فصل: 46- استفاضة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة



.46- استفاضة:

1- التعريف:
الاستفاضة في اللغة: مصدر استفاض. يقال: استفاض الحديث والخبر وفاض بمعنى: ذاع وانتشر.
وفي الاصطلاح: عرفها ابن القيم بأنها: (الاشتهار الذي يتحدث به الناس وفاض بينهم).
2- إسناد الشهادة إلى الاستفاضة:
قال ابن القيم رحمه الله: (وهذا النوع من الأخبار يجوز استناد الشهادة إليه، ويجوز أن يعتمد الزوج عليه في قذف امرأته ولعانها إذا استفاض في الناس زناها، ويجوز اعتماد الحاكم عليه؛ قال شيخنا في الذمي: إذا زنا بالمسلمة قتل، ولا يرفع عنه القتل الإسلام، ولا يشترط فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره هذا نص كلامه. وهذا هو الصواب، لأن الاستفاضة من أظهر البينات، فلا يتطرق إلى الحاكم تهمة إذا استند إليها؛ فحكمه بها حكم بحجة لا بمجرد علمه الذي يشاركه فيه غيره، ولذلك كان له شهادة الشاهد إذا استفاض في الناس صدقه وعدالته، من غير اعتبار لفظ شهادة على العدالة، ويرد شهادته ويحكم بفسقه باستفاضة فجوره وكذبه، وهذا مما لا يعلم فيه بين العلماء نزاع، وكذلك الجارح والمعدل، يجرح الشاهد بالاستفاضة؛ صرح بذلك أصحاب الشافعي وأحمد، ويعدله بالاستفاضة، ولا ريب أنا نشهد بعدالة عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه وفسق الحجاج. والمقصود أن الاستفاضة طريق من طرق العلم التي تنفي التهمة عن الشاهد والحاكم وهي أقوى من شهادة اثنين مقبولين).
وقال القرافي رحمه الله: (قال ابن فرحون عن ابن رشد وشهادة السماع لها ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: تفيد العلم، وهي المعبر عنها بالتواتر كالسماع بأن مكة موجودة فهذه بمنزلة الشهادة بالمروية وغيرها مما يفيد العلم.
المرتبة الثانية: شهادة الاستفاضة، وهي تفيد ظنا، يقرب من القطع، ويرتفع عن السماع، مثل الشهادة بأن نافعا مولى ابن عمر، وإن ابن عبد الرحمن هو ابن القاسم: والهلال إذا رآه الجم الغفير من أهل البلد واستفاضة العدالة أو الجرح فيستند لذلك، ولا يسأل عن عدالة المشهودين).
3- كيف تكون الشهادة بالاستفاضة؟
يؤدي الشاهد شهادته بناء على ما استفاض من الأخبار، كتأديته لها بناء على ما عاينه من أحداث، أو سمعه من أقوال؛ لكن يشترط لصحة الشهادة بالاستفاضة شروط منها:
1- يشترط أن يكون الشاهد عدلا.
2- يشترط في من يتحدثون بالخبر أن يكونوا جماعة يستحيل تواطئهم على الكذب.
3- يشترط في الخبر المستفيض أن يكون عن واقعة يصح اشتهارها، كما لو تحدث الناس بأن هذه السيارة، أو الدار ملك فلان.

.47- استنشاق:

1- التعريف:
الاستنشاق: من النشق: وهو إدخال الشيء عن طريق الأنف.
قال الخليل: النَّشْقُ: صَبُّ سَعُوطٍ في الأنف، وأنشَقْتُه الدَّواء. وأنشَقْتُه قُطْنَةً مُحْرَقةً أي أَدْنَيْتُها من أنْفِه ليدخُلَ ريحُها في أنْفِه وخَياشيمِه. والنَّشُوقُ اسمُ كلِّ دَواءٍ يُنْشَقُ، واستنشَقْتُه أي تَشَمَّمْتُه.
ويخصه الفقهاء بإدخال الماء في الأنف.
والمقصود به هنا: هو استنشاق المواد والمذيبات الطيارة، كاستنشاق الغراء (الباتكس) واستنشاق مواد الطلاء (البوية)، ونحو ذلك بقصد السكر.
2- أنواع المذيبات الطيارة:
من أشهر المذيبات الطيارة التي يستنشقها فئة من الناس اليوم ما يلي:
أ- مواد الطلاء (البوية): وهي مواد مركبة تركيبا كيميائيا تستخدم في طلاء الجدران والخشب والأحذية، ولها أنواع كثيرة.
ب- البنزين: وهو مادة بترولية سريعة الاشتعال، يستخدم كوقود للسيارات، وبعض المحركات.
ج- الغراء (الباتكس): وهو مادة لزجة تستخدم في لصق الورق وغيره، وهو بذلك مشابه لمادة الصمغ التي تسيل من بعض الأشجار، وتتجمد عليها وتذوب في الماء، وتستخدم لأغراض لصق الورق وغيره، لكن غراء الباتكس يكون مركبا تركيبا كيميائيا من عدة مواد لها تأثير عند استنشاقها على خلايا المخ.
د- الجوارب المنتنة والصراصير الميتة: يقوم بعضهم بجمعها واستنشاقها.
3- حكم الاستنشاق:
الاستنشاق ثبت طبيا أنه مضر بالصحة، لأنه يتلف خلايا المخ، ويذهب العقل، ويورث الإدمان، ويؤدي إلى هلاك النفس، فإذا كان هذا حاله فإنه محرم بعموم الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة آية 195]. وقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء آية 29]. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً».
وروى مسلم، وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة».
ولا شك أن استنشاق الغراء والبنزين وسائر المذيبات الطيارة يسكر ويذهب العقل، فهو خمر.
4- ظاهرة الاستنشاق:
ظهر مؤخرا بين صفوف فئة من الناس العاطلين، ما يسمى باستنشاق مواد الطلاء (البوية) والغراء (الباتكس) والبنزين، والجوارب المنتنة وهم يفعلون ذلك بقصد المتعة والسكر، ويلجأون إلى هذه الأشياء نظراً لتوفرها بالأسواق ورخص ثمنها، وعندما يتم استنشاق شيء من هذه المذيبات يذهب العقل، ويتصرف الشخص تصرفات لا يعيها، ومع خطورة الخمر والمخدرات، فإن استنشاق المذيبات الطيارة، يكون أشد خطرا منها، لأن هذه المذيبات الطيارة تكون جميع مكوناتها مركبة تركيبا كيميائيا، مما يجعلها أسرع في إتلاف خلايا المخ، ولهذا تجد أن الشخص الذي يستنشق هذه المذيبات، ويدمن عليها دائما يعيش في هلع واضطرابات نفسية وعدم تركيز، نتيجة استنشاق هذه المذيبات.
5- كيفية إثبات جريمة الاستنشاق:
تثبت جريمة الاستنشاق بما تثبت به جريمة شرب الخمر، فهي تثبت بالإقرار، والشهادة، والاستشمام.
6- عقوبة الاستنشاق:
عقوبة الاستنشاق عقوبة تعزيرية يرجع تقديرها للقاضي، وقد جاء في تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16س/183 وتاريخ 12/1/1407هـ التوجيه بإحالة من يستنشق الغراء والبنزين إلى المحكمة للنظر في معاقبتهم شرعا، لعدم انطباق العقوبات الواردة في قرار مجلس الوزراء رقم 11 لعام 1374هـ عليهم.
والذي أراه أن يعامل مستنشق المذيبات الطيارة الذي يقبض عليه وهو يقود سيارة تحت تأثير ما قام به من استنشاق معاملة من قبض عليه وهو يقود سيارة أثناء سكره، فتثبت إدانته شرعا، ويحال للجهة المختصة لمجازاته نظاما على ذلك، لأن ذهاب العقل بالاستنشاق أشد منه بشرب المسكر.

.48- استيفاء:

1- التعريف:
الاستيفاء في اللغة: مصدر استوفى، وهو أخذ صاحب الحق حقه كاملاً، دون أن يترك منه شيئا. ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى.
2- كيفية استيفاء الحقوق:
يختلف الاستيفاء باختلاف الحق المراد استيفاؤه، إذ هو إما حق خالص لله سبحانه وتعالى، أو حق خالص للعبد، كالديون، أو حق مشترك، فإن كان الحق خالصا لله فهو إما أن يكون حدا أو تعزيرا، وإن كان الحق مشتركا فهو إما أن يكون الغالب فيه حق الله كحد السرقة، وإما أن يكون الغالب فيه حق العبد كالقذف.
أ- استيفاء حق العبد المحض:
يملك العبد إسقاطه، بمعنى أنه لو أسقطه سقط، لكنه لا يملك استيفاءه دون إذن الإمام، ولو استوفاه بدون إذن الإمام فإنه يعزر لافتياته عليه.
ب- استيفاء حقوق الله تعالى:
يجب استيفاء الحقوق الواجبة لله، ولا يملك الإمام ولا غيره إسقاطها بعد ثبوتها لديه، والذي يتولى استيفاءها هو ولي الأمر أو من ينيبه.
وسنذكر إن شاء الله مزيدا من بيان كيفية استيفاء الحدود والقصاص، والتعزيرات في مواضعها، فيرجع إليها، حسب مواضعها.
3- مكان استيفاء العقوبات:
تستوفى العقوبات في الأماكن العامة التي يكثر فيها تجمع الناس، كالأسواق والساحات القريبة من المساجد، لما في ذلك من إظهار لإقامة الحدود وردع المجرمين. ولا يستوفى حد، ولا قصاص، ولا تعزير في المسجد، حتى لو وقعت الجناية فيه، لئلا يؤدي ذلك إلى تلويثه، لما رواه ابن ماجة، عن واثلة بن الأسقع، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم، وبيعكم وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمروها في الجمع».

