فصل: باب الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ:

342- قَوْله: (مَوْلَى الْحُرَقَةِ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَفَتْح الرَّاء تَقَدَّمَ بَيَانه أَوَّل الْكِتَاب.
344- قَوْله (حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب عَنْ أَبِي صَخْر) هُوَ أَبُو صَخْر مِنْ غَيْر هَاء فِي آخِره، وَاسْمه: حُمَيْدُ بْن زِيَاد، وَقِيلَ: حُمَيْدُ بْن صَخْر، وَقِيلَ: حَمَّاد بْن زِيَاد، وَيُقَال لَهُ: أَبُو الصَّخْر الْخَرَّاط صَاحِب الْعَبَاء الْمَدَنِيّ، سَكَنَ مِصْر.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَمَضَان إِلَى رَمَضَان كَفَّارَة لِمَا بَيْنَهُمَا» فيه: جَوَاز قَوْل رَمَضَان مِنْ غَيْر إِضَافَة شَهْر إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَلَا وَجْه لِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الصِّيَام- إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى- وَاضِحَة مَبْسُوطَة بِشَوَاهِدِهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اِجْتَنَبَ الْكَبَائِر» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر الْأُصُول (اِجْتَنَبَ) آخِره بَاءَ مُوَحَّدَة، وَالْكَبَائِر مَنْصُوب أَيْ: إِذَا اِجْتَنَبَ فَاعِلهَا الْكَبَائِر، وَفِي بَعْض الْأُصُول (اُجْتُنِبَتْ) بِزِيَادَةِ تَاء مُثَنَّاة فِي آخِره عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله وَرَفْعِ الْكَبَائِر، وَكِلَاهُمَا صَحِيح ظَاهِر. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب الذِّكْرِ الْمُسْتَحَبِّ عَقِبَ الْوُضُوءِ:

345- قَالَ مُسْلِم: (حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حَاتِم بْن مَيْمُون حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ رَبِيعَة يَعْنِي اِبْن يَزِيد عَنْ أَبِي إِدْرِيس الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِر قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِر) ثُمَّ قَالَ مُسْلِم: (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ مَيْمُون عَنْ رَبِيعَة بْن يَزِيد عَنْ أَبِي إِدْرِيس وَأَبِي عُثْمَان عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ عُقْبَةَ) اِعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاء اِخْتَلَفُوا فِي الْقَائِل فِي الطَّرِيق الْأَوَّل: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان، مَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ مُعَاوِيَة بْن صَالِح وَقِيلَ: رَبِيعَة بْن يَزِيد، قَالَ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ الْجَيَّانِيّ فِي تَقْيِيد الْمُهْمَل: الصَّوَاب أَنَّ الْقَائِل ذَلِكَ هُوَ: مُعَاوِيَة بْن صَالِح، قَالَ: وَكَتَبَ أَبُو عَبْد اللَّه بْن الْحَذَّاء فِي نُسْخَته: قَالَ رَبِيعَة بْن يَزِيد: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان عَنْ جُبَيْر عَنْ عُقْبَةَ قَالَ أَبُو عَلِيّ، وَاَلَّذِي أَتَى فِي النُّسَخ الْمَرْوِيَّة عَنْ مُسْلِم هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا يَعْنِي مَا قَدَّمْته أَنَا هُنَا، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب، قَالَ: وَمَا أَتَى بِهِ اِبْن الْحَذَّاء وَهْم مِنْهُ، وَهَذَا بَيِّن مِنْ رِوَايَة الْأَئِمَّة الثِّقَاة الْحُفَّاظ، وَهَذَا الْحَدِيث يَرْوِيه مُعَاوِيَة بْن صَالِح بِإِسْنَادَيْنِ، أَحَدهمَا: عَنْ رَبِيعَة بْن يَزِيد عَنْ أَبِي إِدْرِيس عَنْ عُقْبَةَ، وَالثَّانِي: عَنْ أَبِي عُثْمَان عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ أَبُو عَلِيّ: وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّوَاب خَرَّجَهُ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ فَصَرَّحَ، وَقَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة بْن صَالِح وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان عَنْ جُبَيْر عَنْ عُقْبَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عَلِيّ طُرُقًا كَثِيرَة فيها التَّصْرِيح بِأَنَّهُ مُعَاوِيَة بْن صَالِح وَأَطْنَبَ أَبُو عَلِيّ فِي إِيضَاح مَا صَوَّبَهُ، وَكَذَلِكَ جَاءَ التَّصْرِيح بِكَوْنِ الْقَائِل هُوَ مُعَاوِيَة بْن صَالِح فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سَعِيد عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ أَبِي عُثْمَان- وَأَظُنّهُ سَعِيد بْن هَانِئ- عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ عُقْبَةَ قَالَ مُعَاوِيَة: وَحَدَّثَنِي رَبِيعَة عَنْ يَزِيد عَنْ أَبِي إِدْرِيس عَنْ عُقْبَةَ، هَذَا لَفْظ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ صَرِيح فِيمَا قَدَّمْنَاهُ.
