فصل: ذكر الفواطم والعواتك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا خالد بن خداش قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن وهب قال‏:‏ أخبرنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال‏:‏ ما وجدنا أحدًا يعرف ما وراء معدّ بن عدنان‏.‏

قال عروة‏:‏ وسمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثْمة يقول‏:‏ ما وجدنا في علم عالم ولا شعر شاعر أحدآ يعرفُ ما وراء معدّ بن عدنان بثبت‏.‏

وقد سبق نسب الخليل إلى آدم عليهما السلام‏.‏

 فصل بين مولد نبينا محمد و آدم عليهما السلام

وبين مولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبين آدم عليهما السلام مُدَّة مختلف فيها‏.‏

فعلى ما روى الواقدي‏:‏ أربعة آلاف وستمائة سنة‏.‏

وقال قوم‏:‏ ستة آلاف ومائة وثلاث عشرة سنة‏.‏

وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس‏:‏ خمسة آلاف سنة وخمسمائة سنة قال‏:‏ وكان من آدم إلى نوح ألفا سنة ومائتا سنة‏.‏

ومن نوح إلى إبراهيم ألف سنة ومائة سنة وثلاث وأربعون‏.‏

ومن إبراهيم إِلى موسى خمسمائة سنة وخمس وسبعون سنة ومن موسى إلى داوود مائهَ سنة وتسع وسبعون سنة‏.‏

ومن داوود إلى عيسى ألف سنة وثلاث وخمسون سنة‏.‏

ومن عيسى إلى ذكر آباء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ قال مؤلف الكتاب أما عبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أصغر ولد أبيه وكان عبد الله و الزبير وأبو طالب‏:‏ بنو عبد المطّلب لأم واحدة‏:‏ واسمها فاطمة بنت عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم‏.‏

هكذا قال ابن إسحاق‏.‏

وروى هشام بن محمد عن أبيه قال‏:‏ عبد الله وأبو طالب واسمه عبد مناف و الزبير وعبد الكعبة و عاتكة و برّة و أمَيمة ولدُ عبد المطلب إخوة لأمّ أمهم فاطمة المذكورة‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ كان عبد المطلب قد نذَر حين لقيَ من قريش عند حفر زمزم ما لَقِيَ لئن وُلد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتّى يمنعوه لينحرنّ أحدَهم لله عند الكعبة فلما تموا عشرة عرف أنهم سيمنعونه فأخبرهم بنذْرِه فأطاعوه وقالوا‏:‏ كيف نصنع قال‏:‏ يأخذ كل رجل منكم قِدْحًا ثم ليكتب فيه اسمه ثم ائتوني به‏.‏

ففعلوا ثم أتوْه فدخل على هُبَل وقال يعني لقيّم الصنم‏:‏ اضرب بقداح هؤلاء‏.‏

وكان عبد الله أصغَر بني أبيه وكان أحبّهم إلى عبد المطلب‏.‏

فلمّا أخذها ليضرب بها قام عبد المطّلب عند الكعبة يدعو الله ثم ضرب صاحبُ القِداح فخرج القِدْح على عبد الله فأخذه عبد المطلب بيده وأخذ الشَّفْرة ثم أقبل به إلى إساف ونائلة فقامت إليه قريش من أنديتها وقالوا‏:‏ ما تريد أن تصنع قال‏:‏ أذبحه‏.‏

قالوا‏:‏ لا تذبحه أبدآ حتى تُعذِر فيه انطلق به فآتِ أبه عَرَّافة لها تابع فسَلْها‏.‏

فانطلق فقالت له‏:‏ كم الدّية فيكم قالوا‏:‏ عشرة من الإبل‏.‏

قالت‏:‏ فارجعوا ثم قربوا صاحبكم وقرّبوا عشرآ من الإبل ثم أضربوا عليه وعليها بالقِداح فإن خرجت على صاحبكم فزِيدُوا من الإبل حتى يَرْضى ربكم فإنْ خرجتْ على الإبل فقد رَضِي ونجا صاحبُكم‏.‏

فقرّبوا عبدَ الله وعشرًا من الإبل فخرجت على عبد الله فزادوا عشرآ فخرجت على عبد الله فلم يزالوا على هذا إلى أن جعلوها مائةً فخرج القدح على الإبل‏.‏

فقالوا‏:‏ قد رَضيَ ربك‏.‏

فقال‏:‏ لا والله حتى أضرب عليها وعليه ثلاث مرات‏.‏

ففعل فخرج القِدْح على الإبل فنُحرت ثم تُركت لا يُصدّ عنها إنسان و لا سَبُعُ‏.‏

ثم انصرف عبد المطلب بابنه فمرَّ على امرأة من بني أسد يقال لها‏:‏ أم قتال بنت نوفل بن أسد بن عبد العزّى وهي أخت وَرَقَة‏.‏

فقالت‏:‏ يا عبد الله أين تذهب‏.‏

قال‏:‏ مع أبي فقالت‏:‏ لك عندي مثل الإبل التي نُحِرتْ عنك وَقعْ عليَّ‏.‏

فقال إني مع أبي لا أستطيع فراقه‏.‏

فخرج به عبد المطلب حتى أتى وهبَ بن عبد مناف بن زُهْرة وهو يومئذ سيِّد بني زْهْرة نسبًا فزوّجه آمنة وهي يومئذ أفضلُ امرأة في قُريش نسبًا‏.‏

فدخل عليها فوقع عليها مكانه فحملتْ بنبينا محمد صلى الله علية وسلم ثم خرج من عندها حتى أتى المرأة التي كانت عرضتْ عليه نفسها فقال‏:‏ مالك لا تَعْرِضين عليّ اليوم ما كنتِ عرضت عليَّ بالأمس قالت له‏:‏ فارقك النور الذي كان معك بالأمس فليس اليوم لي بك حاجة‏.‏

وقد كانت تَسْمع من أخيها ورقةَ بن نَوْفل وكان قد تنصر واتَّبع الكُتبَ فكان فيما ذكر‏:‏ أنه كائن في هذه الأمة نبيّ من بني إسماعيل‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ فإن قال قائل قد ذكرت في هذا الحديث أن عبد الله كان أصغر بني أبيه وقد صحَّ أن العباس أكبر من رسول الله صلى الله علية وسلم‏.‏

فالجواب‏:‏ انه كان أصغر الموجودين يومئذ من وَلَد عبد المطلب ثم وُلد العباس بعد ذلك‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا هشام بن محمد الكلبي عن أبي الغيّاض الخثعمي قال‏:‏ مرَّ عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خَثْعَم يقال لها‏:‏ فاطمة بنت مُرة وكانت أجمل الناس وأعفَّهم وكانت قد قرأت الكتب وكان شباب قريش يتحدثون إليها فرأت نور النبوّة في وجه عبد الله بن عبد المطلب فقالت‏:‏ يا فتى مَنْ أنتَ فأخبرها‏.‏

فقالت‏:‏ هل لك أن تقع عليَّ وأعطيك مائة من الإبل فنظر إليها وقال‏:‏ أمَّا الحَرَامُ فالمَماتُ دونَه والحِلّ لا حِلّ فَأستَبِينَه فكيف بِالأمر الذي تبغينَهْ يَحْمِي الكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدينَهْ ثمّ مضى إلى امرأته آمنة بنت وهب فكان معها ثمَّ ذكر الخثعميَّة وجمالها وما عرضت عليه فأقبل عليها فلم ير منها من الإقبال عليه آخِرًا كما رآه منْها أوّلًا فقال‏:‏ هل لكِ فيما قُلت لي فقالت‏:‏ قد كان ذلك مرّة فاليوم لا فذهبت مثلًا‏.‏

ثم قالت‏:‏ أيّ شيء صَنعتً بعدي‏.‏

قال‏:‏ وقعت على زوجتي آمنة بنت وهب‏.‏

فقالت‏:‏ إنّي والله لسْتُ بصاحبة ريبة ولكني رأيت نور النبوّة في وجهك فأردتُ أن يكون ذلك فيّ وأبى الله إلَّا إن يجعله حيث جعله‏.‏

وبلغ شباب قريش ما عرضت على عبد الله بن عبد المطلب وتأبيه عليها فذكروا ذلك لها فأنشأت تقول‏:‏ إني رَأيْتُ مَخيلَةً عَرَضَتْ فتلألأتْ بحناتِم القَطْر فَلِمَائِهَا نُورٌ يُضِىءُ لَهُ ما حَوْلَهُ كإضَاءةِ الفَجْر ورَأيْتُهُ شَرَفًا أبُوءُ بِهِ ما كل قادح زيح زنده يوري للَّه ما زُهْرِيّةٌ سَلَبَت ثوبيك ما استلبت وما تدري وقالت أيضًا‏:‏ بني هاشم قد غادرت من أخيكُم أمينة إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباحَ بَعدَ خُبُوّه فتائل قد ميثت له بدهان فأجْمِلْ إذا طالبَتَ أمرًا فإنَّه سيكفيكيه جدان يصطرعان سَيكفيكَهُ إمّا يَدٌ مُقْفَعِلّة وإما يد مبسوطة ببنان وَلما قَضَتْ منه أمينة ماقَضَتْ نَبَا بصري عنه وكَلّ لساني وأما عبد المطلب‏:‏ فاسمه‏:‏ شيبة الحمد سمَيَ بذلك لأنه وُلد وفي رأسه شيبة‏.‏

أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال‏:‏ أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن عساكر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال‏:‏ أخبرنا ابن يونس قال‏:‏ أخبرنا يعقوب بن محمد الزهري قال‏:‏ حدَثنا عبد العزيز بن عمران بن عبد اللّه عن جعفر عن أبي عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال‏:‏ قال أبي عبد المطلب‏:‏ خرجت إلى اليمن في رحلة الشتاء والصيف فنزلتُ على رجل من اليهود يقرأ الزبور‏.‏

فقال‏:‏ يا عبد المطلب ائذن لي فأنظر في بعض جسدك‏.‏

فقلت‏:‏ انظر ما لم يكن عورة‏.‏

فنظر في منخري فقال‏:‏ أجد في أحد منخريك ملكًا وفي الأخرى نبوه فهل لك من شَاعَة قلت‏:‏ وما الشَاعَةُ قال‏:‏ الزوجة‏.‏

قلت‏:‏ أما اليوم فلا‏.‏

قال‏:‏ فإذا قدمتَ مكة فتزوج‏.‏

فقدم فتزوج هالة فولدت له حمزة وصفية وتزوج عبد الله آمنة فولدت له رسول الله صلي الله علية وسلم فكانت قريش تقول‏:‏ فَلَجَ عبد الله على أبيه‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ يقول العرب‏:‏ فلج فلان على خصمه أي‏:‏ فصل عبد المطّلب قال مؤلف الكتاب‏:‏ وإنما قيل له عبد المطّلب لأن هاشمًا خرج إلى الشام في تجارة فمر بالمدينة فرأى سلمى بنت عمر وبعضهم يقول‏:‏ بنت زيد بن عمرو بن لبيد بن حرام بن خداش بن جندب بن عدي بن النجار فأعجبته فخطبها إلى أبيها فأنكحها منه وشرط عليه أن لا تلد ولدا إلَأ في أهلها ثم مضى هاشم لوجهه قَبْل أن يبنيَ بها ثم انصرف راجعًا من الشام فبنى بها في أهلها بيثرب فحملت منه ثم ارتحل إلى مكة وحملها معه فلما أثقلت ردَّها إلى أهلها ومضى إلى الشام فمات بغرة فولدت له عبد المطلب فمكثت بيثرب سبع سنين أو ثماني سنين ثم أن رجلًا من بني الحارث بن عبد مناة مر بيثرب فإذا غلمان ينتضلون فجعل شيبة إذا خَسَقَ قال‏:‏ أنا ابن هاشم أنا ابن سيّد البطحاء‏.‏

فقال له الحارثي‏:‏ مَنْ أنت قال‏:‏ أنا شيبة‏.‏

بن هاشم بن عبد مناف‏.‏

فلما أتى الحارثي مكة قال للمطلب وهو جالس في الحجر‏:‏ أيا أبا الحارث تعلم أنيّ وجدت صبيانًا ينتضلون بيثرب وفيهم غلام إذا خَسَقَ قال‏:‏ أنا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء‏.‏

فقال المطلب‏:‏ واللّه لا أرجع إلى أهلي حتى آتيَ به‏.‏

فقال له الحارثي‏:‏ هذه راحلتي بالفناء فاركبها‏.‏

فجلس المطّلب عليها فورد يثرب عشاء حتى أتى عدي بن النجار فإذا غلمان يضربون كُرة بين ظهريْ المدينة فجلس فعرف ابن أخيه‏.‏

فقال للقوم‏:‏ أهذا ابن هاشم قالوا‏:‏ نعم هذا ابن أخيك فإن كنت تريد أخذه فالساعة قبل أن تعلم به أمه فإنها إن علمت لم تدعك وحلنا بينك وبينه‏.‏

فدعاه فقال‏:‏ يا ابن أخي أنا عَمّك‏.‏

وقد أردتُ الذهاب بك إلى قومك‏.‏

وأناخ راحلته فما كذب أن جلس على عَجز الناقة فانطلق به ولم تعلم أمه حتى كان الليلُ فقامت تدعوه فأخبرت أن عمه ذهب به وقدِم به المطّلب ضحوة والناس في مجالسهم فجعلوا يقولون‏:‏ مَنْ هذا وراءك فيقول‏:‏ عبد لي حتى أدخله منزله على امرأته خديجة بنت سعيد بن سهم فقالت‏:‏ مَنْ هذا قال‏:‏ عبد لي‏.‏

ثم خرج المطّلب حتى أتى الحزورة فاشترى حُلة فألبسها شيبة ثم خرج به حتى كان العَشي أتى مجلس بني عبد مناف فجعل بعد ذلك يطوف في سِكَك مكة في تلك الحُلة‏.‏

فيقال هذا عبد المطلب لقوله‏:‏ هذا عبدي حين سأله قومه فقال المطّلب‏:‏ في ذلك‏:‏ عَرفْتُ شَيْبَةَ والنجارُقد جعلَت أبناؤُهَا حَوْله بالنبْل تَنْتَضِل قال مؤلف الكتاب‏:‏ هذا حديث الواقدي وهشام عن أبَيه‏.‏

وقد رواه علي بن حرب الموصلي عن ابن معن عن محمد بن أبي بكر الأنصاري عن مشايخ الأنصار قالوا‏:‏ تزوَّج هاشم امرأة من بني عديّ بن النجار ذات شرف وكانت تشرط على مَنْ خطبها المقام بدار قومها فولدت له شيبة الحمد فربيَ في أخواله مكرَّمًا‏.‏

فبينا هو يناضل فتيان الأنصار إذ أصاب خصلة قال‏:‏ أنا ابن هاشم‏.‏

وسمعه رجل مجتاز فلما قدم مكة قال لعمه المطَّلب‏:‏ قد مررت بدار بني قيلة فرأيت فتىً من صفته كذا يناضِل فتيانهم فاعتزى إلى أخيك وما ينبغي ترك مثله في الغربة‏.‏

فرحل المطلب حتى ورد المدينة فأراده على الرحلة‏.‏

فقال‏:‏ ذاك إلى الوالدة فلم يزل بها حتى أذِنَتْ له فأقبل به قد أرْدفه فإذا لَقِيَه اللاقي وقال‏:‏ مَنْ هذا يا مطلب‏.‏

قال‏:‏ عبدٌ لي فسمي عبد المطلب فلما قدم مكة وَقَفَه على ملك أبيه وسلمه إليه‏.‏

فصل

وكان إلى عبد المطلب بعد هلاك عمَه المطلب ما كان إلى مَنْ قبله من بني عبد مناف من أمر السقاية والرفادة وشرُفَ في قومه وعَظُم خطره فلم يكن يُعدَل به منهم أحد‏.‏

وكان إذا أهلَ رمضان دخل حراء فبقي فيه طول الشهر وكان يُطعم المساكين ويُعظم الظلم وُيكثر الطواف بالبيت‏.‏

فصل

قيل له في منامه‏:‏ احفر زمزم وعبد المطلب هو الذي اتِيَ في منامه فقيل له‏:‏ احفر زمزم قال‏:‏ وما زمزم‏.‏

قيل‏:‏ لا تُنْزَحُ ولا تُذَمّ تَسْقي الحَجِيجَ الأعْظَم وهي بين الفَرْث والدم عن نُقْرة الغراب الأعْصم أوهي شرب لكَ ولولدك وكان غراب أعْصم لا يبرح عند الذبائح مكان الفرْث والدم فحفرها ثلاثة أيام فبدا له الطويّ فكبَّر وقال‏:‏ هذا طوي إسماعيل‏.‏

فقالت له قريش‏:‏ أشْرِكنْا فيه فقال‏:‏ ما أنا بفاعل هذا شيء خُصِصْتُ به دونكم فاجعلوا بيني وبيْنَكم مَنْ شئْتُم أحاكمْكم إليه قالوا‏:‏ كاهنة بني سعد‏.‏

فخرجوا إليها فعطشوا في الطريق حتى أيقنوا بالموت فقال عبد المطلب‏:‏ والله إنّ إلقاءنا هكذا بأيدينا لعجز ألا نضرب في الأرض فعسى اللّه أن يرزقنا ماء‏.‏

وقام إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجر من تحت خُفها عين ماء عَذْبٍ فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه وشربوا‏.‏

وقالوا‏:‏ قد قَضَى لك الذي سقاك فو الله لا نخاصمك فيها أبدًا‏.‏

فرجعوا وخلوا بينه وبين زمزم‏.‏

وكان عبد المطلب قد وجد في زمزم غزالين من ذهب كانت جرهم دفنتهما فيه حين أخرجت من مكة وأسيافًا و أدرعًا فجعل الأسياف بابًا للكعبة وضرب الغزالين صفائح في الباب فكان أول ذهب حليتها الكعبة‏.‏

وقد روى ابن حبيب في حديث الغزالين شيئًا آخر قال‏:‏ كان معين بن عبد القيس مالقًا لشباب قريش يسقون عندى ويشربون وكان عيادة فتاك قريش وحلفاؤهم منهم‏:‏ أبو لهب والحكم بن أبي العاص والحارث بن عامر بن نوفل وغيرهم وأقبلت عير من الشام تحمل خمرأ فقال لهم أبو لهب‏:‏ ويلكم أما عندكم نفقة‏.‏

قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فعليكم بغزال الكعبة فإنما هو غزال أبي وكان عبد المطلب استخرجه من زمزم ووجد بها سيوفًا والغزال فحمله للكعبة‏.‏

فانطلقوا بالليل فحمل أبو مسافع والحارث بن عامر على ظهورهما حتى ألقياه على الكعبة فضرب الغزال فوقع فتناوله أبو لهب ثم أقبلوا به فكسروه فأخفوا الذهب وعينيه وكانت من ياقوت وطرحوا طوقه وكان على خشب في منزل شيخ من بني عامر فأخذ أبو لهب العنق والرأس والقرنين وانطلق فلم تقربهم وذهبوا فاشتروا كل خمر كان معهم وأعطوا الشنف والقرط القسيس فافتقدت قريش الغزال فتكلموا فيه وجد في لبرة عبد الله بن جدعان فمر العباس وهو شاب بدُوْرِ بني سهم وهم يغنون ويقولون‏:‏ إِن الغزال الذي كلتم وحليته يعنونه بخطوب الدهر والعثر طافت به عصبة من سر قوهم أهل العلا و الندا والبيت ذي السُتر فأخبِرَ أبو طالب فجاءوا ابن جدعان وغيرهم فسمعوا الغناء وأقبلوا من الغد ووجدوا العينين‏:‏ إحداهما مقرط قرط الغزال والآخرى مشنفة بالمنفد فهرب الحارث بن عامر وقطعت يد الرجل وصولح القوم على خمسين ناقة ففدوا بها الكعبة‏.‏

فصل

وكانت كنْية عبد المطلب‏:‏ أبا الحارث كُني بذلك لأن الأكبر من ولده الذكور كان اسمه الحارث‏.‏

قال‏:‏ هشام بن محمد بن السائب‏:‏ ولد لعبد المطلب عشرة بنين منهم‏:‏ عبد اللهّ أبو نبينا صلي الله علية وسلم وأبو طالب والزبير‏:‏ أمهم فاطمة بنت عمرو مخزومية والعباس وضرار‏:‏ إمهما نتيلة النمرية و حمزة و المقوم‏:‏ أمهما‏:‏ هالة بنت و هب و أبو لهب أمه‏:‏ لبنى خزاعية والحارث‏:‏ أمه صفية من بني عامر بن صعصعة و الغيداق‏:‏ أمه من خزاعة‏.‏

وأما هاشم فاسمه عمرو‏.‏

وإنما قيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه وأطعمه‏.‏

فقال ابن الزًبَعْرى فيه‏:‏ عمرُو العُلا هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمهِ ورِجالُ مَكةَ مُسْنتَموُنَ عِجَافُ ذلك أن قومه من قريش أصابهم قحْط فرحل إلى فلسطين فاشترى الدقيقَ فقدم به مكَة فأمر به فخبز له ثم نحر جَزُورًا ثم اتخذ لقومه مِنْ مرقه ثريدأ لذلك الخبز‏.‏

