأسر ففداه العباس‏.‏

ومات عقيل بعدما عمي بصره في خلافة معاوية‏.‏

عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان

شهد بدرًا وأحدًا والخندق وذهب بصره‏.‏

أم شريك

واسمها غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية‏:‏ وهي التي وهبت نفسها للنبي‏.‏

صلى الله عليه وسلم واختلفوا هل قبلها أم لا على قولين أحدهما أنه قبلها ودخل عليها والثاني أنه لم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت‏.‏

أخبرنا المحمدان أبن ناصر وابن عبد الباقي قالا‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن أحمد قال‏:‏ حدثنا أحمد بن فرح قال‏:‏ حدثنا أبو عمر المقري قال‏:‏ حدثنا محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة وكانت تحت أبي العكير الدوسي ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها وقالوا‏:‏ لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا ولكنا سنردك إليهم‏.‏

قالت‏:‏ فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ثم تركوني ثلاثًا لا يطعموني ولا يسقوني وكانوا إذا نزلوا منزلًا أوثقوني في الشمس واستظلوا منها وحبسوا عني الطعام والشراب فبينما هم قد نزلوا منزلًا وأوثقوني في الشمس إذا أنا بأبرد شيء على صدري فتناولته فإذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلًا ثم نزع عني ثم عاد فتناولته ثم رفع ثم عاد فتناولته ثم رفع مرارًا ثم نزل فشربت حتى رويت ثم أفضيت سائره على جسمي وثيابي فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء ورأوني حسنة الهيئة فقالوا لي‏:‏ انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه قلت‏:‏ لا والله ولكنه كان من الأمر كذا وكذا قالوا‏:‏ إن كنت صادقة لدينك خير من ديننا فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها فأسلموا عند ذلك وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم بغير مهر فقبلها ودخل عليها كعب بن مالك بن أبي كعب أبو عبد الرحمن‏:‏ شهد العقبة وأحدًا وما بعدها سوى تبوك فإنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا عنها وأنزلت توبته وقد ذكرناها فيما تقدم وكان قد ذهب بصره‏.‏

وتوفي في هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين‏.‏

المغيرة بن شعبة

ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك أبو عبد الله‏:‏ كان أصهب الشعر جعدًا أقلص الشفتين ضخم الهامة أهتم عبل الذراعين بعيد ما بين المنكبين‏.‏

أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني محمد بن سعيد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز وعبد الملك بن عيسى وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ومحمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وغيرهم قالوا‏:‏ قال المغيرة بن شعبة‏:‏ كنا قومًا من العرب متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وأهدوا له هدايا فأجمعنا الخروج معهم فاستشرت عمي عروة بن مسعود فنهاني وقال‏:‏ ليس معك من بني أبيك أحد فأبيت إلا الخروج معهم وليس معهم أحد من الأحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندرية فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر فركبت زورقًا حتى حاذيت مجلسه فنظر إلي فأنكرني وأمر من يسألني من أنا وما أريد فسألني المأمور فأخبرته بأمرنا وقدومنا عليه فأمرنا أن ننزل في الكنيسة وأجرى علينا ضيافة ثم دعانا فدخلنا عليه فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه إليه فأجلسه معه ثم سأله‏:‏ أكل القوم من بني مالك قال‏:‏ نعم إلا رجلًا واحدًا من الأحلاف فعرفه إياي فكنت أهون القوم عليه ووضعوا هداياهم بين يديه فسر بها وأمر بقبضها وأمر لهم بجوائز وفضل بعضهم على بعض وقصر بي وأعطاني شيئًا قليلًا لا ذكر له وخرجنا وأقبلت بنو مالك يشترون لأهليهم وهم مسرورون ولم يعرض علي رجل منهم مواساة وخرجوا وحملوا معهم الخمر فكانوا يشربون وأشرب معهم‏.‏