قَوْله: (كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَة الْإِبِل فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتهَا بِعَشِيٍّ). وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام: أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاوَبُونَ رَعْي إِبِلِهِمْ فَيَجْتَمِع الْجَمَاعَة وَيَضُمُّونَ إِبِلهمْ بَعْضهَا إِلَى بَعْض فَيَرْعَاهَا كُلّ يَوْم وَاحِد مِنْهُمْ لِيَكُونَ أَرْفَق بِهِمْ وَيَنْصَرِف الْبَاقُونَ فِي مَصَالِحهمْ، و(الرِّعَايَة) بِكَسْرِ الرَّاء وَهِيَ: الرَّعْي.
وَقَوْله: «رَوَّحْتهَا بِعَشِيٍّ» أَيْ: رَدَدْتهَا إِلَى مَرَاحهَا فِي آخِر النَّهَار وَتَفَرَّغْت مِنْ أَمْرهَا ثُمَّ جِئْت إِلَى مَجْلِس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِل عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهه» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (مُقْبِل) أَيْ: وَهُوَ مُقْبِل، وَقَدْ جَمَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ أَنْوَاع الْخُضُوع وَالْخُشُوع؛ لِأَنَّ الْخُضُوع فِي الْأَعْضَاء وَالْخُشُوع بِالْقَلْبِ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء.
قَوْله: (مَا أَجْوَد هَذِهِ) يَعْنِي: هَذِهِ الْكَلِمَة أَوْ الْفَائِدَة أَوْ الْبِشَارَة أَوْ الْعِبَادَة، وَجَوْدَتهَا مِنْ جِهَات مِنْهَا: أَنَّهَا سَهْلَة مُتَيَسِّرَة يَقْدِر عَلَيْهَا كُلّ أَحَد بِلَا مَشَقَّة. وَمِنْهَا: أَنَّ أَجْرهَا عَظِيم. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (جِئْت آنِفًا) أَيْ قَرِيبًا، وَهُوَ بِالْمَدِّ عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة وَبِالْقَصْرِ عَلَى لُغَة صَحِيحَة قُرِئَ بِهَا فِي السَّبْع.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَبْلُغ أَوْ يَسْبُغ الْوُضُوء» هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد أَيْ: يُتِمّهُ وَيُكْمِلهُ فَيُوَصِّلهُ مَوَاضِعه عَلَى الْوَجْه الْمَسْنُون. وَاَللَّه أَعْلَم.
أَمَّا أَحْكَام الْحَدِيث فَفيه: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَقُول عَقِب وُضُوئِهِ: أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ مُتَّصِلَا بِهَذَا الْحَدِيث: «اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ»، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَضُمّ إِلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابه عَمَل الْيَوْم وَاللَّيْلَة مَرْفُوعًا: «سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ وَحْدك لَا شَرِيك لَك أَسْتَغْفِرك وَأَتُوب إِلَيْك».
قَالَ أَصْحَابنَا وَتُسْتَحَبّ هَذِهِ الْأَذْكَار لِلْمُغْتَسِلِ أَيْضًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي شَيْبَة (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ رَبِيعَة بْن يَزِيد عَنْ أَبِي إِدْرِيس وَأَبِي عُثْمَان عَنْ جُبَيْر) فَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَقَوْله: (وَأَبِي عُثْمَان) مَعْطُوف عَلَى رَبِيعَة، وَتَقْدِيره: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة عَنْ رَبِيعَة عَنْ أَبِي إِدْرِيس عَنْ جُبَيْر وَحَدَّثَنَا مُعَاوِيَة عَنْ أَبِي عُثْمَان عَنْ جُبَيْر، وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا التَّأْوِيل وَالتَّقْدِير: مَا رَوَاهُ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْبَغَوِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ رَبِيعَة بْن يَزِيد عَنْ أَبِي إِدْرِيس الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ مُعَاوِيَة وَأَبُو عُثْمَان عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ أَبُو عَلِيّ: فَهَذَا الْإِسْنَاد يُبَيِّن مَا أُشْكِل مِنْ رِوَايَة مُسْلِم عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة، قَالَ أَبُو عَلِيّ: وَقَدْ رَوَى عَبْد اللَّه بْن وَهْب عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح هَذَا الْحَدِيث أَيْضًا فَبَيَّنَ الْإِسْنَادَيْنِ مَعًا وَمِنْ أَيْنَ مَخْرَجهمَا، فَذَكَر مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَحْمَد بْن سَعِيد عَنْ اِبْن وَهْب، قَالَ أَبُو عَلِيّ: وَقَدْ خَرَّجَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي مُصَنَّفه هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق زَيْد بْن الْحُبَاب عَنْ شَيْخ لَهُ لَمْ يَقُمْ إِسْنَاده عَنْ زَيْد، وَحَمَلَ أَبُو عِيسَى فِي ذَلِكَ عَلَى زَيْد بْن الْحُبَاب وَزَيْد بَرِيء مِنْ هَذِهِ الْعُهْدَة، وَالْوَهْم فِي ذَلِكَ مِنْ أَبِي عِيسَى أَوْ مِنْ شَيْخه الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ، لِأَنَّا قَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَة أَئِمَّة حُفَّاظ عَنْ زَيْد بْن الْحُبَابِ مَا خَالَفَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عِيسَى وَالْحَمْد لِلَّهِ. وَذَكَرَهُ أَبُو عِيسَى أَيْضًا فِي كِتَاب الْعِلَل وَسُؤَالَاته مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ فَلَمْ يُجَوِّدهُ وَأَتَى فيه عَنْهُ بِقَوْلٍ يُخَالِف مَا ذَكَرْنَا عَنْ الْأَئِمَّة وَلَعَلَّهُ لَمْ يَحْفَظهُ عَنْهُ، وَهَذَا حَدِيث مُخْتَلَف فِي إِسْنَاده وَأَحْسَن طُرُقه مَا خَرَّجَهُ مُسْلِم بْن الْحَجَّاج مِنْ حَدِيث اِبْن مَهْدِيّ وَزَيْد بْن الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح، قَالَ أَبُو عَلِيّ: وَقَدْ رَوَاهُ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة أَخُو أَبِي بَكْر عَنْ زَيْد بْن الْحُبَابِ فَزَادَ فِي إِسْنَاده رَجُلًا (وَهُوَ جُبَيْر بْن نُفَيْر) ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه فِي بَاب كَرَاهَة الْوَسْوَسَة بِحَدِيثِ النَّفْس فِي الصَّلَاة، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْحُبَابِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ رَبِيعَة اِبْن يَزِيد عَنْ أَبِي إِدْرِيس الْخَوْلَانِيِّ عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِر فَذَكَرَ الْحَدِيث. هَذَا آخِر كَلَام أَبِي عَلِيّ الْغَسَّانِيّ.
وَقَدْ أَتْقَنَ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى هَذَا الْإِسْنَاد غَايَة الْإِتْقَان. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاسْم أَبِي إِدْرِيس عَائِذ اللَّه بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة اِبْن عَبْد اللَّه.
وَأَمَّا (زَيْد بْن الْحُبَابِ) فَبِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة الْمُكَرَّرَة. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

346- حَدِيث عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَاصِم وَهُوَ غَيْر عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَبْد رَبّه صَاحِب الْأَذَان، كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَغَلَّطُوا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ فِي قَوْله: هُوَ هُوَ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى غَلَطه فِي ذَلِكَ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الِاسْتِسْقَاء مِنْ صَحِيحه، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ صَاحِب الْأَذَان لَا يُعْرَف لَهُ غَيْر حَدِيث الْأَذَان. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (مِنْهَا) وَهُوَ صَحِيح أَيْ: مِنْ الْمَطْهَرَة أَوْ الْإِدَاوَة، وَقَوْله: (أَكْفَأ) هُوَ بِالْهَمْزِ أَيْ: أَمَالَ وَصَبَّ. وَفيه: اِسْتِحْبَاب تَقْدِيم غَسْلِ الْكَفَّيْنِ قَبْل غَمْسِهِمَا فِي الْإِنَاء.
قَوْله: «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفّ وَاحِدَة فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا» وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا: «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ مِنْ ثَلَاث غُرُفَات». فِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة ظَاهِرَة لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيح الْمُخْتَار أَنَّ السُّنَّة فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أَنْ يَكُون بِثَلَاثِ غُرُفَات يَتَمَضْمَض وَيَسْتَنْشِق مِنْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاح هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَالْخِلَاف فيها فِي الْبَاب الْأَوَّل. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ» فيه حُجَّة لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِير مِنْ أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ أَنَّ الِاسْتِنْثَار غَيْر الِاسْتِنْشَاق خِلَافًا لِمَا قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَابْن قُتَيْبَة أَنَّهُمَا بِمَعْنَى وَاحِد، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَاب الْأَوَّل إِيضَاحه. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «ثُمَّ أَدْخَلَ يَده فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهه ثَلَاثًا» هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيح مُسْلِم (أَدْخَلَ يَده) بِلَفْظِ الْإِفْرَاد وَكَذَا فِي أَكْثَرِ رِوَايَات الْبُخَارِيّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن زَيْد هَذَا: «ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فَاغْتَرَفَ بِهِمَا فَغَسَلَ وَجْهه ثَلَاثًا» وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة اِبْن عَبَّاس: «ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَة فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إِلَى يَده الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهه ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ». وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي صِفَة وُضُوء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاء جَمِيعًا فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَة مِنْ مَاء فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهه». فَهَذِهِ أَحَادِيث فِي بَعْضهَا (يَده)، وَفِي بَعْضهَا (يَدَيْهِ)، وَفِي بَعْضهَا (يَده وَضَمَّ إِلَيْهَا الْأُخْرَى)، فَهِيَ دَالَّة عَلَى جَوَاز الْأُمُور الثَّلَاثَة وَأَنَّ الْجَمِيع سُنَّة. وَيُجْمَع بَيْن الْأَحَادِيث بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَرَّات وَهِيَ ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا، وَلَكِنَّ الصَّحِيح مِنْهَا وَالْمَشْهُور الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُور وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيّ وَالْمُزَنِيّ: أَنَّ الْمُسْتَحَبّ أَخْذ الْمَاء لِلْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ وَأَقْرَب إِلَى الْإِسْبَاغ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَبْدَأ فِي غَسْل وَجْهه بِأَعْلَاهُ لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ وَلِأَنَّهُ أَقْرَب إِلَى الِاسْتِيعَاب. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «فَغَسَلَ وَجْهه ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» فيه دَلَالَة عَلَى جَوَاز مُخَالَفَة الْأَعْضَاء وَغَسْل بَعْضهَا ثَلَاثًا وَبَعْضهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضهَا مَرَّة وَهَذَا جَائِز. وَالْوُضُوء عَلَى هَذِهِ الصِّفَة صَحِيح بِلَا شَكّ، وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبّ تَطْهِير الْأَعْضَاء كُلّهَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُخَالَفَتهَا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض الْأَوْقَات بَيَانًا لِلْجَوَازِ، كَمَا تَوَضَّأَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّة مَرَّة فِي بَعْض الْأَوْقَات بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت أَفْضَل فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْبَيَان وَاجِب عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: الْبَيَان يَحْصُل بِالْقَوْلِ، فَالْجَوَاب: أَنَّهُ أَوْقَع بِالْفِعْلِ فِي النُّفُوس وَأَبْعَد مِنْ التَّأْوِيل. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ) هَذَا مُسْتَحَبّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء؛ فَإِنَّهُ طَرِيق إِلَى اِسْتِيعَاب الرَّأْس وَوُصُول الْمَاء إِلَى جَمِيع شَعْرِهِ.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَهَذَا الرَّدّ إِنَّمَا يُسْتَحَبّ لِمَنْ كَانَ لَهُ شَعْر غَيْر مَضْفُور، أَمَّا مَنْ لَا شَعْر عَلَى رَأْسه وَكَانَ شَعْره مَضْفُورًا فَلَا يُسْتَحَبّ لَهُ الرَّدّ إِذْ لَا فَائِدَة فيه، وَلَوْ رَدّ فِي هَذَا الْحَالَة لَمْ يُحْسَب الرَّدّ مَسْحَة ثَانِيَة لِأَنَّ الْمَاء صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سِوَى تِلْكَ الْمَسْحَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِوُجُوبِ اِسْتِيعَاب الرَّأْس بِالْمَسْحِ لِأَنَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي كَمَالِ الْوُضُوء لَا فِيمَا لابد مِنْهُ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ) أَيْ بِالْمَسْحِ.
347- وَقَوْله: (حَدَّثَنَا هَارُون بْن مَعْرُوف وَحَدَّثَنِي هَارُون بْن سَعِيد الْأَيْلِيُّ وَأَبُو الطَّاهِر قَالُوا: حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ حَبَّانَ بْن وَاسِع حَدَّثَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيث ثُمَّ قَالَ فِي آخِره: قَالَ أَبُو الطَّاهِر: حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث) هَذَا مِنْ اِحْتِيَاط مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَوُفُور عِلْمِهِ وَوَرَعه، فَفَرَّقَ بَيْن رِوَايَته عَنْ شَيْخَيْهِ الْهَارُونَيْنِ فَقَالَ فِي الْأَوَّل: حَدَّثَنَا، وَفِي الثَّانِي: حَدَّثَنِي فَإِنَّ رِوَايَته عَنْ الْأَوَّل كَانَتْ سَمَاعًا مِنْ لَفْظ الشَّيْخ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَرِوَايَته عَنْ الثَّانِي كَانَتْ لَهُ خَاصَّة مِنْ غَيْر شَرِيك لَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبّ فِي مِثْل الْأَوَّل أَنْ يَقُول: حَدَّثَنَا، وَفِي الثَّانِي: وَحَدَّثَنِي، وَهَذَا مُسْتَحَبّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَاسْتَعْمَلَهُ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى، وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْ التَّحَرِّي فِي مِثْل هَذَا، وَقَدْ قَدَّمْت لَهُ نَظَائِر، وَسَيَأْتِي- إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى- التَّنْبِيه عَلَى نَظَائِره كَثِيرَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: (قَالَ أَبُو الطَّاهِر: حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث) فَهُوَ أَيْضًا مِنْ اِحْتِيَاط مُسْلِم وَوَرَعه فَإِنَّهُ رَوَى الْحَدِيث أَوَّلًا عَنْ شُيُوخه الثَّلَاثَة الْهَارُونَيْنِ وَأَبِي الطَّاهِر عَنْ اِبْن وَهْب، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث، وَلَمْ يَكُنْ فِي رِوَايَة أَبِي الطَّاهِر أَخْبَرَنِي، إِنَّمَا كَانَ فيها: عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَة (عَنْ) مُخْتَلَف