فصل: دعا الناسَ معاويةُ إلى بيعة يزيد ابنه من بعده

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 سنة خمس وخمسين

فمن الحوادث فيها‏:‏ مشتى سفيان بن عوف الأزدي بأرض الروم في قول الواقدي‏.‏

وقال غيره‏:‏ بل الذي شتا هناك عمرو بن محرز‏.‏وقيل‏:‏ بل عبد الله بن قيس الفزاري‏.‏وقيل‏:‏ بل مالك بن عبد الله‏.‏

وفيها عزل معاوية عبد اللّه بن عمرو بن غيلان عن البصرة وولى عبيد اللّه بن زياد وكان السبب في ذلك أن عبد الله خطب على منبر البصرة فحصبه رجل من بني ضبة يدعى جبير بن الضحاك فأمر به فقطعت يده فاجتمعت عشيرته فقالت له‏:‏ لا نأمن أن نبلغ خبر صاحبنا إلى أمير المؤمنين فتأتي من عنده عقوبة تعم أو تحض فإن رأى الأمير أن يكتب لنا كتابًا يخرج به أحدنا إلى أمير المؤمنين يخبره أنه قطعه على شبهة وأمر لم يَصِح فكتب لهم فأمسكوا الكتاب مدة ثم ذهبوا به إلى معاوية وقالوا‏:‏ إنه قطع يد صاحبنا ظلمًا وهذا كتابه‏.‏

فقرأ الكتاب وقال‏:‏ أما القود من عمالي فلا سبيل له ولكن إن شئتم وديت صاحبكم فوداه من بيت المال وعزل عبد الله وقال‏:‏ اختاروا من تحبون فقالوا‏:‏ يتخير لنا أمير المؤمنين قال‏:‏ قد وليت عليكم ابن أخي عبيد الله بن زياد‏.‏

فلما ولي عبيد الله ولى أسلم بن زرعة خراسان فلم يغز ولم يفتح بها شيئًا‏.‏

وولى شرطته عبد الله بن حصن والقضاء زرارة بن أوفى ثم عزله وولى القضاء ابن أذينة العبدي‏.‏

وفي هذه السنة عزل معاوية عبد الله بن خالد بن أسيد عن الكوفة وولاها الضحاك بن قيس الفهري‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس مروان بن الحكم وكان على المدينة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أرقم بن أبي الأرقم

ابن أسد بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم أبو عبد اللّه‏:‏ وأمه أميمة بنت الحارث من خزاعة وخاله نافع بن الحارث بن خزاعة عامل عمر بن الخطاب على مكة‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ حدثنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمران بن هند بن عبد الله بن عثمان بن الأرقم أبن أبي الأرقم المخزومي قال‏:‏ حدثني أبي عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم قال‏:‏ حدثني جدي عثمان بن الأرقم قال‏:‏ أنا ابن سبعة في الإسلام أسلم أبي سابع سبعة وكانت داره بمكة على الصفا وهي الدار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون فيها في أول الإسلام وفيها دعى الناس إلى الإسلام وأسلم فيها خلق كثير وقال ليلة الإثنين فيها‏:‏ ‏"‏ اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك‏:‏ عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام‏.‏

فجاء عمر بن الخطاب من الغد بكرة فأسلم في دار الأرقم وخرجوا منها وكبروا وطافوا بالبيت طاهرين فدعيت دار الأرقم دار الإسلام وتصدق بها الأرقم على ولده فقرأت نسخة صدقة الأرقم بداره‏.‏

‏"‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قضى الأرقم في ربعه ما حاذى الصفا إنها محرمه بمكانها من الحرم لا تباع ولا تورث شهد هشام بن العاص وفلان مولى هشام بن العاص ‏"‏‏.‏

فلم تزل هذه الدار صدقة قائمة فيها ولده يسكنون ويؤاجرون ويأخذون عليها حتى كان زمن أبي جعفر‏.‏

قال محمد بن عمران‏:‏ فأخبرني أبي عن يحيى بن عمران أن ابن عثمان بن الأرقم قال‏:‏ إني لأعلم اليوم الذي وقعت في نفس أبي جعفر إنه ليسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها ونحن على ظهر الدار في فسطاط فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوة عليه لأخذتها وإنه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا فلما خرج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة كان عبد الله بن عثمان بن الأرقم ممن تابعه ولم يخرج معه فتعلق عليه أبو جعفر بذلك فكتب إلى عامله بالمدينة أن يحبسه ويطرحه في حديد ثم بعث رجلًا من أهل الكوفة يقال له شهاب بن عبد رب وكتب معه إلى عامل المدينة أن يفعل ما يأمره به فدخل شهاب على عبد الله بن عثمان الحبس - وهو شيخ كبير ابن بضع وثمانين سنة وقد ضجر بالحديد والحبس - فقال له‏:‏ هل لك أن أخلصك مما أنت فيه وتبيعني دار الأرقم فإن أمير المؤمنين يريدها وعسى أن بعته إِياها أن أكلمه فيك فيعفو عنك قال‏:‏ إِنها صدقة ولكن حقي منها له ومعي فيها شركاء إِخوتي وغيرهم فقال‏:‏ إنما عليك نفسك أعطنا حقك وبَرِئْتَ‏.‏

فاشهد له بحقه وكتب عليه كتاب شراء على حساب سبعة عشر ألف دينار ثم تتبع إِخوته ففتنهم بكثرة المال فباعوه فصارت لأبي جعفر ولمن أقطعها ثم صيرها المهدي للخيزران أم موسى وهارون فبنتها وعرفت بها ثم صارت لجعفر بن موسى أمير المؤمنين ثم سكنها أصحاب الشطوي والعدني ثم اشترى عامتها غسان بن عباد من ولد موسى بن جعفر‏.‏

قال علماء السير‏:‏ شهد الأرقم بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله ومات الأرقم بالمدينة في سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ويكنى أبا إسحاق‏:‏ وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي‏.‏

أسلم وهو ابن سبع عشرة سنة‏.‏

وقيل‏:‏ تسع عشرة‏.‏

وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ هذا خالي فليرني امرؤ خاله ‏"‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اللهم سدد رميته وأجب دعوته ‏"‏‏.‏

