فصل: ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أبي بن كعب بن قيس بن عبد المنذر

شهد العقبة مع السبعين من الأنصار وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يكتب له الوحي وهو أحد الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر وأمر الله عز وجل نبيه أن يقرأ عليه القرآن وقال عمر في حقه‏:‏ هذا سيد المسلمين‏.‏

أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا الحسين بن علي أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب‏:‏ إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك‏:‏ ‏{‏لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب‏}‏ قال‏:‏ وسماني لك قال‏:‏ نعم فبكى‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحسين بن الفهم حدثنا محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي حدثنا سفيان الثوري عن ابن أبجر عن الشعبي عن مسروق قال‏:‏ سألت أبي بن كعب رضي الله عنه عن مسألة فقال‏:‏ أكان هذا قلت‏:‏ لا قال‏:‏ فأحمنا حتى يكون فإذا كان اجتهدنا لك رأينا‏.‏

أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام

أخو حسان وهو أبو شداد بن أوس‏:‏ شهد أوس العقبة مع السبعين وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أوس بن خولي بن عبد الله

شهد بدرًا والمشاهد كلها وحضر وقت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه‏.‏

جبار بن صخر بن خنساء بن عبيد أبو عبد الله

شهد العقبة مع السبعين وبدرًا والمشاهد كلها وتوفي في هذه السنة‏.‏

شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه بكتاب إلى المقوقس صاحب الإسكندرية‏.‏

قال حاطب‏:‏ فأنزلني المقوقس وأقمت عند بابه ليالي ثم أرسل إلي فقال‏:‏ إني أسألك فأجبني عني قلت‏:‏ هلم قال‏:‏ أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيًا قلت‏:‏ بلى قال‏:‏ فما له لم يدع الله على قومه حيث أخرجوه من بلده إِلى غيرها قلت‏:‏ فعيسى بن مريم عليه السلام أتشهد أنه رسول الله قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ فما له أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ولم يدع عليهم فيهلكوا حتى رفعه الله إليه فقال‏:‏ أنت حكيم جاء من حكيم هذه هدايا ابعث بها معك إلى محمد وأرسل معك ببذرقة يبذرقونك إلى مأمنك فأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جواري منهن مارية أم إبراهيم وواحدة وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة وواحدة وهبها لحسان بن ثابت‏.‏

وكان حاطب من الرماة المذكورين وكان خفيف اللحية أجنأ إلى القصر ما هو شثن الأصابع وتوفي بالمدينة في هذه السنة وهو ابن خمس وستين وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه‏.‏

عبد الله بن مظعون بن حبيب بن وهب

أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرة وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي وهو ابن ثمانين سنة‏.‏

عياض بن زهير بن أبي شداد

ابن ربيعة بن هلال يكنى أبا سعد‏:‏ هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له عقب‏.‏

مسعود بن الربيع

وقيل‏:‏ ابن ربيعة بن عمرو بن سعد حليف بني عبد مناف بن زهرة يكنى أبا عمير‏:‏ أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات في هذه السنة وقد زاد على الستين وليس له عقب‏.‏

معمر بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال

يكنى أبا سعد‏:‏ وبعضهم يسميه عمرو هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين

فمن الحوادث فيها

 غزاة المسلمين الروم التي يقال لها غزاة الصواري

في قول الواقدي وقال أبو معشر‏:‏ كانت سنةأربع وثلاثين‏.‏

شرح القصة

أن المسلمين لما أصابوا من الروم بإفريقية خرج الروم في جمع لم يجمع مثله قط خرجوا في خمسمائة مركب عليهم قسطنطين بن هرقل فباتوا يضربون النواقيس وبات المسلمون يصلون ويدعون ثم أصبحوا فقال المسلمون‏:‏ إن شئتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم وإن شئتم فالبحر‏.‏

قال فنخروا نخرة واحدة وقالوا‏:‏ الماء‏.‏

والسفن بعضها إلى بعض واقتتلوا أشد القتال ووثب الرجال على الرجال يضربون بالسيوف على السفن ويتواجئون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج وطرحت الأمواج جثث الرجال ركامًا حتى صارت كالخبال العظيم عند الساحل وقتل من الفريقين خلق كثير ثم نصر الله المسلمين فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم ينج منهم إلا الشريد وانهزم قسطنطين‏.‏

وأقام عبد الله بذات الصواري أيامًا بعد هزيمة القوم ثم أقبل راجعًا‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 تكلم قوم في عثمان رضي الله عنه

وكان محمد بن أبي حذيفة يقول بعد غزاة الروم‏:‏ والله لقد تركنا الجهاد خلفنا فيقال له‏:‏ وأي جهاد فيقول‏:‏ عثمان بن عفان فعل كذا وكذا حتى أفسد الناس فقدموا وقد أظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به وتكلم معه محمد بن أبي بكر وذكر ما خلف به أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فبلغ ذلك عبد الله بن سعد فقال‏:‏ لا تركبا معنا فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 فتحت أرمينية

على يدي حبيب بن مسلمة الفهري في قول الواقدي‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 قتل يزدجرد ملك فارس

وقيل قتل في سنة ثلاثين‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو فسأل مرزبانها مالًا فمنعه فخافوا على أنفسهم فأرسلوا إلى الترك فأتوه فبيتوه فقتلوا أصحابه وهرب حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحاء على شط المرغاب فأوى إِليه ليلًا فلما نام قتله‏.‏

