فصل: الأحكام المتعلّقة بالفرج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


فُحْشُ القول

التّعريف

1 - الفحش لغةً‏:‏ ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال‏.‏

وفي الاصطلاح قال العينيّ وغيره‏:‏ الفحش كلّ ما خرج عن مقداره حتّى يستقبح، ويدخل فيه القول والفعل والصّفة، يقال‏:‏ فلان طويل فاحش الطّول إذا أفرط في طوله، ولكنّ استعماله في القول أكثر‏.‏

وقال الغزاليّ‏:‏ الفحش‏:‏ هو التّعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصّريحة، وأكثر ذلك في ألفاظ الوقاع وما يتعلّق به، فإنّ لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها فيه، وأهل الصّلاح يتحاشون عنها بل يكنّون عنها، ويدلّون عليها بالرّموز، فيذكرون ما يقاربها ويتعلّق بها‏.‏

والباعث على الفحش إمّا قصد الإيذاء، وإمّا الاعتياد الحاصل من مخالطة الفسّاق وأهل الخبث واللّؤم، ومن عادتهم السّبّ، وإضافة ‏"‏ فحش ‏"‏ إلى ‏"‏ القول ‏"‏ هي من باب إضافة الصّفة إلى الموصوف‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اللّغو‏:‏

2 - اللّغو هو الباطل الّذي لا يتّصل بفعل صحيح، ولا يكون لقائله فيه فائدة وربّما كان وبالاً عليه، كأن يتكلّم الرّجل بما لا يعنيه من أمور النّاس فيفشي أسرارهم، ويهتك أستارهم‏.‏

والصّلة بين فحش القول واللّغو أنّ كلّاً منهما من آفات اللّسان‏.‏

ب - السّبّ‏:‏

3 - السّبّ‏:‏ الشّتم قال الدّسوقيّ‏:‏ هو كلّ كلام قبيح، وفحش القول أعمّ من السّبّ‏.‏

ج - الرّفث‏:‏

4 - من معاني الرّفث في اللّغة‏:‏ اللّغو من الكلام يقال‏:‏ رفث في كلامه يرفث إذا تكلّم بالقبيح، ثمّ جعل كنايةً عن الجماع وعن كلّ ما يتعلّق به، فالرّفث باللّسان ذكر المجامعة وما يتعلّق بها، والرّفث باليد اللّمس، وبالعين الغمز، وبالفرج الجماع‏.‏

وفي الاصطلاح الرّفث‏:‏ الجماع أو الكلام الفاحش أو ذكر الجماع بحضرة النّساء‏.‏

وبين الرّفث وفحش القول عموم وخصوص من وجه‏.‏

الحكم الإجماليّ

5 - الفحش في القول مذموم ومنهيّ عنه في الجملة، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إيّاكم والفحش فإنّ اللّه لا يحبّ الفحش ولا المتفحّش»‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء»‏.‏

غيبة المعلن بالفسق أو الفحش

6 - تجوز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش مع جواز مداراته اتّقاء شرّه ما لم يؤدّ ذلك إلى المداهنة في دين اللّه‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ غيبة‏)‏‏.‏

فحوى الخطاب

انظر‏:‏ مفهوم‏.‏

فحوى الدّلالة

انظر‏:‏ مفهوم‏.‏

فَخْذ

التّعريف

1 - الفخِْذ في اللّغة - بكسر الخاء وتسكينها - قطعة من أعضاء الجسم، وهي ما فوق الرّكبة إلى الورك، أو هي وصل ما بين السّاق والورك، والفخذ مؤنّثة والجمع أفخاذ‏.‏ والفخذ أيضاً اسم دون القبيلة وفوق البطن، وهو بهذا المعنى مذكّر، لأنّه بمعنى النّفر‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

ما يتعلّق بالفخذ من أحكام

وردت أحكام الفخذ في عدّة مواطن منها‏:‏

أ - العورة‏:‏

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ فخذ المرأة الحرّة عورة، واختلفوا في اعتبار فخذ الرّجل عورةً‏:‏

فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ فخذ الرّجل عورة، ويجب سترها، سواء في الصّلاة أو في خارجها‏.‏

فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه رضي الله عنهم قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظرنّ إلى شيء من عورته، فإنّ ما أسفل من سرّته إلى ركبتيه من عورته»، فإذا كشف الرّجل فخذه بطلت صلاته عند الجمهور إلاّ المالكيّة، فيقولون بعدم بطلان الصّلاة بكشف الفخذ أو الفخذين‏.‏

وذهب جماعة من العلماء ومن بينهم عطاء وداود، ومحمّد بن جرير وأبو سعيد الإصطخريّ من الشّافعيّة - وهو رواية أحمد - إلى أنّ الفخذ ليس من العورة‏.‏

لما روت عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كان رسول اللّه مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر رضي الله عنه فأذن له وهو على تلك الحال فتحدّث ثمّ استأذن عمر رضي الله عنه فأذن له وهو كذلك، ثمّ استأذن عثمان رضي الله عنه، فجلس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسوّى ثيابه‏.‏‏.‏» الحديث وفي آخره فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

ب - المفاخذة‏:‏

3 - يحرم على الرّجل مفاخذة المرأة الأجنبيّة، ويجب فيها التّعزير، وقد اتّفق الفقهاء على أنّه لا يترتّب على المفاخذة أحكام الوطء والجماع، من وجوب الغسل، وإفطار الصّائم، ووجوب الكفّارة فيه، وقطع التّتابع في صوم كفّارة الظّهار مثلاً، وإفساد الاعتكاف، والحجّ والعمرة به، وصيرورة البنت ثيّباً به، ووجوب الصّداق به، وكذا العدّة والرّجعة والاستبراء وتحليل المطلّقة ثلاثاً للّذي طلّقها، وسقوط الإيلاء عن المولي، وثبوت برّ من حلف أن يطأ وحنث من حلف أن لا يطأ، وثبوت إحصان الزّوج به، ووجوب حدّ الزّنا، وغير ذلك من المسائل الشّرعيّة الّتي يشترط لثبوت أحكامها حصول الوطء، وهو تغييب حشفة أو قدرها من الذّكر في الفرج، فلا يثبت شيء من هذه الأحكام بالمفاخذة ولا بالمضاجعة، ولا بمقدّمات الوطء الأخرى‏.‏

ج - في القصاص‏:‏

4 - ذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى وجوب القصاص في قطع الرّجل من أصل الفخذ وهو الورك، لانضباطه وإمكان المماثلة به‏.‏

ونقل عن بعض الشّافعيّة‏:‏ عدم وجوب القصاص فيها إذا لم يمكن القصاص إلاّ بإجافة‏.‏ واتّفق الفقهاء على أنّه لا قصاص في كسر عظم الفخذ، لعدم الوثوق بالمماثلة، لأنّ الكسر لا يدخل تحت الضّبط وقد ينتج عن القصاص به زيادة عقوبة الجاني وهو معصوم الدّم، إلاّ في قدر جنايته، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ‏}‏، وقال عزّ من قائل‏:‏ ‏{‏ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ‏}‏‏.‏

وصرّح الشّافعيّة والحنابلة في وجه‏:‏ أنّ للمجنيّ عليه قطع أقرب مفصل إلى أسفل الفخذ وهو مفصل الرّكبة، لأنّ فيه استيفاء بعض الحقّ، وله - عند ذلك - حكومة الباقي، لأنّه لم يأخذ عوضاً عنها، وهذا إذا قطعت رجله بسبب الكسر‏.‏

والتّفصيل في مصطلحات‏:‏ ‏(‏قصاص، قود، عظم‏)‏‏.‏

فخر

التّعريف

1 - الفخر في اللّغة‏:‏ مصدر فخر، والاسم الفخار بالفتح، وهو المباهاة بالمكارم والمناقب من حسب ونسب وغير ذلك، إمّا في المتكلّم أو في آبائه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال الجرجانيّ‏:‏ الفخر التّطاول على النّاس بتعديد المناقب‏.‏

وقال صاحب دستور العلماء‏:‏ الفخر الاستعظام على النّاس بتعديد المناقب‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العجب‏:‏

2 - العجب في اللّغة‏:‏ الزّهو والكبر‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تصوّر شخص استحقاق رتبة لا يكون مستحقّاً لها‏.‏

والعلاقة بين الفخر والعجب عموم وخصوص، والفخر أعمّ‏.‏

ب - الكبر‏:‏

3 - الكبر في اللّغة‏:‏ اسم من كبر الأمر والذّنب كبراً إذا عظم، والكبر‏:‏ العظمة، والكبرياء مثله‏.‏