فِي حَمْلهَا عَلَى الِاتِّصَال، وَالْقَائِلُونَ إِنَّهَا لِلِاتِّصَالِ وَهُمْ الْجَمَاهِير يُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّهَا دُون أَخْبَرَنَا، فَاحْتَاطَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَبَيَّنَ ذَلِكَ، وَكَمْ فِي كِتَابه مِنْ الدُّرَر وَالنَّفَائِس الْمُشَابِهَة لِهَذَا رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَجَمَعَ بَيْننَا وَبَيْنه فِي دَار كَرَامَته. وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَحَبَّان) بِفَتْحِ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَالْأَيْلِيّ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الْمُثَنَّاة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْر فَضْل يَده» وَفِي بَعْض النُّسَخ يَدَيْهِ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَسَحَ الرَّأْس بِمَاءٍ جَدِيد لَا بِبَقِيَّةِ مَاء يَدَيْهِ، وَلَا يُسْتَدَلّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَاء الْمُسْتَعْمَل لَا تَصِحّ الطَّهَارَة بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا إِخْبَار عَنْ الْإِتْيَان بِمَاءٍ جَدِيد لِلرَّأْسِ، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ اِشْتِرَاطه. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب الإِيتَارِ فِي الاِسْتِنْثَارِ وَالاِسْتِجْمَارِ:

348- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اِسْتَجْمَرَ أَحَدكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا وَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاء ثُمَّ لِيَنْثُر» أَمَّا الِاسْتِجْمَار فَهُوَ: مَسْح مَحَلّ الْبَوْل وَالْغَائِط بِالْجِمَارِ وَهِيَ الْأَحْجَار الصِّغَار، قَالَ الْعُلَمَاء: يُقَال: الِاسْتِطَابَة وَالِاسْتِجْمَار وَالِاسْتِنْجَاء لِتَطْهِيرِ مَحَلّ الْبَوْل وَالْغَائِط، فَأَمَّا الِاسْتِجْمَار فَمُخْتَصّ بِالْمَسْحِ بِالْأَحْجَارِ، وَأَمَّا الِاسْتِطَابَة وَالِاسْتِنْجَاء فَيَكُونَانِ بِالْمَاءِ وَيَكُونَانِ بِالْأَحْجَارِ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِجْمَار هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِير مِنْ طَوَائِف الْعُلَمَاء مِنْ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاء، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: اِخْتَلَفَ قَوْل مَالِك وَغَيْره فِي مَعْنَى الِاسْتِجْمَار الْمَذْكُور فِي هَذَا الْحَدِيث فَقِيلَ هَذَا.
وَقِيلَ: الْمُرَاد بِهِ فِي الْبُخُور أَنْ يَأْخُذ مِنْهُ ثَلَاث قِطَعٍ أَوْ يَأْخُذ مِنْهُ ثَلَاث مَرَّات يَسْتَعْمِل وَاحِدَة بَعْد أُخْرَى، قَالَ: وَالْأَوَّل أَظْهَر، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالصَّحِيح الْمَعْرُوف مَا قَدَّمْنَاهُ. وَالْمُرَاد بِالْإِيتَارِ أَنْ يَكُون عَدَد الْمَسَحَات ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ فَوْق ذَلِكَ مِنْ الْأَوْتَار، وَمَذْهَبنَا أَنَّ الْإِيتَار فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاث مُسْتَحَبّ، وَحَاصِل الْمَذْهَب أَنَّ الْإِنْقَاء وَاجِب وَاسْتِيفَاء ثَلَاث مَسَحَات وَاجِب، فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاء بِثَلَاثٍ فَلَا زِيَادَة، وَإِنْ لَمْ يَحْصُل وَجَبَ الزِّيَادَة، ثُمَّ إِنْ حَصَلَ بِوِتْرٍ فَلَا زِيَادَة، وَإِنْ حَصَلَ بِشَفْعٍ كَأَرْبَعٍ أَوْ سِتّ اُسْتُحِبَّ الْإِيتَار.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: يَجِب الْإِيتَار مُطْلَقًا لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث، وَحُجَّة الْجُمْهُور: الْحَدِيث الصَّحِيح فِي السُّنَن أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اِسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَن، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَج». وَيَحْمِلُونَ حَدِيث الْبَاب عَلَى الثَّلَاث، وَعَلَى النَّدْب فِيمَا زَادَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفه مَاء ثُمَّ لَيَنْثُر»، فَفيه دَلَالَة ظَاهِرَة عَلَى: أَنَّ الِاسْتِنْثَار غَيْر الِاسْتِنْشَاق، وَأَنَّ الِانْتِثَار هُوَ إِخْرَاج الْمَاء بَعْد الِاسْتِنْشَاق مَعَ مَا فِي الْأَنْف مِنْ مُخَاط وَشَبَهه، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا، وَفيه دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُول الِاسْتِنْشَاق وَاجِب لِمُطْلَقِ الْأَمْر، وَمَنْ لَمْ يُوجِبهُ حَمَلَ الْأَمْر عَلَى النَّدْب بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَأْمُور بِهِ حَقِيقَة وَهُوَ الِانْتِثَار لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنْ قَالُوا: فَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاء ثُمَّ لِيَنْتَثِر» فَهَذَا فيه دَلَالَة ظَاهِرَة لِلْوُجُوبِ وَلَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى النَّدْب مُحْتَمَل لِيَجْمَع بَيْنه وَبَيْن الْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى الِاسْتِحْبَاب. وَاَللَّه أَعْلَم.