وقال غيره‏:‏ بيته أهل مرو ولم يستجيشوا عليه الترك فقتلوا أصحابه وخرج هاربًَا على رجليه معه منطقته وسيفه وتاجه حتى أتى منزل نقار على شط المرغاب فلما غفل يزدجرد قتله النقار وأخذ متاعه وألقى جسده في المرغاب وأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره حتى خفي عليهم عند منزل النقار فأخذوه فأقر لهم بقتله وأخرج متاعه فقتلوا النقار وأهل بيته وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد وأخرجوه من المرغاب فجعلوه في تابوت من خشب‏.‏

فزعم بعضهم أنهم حملوه إلى إصطخر فدفن بها في أول سنة إحدى وثلاثين‏.‏

وقيل‏:‏ عمل له بعض النصارى فاروشًا بمرو فحمل جثته فدفنها فيه‏.‏

وكان ملك يزدجرد عشرين سنة منها أربع سنين في دعة وست عشرة في تعب من محاربة العرب إياه وكان آخر مَلِك مَلَكَ من آل أردشير وصفا الملك بعده للعرب‏.‏

فصل

وقد كان أول ملوك فارس دارا ملك نحوًا من مائتي سنة ثم ملك بعده أردشير بن بابك ثم سابور بن أردشير ثلاثين سنة ثم هرمز بن سابور سنة وعشرة أيام ثم بهرام أربعة أشهر ثم فرسي بن بهرام تسع سنين ثم هرمز بن نرسي سبع سنين ثم سابور بن هرمز وهو سابور ذو الأكتاف اثنتين وسبعين سنة ثم أخوه أردشير بن هرمز أربع سنين ثم سابور بن سابور خمس سنين ثم بهرام بن سابور إحدى عشرة سنة ثم يزدجرد بن سابور إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وأيامًا ثم بهرام بن يزدجرد وهو بهرام جور سنتين وعشرة أشهر ثم يزدجرد بن بهرام ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر وثمانية عشر يومًا ثم فيروز بن يزدجرد سبع عشرة سنة وقتل وكل من قتله مات على فراشه ثم ملك بعده بلاش بن فيروز أربع سنين ثم قباذ بن فيروز ثلاثًا وأربعين سنة ثم كسرى أنو شروان سبعًا وأربعين سنة وثمانية أشهر ثم ابنه هرمز اثنتي عشرة سنة وقتل ثم كسرى بن هرمز ثلاثينَ سنة وقتل ثم ابنه شيرويه ثمانية أشهر ثم ابنه أردشير سنة ثم قتل ثم ملك بعده شهريار أربعين سنة ثم قتل ثم بعده بوران بنت كسرى سنة وأربعة أشهر ثم قتلت وبعدها آزر ميدخت أختها ستة أشهر وماتت ثم بعدها يزدجرد عشرين سنة ثم بطل ملك فارس‏.‏

وقد كان يزدجرد هذا قد وطىء امرأة فولدت له غلامًا ذاهب الشق - وذلك بعدما قتل يزدجرد - فسمي المخدع فولد له أولاد بخراسان فوجد قتيبة حين افتتح الصغد أو غيرها جاريتين فقيل له‏:‏ إنهما من ولد المخدع فبعث بهما - أو بإحداهما - إِلى الحجاج بن يوسف فبعث بهما إلى الوليد بن عبد الملك فولدت للوليد يزيد بن الوليد الناقص‏.‏

 شخوص عبد اللّه بن عامر إلى خراسان

وفي هذه السنة‏:‏ أعني سنة إحدى وثلاثين خرج عبد الله بن عامر إلى خراسان ففتح طوس وغيرها حتى بلغ وقد أنبأنا زاهر بن طاهر أنبأنا أبو بكر البيهقي قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال‏:‏ حدثني علي بن أحمد الجرجاني قال‏:‏ أخبرني أحمد بن عمرو بن فضالة الكندي قال‏:‏ أخبرني عمي العباس بن مصعب بن بشر قال‏:‏ حدثني أبو حامد محمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثني سليمان بن صالح الليثي قال‏:‏ أخبرني الهيثم بن سعد عن المصعب بن أبي الزهراء‏:‏ أن كنازًا صاحب نيسابور كتب إلى سعيد بن العاص وهو والي الكوفة وإلى عبد الله بن عامر بن كرز وهو والي البصرة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه يدعوهما إلى خراسان ويخبرهما أن أهل مرو قتلوا يزدجرد وانتدب سعيد بن العاص وعبد اللّه بن عامر وابتدرا أيهما يسبق إليها وفي جند سعيد بن العاص الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما مجاهدًا وعبد الله بن الزبير فأتى ابن عامر دهقان فقال له‏:‏ ما تجعل لي أن سبقت بك قال‏:‏ لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة فأخذ به في الطريق الذي أخذ فيه زياد بن زرارة أيام أبي مسلم فأخذ به على قومس فقدم جوين من نيسابور ونزل إزاذوار فصالحوه وقاتل أهل نيسابور تسعة أشهر ثم ثلمها وفتحها‏.‏وفي رواية‏:‏ أن عثمان كتب إلى عبد الله بن عامر وإلى سعيد بن العاص‏:‏ أيكما سبق إلى خراسان فهو أمين عليها فقدم ابن عامر نيسابور وجاء سعيد حتى بلغ الريّ‏.‏

وكانت فتوح خراسان على يدي ابن عامر فقال له الناس‏:‏ ما فتح الله عز وجل لأحد ما فتح الله عليك فارس وكرمان وسجستان وعامة خراسان فقال‏:‏ لا جرم لأجعلن شكري لله عز وجل أن أخرج من موضعي محرمًا فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنه لامه على ما صنع وقال‏:‏ ليتك تضبط من الوقت الذي يحرم منه الناس‏.‏

وكناز المذكور كان ملك تلك الديار في زمان كسرى وهو مجوسي من عبدة النار وكأنه أحس بغلبة المسلمين فدعاهم إليه فلما غلبوا تقبل البلدة منهم وصالحهم على ما يؤديه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 حج بالناس عثمان رضي الله عنه