وفي الاصطلاح قال صاحب دستور العلماء‏:‏ الكبر الرّفعة والشّرف، والعظمة ومنه الكبرياء‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ الكبر الحالة الّتي يختصّ بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره‏.‏

والفخر يعتبر ثمرة الكبر‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - الفخر من الأمور المنهيّ عنها شرعاً في الجملة، وقد ورد النّهي عنه في أحاديث كثيرة‏:‏

منها‏:‏ حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه عزّ وجلّ قد أذهب عنكم عُبّيّة الجاهليّة وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام، إنّما هم فحم من فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على اللّه من الجعلان الّتي تدفع بأنفها النّتن»‏.‏

قال الخطّابيّ‏:‏ معناه أنّ النّاس رجلان‏:‏ مؤمن تقيّ فهو الخير الفاصل، وإن لم يكن حسيباً في قومه، وفاجر شقيّ فهو الدّنيّ وإن كان في أهله شريفاً رفيعاً‏.‏

وقيل‏:‏ معناه أنّ المفتخر إمّا مؤمن تقيّ فإذن لا ينبغي له أن يتكبّر على أحد، أو فاجر شقيّ فهو ذليل عند اللّه والذّليل لا يستحقّ التّكبّر، فالتّكبّر منفيّ بكلّ حال‏.‏

ومنها حديث أبي مالك الأشعريّ رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة لا يتركونهنّ‏:‏ الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة»‏.‏

قال الأبيّ‏:‏ يعني الفخر بها مع احتقار الغير، لأنّ مطلقه معتبر بدليل طلب الكفاءة في النّكاح‏.‏

وقد عدّ العلماء، كالغزاليّ وابن قدامة الفخر من درجات الكبر وقد استثنى العلماء من الفخر المذموم الفخر والخيلاء في الحرب، ونصّوا على استحباب الفخر والخيلاء في الحرب لإرهاب العدوّ، وكان أبو دجانة رضي الله تعالى عنه يتبختر في الحرب، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ هذه لمشية يبغضها اللّه إلاّ في هذا الموطن»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏كبر‏)‏‏.‏

فِدَاء

التّعريف

1 - الفِدَاء - بكسر الفاء والمدّ، وبالفتح والكسر مع القصر - في اللّغة‏:‏ فكاك الأسير، يقال‏:‏ فداه يفديه، وفادى الأسير‏:‏ استنقذه من الأسر، وفدت وافتدت وفادت المرأة نفسها من زوجها‏:‏ بذلت له مالاً ليطلّقها، وقال ابن برّيّ نقلاً عن الوزير بن المعرّيّ‏:‏ يقال‏:‏ فدى‏:‏ إذا أعطى مالاً وأخذ رجلاً، وأفدى‏:‏ إذا أعطى رجلاً وأخذ مالاً، وفادى‏:‏ إذا أعطى رجلاً وأخذ رجلاً، والفداء والفدية والفدى كلّه بمعنىً، وقال بعضهم‏:‏ الفدية اسم للمال الّذي يفتدى به الأسير، ونحوه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الفدية‏:‏

2 - الفدية‏:‏ ما يقي به الإنسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصّر فيها، ككفّارة اليمين، وكفّارة الصّوم، نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ‏}‏‏.‏

والفدية أعمّ من الفداء‏.‏

ب - الفكاك‏:‏

3 - الفكاك‏:‏ - بالفتح وقد يكسر - من فككت الشّيء فانفكّ‏.‏

وفكّ الشّيء‏:‏ خلّصه، يقال‏:‏ فكّ الرّهن يفكّه فكّاً، والأسير‏:‏ خلّصه، وكلّ شيء أطلقته فقد فككته‏.‏

وبين الفداء والفكاك عموم وخصوص وجهيّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالفداء

فداء أسرى المسلمين

4 - الأصل أنّه إذا وقع مسلم في أيدي المشركين أسيراً لزم المسلمين النّهوض لتخليصه من يدهم، وإن لم يدخلوا دارنا باتّفاق الفقهاء، لأنّهم أجمعوا على أنّه يجب على المسلمين وجوب عين النّهوض لدفع المشركين إذا دخلوا بلداً للمسلمين، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الدّار، هذا إن رجي إمكان تخليصه، فإن تعذّر تخليصه بالقتال وجب فداؤه من بيت المال عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، لما روى سعيد رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم، ويؤدّوا عن غارمهم»، ولأنّ بيت المال موضوع لمصالح المسلمين، وهذا من أهمّها، فإن تعذّر فداؤه من بيت المال، بأن لم يكن فيه مال، أو تعذّر الوصول إليه، فمن مال المسلمين على قدر وسعه، ويتولّى الإمام جبايته، والأسير كأحدهم، وهو فرض كفاية، لحديث‏:‏ «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكّوا العاني»‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا اضطررنا لبذل مال لفداء أسرى يعذّبونهم أو لإحاطتهم بنا، وخفنا استئصالهم لنا وجب بذله، قال الشبراملسي‏:‏ يبذل من بيت المال إن وجد فيه، وإلاّ فمن مياسير المسلمين، وينبغي أن يكون محلّ ذلك إذا لم يكن للمأسور مال، وإلاّ قدّم على بيت المال، وقالوا يندب فكّ الأسرى غير المعذّبين إذا أمن قتلهم‏.‏

فإن لم يفد الإمام والمسلمون أثموا جميعاً، لأنّها من فروض الكفاية الّتي تسقط بقيام البعض بها، وعلى الأسير في هذا الحال أن يفكّ نفسه من ماله، وإذا افتداه مسلم بأمر الأسير رجع عليه بما افتداه به قليلاً كان أم كثيراً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أسرى ف 56 - 61‏)‏‏.‏

فداء أسرى الكفّار

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الأسرى الرّجال الأحرار العقلاء من الكفّار يجوز للإمام أخذ الفدية بالمال عنهم، إذا رأى في ذلك مصلحةً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء ‏}‏‏.‏

أمّا النّساء والصّبيان من الكفّار فلا يجوز عند الشّافعيّة والحنابلة فداؤهم بالمال، لأنّهم يصيرون رقيقاً بالسّبي‏.‏

وعند المالكيّة يجوز فداء النّساء والصّبيان بالمال‏.‏

والمشهور من مذهب الحنفيّة أنّه لا يجوز فداء الأسرى‏.‏

وفي السّير الكبير‏:‏ لا بأس بالفداء إذا كان بالمسلمين حاجة استدلالاً بأسرى بدر‏.‏

فداء الأسير المسلم بآلات الحرب والكراع

6 - اختلف الفقهاء في جواز فداء الأسير المسلم بسلاح ندفعه للعدوّ‏:‏

فقال الشّافعيّة في أصحّ وجهين عندهم‏:‏ يجوز ذلك‏.‏

وفي جوازه وعدم جوازه قولان عند المالكيّة، لابن القاسم وأشهب‏:‏ فالمنع لابن القاسم، والجواز لأشهب، ما لم يكن الخيل والسّلاح أمراً كثيراً يكون لهم به القدرة الظّاهرة‏.‏

وعند الحنفيّة في ذلك أيضاً رأيان‏.‏

وأضاف الشّافعيّة‏:‏ ولا يجوز ردّ أسلحتهم الّتي استولينا عليها بمال يبذلونه لنا، لأنّا لا نبيعهم سلاحاً، لكنّه يجوز في الأوجه عندهم مفاداة أسرانا بسلاحهم الّذي غنمناه منهم‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ يجوز للإمام فداء أسرى المسلمين بخمر وخنزير، وطريق ذلك أن يأمر الإمام أهل الذّمّة بدفع ذلك للعدوّ، ويحاسبهم بقيمة ذلك ممّا عليهم من الجزية، فإن تعذّر ذلك جاز شراء الخمر والخنزير لافتداء أسرى المسلمين للضّرورة، وقالوا‏:‏ ومحلّ ذلك إن لم يرضوا إلاّ بذلك، أمّا إذا رضوا بغيره فلا يجوز الفداء بهما‏.‏

فداء أسرى العدوّ بأسرى مسلمين

7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ للإمام فداء أسرى المشركين بأسرى مسلمين أو ذمّيّين، ولو واحداً في مقابل جمع من أسراهم، قال الشّافعيّة‏:‏ رجالاً، أو نساءً، أو خناثى من المسلمين، إن رأى الإمام في ذلك مصلحةً للمسلمين‏.‏

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء ‏}‏‏.‏

ولما روى عمران بن حصين رضي الله عنه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من أصحابه برجلين من المشركين في بني عقيل، وصاحب العضباء برجلين»‏.‏