349- قَوْله: (فِي حَدِيث هَمَّام: فَذَكَرَ أَحَادِيث مِنْهَا: وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَدْ قَدَّمْنَا مَرَّات بَيَان الْفَائِدَة فِي هَذِهِ الْعِبَارَة، وَإِنَّمَا نُنَبِّه عَلَى تَقَدُّمهَا لِيَتَعَاهَد.
قَوْله: (بِمَنْخِرَيْهِ) هُمَا بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر الْخَاء وَبِكَسْرِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ.
351- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيَسْتَنْثِرْ فَإِنَّ الشَّيْطَان يَبِيت عَلَى خَيَاشِيمه» قَالَ الْعُلَمَاء: الْخَيْشُوم أَعْلَى الْأَنْف، وَقِيلَ: هُوَ الْأَنْف كُلّه وَقِيلَ: هِيَ عِظَام رِقَاق لَيِّنَة فِي أَقْصَى الْأَنْف بَيْنه وَبَيْن الدِّمَاغ، وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ وَهُوَ اِخْتِلَاف مُتَقَارِب الْمَعْنَى.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ الشَّيْطَان يَبِيت عَلَى خَيَاشِيمه» عَلَى حَقِيقَته فَإِنَّ الْأَنْف أَحَد مَنَافِذ الْجِسْم الَّتِي يُتَوَصَّل إِلَى الْقَلْب مِنْهَا لاسيما وَلَيْسَ مِنْ مَنَافِذ الْجِسْم مَا لَيْسَ عَلَيْهِ غَلْق سِوَاهُ وَسِوَى الْأُذُنَيْنِ، وَفِي الْحَدِيث: «إِنَّ الشَّيْطَان لَا يَفْتَح غَلَقًا». وَجَاءَ فِي التَّثَاؤُب الْأَمْر بِكَظْمِهِ مِنْ أَجْلِ دُخُول الشَّيْطَان حِينَئِذٍ فِي الْفَم، قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَلَى الِاسْتِعَارَة فَإِنَّ مَا يَنْعَقِد مِنْ الْغُبَار وَرُطُوبَة الْخَيَاشِيم قَذَارَة تُوَافِق الشَّيْطَان. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بِكَمَالِهِمَا:

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار أَسْبِغُوا الْوُضُوء» مُرَاد مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى بِإِيرَادِهِ هُنَا الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى وُجُوب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَأَنَّ الْمَسْح لَا يُجْزِئُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَة اِخْتَلَفَ النَّاس فيها عَلَى مَذَاهِب، فَذَهَبَ جَمْع مِنْ الْفُقَهَاء مِنْ أَهْل الْفَتْوَى فِي الْأَعْصَار وَالْأَمْصَار إِلَى أَنَّ الْوَاجِب غَسْل الْقَدَمَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا يُجْزِئُ مَسْحهمَا وَلَا يَجِب الْمَسْح مَعَ الْغَسْل، وَلَمْ يَثْبُت خِلَاف هَذَا عَنْ أَحَد يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاع، وَقَالَتْ الشِّيعَة: الْوَاجِب مَسْحهمَا، وَقَالَ مُحَمَّد بْن جَرِير وَالْجَبَّائِيّ رَأْس الْمُعْتَزِلَة: يَتَخَيَّر بَيْن الْمَسْح وَالْغَسْل، وَقَالَ بَعْض أَهْل الظَّاهِر: يَجِب الْجَمْع بَيْن الْمَسْح وَالْغَسْل. وَتَعَلَّقَ هَؤُلَاءِ الْمُخَالِفُونَ لِلْجَمَاهِيرِ بِمَا لَا تَظْهَر فيه دَلَالَة، وَقَدْ أَوْضَحْت دَلَائِل الْمَسْأَلَة مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَشَوَاهِدهَا، وَجَوَاب مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْمُخَالِفُونَ بِأَبْسَط الْعِبَارَات الْمُنَقَّحَات فِي شَرْح الْمُهَذَّب بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلْمُخَالِفِ شُبْهَة أَصْلًا إِلَّا وَضَحَ جَوَابهَا مِنْ غَيْر وَجْه، وَالْمَقْصُود هُنَا شَرْح مُتُون الْأَحَادِيث وَأَلْفَاظهَا دُون بَسْط الْأَدِلَّة وَأَجْوِبَة الْمُخَالِفِينَ، وَمِنْ أَخْصَرِ مَا نَذْكُرُهُ: أَنَّ جَمِيع مَنْ وَصَفَ وُضُوء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِن مُخْتَلِفَة وَعَلَى صِفَات مُتَعَدِّدَة مُتَّفِقُونَ عَلَى غَسْل الرِّجْلَيْنِ.
353- وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار» فَتَوَاعَدَهَا بِالنَّارِ لِعَدَمِ طَهَارَتهَا وَلَوْ كَانَ الْمَسْح كَافِيًا لَمَا تَوَاعَدَ مَنْ تَرَك غَسْل عَقِبَيْهِ، وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُول اللَّه كَيْف الطَّهُور؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ كَفيه ثَلَاثًا إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوء فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ». هَذَا حَدِيث صَحِيح أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (عَنْ سَالِم مَوْلَى شَدَّاد) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (أَنَّ أَبَا عَبْد اللَّه مَوْلَى شَدَّاد بْن الْهَادِ) وَفِي الثَّالِثَة (سَالِم مَوْلَى الْمُهْرِيّ) هَذِهِ كُلّهَا صِفَات لَهُ وَهُوَ شَخْص وَاحِد يُقَال لَهُ: سَالِم مَوْلَى شَدَّاد بْن الْهَادِ، وَسَالِم مَوْلَى الْمُهْرِيّ، وَسَالِم بَادُوس، وَسَالِم مَوْلَى مَالِك بْن أَوْس بْن الْحَدَثَانِ النَّصْرِيّ بِالنُّونِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَة، وَسَالِم سَبْنَان بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَالْبَاء الْمُوَحَّدَة، وَسَالِم الْبَرَّاد، وَسَالِم مَوْلَى الْبَصْرِيِّينَ، وَسَالِم أَبُو عَبْد اللَّه الْمَدِينِيّ، وَسَالِم بْن عَبْد اللَّه وَأَبُو عُبَيْد اللَّه مَوْلَى شَدَّاد بْن الْهَادِ، فَهَذِهِ كُلّهَا تُقَال فيه.
قَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ سَالِم مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ عَطَاء بْن السَّائِب: حَدَّثَنِي سَالِم الْبَرَّاد وَكَانَ أَوْثَق عِنْدِي مِنْ نَفْسِي.
قَوْله: (حَدَّثَنَا عِكْرِمَة بْن عَمَّار حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير قَالَ حَدَّثَنِي أَوْ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا سَالِم مَوْلَى الْمُهْرِيّ) هَذَا إِسْنَاد اِجْتَمَعَ فيه أَرْبَعَة تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، فَسَالِم وَأَبُو سَلَمَة وَيَحْيَى تَابِعِيُّونَ مَعْرُوفُونَ، وَعِكْرِمَة بْن عَمَّار أَيْضًا تَابِعِيّ سَمِعَ الْهِرْمَاس بْن زِيَاد الْبَاهِلِيّ الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ مِنْهُ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَوْله (حَدَّثَنِي أَوْ حَدَّثَنَا) فيه أَحْسَن اِحْتِيَاط، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَى مِثْل هَذَا قَرِيبًا وَسَابِقًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حَاتِم وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيّ) اِسْم (أَبِي مَعْنٍ) زَيْد بْن يَزِيد وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي أَوَائِل كِتَاب الْإِيمَان.
وَأَمَّا قَوْله: (حَدَّثَنِي سَلَمَة بْن شَبِيب حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن أَعْيُن حَدَّثَنَا فُلَيْح حَدَّثَنِي نُعَيْم بْن عَبْد اللَّه عَنْ سَالِم مَوْلَى اِبْن شَدَّاد) فَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول (مَوْلَى اِبْن شَدَّاد) قِيلَ إِنَّهُ خَطَأ، وَالصَّوَاب حَذْف لَفْظَة (اِبْن) كَمَا تَقَدَّمَ، وَالظَّاهِر أَنَّهُ صَحِيح فَإِنَّ مَوْلَى شَدَّاد مَوْلًى لِابْنِهِ وَإِذَا أَمْكَنَ تَأْوِيل مَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَة لَمْ يَجُزْ إِبْطَالهَا لاسيما فِي هَذَا الَّذِي قَدْ قِيلَ فيه هَذِهِ الْأَقْوَال. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (كُنْت أَنَا مَعَ عَائِشَة) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول الْمُحَقَّقَة الَّتِي ضَبَطَهَا الْمُتْقِنُونَ (أَنَا مَعَ) بِالنُّونِ وَالْمِيم بَيْنَهُمَا أَلِف، وَوَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْأُصُول وَلِكَثِيرٍ مِنْ الرُّوَاة الْمَشَارِقَة وَالْمَغَارِبَة (أُبَايِع) عَائِشَة بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَالْيَاء الْمُثَنَّاة مِنْ الْمُبَايَعَة، قَالَ الْقَاضِي: الصَّوَاب هُوَ الْأَوَّل، قُلْت: وَلِلثَّانِي أَيْضًا وَجْه.
354- قَوْله: (عَنْ هِلَال بْن يَسَاف عَنْ أَبِي يَحْيَى) أَمَّا (يَسَاف) فَفيه ثَلَاث لُغَات: فَتْح الْيَاء وَكَسْرِهَا، وَإِسَاف بِكَسْرِ الْهَمْزَة، قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع: يَقُولهُ الْمُحَدِّثُونَ بِكَسْرِ الْيَاء، قَالَ: وَقَالَ بَعْضهمْ: هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي كَلَام الْعَرَب كَلِمَة أَوَّلهَا يَاء مَكْسُور إِلَّا يِسَار لِلْيَدِ، قُلْت: وَالْأَشْهَر عِنْد أَهْل اللُّغَة (إِسَاف) بِالْهَمْزَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ اِبْن السِّكِّيت وَابْن قُتَيْبَة وَغَيْرهمَا فِيمَا يُغَيِّرهُ النَّاس وَيَلْحَنُون فيه، فَقَالَ: هُوَ هِلَال اِبْن إِسَاف.