‏.‏

وهو أولُ مَنْ سنَ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف‏.‏

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن الحرثة قالت‏:‏ أخبرنا علي بن الحسن بن الفضل قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن خالد قال‏:‏ أخبرنا ابن المغيرة الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال‏:‏ حدَثنا الزبير ابن بكار قال‏:‏ حدًثني محمد بن يحيى قال حدَّثني عمران بن عبد العزيز قال‏:‏ كانت قريش في الجاهلية تعتقد وكان اعتقادها أن أهل البيت منهم كانوا إذا هلكت أموالهم خرجوا إلى برازٍ من الأرض فضربوا على أنفسهم الأخبية ثم تناوموا فيها حتى يموتوا من قبل أن يعلم بحالتهم حتى نشأ هاشم بن عبد مناف فلما عظم قدره قال‏:‏ يا معشر قريش إن العز مع كثرة العدد وقد أصبحتم أكثر العرب أموالَاَ وأعزها نفرًا وإن هذا الاعتقاد قد أتى على كثير منكم وقد رأيت رأيًا‏.‏

قالوا‏:‏ رأيك رشد فمُرْنا نأتمر‏.‏

قال‏:‏ رأيت أن أخلط فقراءكم بأغنيائكم وأعمد إلى رجل غني فأضم إليه فقيرًا أجمع عيالهُ بعدد عياله وأذره في الرحلتين فما كان من مال الغني من فضل عاش الفقير وعياله في ظله وكان ذلك قاطعًا للأحقاد قالوا‏:‏ نعم ما رأيت‏.‏

فألف بين الناس فلما بعث الله تعالى رسوله عليه السلام كان فيما أنزل عليه ‏{‏ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل‏}‏ ثم نزلت‏:‏ ‏{‏لإيلاف قريش‏}‏ أي‏:‏ لتراحمهم وتواصلهم وإن كانوا على شرك‏.‏

فصل

وكان هاشم وعبد شمس أكبر ولد عبد مناف وقيل‏:‏ ولدا توأمين وإن أحدهما ولد قبل صاحبه وأصبح أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحِّيت عنها فسال من ذلك دم فتُطِير من ذلك‏.‏

فقيل‏:‏ يكون بينهما دم‏.‏

وأخوهما المطلب نوفل وأمه واقدة فسادوا كلهم بعد أبيهم عبد مناف وكان يقال لهم‏:‏ المجبرون فلهم يقول القائل‏:‏ يا أيها الرجُلُ المُحوِّلُ رَحْلَه أي نزلْتَ بآلِ عَبْدِ مَنافِ وكان أوَل منْ أخذ لقريش العِصَم فانتشروا من الحرم أخذ لهم هاشم حبلًا من ملوك الشام والروم وغسان وأخذ لهم عبد شمس من النجاشيّ الأكبر فاختلفوا بذلك السبب إلى أرض الحبشة وأخذ لهم نوفل حبلًا من الأكاسرة فاختلفوا بذلك السبب إلى العراق وأرض الشام وأخذ لهم المطلب حبلًا من ملوك حمير فاختلفوا بذلك السبب إلى اليمن فجبر الله لهم قريش فسمُّوا المجبّرين‏.‏

فصل وولي هاشم بعد أبيه عبد مناف السِّقاية والرفادة وأطعم الناس فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان ذا مال فتكلف أن يصنع صَنيع هاشم فعجز عنه فشمت به ناس من قريش فغضب ونال من هاشم فدعاه إلى المنافرة فكره هاشم ذلك فلم تدعه قريش واحفظوه قال‏:‏ فإني أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق تنحرها ببطن مكة والجلاء عن مكة عشر سنين‏.‏

فرضيَ بذلك أمية وجعلا بينهما الكاهِن الخزاعيّ فنفًرَ هاشمًا عليه فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها مَنْ حَضَرهُ وخرج أميَّة إلى الشام فأقام بها عشر سنين فكاتَ هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية‏.‏

أنبأنا يحيى بن الحسن البنا‏.‏

قال‏:‏ أخبرنا ابن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدَثني عمر بن أبي بكر الموصلي قال‏:‏ حدَّثني يزيد بن عبد الملك بن المغيرة عن نوفل عن أبيه قال‏:‏ اصطلحت قريش على أن يولى هاشم بن عبد مناف السّقاية والرَفادة وذلك أن عبد شمس كان يسافر قبل ما يقيم بمكة وكان رجلًا مقلأ وكان هاشم رجلًا موسرًا وكان إذا حضر الحج قام في قريش وقال‏:‏ يا معشر قريش إنكم جيران للهّ وأهل بيته وإنه يأتيكم في هذا الموسم نفار اللّه يعظمون حُرمة بيته وهم ضيف اللهّ وأحق الضيف بالكرامة ضيفه وقد خصكم اللهّ بذلك وأكرمكم به فأكرموا ضيفه فإنهم يأتون شعثًا غبرًا من كل بلد وقد أوجفوا وثقلوا وأرملوا فاقروهم وأعينوهم فكانت قريش ترافد على ذلك حتى إن كان أهل البيت ليرسلون بالشيء اليسير على قدرهم وكان هاشم يخرج كل سنة مالًا كثيرًا فكان يأمر بحياض من أدم فيجعل في موضع زمزم قبل أن تحفر ثم يستقي فيها من الآبار التي بمكة فيشرب الحاج وكان يطعمهم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وبعرَفة وكان يثرد لهم الخبز والشحم والسمن والسويق والتمر ويحمل لهم الماء وكان هاشم أول مَنْ سَنَ الرحلتين‏:‏ رحلة إلى أرض الحبشة إلى النجاشي ورحلة إلى أرض الشام وربما دخل على قيصر فيكرمه فمات بغزة‏.‏

قال الزبير وحدثني محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن عثمان بن عبد الرحمن قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ واللهّ لقد علمت قريش أن أول مَنْ أخذ لها الإيلاف وأجاز لها العيرات هاشم والله ما نبذت قريش خيلًا ولا أناخت بعيرًا بحضرٍ إلا لهاشم والله إن أول مَنْ سقى بمكة ماء عذبَاَ وجعل باب الكعبة ذهبًا لعبد المطلب‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو الطيب الطبري قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن محمد جعفر الأزدى قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال‏:‏ حدَّثني محمد بن الحسين قال‏:‏ أخبرنا سليمان بن حرب قال‏:‏ أخبرنا أبو هلال الراسبي عن حميد بن هلال قال‏:‏ تفاخر رجلان من قريش رجل من بني هاشم ورجل من بني أمية فقال هذا‏:‏ قومي أسخى من قومك‏.‏

وقال هذا‏:‏ قومي أسخى من قومك‏.‏

فقال‏:‏ سل في قومك حتى أسأل في قومي‏.‏

فافترقا على ذلك فسأل الأموي عشرة من قومه فأعطوه مائة ألف كل واحد منهم عشرة آلاف‏.‏

قال‏:‏ وجاء الهاشمي إلى عبد الله بن عباس فأعطاه مائة ألف ثم أتى الحسن بن علي فسأله‏:‏ هل أتيت أحدًا قبلي نعم عبد الله بن العباس فأعطاني مائة ألف‏.‏

قال‏:‏ فأعطاه الحسن مائة ألف وثلاثين ألفًا ثم أتى الحسين فسأله فقال‏:‏ هل أتيت أحدًا قبلي قبل أن تأتيني قال‏:‏ نعم أخاك الحسن فأعطانىِ مائة ألف وثلاثين ألفًا قال‏:‏ لو أتيتني قبل أن تأتي أخي أعطيتك أكثر من ذلك ولكن لا أزيد على سيدي قال‏:‏ فأعطاه مائة ألف وثلاثين ألفًا‏.‏

قال‏:‏ فجاء الأموي بمائة ألف من عشرة‏.‏

وجاء الهاشمي بثلثمائة ألف وستين ألف من ثلاثة‏.‏

فقال الأموي‏:‏ سألت عشرة من قومي فأعطوني مائة ألف‏.‏

وقال الهاشمي‏:‏ سألت ثلاثة من قومي فأعطوني ثلاثمائة ألف وستين ألفًا‏.‏

قال‏:‏ فعجز الهاشمي على الأموي فرجع الأموي إلى قومه فأخبرهم الخبر وردّ عليهم المال فقبلوه ورجع الهاشمي إلى قومه فأخبرهم الخبر ورد عليهم المال فأبوا أن يقبلوه وقالوا‏:‏ لم نكن لنأخذ شيئًا قد أعطيناه‏.‏

‏.‏

وقد روى هشام عن أشياخ له‏:‏ أن عبد المطلب بن هاشم وَحَرْبَ بن أميّة رحلا إلى النجاشي الحبشي فأبى أن ينفر بينهما فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رباح فقال لحرب‏:‏ يا أبا عمرو أتنافر رجلًا هو أطول منك قامة وأعظم منك هامة وأوسم منك وسامة وأكثر منك ولدًا فنفره عليه فقال له حرب‏:‏ إن من انتكاث الزمان أن جعلنك حكمًا‏.‏

وكان أوًل مَنْ مات من ولد عبد مناف ابنه هاشم مات بغزّة من أرض الشام ثم مات عبد شمس بمكة فقُبر بأجياد ثم مات نوفل بالسَلْمان من طريق العراق ثم مات المطّلب بردْمان من فصل أبطن قريش قال هشام بن محمد السائب الكلبي انتهى الشرف من قريش في الجاهلية ووصل في الإسلام إلى عشرة رهط من عشرة أبطن وهم‏:‏ هاشم وأمية ونوفل وعبد الدار وأسد وتيم ومخزوم وعدي وجمح وسهم‏.‏

وكان من بنىِ هاشم العباس بن عبد المطلب يسقي الحجيج في الجاهلية وبقي ذلك له في الإسلام وكانت له العمادة وهي أن لا يتكلم أحد في المسجد الحرام برفث ولا هجر ولا يُرفع صوت كان العباس رضي الله عنه ينهاهم عن ذلك‏.‏

ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب‏.‏

كانت عنده العقاب راية قريش وإذا كانت عند رجل أخرجها إذا حميت الحرب فإن اجتمعت قريش على أحد أعطوه العقاب وإن لم يجتمعوا على أحدٍ رأسوا صاحبها وقدموه‏.‏

ومن بني نوفل الحارث بن عامر وكانت إليه الرفادة وهي مال كانت تخرجه من أموالها وترفد به منقطعي الحاج‏.‏

ومن بني عبد الدار عثمان بن طلحة كان إليه اللواء والسدانة مع الحجابة ويقال والندوة في بني عبد الدار‏.‏

ومن بني أسد يزيد بن ربيعة بن الأسود وكانت إليه المشورة وذلك أن رؤساء قريش لم يكونوا يجتمعون على أمرٍ حتى يعرضوه عليه فإن وافقه والاهم عليه وإلًا تخير فكانوا أعوانأ واستشهد مع رسول الله صلى الله علية وسلم بالطائف‏.‏

ومن بني تيم‏:‏ أبو بكر الصديق رضي الله عنه كانت إليه في الجاهلية الإساف وهي الديات والمغرم وكان إذا احتمل شيئأ يسأل فيه قريش سدنة وإحماله من ينظر فيه وإن أحمله غيره خذلوه‏.‏

ومن بني مخزوم‏:‏ خالد بن الوليد كانت إليه القبة والأعنة فأما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش وأما الأعنة فإنه كان يكون على خيل قريش في الحرب‏.‏

ومن بني عدي‏:‏ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت إليه السفارة في الجاهلية وذلك إذا وقعت بين قريش وغيرهم حرب بعثوه سفيرًا أو إن نافرهم حي المفاخرة بعثوه مفاخرًا ورضوا به‏.‏

ومن بني جمح‏:‏ صفوان بن أمية وكانت إليه الأيسار وهي الأزلام كان هو الذي يجري ذلك على يديه‏.‏

ومن بني سهم‏:‏ الحارث بن قيس وكانت إليه الحكومة والأموال التي يسمونها لآلهتهم إليه‏.‏

فهذه مكارم قريش التي كانت في الجاهلية وهي السقاية أو العمادة والعقاب والرفادة والحجابة والندوة واللواء والمشورة والإساف والقبة والأعنة والأيسار والحكومة والأموال المحجرة للآلهة وكانت إلى هؤلاء العشرة من البطون العشرة وجاء الإسلام فوصل ما يصلح وصله وكذلك كل شرف من شرف الجاهلية المحركه الإسلام فوصله وكانوا إذأ كانت حرب اقترعوا بين أهل الرئاسة فمن خرجت القرعة عليه أحضروه صغيرًا كان أو كبيرًا فلما كان يوم الفجار اقترعوا وأما عبد مناف‏:‏ فاسمه المغيرة وكان يقال له‏:‏ القمر من جماله وحسنه وكان قُصي فيما زعموا يقول‏:‏ ولد لي أربعة فسميت اثنين بصنميِّ وواحدًا بداري وواحدًا بنفسي وهم‏:‏ عبد مناف وعبد العُزى وعبد الدار وعبد قصي أمهم جميعًا‏:‏ حُبَّى بنتَ حُليَل بن حُبْشِية الخزاعي‏.‏

ودفعت ولدها عبد مناف إلى مناف وكان أعظم أصنام مكة تديُّنًا بذلك فغلب عليه عبد مناف وله قيل‏:‏ كانَتْ قُرَيش بَيْضَةً فتلفَقَتْ فالمحُّ خالِصَةٌ لِعَبْد ِمَنَافِ وكانت الرياسة في بني عبد مناف والحجابة في بني عبد الدار فأراد بنو عبد مناف أن يأخذوا ما بيدي بني عبد الدار فحالف بنو عبد الدار بني سهم وقالوا لهم‏:‏ امنعونا من بني عبد مناف فلما رأت ذلك أم حكيم بنت عبد المطلب عمدت إلى جفنة فملأتها خلوقًا ثمّ وضعتها في الحجرة وقالت‏:‏ مَنْ تطيب بهذا فهو مِنا‏.‏

فتطيب به بنو عبد مناف وأسد وزهرة وبنو تيم فسمُوا المطيبين‏.‏

فلما سمعت بذلك بنو سهم نحروا جزورًا وقالوا‏:‏ مَنْ أدخل يده في دمها فهو منها‏.‏

فأدخلتَ أيديها‏:‏ بنو عبد الدار وبنو سهم وجمح وعدي ومخزوم فلفا فعلوا ذلك وقع الشر وسمُوا أحلافاَ‏.‏

وكان عمر بن الخطاب من الأحلاف فلما قتل صاحب الصابحة واشتد الاختلاف فقال ابن عباس‏:‏ ويحك والمختلف عليهم‏.‏

همام له أسماء صدق ثلاثة قصي وزيد ذوا لنهدى ومجمع فأما اسمه الأصلي فزيد وإنما قيل له‏:‏ قصي لأن أباه كلاب بن مرة وكان قد تزوج أم قصيّ‏:‏ فاطمة بنت سعدِ فولدت لكلاب‏:‏ زُهرة وزيدًا فهلك كلاب وزيد صغير وقد شب زهرة وكبر فقدم ربيعة بن حران بن ضِنة فتزوج فاطمة أم زهرة وقصي وزهرة رجل قد بلغ وقصي فطيم أو قريب من ذلك فاحتملها إلى بلاده من أرض بني عذره من أشراف الشام فاحتملت معها قُصيًا لصغره وتخلّف زُهرة في قومه فلم يبرح من مكة فسمي زيد‏:‏ قُصيًا لبُعد داره عن دار قومه فبينا قُصي بأرض قُضاعة لا ينتمي إلا إلى ربيعة بن حرام وقع بينه وبين رجل أمن قضاعة شيء‏.‏

فقال له ألا تلحق بقومك فإنك لستَ منًا فرجع قصي إلى أنه فسألها عَمّا قال له ذلك الرجل‏.‏

فقالت له‏:‏ أنت والله أكرم منه نفسًا ووالدًا أنت ابن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب وقومك بمكة عند البيت الحرام وحوله‏.‏

فأجمع قًصيّ الخروج إلى قومه واللحوق بهم وكره الغربة فقالت له أمه‏:‏ لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام فتخرج في حاج العرب فإني أخشى عليك أن يُصيبك بعض البأس فأقام حتى دخل الشهر الحرام فخرج في حاج العرب من قضاعة فقدم مكة فلما فرَغ من الحج أقام بها فخطب إلى حُلَيْل بن حُبْشة الخزاعي ابنته حُبَّى فزَوجه وكان خليل يلي أمر مكة فولدت له‏:‏ عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد قصي فلما انتشر ولده وكثر ماله وعظم شرفه هَلَكَ حُلَيْل أبن حُبْشِية فرأى قصي أنه أوْلَى بالكعبة وأمر مكة من خُزاعة وبني بكر وأن قريشًا صريح ولد إسماعيل بن إبراهيم فكلَّم رجالًا من قريش وبني كنانة ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة فلما قبلوا منه دعاهم إليه وبايعوه على ذلك كتب إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة وهو ببلاد قومه يدعوه إلى نصرته والقيام معه فقام رزاح في قُضاعة فدعاهم إلى نصر أخيه فأجابوه‏.‏

وبعض الرواة يقول‏:‏ إن حليَلاَ لما ثقل جعل ولاية البيت إلى ابنته حبى فقالت‏:‏ إني لا أقدر على فتح الباب وإغلاقه‏.‏

قال‏:‏ فإني أجعل الفتح والإغلاق إلى رجل‏.‏

فجعله إلى أبي غُبْشان وهو سليم بن عمرو فاشترى في ولاية البيت منه بزِقّ خمر وبعوْد‏.‏

وقيل‏:‏ بل بزق وكبش‏.‏

فقال الناس‏:‏ أخسر من صفقة أبي غُبْشان فذهبت مثلًا قال الشاعر‏:‏ أبو غُبشان أظلم من قصي وأظلم من بني فهر خزاعة فلا تلحوا قصيا ًفي شراة ولوموا شيخكم إن كان باعه ثم إن قُضيًا قاتل خزاعة فجلت عن مكة فولي قصي البيت وأمر مكة والحكم بها وجمع قبائل قريش فأنزلهم أبطح مكة وكان بعضهم في الشعاب ورؤوس جبال مكة فقسم منازلهم بينهم وزيد أبوكُم كان يُدْعَى مُجمَعًا بهِ جَمَع اللَّهُ القَبَائِلَ مِن فِهْرِ وبعضهم يقول‏:‏ إن حليل بن حبشيّة أوصى قصيًا حين انتشر له من ابنته الأولاد وقال‏:‏ أنت أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة‏.‏

فلذلك كان طلب قصي ما طلب‏.‏

وكانت صوفة تدفع بالناس من عرفة وإذا أرادوا النَّفْر من منىً أخذت صوفة بناحيتي العقبة فحبسوا الناس وقالوا‏:‏ أجيزي صوفة‏.‏

فلم يُجْزْ أحد من الناس حتى ينفذوا فإذا مضت صوفة خلى سبيل الناس بعدهم والعرب قد عرفت هذا لصوفة من عهد جرهم وخزاعة‏.‏

فلما كان العام أتى قصي بمَنْ معه من قريش وكنانة وقُضاعة عِند العَقَبة وقالوا‏:‏ نحن أولى بهذا منكم‏.‏

فباكرهم فقاتلوه واقتتل الناس وانهزمت صوفة وغلبهم قُصيّ على ذلك‏.‏

وانحازت خُزاعة وبنو بكر عن قصي وعرفوا أنه سيمنعهم مثل ما منع صوفة وأنه سيحُول بينهم وبين الكعبة وأمرْ مكة فلما انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم فالتقوا فاقتتلوا حتى كَثُرت القتلى في الفريقين ثم انهم تداعوا للصلح فحكَّموا عمرو بن عوف الكناني فقضى بأن قُصيًّا أولى بالكعبة وأمْر مكة من خزاعة وأن كلّ دم أصابه قُصَيُّ من خُزاعة وبني بكر موضوع وما أصابته خزاعة وبنو بكر من قريش وبني كنانة وقُضاعة ففيه الدّية فوَلِي قُصي البيت وأمرَ مكة وجمع قومه من منازلهم إلى مكة وتملّك على قومه وأهل مكة فملّكوه فكان قُصيّ أوّل ولد كعب بن لؤي أصاب ملكًا أطاع له به قومه فكانت إليه الحجابة والسقاية والرًفادة والندوهَ واللواء‏.‏

فحاز شرف مكة كلّه وقطع مكة أرباعًا بين قومه فأنزل كلّ قوم من قريش منازلهم من مكِّة التي أصبحوا عليها‏.‏

ويزعم الناس أن قريشًا هابت قطع شجر الحرم في منازلهم فقطعها قُصيّ بيده وما كانت تُنكح امرأة ولا رجل من قريش إلا في دار قصي ولا يتشاورون في أمر نزل بهم إلا من داره ولا يعقدون لواء لحرب قوم إلًا في داره يعقدها لهم بعض ولده وكان أمره في قومه من قريش في حياته وبعد موته كالدين المتَّبع لا يعمل بغيره تيمنًا بأمره ومعرفة بفضله وشرفه واتخذ قصي لنفسه دار الندوهَ وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ففيها كانت قريش تقضي أمورها‏.‏