وتأبى نفسي أن ينصرفوا إلى الطائف بما أصابوا وما حباهم الملك ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إياي فأجمعت على قتلهم فلما كنا ببُساق تمارضت وعصبت رأسي فقالوا لي‏:‏ مالك قلت‏:‏ أصدع فوضعوا شرابهم ودعوني فقلت رأسي يصدع ولكني أجلس فأسقيكم فلم ينكروا شيئًا فجعلت أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب فجعلت أصرف لهم وأترع الكأس فيشربون ولا يدرون فأهمدتهم الكأس حتى ناموا ما يعقلون فوثبت إليهم فقتلتهم جميعًا وأخذت جميع ما كان معهم فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأجده جالسًا في المسجد مع أصحابه وعلي ثياب سفري فسلمت بسلام الإسلام فنظر إلي أبو بكر بن أبي قحافة - وكان بي عارفًا - فقال‏:‏ ابن أخي عروة قلت‏:‏ نعم جئت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي هداك للإسلام ‏"‏ فقال أبو بكر‏:‏ أمن مصر أقبلتم قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ فما فعل المالكيون الذين كانوا معك قلت‏:‏ كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك فقتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخمسها أو يرى فيها رأيه فإنما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أما إسلامك فنقبله ولا آخذ من أموالهم شيئًا ولا أخمسه لأن هذا غدر والغدر لا خير فيه ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأخذني ما قرب وما بعد وقلت‏:‏ يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت حيث دخلت عليك الساعة قال‏:‏ فإن الإسلام يجب ما قبله‏.‏

قال‏:‏ وكان قد قتل منهم ثلاثة عشر إنسانًا فبلغ ذلك ثقيفًا فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن يحمل عني عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية‏.‏

قال المغيرة‏:‏ وأقمت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى اعتمر عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة - وكانت أول سفرة خرجت معه فيها وكنت أكون مع أبي بكر الصديق وألزم وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليكلمه فأتاه فكلمه وجعل يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة قائم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنع في الحديد‏.‏

فقال لعروة وهو يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كف يدك قبل أن لا تصل إليك فقال عروة‏:‏ من هذا يا محمد ما أفظه وأغلظه قال‏:‏ هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة فقال عروة‏:‏ يا غدر ما غسلت عني سوءتك بالأمس‏.‏

وانصرف عروة إلى قريش فأخبرهم بما كلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وشهد المغيرة بعد ذلك المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحمل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما توفي رسول الله بعثه أبو بكر الصديق إلى أهل البحرين ثم شهد اليمامة ثم شهد فتوح الشام مع المسلمين ثم شهد اليرموك وأصيبت عينه يومئذٍ ثم شهد القادسية وكان رسول سعد إلى رستم وولي لعمر فتوحًا وولي له البصرة نحوًا من سنتين ففتح بيسان وغيرها وفتح سوق الأهواز وغزا نهر تيري وفتح همدان وشهد نهاوند‏.‏

وكان عمر قد كتب‏:‏ إن هلك النعمان فالأمير حذيفة وإن هلك حذيفة فالأمير المغيرة‏.‏

وكان المغيرة أول من وضع ديوان البصرة وجمع الناس ليعطوا عليه وولي الكوفة لعمر بن الخطاب فقتل عمر وهو عليها ثم وليها بعد ذلك لمعاوية فابتنى بها دارًا ومات بها وهو وال عليها‏.‏

وبالإسناد حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة‏:‏ إن المغيرة أحصن مائة امرأة ما بين قرشية وثقفية‏.‏

وأخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن أبي بكر قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي قال‏:‏ سمعت إبراهيم الحربي يقول‏:‏ توفي المغيرة بن شعبة سنة خمسين وهو ابن سبعين سنة‏.‏وتوفي سنة خمسين‏.‏وقيل‏:‏ سنة تسع وأربعين‏.‏

وكذلك قال خليفة بن خياط وأبو حسان الزنادي‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وخمسين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 مقتل حجر بن عدي