وقال أبو حنيفة في إحدى روايتين عنه‏:‏ لا مفاداة بالأسرى، لأنّ في ذلك معونةً للكفر، لأنّ أسراهم يعودون حرباً علينا، ودفع شرّ حرابتهم خير من استنقاذ الأسير المسلم، لأنّه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاءً في حقّه غير مضاف إلينا، والإعانة بدفع أسرهم إليهم مضاف إلينا، وهو من باب تحمّل الضّرر الخاصّ لدفع الضّرر العامّ، ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ‏}‏‏.‏

وفي المفاداة ترك القتل وهو فرض، ولا يجوز ترك الفرض مع التّمكّن من إقامته بحال، وفي رواية عنه بجواز ذلك‏.‏

وجاء في السّير الكبير‏:‏ وهي أظهر الرّوايتين عن أبي حنيفة، ووجه هذه الرّواية‏:‏ أنّ تخليص أسرى المسلمين واجب ولا يتوصّل إلى ذلك إلاّ بطريق المفاداة وليس فيه أكثر من ترك قتل أسارى المشركين، وذلك جائز لمنفعة المسلمين، وأنّ تخليص المسلم أولى من قتل الكافر ومن الانتفاع به، لأنّ حرمة المسلم عظيمة‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح ‏(‏أسرى ف 25‏)‏‏.‏

8 - وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم جواز مفاداة الأسرى من صبيان المشركين بمال أو بأسرى المسلمين‏.‏

ووجّه الحنابلة عدم الرّدّ بأنّ الصّبيّ يصير مسلماً بإسلام سابيه، فلا يجوز ردّه إلى المشركين‏.‏

وقيّد الحنفيّة ذلك بما إذا أسر الصّبيان وحدهم بدون آبائهم وأمّهاتهم وأخرجوا إلى دار الإسلام، لأنّهم في هذه الحال يصيرون مسلمين تبعاً للدّار، فلا يجوز ردّهم لدار الكفر لذلك‏.‏

إلاّ أنّ ابن عابدين قال‏:‏ ولعلّ المنع فيما إذا أخذ البدل مالاً وإلاّ فلا‏.‏

فداء أسرى المشركين إذا أسلموا

9 - قال الحنفيّة‏:‏ إن أسلم أسرى المشركين قبل أن يفادى بهم أسرى المسلمين فإنّه لا تجوز المفاداة، لأنّهم صاروا كغيرهم من أهل الإسلام، فلا يجوز تعريضهم للفتنة بطريق المفاداة، إلاّ إذا أمن على إسلامهم وطابت أنفسهم بذلك‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يجوز للإمام مفاداتهم بالأسرى، وبالمال إن كان في ذلك مصلحة للمسلمين، إذا كان الأسير له ثمّ عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه، وإلاّ فلا يجوز، لحرمة الإقامة بدار الحرب على من ليس له عشيرة تمنع عنه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن أسلم الأسير صار رقيقاً كالمرأة، ولا يجوز أن يفادى إلاّ بإذن الغانمين، لأنّه صار مالاً لهم، لأنّه أسير يحرم قتله فصار رقيقاً كالمرأة، وقيل‏:‏ يحرم القتل، ويخيّر فيهم الأسير بين رقّ ومَنّ وفداء‏.‏

ويحرم ردّه إلى الكفّار إلاّ أن يكون له من يمنعه من الكفّار من عشيرة ونحوها، واستدلّوا بما روي‏:‏ «أنّ أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أسروا رجلاً فأسلم، وفادى به النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه»‏.‏

وقال محمّد بن الحسن من الحنفيّة‏:‏ للإمام أن يفادي بالأسير، وإن وقع في سهم أحد الغانمين، رضي أم أبى، ويعوّضه قيمته من بيت المال، لأنّ تخليص المسلم من الأسر فرض عليه وعلى كلّ مسلم، بحسب القدرة والإمكان، فإن امتنع عنه ناب عنه الأمير وعوّضه من بيت المال، كما لو استحقّ سهم‏.‏

أمّا أبو يوسف فلا يجيز المفاداة بعد القسمة وهي رواية عن أبي حنيفة‏.‏

فداء المملوك الجاني

10 - إذا جنى مملوك جناية خطأ أو شبه عمد، أو عمداً وعفي على مال، فلسيّده الخيار، بين فدائه بالمال، وتسليمه لوليّ الجناية فإن اختار الفداء فداه بأرش الجناية بالغةً ما بلغت عند الحنفيّة والمالكيّة، وهو القول القديم للشّافعيّ، وإحدى روايتين عن أحمد إن كانت الجناية أكثر من قيمته‏.‏

وفي القول الجديد للشّافعيّ يفديه بالأقلّ من قيمته وأرش الجناية‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كان أرش الجناية بقدر قيمته فما دونها فالسّيّد مخيّر بين أن يفديه بأرش جنايته، أو يسلّمه إلى وليّ الجناية، وأمّا إن كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه عندهم روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنّ سيّده مخيّر بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته وبين أن يسلّمه، والرّواية الثّانية‏:‏ يلزمه تسليمه، إلاّ أن يفديه بأرش جنايته بالغاً ما بلغ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏رقّ ف 120‏)‏‏.‏

فداء أمّ الولد

11 - يجب على المستولد فداء أمّ ولده إذا جنت بما يوجب المال، وإن ماتت عقب الجناية لمنعه بيعها بالإيلاد كما لو قتلها‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏استيلاد ف 14‏)‏‏.‏

فِدْيَة

التّعريف

1 - الفدية لغةً‏:‏ مال أو نحوه يستنقذ به الأسير أو نحوه فيخلّصه ممّا هو فيه‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ‏}‏، أي جعلنا الذّبح فداءً له وخلّصناه به من الذّبح‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ هي البدل الّذي يتخلّص به المكلّف من مكروه توجّه إليه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجزية‏:‏

2 - الجزية هي‏:‏ اسم للمال الّذي يؤخذ من أهل الذّمّة لإسكانهم في ديارنا وحمايتهم وحقن دمائهم، وتطلق الجزية على العقد أيضاً‏.‏

والصّلة بين الفدية والجزية أنّ الفدية أعمّ من الجزية‏.‏

ب - الدّية‏:‏

3 - الدّية هي‏:‏ المال الواجب بالجناية على حرّ في نفس أو غيرها وهي أخصّ من الفدية‏.‏

ج - الكفّارة‏:‏

4 - الكفّارة لغةً‏:‏ السّتر والتّغطية، واصطلاحاً‏:‏ ما يغطّي الإثم‏.‏

وهي أخصّ من الفدية‏.‏

د - الخلع‏:‏

5 - الخلع لغةً‏:‏ النّزع، ومنه خالعت المرأة زوجها إذا افتدت منه بمال‏.‏

والخلع في الشّرع‏:‏ فرقة بعوض مقصود لجهة الزّوج بلفظ طلاق أو خلع، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ‏}‏‏.‏

والخلع أخصّ من الفدية‏.‏

الحكم التّكليفيّ

6 - يختلف الحكم التّكليفيّ للفدية وجوباً أو ندباً أو إباحةً بحسب ما يلي‏:‏

أ - ارتكاب أحد محظورات الإحرام‏:‏

7 - اتّفق الفقهاء على أنّ من فعل شيئاً من محظورات الإحرام كحلق الرّأس وقصّ الأظفار والادّهان والتّطيّب ولبس المخيط أو نحو ذلك وجبت عليه الفدية‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 148‏)‏‏.‏

ب - الإحصار‏:‏

8 - الإحصار‏:‏ منع الحاجّ أو المعتمر من المضيّ إلى بيت اللّه الحرام، فيجوز له التّحلّل من إحرامه حيث أحصر لئلاّ يمتدّ إحرامه فيشقّ عليه، وإذا تحلّل حلّ له كلّ ما كان محظوراً عليه، فإذا كان الإحصار في الحلّ وجب عليه أن يذبح شاةً إن كان مفرداً أو متمتّعاً، وإن كان قارناً فعليه شاة عند الجمهور وشاتان عند الحنفيّة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ‏}‏‏.‏

واختلف الفقهاء في وجوب الحلق‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحصار ف 38 - 42‏)‏‏.‏

ج - الوقوع في الأسر‏:‏

9 - الأسر لغةً‏:‏ الحبس، واصطلاحاً‏:‏ وقوع المحارب حيّاً في يد عدوّه أثناء القتال، فإذا وقع المحارب أسيراً وجب فداؤه عند جمهور الفقهاء، وذهب الشّافعيّة إلى ندبه إذا لم يعذّب، فإذا عذّب وجب الفداء‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أسرى ف 56 - 61‏)‏‏.‏