وكان مجاب الدعوة ودعا فقال‏:‏ اللهم إن لي بنين صغارًا فأخر عني الموت حتى يبلغوا فأخر عنه الموت عشرين سنة‏.‏

وولي الولايات من قبل عمر وعثمان وجعله عمر أحد أصحاب الشورى وأمره على جيوش العراق ثم ولاه الكوفة‏.‏

وكان قصيرًا غليظًا ذا هامة شَثْنَ الأصابع آدم أفطس أشعر الجسد يخضب السواد‏.‏

وكان له من الولد ثمانية عشر ذكرًا وثماني عشرة أنثى‏.‏

وكان عمر يقول لابنه‏:‏ إذا حدثك سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فلا تسأل عنه غيره‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن نمير ويعلى ومحمد ابنا عبيد قالوا‏:‏ حدثنا إسماعيل بن خالد عن قيس بن حازم قال‏:‏ سمعت سعد بن أبي وقاص يقول‏:‏ والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام نأكله إلا ورق الحُبْلَةِ وهذا السَّمُرُ حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خِلْطٌ‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا وكيع ‏"‏ عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدًا بأبويه إلا سعدًا فإني سمعته يقول يوم أحد‏:‏ ‏"‏ ارم سعد فداك أبي وأمي ‏"‏ توفي سعد في قصر بالعقيق‏.‏

على عشرة أميال من المدينة فحمل على أعناق الرجال إلى المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة ثم صلى عليه أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرهن ووقف به عليهن فصلين عليه ودفن بالبقيع‏.‏

وكان أوصى أن يكفن في جبة صوف له كان لقي المشركين فيها يوم بدر فكفن فيها وذلك في سنة خمس وخمسين‏.‏

كذلك قال خليفة بن خياط وسعيد بن عمير وعمرو بن علي المدائني‏.‏

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين‏:‏ سنة ثمان وخمسين‏.‏

وقال الهثيم بن عدي‏:‏ سنة خمسين‏.‏

وقال ابن بكير‏:‏ سنة أربع وخمسين وهو آخر المهاجرين وفاة‏.‏

والأول أثبت‏.‏

وترك يوم مات مائتي ألف وخمسين ألف درهم‏.‏

وفي مقدار عمره أقوال ثلاث أحدها‏:‏ ثلاث وثمانون‏.‏

قاله إبراهيم بن سعد‏.‏

والثاني‏:‏ أربع وسبعون‏.‏

قاله عمرو بن علي‏.‏

والثالث‏:‏ اثنتان وثمانون‏.‏

وقول الغلاس أثبت‏.‏

سحبان بن زفر بن إياس

ابن عبد شمس بن الأحب الباهلي‏:‏ كان خطيبًا بليغًا يضرب المثل بفصاحته ودخل على معاوية بن أبي سفيان وعنده خطباء القبائل فلما رأوه خرجوا لعلمهم بقصورهم عنه فمن قوله‏:‏ لقد علم الحي اليمانيون أنني إذا قلت‏:‏ أما بعد أني خطيبها فقال له معاوية‏:‏ اخطب فقال‏:‏ انظروا لي عصًا تقيم من أودي قالوا‏:‏ وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين قال‏:‏ ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه فأخذها وتكلم من الظهر إلى أن قارب العصر ما تنحنح ولا سعل ولا توقف ولا ابتدأ في معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية فيه فقال معاوية‏:‏ الصلاة قال‏:‏ الصلاة أمامك ألسنا في تحميد وتمجيد وعظة وتنبيه وتذكير ووعد ووعيد فقال معاوية‏:‏ أنت أخطب الجن والإنس قال‏:‏ كذلك أنت‏.‏

فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس

كان صبيًا يوم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء كنا غلمانًا نحتطب فأرسلنا إلى أهلنا وقال‏:‏ قولوا قد جاء صاحبكم الذي تنتظرون فخرجنا إلى أهلنا فأخبرناهم فأقبل القوم‏.‏

وشهد فضالة أحدًا والخندق وما بعدها وكان ممن بايع تحت الشجرة ثم خرج إلى الشاموصار قاضيًا بها في خلافة معاوية‏.‏

كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلعب فحمله خلفه‏.‏

واستعمله علي بن أبي طالب على المدينة وخرج مع سعيد بن عثمان في زمن معاوية فاستشهد بسمرقند‏.‏

كعب بن عمرو بن عباد

أبو اليسر شهد العقبة وبدرًا وهو ابن عشرين سنة وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قصيرًا دحداحًا أبطن وهو الذي أسر العباس بن عبد المطلب يوم بدر وتوفي بالمدينة في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وخمسين

فمن الحوادث فيها‏:‏ مشتى جنادة بن أبي أمية بأرض الروم وفيها‏:‏ غزا البحر يزيد بن شجرة الرهاوي وغزا البر عياض بن الحارث‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان‏.‏

وفيها‏:‏ اعتمر معاوية في رجب‏.‏

وفيها

 دعا الناسَ معاويةُ إلى بيعة يزيد ابنه من بعده

وجعله ولي عهده وكان سبب ذلك أن المغيرة قدم على معاوية وأستعفاه وشكى إليه الضعف فأعفاه وأراد أن يولي سعيد بن العاص فدخل المغيرة على يزيد فعرض له البيعة فأتى ذلك يزيد إلى أبيه فرد معاوية المغيرة إلى الكِوفة وأمره أن يعمل في بيعة يزيد‏.‏

فشخص إلى الكوفة فعمل في بيعة يزيد وكتب معاوية إلى زياد يستشيره في ذلك فبعث زياد إلى عبيد بن كعب النميري فقال‏:‏ إِن أمير المؤمنين قد أجمع على بيعة يزيد وهو متخوف نفرة الناس ويزيد صاحب تهاون مع ما قد أولع به من الصيد فالق أمير المؤمنين مؤديًا عني وأخبره عن فعلات يزيد وقل‏:‏ رويدك بالأمر فأقْمَنُ أن يتم لك ما تريد ولا تعجل فإن دركًا في تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت‏.‏

