فصل: ذكر من توفي في هذه السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين

فمن الحوادث فيها مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم‏.‏

وفيها‏:‏ فتحت رُودُس وهي جزيرة في البحر فتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي فنزلها المسلمون وزرعوا واتخذوا بها الأموال والمواشي وكان لهم ناطور يحذرهم من يريدهم من البحر بكيد وكانوا أشد شيء على الروم يعترضونهم في البحر فيقطعون سفنهم وكان معاوية يدر لهم العطاء فلما مات معاوية‏.‏

أقفلهم يزيد بن معاوية‏.‏

وقيل‏:‏ هذا كان في سنة أربع وخمسين‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ وكان بالكوفة طاعون زياد الذي مات فيه في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ كان في سنة أربع‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس سعيد بن العاص وكان هو العامل على المدينة وكان على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى البصرة سمرة ين جندب‏.‏

وعلى خراسان خليد بن عبد الله الحنفي‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جبلة بن الأيهم

كان ملك غسان فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب بإسلامه إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له هدية ثم لم يزل مسلمًا حتى كان في زمان عمر رضي الله عنه فوطىء رجل من مزينة فوثب المزني فلطمه وكان ذلك بدمشق فأخذ الرجل فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح فقالوا‏:‏ هذا لطم جبلة بن الأيهم قال‏:‏ فليلطمه قالوا‏:‏ وما يقتل قال‏:‏ لا قالوا‏:‏ فما تقطع يده قال‏:‏ لا إنما أمر الله عز وجل بالقود قال جبلة‏:‏ أترون أني جاعل وجهي ندًا لوجه جدر جاء من عمق - يعني موضعًا في ناحية المدينة - بئس الدين هذا‏.‏

ثم ارتد نصرانيًا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق ذلك عليه‏.‏

وروي لنا خبره على غير هذا الوجه وأنه أسلم في زمن عمر‏.‏

قال أبو عمرو الشيباني‏:‏ كتب جبلة إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في القدوم عليه فأذن له عمر فخرج إليه في خمسمائة من بنيه حتى إذا كان على مرحلتين كتب إلى عمر يعلمه بذلك فسر عمر وبعث إليه بإنزال وأمر جبلة مائتي رجل من أصحابه فلبسوا الديباج والحرير وركبوا الخيل معقودة أذنابها وألبسوها قلائد الذهب والفضة ولبس جبلة تاجه وفيه قرط مارية وهي جدته ودخل المدينة فلم يبق بها بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر إليه وإلى زيه فلما انتهى إلى عمر رحب به وألطفه وأدنى مجلسه ثم خرج عمر إلى الحج فحج معه جبلة فبينما هو يطوف بالبيت وطىء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنفه فاستعدى عليه عمر فبعث إلى جبلة فقال له‏:‏ ما هذا قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين إنه تعمد حل إزاري ولولا حرمة الكعبة لضربت بين عينيه بالسيف فقال له عمر‏:‏ قد أقررت فإما أن ترضي الرجل وأما أن أقيد منك قال جبلة‏:‏ تصنع بي ماذا‏.‏

قال‏:‏ آمر بهشم أنفك كما فعلت قال كيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك‏.‏

قال‏:‏ إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقى قال جبلة‏:‏ قد ضننت أني أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية قال عمر‏:‏ دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك قال‏:‏ إذًا أتنصر قال‏:‏ إن تنصرت ضربت عنقك لأنك قد أسلمت فإن ارتددت قتلتك‏.‏

فلما رأى الجد من عمر قال‏:‏ أنا ناظر في هذا ليلتي هذه وقد اجتمع بباب عمر من حي هذا وحي هذا خلق كثير حتى كادت تكون بينهم فتنة فلما أمسوا أذن له عمر في الانصراف حتى إذا نام الناس تحمل بخيله ورواحله إلى الشام فأصبحت مكة بلاقع منهم فلما أتى الشام تحمل في خمسمائة رجل من قومه حتى أتى القسطنطينية فدخل إلى هرقل فتنصر هو وقومه فسر بذلك وظن أنه فتح من الفتوح وأجرى عليه ما شاء جعله من سماره‏.‏

وذكر ابن الكلبي أن الفزاري لما وطىء إزار جبلة فلطمه جبلة فلكل جبلة كما لطمه فوثب عليه غسان فهشموا أنفه وأتوا به عمر وذكر في الحديث مثل ما تقدم‏.‏

أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ خبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف أخبرنا الحسن بن علي الجوهري حدثنا أبو عمر بن حيوية حدثنا العباس بن العباس بن المغيرة حدًثنا محمد بن موسى بن هارون حدثنا أحمد بن يزك حدَّثنا هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال‏:‏ ذكروا أنه لما أسلم جبلة بن الأيهم الغساني وكان من ملوك جفنة وذلك في خلافة عمر وكتب إلى عمر بإسلامه ويستأذنه في القدوم عليه فسر عمر بذلك وأذن له في القدوم فخرج في خمسين ومائة من أهل بيته حتى إذا قارب المدينة عمد إلى أصحابه فحملهم على الخيل وقلدها قلائد الفضة وألبسهم الديباج والحرير ولبس تاجه وفيه قرط مارية جدته وبلغ عمر فبعث إليه بالنزل هنالك ثم دخل المدينة في هيئته فلم تبق بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر فدخل على عمر فرحب به ثم أقام أيامًا وأراد عمر الحج فخرج معه وكان الناس يتعجبون من هيئته فبينا هو يطوف بالبيت وطىء رجل من بني فزارة إزاره من خلفه فانحل فرفع يده فهشم أنف الفزاري فمضى يستعدي عمر عليه فبعث إليه فأتى فقال‏:‏ هشمت أنف الرجل قال‏:‏ نعم اعتمد حل إزاري ولولا حرمة الكعبة لضربت بالسيف بين عينيه فقال عمر‏:‏ أما أنت فقد أقررت فإما أن ترضي الرجل وإلا أقدته منك قال‏:‏ أو خطر هو لي قال‏:‏ نعم قال‏:‏ كيف وأنا ملك وهو سوقة قال عمر‏:‏ الإسلام جمعكما قال‏:‏ والله لقد ظننت أني أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية قال عمر‏:‏ هو ما ترى فقال‏:‏ إذن أتنصر قال‏:‏ إن فعلت قتلتك‏.‏