وسميت دار الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها أي‏:‏ يجتمعون للخير والشر والندى‏:‏ مجمع القوم‏.‏

فأقام قصي على شرفه لا ينازع في شيء من أمر مكة إلا أنه قد أقر للعرب في شأن حَجّهم ما كانوا عليه وللنَّسأه من بني مالك بن كنانة إلى أن جاء الإسلام وهو أوّل من أوقد النار بالمزدلفة حيث وقف بها حتى يراها من دفع عرفه فلم تزل توقد في تلك الليلة في الجاهلية ولم تزل توقد على عهد رسول الله صلي الله علية وسلم وأبي بكر وعمر‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وهي توقد إلى اليوم‏.‏

قالوا‏:‏ فلما جمع قريشًا إلى الحرم سميت حينئذ لجمعه إياهم وكان يقال لهم قبل ذلك بنو النضر أنبأنا أبو عبد الله البارع قال‏:‏ أخبرنا ابن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان الطوسي قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن المنذر عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل بن عوف بن الحارث‏:‏ أن قريشًا شكوا إلى قصي كثرة الشجر وأنهم لا يستطيعون أن يبنوا منه واستأذنوه في قطعه فنهاهم وقال‏:‏ قد رأيتم مَنْ استخف بأمر الحرم كيف صار أمره فكانوا يبنون دورهم والشجر فيها وكذلك كانوا يحرمون الصيد في الحرم‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد ذكرنا أنه قطع الشجر بيده‏.‏

فصل عبد الدار

ولد قُصي فلما كبر قُصي ورَقّ عظمه ولد كان عبد الدار بِكْره أكبر ولده وكان أضعف ولده فقال له‏:‏ والله لألحقنك بالقوم وإن كانوا قد شَرفُوا عليك لا يدخل أحد من الكعبة حتى تكون أنت تفتحها ولا يعقد لقريش لواء الحرب إلا أنت بيدك ولا يشرب رجل بمكة ماء إلا من سقايتك ولا تقطع قريش أمرًا إلا في دارك‏.‏

فأعطاه دار الندوة التي لا تقضي قريش أمرًا إلا فيها وأعطاه الحجابة واللواء والسًقاية والرفادة وكانت الرِّفادة خرجًا تخرجه قريش فتطعم الحاج على ما سبق ذكره‏.‏

ومات قصي فدُفن بالحجون فتدافن الناس بعده بالحجون‏.‏

وقال الشرقي بن قطامي لأصحابه يومًا‏:‏ مَنْ منكم يعرف علي بن عبد مناف بن شيبة بن عمرو بن المغيرة بن زيد قالوا‏:‏ ما نعرفه‏.‏

قال‏:‏ هو علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه اسم أبى طالب‏:‏ عبد مناف وعبد المطلب‏:‏ شيبة وهاشم‏:‏ عمرو وعبد مناف‏:‏ المغيرة وقصي‏:‏ زيد‏.‏

وأما كلاب‏:‏ فأمه‏:‏ هند بنت سرير بن ثعلبة وله أخوان من أبيه وهما‏:‏ تَيْم ويقَظَة‏:‏ أمهما فيما قال ابن هشام بن الكلبي أسماء بنت عديَ بن حارثة‏.‏

وفي قول ابن إسحاق‏:‏ هند بنت حارثة البارقية‏.‏

قال‏:‏ ويقال‏:‏ يَقَظَةْ لهند بنت سرير أم كلاب‏.‏

وأما مرة‏:‏ فأمه وَحْشية بنت شيبان بن محارب بن فهر وأخواه لأبيه وأمه‏:‏ عدي وهُصَيْص‏.‏

وأما كعب‏:‏ فأمه ماوية بنت كعب بن القين وله أخوان من أبيه وأمه‏:‏ عامر وسامة وله أخوان من أبيه‏:‏ خزيمة وسعد‏.‏

أنبأنا يحيى بن الحسين بن الغيا قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان الطوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم قال‏:‏‏.‏

كان أول من سمى يوم الجمعة كعب بن لؤي وكان يوم الجمعة يسمى عروبة فسماه يوم الجمعة لاجتماع قريش فيه إلى كعب بن لؤي وخطبته‏.‏

قال إبراهيم فحدثني عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال‏:‏ أول مَنْ قال‏:‏ أما بعد كعب بن لؤي‏.‏

قال الزبير‏:‏ كان يقول‏:‏ أما بعد فاسمعوا وتعلموا وافهموا واعلموا ليل ساج ونهار ضاح والأرض عماد والسماء بناء والجبال أوتاد والنجوم أعلام وليلي يلي ما يهيج فصِلُوا أرحامكم والدار أمامكم والظن غير ما تقولون حرمَكُم زينوه وعظموه وتمسكوا به فسيأتي له بناء عظيم وسيخرج به نبيِّ كريم لو كنت ذا سمع وبصرٍ ورجل تنصيت له تنصتَ الفحل وأرقلت له أرقال الجمل فرحًا بدعوته جذلَاَ بصرخته‏.‏

وأما لؤي‏:‏ فأمه‏:‏ عاتكة بنت يَخْلُد بن النضر بن كنانة وهي أول العواتك اللائي ولدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن قريش وله أخوان من أبيه وأمه‏:‏ تَيْم وقيس‏.‏

وأما غالب‏:‏ فأمه‏:‏ ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة وإخوانه من أبيه وأمه‏:‏ الحارث ومحارب وأسد وعوف وجَوْن وذئب‏.‏

وأما فهر‏:‏ فأمه جَندَلة بنت عامر بن الحارث بن مُضاض الجرهميّ كذلك قال هشام‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ جندلة بنت الحارث وقال أبو عبيدة‏:‏ إنها هي سلمى بنت أد بن طابخة‏.‏

وقال علماء النسب‏:‏ وإلى فهر جماع قريش لأنه من لم يكن من ولد فهو لا يُدعى قرشيًا وقيل‏:‏ بل اسم فهر قريش‏.‏

أنبأنا يحيى بن الحسين بن البنا قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي عن جدي عبد الله بن مصعب أنه سمعه يقول‏:‏ اسم فهر قريش وإنما فهر لقب‏.‏

قال الزبير وحدثني الموصلي قال‏:‏ قال عثمان بن أبي سليمان‏:‏ اسم فهر قريش‏.‏

قال الموصلي‏:‏ وقال أبو عبيدة بن عبد الله‏:‏ كذلك قال الزبير‏.‏

وحدثني إبراهيم بن المنذر قال‏:‏ حدثنا أبو البختري وهب بن وهب قال‏:‏ حدثني ابن أخي ابن شهاب عن عمه‏:‏ أن اسم فهر الذي سمته أمه قريش وإنما نبزته فهرًا‏.‏

قال‏:‏ وقد اجتمع نساب قريش وغيرهم أن قريشًا إنما تفرقت عن فهر‏.‏

فصل وكان فهر في زمانه رئيس الناس بمكة وكان قد أقبل من اليمن حسان بن عبد كلال الحميري يريد أن ينقل أحجار الكعبة من مكة إلى اليمن ليجعل الناس عنده فنزل بنخلة فأغار على سَرْح الناس فخرجت إليه قريش وقبائل كنانة وخزيمة وأسد وجذام ورئيسهم يومئذ هو فهرم بن مالك‏.‏

فاقتتلوا قتالا شديدآ فهزمت حمير وأسر حسان أسره الحارث بن فهر فأقام في الأسر بمكة ثلاث سنين حتى افتدى نفسه وأما مالك‏:‏ فقال هشام‏:‏ أمه عِكْرِشَة بنت عَدْوان‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ عاتكة بنت عَدْوان‏.‏

وِقيل‏:‏ إن عِكْرِشَة لقب عاتكة‏.‏

وكان له أخوان يقال لأحَدِهما‏:‏ يخلُد والآخر‏:‏ الصلت‏.‏

وأما النضْر‏:‏ فاسمه‏:‏ قيس وأمه‏:‏ بَرًة بنت مًر بن أد بن طابخة‏.‏

فصل تسمية قريش قريشًا

واختلف العلماء في تسمية قريش قريشًا على ستة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ أنها سميت بذلك بدابة تكون في البحر تأكل دواب البحر تدعى القرش فشبه بنو النضر بن كنانة بها لأنها أعظم دواب البحر قوة وأنشدوا‏:‏ وقريش هي التي تسكن البحر بها سُميت قريش قريشًا أنبأنا يحيى بن الحسن بن البنا قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن المنذر ومحمد بن الحسن قالا‏:‏ أخبرنا علي بن جعفر بن محمد قال‏:‏ حدثني أبو سعيد المحكي عن مَنْ حدَثه‏:‏ أن عبد اللهّ بن عباس دخل على معونة وعنده عمرو بن العاص فقال له عمرو‏:‏ إن قريشاَ تزعم أنك أعلمها فبم سميت قريش قريشًا‏.‏

قال‏:‏ بأمرين‏.‏

قال‏:‏ فأبن لنا وهل قال أحد فيه شعرًا‏.‏

قال‏:‏ نعم سميت قريش بدابة في البحر تسمى قريشًا وقد قال المشمرخ بن عمرو الحميري‏:‏ وقريش هي التي تسكن البح ر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تت رك فيه لدى جناحين ريشا هكذا في البلاد حي قريش يأكلون أكلًا حشيشا ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والحموشا تملأ الأرض خيله ورجال ينحرون المطي سيرأ قميشًا والثاني‏:‏ أنها سُمَيت بذلك لأجل فهر وقد ذكرنا أن اسمه قريش فنسبت إليه إذ ليس من ولده من لا يسمى قريشًا‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وهذا اختيار الزبير بن بكار‏.‏

والثالث‏:‏ أنها سُمًيت بذلك لأن النضر كان يسمى قريشًا‏.‏

أنبأنا يحيى بن الحسن بن البنا قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان الطوسي قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ قال محمد بن الحسن عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن محمد الشعبي قال‏:‏ النضر بن كنانه هو قريش وإنما سُمي قريشآ لأنه كان يقرش عن خلة الناس وحاجاتهم فيسد ذلك لماله‏.‏

والتقريش‏:‏ هو التفتيش وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن الحاجة فيزودونهم بما يبلغهم فسمًوا بذلك من فعلهم‏:‏ قريشًا‏.‏

وقد قال الحارث بن حلزة في بيان القرش‏:‏ إنه التفتيش حيث يقول‏:‏ أيها الناطق المقرش عنا عند عمرو فهل لنا إبقاء قال الزبير‏:‏ وحدثني أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة معمر بن مثنى قال‏:‏ منتهى مَنْ وقع عليه اسم قريش‏:‏ النضر بن كنانة فولده قريش دون سائر بني كنانة فأما من ولد كنانة سوى النضر فلا يقال لهم قريش‏.‏

والرابع‏:‏ أنها سُميت بذلك بقريش بن بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة‏.‏

وقيل‏:‏ هو قريش بن الحارث بن يخلد‏.‏

وكان قريش هذا دليل بني النضر في أسفارهم وكان له ابن يُسمى بدرًا احتفر بئر بدر‏.‏

والخامس‏:‏ أن النضر خرج يومًا على نادي قومه فقال بعضهم لبعض‏:‏ انظروا إلى النضر كأنه حمل قريش‏.‏

ذكره ابن جرير‏.‏

والسادس‏:‏ أنه من الجمع وذلك أن قُصيآ جمع بني النضر في الحرم من تفرقهم فذلك المتجمع هو التقرش‏.‏

قاله محمد بن جبير بن مطعم‏.‏

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن‏:‏ لما نزل قُصيّ الحرم فعل أفعالًا جميلة فقيل له‏:‏ القرشي فهو أول من سُمّي به‏.‏

وأنبأنا يحيى بن الحسن الفقيه قال‏:‏ أخبرنا ابن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان قال‏:‏ أخبرنا الزبير قال‏:‏ حدثني أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال‏:‏ فإنما سمي بنو النضر قريشًا لتجمعهم لأن التقرش هو التجمع‏.‏

قال الزبير‏:‏ ويدل على اضطراب هذا القول أن قريشًا لم يجتمعوا حتى جمعهم قصيّ بن كلاب‏.‏

وقد حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد الحكم بن سفيان عن أبي نمر قال‏:‏ إنما سُميت قريش قريشًا لجمع قُصيّ بن كلاب إياهم‏.‏

وأما كنانة‏:‏ فأمه عَوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان‏.‏

وقيل‏:‏ بل أمه هند بنت عمرو بن قيس‏.‏

وأما خزيمة‏:‏ فأمه‏:‏ سلمى بنت أسلم بن الحافِ بن قُضاعة‏.‏

وأما مدركة‏:‏ واسمه‏:‏ عمرو في قول ابن إسحاق‏.‏

وقال هشام بن محمد‏:‏ اسمه‏:‏ عمرو وأمه‏:‏ خِنْدِف وهىِ‏:‏ ليلى بنت حُلوان بن عمران بن الحافِ بن قُضاعة وأخو مدركة لأبيه وأمه‏:‏ عامر وهو طابخة وعمير وهو قمعَة ويقال له‏:‏ أبو خزاعة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ كان مدركة وطابخة في إبل لهما فاقتنصا صيدًا فقعدا يطبخانه وعدتْ عادية على إبلهما فقال عامر لعمرو‏:‏ أتدرك الإبل أو تطبخ الصيد فقال عمرو‏:‏ بل أطبخ الصيد فلحق عامر الإبل فجاء بها فلما راحا على أبيهما فحدثاه شأنهما قال لعامر‏:‏ أنت مدركة وقال لعمرو‏:‏ وأنت طابخة‏.‏

وذكر هشام بت محمد بن السائب‏:‏ أن إلياس خرج في نجعة له فنفرت إبله من أرنب فخرج إليها عمرو فأدركها فسمي‏:‏ مدركة وأخذها عامر فطبخها فسُمَي‏:‏ طابخة وانقمع عمير في الخباء فلم يخرج فسمي قمعة وخرجت أمهم تمشي فقال إلياس لها‏:‏ أين تخندفين‏.‏

فسمَيت خندف والخندفة‏:‏ ضرب من المشي‏.‏

قال إلياس لعمرو ابنه‏:‏ إنكَ قد أدْرَكْتَ مَا طَلَبتَا وقال لعامر‏:‏ وأنت قد أنضجت مَا طَبَخْتَا وقال لعمير‏:‏ وأنت قد أسَأتَ وانقمعتا وقد قال قصي بن كلاب‏:‏ أمي خندف وإلياس أبي‏.‏

وأما إلياس‏:‏ فأمه الرباب بنت حَيدَة بن معد‏.‏

وذى الزبير بن بكار‏:‏ أن إلياس لما أدرك أنكر على بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وسيرتهم وكان فضله عليهم فجمعهم برأيه وردهم إلى سنن آبائهم وهو أول مَنْ أهدى البُدن إلى البيت وفي زمانه وهو أول مَنْ وضع الركن للناس بعد هلاكه حتى غرق البيت وانهدم فوضعه في زاوية البيت ولم تبرح العرب تعظما إلياس تعظيم أهل الحكمة كتعظيمها لقمان وهو أول مَنْ مات بالنبل فأسفت عليه زوجته خندف أسفًا شديدًا وكانت قد نفرت في مرضه أنه إن هلك لا تقيم في بلد مات فيه أبدًا ولا يظلها أسقف بيت وأن تسيح في الأرض فخرجت سائحة حتى هلكت حزنًا‏.‏

 فصل قمعة بن الياس

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وكان من أولاد إلياس‏:‏ قمعة وولد لقمعة لحي وولد له‏:‏ عمرو وهو أولى من غير دين الحنفية دين إبراهيم وأول من نصب الأوثان حول الكعبة وجعل البحيرة والسائبة والوصاية والحام واستخراج إساف ونائلة فنصبهما‏.‏

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أريت النار فإذا فيها عمرو ولد لحي يتأذى أهل النار بريحه وهو أول من غير دين إبراهيم ورأيته يجر قصبه في النار ‏"‏‏.‏

وقال ابن عباس رضي الله عنه‏:‏ قدم عمرو بن لحي بهبل من الشام فنصبه على الأخشب وأمر الناس بعبادته وأخرج إسافًا ونائلة من البيت فنصب إسافا مقابل الركن الأسود وبين زمزيم ونصب نائلة إليه جانب البيت وتجاه المقام ونصب بمنى سبعة أصنام ونصبَ مُناة على ساحل البحر واتخذ للعزى بنخلة بيتًا يطوفون به كطوافهم بالكعبة فكانوا إذا طافوا بالبيت لم يحلوا حتى يأتوا العُزى فيطوفون به‏.‏

وأما مُضر‏:‏ فأمه سودة بنت عك وأخوه لأبيه وأمه‏:‏ إياد ولهما أخوان من أبيهما واسمهما‏:‏ ربيعة وأنْمار‏.‏

وقد قال الزبير بن بكار‏:‏ إن نزار بن معد لما حضرته الوفاة أوصى بنيه وقسم ماله بينهم فقال‏:‏ يا بنيَ هذه القبة وهي من أدم حمراء وما أشبهها من مالي لمضر فسُمي مضر الحمراء‏.‏

وهذا الخِباء الأسود وما أشبهه من مالي لِربيعة فخفَف خيلًا دهُمًا فسمَي ربيعة الفُرْس‏.‏

وهذه الخادم وما أشبهها من مالي لإياد وكانت شمطاء فأخذ البُلْق والنَقَد من غنمه وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فيه فأخذ أنمار ما أصابه‏.‏

وقال‏:‏ فإن أشكل عليهم في ذلك شيء واختلفتم في القِسْمة فعليكم بالأفْعَى الجُرْهمي‏.‏

فاختلفوا في القِسمة فذهبوا إلى الأفعى‏.‏

فبينما هم في مسيرتهم إذ رأى مُضَر كلأ قد رُعِيَ فقال‏:‏ إنّ البعير الذي قد رَعى هذا الكلأ لأعور وقال ربيعة‏:‏ إنه أزور وقال إياد‏:‏ هو أبتر‏.‏

وقال أنمار‏:‏ هو شَرْود‏.‏

فلم يسيروا إلأَ قليلًا حتى لقيَهم رجل تُوضِع به راحلته فسألهم عن البعير فقال مُضَر‏:‏ هو أعور قال‏:‏ نعم‏.‏

وقال ربيعة‏:‏ هو أزور قال‏:‏ نعم‏.‏

وقال إياد‏:‏ هو أبتر‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

وقال أنبار‏:‏ هو شرود قال‏:‏ نعم هذه والله صفة بَعِيري دُلّوني عليه فحلفوا‏:‏ ما رأوْه‏.‏

فلزمهم وقال‏:‏ كيف أصدقكم وأنتم تصِفون بعيري فساروا جميعًا حتى قدموا نجران فنزلوا بالأفعى الجُرهمي فنادى صاحبُ البعير‏:‏ إن بعيري عند هؤلاء الأقوام لأنهم وَصَفُوا لي صفته‏.‏

ثم قالوا‏:‏ لم نرِه‏.‏

فقال الجُرهمى‏:‏ كيف وصفتموه ولم تروه فقال مضر‏:‏ رأيته يرعى جانبًا ويَدَعَ جانباَ فعرفت أنه أعور‏.‏

وقال ربيعة رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئه لازوراره‏.‏

وقال إياد‏:‏ عرفت أنه أبتر باجتماع بعده فلولا ذلك لَمصِع به‏.‏

وقال أنمار‏:‏ عرفت أنه شرود لأنه يرعى بالمكان الملتفّ نبته ثم يجوزه إلى مكان آخر أرق منه نبتًا وأخبث‏.‏

فقال الجرهمى‏:‏ ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه ثم سألهم فأخبروه فرحبّ بهم ثم قال‏:‏ أتحتاجون إليً وأنتم كما أرى ثم دعا لهم بطعام فأكلوا وأكل وشربوا وشرب فقال مُضَر‏:‏ لم أر كاليوم خمرًا أجود لولا أنها نبتت على قَبْر وقال ربيعة‏:‏ لم أر كاليوم لحمًا أطيب لولا أنه رُبي بلبن كلبة‏.‏

وقال إياد‏:‏ لم أر كاليوم رجلًا أسْرى لولا أنه لغير أبيه الذي يدعى له‏.‏

وقال أنمار‏:‏ لم أر كاليوم كلامًا أنفع في حاجتنا من كلامنا‏.‏

وسمع الجُرهمي الكلام فتعجب من قولهم وأتى أمه فسألها وهددها فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا يولد له وكرهت أن يذهب المُلك فأمكنتْ رجلًا من نفسها كان نزل بها فوطئها فحملت به وسأل القهرمان عن الخمر فقال‏:‏ من حَباة غرستُها على قبر أبيك وسأل الراعي عن اللحم فقال‏:‏ شاة أرضعتُها بلبن كلبة يكن وَلَد فيِ الغنم شاة غيرها‏.‏