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

عويمر بن عامر بن زيد

ابن قيس بن عائشة بن أمية أبو الدرداء‏:‏ كان آخر أهل داره إسلامًا وكان متمسكًا بصنم له وكان عبد الله بن رواحة مؤاخيًا له في الجاهلية وأسلم ابن رواحة ودعاه فأبى وتجنبه‏.‏

وجاءه يومًا فلما خرج من بيته دخل ابن رواحة فضرب الصنم بقدومه فقطعه فقالت زوجته‏:‏ أهلكتني يا ابن رواحة‏.‏

فخرج وجاء أبو الدرداء فوجد المرأة تبكي خوفًا منه فقال‏:‏ ما شأنك قالت‏:‏ أخوك ابن رواحة دخل إلى الصنم فصنع به ما ترى فغضب غضبًا شديدًا ثم فكر في نفسه فقال‏:‏ لو كان عنده خير لدفع عن نفسه‏.‏

فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم‏.‏

واختلفوا‏:‏ هل شهد أحدًا أم لا وقد شهد بعد ذلك مشاهد كثيرة‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو إسحاق البرمكي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن خثيمة عن أبي الدرداء قال‏:‏ كنت تاجرًا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث محمد زاولت التجارة والعبادة فلم تجتمعا فاخترت العبادة وتركت التجارة‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا موسى بن مسعود النهدي قال‏:‏ حدثنا عكرمة بن عمار عن أبي قدامة محمد بن عبيد الحنفي عن أم الدرداء قالت‏:‏ كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله عز وجل يدعو لهم في الصلاة قالت‏:‏ فقلت له في ذلك فقال‏:‏ إنه ليس رجل يدعو لأخيه الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان‏:‏ فلك مثل ذلك أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا عفان قال‏:‏ حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ استعمل أبو الدرداء على القضاء فأصبح الناس يهنونه فقال‏:‏ أتهنوني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن ولو علم الناس ما في القضاء لأخفوه بالدول رغبة عنه وكراهية له ولو يعلم الناس مما في الآذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصًا عليه‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا يحيى بن عباد قال حدثنا فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء‏:‏ أنه كان يشتري العصافير من الصبيان ويرسلهن ويقول‏:‏ اذهبن فعشن‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا عبد الله بن نمير قال‏:‏ حدَثنا عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال‏:‏ قالت أم الدرداء لأبي الدرداء‏:‏ إن احتجت بعدك آكل الصدقة قال‏:‏ لا اعملي وكلي قالت‏:‏ فإن ضعفت عن العمل قال‏:‏ التقطي السنبل ولا تأكلي الصدقة‏.‏

قال‏:‏ وأخبرنا‏.‏

مسلمة بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا الضحاك بن سيار قال‏:‏ حدثنا أبو عثمان النهدي أن أبا الدرداء كان يقول‏:‏ لولا ثلاث لم أبال متى مت‏:‏ لولا أن أظمأ بالهواجر ولولا أن أعفر وجهي بالتراب ولولا أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر‏.‏

قال‏:‏ وأخبرنا عفان قال‏:‏ حدثنا أبو هلال قال‏:‏ حدثنا معاوية بن قرة‏:‏ أن أبا الدرداء اشتكى فدخل عليه أصحابه فقالوا‏:‏ يا أبا الدرداء ما تشتكي قَال‏:‏ أشتكي ذنوبي قالوا‏:‏ وما توفي أبو الدرداء بالشام في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة اثنتين وثلاثين‏.‏

نعيم بن مسعود

ابن عامر بن أنيف من أشجع‏:‏ وهو الذي خذل بين الأحزاب حتى تفرقوا وهاجر وسكن المدينة وكان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد تبوكًا ليتنصر الناس وتوفي في زمان عثمان‏.‏

يزدجرد‏:‏ وتوفي يزدجرد الملك في هذه السنة على ما سبق شرحه‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 غزوة معاوية بن أبي سفيان المضيق

مضيق القسطنطينية ومعه زوجته عاتكة بنت قرطة‏.‏

وفيها‏:‏ غزا عبد الرحمن بن أي ربيعة بَلَنْجَر‏:‏ فحصروها ونصبوا عليها المجانيق والعرادات فجعل لا يدنو منها أحد إلا هلك فقتل مِعْضَد في تلك الأيام ثم اجتمع أهل بلنجر والترك معهم وأصيب عبد الرحمن وأخذ القوم جسده فجعلوه في سفط فهم يستسقون به ويستنصرون وانهزم المسلمون وفيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة‏.‏

وفيها‏:‏ فتح ابن عامر مرو الروذ وجوزجان‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف

شهد بحرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في هذه السنة‏.‏

سلمان الفارسي

يكنى أبا عبد اللّه من أهل مدينة أصبهان، ويقال‏:‏ من أهل رامهرمز أسلم في السنة الأولى من الهجرة وأول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وإنما منعه من حضور ما قبل لك أنه كان مسترقًا لقوم من اليهود فكاتبوه وأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابته وعتق ولم يزل بالمدينة حتى غزا المسلمون العراق فخرج معهم وحضر فتح المدائن وولاه إياها عمر أخبرنا هبة الله بن الحصين قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ حدثنا يعقوب عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس قال‏:‏ حدَثني سلمان الفارسي قال‏:‏ كنت رجلًا فارسيًا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جَي وكان أبي دِهْقانَ قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما حبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة‏.‏

قال‏:‏ وكان لأبي ضيعة عظيمة قال‏:‏ فشغل في بنيان له يومًا فقال لي‏:‏ يا بني إني قد شغلت ببنائي هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إيايِ في بيته فلما مررت بهم سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون‏.‏