فقال عبيد له‏:‏ أفلا غير هذا قال‏:‏ ما هو‏.‏

قال‏:‏ لا تفسد على معاوية رأيه ولا تمقت إليه ابنه وألقى أنا يزيد سرًا من معاوية فأخبره عنك أن أمير المؤمنين يستشيرك في بيعته وأنت تتخوف خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه وأنت ترى له ترك ما ينقمون عليه فتستحكم لأمير المؤمنين الحجة على الناس ويسهل لك ما تريد فتكون قد نصحت يزيد وأرضيت أمير المؤمنين فقال‏:‏ إشخص على بركة الله‏.‏

فقدم على يزيد فذاكره ذلك وكتب زياد إلى معاوية يأمره بالتؤدة وأن لا يعجل فقبل ذلك معاوية وكف يزيد عن كثير مما كان يصنع ثم قدم عبيد على زياد فأقطعه قطيعة‏.‏

فلما مات زياد دعا معاوية بكتاب فقرأه على الناس باستخلافه يزيد إن حدث به حدث الموت فيزيد ولي عهده فاستوثق له الناس على البيعة ليزيد غير نفر خمسة أحدهم الحسين بن علي رضي الله عنهما فقال له معاوية‏:‏ يا بن أخي قد استوثق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر أنت تقودهم فما إربك إلى هذا الخلاف قال‏:‏ أنا أقودهم قال‏:‏ نعم فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت رجلًا منهم وإلا لم تكن عجلت علي بأمر‏.‏

قال‏:‏ وتفعل قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهم أحدًا فالتوى عليه ثم أعطاه ذلك فخرج وقد أقصد له ابن الزبير رجلًا بالطريق‏.‏

قال‏:‏ يقول لك أخوك ابن الزبير‏:‏ ما كان فلم يزل به حتى استخرج منه شيئًا‏.‏

ثم أرسل بعده إلى ابن الزبير فقال له‏:‏ قد استوثق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا بن أخي فما إربك إلى الخلاف‏.‏

قال‏:‏ أنا أقودهم‏.‏

قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت رجلًا منهم وإلا لم تكن عجلت علي بأمر قال‏:‏ وتفعل‏.‏

قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهما أحدًا قال‏:‏ يا أمير المؤمنين نحن في حرم وعهد الله ثقيل فأبى عليه وخرج‏.‏

ثم أرسل بعده إلى ابن عمر رضي الله عنهما فكلمه بكلام هو ألين من كلام صاحبيه فقال‏:‏ إني أرهب أن أدع أمة محمد كالضأن لا راعي لها وقد استوثق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم فما إربك إلى الخلاف قال‏:‏ هل لك في أمر يذهب الوزر ويحقن الدم وتدرك حاجتك قال‏:‏ وددت قال‏:‏ تبرز سريرك ثم أجيء فأبايعك على أني أدخل بعدك فيما يجتمع له عليه الأمة فوالله لو أن الأمة اجتمعت بعدك على عبد حبشي لدخلت فيما تدخل فيه الأمة قال‏:‏ وتفعل قال‏:‏ نعم‏.‏

ثم خرج فأتى منزله فأطبق بابه وجعل الناس يجيئون فلا يأذن لهم‏.‏

فأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فقال‏:‏ يا ابن أبي بكر بأية يد أو رجل تقدم على معصيتي قال‏:‏ أرجو أن يكون ذلك خيرًا لي فقال‏:‏ والله لقد هممت أن أقتلك قال‏:‏ لو فعلت لأتبعك الله به لعنة في الدنيا وأدخلك به في الآخرة النار‏.‏

قال‏:‏ ولم يذكر ابن عباس‏.‏

وحكى محمد بن سعد‏:‏ أن معاوية قال للحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر ولعبد الله بن الزبير‏:‏ إني أتكلم بكلام فلا تردوا عليّ شيئًا فأقتلكم‏.‏

فخطب الناس وأظهر أنهم قد بايعوا ليزيد فسكت القوم ولم ينكروا خوفًا منه ورحل من المدينة‏.‏

وفي هذه السنة

 ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان

وكان السبب أن سعيدًا سأل ذلك قال‏:‏ إن بها عبيد الله بن زياد فقال‏:‏ أما والله لقد اصطنعك أبي ورقاك حتى بلغت باصطناعه المدى الذي لا يجارى إليه ولا يسامى فما شكرت بلاءه ولا جازيته‏.‏ فولاه حرب خراسان وولى إسحاق بن طلحة خراجها‏.‏

وكان إسحاق ابن خالة معاوية أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة فلما صار بالري مات إسحاق بن طلحة فولي سعيد خراج خراسان وحربها فقطع سعيد الترمذ إلى سمرقند فخرج إليه أهل الصغد فواقفوه يومًا إلى الليل ثم انصرفوا من غير قتال فلما كان الغد خرج إليهم سعيد وناهضه أهل الصغد فقاتلهم فهزمهم وحصرهم في مدينتهم فصالحوه وأعطوه رهنًا منهم خمسين غلامًا يكونون في يده من أبناء عظمائهم وعبر فأقام بالترمذ‏.‏

وكان العامل في هذه السنة على المدينة مروان بن الحكم وعلى الكوفة الضحاك بن قيس وعلى البصرة عبد الله بن زياد وعلى خراسان سعيد بن عثمان بن عفان‏.‏

أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم

أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يقيل في بيتها‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا روح قال‏:‏ حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن أنس عن أم حرام أنها قالت‏:‏ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا في بيتي استيقظ وهو يضحك فقلت‏:‏ بأبي وأمي ما يضحكك قال‏:‏ ‏"‏ عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة ‏"‏ فقلت‏:‏ ادع الله أن يجعلني منهم فقال‏:‏ ‏"‏ اللهم اجعلها منهم ‏"‏‏.‏

ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقلت‏:‏ بأبي وأمي ما يضحكك قال‏:‏ عرض علي ناس منم أمتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرة فقلت‏:‏ ادع الله أن يجعلني منهم ففال‏:‏ ‏"‏ أنت من الأولين‏"‏‏.‏