واجتمع من حي الفزاري وحي جبلة على باب عمر خلق كثير فقال‏:‏ أنا أنظر في هذا الأمر ليلتي هذه‏.‏

فانصرف إلى منزله فلما ادلهم الليل تحمل بأصحابه إلى الشام في خمسمائة حتى دخل القسطنطينية في زمن هرقل فتنصر وقومه فأقطعه هرقل ما شاء وأجرى عليه ما شاء وجعله من سماره‏.‏

فمكث دهرًا ثم كتب عمر إلى هرقل كتابًا وبعثه مع رجل من أصحابه فأجاب هرقل بما أراد عمر ثم قال للرجل‏:‏ هل لقيت ابن عمك جبلة قال‏:‏ لا قال‏:‏ فالقه قال‏:‏ فأتيته فما أخالني رأيت ثياب هرقل من السرور والبهجة ما رأيت من ثياب جبلة فاستأذنت فأذن وقام ورحب بي عانقني وعاتبني في ترك النزول عليه فإذا هو في بهو عظيم من التماثيل والهول مالا أحسن أصفه وهو على سرير من ذهب له أربع قوائم رأسه من ذهب وإذا هو رجل أصهب ذو سبال وإذا هو قد أمر بالذهب الأحمر فسحل فذر في لحيته واستقبل عين الشمس ثم أجلسني على كرسي من ذهب فلما تبينته انحدرت عنه وقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا وسألني عن الناس وألحف في السؤال عن عمر ثم عرفت الحزن فيه فقلت‏:‏ ما يمنعك من الرجوع إلى قومك والإسلام قال‏:‏ بعد الذي كان قلت‏:‏ نعم قد كان الأشعث بن قيس ارتد وضربهم بالسيوف ومنعهم الزكاة ثم دخل في الإسلام وزوجه أبو بكر الصديق أخته فقال‏:‏ دع هذا عنك ثم أومأ إلى وصيف قائم على رأسه فولى فما شعرنا إلا بالصناديق يحملها الرجال فوضعت أمامنا مائدة من ذهب فاستعفيت منها فأتى بمائدة خلنج فوضعت أمامي وسعى علينا من كل حار وبارد في صحاف من ذهب وفضة ودارت علينا الخمر فاستعفيت منها ثم أتي بطست من ذهب وأبريق من ذهب‏.‏

ثم أومأ إلى وصيف له فما كان إلا هنيهة حتى أقبلت عشر جوار فقعد خمس عن يمينه وخمس عن يساره على كراسي العاج وإذا عشر أخر أحسن من الأول فقعد خمس عن يمينه وخمس عن يساره ثم أقبلت جارية من أحسن ما تكون من الجواري بطائر أبيض وفي يدها اليمنى جام من ذهب فيه مسك وعنبر سحيقان وفي يدها اليسرى جام من فضة فيه ماء ورد ما لم أشم مثله فنقرت الطائر فوقع في الجام فتقلب فيه ثم في الجام الآخر فتقلب فيه ثم سقط على صليب في تاج جبلة ثم حرك جناحيه فنثر ذلك على رأس جبلة ولحيته ثم شرب جبلة خمرًا ثم استهل واستبشر ثم قال للجواري‏:‏ أطربنني فخفقن بعيدانهن فاندفعن يغنين لله در عصابة نادمتهم يومًا بجلق في الزمان الأول أولاد جفنة عند قبر أبيهمُ قبر ابن مارية الكريم المفضل بيض الوجوه كريمة أحسابهم شم الأنوف من الطراز الأول يغشون حتى ماتهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل فطرب ثم قال‏:‏ هل تعرف لمن هذا الشعر قلت‏:‏ لا قال‏:‏ قاله حسان بن ثابت قال‏:‏ هو حي قلت‏:‏ نعم أما إنه ضرير كبير‏.‏

ثم قال‏:‏ أطربنني فغنين‏:‏ لمن الدار أقفرت بمغان بين قرع اليرموك والضمان فقال‏:‏ أتعرف قائل هذا ذاك حسان ثم سكت طويلًا ثم قال‏:‏ ابكينني‏.‏

فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وقلن‏:‏ تنصرت الأشراف من عار لطمة وما كان فيها لو صبرت على ضرر تكنفني فيها لحاج ونخوة وبعت بها العين الصحيحة بالعور فياليت أمي لم تلدني وليتني رجعت إلى القول الذي قاله عمر وباليتني أرعى المخاض بقفرة وكنت أسيرًا في ربيعة أو مضر وياليت لي بالشام أدنى معيشة أجالس قومي ذاهب السمع والبصر أدين بما دانوا به من شريعة وقد يصبر العود الكبير على الدبر ثم انصرف الجواري ووضع يده على وجهه يبكي حتى نظرت إلى دموعه تجول كأنها اللؤلؤ وبكيت معه ثم نشف دموعه بكمه ومسح وجهه وقال‏:‏ يا جارية هاتي فأتته بخمسمائة دينار هرقلية فقال‏:‏ ادفع هذه إلى حسان بن ثابت وأقرئه مني السلام‏.‏