وسببه‏:‏ أن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة فقال له‏:‏ قد أردت أن أوصيك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادًا على بصرك بما يرضيني ويسدد سلطاني فأقام المغيرة على الكوفة عاملًا لمعاوية سبع سنين وأشهرًا وهو حسن السيرة إلا أنه لم يدع الدعاء لعثمان والوقيعة في علي رضي الله عنه وكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك قال‏:‏ أنا أشهد أن من تعيبون لأحق بالفضل وأن من تزكون لأولى بالذم فيقول له المغيرة‏:‏ ويحك اتق غضب السلطان وسطوته فقام المغيرة يومًا فأثنى على عثمان فصاح به حجر‏:‏ إنك قد حبست أرزاقنا وأصبحت مولعًا بتقريظ المجرمين وقام معه أكثر من ثلاثين يقولون‏:‏ صدق حجر فمر لنا بأعطياتنا فنزل المغيرة ودخل عليه قومه فقالوا‏:‏ علام تترك هذا الرجل يجترىء في سلطانك ولو بلغ معاوية كان أسخط له عليك فقال لهم المغيرة‏:‏ إني قد قتلته إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيهًا بما ترونه يصنع بي فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة إنه قد اقترب أجلي ولا أحب أن أبتدىء أهل هذا المصر بقتل خيارهم فيسعدوا بذلك وأشقى ويعز في الدنيا معاوية ويذل يوم القيامة المغيرة ولكني قابل من محسنهم وعاف عن مسيئهم وواعظ شقيهم حتى يفرق بيني وبينهم الموت وسيذكروني ولو قد جربوا العمال بعدي‏.‏

فلما هلك المغيرة وولي زياد بن أبي سفيان قام فذكر عثمان وأصحابه فقرظهم وذكر قتلتهم ولعنهم فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة فقال‏:‏ ويل أمك يا حجر ‏"‏ سقط بك العشاء على سرحان ‏"‏‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ أن زيادًا خطب فأطال الخطبة وأخر الصلاة فقال له حجر بن عدي‏:‏ الصلاة فمضى في خطبته ثم قال‏:‏ الصلاة فلما خشي الفوت ضرب بيده إلى كف من الحصا وثار إلى الصلاة وثار الناس معه فنزل زياد فصلى بالناس ثم كتب إلى معاوية في أمره فاستشهد عليه جماعة من أهل مصره منهم أبو بردة بن أبي موسى أنه خلع الطاعة ودعا إلى الفتنة‏.‏

فكتب إليه معاوية أن شده في الحديد ثم احمله إلي فبعثه إليه مع جماعة ممن يرى رأيه فاستوهب بعضهم وبقي بعضهم فقيل لهم تبرأوا من علي حتى يطلقكم فلم يفعلوا‏.‏

فلما دخل حجر على معاوية قال‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له معاوية‏:‏ لا والله لا أقيلك ولا أستقيلك أخرجوه فاضربوا عنقه فأخرج فقال‏:‏ دعوني أصلي ركعتين فصلاهما ثم قال لمن حضره من أهله‏:‏ لا تطلقوا عني حديدًا ولا تغسلوا عني دمًا فإني ألاقي معاوية غدًا على الجادة‏.‏

ثم قدم فضربت عنقه وقتل معه جماعة من أصحابه ممن يرى رأيه‏.‏

ولما لقيت عائشة أم المؤمنين معاوية قالت‏:‏ يا معاوية أين كان حلمك عن حجر فقال لها‏:‏ يا أم المؤمنين لم قال ابن سيرين‏:‏ فبلغنا أنه لما حضرته الوفاة جعل يغرغر بالموت ويقول‏:‏ يومي منك يا حجر يوم طويل‏.‏

وروى أبو جعفر الطبري قال‏:‏ قال أبو مخنف عن الصعقب بن زهير عن الحسن قال‏:‏ أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة‏:‏ ابتز هذه الأمة أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا من الصحابة وذوي الفضل واستخلف ابنه بعده سكيرًا جهيرًا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعى زيادًا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الولد للفراش وللعاهر الحجر ‏"‏ وقتل حجرًا فيا ويلًا له من حجر وأصحابه‏.‏

وفي هذه السنة

 وجه زياد الربيع بن زياد الحارثي إلى خراسان أميرًا

بعد موت الحكم بن عمرو الغفاري وكان الحكم قد استخلف على عمله أنس بن أبي إياس فعزله زياد وولى خليد بن عبد الله الحنفي أشهرًا ثم عزله وولى خراسان الربيع بن زياد في أول سنة إحدى وخمسين فنقل الناس عيالاتهم إلى خراسان فوطنوها ثم غزا الربيع حين قدم إلى خراسان ففتح بلخ صلحًا وفتح قهستان عنوة وكانت بناحيتهم أتراك فقتلهم وهزمهم وكان ممن بقي منهم نيزك طرخان فقتله قتيبة بن مسلم في ولايته‏.‏

وكان الربيع قد قطع النهر فغنم وسلم وكان الحكم بن عمرو قطع النهر قبله في ولايته إلا أنه لم يفتح‏.‏