فغزت مع عبادة بن الصامت وكان زوجها عبادة بن الصامت فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت‏.‏

قال هرم بن عمار‏:‏ أنا رأيت قبرها ووقفت عليه بالساحل بفاقيس‏.‏

وقال هشام بن الغار‏:‏ قبرها بقبرص وهم يقولون‏:‏ هذا قبر المرأة الصالحة‏.‏

 سنة سبع وخمسين

فمن الحوادث فيها‏:‏ مشتى عبد الله بن قيس بأرض الروم‏.‏

وفيها‏:‏ صرف مروان عن المدينة في ذي القعدة‏.‏ واستعمل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان‏.‏

وقال غيره‏:‏ بل كانت المدينة في هذه السنة إلى مروان وإنما صرفه في سنة ثمان وخمسين واستعمل حينئذٍ الوليد بن عتبة‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان العامل على الكوفة الضحاك بن قيس وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى خراسان سعيد بن عثمان

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

عثمان بن حنيف

ابن واهب بن عُكيم أبو عبد اللّه‏:‏ بعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على خراج السواد ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم وأمره أن يمسح السواد فلم يزَل على ذلك‏.‏

ولما قتل عثمان بعثه علي بن أبي طالب واليًا على البصرة فلم يزل بها حتى قدم عليه طلحة والزبير فقاتلهم ثم اصطلحوا وكتبوا بينهم كتابًا بالموادعة على أن دار الإمارة والمسجد وبيت المال إلى عثمان بن حنيف وينزل طلحة والزبير وعائشة حيث شاءوا من البصرة‏.‏

وتوفي عثمان بن حنيف في خلافة معاوية‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وخمسين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 غزو مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم

وقتل يزيد بن شجرة في البحر في السفن‏.‏

وقيل‏:‏ إن الذي شتى بأرض الروم في هذه السنة عمرو بن يزيد الجهني والذي غزا في البحر جنادة بن أبي أمية وفيها ولى معاوية الكوفة عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفي وهو ابن أم الحكم أخت معاوية بن أبي سفيان وعزل عنها الضحاك بن قيس‏.‏

وفي عمله في هذه السنة خرجت الطائفة التي حبسها المغيرة بن شعبة في السجن من الخوارج الذين كانوا بايعوا المستورد فظفر بهم فاستودعهم السجن فلما مات المغيرة خرجوا من السجن فجمع حيان بن ظبيان أصحابه ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد فإن الله عز وجل كتب علينا الجهاد فمنّا من قضى نحبه ومنا من ينتظر وأولئك هم الأبرار الفائزون بفعلهم فمن كان منكم يريد الله وثوابه فليسلك سبيل أصحابه‏.‏

وقال معاذ بن جوين الطائي‏:‏ يا أهل الإسلام إنا والله لو علمنا أنا إذا تركنا جهاد الظلمة وإنكار الجور كان لنا به عند الله عذر لكان تركه أيسر علينا وأخف من ركوبه ولكنا قد علمنا واستيقنا أنه لا عذر لنا‏.‏

ثم قال‏:‏ ابسط يدك نبايعك فبايعه وبايعه القوم فضربوا على يد حيان فبايعوه وذلك في إمارة عبد الرحمن بن عبد الله ثم إن القوم اجتمعوا في منزل معاذ بن جوين فقال لهم حيان‏:‏ عباد الله أشيروا برأيكم أين تأمروني أن أخرج فقال له معاذ‏:‏ إني أرى أن تسير بنا إلى حلوان فإنها كورة بين السهل والجبل وبين المصر والثغر فمن كان يرى رأينا من أهل المصر والثغر والجبال والسواد لحق بنا‏.‏

فقال له حيان‏:‏ عدوك معاجلك قبل اجتماع الناس إليك فلا يتروكم حتى يجتمع الناس إليكم ولكن رأيت أن أخرج معكم في جانب الكوفة ثم نقاتلهم حتى نلحق بربنا فإني والله قد علمت أنكم لا تقدرون وأنتم دون المائة رجل أن تهزموا عدوكم ولا أن تشتد نكايتكم فيهم ولكن متى علم الله أنكم قد أجهدتم أنفسكم في جهاد عدوه وعدوكم كان لكم به العذر وخرجتم من الإثم‏.‏

قالوا‏:‏ رأينا رأيك فقال لهم عديس بن عرقوب‏:‏ اخرجوا بجانب من مصرهم هذا فقاتلوا فقالوا‏:‏ لن يخالفك فمكثوا حتى إذا كان آخر سنة من سني ابن أم الحكم في أول يوم من ربيع الآخر اجتمعوا إلى حيان فقال‏:‏ يا قوم والله الذي لا إله غيره ما سررت قط في الدنيا بعدما أسلمت سروري بخروجي هذا على الظلمة إني قد رأيت أن نخرج حتى ننزل جانب دار جرير فإذا خِرج إليكم الأحزاب ناجزتموهم فقال عديس بن عرقوب‏:‏ إذا قاتلتهم في جوف المصر قاتلنا الرجال وصعد النساء والصبيان والإماء فرمونا بالحجارة فقال رجل منهم‏:‏ انزلوا بنا من وراء الجسر فقال معاذ‏:‏ لا بل سيروا بنا فلننزل بانقيا فما أسرع ما يأتيكم عدوكم فإذا كان ذلك استقبلنا القوم وجعلنا البيوت في ظهورنا فقاتلناهم من وجه واحد فخرجوا فبعث إليهم جيش فقتلوا جميعًا‏.‏

وفي هذه السنة

 طرد أهل الكوفة عبد الرحمن بن أم الحكم

وذلك أنه أساء السيرة فيهم فطردوه فلحق بمعاوية وهو خاله فقال له‏:‏ أوليك خيرًا منها مصر فولاه فتوجه إليها وبلغ معاوية بن حديج السكوني الخبر فخرج إليه واستقبله على مرحلتين من مصر فقال له‏:‏ ارجع إلى خالك فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة‏.‏