ثم قال‏:‏ هاتي فأتته بمثلها فقال‏:‏ خذها صلة لك فأبيت وقلت‏:‏ لا أقبل صلة رجل ارتد عن الإسلام فقال‏:‏ أقرىء على عمر والمسلمين السلام - فجئت إلى عمر فأخبرته فقال‏:‏ ورأيته يشرب الخمر فقلت‏:‏ نعم فقال‏:‏ أبعده الله تعجل فانيه وفي رواية أخرى أن الرسول من حمير اسمه جثامة بن مساحق الكناني‏.‏

وروى عبد الله بن مسعدة الفزاري قال‏:‏ وجهني معاوية إلى ملك الروم فدخلت عليه فإذا عنده رجل على سرير من ذهب دون مجلس الملك فقلت‏:‏ من أنت يا عبد الله فقال‏:‏ أنا رجل غلب علي الشقاء أنا جبلة بن الأيهم إذا صرت إلى منزلي فالقني‏.‏

فلما انصرف إلى منزله أتيته فلقيته على شرابه وعنده قينتان تغنيانه بشعر حسان فقال لي‏:‏ ما فعل حسان قلت‏:‏ شيخ كبير قد عمي فدعى بألف دينار فدفعها إليَ وأمرني أن أدفعها إليه وقال‏:‏ أترى صاحبك يفي إن خرجت إليه قلت‏:‏ قل ما شئت أعرضه عليه قال‏:‏ يعطيني الثنية فإنها كانت منازلنا وعشرين قرية من الغوطة ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا‏.‏ قلت‏:‏ أبلغه‏.‏

فلما قدمت على معاوية قال‏:‏ وعدت أنك أجبته إلى ما سأل فأجيزه له‏.‏

وكتب إليه معاوية يعطيه ذلك فوجده قد مات‏.‏

الربيع بن زياد الحارثي

وكان عامل زياد على خراسان فبقي سنتين وأشهرًا ومات‏.‏

وكان الربيع قد خرج يوم جمعة فقال‏:‏ أيها الناس قد ملكت الحياة وأنا داع فأمنوا ثم رفع يديه بعد الصلاة وقال‏:‏ اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلًا فأمن الناس فخرج فسقط وحمل إلى بيته واستخلف وفي رواية‏:‏ استخلف خليد بن عبد الله الحنفي وأقره زياد‏.‏

رويفع بن ثابت بن السكن‏:‏ له صحبة روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مصر واختط بها دارًا ومنزله باق‏.‏

روى عنه مرثد بن عبد الله اليزني وغيره‏.‏

وله بالمغرب ولايات وفتوح‏.‏

توفي ببرقة وهو أمير عليها لمسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر في هذه السنة‏.‏

زياد بن سمية

وهو الذي يقال له ابن أبيه‏:‏ وكان أحمر اللون في عينه اليمنى انكسار‏.‏

قال سفيان بن عيينة‏:‏ أول من ضرب الدنانير والدراهم زياد‏.‏

وقال أبو رجاء‏:‏ عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة وولاها زيادًا قالوا‏:‏ فملك العراق خمس سنين‏.‏

وكتب إلى معاوية‏:‏ إني قد ضبطت لك العراق بشمالي وبقيت يميني فارغة فاشغلها بالحجاز فكتب له عهده فلما بلغ ذلك أهل الحجاز أبى نفر منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب فذكروا ذلك له فقال‏:‏ ادعوا الله عليه يكفيكموه فاستقل القبلة واستقبلوا ودعا ودعوا فخرجت طاعونة على إِصبعه فأرسل إلى شريح وكان قاضيه فقال‏:‏ قد أمرت بقطعها فأشر علي فقال شريح‏:‏ إني أخشى أن تكون الجراح على يدك والألم في قلبك وأن يكون الأجل قد دنا وتلقى الله أجذم وقد قطعت يدك كراهية لقائه أو أن يكون في الأجل تأخير وقد قطعت يدك فتعيش أجذم ويعير ولدك فتركها‏.‏

وخرج شريح فسألوه فأخبرهم بما أشار عليه فقالوا‏:‏ هلا أشرت عليه بقطعها فقال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ المستشار مؤتمن ‏"‏‏.‏

ثم عزم زياد على قطعها وقال‏:‏ أنام والطاعون في لحاف فلما نظر إِلى النار والمكاوي جزع فترك ذلك فحضرته الوفاة فقال له ابنه‏:‏ يا أبه قد هيأت لك ستين ثوبًا أكفنك فيها فقال‏:‏ يا بني قد دنا من أبيك لباس خير من لباسه هذا وسلب سريع فمات لثلاث خلون من رمضان بالثوير بجانب الكوفة وكان قد توجه يريد الحجاز واليًا عليها فلما بلغ الخبر ابن عمر قال‏:‏ اذهب إليك ابن سمية لا الدنيا بقيت لك ولا الآخرة أدركت‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن محمد بن عبد الكريم قال‏:‏ حدثنا الهيثم بن عدي قال‏:‏ حدثنا مجالد عن الشعبي قال‏:‏ حدَّثنا عجلان مولى زياد وحاجبه قال‏:‏ كان زياد إذا خرج إلى المسجد مشيت أمامه حتى يدخل وإذا دخل مشيت أمامه حتى يخرج وإذا دخل مجلسه فعلت ذلك به فدخل يومًا مجلسه فإذا ضوء في الحائط مثال ثلاثين فنظر إليه فقال‏:‏ يا عجلان هل يصل إلى هذا المجلس ضوء من موضع قلت‏:‏ لا قال‏:‏ فما هذا ثم قال‏:‏ هيه هذا والله أجلي نعيت إلى نفسي ثلاثين سنة والله ما أطمع فيها ثلاثين شهرًا والله يفعل ما يريد أثلاثون يومًا والله يفعل ما يشاء قال عجلان‏.‏