قال‏:‏ فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت‏:‏ هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فواللّه ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها فقلت لهم‏:‏ أين قال‏:‏ ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله قال‏:‏ فلما جئته قال‏:‏ أي بني أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس‏.‏

قال‏:‏ أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه‏.‏

قلت‏:‏ كلا والله إنه لخير من ديننا‏.‏

قال‏:‏ فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته‏.‏

قال‏:‏ وبعثت إلى النصارى فقلت لهم‏:‏ إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم قال‏:‏ فقدم عليهم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم فقلت لهم‏:‏ إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم‏.‏

قال‏:‏ فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أ أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت‏:‏ من أفضل هذا الدين قالوا‏:‏ الأسقف في الكنيسة‏.‏

قال‏:‏ فجئته فقلت‏:‏ إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك‏.‏

قال‏:‏ فدخلت معه‏.‏

قال‏:‏ وكان رجل سَوْءٍ يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق قال‏:‏ وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم‏:‏ إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا‏:‏ وما علمك بذلك قلت‏:‏ أنا أدلكم على كنزه قالوا‏:‏ فدلنا عليه‏.‏

قال‏:‏ فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا قال‏:‏ فلما رأوها قالوا‏:‏ والله لا ندفنه أبدًا‏.‏

قال‏:‏ فصلبوه ثم رجموه بالحجارة‏.‏

ثم جاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه فما رأيت رجلًا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلًا ولا نهارًا منه‏.‏

قال‏:‏ فأحببته حبًا لم أحبه أحدًا من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة فقلت له‏:‏ يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبًا لم أحبه أحدًا من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي بي وما تأمرني قال‏:‏ أي بني والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلًا بالموصل وهو فلان فهو على ما كنت عليه فالحق به‏.‏

قال‏:‏ فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له‏:‏ يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره‏.‏

قال‏:‏ فقال لي‏:‏ أقم عندي‏.‏

قال‏:‏ فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له‏:‏ يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني قال‏:‏ أي بني والله ما أعلم رجلًا على مثل ما كنا عليه إلا رجلًا بنصيبين وهو فلان فالحق به‏.‏

قال‏:‏ فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته خبري وما أمرني صاحبي‏.‏

قال‏:‏ فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضره قلت له‏:‏ يا فلان إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال‏:‏ أي بني والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلًا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فاته فإنه على أمرنا‏.‏

قال‏:‏ فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال‏:‏ أقم عندي فأقمت عند رجل على هدى أصحابه وأمرهم واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة قال‏:‏ ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما احتضر قلت له‏:‏ يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصاني فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني‏.‏

قال‏:‏ أي بني والله ما أعلم أنه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكن قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حَرّتَينَ بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوةَ فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل‏.‏

قال‏:‏ ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كَلْبِ تجارًا فقلت لهم‏:‏ تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنمي هذهَ قالوا‏:‏ نعم فأعطيتموها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي‏.‏

فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له بالمدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق‏.‏

ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس غدق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال له فلان‏:‏ قاتل الله بني قَيْلَة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعم أنه نبي‏.‏

قال‏:‏ فلما سمعتها أخذتني العُرَواء حتى ظننت أني سأسقط على سيدي ونزلت من النخلة فجعلت أقول لابن عمه‏:‏ ماذا تقول ماذا تقول قال‏:‏ فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال‏:‏ ما لك ولهذا أقبل على عملك قلت‏:‏ لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال‏.‏

وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له‏:‏ إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم‏.‏قال‏:‏ فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏"‏ كلوا ‏"‏ وأمسك يده فلم يأكل‏.‏

قال‏:‏ فقلت في نفسي‏:‏ هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئته به فقلت‏:‏ إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها قال‏:‏ فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه‏.‏

قال‏:‏ فقلت في نفسي‏:‏ هاتان اثنتان‏.‏

قال‏:‏ ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدبرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي فأتيته وهو جالس فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي قال‏:‏ فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ تحول ‏"‏ فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وأحدًا‏.‏

قال‏:‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ كاتب يا سلمان ‏"‏ فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏"‏ أعينوا أخاكم ‏"‏‏.‏

فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين وَدية والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة والرجل بعشرة يعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة وَدِية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اذهب يا سلمان فَفقرْ لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إِذا فرغت منها جئته فأخبرته فحرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليها فجعلنا نقرب له الوداي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي علي المال‏.‏

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال‏:‏ ما فعل الفارسي المكاتب ‏"‏ قال‏:‏ فدعيت له فقال‏:‏ ‏"‏ خذ هذه فَأد بها ما عليك يا سلمان ‏"‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي قال‏:‏ ‏"‏ خذها فإن الله سيؤدي بها عنك ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم وعتقت‏.‏

فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن بن البراء قال‏:‏ حدثنا الفضل بن غانم قال‏:‏ حدَّثني سلمة قال‏:‏ حدثني إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل من عبد القيس عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال‏:‏ لما قلت‏:‏ وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله أخذها رسول صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ثم قال‏:‏ ‏"‏ خذ فأوفهم منها ‏"‏ فأوفيتهم منها حقهم‏.‏

وفي الصحيح عن سلمان أنه قال‏:‏ تداولني بضعة عشر من رب إلى رب لي كله أربعين أوقية‏.‏

وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ سلمان سابق الفرس ‏"‏‏.‏

ولما خط الخندق قطع لكل عشرة أربعين ذراعًا فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلًا قويًا فقال المهاجرون‏:‏ سلمان منا وقالت الأنصار‏:‏ لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ سلمان منا أهل البيت ‏"‏‏.‏