فقيل لمضر‏:‏ من أين عرفت الخمر ونباتها على قبر قال لأنه أصابني عليها عطش شديد وقيل لربيعة‏:‏ فبم‏.‏

قال‏:‏ ذكر كلامًا‏.‏

فأتاهم الجُرهمي فقال‏:‏ صفوا لي صفتكم‏.‏

فقصوا عليه ما أوصاهم به أبوهم فقضى بالقبة الحمراء والدنانير والإبل وهي حُمر لمضر وقضى بالخباء الأسود والخيل الدُّهم لربيعة وقضى بالخادم وكانت شمطاء وبالماشيهَ البُلْق لإياد وقضى بالأرض والدراهم لأنمار‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن قال‏:‏ أخبرنا خالد بن خداش قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن وهب قال‏:‏ أخبرنا سعيد بن أبي أيوب عن عبد الله بن خالد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لاتَسبوا مُضَر فَإنَهُ كَانَ قَدْ أسْلَم ‏"‏ َ‏.‏

وأما نزار‏:‏ فإنه يكنى‏:‏ أبا إياد وقيل‏:‏ أبا ربيعة أمه‏:‏ مُعَانة بنت جَوْشم‏.‏

وأما معة‏:‏ فأمّه‏:‏ مهدد‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز‏:‏ قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيوبه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال‏:‏ كان معد مع بخت نصَر حين غزا حُصون اليمن‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ ولم أر بينهم اختلافًا أن معدًَّا من ولد قيذار بن إسماعيل‏.‏

أنبأنا الحسن بن عبد الوهاب البارع قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني علي بن المغيرة قال‏:‏ لما بلغ بنو معد عشرين رجَلاَ أغاروا على عسكر موسى فدعا عليهم فلم يجب فيهم ثلاث مرات فقال‏:‏ يا رب دعوتك على قوم فلم تجبني فيهم بشيء‏.‏

فقال‏:‏ يا موسى دعوتني على قوم هم خيرتي في آخر الزمان‏.‏

قال‏:‏ الزبير‏:‏ وحدثني عبد العزيز بن يحيى بن زيد الباهلي عن سليمان بن رفاعة عن مكحول قال‏:‏ أغار الضحاك بن معد على بني إسرائيل في أربعين رجلًا من بني معد عليهم دراريع الصوف خاطمي خيلهم بحبال الليف فقتلوا وسبوا وظفروا‏.‏

فقال بنو إسرائيل‏:‏ يا موسى إن بني معد أغاروا علينا وهم قليل فكيف لو كانوا كثيرًا وأغاروا علينا وأنت نبينا فادع الله عليهم‏.‏

فتوضأ موسى وصلى ثم قال‏:‏ يا رب إن بني معد أغاروا على بني إسرائيل فقتلوا وسبوا وظفروا فسألوني أن أدعوك عليهم‏.‏

قال‏:‏ فقال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ يا موسى لا تدع عليهم فإنهم عبادي وإنهم ينتهون عند أول أمري وإن فيهم نبيًا أحبه و أحب أمته ‏"‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رب ما بلغ من محبتك له‏.‏

قال‏:‏ أغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‏.‏

قال‏:‏ يا رب ما بلغ من محبتك لأمته‏.‏

قال‏:‏ يستغفرني مستغفرهم فاغفر له ويدعوني داعيهم فأستجيب له‏.‏

وأما عدنان‏:‏ فإليه اتفاق النَسَّابين على ما تقدم ويختلفون في الأسماء التىِ بعده على ما سبق بيانه‏.‏

ذكر أمهات رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد النحوي قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا هشام‏.‏

بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قال‏:‏ أمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة وأمها‏:‏ بَرة بنت عبد العزىّ بن عثمان بن عبد الدار بن قُصي بن كلاب وأمها‏:‏ أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصيّ بن كلاب وأمُّها‏:‏ برة بنت عوف بن عَبيد بن عَويج بن عَدي بن كعب بن لؤي وأمًها‏:‏ قلابة بنت الحارث بن مالك بن حباشة وأمها‏:‏ أميمة بنت مالك بن غَنْم بن لحيان وأمها دب بنت ثعلبة بن الحارث بن تميم بن سعد وأمُّها‏:‏ عاتكة بنت غاضرة بن حُطيط بن جشم بن ثقيف وأمّها ليلى بنت عوف‏.‏

وأمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها‏:‏ قَيْلَة ويقال‏:‏ هند بنت أبي قيلة وهو وجز بن غالب بن الحارث بن عمرو بن ملكان وأمها‏:‏ سلمى بنت لؤي بن غالب بن فهر بن مالك وأمها‏:‏ ماوية بنت كعب وأم وجْز بن غالب‏:‏ السّلامة بنت واهب بن البكير وأمها‏:‏ بنت قيس بن ربيعة وأمّ عبد منَاف بن زهرة جُمل بنت مالك وأم زُهرة بن كلاب أم قُصي وهي فاطمة بنْت سعْد بن سَيَل‏.‏

قال محمد بن السائب‏:‏ كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحآ ولا شيئآ مما كان من أمر الجاهلية‏.‏

قال ابن سعد‏.‏

وأخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عبد الحميد بن سهيل عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ خَرَجْتُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ مِن ْ نِكَاح غَيْر ِسِفَاح ‏"‏‏.‏

قال الأسلمي‏:‏ وحدثني محمد بن عبد الله بن مسلم عن عمه الزهري عن عروة عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ خَرَجْتُ مِنْ نِكَاح غَيْر ِسِفَاح ‏"‏‏.‏

أنبأنا الحسن بن محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان بن داوود قال‏:‏ حدثأ الزبير بن بكار قال‏:‏ ولد عبد مناف بن زهرة وهبًا وهو جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو آمنة وأمه‏:‏ قيلة بنت قيلة واسم أبي قيلة‏:‏ وجز بن غالب بن عامر بن الحارث وهو غبشان ووجز هو‏:‏ أبو كبشة الذي كانت قريش تنسب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم له لأنه جده من قبل أمه والعرب تظن أن أحدًا لا يعمل شيئآ لا يعرف منزعه شبهه فلما خالف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دين قريش قال مشركو قريش ندعوه أبا كبشة لأن أبا كبشة خالف الناس بعبادة الشعرى وهو أول منْ عبد الشعرى وكان يقول‏:‏ إن الشعرى يقطع السماء عرضا ولا أرى في السماء شمساٌ ولا قمرآ ولا نجمًا يقطع السماء عرضًا غيرها والعرب تسميها‏:‏ العبور لأنها تعبر السماء عرضًا وكان أبو كبشة سيدًا في خزاعة لم يعيروا رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقص كان فيه ولكن لما خالف دينهم نسبوه إلى خلاف أبي كبشة فقالوا‏:‏ خالف كما خالف‏.‏

 

ذكر الفواطم والعواتك

اللائي ولدن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال مؤلف الكتاب‏:‏ والعاتكة في كلام العرب‏:‏ الطاهرة‏.‏

أخبرنا ابن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا هشام بن محمد السائب الكلبي عن أبيه قال‏:‏ أم عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قُصيّ وقد وَلَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم هُضَيْبَة بنت عمرو بن عتُوارة بن عائش بن ظَرِب بن الحارث بن فهر وأمّها ليلى بنت هلال بن وُهَيْب بن ضبة بن الحَارِث بن فهر وأمّها سَلْمَى بنْت مُحارب بن فهْر وأمّها عاتِكة بنت يَخْلُد بن النَّضْر بن كنانة وأم عمرو بن عُتوارة بن عائش بن ظِرب بن الحارث بن فهر عاتكة بنت عمرو بن سعْد بن عوف بن قَسيّ وأمّها فاطمة بنت بلال بن عمْرو بن ثُمالة من الأزد وأمّ أسد بن عبْد العزى بن قُصي وقد وَلَدَ النَّبي صلى الله عليه وسلم الحظيا وهي رَيْطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن مُرة وأمّ كعب بن سعد بن تيم نُعْمُ بنت ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر وأمّها ناهية بنت الحارث بن منقذ بن عَمْرو بن مَعيص بن عَامر بن لُؤيّ وأمّها سلمى بنت ربيعة بن وُهَيْب بن ضِباب بن حُجير بن عبد مَعيص بن عامر بن لؤيّ وأمها خديجة بنت سعد بن سهم وأمّها عاتِكة بنت عَبدة بن ذكوان بن غاضرة بن صعصعة وأم ضِباب بن حجير بن عَبْد بن معيص فاطمة بنت عوف بن الحارث بن عبد منَاة بن كنانة وأمّ عبيد بن عويج بن عدي بن كعب وقد وَلَدَ النَبي مَخْشِيَّة بنت عمرو بن سلول بن كعب بن عمرو من خزاعة وأمّها الربعة بنت حُبْشِية بن كعب بن عمرو وأمها عاتِكة بنت مُدْلِج بن مُرَّة بن عَبد مَناة بن كنانة فهؤلاء من قِبَل أمّه صلي الله عليه وسلم‏.‏

وأمّ عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم وهي أقرب الفواطم إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وأمها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم وأمها تَخْمر ُبنت عبد بن قُصي وأمها سَلمى بنت عامرة بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر وأمها عاتكة بنت عبد الله بن واثلة ابن ظَرِب بن عَيَاذَةَ بن عمرو بن قيس ويقال‏:‏ عبد الله بن حرب بن وائلة وأم عبد الله بن وائلة بن ظَرِب فاطمة بنت عامر بن ظَرِب بن عَيَاذة وأم عمران بن مخزوم سُعدى بنت وهب بن تيم بن غالب وأمها عاتكة بنت هلال بن وُهيب بن ضبّة وأم هاشم بن عبد منَاف بن قُصي عاتكة بنت مُرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة‏.‏

بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خَصَفَةَ بن قيس بن عيلان وهي أقرب العواتك إلى النبي صلي الله عليه وسلم وأم هلال بن فالج بن ذكوان فاطمة بنت بُجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة وأم كلاب بن ربيعة مجد بنت تيم الأدرم بن غالب وأمّها فاطمة بنت معاوية بن بكر بن هوازن وأم مُرَّة بن هلال بن فالج عاتكة بنت عدي بن سهم من أسلمَ وهم إخوة خزاعة وأمّ وُهيب بن ضبة بن الحارث بن فهْر عاتكة بنت غالب بن فهر وأم عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فاطمة بنت ربيعة بن عبد العزى بن رزام بن حَجْوش بن معاوية بن بكر بن هوازن وأم معاوية بن بكر بن هوازن عاتكة بنت سعد بن هذيل بن مدركة وأمّ قُصي بن كلاب فاطمة بنْت سعد بن سَيَل من الجَدَرَة من الأزد وأم عبد منَاف بن قُصي حُبّى بنت حُليل بن حُبْشية الخزاعي وأمّها فاطمة بنت نصر بن عوف بن عمرو بن لحي من خزاعة وأم كعب بن لؤي ماوية بنت كعب بن القين وهو النعمان بن جَسْر بن شيع الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف قضاعة وأمّها عاتكة بنت كاهل بن عذرة وأمّ لؤي بن غالب عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة وأمّ غالب بن فهْر بن مالك ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر وأمّها سلمى بنت طابخة بن إلياس بن مضر وأمّها عاتكة بنت الأسد بن الغوث‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبيّ عن أبيه‏:‏ أنّ عاتكة بنت عامر بن الظرب من أمهات النَبيً صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أم برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب أميمة بنت مالك بن غَنَم بن سويد بن حُبْشيّ بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان وأمها قِلابة بنت الحارث بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان وأمّها دبّ بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل وأمها لُبْنى بنت الحارث بن نُمير بن اسيّد بن عمرو بن تميم وأمها فاطمة بنت عبد الله بن حرب بن وائلة وأمّها زينب بنت مالك بن ناضرة بن غاضرة بن حُطيط بن جُشَم بن ثقيف وأمّها عاتكة بنت عامر بن ظَرِب وأمها شقيقة بنت معْن بن مالك من باهلة وأمها سَودة بنت أسَيد بن عمرو بن تميم‏.‏

فهؤلاء العواتك وهن ثلاث عشرة والفواطم وهن عشر‏.‏

صلى الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال‏:‏ حدَثني علي بن يزيد بن عبد اللّه بن وهب بن ربيعة عن أبيه عن عمته قال‏:‏ كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به آمنة بنت وهب كانت تقول‏:‏ ما شعرت أني حملت به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء إلا أني قد أنكرت رفع حيضتي وربما كانت ترفعنىِ وتعود وأتاني آت وأنا بين النائم واليقظان فقال‏:‏ هل شعرت أنك حملت فكأني أقول‏:‏ ما أدري فقال‏:‏ إنك قد حملت بِسيد هذه الأمًة ونبيها‏.‏

وذلك يوم الإثنين‏.‏

قالت‏:‏ فكان ذلك ممِّا يَقًنَ عندي الحملَ ثمً أمهلني حتى إذا دنت ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال‏:‏ قولي أعيذه بالواحد الصمَد من شر كل حاسد قالت‏:‏ فكنتُ أقولُ ذلك‏.‏

فذكرت ذلك لنسائي فقُلنَ لي‏:‏ تعلقي حديدًا في عَضُدَيْكِ وفي عنقكِ قالت‏:‏ ففعلت فلم يكن تُرِكَ عليّ إلًا أيامًا فأجده قد قُطع فكنت لا أتعلقه وقال ابن واقد‏:‏ وحدثني محمد بن عبد اللّه عن الزهري قال‏:‏ قالت آمنه‏:‏ لقد عَلقْتُ به فما وجدتُ مَشَقَةً حتى وضعته‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال‏:‏ أخبرنا همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد اللّه قال‏:‏ قالت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قد حملت الأولاد فما حملت سخلة أثقلَ منه‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ قال محمد بن عمر الأسلمي‏:‏ وهذا مما لا يُعرف عندنا ولا عند أهل العلم لم تلد آمنة ولا عبد الله بن عبد المطلب غير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال الأسلمي‏:‏ وحدثنيِ قيس مولى عبد الواحد عن سالم عن أبي جعفر محمد بن علي قال‏:‏ أمِرَتْ آمنه وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمه أحمد‏.‏

 

ذكر وفاة عبد اللّه

قال مؤلف الكتاب‏:‏ ولد عبد اللّه لأربع وعشرين سنة مضت منَ ملك كسرى أنوشروان فبلغ سبع عشرة ثم تزوّج آمنة فلمَا حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم توفي‏.‏

وأخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن خيثمة قال‏:‏ وأخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال‏:‏ حدَثني موسى بن عبيدة الرَبَذِي عن محمد بن كعب قال‏:‏ وأخبرنا سعيد بن أبي زيد عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قالا‏:‏ خرج عبد الله إلى الشام إلى غزة في عيرِ من عِيَرات قريش يحملون تجارات ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبدُ الله بن عبد المطلب يومئذ مريض فقال‏:‏ أتخلف عند أخوالي بني عديّ بن النجار فأقام عندهم مريضًا شهرًا ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا‏:‏ خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض‏.‏

قال‏:‏ فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي بن النجار في الدار التي إذا دخلتها فالدويرة عن يسارك‏.‏

وأخبره أخواله بمرضه وبقيامهم عليه وما ولوا من أمره وأنهم قبروه فرجع إلى أبيه فأخبره فَوَجدَ عليه عبد المطّلب وإخوته وأخواته وجدآ شديدًا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حَمْل ولعبد الله يوم تُوفي خمس وعشرون سنة‏.‏

قال الواقْدي‏:‏ ترك عبد الله أم أيْمن وخمسة أجمال أوارِك يعني تأكل الأراك وقطعة غنم فورث ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكانت أم أيمن تحضنه واسمها‏:‏ بركة‏.‏

قال مؤلفه‏:‏ وقد روينا عن الزهري‏:‏ أن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله إلى المدينة يمتار له تمرًا فمات‏.‏

والأول أصح‏.‏

وروي لنا‏:‏ أن عبد الله توفي بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه ذكر مولده عليه السلام قال مؤلف الكتاب‏:‏ وُلد عليه السلام في يوم الإثنين لعشر خلون من ربيع اللأول عام الفيل‏.‏

وقيل‏:‏ لليلتين خلتا منه‏.‏

وقيل‏:‏ لإحدى عشرة ليلة خلت منه‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ وُلد يوم الجمعة يوم الفيل وكان قدوم الفيل وهلاك أصحابه يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم وكان أول المحرم تلك السنة الجمعة وذلك في عهد كسرى أنوشروان لمضي اثنتين وأربعين سنة من ملكه‏.‏

وقد حكى أبو بكر الحيري‏:‏ أن شيخًا من الصالحين حكى له أنه رأى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في المنام قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه بلغني أنك قلت‏:‏ ‏"‏ ولدتُ في زمن الملك العادل ‏"‏ وإني سألت الحاكم أبا عبد الله الحافظ عن هذا الحديث فقال‏:‏ هذا كذب لم يقله رسول اللّه‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ صدق أبو عبد الله ‏"‏‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن بشران قال‏:‏ أخبرنا عمر بن الحسن الشيباني قال‏:‏ حدَثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال‏:‏ أخبرني محمد بن صالح القرشي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَثني ابن أبي سبرة عن ابن جعفر محمد بن علي قال‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لعشر خلون من ربيع الأول وكان قدوم الفيل للنصف من المحرم فبين الفيل وبين مولد رسول اللَه عليه الصلاة والسلام خمس وخمسون ليلة وكان بين الفيل والفجار عشرون سنة وكان بين الفجار وبنيان الكعبة خمس عشرة سنة‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا ابن بشراق قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن البراء قال‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإثنين لثمان خلون من ربيع الأول يوم العشرين من نيسان‏.‏

أنبأنا يحيى بن الحسن بن البنا قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان الطوسي قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدَثني محمد بن حسن عن إبراهيم بن محمد عن صالح بن إبراهيم عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن حسِّان بن ثابت قال‏:‏ إني لغلام يَفَعة ابن سبع أو ثمان إذا يهودي بيثرب يصرخ ذات غداة‏:‏ يا معشر يهود فلما اجتمعوا قالوا‏:‏ ما لك ويلك قال‏:‏ طَلَع نجم أحمد الذي ولد به هذه الليلة‏.‏

قال‏:‏ فأدركه اليهودي ولم يؤمن به‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وقيل إنه وُلد عليه السلام في الدار التي تعرف بدار محمد بن يوسف الثقفي‏.‏

وقيل‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وهبها لعقيل بن أبي طالب فلم تزل في يد عقيل حتى توفي فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج فبنى داره التي يقال لها‏:‏ دار ابن يوسف وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته الخيزران فجعلته مسجدآ يصلى فيه ذكر ما جرى عند وضع آمنة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم روى عثمان بن أبي العاص قال‏:‏ حدَثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنه لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان ذلك ليلة ولدته قالت فما شيء أنظر إليه من البيت إلًا نورٌ وإنَي لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول‏:‏ لَيَقَعُنَّ عليَّ‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب الحافظ قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن بشران قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن البراء قال‏:‏ قالت آمنة ولدته جاثيًا على رُكْبَتَيْه ينظر إلى السماء ثم قبض قبضة من الأرض وأهوى ساجدًا ووُلد وقد قُطعت سراره فغطين عليه إناء فوجدته قد تفلق الإناء عنه وهو يمص إبهامه يشخب لبنًا وكان بمكة رجل من اليهود حين وُلد فلما أصبح قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود‏.‏

قالوا‏:‏ لا نعلمه‏.‏

قال‏:‏ وُلد الليلة نبي العرب به شامة بين منكبيه سوداء ظفراء فيها شعرات فرجع القوم فسألوا أهليهم‏.‏

فقيل‏:‏ ولد الليلة لعبد المطلب غلام‏.‏

فلقوا اليهودي فأخبروه فنظر إليه فقال‏:‏ ذهبت النبوهْ من بني إسرائيل هذا الذي سر أحبارهم أفرحتم يا معشر قريش واللّه لَيَسْطُوَنَ بكم سطوةً يخرج نبأها من المشرق إلى المغرب‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عفان بن مسلم‏.‏

وقال حدًثنا حمّاد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة‏.‏

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ولدتًه أمه وضعته تحت بُرمَةٍ فانفلقت عنه‏.‏

قالت‏:‏ فنظرت إليه فإذا هو قد شقّ بَصَرهُ بنظره إلى السماء‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا سعيد بن منصور قال‏:‏ حدَّثنا فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة الباهلي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ رَأت أمّي كَأنّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَام ‏"‏‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا محمد بن عمرو بن واقد قال‏:‏ حدثني علي بن يزيد بن عبد اللّه بن وهب بن زَمْعة عن أبيه عن عمّته قالت‏:‏ لما ولدت آمنة بنت وهبِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى عبد المطّلب فجاءه البشير وهو جالسٌ في الحِجْر معه ولده ورجال من قومه فأخبره أنّ آمنة قد وَلَدَتْ غلامًا فسُرً بذلك عبد المطّلب وقام هو ومَنْ معه فدخل عليها فأخبرته بكلّ ما رأت وما قيل لها وما أمرتْ به فأخذه عبد المطّلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو اللّه ويشكر ما أعطاه‏.‏

