فصل: الأموال الّتي يمنع الدّين زكاتها والّتي لا يمنع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


ريع

التّعريف

1 - الرّيع لغةً‏:‏ النّماء والزّيادة، وريّع‏:‏ زكا وزاد ويقال‏:‏ أراعت الشّجرة‏:‏ كثر حملها‏.‏ ويقال‏:‏ أخرجت الأرض المرهونة ريعًا، أي غلّةً لأنّها زيادة‏.‏ والفقهاء يفسّرون الرّيع بالغلّة ويفسّرون الغلّة بالرّيع، ويستعملون اللّفظين بمعنًى واحدٍ فيعبّرون تارةً بالرّيع وتارةً بالغلّة، والمسمّى عندهم واحد وهو الزّيادة والفائدة والدّخل الّذي يحصل كالزّرع والثّمر واللّبن وكراء الأرض وأجرة الدّابّة وما شابه ذلك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّبح‏:‏

2 - الرّبح نماء المال نتيجة البيع والشّراء‏.‏ والمرابحة بيع السّلعة بالثّمن الأوّل مع زيادةٍ‏.‏ أمّا الرّيع فهو ما يكون ممّا تخرجه الأرض من زرعٍ، أو الشّجر من ثمرٍ، أو ما يكون من كراء الحيوان والعقار‏.‏

ما يتعلّق بالرّيع من أحكامٍ

3 - يتعلّق بالرّيع بعض الأحكام ومن ذلك‏:‏ أوّلًا‏:‏ إيراد بعض العقود عليه سواء أكان موجودًا أم معدومًا وذلك كالوقف والوصيّة والمساقاة والمزارعة وما أشبه ذلك‏.‏ وبيان ذلك فيما يأتي‏:‏

أ - الوقف‏:‏

4 - الوقف عبارة عن تحبيس الأصل والتّصدّق بالرّيع، ففي الصّحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏.‏ قال‏:‏ ‏{‏أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى للنّبيّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّي أصبت أرضًا بخيبر، لم أصب مالًا قطّ هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به ‏؟‏ قال‏:‏ إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها‏.‏ قال‏:‏ فتصدّق بها عمر، أنّه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث، ولا يوهب‏.‏ قال‏:‏ فتصدّق عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرّقاب، وفي سبيل اللّه، وابن السّبيل، والضّيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا، غير متموّلٍ فيه‏}‏‏.‏ وإذا لزم الوقف أصبح ريعه - إن كان له ريع - من حقّ الموقوف عليهم وملكًا لهم، سواء أكانوا معيّنين، أم غير معيّنين كالفقراء والمساكين‏.‏ ويتّبع في صرف الرّيع للمستحقّين شرط الواقف‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

اشتراط الواقف الغلّة لنفسه

5 - اختلف الفقهاء في اشتراط الواقف الغلّة أو بعضها لنفسه، فعند المالكيّة والشّافعيّة ومحمّدٍ من الحنفيّة وروايةٍ عن الإمام أحمد أنّه لا يجوز ذلك‏;‏ لأنّ الوقف يقتضي حبس العين وتمليك المنفعة، والعين محبوسة ومنفعتها تكون مملوكةً له فلم يكن للوقف معنًى‏.‏ وعند أبي يوسف من الحنفيّة، وهو الأظهر والصّواب عند الحنابلة، أنّه يجوز أن يشترط الواقف غلّة الوقف لنفسه، أو أن ينفق منه على نفسه لما روى أحمد قال‏:‏ سمعت ابن عيينة عن ابن طاوسٍ عن أبيه عن حجرٍ المدريّ ‏{‏أنّ في صدقة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يأكل منها أهله بالمعروف غير المنكر‏}‏، ولا يحلّ ذلك إلاّ بالشّرط فدلّ ذلك على جوازه‏;‏ ولأنّ الوقف إزالة الملك إلى اللّه تعالى على وجه القربة، ولأنّ عمر رضي الله عنه لمّا وقف قال‏:‏ ولا بأس على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقًا غير متموّلٍ فيه، وكان الوقف في يده إلى أن مات، ولأنّه إذا وقف وقفًا عامًّا كالمساجد والسّقايات والرّباطات والمقابر كان له الانتفاع به فكذلك هاهنا‏.‏ وهذا في الجملة وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

