فصل: 68- انتحار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة



.68- انتحار:

1- التعريف:
الانتحار في اللغة مصدر: انتحر، يقال: انْتَحَر الرجلُ: قَتَلَ نَفْسَه، وانتحر القومُ على الأمرِ: تَشاحُّوا عليه، فَكادَ بعضُهم يَنْحَرُ بعضاً.
ولم يستعمله الفقهاء بهذا المعنى. لكنهم عبروا عنه بقتل الإنسان نفسه.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قاتل في سبيل الله أشد القتال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه من أهل النار» فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجرح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع منها سهما فانتحر بها.
وفي الحديث نفسه: «انتحر فلان فقتل نفسه» رواه البخاري ومسلم.
ويطلق الانتحار على قتل الإنسان نفسه بأي وسيلة كانت، ولهذا ذكروا أحكامه باسم (قتل الشخص نفسه).
ويعرف أهل القانون الانتحار بأنه: زهق الروح عن سابق تصور وتصميم يقدم عليه المنتحر نفسه، لأسباب غالبا ما تكون مجهولة، إلا أن معظمها مرتبط بحالة نفسية ناتجة عن وضع يائس وتعيس كان يعانيه المنتحر؛ وإذا فشل فإن عمله يعتبر محاولة انتحار ويحاكم بحسب القوانين المرعية.
2- بم يتحقق الانتحار:
الانتحار نوع من القتل فيتحقق بوسائل مختلفة، ويتنوع بأنواع متعددة كالقتل. فإذا كان إزهاق الشخص نفسه بإتيان فعل منهي عنه، كاستعمال السيف أو الرمح أو البندقية أو أكل السم أو إلقاء نفسه من شاهق أو في النار ليحترق، أو في الماء ليغرق، وغير ذلك من الوسائل، فهو انتحار بطريق الإيجاب. وإذا كان الإزهاق بالامتناع عن الواجب، كالامتناع من الأكل والشرب وترك علاج الجرح الموثوق ببرئه، أو عدم الحركة في الماء أو في النار أو عدم التخلص من السبع الذي يمكن النجاة منه، فهو انتحار بطريق السلب.
3- حكم الانتحار:
الانتحار في كل الأحوال حرام بالاتفاق، ويعتبر من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام 151]. وقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء الآية 29]؛ وقد قرر الفقهاء أن المنتحر أعظم وزرا من قاتل غيره، وهو فاسق وباغ على نفسه، حتى قال بعضهم: لا يغسل ولا يصلى عليه كالبغاة.
كما أن ظاهر بعض الأحاديث يدل على خلوده في النار، ومنها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا».
4- الإكراه على الانتحار:
أ- إذا أكره إنسان غيره إكراها ملجئا ليقتله، بأن قال له: اقتلني وإلا قتلتك، فقتله فهو في حكم الانتحار، وفي هذه الحالة لا يجب على القاتل القصاص ولا الدية عند الجمهور، لأن المكرَه- بفتح الراء- كالآلة بيد المكرِه في الإكراه التام (الملجئ) فينسب الفعل إلى المكرِه وهو المقتول، فصار كأنه قتل نفسه.
ب- إذا أكره شخص غيره إكراها ملجئا ليقتل نفسه، بأن قال له: اقتل نفسك وإلا قتلتك، فليس له أن يقتل نفسه، وإلا عُدَّ منتحرا آثما، لأن المكره عليه لا يختلف عن المكره به، فكلاهما قتل، فلأن يقتله المكرِه أولى من أن يقتل نفسه؛ ولأنه يمكن أن ينجو من القتل بتراجع المكرِه، أو بتغير الحالة بأسباب أخرى، فليس له أن ينتحر ويقتل نفسه.
5- عقوبة المنتحر:
لا خلاف بين الفقهاء في أنه إذا لم يمت من حاول الانتحار عوقب على محاولته الانتحار، لأنه أقدم على قتل النفس الذي يعتبر من الكبائر؛ كذلك لا دية عليه سواء أكان الانتحار عمدا أم خطأ عند جمهور الفقهاء، لأن العقوبة تسقط بالموت، ولأن وجوب الدية على العاقلة في الخطأ إنما كان مواساة للجاني وتخفيفا عنه، وليس على الجاني هاهنا شيء يحتاج إلى الإعانة والمواساة، فلا وجه لإيجابه.
ويرى ابن حزم رحمه الله وجوب القود على قاتل نفسه فقال: (فقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب السم ليموت به قاتلا لنفسه، فوجب أن يكون عليه القود، وظهر خطأ من أسقط هاهنا القود).

.69- انحراف (الانحراف الفكري):