قال الحسن البصري‏:‏ كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان أميرًا على ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سَفِيف يديه‏.‏

وقال عبادة بن نُسَيّ‏:‏ كان لسلمان خباء من عباءٍ وهو أمير الناس‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي أخبرنا أبو بكر بن نجيب حدثنا أبو جعفر بن ذريح حدثنا هناد حدثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن حبيب بن أبي مرزوق عن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال‏:‏ رأيت سلمان في سرية هو أميرها على حمار عليه سراويل وقدماه تذبذبان والجند يقولون‏:‏ قد جاء الأمير فقال سلمان‏:‏ إنما الخير والشر بعد اليوم‏.‏

ذكر أولاد سلمان‏:‏ تزوج امرأة يقال لها بُقَيْرة‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي داود‏:‏ لسلمان ثلاث بنات بنت بأصبهان وابنتان بمصر‏.‏

ذكر وفاته‏:‏ أخبرنا محمد بن أبي منصور قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا البرمكي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن بخيت قال‏:‏ حدَّثنا أبو جعفر بن ذريح قال حدثنا هناد قال‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أشياخه قال‏:‏ دخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال سعد‏:‏ ما يبكيك أبا عبد الله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض قال‏:‏ فقال كان سلمان رضي الله عنه‏:‏ أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فقال‏:‏ ليكن بلغَةُ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب ‏"‏ وحولي هذه الأساور‏.‏

قال‏:‏ وإنما حوله إجانة وجَفْنَة وَمَطْهَرة‏.‏

قال‏:‏ فقال له سعد‏:‏ يا أبا عبد الله اعهد إِلينا بعهد نأخذه بعدك فقال‏:‏ يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت وعند حكمك إذا حكمت وعند يدك إذا قسمت‏.‏

ولما اشتد مرض سلمان وكان قد أصاب صُرة مسك يوم جلولاء فقال لامرأته هاتها فمرسها في ماء ثم قال‏:‏ انضحيها حولي فإنه يأتيني زوار الآن يجدون الريح ولا يأكلون الطعام فلم يمكث إلا قليلًا حتى مات‏.‏

عاش سلمان مائتين وخمسين سنة لا يشكون في هذا وبعضهم يقول‏:‏ ثلاثمائة وخمسين‏.‏

وقيل انه أدرك وحي عيسى عليه السلام والظاهر أنه توفي في زمان عثمان في سنة اثنتين وثلاثين وقد قيل في سنة ست وثلاثين فعلى هذا تكون وفاته في زمان علي رضي الله عنه والأول أصح‏.‏

صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سفيان

لم يزل على الشرك يقود الجموع لقتال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أسلم يوم فتح مكة وكان الإيمان في قلبه متزلزلًا فعد في المؤلفة قلوبهم ثم استقر إيمانه وقوي يقينه وكان قد كف عن القتال بعد الخندق وبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية من تمر عجوة وكتب إليه يستهديه أدمًا فقبل هديته وأهدى إليه‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قالط‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني عبد الله بن جعفر قال‏:‏ سمعت يعقوب بن عتبة يخبر عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس بن عبد المطلب‏:‏ واصباح قريش إن دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة‏.‏

قال العباس‏:‏ فأخذت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء وقلت‏:‏ ألتمس حطابًا أو إنسانًا أبعثه إِلى قريش فوالله إني لفي الأراك إذا أنا بأبي سفيان بن حرب فقلت‏:‏ يا أبا حنظلة قال‏:‏ لبيك أبا الفضل وعرف صوتي فقال‏:‏ ما لك فداك أبي وأمي قلت‏:‏ ويلك هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف فقال‏:‏ بأبي وأمي ما تأمرني هل من حيلة قلت‏:‏ نعم تركب عجز هذه البغلة فأذهب بك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إن ظفر بك دونه قتلت قال‏:‏ وأنا والله أرى ذلك‏.‏

ثم ركب خلفي وتوجهت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه عمر بن الخطاب فعرفه وأراد قتله وقال‏:‏ يا رسول الله هذا أبو سفيان آخذ بلا عهد ولا عقد قال‏:‏ فقلت‏:‏ إني قد أجرته وجرى بين العباس وعمر في ذلك الكلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله قال‏:‏ بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك قد كان يقع في نفسي أنه لو كان مع الله إله لقد أغنى عني شيئًا قال‏:‏ ‏"‏ يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله قال‏:‏ بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك أما هذا فوالله إن في نفسي منها أشياء بعد فقال العباس‏:‏ ويحك اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن تقتل‏.‏

قال‏:‏ فشهد شهادة الحق وقال‏:‏ اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏.‏

فقال العباس‏:‏ يا نبي الله إنك قد عرفت أبا سفيان وحبه للشرف والفخر فاجعل له شيئًا قال‏:‏ نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق داره فهو آمن‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال‏:‏ حدًثنا جعفر بن سليمان قال‏:‏ حدثنا ثابت البناني قال‏:‏ إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أؤذي وهو بمكة فدخل دار أبي سفيان أمِن فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة‏:‏ ‏"‏ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ‏"‏‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا محمد بن عبيد قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق السبيعي‏:‏ إن أبا سفيان بن حرب بعد فتح مكة كان جالسًا فقال في نفسه‏:‏ لو جمعت لمحمد جمعًا‏.‏

قال‏:‏ إنه ليحدث نفسه بذلك إذ ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بين كتفيه وقال‏:‏ ‏"‏ إذن أخزاك الله ‏"‏ قال‏:‏ فرفع رأسه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم على رأسه فقال‏:‏ ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة إن كنت لأحدث نفسي بذلك‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ قال محمد بن عمر‏:‏ وشهد أبو سفيان الطائف مع رسول الله ورمي يومئذ فذهبت إحدى عينيه‏.‏