فمات والله في آخر يوم من الثلاثين يومًا‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن محمد أخبرنا محمد بن هبة الله العكبري أخبرنا أبو الحسين بن بشران حدثنا ابن صفوان حدًثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني أبي عن هشام بن محمد‏:‏ حدثني يحيى بن ثعلبة الأنصاري عن أمه عائشة عن أبيها عبد الرحمن بن السائب الأنصاري قال‏:‏ جمع زياد أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من علي رضي الله عنه‏.‏

قال عبد الرحمن‏:‏ فإني لمع نفر من أصحابي من الأنصار والناس في أمر عظيم فهومت تهويمة فرأيت شيئًا أقبل طويل العنق مثل عنق البعير أهدب أهدل فقلت‏:‏ ما أنت فقال‏:‏ أنا النفاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر‏.‏

فاستيقظت فزعًا فقلت لأصحابي‏:‏ هل رأيتم ما رأيت قالوا‏:‏ لا فأخبرتهم وخرج علينا خارج من القصر فقال‏:‏ إن الأمير يقول ما كان منتهيًا عما أراد بنا حتى تناوله النفاد ذو الرقبه وأثبت الشق منه ضربة ثبتت كما تناول ظلمًا صاحب الرحبه قال أبو بكر القرشي‏:‏ حدثني زكريا بن يحيى عن عبد السلام بن مظهر عن جعفر بن سليمان عن عبد ربه أبي بن كعب الجرموزي‏:‏ أن زيادًا لما قدم الكوفة قال‏:‏ أي أهل البلد أعبد قالوا‏:‏ فلان الحميري فأرسل إليه فأتاه فإذا له سمت ونجو فقال زياد‏:‏ لو مال هذا مال أهل الكوفة معه فقال له‏:‏ إني بعثت إليك لأمولك وأعطيك على أن تلزم بيتك فلا تخرج قال‏:‏ سبحان الله والله لصلاة واحدة في جماعة أحب إلي من الدنيا كلها ولزيارة أخ في اله وعيادة مريض أحب إلي من الدنيا كلها وليس إلى ذلك سبيل‏.‏

قال‏:‏ فاخرج فصل في جماعة وزر إخوانك وعد المريض والزم لسانك قال‏:‏ سبحان الله أرى معروفًا لا أقول فيه أرى منكرًا لا أنهى عنه فوالله لمقام من ذلك واحد أحب إلي من الدنيا كلها‏.‏

قال جعفر‏:‏ أظن الرجل أبو المغيرة فقال‏:‏ السيف فأمر به فضربت عنقه قال جعفر‏:‏ فقيل لزياد‏:‏ أبشر قال‏:‏ كيف وأبو المغيرة في الطريق‏.‏

أنبأنا الجريري عن العشاري قال‏:‏ أخبرنا علي بن الحسين قال‏:‏ أخبرنا محمد بن القاسم بن مهدي قال‏:‏ حدثنا علي بن أحمد بن أبي قيس قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني سعيد بن يحيى قال‏:‏ حدثنا عمي عبد الله بن سعيد عن زياد بن عبد الله عن عوانة قال‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن الحسين عن القاسم بن سليمان قال‏:‏ وقع طاعون بالكوفة فبدأ زياد فخرج من الكوفة فلما ارتفع الطاعون رجع فخرج طاعون بأصبعه‏.‏

قال سليم‏:‏ فأرسل إليّ فأتيته فقال‏:‏ يا سليم أتجد ما أجد من الحر قلت‏:‏ لا قال‏:‏ والله إني لأجد في جسدي حرًا كأنه النار واجتمع إليه مائة وخمسون طبيبً منهم ثلاثة من أطباء كسرى فخلا سليم بطبيب من أطباء كسرى فسأله عنه فقال له الطبيب ما به وهو ميت فمره بالوصية صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم‏:‏ كان يحيي الموءودة في الجاهلية ثم جاء الإسلام فأسلم‏.‏