ما تكون به الفدية

أوّلاً‏:‏ الفدية في الصّيام

10 - اتّفق الفقهاء على أنّ الشّيخ الكبير إذا تكلّف الصّوم، فصام في رمضان، فلا فدية عليه‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّ للشّيخ الكبير الّذي يجهده الصّوم ويشقّ عليه مشقّةً شديدةً أن يفطر في رمضان، فإذا أفطر فعليه فدية وجوباً عند الحنفيّة والحنابلة والأصحّ عند الشّافعيّة، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ‏}‏، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما في تفسيرها‏:‏ نزلت رخصةً للشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصّيام أن يفطرا ويطعما مكان كلّ يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا، ولقول أبي هريرة‏:‏ من أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان فعليه لكلّ يوم مدّ من قمح‏.‏

وذهب المالكيّة ومكحول وأبو ثور وربيعة وابن المنذر وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة إلى أنّه لا تجب عليه الفدية، لأنّه سقط عنه فرض الصّوم لعجزه، فلم تجب عليه الفدية كالصّبيّ والمجنون، وكالمريض الّذي ترك الصّيام لمرض اتّصل به الموت، إلاّ أنّ المالكيّة يرون أنّه يندب له إعطاء الفدية‏.‏

مقدار الفدية

11 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ مقدار الفدية مدّ عن كلّ يوم، وبه قال طاووس وسعيد بن جبير والثّوريّ والأوزاعيّ‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ المقدار الواجب في هذه الفدية هو صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو نصف صاع من حنطة، وذلك عن كلّ يوم يفطره، يطعم به مسكيناً‏.‏

وعند الحنابلة الواجب مدّ برّ، أو نصف صاع من تمر، أو شعير‏.‏

اشتراط اليسار في وجوب الفدية

12 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الفدية تجب لو كان موسراً‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ إذا أوجبنا الفدية على الشّيخ‏.‏‏.‏‏.‏ وكان معسراً هل يلزمه إذا أيسر أم يسقط عنه ‏؟‏ فيه قولان، وينبغي أن يكون الأصحّ هنا أنّها تسقط ولا يلزمه إذا أيسر كالفطرة، لأنّه عاجز حال التّكليف بالفدية، وليس في مقابلة جناية ونحوها، وقطع القاضي في المجرّد‏:‏ أنّه إذا أيسر بعد الإفطار لزمه الفدية، فإن لم يفد حتّى مات لزم إخراجها من تركته، قال‏:‏ لأنّ الإطعام في حقّه كالقضاء في حقّ المريض والمسافر، وقد ثبت أنّ المريض والمسافر إذا ماتا قبل تمكّنهما من القضاء لم يجب شيء وإن زال عذرهما وقدرا على القضاء لزمهما، فإن ماتا قبله وجب أن يطعم عنهما مكان كلّ يوم مدّ طعام، فكذا هنا، وإلى مثل هذا ذهب الحنابلة، قال ابن قدامة‏:‏ والشّيخ الهِمّ - أي الفاني - له ذمّة صحيحة فإذا كان عاجزاً عن الإطعام فلا شيء عليه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ‏}‏‏.‏

تعجيل الفدية

13 - اختلف الفقهاء في مسألة ما إذا كان يجوز للشّيخ العاجز والمريض الّذي لا يرجى برؤه تعجيل الفدية، فأجاز الحنفيّة دفع الفدية في أوّل الشّهر كما يجوز دفعها في آخره‏.‏ وقال النّوويّ‏:‏ اتّفق أصحابنا على أنّه لا يجوز للشّيخ العاجز والمريض الّذي لا يرجى برؤه تعجيل الفدية قبل دخول رمضان، ويجوز بعد طلوع فجر كلّ يوم وهل يجوز قبل الفجر في رمضان ‏؟‏ قطع الدّارميّ بالجواز وهو الصّواب‏.‏

من مات وعليه صوم فاته بعذر

14 - قال الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ من مات وعليه صوم فاته بمرض أو سفر، أو غيرهما من الأعذار ولم يتمكّن من قضائه حتّى مات لا شيء عليه، ولا يصام عنه ولا يطعم عنه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»‏.‏

ولأنّه حقّ للّه تعالى وجب بالشّرع، ومات من يجب عليه قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدل كالحجّ‏.‏

وقال طاووس وقتادة‏:‏ يجب أن يطعم عنه لكلّ يوم مسكين، لأنّه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه، كالشّيخ الهرم إذا ترك الصّيام لعجزه عنه‏.‏

وأمّا من مات بعد تمكّنه من القضاء فلم يصمه، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، وهو أشهر القولين عند الشّافعيّة، وهو قول اللّيث والثّوريّ والأوزاعيّ وابن عليّة وأبي عبيد إلى أنّه يطعم عنه لكلّ يوم مسكين، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كلّ يوم مسكيناً»، وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام عنه‏.‏

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه سئل عن رجل مات وعليه نذر يصوم شهراً، وعليه صوم رمضان ‏؟‏ قال‏:‏ أمّا رمضان فيطعم عنه، وأمّا النّذر فيصام عنه، ولأنّ الصّوم لا تدخله النّيابة حال الحياة فكذلك بعد الوفاة كالصّلاة‏.‏

وذهب الشّافعيّة في أصحّ القولين في الدّليل عندهم، كما قال النّوويّ وطاووس والحسن البصريّ والزّهريّ وقتادة وأبو ثور وداود إلى أنّه يصام عنه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من مات وعليه صيام صام عنه وليّه»، ولأنّه صلى الله عليه وسلم قال لامرأة قالت له‏:‏ إنّ أمّي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ‏؟‏ «صومي عن أمّك»، زاد الشّافعيّة‏:‏ سواء في هذا الحكم بين من فاته الصّيام بعذر كالمرض، أو بغير عذر كالمتعدّي بالفطر إذا مات قبل القضاء لما فاته، كما أنّ الشّافعيّة لم يفرّقوا في ذلك بين من فاته صيام رمضان وبين من فاته صيام النّذور والكفّارات، لعموم الأدلّة في ذلك‏.‏

الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما

15 - اتّفق الفقهاء على أنّ الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً من الصّوم على أنفسهما فعليهما القضاء ولا فدية عليهما كالمريض، وكذا إن خافتا على أنفسهما وولديهما‏.‏

إلاّ أنّهم اختلفوا فيما إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما، فذهب الشّافعيّة في أظهر الأقوال عندهم والحنابلة ومجاهد إلى أنّ عليهما القضاء وإطعام مسكين عن كلّ يوم، لأنّهما داخلتان في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ‏}‏‏.‏

وسبق تفسير ابن عبّاس رضي الله عنهما لهذه الآية ‏(‏ف 10‏)‏‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولا مخالف لهما في الصّحابة رضي الله عنهم، ولأنّه فطر بسبب نفس عاجزة عن طريق الخلقة فوجبت به الكفّارة كالشّيخ‏.‏

وذهب الحنفيّة وعطاء بن أبي رباح والحسن والضّحّاك والنّخعيّ وسعيد بن جبير والزّهريّ وربيعة والأوزاعيّ والثّوريّ وأبو عبيد وأبو ثور - وهو وجه عند الشّافعيّة - إلى أنّه لا تجب عليهما الفدية بل تستحبّ لهما، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إنّ اللّه وضع عن المسافر الصّوم وشطر الصّلاة، وعن الحامل أو المرضع الصّوم أو الصّيام» قال الرّاوي‏:‏ واللّه لقد قالهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحدهما أو كليهما‏.‏

وذهب المالكيّة واللّيث - وهو قول ثالث عند الشّافعيّة - إلى أنّ الحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، وأنّ المرضع تفطر وتقضي وتفدي، لأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها، بخلاف الحامل، ولأنّ الحمل متّصل بالحامل، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها، ولأنّ الحامل أفطرت لمعنىً فيها، فهي كالمريض، والمرضع أفطرت لمنفصل عنها، فوجب عليها الفدية‏.‏

وذهب بعض علماء السّلف ومنهم ابن عمر وابن عبّاس وسعيد بن جبير رضي الله عنهم إلى أنّهما يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ والأصحّ أنّه يلحق بالمرضع في إيجاب الفدية مع القضاء‏:‏ من أفطر لإنقاذ آدميّ معصوم أو حيوان محترم مشرف على هلاك بغرق أو غيره إبقاءً لمهجته، فهو فطر ارتفق به شخصان‏:‏ وهو حصول الفطر للمفطر، والخلاص لغيره‏.‏