قال ابن واقدٍ‏:‏ أخبرت أن عبد المطلب قال يومئذ‏:‏ الحَمْدُ للّه الذي أعطاني هذا الغُلامَ الطيبَ الأردان قد سادَ في المهدِ على الغلمان أعيذُهُ بالبيت ذي الأركانِ حتى أراهُ بالغَ البُنْيَانِ أعيذُهُ مِنْ شَرً ذي شنْآنِ مِنْ حَاسِدٍ مضطَرِبِ العِنَانِ ذكر الحوادث التي كانت ليلة ولادته صلى الله عليه وسلم أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلاف قال‏:‏ أخبرنا أبو الفرج محمد بن فارس الغوري قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد بن علي بن أبي قيس قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال‏:‏ حدَّثنا علي بن حرب قال حدًثنا يعلى بن عمران البجلي قال‏:‏ حدَثني مخزوم بن هانىء عن أبيه وأتت له خمسون ومائة سنةٍ قال‏:‏ لما كانت الليلةُ التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَجَسَ إيوانُ كِسْرى وسقَطَتْ منه أربع عشرةَ شرفة وغاضت بحيرة سَاوَة وخمدت نارُ فارس ولم تخمُدْ قبلَ ذلك بألف فلما أصبح كسرى أفْزعه ما رأى فتصبر عليه تَشجُعا ثم رأى أن لا يكتم ذلك عن وزرائه ومَرَازَبَتِهِ فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم إليه فلما اجتمعوا عنده قال‏:‏ أتدرون فيم بعثت إليكم قالوا‏:‏ لا إلا أن يُخبرنا الملك‏.‏

قال المصنف رحمه الله‏:‏ رأى كسرى ارتجاس الإيوان وسقوط الشرف فحسب لا المنام فالمنام للموِبذان وهو قاضي قضاتهم‏.‏

فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار فازداد غمًا إلى غمه فقال الموبذان‏:‏ وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة‏.‏

وقص عليه الرؤيا في الإبل فقال‏:‏ أي شيءٍ يكون هذا يا مُوْبذان فقال‏:‏ حادث يكون من عند العرب‏.‏

فكتب عند ذلك إلى النعمان بن المنذر‏:‏ من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد‏:‏ فوجهْ إلي رجلًا عالمًا بما أريد أن أسأله عنه‏.‏

فوجه إليه عبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بُقَيْلَة الغساني‏.‏

فلما قدم عليه قال له‏:‏ هل عندك علم بما أريد أن أسألك عنه قال‏:‏ ليخبرني الملك‏.‏

قال‏:‏ فإن كان عندي منه علم أخبرته وإلا أخبرته بمن يعلمه فأخبره بما رأى فقال‏:‏ علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام يقال له‏:‏ سَطِيح‏.‏

قال‏:‏ فاته فاسأله عما سألتك عنه وائتني بجوابه‏.‏

فركب عبد المسيح راحلته حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه‏.‏

وحياه فلم يخبر سطيح جوابًا فأنشأ عبد المسيح يقول‏:‏ يا فَاصِلَ الخطَةِ أعْيَتْ مَنْ وَمَن وَكَاشِف الكرْبَةِ عَنْ وَجْهٍ غَضن أتَاكَ شَيْخُ الحَيَ مِنْ آل سَنَن وَامه من آل ذْئِبِ بن حَجن أزْرَقُ بَهْمُ النَابِ صَوَارُ الأذُن أبيضُ فَضْفَاضُ الرًداءِ والبَدن رسولُ قَيْل العُجْم يَسْري بالرسَن لا يرهب الرعْدَ ولا رَيْبَ الزَمن فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه وقال‏:‏ عبد المسيح على جمل مسيح إلي سطيح وقد أوفى على الصريح بعثك ملك بني ساسان لإرتجاس الأيوان وخمود النيران ورؤيا الموُبِذَان رأى إبلًا صِعَابًا تقود خيلًا عِرَابأ قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها‏.‏

يا عبد المسيح إذا كثرت التَلاوة وظهر صاحبُ الهِرَاوةَ وفاض وادى السمَاوة وغَاضَت بُحَيْرة ساوَة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شامًا يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت‏.‏

ثم قضى سطيح مكانه فصار عبد المسيح إلى أهله وهو يقول‏:‏ شَمر ْفَإِنَّكَ مَاضِي الهَمً شِمير لا يُفْزعَنَك َ تَفْرِيقٌ وتَغْيير إنْ يُمْس مُلْكُ بني ساسان أفْرَطَهُم فإِن ذَلِكَ أطْوَار دَهَارير فَرُبَّما رُبَّمَا أضْحَوْا بِمَنْزِلةٍ يَهاب صَولَتَهَا الأسْدُ الَمَهاصير منهم أخُو الصَرْح بَهْرَام وإخْوتُه والهُرْمُزَان وسَابُور وسَابورُ وَهم بنو الامَ إِمَّا إِن رَأوْا نَشَبًا فَذَاكَ بالغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ والخيرُ والشَرُّ مَقْرُونَانِ من قَرَن والخيرُ مُتًبعٌ والشَّرُّ مَحْذُورُ فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح فقال‏:‏ إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكًا قد كانت أمور فملك منهم أربعة عشر عشرةً في أربع سنين ومَلَكَ الباقون إلى خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه‏.‏

ذكر أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ أنا مُحمَدٌ وَأحْمَدُ وَالحَاشِرُ والمُقفّي ونَبي الرحْمَةِ ‏"‏‏.‏

وروى جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ أنا مُحَمّدٌ وَأحْمَدُ وَالحَا شِرُ وَالمَاحِي وَالخَاتِمُ وَالعَا قِبُ ‏"‏‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم‏:‏ نبي التوبة ونبي الملاحم والشَاهد والمبشر والنذ ير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأ مين والخاتم والمصطفى والرسول والنبي الأمي والقُثم ‏"‏‏.‏

والحاشر‏:‏ الذي يحشر الناس على قدميه يقدمهم وهم خلفه‏.‏

والمقفي‏:‏ آخر الأنبياء وكذلك العاقب‏.‏

والملاحم‏:‏ الحروب‏.‏

والضحوك‏:‏ اسمه في التوراة وذلك أنه كان طيب النفس فكهًاالقُثَم‏:‏ من القثم وهو الإعطاء وكان أجود الخلق صلى الله عليه وسلمِ‏.‏

 

ذكر صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

أخبرنا هبة الله بن محمد قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدَثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدًثني أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو سلمة قال‏:‏ أخبرنا سليمان بن بلال‏.‏

قال‏:‏ حدَثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك ينعت رسول الله عليه وسلم‏.‏

يقول‏:‏ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رَبْعَة من القَوْم ليس بالقصير ولا بالطويل البائن أزْهَرَ ليس بالآدَم ولا الأبيض الأمْهَق رَجِلُ الشعر ليس بالسًبِطِ ولا بالجَعْدِ القَطَطِ ‏"‏‏.‏

أخبرنا عمر بن أبي الحسن البسطامىِ قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن منصور الخليلي قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد القداعي قال‏:‏ أخبرنا الهيثم بن كليب قال‏:‏ حدَّثنا أبو عيسى عن يونس عن عمر بن عبد الله مولى غُفْرة قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب قال‏:‏ كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ لم يكن بالطويل الممَغَّط ولا بالقصير المتردد كان رَبْعًةَ من القوم لم يكن بالجَعْد القَطَط ولا بالسبْط كان جُعْدًا رَجلَاَ فلم يكن بالمطهم ولا بالمتكلم وكان في وجهه تدوير أبيض مُشْرَبَةٍ حمرة أدعج العينين أهْدب الأشفار جليل المشاش والكتِدِ أجرد ذو مسربه شثن الكَفَين والقدمين إذا مشى تقلع كأنّما ينحط في صَبَب وإذا التفت التفت معًا بين كَتِفَيْه خاتم النبوة وهو خاتَم النبيين أجود الناس صدرًا وأصدق الناس لهجة وألْينهم عريكهَ وأكرمهم عِشْرهَ مَنْ رآه بديهة هابه ومَنْ خالطه معرفة أحبه‏.‏

يقول ناعته‏:‏ لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال الترمني‏:‏ سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول‏:‏ سمعت الأصمعي يقول‏:‏ الممغَّط‏:‏ الذاهب طولًا‏.‏

والمتردد‏:‏ الداخل بعضه في بعض قِصَرًا‏.‏

وأما القطط‏:‏ فشدة الجعودة‏.‏

والرَجِلُ‏:‏ الذي في شعره جعودة أي تثنٍ قليل‏.‏

والمطهم‏:‏ المبدن الكثير اللحم‏.‏

والمتكلثم‏:‏ المدور الوجه‏.‏

والمشرب‏:‏ الذي في بياضه حمرة‏.‏

والأهدب‏:‏ الطويل الأشفار‏.‏

والكتد‏:‏ مجتمع الكتفين وهو الكاهل‏.‏

والمسربة‏:‏ الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السُّرة‏.‏

والشثن‏:‏ الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين‏.‏

والتقلع‏:‏ أن يمشى بقوة‏.‏

والصبب‏:‏ الحدور‏.‏

يقول‏:‏ انحدرنا في صبب‏.‏

وقوله‏:‏ جليل المشاش‏:‏ يريد رؤوس المناكب‏.‏

والعشرة‏:‏ الصحبة‏.‏

والبديهة‏:‏ المفاجأة‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا يزيد بن هارون قال‏:‏ أخبرنا جرير بن حازم قال‏:‏ حدًثني مَنْ سمع الزهري يحدث‏:‏ أن يهوديًا قال‏:‏ ما كان بقي شيء من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته إلا الحلم فإني أسلفته ثلاثين دينارًا إلى أجل معلوم وتركته حتى إذا بقي من الأجل يومٌ أتيته فقلتَ‏:‏ يا محمد أقضي حقي فإنكم معاشر بني عبد المطلب مَطْل‏.‏

فقال عمر‏:‏ يا يهودى الخبيث أما واللّه لولا مكانه لضربتُ الذي فيه عيناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ غَفَرَ اللًه ُ لَكَ يَا أبا حَفْصٍ نَحْنُ كُنا إلى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ أحوج إلى أن تَكُونَ أمَرْتَني بقَضَاءِ ما عَلَيّ وَهُو َإلى أنْ تكُونَ أعَنْتَهُ في قَضاءِ حَقه أحْوَجُ ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فلم يزده جهلي عليه إلأَ حلمًا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ يا يهوديّ إِنَما يَحِلّ حَقكَ غَدًا ‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏"‏ يا أبا حفصٍ اذْهَبْ به إلى الحائِطِ الذي كان سَألَ أوّلَ يَوْمٍ فَإنْ رَضِيَهُ فَأعْطِهِ كذا وكذا صاعًا وزِدهُ لِما كلت لَهُ كذا وكذا صاعًا فَإِنْ لَم ْ يَرْضَ ذلك فأعْطِهِ مِنْ حائط كذا وكذا ‏"‏‏.‏

فأتى به الحائط فرضي تَمْر فأعطاه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمره من الزيادة‏.‏

فلما قبض اليهودي تمره قال‏:‏ أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وأنّه والله ما حملني على مارأيتني صنعتَ يا عمر إلا أني قد كنتُ رأيت في رسول الله صلى الله عليه وسلم صفته في التوراة كلها إلا الحلم فاختبرتُ حلمه اليوم فوجدتُه على ما وصف في التوراة وإني أشهدك أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين‏.‏

قال عمر‏:‏ أو بعضهم‏.‏

قال‏:‏ أو بعضهم فأسلم أهل بيت اليهودى كلهم إلا شيخًا كان ابن مائة سنة فعسا على الكفر‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وحدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن موسى بن يعقوب الزَّمَعي عن سهل مولى عُتيبة‏:‏ أنه كان نصرانيًا وكان يتيمًا في حجر أمه وعمّه فكان يقرأ الإنجيل قال‏:‏ فأخذت مصحفًا لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة‏:‏ فأنكرت كتابتها حين مرت بي ومَسِسْتُها بيدي قال‏:‏ فنظرت فإذا فَصُولُ الورقة ملصقة ففتقتُها فوجدتُ فيها نعت محمّد صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا قصير ولا طويل أبيض ذو ضفيرين بين كتفيه خاتم يكثر الاحتبَاء ولا يقبل الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحتلب الشاة ويلبس قميصًا مرقوعًا وهو من ذرية إسماعيل اسمه أحمد‏.‏

قال‏:‏ فجاء عمي فرأى الورقة فضربني وقال‏:‏ مالك وفتح هذه الورقة‏.‏

فقلت‏:‏ فيها نعت النبيّ أحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال‏:‏ إنه لم يأت بعد‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا يزيد بن هارون وهاشم بن القاسم قالا‏:‏ حدَثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون قال‏:‏ أخبرنا هلال عن عطاء بن يسار وقال‏:‏ سُئل عبد الله بن عمرو بن العاص عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال‏:‏ أجل واللّه إنه موصوف في التوراة بصفته في القرآن ‏{‏يا أيهُا النَبيُّ إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا وَنَذِيرًا‏}‏ وهي في التوراة‏:‏ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وحرزًا للأميين أنت عبدى ورسولي سميتُك المتوكل ليس بفظ ولا غليط ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن أقبضه حتى اقيم به الملة العَوْجاء بأن يقولوا لا إله إِلا الله فيفتح به أعينًا عُميًا وآذانًا صُمًا وقلوبًا غُلْفأ‏.‏

قال وهب بن منبه‏:‏ أوحى اللهّ تعالى إلى شعيا‏:‏ إني مبعث نبيًا أميًا أفتح به اذانَاَ صُمًا وقلوبًا غُلفًا وأعينًا عميًا مولده بمكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام عبدي المتوكل المصطفى المرفوع الحبيب المجيب لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ويغفر رحيم بالمؤمنين وليس بفظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوَال للخنا أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم أجعل السكينة لباسَه والبر شعاره والتقوى ضميره‏.‏

والحكمة مقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمغفرة والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى إمامه والإسلام ملّته وأحمد اسمه أهدي به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلّف به بين قلوب مختلفة وأهواءٍ متشتّتة وأمم متفرقة‏.‏

أجعل أمته خير أمةٍ أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر توحيدًا لي وإيمانَاَ بي وإخلاصًا لي وتصديقًا لِما جاءت به رسلي وهم دعاة الشمس طوبى لتلك القلوب‏.‏

 ذكر الحوادث التي كانت في عام ولادته صلى اللّه عليه وسلم

قال مؤلف الكتاب‏:‏ من أعظم الحوادث في عام ولادته قصة الفيل وقد ذكرناه‏.‏

ومن الحوادث عامئذ يوم جَبلة‏.‏

قال أبوعبيدة‏:‏ أعظم أيام العرب يوم جبلة وكان عامَ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان لعامرٍ وعبس على ذبيان وتميم وقد قال الرضي في ذلك‏:‏ فمن إباءِ الأذى حلت جماجمها على مناطلها عبسٌ وذبيانُ ومن ذلك‏:‏ رضاع ثويبة له أيامأ ثم قدوم حليمة لرضاعه‏.‏

أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أيامأ ثم قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب واسمه‏:‏ عبد الله بن الحارث بن شِجْنَة وزوجها الحارث بن عبد العُزىّ بن رفاعة‏.‏

واسم إخوته من الرضاعة‏:‏ عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وجُدامة بنت الحارث وهي‏:‏ الشَيْماء غَلب ذلك على اسمها فلا تعرفُ إلأ به ويزعمون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذ كان عندهم وأن الشيماء سُبيت يوم حنين فقالت‏:‏ أعلموا أني أخت نبيكم‏.‏

فلما اتي بها عرفها فأعتقها‏.‏

وكانت حليمة من بني سعد بن بكر‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدًثنا محمد بن عمر بن واقد قال‏:‏ حدَّثني موسى بن أبي شيبة عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك عن بَرة بنت تَجْرَاهً قالت‏:‏ أول مَنْ أرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُويبة بلبن ابن لها يقال له‏:‏ مسْرُوح أيامًا قبل أن تقدم حليمة وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب رضي اللهّ عنه وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي‏.‏

وقد ذكرنا أن عبد المطلب تزوج هالة وزوج ابنه عبد الله‏:‏ آمنة في مجلس واحد فولد حمزة ثم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أيامًا ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عُرضت عليه ابنة حمزة ليتزوجها‏:‏ ‏"‏ إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي أرضعتني وإياه ثويبة ‏"‏‏.‏

وأعتق أبو لهب ثويبة وكانت ثويبة تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوَج خديجة فيكرمها النَّبي صلى الله عليه وسلم وتكرمها خديجة وهي يومئذ أمة ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليها بعد الهجرة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر‏.‏

قال مؤلفه‏:‏ ولا نعلم أنها قد أسلمت بل قد قال أبو نعيم الأصفهاني حكى بعض العلماء أنه قد اختلف في إسلامها‏.‏

أخبرنا علي بن عبد الله الذغواني قال‏:‏ أخبرنا عبد الصمد بن علي بن المايون قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال‏:‏ أخبرنا يحيى بن صاعد قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أبي الربيع قال‏:‏ حدثنا وهب بن حزم قال‏:‏ حدَثنا أبي عن النعمان بن راشد عن الزهري عن عروة قال‏:‏ كانت ثويبة لأبي لهب فأعتقها فأرضعت النبي صلي الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم فقال‏:‏ ماذا لقيت يا أبا لهب فقال‏:‏ ما رأيت بعدكم روحًا غير أنى سقت في هذه مني بعتقي ثويبة‏.‏

وأشار إلى ما بين الإبهام والسبابة‏.‏

حديث حليمة أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني وأبو طالب علي بن محمد اليماني قالا‏:‏ أخبرنا محمد الحسين السلمي قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن زيدان قال‏:‏ أخبرنا هارون بن إدريس السلمي قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن يعني المحاربي عن محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني جهم بن أبي جهم الجمحي عن عبد اللّه بن جعفرعن حليمة ابنة الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته السعدية قالتَ‏:‏ خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر بن هوازن تلتمس الرضعاء بمكة فخرجت على أتَانٍ لي قَمْرَاءَ قد أذَمًتْ بالركب قالت‏:‏ وخرجنا في سنة شَهْبَاءَ لم تبقِ لنا شيئًا أنا وزوجي الحارث بن عبد العُزىّ قالت‏:‏ ومعنا شَارف لنا والله لم تَبِضَ علينا بقَطْرة مِن لبن ومعي صبي ما ننام ليلنَا من بكائه وما في ثديّ من لبن يُغْنِيه ولا في شَارِفَنا من لبن يُغَذَيه إلا أنا نرجو فلما قدمنا مكة لم يبْق منا امرأة إلأ عُرِض عليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فَتأبَاهُ وإنما كُنَا نَرْجُو الكرامة في رضاعة مَنْ نُرضع له من أبي المولود فكان نبينا صلي الله عليه وسلم فقلنا‏:‏ ما عسى أن تَصْمع لنا امُّه فكُنَا نأبى حتى لم يبق من صويحباتي امرأة إلا أخذت رضيعأ غيري‏.‏

قالت‏:‏ فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئًا وأخذ صويحباتي فقلت لزوجي الحارث‏:‏ واللّه لأرجعنَ إلى ذلك اليتيم فلآخذنَه‏.‏

قالت‏:‏ فأتيته فأخذته ثم رجعت إلى رحلي‏.‏

فقال لي زوجي‏:‏ قد أخذتِه‏.‏

قالت‏:‏ قلت‏:‏ نعم وذاك أني لم أجد غيره‏.‏

قال‏:‏ قد أصبت عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرًا‏.‏

قالت‏:‏ والله ما هو إلا أن وضعته في حجري فاقبل عليه ثَدياي بما شاء من لبن فَشَرِبَ حتى رَوِي وشرِبَ أخوه حتى رَوِيَ وقام زوجي الحارث إلى شارفنا فإذا هي ثَجَّاء فحلب علينا ما شئنا فشرب حتى روي وشربتَ حتى رويت‏.‏

قالت‏:‏ فمكثنا بخير ليلة شباعًا رواء‏.‏

قالت‏:‏ فقال زوجي‏:‏ والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نَسَمةً مباركةً قد نام صبياننا وقد روينا‏.‏

قالت‏:‏ ثم خرجنا فو الله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعتهم حتى ما يتعلق بها منهم أحد حتى إنهم ليقولون‏:‏ ويحك يا بنت الحارث كفىِ عنا أليست هذه أتَانُكَ التي خرجت عليها فأقول‏:‏ بلى والله فيقولون‏:‏ إن لها لشأنا حتى قحمت منازلنا من حاضر منازل بني سعد بن بكر‏.‏

قالت‏:‏ فقدمنا على أجدب أرض الله‏.‏

قالت‏:‏ فو الذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا وأسرح راعي غنيمتي وتروح غنمي حُفلًا بطانأ وتروح أغنامهم جياعًا هلكى ما بها من لبن فنشرب ما شئنا من اللبن وما من الحاضر من أحد يحْلب قطرة ولا يجدها‏.‏