روى أبو عبده عن عقال بن شبة قال‏:‏ قال صعصعة‏:‏ خرجت باغيًا ناقتين لي فرفعت لي نار فسرت نحوها وهممت بالنزول فجعلت النار تضيء مرة وتخبو أخرى فلم تزل تفعل ذلك حتى قلت‏:‏ اللهم لك علي إن بلغتني هذه النار أن لا أجد أهلها يوقدونها لكربة‏:‏ إلا فرجتها عنهم قال‏:‏ فلم أسر إِلا قليلًا حتى أتيتها فإذا حي من بني أنمار وإذا بشيخ يوقدها في مقدم بيته والنساء قد اجتمعن إلى امرأة ماخض قد حبستهن ثلاث ليال فسلمت فقال الشيخ‏:‏ من أنت فقلت‏:‏ أنا صعصعة بن ناجية فقال‏:‏ مرحبًا بسيدنا ففيم أنت يا بن أخي فقلت‏:‏ في بغاء ناقتين لي قال‏:‏ قد وجدتهما بعد أن أحيي الله بهما أهل بيت من قومك وقد تجناهما وعطفت إحداهما على الأخرى وهم شأنك في أدنى الإبل قال‏:‏ ففيم توقد نارك منذ الليلة قال‏:‏ أوقدتها لامرأة ماخض قد حبستنا منذ ثلاث ليال قال‏:‏ فقال النساء‏:‏ قد جاء الولد فقال الشيخ‏:‏ إن كان غلامًا فوالله ما أدري ما أصنع به وإن كانت جارية فلا أسمعن صوتها إلا قتلتها فقلت يا هذا ذرها فإنها ابنتك ورزقها على الله فقال أقتلها فقلت‏:‏ أنشدك الله فقال‏:‏ إني أراك بها حفيًا فاشترها مني قلت‏:‏ إني أشتريها منك فقال‏:‏ ما تعطيني قلت‏:‏ أعطيك إحدى ناقتي قال‏:‏ لا قلت‏:‏ أزيدك الأخرى فنظر إِلى جملي الذي تحتي فقال‏:‏ لا إلا أن تزيدني جملك هذا فإني أراه حسن اللون شاب السن فقلت‏:‏ هو لك على أن تبلغني أهلي قال قد فعلت‏.‏

فابتعتها منه وأخذت عليه عهد الله وميثاقه ليحسنن برها وصلتها ما عاشت حتى تبين عنه أو يدركها الموت فلما برزت من عنده حدثت نفسي وقلت‏:‏ إن هذه مكرمة ما سبقني إِليها أحد من العرب ثم قلت‏:‏ اللهم إن لك علي أن لا أسمع برجل من العرب يريد أن يئد بنتا له إلا اشتريتها بلقوحة جمل فبعث الله عز وجل محمدًا صلى الله عليه وسلم وقد أحييت مائة موءودة إلا أربعًا لم يشاركني في ذلك أحد حتى أنزل الله عز وجل تحريمه في القرآن‏.‏

وفي رواية أربعمائة‏.‏

وقدم على رسول الله فأسلم وتعلم القرآن وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع فقال‏:‏ ‏"‏ لك أجر ذلك إذ من الله عليك بالإسلام ‏"‏‏.‏

ثم توفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وخمسين

فمن الحوادث فيها‏:‏ مشتى محمد بن مالك بأرض الروم وصائفة معن بن يزيد السلمي وفيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن المدينة واستعمل مروان وسبب ذلك أن معاوية كان يُغرِي بين مروان وسعيد بن العاص فكتب إلى سعيد وهو على المدينة‏:‏ اهدم دار مروان فلم يهدمها فأعاد إليه الكتاب مرة بعد مرة فلم يفعل فعزله فلما ولى مروان كتب إليه اهدم دار سعيد فركب وجاء بالفَعَلة فقال له سعيد‏:‏ أتهدم داري قال‏:‏ كتب إلي أمير المؤمنين ولو كتب إليك في هدم داري لفعلت قال‏:‏ ما كنت لأفعل قال‏:‏ بلى والله‏.‏

فجاءه بكتاب معاوية في ذلك فرجع ولم يهدمها‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ كتب إليه‏:‏ اقبض أموال مروان واجعلها صافية واقبض فدك منه وكان وهبها له‏.‏

فراجعه سعيد وقال‏:‏ قرابته قريبة فأعاد إليه الكتاب فأبى وأخذ الكتابين فوضعهما عند جارية له فلما عزل وولي مروان كتب معاوية إلى مروان يأمره بقبض أموال سعيد بن العاص بالحجاز فأرسل إليه بكتاب مع ابنه عبد الملك وقال‏:‏ لو كان غير كتاب أمير المؤمنين‏.‏

لتجافيته‏.‏

فدعى سعيد بالكتابين اللذين كتب بهما إليه في أموال مروان فذهب بهما إلى مروان فقال‏:‏ هو كان أوصل لنا منه إليه وكف عن قبض أموال سعيد‏.‏

وفي هذه السنة عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة وولى عبد الله بن عمرو بن غيلان وكان سمرة خليفة زياد على البصرة فلما مات زياد أقره معاوية ستة أشهر ثم عزله فقال سمرة بن جندب‏:‏ والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدًا‏.‏

وفي هذه السنة ولى معاوية عبيد اللّه بن زياد خراسان‏.‏

وذلك أنه لما مات زياد وفد عبيد الله على معاوية فقال له معاوية‏:‏ من استخلف أخي على عمله بالكوفة قال‏:‏ عبد الله بن خالد بن أسيد قال‏:‏ وعلى البصرة سمرة بن جندب فقال‏:‏ لو استعملك أبوك لاستعملتك‏.‏

وكان معاوية إذا أراد أن يولي رجلًا من بني حرب ولاه الطائف فإن رأى فيه ما يعجبه ولاه مكة معها فإن أحسن الولاية جمع له معها المدينة فكان إذا ولى الطائف رجلًا قيل‏:‏ هو في أبي جاد وإذا ولاه مكة قيل‏:‏ هو في القرار فإذا ولاه المدينة قيل‏:‏ هو قد حذق‏.‏

فولى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان وهو ابن خمسة وعشرين سنة فقدمها وقطع النهر إلى جبال بخارى ففتح راميثن ونصف بَيْكَنْد - وهما من بخارى - ولقي الترك ببخارى ومع ملكهم امرأته فلما هزمهم الله أعجلها المسلمون عن لبس خُفيْها فلبست أحدهما وبقي الآخر فأصابه المسلمون فقوموا الجورب بمائتي ألف درهم‏.‏