من أخّر قضاء رمضان مع إمكانه حتّى دخل رمضان آخر

16 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان على الإنسان قضاء رمضان أو بعضه، وأخّره إلى أن يدخل رمضان، وكان معذوراً في تأخير القضاء بأن استمرّ مرضه أو سفره ونحوهما، جاز له التّأخير ما دام العذر ولو بقي سنين، ولا تلزمه الفدية بهذا التّأخير وإن تكرّر دخول شهر رمضان، لأنّه يجوز تأخير أداء رمضان بهذا العذر، فتأخير القضاء أولى بالجواز‏.‏

ولكنّهم اختلفوا فيمن أخّر قضاء رمضان حتّى دخل رمضان آخر بغير عذر، هل تجب عليه الفدية مع القضاء أو لا ‏؟‏‏:‏

فذهب جمهور الفقهاء - وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن عبّاس وابن عمر وأبو هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمّد والزّهريّ والأوزاعيّ وإسحاق والثّوريّ - إلى لزوم الفدية مع القضاء، وهي مدّ من طعام عن كلّ يوم‏.‏

وذهب الحنفيّة والحسن البصريّ وإبراهيم النّخعيّ وداود والمزنيّ من الشّافعيّة إلى أنّه لا فدية عليه، لأنّه صوم واجب فلم يجب عليه في تأخيره فدية، ولأنّ الفدية تجب خلفاً عن الصّوم عند العجز عن تحصيله عجزاً لا يرجى معه القدرة عادةً، كما في حقّ الشّيخ الفاني، ولم يوجد العجز، لأنّه قادر على القضاء فلا معنى لإيجاب الفدية‏.‏

من أفطر في رمضان عدواناً بغير الجماع

17 - اختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة أو الفدية على من أفطر في نهار رمضان عدواناً بغير الجماع‏:‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا تجب عليه كفّارة ولا فدية، وإنّما عليه قضاء اليوم الّذي أفطر فيه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من استقاء عمداً فليقض»، ولأنّ الأصل عدم الكفّارة أو الفدية إلاّ فيما ورد به الشّرع، ولأنّه أفطر بغير جماع فلم تجب الكفّارة، ولا يصحّ قياسه على الجماع، لأنّ الحاجة إلى الزّجر عنه أمسّ، والحكم في التّعدّي به آكد، وإلى هذا ذهب سعيد بن جبير وابن سيرين والنّخعيّ وحمّاد بن أبي سليمان وداود‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه تجب عليه الكفّارة إذا أفطر بإيصال ما يقصد به التّغذّي أو التّداوي إلى جوفه عن طريق الفم، لأنّ به يحصل قضاء شهوة البطن، كما يحصل بالجماع قضاء شهوة الفرج، قال ابن قدامة‏:‏ حكي عن عطاء، والحسن والزّهريّ والثّوريّ والأوزاعيّ وإسحاق أنّ الفطر بالأكل والشّرب يوجب ما يوجبه الجماع‏.‏

أمّا ما لا يقصد به التّغذّي أو التّداوي كبلع الحصاة أو التّراب أو النّواة ونحوها فلا تجب فيه الكفّارة عند الحنفيّة، وكذا إن باشر دون الفرج فأنزل أو استمنى‏.‏

وعن عطاء‏:‏ أنّ عليه تحرير رقبة فإن لم يجدها فبدنة أو بقرة أو عشرون صاعاً من طعام‏.‏ وذهب المالكيّة إلى وجوب الكفّارة عليه بشروط منها‏:‏ أن يفطر متعمّداً، وأن يكون مختاراً، وأن يأكل أو يشرب عن طريق الفم وأن يكون الإفطار في رمضان الحاضر، وأن يكون عالماً بحرمة الموجب الّذي فعله وإن جهل وجوب الكفّارة به‏.‏

والكفّارة الواجبة في هذا عند المالكيّة مثل الكفّارة الواجبة بالجماع، لأنّه إفطار في رمضان فأشبه الجماع، حيث إنّ كلاً منهما هتك حرمة الصّيام في نهار رمضان بمعصية‏.‏

ثانياً‏:‏ الفدية في الحجّ

18 - ذكر الفقهاء أنّ فدية الحجّ تجب في حجّ التّمتّع والقران، وفي ترك واجب من واجبات الحجّ والعمرة، وفي فعل محظور من محظورات الإحرام، وفي الفوات والإحصار‏.‏ واتّفقوا في بعض تفاصيل هذه الأحكام واختلفوا في بعضها كما يلي‏:‏

التّمتّع والقران

19 - أجمع الفقهاء على أنّ على القارن والمتمتّع فدية، وهي ذبح شاة أو غيرها من الأنعام، لقول اللّه تعالى في المتمتّع‏:‏ ‏{‏ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ‏}‏، ولأنّه في القارن إذا وجب الدّم على المتمتّع لأنّه جمع بين النّسكين في وقت أحدهما، فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى فإن لم يجد القارن والمتمتّع الهدي فعليهما صيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة عند رجوعهما إلى بلادهما‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تمتّع ف 16، وهدي وقران‏)‏‏.‏

ترك واجبات الحجّ

20 - اتّفق الفقهاء على أنّه تجب فدية في ترك واجبات الحجّ والعمرة، كترك الإحرام من الميقات وترك الوقوف بالمزدلفة، وترك المبيت بمنىً ليالي التّشريق، وترك الرّمي للجمرات، وترك طواف الوداع، وغير ذلك من المأمورات الّتي لا يفوت الحجّ بفواتها‏.‏ والواجب في هذا كلّه باتّفاقهم ذبح شاة مستوفية لشروط الأضحيّة لمن يقدر عليها، فإن عجز عنها صام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعةً إذا رجع إلى أهله كالمتمتّع، على خلاف بين الفقهاء ينظر تفصيله في‏:‏ ‏(‏حجّ ف 126 وما بعدها‏)‏‏.‏

وهل الفدية تجب في ترك الرّمي كلّه أو في ترك الرّمي لجمرة من الجمار الثّلاثة، أو في ترك رمي ثلاث حصيات من الحصيات السّبع وهكذا في المبيت ‏؟‏‏.‏

تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ ف 57، 58، 59 وما بعدها‏)‏‏.‏

فعل محظور من محظورات الإحرام

21 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا ارتكب الحاجّ أو المعتمر محظوراً من محظورات الحجّ أو العمرة فعليه فدية أو كفّارة حسب المحظور الّذي ارتكبه‏:‏ ففعل بعض محظورات الإحرام كالجماع يفسد الحجّ كلّيّةً، بينما غيره لا يفسد الحجّ، وعليه تختلف الفدية الواجبة في هذا عن الفدية الواجبة في ذاك‏.‏

وتفصيل هذه الفدية، وهل هي مخيّرة أو مرتّبة، مقدّرة أو معدّلة ‏؟‏ وهل تجب بمجرّد ارتكاب المحظور أم يشترط لتكاملها تكرار الفعل وتعدّده ‏؟‏ أو استمرار ارتكابه لفترة زمنيّة محدّدة في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ ف 108 وإحرام ف 145 وما بعدها‏)‏‏.‏

الفوات والإحصار

22 - ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب ذبح الهدي على المحصر، سواء كان محرماً بحجّ فقط، أو بعمرة فقط أو كان قارناً، أي محرماً بحجّ وعمرة معاً‏.‏

وتفصيل هذه المسألة في مصطلح ‏(‏إحصار ف 36 وما بعدها‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ فداء الأسرى

الافتداء بالمال

23 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأسير المسلم في أيدي الكفّار يجب فداؤه وممّا يفدى به المال، ويكون عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة من بيت مال المسلمين، وإلاّ فمن مال المسلمين على قدر وسعهم، والأسير كأحدهم، وهو فرض على الكفاية‏.‏

وقال الشّافعيّة يجب المال الّذي يفدى به الأسير على الأسير إن كان له مال، وإلاّ وجب في بيت مال المسلمين إن كان يعذّب، وإلاّ ندب‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏أسرى ف 56‏)‏‏.‏

الافتداء بتعليم المسلمين ما يفيدهم

24 - يجوز افتداء أسرى الكفّار، بتعليمهم المسلمين ما ينفعهم كتعليم القراءة والكتابة أو تعليمهم حرفةً كالحدادة والنّجارة، أو صناعةً من الصّناعات النّافعة، لأنّ تعليم مثل هذه الحرف والصّناعات يقوم مقام المال ويقوّم به، وقد ورد عن ابن عبّاس أنّه قال‏:‏ «كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلّموا أولاد الأنصار الكتابة»‏.‏