وشهد يوم حنين وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية فقال له أبو سفيان‏:‏ والله إنك لكريم فداك أبي وأمي لقد حاربتك فنعم المحارب كنت ثم سالمتك فنعم المسالم أنت فجزاك الله خيرًا‏.‏

قال أنس بن مالك‏:‏ ثم عمي أبو سفيان بعد ذلك‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ قال محمد بن عمر‏:‏ حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن ابن المسيب عن مبشر بن الحويرث قال‏:‏ حضرت يوم اليرموك المعركة فلا أسمع للناس كلمة ولا صوتًا إلا نقف الحديد بعضه بعضًا إلا أني قد سمعت صائحًا يقول‏:‏ يا معشر المسلمين يوم من أيام الله أبلوا لله فيه بلاء حسنًا وإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ نزل أبو سفيان المدينة في آخر عمره ومات بها سنة اثنتين وثلاثين في آخر خلافة عثمان وهو يوم مات ابن ثمان وثمانين سنة‏.‏

الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف

شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في هذه السنة وهو ابن سبعين سنة‏.‏

عبد اللّه بن مسعود بن غافل

ويقال‏:‏ عاقل - بن حبيب بن شمخ أبو عبد الرحمن‏:‏ ذكر محمد بن سعد نسبه فقال‏:‏ ابن غافل بالغين والفاء‏.‏

وذكره خليفة بن خياط فقال‏:‏ عاقل بالعين والقاف‏.‏

وذكره محمد بن إسحاق صاحب المغازي فقال‏:‏ عبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ ولم يذكر ما بين ذلك من الأسماء‏.‏

وأمه أم عبد بنت عبد ود بن سواء بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل وأمها هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة‏.‏

أسلم بمكة قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار قال‏:‏ حدثنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا عفان قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن ذر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ كنت غلامًا يافعًا أرعى غنمًا لعقبة بن أبي مُعيط فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقالا‏:‏ يا غلام هل عندك من لبن تسقينا فقلت‏:‏ إني مؤتمن ولست بسامتكما فقال النبي ص‏:‏ ‏"‏ هل عندك من جَذعَةٍ لم يَنزُ عليها الفحل ‏"‏ قلت‏:‏ نعم فأتيتهما بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ثم مسح الضرْع ودعا فَجَفَلَ الضرع ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فاحتلب فيها فشرب أبو بكر ثم شربت ثم قال للضرع‏:‏ اقلص فقلص‏.‏

قال‏:‏ فأتيته بعد ذلك فقلت‏:‏ علمني من هذا القول قال‏:‏ ‏"‏ إنك غلام فتعلم ‏"‏ فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد‏.‏

هاجر ابن مسعود إلى الحبشة الهجرتين ثم إلى المدينة وشهد بدرًا وضرب عنق أبي جهل بعد أن اثبته ابنا عفراء وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صاحب سره ووساده وسواكه ونعليه وطهوره في السفر كان يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه ثم يمشي أمامه بالعصا حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا فإذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم ألبسه نعليه ثم مشى بالعصا أمامه‏.‏

وكان يستر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسلِ ويوقظه إذا نام ويمشي معه في الأرض وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إِذْنُكَ عَليَّ أنْ تَرْفع الحِجَابَ وَأنْ تَسْمع سِوَادي حتى أنهَاك ‏"‏‏.‏

وكان يشبه برسول الله في هديه وسمته وكان خفيف اللحم قصيرًا شديد الأدمة وكان من أجود الناس ثوبًا وأطيبهم ريحًا كان يعرف بالليل بريح الطيب وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من سره أن يقرأ القران كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ‏"‏‏.‏

وقال فيه عمر رضي الله عنه‏:‏ كنيف مُلىء علمًا‏.‏

وبعثه إلى أهل الكوفة ليقرئهم القرآن ويعلمهم الأحكام وكتب إليه‏:‏ إني والله الذي لا إله إلا هو آثرتكم به على نفسي فخذوا منه فبث فيهم الفقه‏.‏

وكان من كبار أصحابه‏:‏ الأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس والربيع بن خثيم وزيد بن وهب وكان أبو موسى يقول‏:‏ لا تسألوني عن شيء وهذا الخير فيكم‏.‏

وولي قضاء الكوفة وبيت مالها لعمر وصدرًا من خلافة عثمان رضي الله عنهما ثم صار إلى المدينة فمات بها في هذه السنة ودفن بالبقيع‏.‏

أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر البرقاني قال‏:‏ حدًثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال‏:‏ أخبرني عبد الله بن زيدان قال‏:‏ أخبرنا محمد بن طريف قال‏:‏ حدَثنا جابر بن نوح عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال‏:‏ قال عبد الله‏:‏ والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت وألم فيما نزلت ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني بكتاب الله تناله المطي لأتيته‏.‏

أخبرنا ابن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا ابن معروف حدثنا ابن الفهم حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدَثنا مالك بن إسماعيل قال‏:‏ حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن عامر عن مسروق عن عبد الله قال‏:‏ حدث يومًا حديثًا فقال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرعد وأرعدت ثيابه ثم قال‏:‏ أو نحو ذا أو شبه ذا‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا الفضل بن دكين قال‏:‏ أخبرنا قيس بن الربيع عن عاصم عن ذر عن عبد الله‏:‏ أنه كان يصوم يوم الاثنين والخميس‏.‏

قال الفضل‏:‏ وحدَّثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ ما رأيت فقيهًا أقل صومًا من عبد الله فقيل له‏:‏ لم لا تصوم فقال‏:‏ إني أختار الصلاة عن الصوم فإذا صمت ضعفت عن الصلاة‏.‏