فذكر المديني أن أول من شرب من النهر مولى للحكم اغترف بترسه فشرب ثم ناول الحكم فشرب وتوضأ وصلى من وراء النهر ركعتين‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس يزيد بن معاوية وكان العامل على المدينة سعيد بن العاص وكان على الكوفة والبصرة والمشرق كله زياد‏.‏

وعلى قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة عميرة بن يثربي‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب‏:‏ قدم مع أبيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلما وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحنينًا وثبت يومئذٍ‏.‏

جرير بن عبد الله بن مالك بن نصر بن ثعلبة وقيل‏:‏ جرير بن عبد اللّه بن جابر بن مالك يكنى أبا عمرو وقيل‏:‏ أبا عبد الله‏:‏ قدم المدينة في رمضان سنة عشر فأسلم وقال‏:‏ لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي ثم حللت عيبتي ولبست حلي فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فسلمت عليه فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي‏:‏ هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئًا قال‏:‏ نعم ذكرك فأحسن الذكر بيننا وهو يخطب قال‏:‏ ‏"‏ سيدخل عليكم من هذا الفج أومن هذا الباب - الآن من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك ‏"‏ فحمدت الله على ما أبلاني‏.‏

ولما جاء جرير يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط له ثوبًا ليجلس عليه وقال‏:‏ ‏"‏ إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ‏"‏ وكان جرير سيدًا في قومه‏.‏

وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هدم ذي الجلسة وهو بيت لخثعم كان يسمى الكعبة اليمانية فأضرمه بالنار‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ حدثنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا ابن سعد قال‏:‏ أخبرنا وهب بن جرير قال‏:‏ أخبرنا شعبة عن مغيرة عن الشعبي‏:‏ أن عمر كان في بيت ومعه جرير بن عبد الله فوجد ريحًا فقال‏:‏ عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ فقال جرير‏:‏ يا أمير المؤمنين أو يتوضأ القوم جميعًا فقال عمر‏:‏ رحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وقال يزيد بن جرير عن أبيه أن عمر قال له والناس يتحامون العراق وقتال الأعاجم‏:‏ سر بقومك فما غلبت عليه فلك ربعه فلما جمعت الغنائم - غنائم جلولاء - ادعى جرير أن له ربع ذلك كله فكتب سعد إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب عمر‏:‏ صدق جرير وقد قلت ذلك له فإن شاء أن يكون قاتل هو وقومه على جعل فاعطوه جعله وأن يكون قاتل لله ولدينه وحسبه فهو رجل من المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم‏.‏

فلما قدم الكتاب على سعد أخبر جريرًا بذلك فقال جرير‏:‏ صدق أمير المؤمنين لا حاجة لي به بل أنا رجل من المسلمين‏.‏

قال علماء السير‏:‏ شهد جرير مع المسلمين يوم المدائن فلما مصرت الكوفة نزلها فمكث بها إِلى خلافة عثمان ثم بدت الفتنة فانتقل إلى قرقيسيا وسكنها إلى أن مات ودفن بها‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عمر بن أحمد قال‏:‏ حدثنا خليفة قال‏:‏ نزل جرير قرقيسيا فمات بها سنة إحدى وخمسين‏.‏

وكذلك قال محمد بن المثنى‏.‏

وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ مات سنة أربع وخمسين‏.‏

حارثة بن النعمان بن نفع

أبو عبد الله الأنصاري‏:‏ شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا حيوية قال‏:‏ أخبرنا معروف قال‏:‏ حدثنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ قال حارثة رأيت جبريل مرتين حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة مر بنا في صورة دحية وحين رجعنا من خيبر مررت وهو يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسلم فقال جبريل‏:‏ من هذا قال‏:‏ حارثة قال‏:‏ لو سلم لرددنا عليه‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وقال الواقدي‏:‏ كانت لحارثة منازل قرب منازل النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكان كلما أحدث النبي صلى الله عليه وسلم أهلًا تحول عن منزل بعد منزل حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ القد استحييت من حارثة مما يتحول لنا عن منازله‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا عبد الرحمن بن يونس قال‏:‏ حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال‏:‏ حدثني محمد بن عثمان عن أبيه‏.‏