1- تعريفه:
الانحراف في اللغة: الميل، والانْحِراف عن الشيء هو الميل عنه.
والفِكْرُ، بالكسر ويُفْتَحُ: إعمالُ النَّظَرِ في الشيءِ، وجمعه: أفْكارٌ. والفِكْر تردُّدُ القَلْب في الشيء: يقال تفكرّ إذا ردَّدَ قلبه معتبِرًا، ورجلٌ فِكّير: كثير الفِكر.
قال الراغب الأصفهاني: الفكرة قوة مطرقة إلى المعلوم، والتفكر: جولان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب.
والانحراف الفكري: خلل يطرأ على الغريزة المدركة، للعلوم الضرورية والنظرية، والعمل بمقتضاها.
2- مفهوم الانحراف وعلاقته بالجريمة:
يعتبر مفهوم الانحراف من المفاهيم التي ما يزال الاختلاف حولها قائماً بين علماء الاجتماع والأخلاق والنفس والقانون الجنائي؛ وأن ما يبدو لنا أنه انحراف فكري أو خلقي أو ديني قد يدعي سوانا أنه نوع من التحرر أو الحرية، ومن ثم كانت معظم نتائج البحوث والدراسات التي تصدت إلى ظاهرة الانحراف مختلفة نتيجة اختلافها في تحديد مفهوم الانحراف. ولكن الشيء المؤكد أن مفهوم الجريمة يشمل الانحراف بينما الانحراف لا يشمل بالضرورة على الجريمة، وبعبارة أخرى فإنه كلما وجدت الجريمة وجد الانحراف، ولا يلزم مع وجود الانحراف وجود الجريمة، فقد ينحرف الشخص ولكنه لا يعد مجرما إذا لم تتوافر في انحرافه أركان الجريمة ولا شروط المسؤولية الجنائية. والانحراف مثله مثل الجريمة قد يكون اجتماعياً وقد يكون خلقياً ودينياً وقد يكون قانونياً؛ فإذا كان الانحراف عن قيم المجتمع ونظمه وتقاليده سمي انحرافاً اجتماعياً، وإذا كان عن القيم والمبادئ الخلقية والتعاليم الدينية سمي انحرافاً خلقياً أو دينياً، وإذا كان عن القواعد التي رسمتها القوانين الوضعية سمي انحرافاً قانونياً.
والسلوك المنحرف يعني في مفهومه العام كل فعل أو نشاط أو تصرف فيه خروج عن القيم ونظم وتقاليد المجتمع الدينية والخلقية والاجتماعية والقانونية ومن ثم عن معايير السلوك السوي.
وقد فرق بعض علماء الإجرام بين (الفعل المنحرف) و(السلوك المنحرف) حيث ذكروا أن الفعل المنحرف يرتكبه كثير من الناس دون أن يصبحوا منحرفين، بينما السلوك المنحرف يتميز باستمرارية النسبية مع الشخص المنحرف ويتمحور ميول واتجاهات الشخصية فيه حول النشاط المناهض للمجتمع.
وعلى الدارس لاتجاهات الجريمة والانحراف أن يدرك جيداً أن هناك عدداً من العوامل والأسباب والمتغيرات المتشابكة والمتداخلة فيما بينها والمؤدية إلى ظاهرة الجريمة والانحراف.
3- أسباب الانحراف:
العقل السليم نعمة من الله تعالى أنعم بها على بني آدم وخصهم بها وميزهم على سائر المخلوقات، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء آية 70]، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة وسط بين الإفراط والتفريط، وما ضلت الفرق الضالة وما هلكت الطوائف الهالكة إلا بسبب التأويلات العقلية المخالفة للفطرة السليمة، التي جرفتهم في تيار الغلو في الدين أو في التفلت منه وتعطيل شعائره.
وباستقراء أسباب الانحراف الفكري تبين أنها تعود لمصدرين رئيسيين هما: الانحراف الفكري باسم الدين، والانحراف الفكري عن الدين.
وكثيرة هي أسباب الانحراف العقلي أو الفكري نوجزها فيما يلي:
أ- الغلو في الدين: وهو ظاهرة مذمومة نهى الله تعالى عنها، فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: الآية 171] ونهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».
والغلو في الدين أدى بأهل الكتاب إلى القول بتأليه عيسى عليه السلام، ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها.
ب- ضعف الوازع الديني: فالذي ليس لديه عصمة بالكتاب والسنة، ولا يعرف حسن الأمور من قبيحها يكون عرضة للتيارات الفكرية المعادية، ويسهل التأثير عليه وجره تبعاً للأهواء والرغبات.
ج- تقديم العقل على النقل الصحيح: وهذا منهج المعتزلة.
يقول الإمام الشاطبي: (إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعا، ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل).
د- الارتباط العالمي: فالعالم اليوم أصبح مرتبطا ببعضه، وذلك من خلال وسائل الإعلام والاتصالات المختلفة.
هـ- السفر إلى الخارج: فالشخص ربما يلتقي بأشخاص لهم تقاليد وعادات مخالفة فيحصل التأثر به لاسيما الشباب.
و- تعاطي المخدرات والمسكرات وإدمانها: لأنها بدورها تتلف المخ الذي هو مركز الفكر السليم.
4- من شبه المنحرفين فكرياً:
الشبه عند المنحرفين فكرياً كثيرة ونذكر منها على سبيل المثال:
أ- تكفيرهم لحكام المسلمين، بحجة أن هؤلاء الحكام لا يحكمون بشرع الله، وبالتالي فإنهم يرون أن طاعتهم غير واجبه، وأن الخروج عليهم جائز.
ب- يصفون العلماء بالنفاق ويرون عدم السمع والطاعة لهم لمداهنتهم للحكام الظلمة في فكرهم.
ج- يرون جواز قتل الأجانب- الكفار- في أي مكان من العالم بحجة أن الحرب دائرة بينهم وبين المسلمين.
د- يكفرون رجال الأمن ويرون جواز قتلهم.
هـ- ينصبون أنفسهم ممثلين للمطالبة بالإصلاح وحقوق المجتمع.
5- الأضرار الناتجة عن الانحراف:
ينتج عن الانحراف الفكري جملة من الأمور ومن أهمها:
أ- ظاهرة التكفير التي هي امتداد لفكر الخوارج.
ب- التعسير: ويقصد به التضييق على الناس وتكليفهم بما يشق عليهم.
ج- الغلظة والشدة والعنف: فتجد هؤلاء المنحرفين يعاملون الناس بغلظة وبشدة حتى في مجال الدعوة إلى الله والنصح التي تتطلب الحكمة والموعظة الحسنة.