وَأَمَّا (أَبُو يَحْيَى) فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اِسْمه (مِصْدَع) بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الصَّاد وَفَتْح الدَّال وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَات، وَقَالَ يَحْيَى بْن مَعِين: اِسْمه زِيَاد الْأَعْرَج الْمُعَرْقَب الْأَنْصَارِيّ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَتَوْضَئُوا وَهُمْ عِجَال) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْن جَمْع عَجْلَان وَهُوَ الْمُسْتَعْجِل كَغَضْبَان وَغِضَاب.
355- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ يُوسُف اِبْن مَاهَكَ) أَمَّا (أَبُو عَوَانَة) فَتَقَدَّمَ أَنَّ اِسْمَهُ الْوَضَّاح بْن عَبْد اللَّه.
وَأَمَّا (أَبُو بِشْر) فَهُوَ جَعْفَر بْن أَبِي وَحْشِيَّة.
وَأَمَّا (مَاهَك) فَبِفَتْحِ الْهَاء وَهُوَ غَيْره مَصْرُوف لِأَنَّهُ اِسْم عَجَمِيّ عَلَم.
قَوْله: «وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاة الْعَصْر» أَيْ: جَاءَ وَقْت فِعْلهَا، وَيُقَال: حَضَرَتْ بِفَتْحِ الضَّاد وَكَسْرهَا لُغَتَانِ، الْفَتْح أَشْهَر.
357- قَوْله: «يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْمَطْهَرَة» قَالَ الْعُلَمَاء: الْمَطْهَرَة: كُلّ إِنَاء يُتَطَهَّر بِهِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْحهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَذَكَرَهُمَا اِبْن السِّّكِّيت مَنْ كَسَرَ جَعَلَهَا آلَة، وَمَنْ فَتَحَهَا جَعَلَهَا مَوْضِعًا يُفْعَل فيه.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار» الْعَرَاقِيب: جَمْع عُرْقُوب بِضَمِّ الْعَيْن فِي الْمُفْرَد وَفَتْحهَا فِي الْجَمْع وَهُوَ الْعَصَبَة الَّتِي فَوْق الْعَقِب، وَمَعْنَى وَيْل: لَهُمْ هَلَكَة وَخَيْبَة.

.باب وُجُوبِ اسْتِيعَابِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَحَلِّ الطَّهَارَةِ:

359- «أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِع ظُفْر عَلَى ظَهْر قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اِرْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَك فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى» فِي هَذَا الْحَدِيث: أَنَّ مَنْ تَرَكَ جُزْءًا يَسِيرًا مِمَّا يَجِب تَطْهِيره لَا تَصِحّ طَهَارَته وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُتَيَمِّم يَتْرُك بَعْض وَجْهه، فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُ لَا يَصِحّ كَمَا لَا يَصِحّ وُضُوءُهُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهَا: إِذَا تَرَكَ أَقَلّ مِنْ النِّصْف أَجْزَأَهُ، وَالثَّانِيَة: إِذَا تَرَكَ أَقَلّ مِنْ قَدْر الدِّرْهَم أَجْزَأَهُ، وَالثَّالِثَة: إِذَا تَرَكَ الرُّبْع فَمَا دُونه أَجْزَأَهُ، وَلِلْجُمْهُورِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاء طَهَارَته جَاهِلًا لمْ تَصِحّ طَهَارَته، وَفيه تَعْلِيم الْجَاهِل وَالرِّفْق بِهِ.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَة عَلَى أَنَّ الْوَاجِب فِي الرِّجْلَيْنِ الْغَسْل دُون الْمَسْح، وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَغَيْره بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى وُجُوب الْمُوَالَاة فِي الْوُضُوء لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنْ وُضُوءَك» وَلَمْ يَقُلْ اِغْسِلْ الْمَوْضِع الَّذِي تَرَكْته، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيف وَبَاطِل؛ فَإِنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنْ وُضُوءَك» مُحْتَمِل لِلتَّتْمِيمِ وَالِاسْتِئْنَاف، وَلَيْسَ حَمْله عَلَى أَحَدهمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَر. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَفِي الظُّفْر لُغَتَانِ أَجْوَدهمَا: ظُفُر بِضَمِّ الظَّاء وَالْفَاء وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن الْعَزِيز، وَيَجُوز إِسْكَان الْفَاء عَلَى هَذَا، وَيُقَال ظِفْر بِكَسْرِ الظَّاء وَإِسْكَان الْفَاء، وَظِفِر بِكَسْرِهِمَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي الشَّوَاذّ، وَجَمْعه أَظْفَار وَجَمْع الْجَمْع: أَظَافِير، وَيُقَال فِي الْوَاحِد أَيْضًا: أُظْفُور. وَاللَّهُ أَعْلَم.