فرجع إلى معاوية ثم أقبل معاوية بن حُديج وافدًا فدخل عليه وعنده أم الحكم فقالت‏:‏ من هذا يا أمير المؤمنين قال‏:‏ هذا معاوية بن حديج قالت‏:‏ لا مرحبًا به ‏"‏ تسمع بالمُعَيدِي خير من أن تراه فقال‏:‏ على رسلك يا أم الحكم أما والله لقد تزوجت فما أكرمت وولدت فما أنجبت أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة ما كان الله ليريه ذلك ولو فعل ذلك لضربناه ضربًا يطأطىء منه فقال لها معاوية‏:‏ كفى‏.‏

قصة ابن أم الحكم مع الأعرابي

وجرت لعبد الرحمن ابن أم الحكم قصة عجيبة أخبرنا بها محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة قالت‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ حدًثنا محمد بن خلف قال‏:‏ حدَّثني محمد بن عبد الرحمن القرشي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبيد قال‏:‏ حدثنا أبو مخنف عن هشام بن عروة قال‏:‏ أذن معاوية بن أبي سفيان يومًا فكان فيمن دخل عليه فتى من بني عذره فلما أخذ الناس معاوي يا ذا الفضل والحكم والعقل وذا البر والإحسان والجود والبذل أتيتك لما ضاق في الأرض مسلكي وأنكرت مما قد أصبت به عقلي ففرج كلاك الله عني فإنني لقيت الذي لم يلقه أحد قبلي وخذ لي هداك الله حقي من الذي رماني بسهم كان أهونه قتلي وكنت أرجًي عدله إن أتيته فأكثر تردادي مع الحبس والكبل فطلقتها من جهد ما قد أصابني فهذا أمير المؤمنين من العذل فقال معاوية‏:‏ اعن بارك الله عليك ما خطبك فقال‏:‏ أطال الله بقاء أمير المؤمنين إنني رجل من بني عذرة تزوجت ابنة عم لي وكانت لي صرمة من إبل وشويهات فأنفقت ذلك عليها فلما أصابتني نائبة الزمان وحادثات الدهر رغب عني أبوها وكانت جارية فيها الحياء والكرم فكرهت محالفة أبيها فأتيت عاملك ابن أم الحكم فذكرت ذلك له وبلغه جمالها فأعطى أباها عشرة آلاف درهم وتزوجها وأخذني فحبسني وضيق علي فلما أصابني مس الحديد وألم العذاب طلقتها وقد أتيتك يا أمير المؤمنين وأنت غياث المحروب وسند المسلوب فهل من فرج ثم بكى وقال في بكائه‏:‏ في القلب مني نار والنار فيها شرار والجسم مني نحيل واللون فيه اصفرار حملت منه عظيمًا فما عليه اصطبار فليس ليلي بليل ولا نهاري نهار فرق له معاوية وكتب له إلى ابن أم الحكم كتابًا غليظًا وكتب في آخره يقول‏:‏ ركبت أمرًا عظيمًا لست أعرفه أستغفر الله من جور امرىء زان قد كنت تشبه صوفيًا له كتب مِن الفرائض أو آثار فرقان حتى أتاني الفتى العذري منتحبًا يشكو إلي بحق غير بهتان أعطى الإله عهودًا لا أجيش بها أو لا فبرئت من دين وإيمان إن أنت راجعتني فيما كتبت به لأجعلنَك لحمًا عند عقبان طلق سعاد وفارقها بمجتمع واشهد على ذاك نصرًا وابن ظبيان فما سمعت كما بلغت من عجب ولافعالك حقًا فعل فتيان فلما ورد كتاب معاوية على ابن أم الحكم تنفس الصعداء وقال‏:‏ وددت أن أمير المؤمنين خلى بيني وبينها سنة ثم عرضني على السيف وجعل يؤامر نفسه في طلاقها فلا يقدر فلما أزعجه الوفد طلقها ثم قال‏:‏ يا سعاد اخرجي فخرجت شكلة غنجة ذات هيئة وجمال فلما رآها الوفد قالوا‏:‏ ما تصلح هذه إلا لأمير المؤمنين لا لأعرابي وكتب جواب كتابه يقول‏:‏ لا تحنثن أمير المؤمنين فقد أوفى بعهدك في رفق وإحسان وسوف يأتيك شمس لا خفاء بها أبهى البرية من إنس ومن جان حوراء يقصر عنها الوصف إن وصفت أقول ذلك في سر وإعلان فلما ورد الكتاب على معاوية قال‏:‏ إن كانت أعطيت حسن النعمة على هذه الصفة فهي أكمل البرية فاستنطقها فإذا هي أحسن الناس كلامًا وأكملهم شكلًا ودلًا فقال‏:‏ يا أعرابي فهل من سلو عنها بأفضل الرغبة قال‏:‏ نعم إذا فرقت بين رأسي وجسدي ثم أنشأ يقول‏:‏ لا تجعلني والأمثال تضرب بي كالمستغيث من الرمضاء بالنار أردد سعاد على حيران مكتئب يمسي ويصبح في هم وتذكار قد شفه قلق ما مثله قلق وأسعر القلب منه أي إسعار والله والله لا أنسى محبتها حتى أغيب في رمس وأحجار كيف السلو وقد هام الفؤاد بها وأصبح القلب عنها غير صبار قال‏:‏ فغضب معاوية غضبًا شديدًا ثم قال لها‏:‏ اختاري إن شئت أنا وإن شئت ابن أم الحكم وإن شئت الأعرابي‏.‏

فأنشأت سعاد وارتجزت تقول‏:‏

هذا وإن أصبح في الخمار ** وكان في نقص من اليسار

أكثر عندي من أبي وجاري ** وصاحب الدرهم والدينار

فقال معاوية‏:‏ خذها لا بارك الله لك فيها فارتجز الأعرابي يقول‏:‏

خلوا عن الطريق للأعرابي ** ألم ترقوا ويحكم لما بي

قال‏:‏ فضحك معاوية وأمر له بعشرة آلاف درهم‏.‏

وناقة وطاء وأمر بها فأدخلت في بعض قصوره حتى انقضت عدتها من ابن أم الحكم ثم أمر بدفعها إلى الأعرابي‏.‏

وفي هذه السنة

 اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج

فقتل منهم صبرًا جماعة كثيرة وفي الحرب جماعة أخرى وممن قتل منهم صبرًا عروة بن أدوية‏.‏