أن حارثة بن النعمان كان قد كف بصره فجعل خيطًا من مصلاه إلى باب حجرته ووضع عنده مكتلًا فيه تمر وغير ذلك فكان إذا سأل المسكين أخذ من ذلك التمر ثم أخذ على ذلك الخيط حتى يأخذ إلى باب الحجرة فيناوله المسكين فكان أهله يقولون‏:‏ نحن نكفيك فيقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إن مناولة المسكين تقي ميتة السوء ‏"‏‏.‏

حجر بن عدي

وقد سبقت قصة قتله آنفًا‏:‏ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‏:‏ أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها‏.‏

وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع طلحة يتجسسان خبر العير ففاتتهما بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسها مهما وأجورهما‏.‏

وقدما المدينة في اليوم الذي لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين ببدر‏.‏

وشهد سعيد أحدًا والخندق والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي بالعقيق في هذه السنة وغسله سعد بن أبي وقاص وحمل إلى المدينة فدفن بها وهو ابن بضع وسبعين سنة وكان رجلًا طوالًا أدم أشعر‏.‏

عبد اللّه بن أنيس بن أسعد بن حرام

أبو يحيى‏:‏ شهد العقبة مع السبعين وكان يكسر أصنام بني سلمة هو ومعاذ بن جبل لما أسلما‏.‏

ولم يشهد بدرًا لكنه شهد أحدًا وما بعدها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرية وحده إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي وأمره أن يقتله فخرج فقتله ثم قدم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه مخصرًا - يعني عصا - فقال‏:‏ خذ هذه تنخصر بها يوم القيامة فإن المنخصرين يومئذٍ قليل ‏"‏ فلما حضرته الوفاة أمر أن تدفن معه في أكفانه ومات بالمدينة في خلافة معاوية‏.‏

نفيع بن الحارث أبو بكرة‏:‏ ويقال‏:‏ اسمه مسروح ويقال‏:‏ نفيع بن مسروح وأمه سمية وهو أخو زياد ابن سمية بن أبي سفيان لأمه‏.‏

كان عبدًا لبعض أهل الطائف فلما حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى مناديه‏:‏ أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر فخرج بضع عشر منهم أبو بكرة تدلى وكان يقول‏:‏ أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن البصرة وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال‏:‏ حدثنا إِبراهيم بن أحمد بن يحيى المزكي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن سعيد المخزومي قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن علية عن عيينة بن عبد الرحمن قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ لما اشتكى أبو بكرة عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب فأبى فلما نزل به الموت وعرف الموت من نفسه وعرفوه منه قال‏:‏ أين طبيبكم ليردها إن كان صادقًا قالوا‏:‏ وما يغني الآن قال‏:‏ وقبل الآن‏.‏

قال‏:‏ وجاءت ابنته أمة الله فلما رأت ما به بكت فقال‏:‏ أي بنية لا تبكي قالت‏:‏ يا أبه فإذا لم أبك عليك فعلى من أبكي فقال‏:‏ لا تبكي فوالذي نفسي بيده ما على الأرض نفس أحب إليٌ أن تكون قد خرجت من نفسي هذه ولا نفس هذا الذباب الطائر‏.‏

وأقبل على حمران بن أبان وهو عند رأسه فقال‏:‏ لا أخبرك مم ذاك خشيت والله أن يجيء أمر يحول بيني وبين الإسلام ثم جاء أنس بن مالك فقعد بين يديه وأخذ بيده وقال‏:‏ إن ابن أمك زياد أرسلني إليك يقرئك السلام وقد بلغه الذي نزل بك من قضاء الله تعالى فأحب أن يحدث بك عهدًا وأن يسلم عليك وأن يفارقك عن رضى قال‏:‏ أفمبلغه أنت عني قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فإني أحرج عليه أن يدخل لي بيتًا ويحضر لي جنازة قال‏:‏ لم يرحمك الله وقد كان لك معظمًا ولبنيك واصلًا قال‏:‏ في ذلك غضبت عليه قال‏:‏ ففي خاصة نفسك فما علمته إِلا مجتهدًا قال‏:‏ فأجلسوني فأجلسوه فقال‏:‏ نشدتك بالله لما حدثتني عن أهل النهر أكانوا مجتهدين قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ أفأصابوا أم أخطأوا قال‏:‏ هو ذاك ثم قال‏:‏ أضجعوني‏.‏