قال المصنف‏:‏ أوصى ابن مسعود إلى الزبير وابنه عبد الله أن يكفن في حلة بمائتي درهم وقال‏:‏ ادفنوني عند قبر عثمان بن مظعون وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة واختلفوا فيمن صلى عليه على ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ عثمان والثاني‏:‏ عمار ذكرهما الواقدي والثالث الزبير ذكره خليفة بن خياط والأول أصح‏.‏

عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عديّ بن سهم السهمي أخو خنيس‏:‏ قديم الإسلام بمكة وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ليدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فقرأه وحرقه‏.‏

واختلفوا هل شهد بدرًا أم لا وشهد فتح مصر وتوفي بها وقبره في مقبرتها‏.‏

عبد اللّه بن ضلة أبو برزة الأسلمي‏:‏ وقال قوم‏:‏ نضلة بن عبد الله‏.‏

أسلم قديمًا وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وقتل عبد الله بن خطل ولم يزل يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض فتحول فنزل البصرة حين نزلها المسلمون ثم غزا خراسان فمات بها رضي الله عنه‏.‏

عبد الرحمن بن عوف

بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة‏:‏ وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم عبد الرحمن ويكنى أبا محمد وأمه الشفاءُ بنت عوف بن عبد الحارث‏.‏

ولد عبد الرحمن بعد الفيل بعشر سنين وكان طويلًا حسن الوجه رقيق البشرة مشربًا حمره وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عفان بن مسلم قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ أخبرنا ثابت وحميد عن أنس بن مالك‏:‏ أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري فقال له سعد‏:‏ أخي أنا أكثر أهل المدينة مالًا فانظر شطر مالي فخذه وتحتي امرأتان فانظر أيتهما أعجب إليك حتى أطلقها لك فقال عبد الرحمن‏:‏ بارك الله لك في أهلك ومالك دلُوني على السوق فدلوه على السوق فاشترى وباع وربح فجاء بشيء من أقط وسمن ثم لبث ما شاء الله أن يلبث فجاء وعليه رَدْع من زعفران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ مَهْيَمٌ ‏"‏ فقال‏:‏ يا رسول الله تزوجت امرأة قال‏:‏ ‏"‏ فما أصدقتها ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ وزن نواة من ذهب قال‏:‏ ‏"‏ أو لم ولو بشاة ‏"‏ قال عبد الرحمن‏:‏ فلقد رأيتني ولو رفعت حجرًا رجوت أن أصيب تحته ذهبًا أو فضة‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى‏:‏ إن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة من الأنصار على ثلاثين ألفا‏.‏

قال علماء السير‏:‏ شهد عبد الرحمن بدرًا والمشاهد كلها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دومة الجندل وعممه بيد ه‏.‏

وكان له من الولد عشرين ذكرًا وثمان بنات وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك فأم الناس وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق معه ركعة ثم قضى الثانية وقال ‏:‏ ‏"‏ ما قبض نبي قط يصلي خلف رجل صالح من أمته ‏"‏‏.‏

وكان عبد الرحمن كثير الصدقة فباع أرضًا له بأربعين ألف دينار فقسم ذلك في فقراء بني زهرة وفي ذوي الحاجة من الناس وفي أمهات المؤمنين فلما بعث إلى عائشة بنصيبها قالت إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا يَحْنُو عَلَيْكُن بعدي إلا الصابرون سقى الله ابن عوف قال محمد بن سعد‏:‏ وحدثنا محمد بن كثير العبدي قال‏:‏ حدثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال‏:‏ أغمي على عبد الرحمن بن عوف ثم أفاق فقال‏:‏ إنه أتاني ملكان أو رجلان فيهما فظاظة وغلظة فانطلقا بي ثم أتاني رجلان أو ملكان هما أرفق منهما وأرحم فقالا‏:‏ أين تريدان به قالا‏:‏ نريد به العزيز الأمين قالا‏:‏ خليا عنه فإنه ممن كتب له السعادة وهو في بطن أمه‏.‏

توفي عبد الرحمن في هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين سنة‏.‏

وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس وترك ذهبًا قطع بالفؤوس حتى مجِلَتْ أيدي الرجال منه وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة من ثمنها بثمانين ألفًا وأوصى في السبيل بخمسين ألف دينار‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الحسن العالي قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسن بن علي اليقطيني قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخزومي قال‏:‏ حدثنا سلمة بن حفص السعدي قال‏:‏ حدثنا وكيع قال‏:‏ حدثنا مسعر‏.‏

وأخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا ابن معروف حدثنا أبو علي الحسين بن محمد بن الفهم حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا وكيع قال‏:‏ حدثنا شعبة كلاهما عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال‏:‏ رأيت سعد بن مالك عند قائمتي سرير عبد الله بن زيد بن عبد ربه أبو محمد‏:‏ شهد العقبة مع السبعين وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت معه راية بني الحارث بن الخزرج في غزاة الفتح وهو الذي رأى الآذان‏.‏

توفي بالمدينة في هذه السنة وهو ابن أربع وتسعين سنة وصلى عليه عثمان رضي الله عنه‏.‏

العباس بن عبد المطلب

ابن هاشم بن عبد مناف أبو الفضل‏:‏ واسم أمه نُتَيْلة بنتَ جَناب بن كليب‏.‏

ولد قبل ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين وكان له من الولد الفضل وهو أكبر ولده وعبد الله وهو الحبر وعبيد الله الجواد وعبد الرحمن وقثم ومعبد وأم حبيبة وأم الكل لبابة بنت الحارث وكان له من غيرها كثير وتمام والحارث‏.‏