وأقام بخراسان سنتين‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم وكان هو على المدينة وكان على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد وقيل‏:‏ بل كان الضحاك بن قيس‏.‏

وكان على البصرة عبد الله بن عمرو بن غيلان‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة

ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

يكنى أبا عبد الله أصابه سبي فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه فلم يزل معه حتى قبض رسول الحارث بن ربعي أبو قتادة الأنصاري‏:‏ قال الواقدي‏:‏ اسمه النعمان‏.‏

وقال الهيثم بن عدي‏:‏ اسمه عمرو‏.‏

والأول أصح‏.‏شهد ما بعد بدر وحضر مع علي قتال الخوارج بالنهروان‏.‏

وقد قيل أنه مات في خلافته وصلى عليه ولا يصح ذلك بل عاش بعده‏.‏

قال أبو بكر بن أبي الدنيا‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة قال‏:‏ توفي أبو قتادة بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة‏.‏

حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى‏:‏ ولد قبل الفيل باثنتي عشرة سنة وكان آدم شديد الأدمة خفيف اللحم‏.‏

أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة أخبرنا المخلص أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني مصعب بن عثمان قال‏:‏ دخلت أم حكيم بن حزام الكعبة معها نسوة من قريش وهي حامل بحكيم بن حزام فضربها المخاض في الكعبة فأتيت بنطع حيث أعجلتها الولادة فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع وكان حكيم من سادات قريش في الجاهلية والإسلام‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال‏:‏ لم يدخل دار الندوة أحد من قريش للمشورة حتى يبلغ أربعين سنة إلا حكيم بن حزام دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَّثنا المنذر بن عبد الله بن المنذر عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير قال‏:‏ سمعت حكيم بن حزام يقول‏:‏ ولدت قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة وأنا أعقل حين أراد عبد المطلب أن يذبح ولده عبد الله حتى وقع نفره وذلك قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ شهد حكيم بن حزام مع أبيه حرب الفجار وقتل أبوه حزام في الفجار الأخير وكان حكيم يكنى أبا خالد وكان له جماعة من الولد كلهم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا يوم الفتح‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وأخبرنا إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه وغيره قالوا‏:‏ بكى حكيم بن حزام فقال له ابنه‏:‏ ما يبكيك يا أبه قال‏:‏ خصال كلها أبكاني أما أولها‏:‏ فبطء إسلامي حتى سبقت في مواطن كلها صالحة ونجوت يوم بدر ويوم أحد فقلت‏:‏ لا أخرج من مكة ولا أوضع مع قريش ما بقيت فأقمت بمكة ويأبى الله أن يشرح قلبي للإسلام وذلك أني أنظر إلى بقايا من قريش لهم أسنان متمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية فأقتدي بهم ويا ليت أني لم أقتد بهم فما أهلكنا إلا اقتداؤنا بآبائنا وكبرائنا فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعلت أفكر وأتاني أبو سفيان بن حرب فقال‏:‏ أبا خالد والله إني لأخشى أن يأتينا محمد في جموع يثرب فهل أنت تابعي إلى شرف نتروح الخبر قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فخرجنا نتحدث ونحن مشاة حتى إذا كنا بمر الظهران إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدهم من الناس فلقي العباس بن عبد المطلب أبا سفيان فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى مكة فدخلت بيتي وآمن الناس فجئته صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالبطحاء وأسلمت وصدقته وشهدت أن ما جاء به حق وخرجت معه إلى حنين‏.‏

فأعطى رجالًا من الغنائم والأموال وسألته حينئذ فألحقت المسلة‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وحدثني معمر عن الزهري عن ابن المسيب وعروة بن الزبير قالا‏:‏ حدًثنا حكيم بن حزام قال‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بحنين مائة من الإبل فأعطانيها ثم سألته مائة فأعطانيها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإسراف نفس لم يبارك فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع فاليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ‏"‏‏.‏

فكان حكيم يقول‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أزرأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر الصديق يدعو حكيمًا ليعطيه فيأبى أن يقبل منه شيئًا وكان عمر يدعو حكيمًا إلى عطائه فيأبى أن يأخذه فيقول‏:‏ أيها الناس أشهدكم على حكيم أني أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه فلم يزرأ حكيم أحدًا من الناس شيئًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه‏:‏ أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير ثم أعتق في الإسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله أرأيت شيئًا كنت فعلته في الجاهلية أتحنث به هل لي فيه من أجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أسلمت على ما سلف لك من خير ‏"‏ أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا ابن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال‏:‏ جاء الإسلام وفي يد حكيم الرفادة ودار الندوة بيده فباعها بعد من معاوية بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير‏:‏ بعت مكرمة قريش فقال حكيم‏:‏ ذهبت المكارم إلا التقوى يا ابن أخي إني اشتريت بها دارًا في الجنة أشهد أني قد جعلتها في سبيل الله‏.‏

وكان يفعل المعروف ويصل الرحم عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام‏.‏