فرجع أنس إلى زياد فأبلغه فركب متوجهًا إلى الكوفة فتوفي فقدم بنوه أبا برزة فصلى عليه‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين

فمن الحوادث فيها غزوة سفيان بن عوف الأزدي ومشتاه بأرض الروم

وأنه توفي بها واستخلف عبد الله بن مسعدة الفزاري‏.‏هذا قول الواقدي‏.‏

وقال غيره‏:‏ بل الذي شتا بأرض الروم في هذه السنة بالناس بسر بن أبي أرطأة ومعه سفيان بن عوف وغزا الصائفة في هذه السنة محمد بن عبد الله الثقفي‏.‏

وفيها حج بالناس سعيد بن

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

خالد بن يزيد بن كليب بن ثعلبة

أبو أيوب الأنصاري الخزرجي‏:‏ حضر العقبة ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر مع علي بن أبي طالب حرب الخوارج بالنهروان وورد المدائن في صحبته‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا أبو سعيد مولي بني هاشم قال‏:‏ حدثنا ثابت - يعني أبا زيد - قال‏:‏ حدثنا عاصم عن عبد الله بن الحارث عن أفلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب‏.‏

أن رسوك الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه فنزل النبي صلى الله عليه وسلم أسفل الدار وأبو أيوب في العلو فانتبه أبو أيوب ذات ليلة فقال‏:‏ يمسي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فباتوا في جانب فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أسفل أرفق بي ‏"‏ فقال أبو أيوب‏:‏ لا أعلو سقيفة أنت تحتها فتحول أبو أيوب في السفل والنبي صلى الله عليه وسلم في العلو‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أبن معروف قال‏:‏ حدثنا الحارث بن أبي أسلمة قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قال‏:‏ حدثنا عيسى بن المختار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من خيبر ومعه صفية دخل الفسطاط معه السيف واضعًا رأسه على الفسطاط فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الحركة فقال‏:‏ ‏"‏ من هذا ‏"‏ فقال‏:‏ أنا أبو أيوب فقال‏:‏ ما شأنك فقال‏:‏ يا رسول الله جارية شابة حديثة عهد بعرس وقد صنعت بزوجها ما صنعت فلم آمنها قلت إن تحركت أكون قريبًا منك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يا أبا أيوب ‏"‏ مرتين‏.‏

قال ابن معروف‏:‏ وحدثنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏‏.‏

قال الواقدي‏:‏ توفي أبو أيوب حين غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في خلافة أبيه معاوية سنة اثنتين وخمسين وصلى عليه يزيد وقبره بأصل حصن القسطنطينية بأرض الروم فلقد بلغنا أن الروم يتعاهدون قبره وقد قال أبو زرعة الدمشقي أنه مات أبو أيوب سنة خمس وخمسين والأول أثبت‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا ابن الفضل قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن جعفر قال‏:‏ حدثنا يعقوب بن سفيان قال‏:‏ حدثنا صفوإن بن صالح قال‏:‏ حدثنا الوليد قال‏:‏ حدثني شيخ من أهل فلسطين‏:‏ أنه رأى بنية بيضاء دون حائط القسطنطينية فقالوا‏:‏ هذا قبر أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبيت تلك البنية فرأيت قبره في تلك البنية وعليه قنديل معلق بسلسلة‏.‏

عبد اللّه بن قيس بن سليم

أبو موسى الأشعري‏:‏ أمه ظبية بنت وهب بن عك أسلمت وماتت بالمدينة‏.‏

وكان خفيف الجسم قصيرًا أثط قدم مكة فحالف سعيد بن العاص فأسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينتين ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر‏.‏

ذكره الواقدي ولم يذكره ابن عبيد وابن إسحاق وأبو معشر فيمن هاجر إلى الحبشة‏.‏

وقال أبو بكر بن عبد الله بن جهم‏:‏ ليس أبو موسى من مهاجرة الحبشة وليس له حلف في قريش وكان قد أسلم بمكة قديمًا ثم رجع إلى بلاد قومه فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر وأصحابه من أرض الحبشة ووافق رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ولما دنا أبو موسى وأصحابه من المدينة جعلوا يرتجزون ويقولون‏:‏ غَدًا نَلْقَى الأحِبَّه مُحَمَدًا وحزْبَه