قالت‏:‏ فيقولون لرعاتهم‏:‏ ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة‏.‏

فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه وتروحُ أغنامهم جياعًا ما لها من لبن وتروح غنمي حُفلأ لَبَنًا‏.‏

قالت‏:‏ وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة‏.‏

قالت‏:‏ فبلغ سنتين وهو غلام جَفْر‏.‏

قالت‏:‏ فقدمنا به على أمه فقلت لها وقال لها زوجي‏:‏ دعي ابني فلنرجع به فإنا نخشى عليه وباء مكة‏.‏

قالت‏:‏ ونحن أضن شيء به لما رأينا من بركته صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلم نزل بها حتى قالت‏:‏ ارجعي به‏.‏

قالت‏:‏ فمكث عندنا شهرين قالت فبينما هو يلعب يومًا مع إخوته خلف البيت إذ جاء أخوه لم يشتد فقال لي ولأبيه‏:‏ أدْركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضْجَعاهُ فَشَقا بَطْنَه‏.‏

قالت فخرجت وخرج أبوه يشتد نحوه فانتهينا إليه وهو قائم ممتقع لونه فاعتنقته واعتنقه أبوه وقال‏:‏ مالك يا بني قال‏:‏ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني والله ما أدري ما صنعا‏.‏

قالت‏:‏ فاحتملناه ورجعنا به‏.‏

قالت‏:‏ يقول زوجي يا حليمة والله ما أرى الغلام إلا قد أصيب فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوسْ عليه‏.‏

قال‏:‏ فرجعنا به إلى أمه‏.‏

فقالت‏:‏ ما ردكما وكنتما حريصين عليه فقلنا‏:‏ لا والله إلا أنا كفلناه وأدَينا الذي علينا من الحق فيه ثم تخوفنا عليه الأحداث فقلنا يكون عند أمه‏.‏

قالت‏:‏ والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره قالت‏:‏ والله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره‏.‏

قالت‏:‏ أتخوفتما عليه‏.‏

لا والله إن لابني هذا شأنًا لا أخبركما عنه‏.‏

إني حملت به فلم أحمل حملًا قط هو أخف منه ولا أعظم بركة منه ولقد وضعته فلم يقع كما يقع الصبيان لقد وقع واضعًا يده في الأرض رافعًا رأسه إلى السماء‏.‏

دعاه والحقا بشأنكما‏.‏

 ذكرما جرى في السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم

قال مؤلف الكتاب‏:‏ من ذلك شقّ صدره وقد ذكرناه وظاهر هذا الحديث أن آمنة حملت غير رسول اللة‏.‏

وقد قال الواقدي‏:‏ لا يعرف عنه أهل العلم أن لآمنة وعبد اللة ولدًا غيررسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما حليمة‏:‏ فهي بنت أبي ذويب واسمه‏:‏ عبد العُزَى بن الحارث بن شجنة بن جابر السعدية قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوجِ خديجة فشكت إليه جدب البلاد فكلّم خديجة فأعطتها أربعين شاة وأعطتها بعيراَ ثم قدمت عليه أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ أخبرني أبىِ قال‏:‏ أخبرنا حيوة‏.‏

وزيد بن عبد ربه قالا‏:‏ أخبرنا بقية قال‏:‏ حدَثني يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن أبي عمرو السلمي عن عتبة بن عبد السلمي‏:‏ أنه حدَثهم أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ كيف كان أول شأنك يا رسول اللة قال‏:‏ ‏"‏ كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر فانطلقت أنا وابن لها في بُهم لنا ولم نأخذ معنا زادًا فقلت‏:‏ يا أخي اذهب فاتنا بزادٍ من عند أمنا فانطلق أخي ومكثت عند البهم فاقبل طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ هو هو قال‏:‏ نعم‏.‏

فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين‏.‏

فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ ائتني بماء وثلج فغسلا به جوفي ثم قال‏:‏ ائتني بماء بَرَد فغسلا به قلبي ثم قال ائتني بالسكينة‏.‏

فذراها في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه‏:‏ خطه‏.‏

فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة وقال أحدهما لصاحبه‏:‏ اجعله في كفة واجعل ألفأ من أمته في كفة فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخرً علي بعضهم‏.‏

ثم قال‏:‏ لو أن أمته وزنت به لمال بهم‏.‏

ثم انطلقا وتركاني وقد فرقت فَرقًا شديدًا ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت أن يكون التبس بي فقالت‏:‏ أعيذك بالله فحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى إذا بلغنا إلى أمي فقالت‏:‏ أديتُ أمانتي وذمتي وحدثتها الحديث فلم يرعها ذلك وقالت‏:‏ إني رأيت حين خرج مني نورًا أضاءت منه قصور الشام‏.‏

وروي عن مكحول عن شداد بن أوس قال‏:‏ بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل شيخ من بني عامر فقال‏:‏ يا ابن عبد المطلب إني أنبئت أنك 0 تزعم أنك رسول الله إلى الناس فأنبئني بحقيقة ذلك وبدو شأنك‏.‏

‏"‏يا أخا بني عامر إن حقيقة قولي وبدو شأني دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى بن مريم وإن أمي لما وضعتني كنت مسترضعًا في بني ليث بن بكر فبينا أنا ذات يوم منتبذٌ من أهلي في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان إذ أنا برهط ثلاثة معهم طست من ذهب مليء ثلجًا فأخفوني من بين أصحابي فخرج أصحابي هرابًا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ثم أقبلوا على الرهط فقالوا‏:‏ ما أربكم إلى هذا الغلام فإنه ليس منا هذا ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا غلام يتيم ليس له أب فماذا يرد عليكم قتله فإن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه‏.‏

فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون إليهم جوابًا انطلقوا هرابًا مسرعين إلى الحي يستصرخونهم فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعًا لطيفًا ثم شق ما بين مفرق رأسي إلى منتهى عانتي وأنا أنظر إليه ولم أجد لذلك مسًا ثم أخرج أحشاء بطني ثم غسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه‏:‏ تنح‏.‏

فنحاه عني ثم أدخل يده من جَوفي فأخرج قلبي وأنا أنظر إليه فصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ثم قال‏:‏ قال بيمينه ويساره كأنه يتناول شيئًا فإذا أنا بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه فختم به قلبي فامتلأ نورًا ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرًا ثم قال الثالث لصاحبه‏:‏ تنح فنحاه عني فأمر بيده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ثم أخذ بيدي فانهضني من مكاني إنهاضًا لطيفًا ثم قال للأول للذي شق بطني‏:‏ زنه بعشرة من أمته‏.‏

فوزنني بهم فرجحتهم‏.‏

ثم قال‏:‏ زنه بمائة من أمته‏.‏

فوزنني بهم فرجحتهم‏.‏

ثم قال‏:‏ زنه بألف من أمته فوزنني بهم فرجحتهم‏.‏

فقال‏:‏ دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم‏.‏

قال‏:‏ ثم ضموني إلى صدورهم وقبَّلوا رأسي وبين عيني ثم قالوا‏:‏ يا حبيب لم تُرعْ إنك لو تدري ما يراد بك من الخير ولو علمت ما يراد بك لقرت عيناك‏.‏

قال‏:‏ فبينا نحن كذلك إذا أنا بالحي قد جاءوني بحذافيرهم وإذا أمي وهي ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول‏:‏ يا ضعيفَاَ‏.‏

فأكبوا عليً وقبّلوا رأسي وما بين عيني فقالوا‏:‏ حبذا أنت من ضعيف‏.‏

ثم قالت ظئري‏:‏ يا وحيدًا‏.‏

فأكبوا على فضموني وقبّلوا ما بين رأسي وعيني ثم قالت ظئري‏:‏ يا يتيمًا يا مستضعفآ أنت من بين أصحابك فقتلت لضعفك‏.‏

ثم ضمتني إلى صدرها فو الذي نفسي بيده انني لفي حجرها وإن يدي لفي يد بعضهم فجعلت ألتفت إليهم وظننت أن القوم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم فقال بعض القوم‏:‏ إن هذا الغلام قد أصابه لمم أوطائف من الجن فانطلقوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه فقلت ما بي من شيء مما يذكر‏.‏

فقال أبي وهو زوج ظئري‏:‏ ألا ترون كلامه كلام صحيح إني لأرجو أن لا يكون با بني بأس‏.‏

فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ذهبوا بي إليه فقصُوا عليه قصتي فقال‏:‏ اسكتوا حتى اسمع من الغلام فإنه أعلم بأمره منكم‏.‏

فسألني فقصصت عليه أمري فوثب إليَّ وضمني إلى صدره ثم نادى بأعلى صوته‏:‏ يال العرب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه فو اللات والعزى لئن تركتموه وأدرك ليبدلنّ دينكم‏.‏

ثم احتملوني فذاك بدو شأني ‏"‏‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَثني عبد اللّه بن زيد بن أسلم عن أبيه قال‏:‏ لما قامت سوق عكاظ انطلقت حليمة برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عَرًاف من هذيل يريه الناسُ صبيانهم‏.‏

قال‏:‏ فلما نظر إليه صاح‏:‏ يا معشر هذيل يا معشر العرب فاجتمع إليه الناس من أهل الموسم‏.‏

فقال‏:‏ اقتلوا هذا الصبي‏.‏

فانسلت به حليمة فجعل الناس يقولون‏:‏ أي صبي‏.‏

فيقول‏:‏ هذا الصبي‏.‏

فلا يرون شيئًا‏.‏

قد انطلقت به أمه‏.‏

فيقال له‏:‏ ما هو فيقول‏:‏ رأيت غلامًا وآلهته ليقتلن أهل دينكم وليكسرن آلهتكم وليظهرن أمره عليكم‏.‏

فطلب بعكاظ فلم يوجد ورجعت به حليمة إلى منزلها وكانت بعد ذلك لا تعرضه لعرافٍ ولا لأحد من الناس‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وحدثني زياد بن سعد بن عيسى بن عبد الله بن مالك قال‏:‏ جعل الشيخ الهُذَليّ يصيح‏:‏ يال العرب يال هذيل إن هذا لينتظر أمرًا من السماء‏.‏

وجعل يغري بالنبي لله فلم يَنْشَبْ أن وَلهَ وذهب عقله حتى مات كافرًا‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وحدثني معاذ بن محمد بن أبي رباح عن ابن عباس قال‏:‏ خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته مع أخته فقالت‏:‏ في هذا الحر فقالت أخته‏:‏ يا أماه ما وجد أخي حرًا رأيت غمامة تُظِل عليه فإذا وقف وقفت وإذا سار سارت معه حتى انتهى إلى هذا الموضع‏.‏

وهذا كان في السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم‏.‏

 ذكر ما جرى في السنة الرابعة من مولده صلى الله عليه وسلم

قال مؤلف الكتاب‏:‏ قد ذكرنا أن شق صدره عليه الصلاة والسلام كان في سنة ثلاث من مولده‏.‏

وقد قيل‏:‏ في سنة أربع‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر عن أصحابه قال‏:‏ مكث عندهم سنتين حتى فُطم وكان ابن أربع سنين فقدموا به على أمه وهم زائرون لها به وأخبرتها حليمة خبره وما رأوا من بركته فقالت آمنة‏:‏ ارجعي بابني فإنىٍ أخاف عليه وباء مكة فو الله ليكونن له شأن فرجعت به ولما بلغِ أربع سنين كان يغدو مع أخيه وأخته في البَهْم قريبًا من الحي فأتاه المَلَكان هناك فشقَا بطنه وأستخرجا عَلَقَة سَوْداءَ فطرحاها وغسلا بطنه بماء الثلج في طَست من ذهب ثم وُزِن بألف من أمته فوزنهم فنزلت به إلى أمه امنة بنت وهب فأخبرتها خبره ثم رجعت به أيضًا وكان عندها حولًا أو نحوها لا تدعه يذهب مكانأ بعيدأ ثم رأت غمامة تظِلّه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت فأفزعها ذلك أيضًا من أمره فقَدِمَتْ به إلى أمه لترده وهو ابن خمس سنين فأضلها في الناس فالتمسته فلم تجده فأتت عبد المطلب فأخبرته فالتمسه عبد المطلب فلم يجده فقام عند الكعبة فقال‏:‏ لاهم أد راكبي مُحمداَ أدهِ إليَّ واصْطَنِعْ عِنْدي لَدا أنت الذي جعلته لي عَضُدَا ‏"‏ قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد رُوي لنا أن عبد المطلب بعثه في حاجة له فضاع فقال هذا‏.‏

قال‏:‏ وقد روينا أن حليمة قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد تزوًج خديجة فشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية فكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فيها فأعطتها أربعين شاة ويعيرًا موقعًا للظعينة وانصرفت إلى أهلها ثم قدمت عليه بعد الاسلام فاسلمت هي وزوجها وبايعاه‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عبد اللّه بن نمير قال‏:‏ أخبرنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر قال‏:‏ استأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت أرضعته فلما دخلت عليه قال‏:‏ ‏"‏ أمّي أمي ‏"‏ وعَمَدَ إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه‏.‏

وقد روي لنا أنها جاءت إلى أبي بكر فأكرمها‏.‏

وإلى عمر رضي اللّه عنهما ففعل مثل ذلك‏.‏

 ذكر الحوادث التي كانت سنة خمس من مولده عليه السلام

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال أخبرنا علي بن محمد عن محمد بن الفضل عن أبي حازم قال‏:‏ قدم كاهن مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس سنين وقد قدمت به ظئره إلى عبد المطلب وكانت تأتيه به في كل عام فنظر إليه الكاهن مع عبد المطلب فقال‏:‏ يا معشر قريش اقتلوا هذا الصبي فإنه يفرّقكم ويقتلكم فهرب به عبد المطلب فلم تزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن حذرهم ذكر الحوادث في سنة ست من مولده صلى الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدَثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمرو قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري قال‏:‏ وأخبرنا محمد بن صالح عن عاصم عن عمرو بن قتادة قالوا‏:‏ حدَثنا عبد الرحمن بن عبد العزيزعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال‏:‏ حدَثنا هاشم بن عاصم الأسلمي عن أبيه عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض قالوا‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ومعه أم أيمن حاضنته وهم على بعيرين فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم شهرًا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أمورًا في مقامه ذلك فلما نظر إلى أطم بني عدى بن النجار وعرفه قال‏:‏ كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذه الأطام وكنت مع غلمان من أخوالي نطير طائرًا كان يقع عليه ونظر إلى الدار فقال‏:‏ ها هنا نزلت بي أمي وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله بن عبد المطّلب وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه‏.‏

قالت أم أيمن‏:‏ فسمعت أحدهم يقول‏:‏ هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته فوعيت ذلك كله من كلامه ثم رجعت به أمه إلى مكة فلما كانوا بالأبواء توفيت أمه آمنة بنت وهب فقبرها فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية بالأبواء قال‏:‏ ‏"‏ إِن الله قد أذن لمحمدٍ في زيارة قبر أمه ‏"‏ فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقيل له‏:‏ فقال‏:‏ ‏"‏ أدركتني رحمة رحمتها فبكيت ‏"‏‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا قبيصة بن عقبة قال‏:‏ حدثنا سفيان بن سعيد الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال‏:‏ لما فتح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة أتى جذم قبر أمه فجلس إليه وجلس الناس حوله فجعل كهيئة المخاطب ثم قام وهو يبكي فاستقبله عمر‏.‏

وكان من أجْرأ الناس عليه فقال‏:‏ بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي أبكاك قال‏:‏ ‏"‏ هذا قبر أمي سألت ربي الزيارة فأذن لي وسألته الاستغفار فلم يأذن لي فذكرتها فوقفت فبكيت ‏"‏ فلم يُرَ يومًا أكثر باكيأ من يومئذ‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ هذا غلط ليس قبرها بمكة إنما قبرها بالأبواء‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسين قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن بشران قال‏:‏ أخبرنا ابن السماك قال‏:‏ حدَّثنا ابن البراء قال‏:‏ حدثني الحسين بن جابر وكان من المجاورين بمكة‏:‏ أنه رفع إلى المأمون أن السيل يدخل قبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم لموضع معروف هناك فأمر المأمون بإحكامه‏.‏

قال ابن البراء‏:‏ وقد وصف لي وأنا بمكة موضعه فيجوز أن تكون توفيت بالأبواء ثم ذكر الحوادث التي كانت سنة سبع من مولده صلى الله عليه وسلم من ذلك كفالة عبد المطلب له أخبرنا محمد بن أبى طاهر البزاز قال‏:‏‏.‏

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدَثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدَثنا محمد بن عمر بن واقد قال‏:‏ حدَثني محمد بن عبد الله قال‏:‏ أخبرني الزهري‏.‏

قال‏:‏ وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن حمزة عن عبد اللّه‏.‏

قال‏:‏ وحدَثنا هاشم بن عاصم الأسلمي عن المنذر بن جَهْم قال‏:‏ وأخبرنا معمر عن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز عن ابي الحويرث قال‏:‏ وأخبرني ابن أبي سبرة عن سلمان بن سُحيم عن نافع بن جبير دخل حديث بعضهم في بعض قالوا‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون مع أمه آمنة بنت وهب فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورقَ عليه رِقة لم يَرقها على ولده وكان يقربه منه ويدنيه ويدخل عليه اذا خلا واذا نام وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب اذا رأى ذلك‏:‏ دعوا ابني إنه ليُؤنسُ مُلكًا‏.‏

وقال قوم من مدلج لعبد المطلب‏:‏ احتفظ به فإنا لم نَر قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام منه‏.‏

فقال عبد المطلب لابنه أبي طالب‏:‏ اسمع ما يقول هؤلاء فكان أبو طالب يحتفظ به‏.‏

وقال عبد المطلب‏:‏ لأم أيمن وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا بركة لا تغفلي عن ابني فإنني وجدته مع غلمان قريبًا من السدرة فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة وكان عبد المطلب لا يأكل طعامًا إلا قال‏:‏ عليَ بابني‏.‏

فيؤتى به إليه‏.‏

فلفَا حضرت عبد المطلب الوفاةُ أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله وحياطته‏.‏

ومن ذلك

 خروج عبد المطلب برسول الله

صلى الله عليه وسلم عن منام رقيقة أخبرنا عبد الله بن علي المقرىء ومحمد بن ناصر الحافظ قالا‏:‏ أخبرنا طراد بن محمد قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن صفوان قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال‏:‏ أخبرنا زكريا بن يحيى الطائي قال‏:‏ حدَثني زحر بن حصين عن جده حميد بن تحدث نخرمة بن نوفل عن أمه رقيقة ابنة صفي بن هاشم وكانت لِده عبد المطلب قالت‏:‏ تتابعت على قريش سنون أقحلت الضَرْع وأدقًت العظم‏.‏

فبينا أنا نائمة اللهم أو مهمومة إذا هاتف يصرخ بصوت حَمل يقول‏:‏ يا معشر قريش إن هذا النَّبيَّ المبعوث فيكم قد أظلتكم أيامه وهذا إبان نجومه فحيهلا بالحَيَا والخصب ألا فانظروا رجلًا منكم وسيطًا عظامًا جسَامًا أبيض بَضًا أوطفَ الأهداب سهل الخدين أشمَّ العرنين له فخر يكظم عليه وسنة تهدي إليه فليَخْلص هو وولده وليهبط إليه من كل بطن رجل فليسنوا من الماء وليمسوا من الطيب ثم ليستلموا الركن ثم ليرتقوا أبا قُبيس فليستسق الرجل وليؤمِّن القوم فغِثْتم ما شئتم‏.‏

فأصبحتُ عَلم الله مذعورة وقد اقشعر جلدي ووَله عقلي واقتصصت رؤياي فو الحرمة والحَرَم ما بقي أبْطحي إلا قال‏:‏ هذا شَيْبة الحمد‏.‏

فتتامَّت إليه رجالات قريش فهبط إليه من كل بطن رجل فسنوا ومسُّوا واستلموا ثم ارتقوا أبا قُبَيس وطبقوا جانبيه فما يَبْلغ سعيهم مُهْلةً حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام قد أيفع أو كَرب فقال‏:‏ ‏"‏ اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت معلم غير مَعلم ومسؤول غير مبخل وهؤلاء عبادك وإماؤك بغدرات حرمك يشكون إليك سنتهم أذهبت الخف والظلف اللهم فأمطرنا غيثا مغدقًا ممرعًا ‏"‏‏.‏

فو الكعبة ما زالوا حتى تفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجيجه فلسمعت شِيخان قريش وجلتها‏:‏ عبد الله بن جُدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب‏:‏ هنيئًا لك أبا البطحاء‏.‏