الافتداء بتبادل الأسرى

25 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ للإمام فداء أسرى المشركين بأسرى المسلمين، لما روى عمران بن حصين‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين»‏.‏

وذهب أبو حنيفة في إحدى روايتين عنه إلى أنّه لا يفادى الأسير المسلم بأسرى المشركين، لأنّ في ذلك معونةً للكفر، فأسراهم بعد فدائهم يعودون حرباً علينا‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أسرى ف 25‏)‏‏.‏

فرائض

انظر‏:‏ إرث‏.‏

فرار

التّعريف

1 - الفرار - بالكسر - والفرّ - بالفتح - لغةً‏:‏ الهرب، يقال‏:‏ فرّ من الحرب فراراً أي هرب‏.‏

وفي القرآن الكريم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَاراً ‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالفرار

أ - الفرار من الزّكاة‏:‏

2 - اختلف الفقهاء في حكم الفرار من الزّكاة، فقال المالكيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة والأوزاعيّ وإسحاق وأبو عبيد‏:‏ إنّه يحرم الاحتيال لسقوط الزّكاة، وتجب مع الحيلة، كمن كانت عنده ماشية فباعها قبل الحول بدراهم فراراً من الزّكاة، أو أبدل النّصاب بغير جنسه ليقطع الحول ويستأنف حولاً آخر، أو أتلف جزءاً من النّصاب قصداً لنقص النّصاب لتسقط عنه الزّكاة، بل تجب عليه الزّكاة سواء كان المبدل ماشيةً أو غيرها من النّصب، بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَََلا يَسْتَثْنُونَ، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ، فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ ‏}‏ فعاقبهم اللّه تعالى بذلك لفرارهم من الصّدقة، لأنّهم لمّا قصدوا قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبتهم بنقيض قصدهم، كمن قتل مورّثه لاستعجال ميراثه عاقبه الشّرع بالحرمان‏.‏

وهذا إذا كانت الحيلة عند قرب الوجوب، ولو فعل ذلك في أوّل الحول لم تجب فيه الزّكاة، لأنّ ذلك ليس بمظنّة للفرار، وكذلك لا تجب الزّكاة لو أتلفه لحاجته‏.‏

وقال الشّافعيّة والشّيخان من الحنفيّة بسقوط الزّكاة مع الكراهة، لأنّه نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فيه الزّكاة كما إذا أتلفه لحاجته‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ زكاة ‏(‏ف 114‏)‏‏.‏

طلاق الفارّ

3 - هو تطليق الزّوج زوجته بائناً في مرض موته لحرمانها من الميراث‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على أنّ من طلّق زوجته في مرض موته فراراً من إرث الزّوجة يصحّ طلاقه كصحّته ما دام كامل الأهليّة‏.‏

كما اتّفقوا على إرثها منه إذا مات وهي في عدّتها من طلاق رجعيّ، سواء أكان بطلبها أم لا، وأمّا إذا مات وهي في العدّة من طلاق بائن فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في الأصحّ عندهم والشّافعيّة في القديم‏:‏ إنّها ترث منه معاملةً منه بنقيض قصده، والّذين قالوا بتوريثها انقسموا إلى ثلاث فرق‏:‏ ففرقة قالت‏:‏ لها الميراث ما دامت في العدّة‏.‏

وقال أحمد وابن أبي ليلى‏:‏ لها الميراث ما لم تتزوّج‏.‏

وقال مالك واللّيث‏:‏ ترث سواء كانت في العدّة أم لم تكن، تزوّجت أم لم تتزوّج‏.‏

واختلف الفقهاء في عدّة طلاق الفارّ، فقال المالكيّة والشّافعيّة وأبو يوسف من الحنفيّة‏:‏ إنّ زوجة الفارّ لا تعتدّ بأطول الأجلين من عدّة الوفاة أو ثلاثة قروء، وإنّما تكمل عدّة الطّلاق، لأنّ زوجها مات وليست زوجةً له، لأنّها بائن من النّكاح، فلا تكون منكوحةً، واعتبار الزّواج قائماً وقت الوفاة في رأي المالكيّة إنّما هو في حقّ الإرث فقط، لا في حقّ العدّة‏.‏ وقال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ إنّها تنتقل من عدّة الطّلاق إلى العدّة بأبعد الأجلين من عدّة الوفاة وعدّة الطّلاق احتياطاً، بأن تتربّص أربعة أشهر وعشراً من وقت الموت، فإن لم تر فيها حيضها تعتدّ بعدها بثلاث حيضات‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏طلاق ف 66، وعدّة‏)‏‏.‏

الفرار من الزّحف

4 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب الثّبات في الجهاد ويحرّم الفرار منه، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ‏}‏، وقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ‏}‏‏.‏

وقد عدّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم الفرار من الزّحف من السّبع الموبقات، بقوله‏:‏ «اجتنبوا السّبع الموبقات» ثمّ ذكر منها‏:‏ «التّولّي يوم الزّحف»‏.‏

وهناك خلاف وتفصيل في شرط وجوب الثّبات ‏(‏ر‏:‏ جهاد ف 37، وتولّ ف 3‏)‏‏.‏

فِرَاسَة

التّعريف

1 - الفراسة لغةً‏:‏ من فُرس فلان بالضّمّ، يفرس فروسةً وفراسةً‏:‏ إذا حذق أمر الخيل، والفَراسة بالفتح‏:‏ الثّبات على الخيل، والحذق بأمرها، والعلم بركوبها، والفِراسة بكسر الفاء هي‏:‏ النّظر والتّثبّت والتّأمّل في الشّيء والبصر به، يقال‏:‏ تفرّست فيه الخير‏:‏ تعرّفته بالظّنّ الصّائب، وتفرّس في الشّيء‏:‏ توسّمه، ورجل فارس على الدّابّة‏:‏ بيّن الفروسيّة‏.‏

والفارس أيضاً‏:‏ الحاذق بما يمارس من الأشياء كلّها‏.‏

وفي الحديث‏:‏ «اتّقوا فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور اللّه عزّ وجلّ»‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هي الاستدلال بالأمور الظّاهرة على الأمور الخفيّة، وأيضاً هي ما يقع في القلب بغير نظر وحجّة‏.‏

وقسّمها ابن الأثير إلى قسمين‏:‏

الأوّل‏:‏ ما دلّ ظاهر هذا الحديث عليه‏:‏ «اتّقوا فراسة المؤمن» وهو ما يوقعه اللّه تعالى في قلوب أوليائه، فيعلمون أحوال بعض النّاس بنوع من الكرامات وإصابة الظّنّ والحدس‏.‏ الثّاني‏:‏ نوع يتعلّم بالدّلائل والتّجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال النّاس‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القيافة‏:‏

2 - القيافة‏:‏ لغةً من قاف يقوف قيافةً فهو قائف، وهو‏:‏ الّذي يتتبّع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرّجل بأخيه وأبيه، والجمع‏:‏ القافة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والصّلة بين القيافة والفراسة أنّ كليهما يقوم على النّظر إلاّ أنّ بينهما فارقاً‏.‏

وقد سئل ابن فرحون‏:‏ هل القافة من الفراسة لكونها مبنيّةً على الحدس ‏؟‏ فأجاب‏:‏ بأنّها ليست منها، بل هي من باب قياس الشّبه، وهو أصل معمول به في الشّرع‏.‏

ب - العيافة‏:‏

3 - العيافة لغةً من عاف يعيف عيفاً إذا زجر، وحدس، وظنّ‏.‏

والعائف‏:‏ من كان صادق الحدس والظّنّ، والطّائر عائف على الماء بمعنى‏:‏ يحوم حوله ليجد فرصةً فيشرب‏.‏

والعيافة‏:‏ زجر الطّائر والتّفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها، وهي من عادة العرب وذكرت كثيراً في أشعارهم‏.‏

وممّن اشتهر بها بنو أسد، فكانوا يوصفون بها، ويلجأ إليهم للبحث عن الحيوانات الضّالّة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والصّلة بينهما أنّ كلاً من العيافة والفراسة مبنيّ على النّظر‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - فراسة المؤمن معتبرة شرعاً في الجملة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ‏}‏‏.‏

قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ‏}‏ روى التّرمذيّ الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبي سعيد الخدريّ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «للمتفرّسين»‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه»‏.‏

ونقل القرطبيّ عن الشّافعيّ ومحمّد بن الحسن أنّهما كانا بفناء الكعبة ورجل على باب المسجد، فقال أحدهما‏:‏ أراه نجّاراً، وقال الآخر‏:‏ بل حدّاداً، فتبادر من حضر إلى الرّجل فسأله فقال كنت نجّاراً وأنا اليوم حدّاد‏.‏