قال الزبير‏:‏ وحدثني يعقوب بن محمد بن عيسى قال‏:‏ حدثني عثمان بن عمر بن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه عن أبي بكر بن سليمان قال‏:‏ حج حكيم بن حزام معه مائة بدنة قد أهداها وجِللِها الحبرة وكفها على أعجازها ووقف مائة وصيف يوم عرفة في أعناقهم أطوقة الفضة قد نقش في رؤوسها عتقاء الله من حكيم بن حزام وأعتقهم وأهدى ألف شاة‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏ وأخبرني إبراهيم بن حمزة أن مشركي قريش حصروا بني هاشم في الشعب وكان حكيم بن حزام تأتيه العير تحمل الحنطة من الشام فيقبل بها إلى الشعب ثم قال الزبير‏:‏ حدثني إبراهيم بن المنذر عن الواقدي عن الضحاك بن عثمان قال‏:‏ قال حكيم بن حزام‏:‏ كنت أعالج البز في الجاهلية وكنت رجلًا تاجرًا أخرج إلى اليمن وإلى الشام في الرحلتين وكنت أربح أرباحًا كثيرة فأعود على فقراء قومي ونحن لا نعبد شيئًا نريد بذلك ثراء الأموال والمحبة في العشيرة وكنت أحضر للأسواق وكان لنا ثلاثة أسواق‏:‏ سوق بعكاظ يقوم صبح هلال ذي القعدة فيقوم عشرين يومًا ويحضرها العرب وبها ابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد وهو يومئذ غلام فأخذته بستمائة درهم فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة سألها زيدًا فوهبته له فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها ابتعت حلة ذي يزن كسوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أحدًا قط أجمل ولا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحلة‏.‏

قال‏:‏ ويقال‏:‏ إن حكيم بن حزام قدم بالحلة في هدنة الحديبية وهو يريد الشام في عير فأرسل بالحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها وقال‏:‏ إلا أقبل هدية مشرك قال حكيم‏:‏ فجزعت جزعًا شديدًا حيث رد هديتي وبعتها بسوق النبط من أول سائم سامني ودس رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها زيد بن حارثة وكان سوق مَجَنةَ تقوم عشرة أيام حتى إِذا رأينا هلال ذي الحجة انصرفنا وانتهينا إلى سوق في المجاز تقام ثمانية أيام‏.‏

وكل هذه الأسواق ألقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواسم يستعرض القبائل قبيلة قبيلة يدعوهم إلى الله تعالى فلا أرى أحدًا يستجيب وقريش أشد القبائل عليه حتى بعث ربه عز وجل قومًا أراد بهم كرامة هذا الحي من الأنصار فبايعوه وآمنوا به وبذلوا له أنفسهم وأموالهم فجعل الله له دار هجرة‏.‏

فلما حج معاوية سامني بداري بمكة فبعتها منه بأربعين ألف دينار فبلغني أن ابن الزبير يقول‏:‏ ما يدري هذا الشيخ ما يبيع ليردن عليه بيعه‏.‏

فقلت‏:‏ والله ما ابتعتها إلا بزق من خمر‏.‏

وكان حكيم يشترىِ الظهر والأداة والزاد ثم لا يجيئه أحد يستحمله في السبيل إلا حمله‏.‏

وكان معاوية عام حج مر به وهو ابن عشرين ومائة سنة فأرسل إليه بلقوح يشرب من لبنها وذلك بعد أن سأله أي الطعام يأكل فقال‏:‏ أما مضغ فلا مضغ بي فأرسل إِليه بلقوح وصله فأبى أن يقبلها وقال‏:‏ لم آخذ من بعد النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا قد دعاني أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى حقي فأبيت‏.‏

توفي بالمدينة في هذه السنة وهو ابن مائة وعشرين سنة‏.‏

أسلم يوم الفتح وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد النفر الذين أمرهم عمر بن الخطاب بتجديد أنصاب الحرم‏.‏

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزار قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن مسلمة الأشهلي عن أبيه قال‏:‏ كان حويطب بن عبد العزى قد بلغ عشرين ومائة سنة ستين في الجاهلية وستين في الإسلام فلما ولي مروان بن الحكم المدينة في عمله الأول دخل عليه حويطب مع مشيخة جلة‏:‏ حكيم بن حزام ومخرمة بن نوفل فتحدثوا عنده ثم تفرقوا فدخل عليه حويطب يومًا بعد ذلك فتحدث عنده فقال له مروان‏:‏ ما سنك فأخبره فقال له‏:‏ تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث فقال حويطب‏:‏ الله المستعان والله لقد هممت بالإسلام مرة بعد مرة كل ذلك يعوقني أبوك يقول‏:‏ تدع شرفك وتدع دين آبائك لدين محمد وتصير تابعًا قال‏:‏ فأسكت مروان وندم على ما كان‏.‏

قال له‏:‏ ثم قال حويطب‏:‏ أما كان أخبرك عثمان ما كان لقي من أبيك حين أسلم فازداد مروان غمًا ثم قال حويطب‏:‏ ما كان في قريش أحد من كبرائنا الذين بقوا على دين قومهم إلى أن فتحت مكة كان أكره لما هو عليه مني ولكن المقادير‏.‏

ولقد شهدت بدرًا مع المشركين فرأيت عبرًا رأيت الملائكة تقتل وتأسر بين السماء والأرض فقلت‏:‏ هذا رجل ممنوع ولم أذكر ما رأيت فانهزمنا راجعين إلى مكة فأقمنا بمكة نسلم رجلًا رجلًا فلما كان يوم الحديبية حضرت وشهدت الصلح ومشيت فيه حتى تم وكل ذلك أريد الإسلام ويأبى الله إلا ما يريد فلما كتبنا صلح الحديبية كنت أنا أحد شهوده قلت‏:‏ لا ترى قريش من محمد إلا ما يسوؤها قد رضيت أن دافعت بالراح‏.‏