أي‏:‏ عاش بك أهل البطحاء‏.‏

وفي ذلك تقول رقيقة‏:‏ بشَيبة الحمد أسقى الله بلدتنا لما فقدْنا الحيا وأجلوَذ المطرُ فجاد بالماء جَوْني له سَبل سحًا فعاشتَ به الأنعام والشجر منًّا من اللة بالميمون طائره وخيْر مَنْ بشرت يومًا به مُضر مَبَارَكُ الأمر يُسْتسقى الغمام به ما في الأنام له عِدْلٌ ولا خطر ومن الحوادث هذه السنة تهنئة سَيْف بن ذي يَزَن بالمُلك

خروج عبد المطلب لتهنئة سَيْف بن ذي يَزَن بالمُلك وتبشير سَيْف عبد المطلب بأنه سيظهر رسول الله من نسْله

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد البراء قال‏:‏ حدثني يزيد بن رجاء الغنوي قال‏:‏ حدَثني أبو الصهباء أحمد بن محمد العبدي قال‏:‏ حدثني ابن مزروع الكلبي عن أبيه قال‏:‏ لما ملك سَيْف بن ذي يَزَن أرض اليمن وقتل الحَبَش وأبادهم وفدت إليه أشراف العرب ورؤساؤهم ليهنئوه بما ساق الله عز وجل إليه من الظفر ووفد وفد قريش وكانوا خمسة من عظمائهم‏:‏ عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جدعان وخويلد بن أسد ووهب بن عبد مناف بن زهرة‏.‏

فساروا حتى وافوا مدينة صنعاء وسَيْف بن ذي يَزَن نازل بقصر يسمى غُمْدَان وكان أحد القصور التي بنتها الشياطين لبلقيس بأمر سليمان فأناخ عبد المطلب وأصحابه واستأذنوا على سيف فأذن لهم فدخلوا وهو جالس على سرير من ذهب وحوله أشراف اليمن على كراسي من الذهب وهو متضمخ بالعنبر وبصيصُ المسك يلوح من مفارق رأسه فحيٌوه بتحية الملك ووضعت لهم كراسي الذهب فجلسوا عليها إلا عبد المطلب فإنه قام ماثلًا بين يديه واستأذنه في الكلام فقيل له‏:‏ إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فتكلم‏.‏

فقال‏:‏ أيها الملك إن الله قد أحلك محلًا رفيعًا صعبًا منيعًا شامخًا باذخأ منيفًا وأنْبتَك مَنْبتًا طابت أرومته وعزت جرثومته وثبت أصله وبسق فَرْعه في أطيب مغرس وأعذب منبت فأنت أيها الملك ربيع العرب الذي إليه الملاذ وذروتها الذي إلي المعاد وسلفك لنا خير سلف وأنت لنا منهم خير خلف لن يهلك مَنْ أنت خلفه ولن يَخْمل من أنت سلفه ونحن أيها الملك أهل حَرَم الله وسدنة بيت الله أوفدنا إليك الذي أبْهَجنا مِن كشف الضر الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد الترزئة‏.‏

فقال سيف‏:‏ أنتم قريش الأباطح‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ مرحبًا وأهلأ وناقة ورَحْلًا ومُناخَاَ سهلأ وملكأ سَمحلًا يعطي عطاءً جزلًا قد سمع الملك مقالتكم وعرف فضلكم فأنتم أهل الشرف والحمد والثناء والمجد فلكم الكرامة ما أقمتم والحباء الواسع إذا انصرفتم‏.‏

ثم قال لعبد المطلب‏:‏ أيهم أنت‏.‏

قال‏:‏ أنا عبد المطًلب بن هاشم‏.‏

قال‏:‏ إياك أردت ولك حشدت فأنت ربيع الأنام وسيد الأقوام انطلقوا فانزلوا حتى أدعو بكم‏.‏

ثم أمر بإنزالهم وإكرامهم فأقاموا شهرًا لا يدعوهم حتى انتبه لهم ذات يوم فأرسل إلى عبد المطلب‏:‏ ائتني وحدَك من بين أصحابك فأتاه فوجده مستخليًا لا أحد عنده فقربه حتى أجلسه معه على سريره ثم قال له‏:‏ يا عبد المطلب إني أريد أن ألقي إليك من علمي سرًا لو غيرك يكون لم أبح به إليه غير أني رأيتك معدنه فليكن عندك مصونًا حتى يأذن الله عز وجل فيه بأمره فإن الله منجز وعده وبالغ أمره‏.‏

قال عبد المطلب‏:‏ أرشدك الله أيها قال سيف‏:‏ أنا أجد في الكتب الصادقة والعلوم السابقة التي اختزنَاها لأنفسنا وسترناها عن غيرنا خبرًا عظيمًا وخطرًا جسيمًا فيه شرف الحياة وفخر الممات للعرب عامة ولرهطك كافة ولك خاصة‏.‏

فقال عبد المطلب‏:‏ أيها الملك لقد أبتُ بخير كثير ما آب به وافد ولولا هيبة الملك وإعظامه لسألته أن يزيدني من سروره إياي سرورًا‏.‏

فقال سيف‏:‏ نبي يُبعث من عقبك ورسول من فرعك اسمه محمد وأحمد وهذا زمانه الذي يولد فيه ولعله قد ولد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه وباعثه جهارًا وجاعل له أنصارًا يُعِزً بهم أولياءه ويُذل بهم أعداءه تخمد عند مولده النيران ويُعبد الواحد الديان ويزجر الكفر والطغيان ويكسر اللات والأوثان قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله‏.‏

قال عبد المطلب‏:‏ علا كعبك ودام فضلك وطال عمرك فهل الملك سارى بإفصاح تفسيروإيضاح فقال سيف‏:‏ والبيت ذي الحُجُب والآيات والكتب إنك يا عبد المطلب لجده بلا كذب‏.‏

فخَر عبد المطلب ساجدًا فقال‏:‏ ارفع رأسك ثلج صدرُك وطال عمرك وعلا أمرك فهل أحسست قال عبد المطلب‏:‏ نعم أيها الملك كان لي ولد كنت به معجبًا فزوجه كريمة من كرائم قومي تسمى‏:‏ آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سميته‏:‏ محمدًا وأحمد مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه‏.‏

قال‏:‏ هو هو لله أبوك فاحذر عليه أعداءه وإن كان الله لم يجعل لهم سبيلًا ولولا علمي بأن الموت مجتاحي قبل ظهوره لسرت بخيلي ورجلي حتى أجعل مدينة يثرب دار ملكي فإني أجد في كتب آبائي أن بيثرب استتباب أمره و أهل دعوته ونصرته وفيها موضع قبره ولولا ما أجد من بلوغه الغايات وأن الآفات وأن أدفع عنه العاهات لأظهرت اسمه وأوطأت العربَ عقِبه وإن أعش فسأصرف ذلك إليه قم فانصرف ومَنْ معك من أصحابك‏.‏

ثم أمر لكل رجل منهم بمائتي بعير وعشرة أعبُدٍ من الحبش وعشرة أرطال من الذهب وحلتين من البرود وأمرلعبد المطلب بمثل جميع ما أمر لهم وقال له‏:‏ يا عبد المطلب إذا شب محمد وترعرع فأقدم علي بخبره‏.‏

ثم ودعوه وانصرفوا إلى مكة‏.‏

وكان عبد المطلب يقول‏:‏ لا تغبطوني بكرامة الملك إياي دونكم وإن كان ذلك جزيلًا وفضل إحسانه إلي وأن كان كثيرًا أغبطوني بأمرٍ ألقاه إلي فما فيه شرفٌ لي ولعقبي من بعدي فكانوا يقولون له‏:‏ ما هو فيقول لهم‏:‏ ستعرفونه بعد حين‏.‏

فمكث سيف باليمن عدة أحوال وإنه ركب يومًا كنحو ما كان يركب للصيد وقد كان اتخذ من السودان نفرًا يجهزون بين يديه بحرابهم فعطفوا عليه يومًا فقتلوه وبلغ كسرى أنوشروان فرد إليها وهرز وأمره أن لا يدع أسود إلا قتله‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد روي لنا أن هذه الوفاة إلى ابن ذي يزن كانت في سنة ثلاث من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم روينا ذلك عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس والرواية التي ذكرنا آنفًا أصح لأن في الروايتِين يقول عبد المطلب‏:‏ توفي أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه‏.‏

وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمت حتى بلغ ست سنين‏.‏

 ذكر الحوادث التي كانت في سنة ثمان من مولده صلى الله عليه وسلم

منها موت عبد المطلب روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال‏:‏ كان عبد المطلب يوصي برسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب‏.‏

وذلك أن أبا طالب وعبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا لأمٍ وأب‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ قلت‏:‏ وقد كان الزبير عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمهما أيضًا أحدها‏:‏ وصية عبد المطلب لأبي طالب‏.‏

والثاني‏:‏ أنهما اقترعا فخرجت القرعة لأبي طالب‏.‏

والثالث‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاره‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال أخبرنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر بن واقد وقال‏:‏ حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال‏:‏ وحدثني عبد الله بن جعفر بن عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله قال‏:‏ وأخبرنا هشام بن الأعصم الأسلمي عن المنذر بن جهم قال‏:‏ وحدًثنا معمرعن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز عن أبي الحويرث قال‏:‏ وأخبرنا ابن أبي سبرة عن سلمان بن سحيم عن نافع بن جبير دخل حديث بعضهم في بعض قالوا‏:‏ لما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلي الله عليه وسلم وحياطته ولما نزل بعبد المطلب الوفاة قال لنسائه ابكينني وأنا أسمع فبكته كل واحدة منهن بشعر فلما تسمع قول أميمة وقد أمسك لسانه جعل يحرك رأسه أي قد صدقتِ وقد كنتُ كذلك وهو قولها‏:‏ عَلى مَاجِدِ الجَد ّواري الزنادِ جميل المُحيا عَظِيم الخَطَر عَلى شَيْبَة الحَمِد ذي المَكرُمَاتِ وفي المَجدِ والعز والمُفْتَخَرْ وذي الحلم والفضل في النائبات كثيرِ المَكارِم جَم الفَخَرْ له فضلُ مَجْدٍ عَلى قوْمِه مُبِينٍ يَلُوحُ كضَوء القَمَرْ أتَتْهُ المَنَايَا فَلَمْ تُشْوِه بصَرْفِ الليالي وَرَيْبِ القَدَر قال‏:‏ ومات عبد المطلب وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة‏.‏

ويقال‏:‏ ابن مائة وعشر سنين‏.‏

وقيل‏:‏ ابن مائة وعشرين سنة‏.‏

وسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم أتذكر موت عبد المطلب قال‏:‏ ‏"‏ نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين ‏"‏‏.‏

قالت أم أيمن‏:‏ رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب‏.‏

وقد أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن محمد الدقاق قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن البراء قال‏:‏ توفي عبد المطلب ورسول الله صلي الله عليه وسلم قد أتى عليه ثمانية وعشرون شهرًا‏.‏

قال وهذا المحفوظ من القول‏.‏

وتوفي عبد المطلب في ملك هُرْمز بن أنو شروان وكان قد مات قبل ذلك أنو شروان وعلى الحيرة قابوس بن المنذر‏.‏

ومن الحوادث كفالة أبي طالب رسول الله صلي الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال‏:‏ أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح مجاهد قال‏.‏

وأخبرنا معاذ بن محمد الأنصاري عن عطاء عن ابن عباس قال‏.‏

وأخبرنا محمد بن صالح وعبد الله بن جعفر وإبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة دخل حديث بعضهم في أحديث بعض قالوا‏:‏ لما تُوًفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول الله صلي الله عليه وسلم إليه فكان يكون معه وكان أبو طالب لا مال له وكان يحبه حبًا شديدًا لا يحبًه ولدَه وكان لا ينام إلا جنبه ويخرج فيخرج معه وصب به أبو طالب صبابة لم يُصب مثلها بشيء قط كان يخصه بالطعام وإذا أكل عيال أبي طالب جميعًا أو فُرادى لم يشبعوا وإذا معهم رسول الله صلي الله عليه وسلم شبعوا فكان إذا أراد أن يُغَذيَهُم قال‏:‏ كما أنتم حتى يحضُر ابني فيأتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم وإذا لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب‏:‏ إنّك لمبارك وكان الصبيان يصبحون رُمْصًا شُعثًا ويصبح رسول الله صلي الله عليه وسلم دهينًا كحيلًا‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وحدًثنا عثمان بن عمر بن فارس قال‏:‏ أخبرنا ابن عون عن عمرو بن سعيد قال‏:‏ كان أبو طالب تُلقى له وسادة يقعد عليها فجاء النبي صلي الله عليه وسلم وهو غلام فقعد عليها فقال أبو طالب‏:‏ وإله ربيعة إن ابن أخي ليُحسن بنعيم‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا إسحاق الأزرق قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن عون عن عمرو بن سعيد‏:‏ أن أبا طالب قال‏:‏ كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي يعني النبي صلي الله عليه وسلم فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت‏:‏ يا ابن أخي قد أدركني العطش‏.‏

وما قلت له ذاك وأنا أدري أن عنده شيئأ إلا الجَزَع قال‏:‏ فثنى وَرِكه ثم نزل فقال‏:‏ يا عَم أعَطِشْت قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم‏:‏ فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء فقال‏:‏ اشْرَبْ يَا عم فشربت‏.‏

أبي سَبْرة عن حسين بن عبد الله بن العباس عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ حدثتني أم أيمن قالت‏:‏ كان بِبُوانة صنمٌ تحضره قريش وتعظمه وتنسك له النسَائكَ ويحلقون رؤوسهم عنده ويعكفون عنده يومًا إلى الليل وذلك يومًا في السنة فكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم رسول الله أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى رسول الله ذلك حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن‏:‏ إنًا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا وجعلن يقلن‏:‏ ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثرلهم جمعا‏.‏

فلم يزالوا به حتى ذهب عنهم فغاب ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعويأ فقالت له عماته‏:‏ ما دهاك قال‏:‏ إني أخْشَى أنْ يَكونَ بي لَمم‏.‏

فقلن‏:‏ ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذى رأيت قال‏:‏ إني كلما دَنَوْتُ صَنَم مِنْهَا تَمَثل لي رجُلٌ أبْيَضُ طَويلٌ يصيح بي‏:‏ وَرَاءَكَ يا مُحَمد لاتَمسهُ قالت فما عاد إلى عيدٍ لهم حتى تنبأ صلي الله عليه وسلم‏.‏

ومن الحوادث هلاك حاتم الطائي وهو‏:‏ حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرىء القيس وأمه‏:‏ غنية بنت عفيف من وسفًانة هي التي أتت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت‏:‏ هلك الوالد ومات الوافد‏.‏

وكان شاعرًا جوادًا إذا سئل أعطى ووهب واذا غنم انهب ومر في سفر له على عيره وفيهم أسير فاستغاث به وما حضره فكاكه‏.‏

فقال‏:‏ أسأت إِلي حين فوهت باسمي وما أنا ببلاد قومي وليس عندي ما أفديك به‏.‏

ثم اشتراه وخلأه وأقام مكانه في القيد حتى أتي بفدائه‏.‏

وقسم ماله بضع عشرة مرة وكان له قدور عظام بفنائه على الأثافي لا تزل فإذا أهل رجب نحر كل يوم وأطعم فكان أبوه جعله في إبل له وهو غلام فمر به عبيدة بن الأبرص وبشر بن أبي حازم والنابغة الذبياني يريحون النعمان فقالوا‏:‏ هل من قري فقال‏:‏ تسألون عن القراء وأنتم ترونْ الإبل والعنز فنحر لكل رجل منهم بعيرًا ولم يعرفهم ثم سألهم عن أسمائهم فتسموا له ففرًق الإبل فيهم والغنم وبلغ ذلك أباه فجاءه فقال ما فعلت الإبل قال‏:‏ يا أبه طوقتك مجد الدهر طوق الحمامة‏.‏

وحدَّثه بما صنع‏.‏

قال‏:‏ إذن لا أساكنك‏.‏

قال إذن لا أبالي فاعثر له‏.‏

وقال حاتم يذكر قول ابيه فيه‏:‏ واني لعف الصبر مشترك الغنى تَرُوك لشكل لايوافقه شكلي ولي نيقةٌ في البذل والجود لم يكن تأنقها فيمنْ مضى أحد قبلي وما ضرني أن سارسعد بأهلِه وخلفني في الدار ليس معي أهلي وما من بخيل غاله الدهر مَرةً فيذكرها إلا تردد في البخل أخبرنا عبد الله بن علي المقري والحسن بن أحمد بن محبوب قالا‏:‏ أخبرنا طراد بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن جعفر الحودي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني عمر بن بكير عن أبي عبد الرحمن الطائي عن ملحان بن عركر بن حلبس الطائي عن أبيه عن جده وكان أخا عدي بن حاتم لأمه قال‏:‏ قيل لنوار امرأة حاتم‏:‏ حدثينا عن حاتم‏.‏

قالت‏:‏ كل أمره كان عجبًا أصابتنا سنة خصت كل شيء‏.‏

قال‏:‏ فاقشعرت لها الأرض واغبرت لها السماء وضنَت المراضع على أولدها وراحت الإبل ما تبض بقطرة وأنا لفي ليلة صنبرة بعيدة ما بين الطرفين إذ تضاغى الصبية من الجوع‏:‏ عبد الله وعدي وسفانة فو الله إن وجدنا شيئًا نعللهم به فقام إلى أحد الصبيين فحمله فقمت إلى الصبية فعللتها فو الله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل ثم عدنا إلى الصبي الآخر فعللناه حتى سكت وما كاد ثم افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل فأضجعنا الصبيان عليها ونمت أنا وهو في حجرة والصبيان بينناْ ثم أقبل علي يعللني لأنام وعرفت ما يريد فتناومت‏.‏

فقال‏:‏ ما لك أنمت فسَكتُ‏.‏

فقال‏:‏ ما أراها الا قد نامت وما بي من نوم فلما ادلهم الليل وتهورت النجرم وهدأت الأصوات وسكنت الرجل إذا جانب البيت قد رفع فقال‏:‏ مَنْ هذا فولى حتى إذا قلت قد أسحرنا أو كدنا عاد فقال‏:‏ مَنْ هذا‏.‏

قالت‏:‏ جارتك فلانة يا أبا عمي ما وجدت على أحدٍ معولًا غيرك أتيتك من عند صبية يعوون عواء الذئب من الجوع‏.‏

قال‏:‏ اعجليهم علي قالت‏:‏ النوار فوثبت فقلت‏:‏ ماذا صنعت فو الله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم به فكيف بهذه وبولدها‏!‏ فقال‏:‏ اسكتي والله لأشبعنك وإياهم إن شاء الله قالت‏:‏ فأقبلت تحمل اثنين وتمشي جنبتيها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها‏.‏

قالت‏:‏ فقام إلى فرسه فوجأها بحربته في لبته ثم قدح زنده وأورى ناره ثم جاء بمدية فكشط عن جلده ثم دفع المدية إلى المرأة ثم قال‏:‏ دونك ثم قال‏:‏ ابعثي صبيانك‏.‏

فبعثتهم ثم قال‏:‏ سوءة أتكلون شيئًا دون أهل الصرِم فجعل يطيف بهم حتى هبوا فأقبلوا عليه فقسمه فيهم وأعطانينه والتفع في ثوبه ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا لا والله ما ذاق منه مزعة ولأنه أحوج إليه منهم فأصبحنا وما على الأرض منه إِلا عظم أوحافر‏.‏

قال أبو عبد الرحمن الصرِم الأبيات العشر أو ونحوها ينزلون في جانب‏.‏

فصل

أم حاتم وكانت أم حاتم لا تدخر شيئًا سخاء وكرمًا وكان اخوتها يمنعونها من ذلك وتأبى فحبسوها في بيت سنة يرزقونها فيه شيئًا معلومًا فلما ذاقت طعم البؤس وأخرجوها فأعطوها صرمة من مالها فأتتها امرأة فسألتها فقالت‏:‏ دونك الصرمة فقد والله مسني من الجوع ما آليت معه أن لا أمنع سائلًا‏.‏

ومن الحوادث أيضًا في سنة ثمان من مولده صلي الله عليه وسلم موت كسرى أنو شروان وولاية ابنه هرمز فإنه مات في سنة ثمان من مولد نبينا صلي الله عليه وسلم وولي ابنه هرمز فكان يحسن إلى الضعفاء ويؤثر العدل فكان إذا سافر نادى مناديه في الجند‏:‏ أن تحاموا مواضع الحرث‏.‏

فكانوا يضبطون دوابهم عن الفساد فيها حتى إن ابنه ابرويز كان معه في سفر قعا مركوبه فوقع في حرث فأفسد فأمر هرمز أن يجدع أذنيه ويبتر ذنبه ويغرم ابنه ما أفسد الفرص‏.‏

ففعلوا ذلك‏.‏

ومر بعض أصحابه بكرم فأخذ عناقيد حصرم فاستغاث صاحب الكرم فخاف عقوبة هرمز فدفع إليه منطقة محلاة ذهبًا ليسكت عنه ورأى قبوله ذلك مِنَةً عليه‏.‏