وكان يضرب المثل بعبد الله في العلم وبعبيد الله في الجود أنبأنا يحيى بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا ابن المسلمة قال‏:‏ حدثنا المخلص قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي عن أبيه قال‏:‏ دخل أعرابي دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وفي جانبها عبد الله بن عباس يفتي ولا يرجع في شيء يسأل عنه وفي الجانب الآخر عبيد الله يطعم كل من دخل فقال الأعرابي‏:‏ من أراد الدنيا والآخرة فعليه بدار العباس هذا يفتي ويفقه الناس وهذا يطعم الطعام‏.‏

وكان يضرب المثل ببعد ما بين قبور بني العباس فإن عبد الله دفن بالطائف وعبيد الله بالمدينة والفضل بالشام وقثم بسمرقند ومعبد بإفريقية‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو إسحاق البرمكي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا علي بن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن عمه إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب‏:‏ إن قريشًا لما نفروا إلى بدر فكانوا بمر الظهران هب أبو جهل من نومه فقال‏:‏ يا معشر قريش ألا تبًا لرأيكم ماذا صنعتم خلفتم بني هاشم وراءكم فإن ظفر بكم محمد كانوا من ذلك بنجوة وإن ظفرتم بمحمد أخذوا ثأره منكم من قريب من أولادكم وأهليكم فلا تذروهم في بيضتكم ونسائكم ولكن أخرجوهم معكم وإن لم يكن عندهم غَنَاءٌ فرجعوا إليهم فأخرجوا العباس بن عبد المطلب ونوفلًا وطالبًا وعقيلًا كرهًا‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا رويم بن يزيد المقرىء قال‏:‏ حدثنا هارون بن أبي عيسى الشامي عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدثني حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب عن عكرمة قال‏:‏ قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كنت غلامًا للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم فكان يكتم إسلامه وكان ذا مال متفرق في قومه فخرج معهم إلى بدر وهو على ذلك‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني بعض أصحابنا عن القاسم عن ابن عباس قال‏:‏ كان الذي أسر العباس أبو اليسر وكان رجلًا مجموعًا وكان العباس جسيمًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كيف أسرته فقال‏:‏ لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لقد أعانك عليه ملك كريم ‏"‏‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا كثير بن هشام قال‏:‏ حدثنا جعفر بن برقان قال‏:‏ حدثنا يزيد بن الأصم قال‏:‏ لما كانت أسارى بدر كان فيهم العباس رضي الله عنه فسهر النبي صلى الله عليه وسلم ليلته فقال له بعض أصحابه‏:‏ ما أسهرك يا نبي الله قال‏:‏ ‏"‏ أنين العباس‏"‏‏.‏

فقام رجل فأرخى وثاقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما لي لا أسمع أنين العباس فقال رجل‏:‏ إني أرخيت من وثاقه شيئًا قال‏:‏ ‏"‏ فافعل ذلك بالأسارى كلهم ‏"‏‏.‏

أنبأنا الحسين بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان الطوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني محمد بن الفضالة عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال‏:‏ لقد جاء الله بالإسلام وإن جفنة العباس لتدور على فقراء بني هاشم وإن سوطه وقيده لمعد لسفهائهم‏.‏

قال‏:‏ وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في ولايتهما لايلقى العباس واحد منهما وهو راكب إلا نزل عن دابته وقادها ومشى مع العباس حتى يبلغ منزله أو مجلسه فيفارقه‏.‏

توفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من رجب هذه السنة وهو ابن ثمان وثمانين سنة وغسله علي بن أبي طالب وصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع‏.‏

فطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد

أبو زيد شهد العقبتين وذكر في الستة الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار وكان من الرماة المذكورين‏.‏

وشهد بدرًا ورمى حجرًا بين الصفين ثم قال‏:‏ لا أفر حتى يفر هذا الحجر‏.‏

وشهد أحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت معه راية بني سلمة في غزوة الفتح وجرح يوم أحد تسع جراحات وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين رجلًا إلى حي من خثعم فقاتلوه وغنم‏.‏

كعب الأحبار بن ماتع

أبو إسحاق كان يهوديًا فأسلم وقدم المدينة ثم خرج إلى الشام فسكن حمص فتوفي بها في هذه السنة‏.‏

وقد أسند الحديث إلى عمرو وصهيب وعائشة‏.‏

معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي

من الأزد‏:‏ أسلم بمكة قديمًا وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر فشهدها وكان عمر رضي الله عنه يأكل معه ويقول‏:‏ لوكان غيرك ما آكلني في صحفة ولكان بيني وبينه قدر رمح‏.‏

وكان إذا شرب من الإناء وضع عمر فمه موضع فمه فيشرب وكان قد أسرع فيه الجذام وكان عمر يطلب له الطب فقدم رجلان من أهل اليمن فقال لهما‏:‏ هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح فقالا‏:‏ ما شيء يذهبه ولا يقدر عليه ولكنا سنداويه دواء يوقفه فقال عمر‏:‏ عافية عظيمة أن يقف قالا‏:‏ هل ينبت بأرضك الحنظل قال‏:‏ نعم قالا‏:‏ فاجمع لنا منه فجمع منه مكتلان فعمدا إلى كل حنظلة فشقاها شقين ثم أضجعا معيقيبًا ثم أخذ كل رجل منهما بإحدى قدميه ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظلة حتى إذا أمحقت أخذا الأخرى وجعل معيقيبًا يتنخم أخضر مرًا ثم أرسلاه فقالا لعمر‏:‏ لا يزيد وجعه‏.‏

فما زال متماسكًا حتى مات رضي الله عنه‏.‏

كان كثير التعبد واستشهد في غزاة بلنجر في هذه السنة‏.‏