وسبب ذلك أن ابن زياد خرج في رهان له فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس وفيهم عروة بن أدوية فأقبل على ابنٍ زياد فقال‏:‏ خمس كن في الأمم قبلنا فقد صرن فينا‏:‏ ‏{‏أتَبْنُونَ بِكُل رِيعٍ آيَة تَعْبَثُونَ وتتخذونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدونَ وَإذَا بَطَشْتُمْ بطشتم جبارِين‏}‏ وذكر خصلتين نسيهما الراوي فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يجترىء على مثل ذلك إِلا ومعه جماعة من أصحابه فقام فركب وترك رهانه فقيل لعروة‏:‏ ما صنعت والله ليقتلنك‏.‏

فتوارى فطلبه ابن زياد فأتى الكوفة فأخذ به ابن زياد فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ثم دعاه فقال‏:‏ كيف ترى قال‏:‏ أرى أنك أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك فقتله وأرسل إلى ابنيه فقتلهما‏.‏

وكان ابن زياد قد حبس مرداس بن أدية وكان السجان يرى عبادته واجتهاده فكان يأذن له في الليل فينصرف فإذا طلع الفجر أتاه فدِخل السجن فذكر ابن زياد الخوارج ليلة فعزم على قتلهم إذا أصبح فانطلق صديق لمرداس إلى منزله وأخبرهم فأرسلوا إليه ليعهد فسمع ذلك مرداس وبلغ الخبر صاحب السجن فبات بليلة سوء إشفاقًا من أن يعلم مرداس الخبر فلا يرجع‏.‏

فلما كان وقت رجوعه جاء فقال له السجان‏:‏ هل علمت ما عزم عليه الأمير قال‏:‏ نعم‏.‏

فلما قُدمَ ليقتل وثب‏.‏

السجان - وكان ظئرًا لعبيد الله - فأخذ بقدمه وقال‏:‏ هبه لي وقص عليه القصة فوهبه له وأطلقه فخرج مرداس في أربعين رجلًا إلى الأهواز فبعث ابن زياد إليهم جيشًا‏.‏

وفي هذه السنة توفي عميرة بن يثربي قاضي البصرة فاستقضى مكانه هشام بن هبيرة‏.‏

وكان على الكوفة في هذه السنة عبد الرحمن بن أم الحكم‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ بل الضحاك بن قيس الفهري‏.‏

وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى قضاء الكوفة شريح‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

سعيد بن العاص

ابن سعيد بن العاص يكنى أبا عثمان ويكنى أبا سعيد‏:‏ جده أبو أحيحة قتل أبوه العاص يوم بدر كافرًا وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسعيد تسع سنين‏.‏

وكان سعيد كريمًا استسقى يومًا من دار بالمدينة ثم عرض صاحب الدار الدار للبيع فقال‏:‏ لم يبيعها قالوا‏:‏ عليه دين أربعة آلاف دينار فقال‏:‏ إن له لحرمة لسقيه إيانا‏.‏

فركب إليه ومعه غريمه فقال للغريم‏:‏ هي لك علي وقال لصاحب الدار‏:‏ استمتع بدارك‏.‏

وكان الناس يتعشون عنده وكان فيهم رجل من القراء افتقر فقالت له زوجته‏:‏ قد بلغنا عن أميرنا هذا كرم فاذكر له حالك فلعله أن ينيلنا شيئًا فقال‏:‏ ويحك لا تخلقي وجهي قالت‏:‏ فاذكر له على كل حال‏.‏

فتصرم الناس ليلة عنه وثبت الرجل فقال‏:‏ سعيد‏:‏ أظن جلوسك لحاجة فسكت فقال لغلمانه‏:‏ تنحوا ثم قال له‏:‏ رحمك الله إنما أنا وأنت فاذكر حاجتك فسكت فأطفأ السراج ثم قال‏:‏ رحمك الله لست ترى وجهي فاذكر حاجتك فقال‏:‏ أصلح الله الأمير لقد أصابتنا حاجة فأحببت ذكرها لك فقال‏:‏ إذا أصبحت فالق فلانًا وكيلي‏.‏

فلما أصبح الرجل لقي الوكيل فقال له‏:‏ إن الأمير قد أمر لك بشيء فائت بمن يحمله معك فقال‏:‏ ما عندي من يحمل ثم انصرف إلى زوجته فأخبرها الخبر وجعل يلومها ويقول‏:‏ ما أظنه أمر لي إلا بقوصرة تمر وقفيز بز وذهب ماء وجهي لو كانت دراهم أعطانيها فقالت له امرأته‏:‏ يا هذا قد بلغ بنا الأمر ما ترى فمهما أعطاك فإنه يقوتنا فأتى الوكيل فقال‏:‏ أين تكون أخبرت الأمير أنه ليس عندك من يحمل فأمرني أن أوجه معك من يحمل معك ما أمر به ثم أخرج إليه ثلاثة من السودان على رأس كل واحد منهم بدرة دراهم وقال‏:‏ امضوا معه فلما بلغ الرجل باب منزله فتح بدرة منها فأخرج دراهم ودفعها إلى السودان وقال‏:‏ انصرفوا قالوا‏:‏ إلى أين نحن عبيدك إنه ما حمل مملوك للأمير قط هدية إلى أحد فرجع المملوك إلى ملكه‏.‏

قال‏:‏ فصلحت حال الرجل‏.‏

ولما احتضر سعيد قال لبنيه‏:‏ لا يفقدن مني إخواني غير وجهي فاصنعوا لهم ما كنت أصنع واجروا عليهم ما كنت أجري فاكفوهم مؤونة الطلب فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه وارتعدت فرائصه مخافة أن يرد فوالله لرجل يتململ على فراشه يراكم موضعًا لحاجة أعظم عليكم منةً منكم عليه بما تعطونه‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البارع أخبرنا أبو جعفر بن مسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سليمان بن داود قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني رجل عن عبد العزيز بن أبان قال‏:‏ حدثني خالد بن سعيد عن أبيه عن ابن عمر قال‏:‏ جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرد فقالت‏:‏ إني نويت أن أعطي هذا الثوب أكرم العرب فقال‏:‏ ‏"‏ أعطيه هذا الغلام ‏"‏‏:‏ يعني سعيد بن العاص وهو واقف‏.‏