.49- إسقاط:

1- التعريف:
من معاني الإسقاط لغة: الإيقاع والإلقاء، يقال: سقط اسمه من الديوان: إذا وقع، وأسقطت الحامل: ألقت الجنين.
والمراد هنا: هو أن يقوم صاحب الحق بإسقاط حقه، إما بالعفو أو الصلح، كما لو عفا ورثة المقتول عن قاتل مورثهم، أو قام المجني عليه بالتنازل عن مطالبة الجاني بحقه الخاص.
2- إذا اسقط الشخص حقه فهل له حق الرجوع والمطالبة:
جاء في شرح المادة (51) من مجلة الأحكام: (الساقط لا يعود: يعني إذا أسقط شخص حقا من الحقوق التي يجوز له إسقاطها يسقط ذلك الحق وبعد إسقاطه لا يعود؛ أما الحق الذي لا يقبل الإسقاط بإسقاط صاحبه له؛ مثال: لو كان لشخص على آخر دين فأسقطه عن المدين، ثم بدا له رأي فندم على إسقاطه الدين عن ذلك الرجل، فلأنه أسقط الدين، وهو من الحقوق التي يحق له أن يسقطها، فلا يجوز له أن يرجع إلى المدين ويطالبه بالدين; لأن ذمته برئت من الدين بإسقاط الدائن حقه فيه، أما لو أبرأ شخص آخر من طريق له أو سيل أو كان له قطعة وأبرأه بها، فلا يسقط حقه بالطريق والمسيل والأرض؛ لأنه لا يسقط الحق بما ذكر بمجرد الترك والإعراض ويجب لإسقاط الحق فيها إجراء عقد بيع أو هبة مثلا).
3- إذا أسقط المجني عليه حقه الخاص فهل يسقط الحق العام؟
إذا اسقط المجني عليه حقه الخاص فإنه يسقط، ولا علاقة له بالحق العام فلا يسقط الحق العام بسقوطه بل يبقى قائما ولا يخلو من إحدى ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون حدا بلغ الإمام، ففي هذه الحالة لا يسقط بحال من الأحوال وليس للإمام ولا لغيره إسقاطه، لحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب». رواه أبو داود والنسائي.
الثانية: أن يكون الحق العام حدا لكنه لم يبلغ الإمام، ففي هذه الحالة يجوز إسقاطه بل يستحسن عدم رفعه للإمام، لورود النص على ذلك في الحديث السابق.
الثالثة: أن يكون الحق العام تعزيرا، ففي هذه الحالة يجوز للإمام إسقاطه، والعفو عنه.

.50- إسكار:

1- التعريف:
الإسكار لغة: مصدر أسكر، والسكر اسم منه، جاء في القاموس: سَكِرَ، كفَرِحَ، سُكْراً وسُكُراً وسَكْراً وسَكَراً وسَكَرَاناً: نَقِيضُ صَحا، فهو سَكِرٌ وسَكْرانُ، وهي سَكِرةٌ وسَكْرَى وسَكْرانَةٌ والجمع: سُكارَى وسَكارَى وسَكْرَى.
والإسكار في اصطلاح الفقهاء: تغطية العقل بما فيه شدة مطربة كالخمر.
2- ضابط الإسكار:
يرى جمهور الفقهاء أن ضابط الإسكار هو أن يختلط كلام الشخص، فيصير غالب كلامه الهذيان، حتى لا يميز بين ثوبه وثوب غيره عند اختلاطهما، ولا بين نعله ونعل غيره، وذلك بالنظر لغالب الناس.
وقال أبو حنيفة: السكران الذي لا يعرف السماء من الأرض، ولا الرجل من المرأة. (للمزيد أنظر مصطلح: مسكر).