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام القضية وخرجت قريش عن مكة وكنت فيمن تخلف في مكة أنا وسهيل بن عمرو ولات يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مضى الوقت وهو ثلاث فلما انقضت الثلاث أقبلت أنا وسهيل بن عمرو فقلنا‏:‏ قد مضى شرطك فاخرج بمن معك من بلدنا فصاح‏:‏ يا بلال لا تغيب الشمس وأحد من المسلمين بمكة ممن قدم معنا‏.‏

وبالإسناد عن إبراهيم عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن موسى بن عقبة عن لمنذر بن جهم قال‏:‏ قال حويطب‏:‏ لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح خفت خوفًا شديدًا فخرجت من بيتي وفرقت عيالي في مواضع يأمنون فيها ثم انتهيت إلى حائط عوف فكنت فيه فإذا أنا بأبي ذر الغفاري وكان بيني وبينه خلة فلما رأيته هربت منه فقال‏:‏ أبا محمد قلت‏:‏ لبيك قال‏:‏ مالك قلت‏:‏ الخوف قال‏:‏ لا خوف عليك تعالى أنت آمن بأمان الله فرجعت إليه وسلمت عليه فقال لي‏:‏ اذهب إلى منزلك قلت‏:‏ وهل سبيل إلى منزلي والله ما أراني أصل إلى بيتي حيًا حتى ألقى فأقتل أو يدخل في منزلي فأقتل وإن عيالي في مواضع شتى قال‏:‏ فاجمع عيالك معك في موضع واحد وأنا أبلغ معك فبلغ معي وجعل ينادي على بابي‏:‏ إن حويطب آمن فلا يُهَجْ‏.‏

ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال‏:‏ ‏"‏ أو ليس قد آمنا الناس كلهم إلا من أمرت بقتله ‏"‏‏.‏

فاطمأننت ورددت عيالي إلى مواضعهم وعاد إلي أبو ذر فقال‏:‏ يا أبا محمد حتى متى وإلى متى قد سبقت في المواطن كلها وفاتك خير كثير وبقي خير كثير فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم تسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبر الناس وأوصل الناس وأحلم الناس‏.‏

قلت‏:‏ فأنا أخرج معك فآتيه فخرجت معه حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وعنده أبو بكر وعمر فوقفت على رأسه وقد سألت أبا ذر‏:‏ كيف يقال إذا سلمُ عليه قال‏:‏ قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله قال‏:‏ ‏"‏ وعليك السلام أحويطب ‏"‏ قلت‏:‏ نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي هداك ‏"‏ وسر بإسلامي واستقرضني مالًا فأقرضته أربعين ألف درهم وشهدت معه حنينًا والطائف وأعطاني من غنائم حنين مائة بعير‏.‏

ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها وله بها دار‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال‏:‏ باع حويطب داره بمكة من معاوية بأربعين ألف دينار فقيل له‏:‏ يا أبا محمد أربعون ألف دينار فقال‏:‏ وما أربعون ألف دينار لرجل عنده خمسة من العيال‏.‏

ومات حويطب بالمدينة في هذه السنة وله مائة وعشرون سنة‏.‏

سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم‏:‏ أسلم يوم الفتح وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا وأعطاه من غنائمها خمسين بعيرًا وكان ممن يجدد أنصاب الحرم كل سنة معرفة بها حتى ذهب بصره في آخر خلافة عمر وتوفي بالمدينة في هذه السنة وهو ابن مائة وعشرين سنة‏.‏

سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود

تزوجها السكران بن عمرو وأسلما وخرجا إلى الحبشة في الهجرة الثانية فلما قدم مكة توفي فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فخطبها فتزوجها فهي أول امرأة تزوجها بعد خديجة وكان ذلك في رمضان سنة عشر من النبوة وبنى بها بمكة وكانت قد كبرت فأراد طلاقها فقالت‏:‏ دعني أحشر في جملة أزواجك وليلتي لعائشة‏.‏

وقيل‏:‏ إنه طلقها فلما قالت هذا راجعها‏.‏

وتوفيت في شوال هذه السنة بالمدينة‏.‏

مرة بن شراحبيل الهمداني

ويقال له‏:‏ مرة الخير ومرة الطيب سمي ذلك لعبادته‏.‏

وروى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود‏.‏

وكان كثير الصلاة تبين في وجهه وكفيه آثار الركوع والسجود‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال‏:‏ أخبرنا أبو حامد بن جبلة قال‏:‏ حدثنا محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدثنا سعدان بن يزيد كان مرة يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة فلما ثقل وبدن صلى أربعمائة ركعة وكنت تنظر إلى مباركه كأنها مبارك الإبل‏.‏

أخبرنا إِسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري قال‏:‏ أخبرنا ابن بشران قال‏:‏ حدثنا ابن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن عون قال‏:‏ حدثني بكر بن محمد العابد قال‏:‏ حدثنا الحارث الغنوي قال‏:‏ سجد مرة الهمداني حتى أكل التراب جبهته فلما مات رآه رجل من أهله في منامه كأن موضع سجوده كهيئة الكوكب الدري يلمع‏.‏

فقلت له‏:‏ ما هذا الذي أرى بوجهك قال‏:‏ كسى موضع السجود بأكل التراب له نورًا قال‏:‏ فما منزلتك في الجنة قال‏:‏ خير منزلة دار لا ينتقل عنها أهلها ولا يموتون‏.‏

النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث‏:‏ شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يؤتى به مرة بعد مرة في شرب النبيذ فقال رجل‏:‏ اللهم العنه ما أكثر ما يشرب وأكثر ما يجلد فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ‏"‏‏.‏