ومات سعيد بن العاص في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة ودفن بالبقيع وأوصى إلى ابنه عمرو الأشدق وأمره أن يدفنه بالبقيع وقال‏:‏ إن قليلًا لي عند قومي في بري بهم أن يحملوني على رقابهم من العرصة إلى البقيع ففعلوا وأمر ابنه عَمْرًا إِذا دفنه أن يركب إِلى معاوية فينعاه ويبيعه منزله بالعرصة وكان منزلًا قد أنحله سعيدًا وغرس فيه النخل وزرع وبنى فيه قصرًا معجبًا وقال لابنه‏:‏ إن منزلي هذا ليس في العقد إنما هو منزل برة فبعه من معاوية واقض عني ديني ومواعيدي ولا تقبل من معاوية قضاء ديني فتزودنيه إلى ربي‏.‏

فلما دفنه عمرو ووقف الناس بالبقيع فعزوه ثم ركب رواحله إلى معاوية فقدم عليه فنعاه له فاسترجع وتوجع لموته ثم قال‏:‏ هل ترك من دين قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فكم‏.‏

قال‏:‏ ثلاثمائة ألف درهم قال‏:‏ هي علي قال‏:‏ قد أبى ذلك وأمرني أن أقضي عنه من أمواله أبيع ما استباع منها قال‏:‏ فاعرضني ما شئت قال‏:‏ أنفسها وأحبها إلينا وإليه في حياته منزله في العرصة فقال له معاوية‏:‏ هيهات لا تبيعون هذا المنزل انظر غيره قال‏:‏ فما نصنع نحب تعجيل قضاء دينه قال‏:‏ قد أخذته بثلاثمائة ألف درهم قال‏:‏ اجعلها بالواقية - يريدون درهم فارس الدرهم زنة مثقال الذهب - قال‏:‏ قد فعلت قال‏:‏ فاحملها إلى المدينة قال‏:‏ قد فعلت فحملها له فقدم عمرو بن سعيد فجعلها في ديونه وحاسبهم بما بين الدراهم الواقية - وهي البعلية - وبين الدراهم الجوار - وهي تنقص في العشرة ثلاثة كل سبعة بالبعلية عشرة بالجوار - حتى أتاه فتى من قريش فذكر حقًا له في كراع أديم بعشرين ألف درهم على سعيد بن العاص بخط مولى لسعيد كان يقوم لسعيد على بعض نفقاته وشهادة سعيد على نفسه بخط سعيد فعرف خط المولى وخط أبيه وأنكر أن يكون للفتى - وهو صعلوك من قريش - هذا المال فأرسل إلى مولى أبيه الصك فلما قرأه المولى بكى ثم قال‏:‏ نعم أعرف هذا الصك وهو حق دعاني مولاي فقال لي وهذا الفتى عنده على بابه معه هذه القطعة الأديم‏:‏ اكتب فكتبت بإملائه هذا الحق فقال عمرو للفتى‏:‏ وما سبب مالك هذا قال‏:‏ رأيته يمشي وحده فقمت مشيت حتى بلغ باب منزله ثم وقفت فقال‏:‏ هل من حاجة فقلت‏:‏ لا إلا أني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك فقال‏:‏ وصلتك رحم يا ابن أخي ابغني قطعة أديم فأتيت خرازًا عند باب داره فأخذت منه هذه القطعة فدعا مولاه هذا فقال‏:‏ اكتب فكتب عن أبيك هذا الكتاب وكتب فيه شهادته على نفسه ثم دفعه إلي وقال‏:‏ يا ابن أخي ليس عندنا اليوم شيء فخذ هذا الكتاب فإذا أتانا شيء فاتنا به إن شاء الله فمات رحمه الله قبل أن يأتيه شيء‏.‏

قال عمرو‏:‏ لا جرم لا وروى الزبير من طريق آخر‏:‏ أن معاوية اشترى العرصة بألف ألف درهم وكان دين سعيد ثلاثة آلاف درهم فاشترى معاوية العرصة من ابن سعيد بألف ألف والنخل بألف ألف والمزارع بألف ألف‏.‏

وتوفي سعيد في هذه السنة وكان عمرو بن سعيد يدعي أن مروان بن الحكم جعل إليه ولاية العهد بعد عبد الملك ثم نقض ذلك وجعله إلى عبد العزيز فلما خرج عبد الملك إلى حرب مصعب غلق عمرو أبواب دمشق فأعطاه عبد الملك الأمان ثم غدر به فقتله‏.‏

شداد بن أوس

ابن ثابت بن المنذر بن حرام أبو يعلى‏:‏ وهو ابن أخي حسان بن ثابت‏.‏

كانت له عبادة واجتهاد‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزار قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا يزيد بن هارون قال‏:‏ أخبرنا فرح بن فضالة عن أسد بن وداعة قال‏:‏ كان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كان كأنه حبة على مقلى فيقول‏:‏ اللهم إن النار أسهرتني ثم يقوم إلى الصلاة‏.‏

عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق يكنى أبا عبد الله

أمه أم رومان بنت عامر وهو أخو عائشة لأبويها وكان أسن أولاد أبي بكر لم يزل على دين قومه وشهد بدرًا مع المشركين ودعا إلى المبارزة فقام أبو بكر الصديق ليبارزه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ متعنا بنفسك ‏"‏ ثم أسلم عبد الرحمن في هدنة الحديبية وهو الذي قال لمروان لما دعى إلى بيعة يزيد‏:‏ إنما يريدون أن يجعلوها كسروية أو هرقلية فقال مروان‏:‏ أيها الناس هذا ‏{‏الذي قَالَ لِوَالِديْه أف لكما أتَعِدَانِني أنْ أخْرج‏}‏ فصاحت به عائشة‏:‏ ألعبد الرحمن يقول هذا كذبت والله ما هو به ولو شئت أن أسمي الرجل الذي أنزل فيه لسميته ولكني أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه‏.‏