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا يزيد بن هارون قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال‏:‏ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فسمع قراءة رجل فقال‏:‏ ‏"‏ من هذا ‏"‏‏.‏

قيل عبد الله بن قيس فقال‏:‏ ‏"‏ لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود ‏"‏‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا يزيد وعفان قالا‏:‏ أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال‏:‏ كان أبو موسى إذا نام يلبس ثيابًا عند النوم مخافة أن تنكشف عورته‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا عبد الوهاب عن إسماعيل بن سلمة عن ابن سيرين قال‏:‏ قال أبو موسى‏:‏ أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي‏:‏ قال‏:‏ حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي قال‏:‏ كتب عمر في وصيته‏:‏ أن لا يقر لي عامل كثر من سنة وأقروا الأشعري - يعني أبا موسى - أربع سنين‏.‏

توفي أبو موسى في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة اثنتين وأربعين‏.‏

عبد اللّه بن مغفل

أبو سعيد‏:‏ وكان من البكائين ومن الذين بعثهم عمر إلى البصرة يفقهونهم‏.‏

أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا هوذة قال‏:‏ حدثنا عوف عن خزاعي بن زياد قال‏:‏ أري عبد الله بن مغفل أن الساعة قد قامت والناس يعرضون على مكان قال‏:‏ قد علمت أنه من جاز ذلك المكان نجا فذهبت أدنو منه فقال‏:‏ وراءك أتريد أن تنجو وعندك ما عندك كلا والله قال‏:‏ فاستيقظت من الفزع فأيقظ أهله وعنده في تلك الساعة عيبة مملوءة دنانير فقال‏:‏ يا فلانة أرني تلك العيبة قبحها الله وقبح ما فيها فما أصبح حتى قسمها فلم يدع منها دينارًا‏.‏

فلما كان المرض الذي مات فيه أوصى أهله قال‏:‏ لا يليني إلا أصحابي ولا يصلي علي ابن زياد فلما مات أرسلوا إلى أبي برزة وعائذ بن عمرو ونفر من أصحاب رسول الله فولوا غسله وتكفينه فلما أخرجوه إذا بابن زياد في موكبه بالباب فقيل له‏:‏ إنه قد أوصى أن لا تصلي عليه فسار معه حتى بلغ حذاء البيضاء فمال إلى البيضاء وتركه‏.‏

توفي عبد الله بالبصرة‏.‏

عمران بن حصين

ابن عبيد بن خلف بن عبد نهم أبو نجيد‏:‏ أسلم قديمًا وغزا مع رسول الله غزوات ولم يزل في بلاد قومه ثم تحول إِلى البصرة فنزلها إلى أن مات بها‏.‏

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا عارم بن الفضل قال‏:‏ حدثنا حماد بن زيد قال‏:‏ حدثنا هشام عن محمد بن سيرين قال‏:‏ ما قدم من البصرة أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل على عمران بن حصين‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا وهب بن جرير بن حازم قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ سمعت حميد بن هلال قال لي عمران بن حصين‏:‏ أشعرت أنه كان يسلم علي فلما اكتويت انقطع التسليم فقلت‏:‏ أمن قبل رأسك كان يأتيك التسليم أم من قبل رجليك قال‏:‏ لا بل من قبل رأسي فقلت‏:‏ لا أرى أن تموت حتى يعود ذلك‏.‏

فلما كان بعد قال لي‏:‏ أشعرت أن التسليم عاد لي‏.‏

قال‏:‏ ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى مات‏.‏

قال‏:‏ وقلت لعمران‏:‏ ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك قال‏:‏ لا تفعل فإن أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل‏.‏

معاوية بن حُديج بن جفنة أبو نعيم

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مصر وكان الوافد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفتح الإسكندرية وكان أعور ذهبت عينه في حرب النوبة مع عبد الله ابن سعد بن أبي سرح سنة إِحدى وثلاثين وولي الإمرة على غزو المغرب سنة أربع وثلاثين وسنة أربعين وسنة خمسين‏.‏

روى عنه علي بن رباح وعبد الرحمن بن سماعة وسويد بن قيس وغيرهم‏.‏

توفي في هذه السنة‏.‏

وهو خال البراء بن عازب شهد العقبة مع السبعين وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت معه راية بني حارثة في غزوة الفتح‏.‏