اعتبار الفراسة من وسائل الإثبات

5 - للمتفرّس المؤمن الأخذ بفراسته في خاصّة نفسه ما لم يؤدّ ذلك إلى محظور شرعيّ‏.‏ أمّا فيما يتّصل بحقوق العباد فقد اختلف الفقهاء في اعتبار الفراسة من وسائل الإثبات في القضاء أو عدم اعتبارها‏:‏

فذهب الطّرابلسيّ من الحنفيّة وابن العربيّ وابن فرحون من المالكيّة إلى عدم جواز الحكم بالفراسة، لأنّه حكم بالظّنّ والحزر والتّخمين، ووصف الحاكم الّذي يعتمد ذلك في أحكامه بالفسق والجور، لأنّ الظّنّ يخطئ ويصيب، ولأنّ مدارك الأحكام معلومة شرعاً مدركة قطعاً، وليست الفراسة منها‏.‏

وذهب قاضي القضاة الشّاميّ المالكيّ ببغداد إلى الأخذ بالفراسة والحكم بها، جرياً على طريقة إياس بن معاوية في قضائه، وذهب إلى هذا ابن القيّم وقال‏:‏ ولم يزل حذّاق الحكّام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدّموا عليها شهادةً تخالفها ولا إقراراً‏.‏

مقاييس الفراسة

6 - الفراسة نوعان‏:‏ نوع من المعرفة تحصل للإنسان دون سبب، فهي ضرب من الحدس، ونوع يكون نتيجة التّعلّم والتّجربة‏.‏

أمّا الأوّل فليست له مقاييس يستعملها المتفرّس، وإنّما تتمّ هذه المعرفة بنور اللّه تعالى كما جاء في الحديث النّبويّ السّابق، ومن شروطها الاستقامة وغضّ النّظر عن المحارم، فإنّ المرء إذا أطلق نظره تنفّست نفسه الصّعداء في مرآة قلبه فطمست نورها ‏{‏ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ‏}‏‏.‏

والحقّ سبحانه وتعالى يجازي العبد على عمله من جنسه، فمن غضّ بصره عن المحارم عوّضه إطلاق نور بصيرته، قال البعض‏:‏ من غضّ بصره عن المحارم، وكفّ نفسه عن الشّهوات، وعمّر باطنه بالمراقبة، وتعوّد أكل الحلال لم تخطئ فراسته، فكلّما زادت تقوى المؤمن ألهمه اللّه تعالى التّبصّر بالأمور وسرعة الفهم، فكانت فراسته أثبت ممّن كان أقلّ تقوى منه، لأنّ هذا النّوع لا يعتمد فيه المتفرّس على علامات محسوسة‏.‏

وأمّا النّوع الثّاني، وهو الفراسة المكتسبة، فإنّها تنطلق من ملاحظة الصّفات الظّاهرة في أبدان النّاس، وتتبّع حركاتهم للتّعرّف من خلالها على أحوالهم الباطنة، وهي وإن اشتركت مع النّوع الأوّل في بعض هذا فإنّها تختلف عنها بما وضعه لها القائلون بها من مقاييس وعلامات‏.‏

على أنّ الأحكام المتوصّل إليها بالفراسة ظنّيّة يمكن أن يصدّقها الواقع، ويمكن أن يحصل ما هو قريب منها أو عكسها‏.‏

وفي كلّ الأحوال فإنّه لا تأثير لها في حياة النّاس بالتّفاؤل أو التّشاؤم والشّعور بالشّقاء أو السّعادة، وينبغي أن تستعمل فيما ينفع النّاس في حدود ما أجازه الشّرع‏.‏

فِرَاش

التّعريف

1 - الفراش في اللّغة يطلق على الوطاء - وهو ما افترش - كما يطلق على الزّوج والمولى، والمرأة تسمّى فراشاً لأنّ الرّجل يفترشها، ومنه حديث‏:‏ «الولد للفراش وللعاهر الحجر» أي لمالك الفراش‏.‏

وفي الاصطلاح يستعمل الفقهاء كلمة الفراش بمعنى الوطاء، كما يستعملونها بمعنى كون المرأة متعيّنةً للولادة لشخص واحد، قال الزّيلعيّ‏:‏ معنى الفراش أن تتعيّن المرأة للولادة لشخص واحد، وفسّر الكرخيّ الفراش بأنّه العقد‏.‏

الحكم الإجماليّ

أوّلاً‏:‏ الفراش بمعنى الوطاء

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب على الزّوج تدبير ما تحتاج إليه الزّوجة للنّوم من الفراش واللّحاف والوسادة، كلّ حسب عادته، فإن كان الزّوج ممّن عادته النّوم في الأكسية والبسط فعليه لها لنومها ما جرت عادته به، كما يجب على الزّوج أن يعطيها ما تفرشه للقعود عليه، ويختلف ذلك باختلاف حال الزّوج‏.‏

وللتّفصيل في أحكام الفراش بهذا المعنى ‏(‏ر‏:‏ نفقة‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ الفراش بمعنى كون المرأة متعيّنةً للولادة لشخص واحد

3 - اتّفق الفقهاء على أنّ المرأة إذا كانت زوجةً تصير فراشاً بمجرّد عقد النّكاح ثمّ اشترط المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إمكان الوطء بعد ثبوت الفراش، فإن لم يمكن بأن نكح المغربيّ مشرقيّةً، ولم يفارق واحد منهما وطنه، ثمّ أتت بولد لستّة أشهر أو أكثر لم يلحقه لعدم إمكان كونه منه‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّ الفراش في الزّوجة يثبت بمجرّد العقد عليها من غير اشتراط إمكان الدّخول ما دام الدّخول متصوّراً عقلاً، ويقولون‏:‏ إنّ النّكاح قائم مقام الماء ما دام التّصوّر العقليّ حاصلاً، فمتى أتت الزّوجة بولد لأدنى مدّة الحمل من حين العقد يثبت نسبه من الزّوج، كما في تزوّج المشرقيّ بالمغربيّة، وبينهما مسيرة سنة، فجاءت بالولد لستّة أشهر يثبت النّسب وإن لم يتوهّم الدّخول لبعده عنها‏.‏

واحتجّ الحنفيّة فيما ذهبوا إليه بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الولد للفراش»، أي لصاحب الفراش، ولم يذكر فيه اشتراط الوطء ولا ذكره، ولأنّ العقد في الزّوجة كالوطء‏.‏ وذهب ابن تيميّة وبعض المتأخّرين إلى أنّ الزّوجة لا تصير فراشاً إلاّ بالدّخول‏.‏

وللتّفصيل في أحكام ثبوت الفراش بالزّواج الفاسد وبالوطء بشبهة ‏(‏ر‏:‏ نسب‏)‏‏.‏

مراتب الفراش

4 - نصّ الحنفيّة على أنّ الفراش على أربع مراتب‏:‏ ضعيف وهو فراش الأمة لا يثبت النّسب فيه إلاّ بالدّعوة - بكسر الدّال -، ومتوسّط وهو فراش أمّ الولد، فإنّه يثبت فيه بلا دعوة ولكنّه ينتفي بالنّفي، وقويّ وهو فراش المنكوحة ومعتدّة الرّجعيّ، فإنّه فيه لا ينتفي إلاّ باللّعان، وأقوى كفراش معتدّة البائن، فإنّ الولد لا ينتفي فيه أصلاً، لأنّ نفيه متوقّف على اللّعان، وشرط اللّعان الزّوجيّة‏.‏

وانظر تفصيل ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏نسب، ولعان‏)‏‏.‏

فَراغَ

التّعريف

1 - الفراغ في اللّغة‏:‏ الخلاء، والخلوّ، يقال فرغ المكان يفرغ فرغاً، وفرغ يفرغ فروغاً‏:‏ إذا خلا، والاسم الفراغ‏.‏

وفي الاصطلاح الفقهيّ عرّفه الحنفيّة بأنّه‏:‏ النّزول عن حقّ مجرّد كالوظيفة بعوض أو بدونه‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالفراغ

2 - اختلف الفقهاء في صحّة الفراغ - وهو أن يتنازل صاحب وظيفة عن وظيفته لغيره بعوض أو بدونه - فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى عدم صحّة الفراغ، وأنّه لا تترتّب عليه آثار شرعيّة، وعليه إذا عزل صاحب الوظيفة نفسه وفرغ لغيره عن وظيفة أو غيرها، فإن كان المنزول له غير أهل فلا يجوز للقاضي تقريره فيها، وإن كان أهلاً لا يجب عليه تقريره، وله تقرير غيره فيها، لأنّ مجرّد الفراغ سبب ضعيف فلا يثبت للمفروغ له حقّاً، إلاّ إذا انضمّ إليه تقرير ناظر الوقف، أو القاضي، جاء في تحفة المحتاج‏:‏ ولو مات ذو وظيفة، فقرّر النّاظر آخر، فبان أنّه نزل عنها لآخر، لم يقدح ذلك في التّقرير لأنّ مجرّد النّزول سبب ضعيف إذ لا بدّ من انضمام تقرير النّاظر إليه، ولم يوجد فقدّم المقرّر، وجاء في حاشية ابن عابدين‏:‏ وقد جرى العرف في مصر بالفراغ عن الوظيفة بالدّراهم، ولا يخفى ما فيه، وينبغي الإبراء العامّ بعده، وفيه إشارة إلى عدم جواز ذلك، ونقل ابن نجيم عن الخير الرّمليّ أنّه قال لتعليل عدم الجواز‏:‏ أنّه حقّ مجرّد، لا يجوز الاعتياض عنه، فلا طريق لجوازه‏.‏

ولأنّ الحقوق المجرّدة لا تحتمل التّمليك، ولا يجوز الصّلح عنها، وإتلافها لا يوجب الضّمان، وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف العامّة من إمامة وخطابة وأذان وفراشة وبوابة، وعلى وجه البيع، لأنّ بيع الحقّ المجرّد لا يجوز‏.‏

وسئل صاحب الفتاوى الخيريّة عمّا إذا قرّر السّلطان رجلاً في وظيفة كانت لرجل فرغ لغيره عنها بمال، أجاب بأنّها لمن قرّره السّلطان، لا للمفروغ له، إذ الفراغ لا يمنع التّقرير سواء قلنا بصحّة المتنازع فيها أو بعدمها الموافق للقواعد الفقهيّة كما حرّره العلامة المقدسيّ وأفتى في الخيريّة أيضاً أنّه لو فرغ عن الوظيفة بمال فللمفروغ له الرّجوع بالمال لأنّه اعتياض عن حقّ مجرّد وهو لا يجوز، وقال‏:‏ صرّحوا به قاطبةً ومن أفتى على خلافه فقد أفتى بخلاف المذهب، لبنائه على اعتبار العرف الخاصّ وهو خلاف المذهب‏.‏

ولكن أفتى كثير باعتباره وعليه فيفتى بجواز النّزول عن الوظائف بمال، وقال العلامة العينيّ في فتاويه‏:‏ ليس للنّزول شيء يعتمد عليه، ولكنّ العلماء والحكّام مشوا على ذلك للضّرورة، واشترطوا إمضاء النّاظر لئلاّ يقع فيه نزاع‏.‏

وما يقال في الفراغ عن الوظيفة، يقال مثله في الفراغ عن حقّ التّصرّف في مشدّ مسكة الأراضي - وهو عبارة عن كراب الأرض، وكري أنهارها - سمّيت مسكةً، لأنّ صاحبها صار له مسكةً بها بحيث لا تنزع من يده بسببها، وتسمّى أيضاً مشدّ مسكة، لأنّ المشدّ من الشّدّة بمعنى القوّة، أي قوّة التّمسّك، وكذا في فراغ الزّعيم عن تيماره، ثمّ إذا فرغ عنه لغيره، ولم يوجّهه السّلطان للمفروغ له، بل أبقاه على الفارغ، أو وجّهه لغيرهما ينبغي أن يثبت الرّجوع للمفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ، لأنّه لم يرض بدفعه إلاّ بمقابلة ثبوت ذلك الحقّ له، لا بمجرّد الفراغ، وإن حصل لغيره، قال ابن عابدين‏:‏ وبهذا أفتى في الإسماعيليّة والحامديّة وغيرهما، خلافاً لما أفتى بعضهم من عدم الرّجوع، لأنّ الفارغ فعل ما في وسعه وقدرته، إذ لا يخفى أنّه غير المقصود من الطّرفين، ولا سيّما إذا أبقى السّلطان أو القاضي التّيمار أو الوظيفة على الفارغ، فإنّه يلزم اجتماع العوضين في تصرّفه، وهو خلاف قواعد الشّرع‏.‏

فَرْج

التّعريف

1 - الفرج في اللّغة‏:‏ اسم لجمع سوآت الرّجال والنّساء، وكذلك من الدّوابّ ونحوها من الخلق‏.‏

وقال الفيّوميّ‏:‏ الفرج من الإنسان يطلق على القبل والدّبر، لأنّ كلّ واحد منفرج أي منفتح، وأكثر استعماله في العرف في القبل‏.‏

والفرج أيضاً الخلل بين الشّيئين، والثّغر المخوف، والعورة‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ قال ابن عابدين من الحنفيّة‏:‏ إنّ الفرج لا يشمل الدّبر لغةً، وإنّما يشمله حكماً، ووافقه على ذلك الحطّاب من المالكيّة حيث صرّح بأنّ الفرج حيث أطلقته العرب فلا يريدون به إلاّ القبل‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ قال أصحابنا‏:‏ الفرج يطلق على القبل والدّبر من الرّجل والمرأة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالفرج

للفرج - بما يشمل القبل والدّبر - أحكام خاصّة في الفقه الإسلاميّ منها‏:‏

الفرج عورة

2 - أجمع العلماء على أنّ الفرج من العورة، بل هو أشدّها‏.‏ وهو عورة مغلّظة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

رطوبة فرج المرأة

3 - رطوبة فرج المرأة هي ماء أبيض متردّد بين المذي والعرق يخرج من فرج المرأة‏.‏ وذهب جمهور الفقهاء إلى نجاسة رطوبة الفرج الخارجة من باطنه، لأنّها حينئذ رطوبة داخليّة، أمّا الخارجة من ظاهر الفرج وهو ما يجب غسله في الغسل والاستنجاء فهي طاهرة‏.‏

وذهب أبو حنيفة والحنابلة‏:‏ إلى طهارة رطوبة الفرج مطلقاً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏نجاسة‏)‏‏.‏

الوضوء من مسّ الفرج

4 - اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بمسّ الفرج‏:‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، إلى أنّ مسّ الفرج بالكفّ في الجملة ينقض الوضوء، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من مسّ فرجه فليتوضّأ»‏.‏

وحديث بسرة بنت صفوان أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من مسّ ذكره فلا يصلّ حتّى يتوضّأ»‏.‏

وقولـه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضّأ»‏.‏

وقد روي ذلك عن بضعة عشر صحابيّاً، وهذا لا يدرك بالقياس، فعلم أنّهم قالوه عن توقيف‏.‏

واشترطوا للنّقض عدم الحائل، للحديث‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ مسّ الفرج لا ينقض الوضوء، لما روى طلق بن عليّ الحنفيّ‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الرّجل يمسّ ذكره بعدما يتوضّأ ‏؟‏ قال‏:‏ وهل هو إلاّ مضغة منه أو بضعة منه»‏.‏

قالوا‏:‏ لكن من مسّ ذكره يغسل يده ندباً لحديث‏:‏ «من مسّ ذكره فليتوضّأ» أي ليغسل يده، جمعاً بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «هل هو إلاّ مضغة منه»‏.‏

ثمّ ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ النّاقض هو مسّ ذكر الرّجل وقبل المرأة، وكذا حلقة الدّبر عند الحنابلة وفي الجديد عند الشّافعيّة‏.‏

والمراد بالفرج الّذي بمسّه ينتقض الوضوء عند المالكيّة الذّكر فقط، فلا نقض عندهم بمسّ المرأة فرجها إلاّ إن قبضت عليه أو أدخلت يدها فيما بين الشّفرين، فإنّه ينقض الوضوء عندهم اتّفاقاً‏.‏

5 - واختلف الفقهاء أيضاً في نقض الوضوء بمسّ الفرج المقطوع أو محلّه‏:‏

فذهب المالكيّة والحنابلة إلى عدم نقض الوضوء بمسّ الفرج المقطوع، لذهاب حرمته، وكذا مسّ محلّه، لأنّه لا يسمّى فرجاً‏.‏

واستثنى الحنابلة مسّ الفرج البائن من المرأة، فإنّه ينقض‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ مسّ الذّكر المنفصل - كلّه أو بعضه - ينقض الوضوء إلاّ ما قطع في الختان، إذ لا يقع عليه اسم الذّكر‏.‏

وأمّا الدّبر وقبل المرأة فإن بقي اسمهما بعد قطعهما نقض الوضوء بمسّهما، وإلاّ فلا، لأنّ الحكم منوط بالاسم‏.‏

وينتقض الوضوء عندهم أيضاً بمسّ محلّ قطع الفرج‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