وهاجر إلى المدينة وأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر أربعين وسقًا وروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان عبد الرحمن يتجر في الجاهلية إلى الشام بماله ومال قريش فرأى ليلى بنت الجودي فهويها فلما فتح خالد الشام زمن عمر صارت إليه فازداد بها شغفًا‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البارع قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قدم الشام في تجارة فرأى هناك امرأة يقال لها ابنة الجودي على طنفسة لها ولائد فأعجبته فقال لها‏:‏ أتذكر ليلى والسماوة دونها وما لابنة الجودي ليلى وماليا وأنى تعاطى قلبه حارثية تؤمن بصرى أو يحل الجوا بيا وأني بلاقيها بلى ولعلها إن الناس حجوا قابلًا إن تلاقيا فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال لصاحب الجيش‏:‏ إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فظفر بها فدفعها إلى عبد الرحمن فأعجب بها وآثرها على نسائه حتى شكونه إِلى عائشة فعاتبته على ذلك فقال‏:‏ والله كأني أرشف بأنيابها حب الرمان فأصابها وجع سقط له فوها فجفاها حتى شكته إلى عائشة فقالت له عائشة‏:‏ يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت وأبغضتها فأفرطت فإما أن تنصفها وإما أن تجهزها إلى أهلها‏.‏

قال الزبير‏:‏ وحدثني عبد الله بن نافع عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه‏:‏ أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي حين فتح دمشق وكانت ومما يروى لعبد الرحمن في ليلى بنت الجودي هذا‏:‏ يا ابنة الجودي قلبي كئيب مستهام عندها ما يؤوب جاورت أخوالها حي عك فلعلك من فؤادي نصيب ولقد لاموا فقلت ذروني إن من يلحون فيها الحبيب غصن بان ماخلا الخصر منها ثم ما أسفل ذاك كئيب قالت عائشة‏:‏ كنت أعاتبه في كثرة محبته لها ثم صرت أعاتبه في إساءته إليها حتى ردها إلى أهلها‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ أخبرنا وكيع عن عبد الرحمن بن لاحق عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ مات عبد الرحمن بالحبشي فحمل حتى دفن بمكة فقدمت عائشة من المدينة فأتت قبره فوقفت عليه فتمثلت بهذين البيتين‏:‏ وكنا كَندَماني جَذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكًا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ثم قالت‏:‏ أما والله لو شهدتك ما زرت قبرك ولو شهدتك ما حملت من حبشي ميتًا ولدفنت مكانك‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة‏:‏ أن عبد الرحمن بن أبي بكر توفي في منزل له فحملناه على رقابنا ستة أميال إلى مكة وعائشة غائبة فقدمت بعد ذلك فقالت‏:‏ أروني قبر أخي فصلت عليه‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا معن بن عيسى حدثنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ توفي عبد الرحمن في نومة نامها فأعيت عنه عائشة زمانًا‏.‏

الحبشي موضع‏.‏

وفي هذه السنة توفي عبد الرحمن على ما ذكره البخاري‏.‏

وقال ابن سعد‏:‏ سنة ثلاث وخمسين‏.‏

عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم

أبو محمد الهاشمي‏:‏ أمه أم الفضل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام أصغر سنًا من عبد الله بسنة وكان سخيًا جوادًا كثير الإطعام للناس أنبأنا الحسين بن محمد البارع قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ وأخبرنا أحمد بن سليمان بن داود قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدَّثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي عن أبيه قال‏:‏ دخل أعرابي دار العباس بن عبد المطلب وفي جانبها عبد الله بن عباس يفتي لا يرجع في شيء يسأل عنه وفي الجانب الآخر عبيد الله بن العباس يطعم كل من دخل فقال الأعرابي‏:‏ من أراد الدنيا والآخرة فعليه بدار العباس هذا الفتى يفتي ويفقه الناس وهذا يطعم الطعام‏.‏

استعمل علي بن أبي طالب عبيد الله على اليمن وأمره بالحج فحج بالناس سنة ست وثلاثين ومات بالمدينة في هذه السنة‏.‏ وقيل‏:‏ بل مات باليمن‏.‏

عميرِة بن يثربي

قاضي الكوفة‏.‏توفي فيِ هذه السنة‏.‏

عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي اللّه عنها وعن أبيها

كانت مسماة لجبير بن مطعم فلما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم استلها أبو بكر منهم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة عشر من النبوة وهي بنت ست سنين ودخل بها بالمدينة وهي بنت تسع قالت‏:‏ وكنت ألعب مع الجواري فما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني حتى أخذتني أمي فحبستني في البيت عن الخروج فوقع في نفسي أني تزوجت فما سألتها حتى كانت هي التي أخبرتني‏.‏

ورأت عائشة جبريل عليه السلام في صورة دحية قال لها رسول الله أخبرنا عبد الملك الكروخي قال‏:‏ أخبرنا أبو عامر الأزدي وأبو بكر العوزجي قالا‏:‏ أخبرنا الجراحي قال‏:‏ أخبرنا المحبوبي قال‏:‏ حدثنا الترمذي قال‏:‏ حدثنا حميد بن مسعدة قال‏:‏ حدثنا زياد بن الربيع قال‏:‏ حدثنا خالد بن سلمة المخزومي عن أبي بردة عن أبي موسى قال‏:‏ ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال‏:‏ حدثنا الحسن بن غيلان الورق قال‏:‏ حدثنا جعفر الفريابي قال‏:‏ حدثنا منجاب بن الحارث قال‏:‏ حدَّثنا علي بن مسهر قال‏:‏ حدثنا هشام عروة عن أبيه قال‏:‏ ما رأيت أحدًا من الناس أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث العرب ولا بنسيب من عائشة رضي الله عنها‏.‏

توفيت عائشة ليلة سبع عشرة من رمضان هذه السنة وأوصت إلى عبد الله بن الزبير وصلَى عليها أبو هريرة بعد الوتر ودفنت بالبقيع وهىِ بنت ست وستين سنة ولم يكن بالبقيع قبر مطابق بالحجارة غير قبر الحسن بن علي وقبرها‏.‏