وكان هرمز يميل على أهل الشرف والبيوتات فقتل منهم ثلاثة عشر ألفًا وستمائة رجل وقصر بالأساصرة وأسقط كثيرًا من العظماء فتغيروا عليه وكان قد عزل يَزَن عن اليمن واستعمل مكانه المرزوان فخالفه أهل جبل يقال له الصانع فامتنعوا من حمل الخراج إليه فأقبل نحوهم فإذا خيل لا يطمع في دخوله إلا من باب واحد يمنع ذلك الباب رجل واحد يصعد جبل يحاذيه وبين رأس الجبلين قريب إلا أنه لا يطمع فيه فضرب فرسه فوثب المضيق فإذا هو على رأس الحصن فقالوا‏:‏ هذا شيطان فقتل وسبا‏.‏

ومن الحوادث في سنة تسع من مولده صلي الله عليه وسلم انزعاج هرمز بكثرة مَنْ يقصده ويعاديه وفى رواية‏:‏ أن أبا طالب خرج برسول الله صلي الله عليه وسلم إلى بصرى وهو ابن تسع‏.‏

ومن الحوادث في سنة عشر من مولده صلي الله عليه وسلم الفجار الأول وكانت الحرب فيه ثلاثة أيام وكان أول أمر الفجار ابن بدر بن معشر الغفاري كان منيعًا مستطيلًا بمنعته على مَنْ ورد عكاظ فاتخذ مجلسًا بسوق عكاظ وقعد فيه وجعل يبذخ على الناس ويقول‏:‏ نحن بنو مدركة بن خندف من يضعوا في عينه لا يطرف وهو باسط رجله وجعل يقول‏:‏ أنا أعز العرب فمَنْ زعم أنه أعز العرب فليضربها بالسيف‏.‏

فوثب رجل من بني نصر بن معاوية يقال له الأحمر بن مازن فضر به بالسيف على ركبته فأندرها ثم قال‏:‏ خذها إليك أيها المخندف ثم قام رجل من هوازن فقال‏:‏ نحن ضربنا ركبة المخندف اذ مدها في أشهر المعرف ثم كان اليوم الثاني من الفجار الأول‏:‏ وكان سبعه ذلك‏:‏ أن شبابًا من قريش من بني كنانة رأوا امرأة من بني عامرٍ وسيمةً جالسة بسوق عكاظ في درع فأطافوا بها وسألوها أن تسْفر فأبت فقام أحدهم فجلس خلفها وحل طرف درعها وشده إلى ما فوق عجزها بشوكة فلما قامت انكشف درعها عن دبرها فضحكوا وقالوا‏:‏ منعتينا النظر إلى وجهك وَجُدْتِ لنا بالنظر إلى دُبرك‏.‏

فنادت‏:‏ يا آل عامر‏.‏

فتنادوا بالسلاح وحملتْ كناتة فاقتتلوا قتالًا شديدًا ووقعت بينهم دماء فتوسطها حرب بن أمية وأرضى بني عامر من مُثلة صاحبتهم‏.‏

ثم كان اليوم الثالث من أيام الفجار الأول‏:‏ وكان سببه‏:‏ أنه كان لرجل من بني جشم بن بكر دين على رجل من بني كنانة‏.‏

فلواه به فجرت بينهما خصومة واجتمع الحيان فاقتتلوا وحمل ابن جدعان ذلك من ماله‏.‏

ومن الحوادث سنة احدى عشرة من مولده صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أخبرنا ابن الحصين قال أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز قال‏:‏ أخبرنا يونس بن محمد قال‏:‏ حدثنا معاذ بن محمد بن كعب قال‏:‏ حدثني أبو محمد بن معاذ بن أبي كعب‏:‏ أن أبا هريرة كان جريئًا على أن يسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره فقال‏:‏ يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة فاستوى جالسًا وقال‏:‏ لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر فإذا بكلام فوق رأسي وإذا برجل يقول لرجل‏:‏ هو هو فاستقبلاني بوجوه لم أرها بخلقٍ قط وأرواح لم أجدها من خَلق قط وثياب لم أرها على أحدٍ قط فأقبلا إليَّ يمشيان حتى إذا أخذ كل واحدٍ منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسًًا فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ اضجعه فأضجعاني بلا قصر ولا هصر فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ أفرق صدره فجرى أحدهما إلى صدري ففرقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له‏:‏ أخرج الغل والحسد فأخرج شيئًا كرضة العلقة ثم نبذها فطرحها فقال له‏:‏ ادخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ثم هز أبهام رجلي اليمنى فقال‏:‏ أغد وأسلم فرجعت بها أغدو رأفة على الصغير ورحمة الكبير‏.‏

ومن الحوادث التي كانت في سنة ثلاث عشرة من مولده صلي الله عليه وسلم عزم أبو طالب أن يسافر برسول اللّه صلي الله عليه وسلم معه إلى بصرى وتهيأ لذلك قال مؤلف الكتاب‏:‏ لما أتت له اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام ارتحل به أبو طالب إلى الشام‏.‏

فروى ابن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال‏:‏ لمَا تهيأ أبو طالب للخروج إلى الشام أصبً به رسول الله صلي الله عليه وسلم فرقَّ له أبو طالب وقال‏:‏ والله لأخرجنً به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدًا فخرج به معه فلمَا نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بَحيرَا وهو في صومعة له وكان ذا علم في النصرانيه ولم يزل في تلك الصومعة راهبًا إليه يصير علمهم‏.‏

عن كتاب فيما يزعمون أنهم يتوارثونه كابرًا عن كابرٍ‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزازِ قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدَثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثنا محمد بن صالحٍ وعبد الله بن جعفر الزهري‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وأخبرنا ابن أبي حبيبة عن داوود بن الحصين قال‏:‏ لمَا خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلي الله عليه وسلم في المرة الأولى وهو ابن أثنتي عشرة سنة فلما نزل الركب بصرى من الشام وبها راهب يقال له بَحَيرا في صومعة له وكان علماء النصارى يكونون معه في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يحرسونه قال‏:‏ فلما نزلوا ببحيرَا وكان كثيرًا ما يمرَون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلًا قريبًا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا فصنع لهم طعامًا ثم دعاهم وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلي الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ئم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة واحتضنت أغصان الشجرة على النبي صلي الله عليه وسلم حين استظل تحتها فلما رأى بَحيَرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فاتي به فأرسل إليهم فقال‏:‏ إنىِ قد صنعت لكم طعامًا يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرًا ولا كبيرًا حُرأ ولا عبدًا فإن هذا شيء تكرمونني به‏.‏

فقال رجَلٌ‏:‏ إن لك لشأنًا يا بَحَيرا ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم‏!‏ قال‏:‏ فإني أحببت أن أكرمكم ولكم حق‏.‏

فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلي الله عليه وسلم لحداثة سِنَه لأنه ليس في القوم أصغر سنأ منه في رحالهم تحت الشجرة فلمَا نظر بَحَيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحدٍ من القوم ويراها متخلفة على رأس الشجرة على رسول اللة صلي الله عليه وسلم قال بَحَيرا‏:‏ يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي‏.‏

قالوا‏:‏ ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنًا في رحالهم‏.‏

فقال‏:‏ ادعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن تحضروا طعامي ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم‏.‏

فقال القوم‏:‏ هو أوسطنا نسبًا وهو ابن أخي هذا الرجل يعنون أبا طالب وهو من ولد عبد المطلب‏.‏

فقال الحارث بن عبد المطلب‏:‏ والله إن كان بنا للوم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ثم قام إليه واحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه وجعل بَحَيرا يلحظه لحظًا شديدًا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته فلمّا تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال‏:‏ يا غلام أسألك بحق اللات والعُزى ألا أخبرتني عمَا أسألك فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ لا تسْألْني باللات والعُزْى فَو َالله ما أبْغَضْت ُ شَيْئًا بُغْضَهُما‏.‏

قال‏:‏ فبالله ألا أخبرتني عما أسألك عنه قال‏:‏ سَلْني عَمَا بَدَا لكَ‏.‏

فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه فجعل رسول الله يخبره فيوافق ذلك ما عنده ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النّبوة بين كتفيه على موضع الصفّة التي عنده فقبل موضَع الخاتم‏.‏

فقالت قريش‏:‏ إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرًا‏.‏

وجعل أبو طالب لِما يرى من أمر الراهب يخاف على ابن أخيه‏.‏

فقال الراهب لأبي طالب‏:‏ ما هذا الغلام منك‏.‏

قال أبو طالب‏:‏ ابني قال‏:‏ ما هو بإبنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًا قال‏:‏ فابن أخي قال‏:‏ فما فعل أبوه‏.‏

قال‏:‏ هلك وأمه حُبلى‏.‏

قال‏:‏ فما فعلت أمه قال‏:‏ توفيت قريبًا‏.‏

قال‏:‏ صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت لَيَبْغُنه عَنَتًا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن ابائنا واعلم أني قد أديت إليك النصيحة‏.‏

فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعًا وكان رجال من يهود قد رأو رسول الله وعرفوا صفته وأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بَحَيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم‏:‏ أتجدون صفته قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ فما لكم إليه سبيل‏.‏

فصدقوه وتركوه ورجع به أبو طالب فما خرج به سفرًا بعد ذلك خوفًا عليه ذكر الحوادث في سنة أربع عشرة من مولده صلى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم منها الفجار الأخير قال مؤلف الكتاب‏:‏ وكان هذا الفجار بين هوازن وقريش وحضره رسول الله صلي الله عليه وسلم وله أربع عشرة سنة وقال‏:‏ ‏"‏ كنت أنَبِّل على أعمامي يوم الفجار يعني‏:‏ كنت أناولهم وقد روي‏:‏ أن هذه الحرب كانت ولرسول الله صلي الله عليهوسلم عشرون سنة عن عبد الله بن يزيد الهذلي‏.‏

وإنما سُمَي الفجار لأن بني كنانة وهوازن استحلوا الحرم ففجروا‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر عمر بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدَثنا الضحاك بن عثمان قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال‏:‏ حدَّثني الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة‏.‏

قال‏:‏ محمد بن عمر‏:‏ وأخبرنا موسى بن محمد بن عمرو أخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال‏.‏

وأخبرنا عبد الله بن يزيد الهذلي عن يعقوب بن عتبة الأخنسي قال‏:‏ وغير هؤلاء أيضًا قد حدثني ببعض هذا الحديث قالوا‏:‏ كان سبب حرب الفجار أن النعمان بن المنذر بعث بلطيمة له إلى سوق عكاظ للتجارة أجارها له الرحال عُروة بن عُتبة بن جعفر بن كلاب فنزلوا على ماء يقال له‏:‏ أوارة فوثب البرَّاض بن قيس أحد بني بكر بن عبد مناة بن كنانة وكان خليعأ على عروة فقتله وهرب إلى خيبر واستخفى بها ولقي بشربن أبي حازم الأسدي الشاعر فأخبره الخبر وأمره أن يعلم ذلك عبد الله بن جُدعان وهشام بن المغيرة وحرب بن أمية ونوفل بن معاوية وبلعاء بن قيس فوافى عكاظ فآخبرهم فخرجوا مواثلين منكشفين إلى الحرم وبلغ قيسأ الخبر آخر ذلك اليوم فقال أبو براء‏:‏ ما كنا من قريش إلا في خدعةٍ فخرجوا في آثارهم فأدركوهم وقد دخلوا الحرم فناداهم رجل من بني عامرٍ يقال له‏:‏ الأدرم بأعلى صوته‏:‏ إن ميعاد ما بيننا وبينكم هذه الليالي من قابل‏.‏

ولم يقم تلك السنة سوق عُكاظ فمكثت قريش وغيرها من كنانة وأسد بن خزيمة ومَنْ لحق بهم من الأحابيش يتاهبون لهذه الحرب ثم حضروا من قابل ورؤساء قريش‏:‏ عبد الله بن جدعان وهشام بن المغيرة وحرب بن أمية وأبو أحيحة سعيد بن العاص وعُتبة بن ربيعة والعاص بن وائل ومعمر بن حبيب الجمحي وعكرمة بن عامر ابن هشام ويقال‏:‏ بل أمرُهم إلى عبد الله بن جُدعان‏.‏

وكان في قيس‏:‏ أبو براء عامر بن مالك بن جعفر وسبيعُ بن ربيعة ودريد بن الصَمَة ومسعود بن معتِّب وعوف بن أبي حارثة فهؤلاء الرؤساء‏.‏

ويقال‏:‏ بل أمرهم جميعًا إلى أبي براء وكانت الراية بيده وهو سوى صفوفهم فالتقوا وكانت الدبرة أول النهار لقيس على قريش وكنانة ومن انضوى إليهم ثم صارت الدبرة آخر النهار لقريش وكنانة على قيس فقتلوهم قتلأ ذريعًا حتى نادى عتبة بن ربيعة يومئذ وإِنَّه لشاب ما كملتَ له ثلاثون سنة إلى الصلح فاصطلحوا على أن عدّوا القتلى وودَت قريش لقيس ما قتلت وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم وذكر الفجار فقال‏:‏ ‏"‏ قَدْ حَضَرْتُهُ مَعَ عُمُومَتي وَرَمَيْتُ فِيهِ بِأسْهُمٍ وَمَا أحب إنّي لَمْ أكنْ فَعَلْتُ ‏"‏ فكان يوم حضر ابن عشرين سنة‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ هكذا روي لنا والأول أصح‏.‏

 ذكر الحوادث في سنة خمس عشرة من مولده صلي الله عليه وسلم

في هذه السنة‏:‏ قامت سوق عكاظ وهي سوق كانوا يبيعون فيها ويشترون‏.‏

وقد روي أن قس بن ساعده الأيادي كان يقف بسوق عكاظ ويعظ الناس وكان خطيبًا بليغًا وشاعرًا حكيمًا‏.‏

ويقال‏:‏ انه أول مَنْ علا على شرف وخطب عليه وأول من قال في كلامه ‏"‏ أما بعد ‏"‏ وأول مَنْ أتكأ عند خطبته على سيف أو عصا ورآه رسول الله صلي الله عليه وسلم بعكاظ‏.‏

وقد روينا من حديثه من طرق ولكن ليس فيها ما يثبت‏.‏

فمنها‏:‏ ما روى أبو صالح عن ابن عباس قال‏:‏ لمًا قدم وفد أيادٍ على رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ ما فعل قس بن ساعدة ‏"‏ قالوا‏:‏ مات‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل له أورق وهو يتكلم بكلام له حلاوة ما أجدني أحفظه ‏"‏‏.‏

فقال رجل من القوم‏:‏ أنا أحفظه سمعته يقول‏:‏ أيها الناس احفظوا وعوا مَنْ عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ليل داج وسماء ذات أبراج وبحار تزخر ونجوم تزهر وضوء وظلام وبر وآثام ومطعم وملبس ومشرب ومركب مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا وإله قس ما‏.‏

على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه وأدرككم أوانه فطوبى لمَنْ أدركه واتبعه ووبل لمَنْ خالفه ثم إنه أنشأ وجعل يقول‏:‏ في الذاهبين الأولين من القرون لنا بَصَائر لما رأيت مواردًا للم وت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها يمضي الأكابر والأصاغر لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر أيقنت إني لامحالة حيث صارالقوم صائر سكنوا البيوت فوطنوا إن البيوت هي المقابر فقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يرحم الله قسًا إني لأرجو أن يبعثه الله يوم القيامة أمة وحده ‏"‏‏.‏

فقال رجل‏:‏ يا رسول الله لقد رأيت من قسٍ عجبًا قال‏:‏ ‏"‏ وما رأيت‏.‏

قال‏:‏ بينا أنا بجبل يقال له سمعان في يوم شدديد الحر إذا أنا بقسٍ تحت ظل شجرة عندها عين ماء وحوله سباعٌ كلما زأر سَبْعٌ منها على صاحبه ضربه بيده وقال‏:‏ كف حتى يشرب الذى وَرَدَ قبلك‏.‏

ففرِقت فقال‏:‏ لا تخف وإذا بقبرين بينهما مسجد فقلت له‏:‏ ما هذان القبران فقال‏:‏ هذان قبرا أخوين كانا لي فاتخذت بينهما مسجدًا أعبد اللّه فيه حتى ألحق بهما ثم ذكر أيامهما ثم أنشأ يقول‏:‏ خليلي هبا طالما قد رقدتما أجدكما لا تقضيان كراكما جرى النوم بين الجلد والعظم منكما كأن الذي يسقي العقار سقَاكما ألم تريا أني بسمعان مًنفردٌ ومالي فيه من خليلٍ سواكما أقيم على قبريكما لست بارحًا طوال الليالي أو يُجيبُ صداكما كأنكما والموت أقرب غاية بجسمي من قبريكما قد أتاكما فلو جعلت نفس لنفس وقاية لجُدت بنفسي أن تكون فداكما سأبكيكما طول الحياة وما الذي يردُّ على ذي عولة إن بكاكما فقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ رحم الله قسًا ‏"‏ وقد روي أن هذه الأبيات لعيسى بن قدامة الأسدي وأنه كان له نديمان فماتا فكان يجلس عند القبرين وهما براوند في موضع يقال له‏:‏ حراف ونصب على القبرين حتى يقضي وطره ثم ينصرف وينشد هذه الأبيات وفيها زيادة وهي‏:‏ خليليَ هبا طال ما قد رقدتما أجدكما ما تقضيان كراكما ألم تعلما ما لي براوند كلها ولابخراق من صديق سواكما أقيم علي قبريكما لست بارحًا طوال الليالي أو يجيب صداكما جرى النوم مجرى اللحم والعظم منكما كأن الذي يسقي العقار سقاكما فأي أخ يجفوأخًا بعد موته فلست الذي من بعد موتٍ جفاكما أصُبَ على قبريكما من مدامةٍ فإِل أَتذوقا أرومنها ثراكما لطول منام لاتجيبان داعيًا خليليَ ماهذا الذي قددها كما قضيت بأني لا محالة هالك وأني سيعروني الذي قد عراكما سأبكيكما طول الحياة وما الذي يرد على في عول إن بكاكما ومن الحوادث في سنة ست عشرة من مولده صلي الله عليه وسلم‏.‏

ومن الحوادث سنة سبع عشرة من مولده صلى اللّه عليه وعلى أله وسلم‏.‏

قال مؤلفه‏:‏ خرج في هذه السنة ملك الترك واسمه شابة على هرمز بن كسرى حتى صار إلى هراة في ثلاث مائة ألف مقاتل وخرج ملك الروم عليه فصار إلى الضواحي في ثمانين ألف مقاتل‏.‏

وخرج ملك الجزر في جمع عظيم‏.‏

وخرج رجلان من العرب يقال لأحدهما عباس الآحول والاخر عمرو الأزرق فنزلا في جمع عظيم من العرب على شاطىء الفرات وشنّوا الغارة على أهل السواد واجترأ أعداء هرمزٍ عليه وغزوا بلاده وأرسل شابة ملك الترك إلى هرمز يؤذنه بإقباله ويقول‏:‏ رمُوا القناطر لأجتاز عليها إلى بلادكم وافعلوا ذلك في الأنهار التي عليها مسلكي من بلادكم إلى بلاد الروم لأني أريد أن أسير من بلادكم إليها‏.‏

فاستعظم هرمز ما ورد عليه من ذلك وشاور فيه فأجمع رأيه على القصد إلى ملك الترك فوجه إليه رجلًا يقال له‏:‏ بهرام في إثني عشر ألف رجل وعرض هرمز من بحضرته فكانوا سبعين ألف مقاتل فمضى بهرام بمَنْ معه معدًا حتى جاز هراة ونزل بالقرب من ملك الترك وجرت بينهم وسائل وحروب فقتل بهرام شابة برمية منه واستباح عسكره ووجّه ابنه أسيرًا إلى هرمز مع أموال وجواهر وآنية وأمتعة كانت وَقْرَ مائتي ألف وخمسين ألف بعير فشكر هرمز بهرام بسبب الغنائم التي صارت إليه وخاف بهرام وجنوده سطوة هرمز فخلعوا هرمز وأقبلوا نحو المدائن وأظهروا الامتعاض مما كان من هرمز وأن ابنه أبرويز أصلح للمُلْك منه وساعدهم على ذلك جماعة ممّن كان بحضرة هرمز فهرب أبَرْوِيز بهذا السبب إلى أذربيجان خوفًا من هُرْمز فاجتمع إليه هناك عدة من المرازبة والأضبَهْبَذْين فأعْطوْه بَيْعَتَهُم ووثب العظماء والأشراف بالمدائن فخلعوا هرمز وسملوا عينيه وتركوه‏.‏

وبلغ الخبر أبرويز فأقبل بمن شايعه من أذربيجان إلى دار الملك مُسابقًا لبهرام فاستولى على الملك وتحرز من بهرام والتقى هو وهُو على شاطىء النَّهْروَان فجرتْ بينهما مناظرةٌ ودعا أبَرْوِيزُ بهرامَ إلى أن يؤمَنَهُ ويرفع مرتَبَتَه فلم يقبل ذلك وجرت بينهما حروبٌ شديدة اضطرت أبَرْوِيز إلى الهرب إلى الروم مستغيثًا بملكها‏.‏