هل يزكّى ريع الوقف وعلى من تجب زكاته‏؟‏

6 - غلّة الأرض الموقوفة وثمار البساتين، إن كان الوقف على قومٍ بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثّمرة أو الحبّ نصاب ففيه الزّكاة، لأنّه استغلّ من أرض الوقف أو شجره نصابًا فلزمته زكاته كغير الوقف، والملك فيها تامّ وله التّصرّف فيها بجميع أنواع التّصرّفات وتورث عنه‏.‏ وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وروي عن طاوسٍ ومكحولٍ أنّه لا زكاة في ذلك، لأنّ الأرض ليست مملوكةً لهم، فلم تجب عليهم زكاة في الخارج منها كالمساكين‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ إن شرط الواقف تقديم العشر أو الخراج وسائر المؤن، وجعل للموقوف عليه الفاضل، عمل بشرط الواقف ولم يكن للموقوف عليه أن يؤجّرها‏;‏ لأنّه لو جاز كان كلّ الأجر له بحكم العقد فيفوت شرط الواقف، ولو لم يشترط الواقف شيئًا كان العشر أو الخراج على الموقوف عليه‏.‏ وإن كان الوقف على جهةٍ عامّةٍ كالمساجد والرّبط والقناطر والفقراء والمساكين ونحو ذلك فلا زكاة فيها، ولا فيما يحصل في أيدي المساكين، سواء حصل في يد بعضهم نصاب من الحبوب والثّمار أو لم يحصل‏;‏ لأنّ الوقف على المساكين لا يتعيّن لواحدٍ منهم، بدليل أنّ كلّ واحدٍ منهم يجوز حرمانه والدّفع إلى غيره، وإنّما ثبت الملك فيه بالدّفع والقبض لما أعطيه من غلّته ملكًا مستأنفًا، فلم تجب عليه فيه زكاة كالّذي يدفع إليه من الزّكاة‏.‏ وهذا عند الحنابلة وهو الصّحيح المشهور من نصوص الشّافعيّ‏.‏ وعند الحنفيّة والمالكيّة تجب الزّكاة إذا بلغت نصابًا‏;‏ لأنّ المالك للأرض غير معتبرٍ في العشر والثّمار كما يقول الحنفيّة‏.‏ وعلى ذلك فإنّ الزّكاة تخرج أوّلًا بمعرفة من يلي الوقف، ثمّ يفرّق الباقي على الموقوف عليهم بالاجتهاد كما يقول المالكيّة‏.‏ وإن كان الموقوف ماشيةً لتفرقة لبنها أو صوفها أو نسلها، فعند المالكيّة تجب الزّكاة فيها على ملك الواقف ولا فرق بين كون الموقوف عليهم معيّنين أو غير معيّنين‏.‏ ولا زكاة فيها عند الشّافعيّة والحنابلة إن كانت على جهةٍ عامّةٍ كالفقراء والمساكين، وإن كانت على معيّنٍ ففي الأصحّ عند الشّافعيّة‏:‏ لا تجب فيها الزّكاة وهو اختيار بعض الحنابلة لضعف الملك‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

ب - ‏(‏الوصيّة‏)‏‏:‏

7 - تجوز الوصيّة بغلّة العبد والدّار والأرض والشّجر لمعيّنٍ أو لغير معيّنٍ، وسواء أوصى بذلك مع الرّقبة أو أوصى بالغلّة فقط، وسواء أكانت الغلّة موجودةً وقت الوصيّة، أو كانت معدومةً كالوصيّة بما تحمل الشّجرة من ثمارٍ، لأنّ المعدوم يصحّ تملّكه بعقد السّلم والمساقاة والإجارة والوقف، فكذا يجوز بالوصيّة‏.‏ وهذا باتّفاقٍ في الجملة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

ج - المساقاة‏:‏

8 - المساقاة هي أن يدفع الرّجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزءٍ معلومٍ له من ثمره‏.‏ والأصل في جوازها ما روى عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏{‏عامل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرعٍ‏}‏‏.‏ وأجازها جمهور الفقهاء استدلالًا بهذا الحديث الّذي رواه ابن عمر وخالف أبو حنيفة فلم يجزها، واستدلّ بما روى مسلم عن رافع بن خديجٍ قال‏:‏ ‏{‏وطواعية اللّه ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثّلث والرّبع والطّعام المسمّى‏.‏ وأمر ربّ الأرض أن يزرعها أو يزرعها وكره كراءها، وما سوى ذلك‏}‏‏.‏ وفي روايةٍ لأبي داود‏:‏ ‏{‏من كانت له أرض فليزرعها، أو فليزرعها أخاه، ولا يكاريها بثلثٍ ولا بربعٍ، ولا بطعامٍ مسمًّى‏}‏‏.‏ وهذا متأخّر عمّا كانوا يعتقدونه من الإباحة ويعملونه فاقتضى نسخه‏;‏ لأنّه استئجار بأجرةٍ مجهولةٍ معدومةٍ وذلك مفسد‏;‏ ولأنّه استئجار ببعض ما يحصل من عمله فلا يجوز كقفيز الطّحّان‏.‏ لكنّ جمهور الفقهاء اختلفوا فيما تجوز فيه المساقاة وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏مساقاة‏)‏

د - ‏(‏المزارعة‏)‏‏:‏

9 - المزارعة عقد على الزّرع ببعض الخارج، وهي جائزة عند الجمهور غير أبي حنيفة، والاستدلال فيها كالاستدلال في المساقاة‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏مزارعة‏)‏‏.‏

ضمان الرّيع

10 - يظهر ضمان الرّيع في حالة الغصب، وهو الاستيلاء على مال الغير بغير حقٍّ، وهو محرّم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم‏}‏‏.‏ ويجب على الغاصب ردّ المغصوب لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي‏}‏‏.‏ كما أنّ غلّة المغصوب من ثمر نخلٍ أو شجرٍ، أو تناسل حيوانٍ أو صوفٍ جزّ، أو لبنٍ حلب يجب ردّ ذلك كلّه مع المغصوب، فإن أكله الغاصب أو تلف منه شيء عنده ضمنه، لأنّه نماء ملك المغصوب منه فكان على الغاصب ردّه إن كان باقيًا، وبدله إن كان تالفًا‏.‏ وهذا عند الجمهور ‏(‏الشّافعيّة والحنابلة وهو المشهور عند المالكيّة‏)‏‏.‏ وعند الحنفيّة‏:‏ زوائد الغصب أمانة في يد الغاصب لا تضمن إلاّ بالتّعدّي أو بالمنع بعد الطّلب‏.‏ وهذا في الجملة‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏غصب‏)‏‏.‏

زكاة الرّيع

11 - ما تخرجه الأرض من زرعٍ وما تحمله الأشجار من ثمارٍ تجب فيه الزّكاة على التّفصيل الّذي ذكره الفقهاء‏.‏ وزكاة الزّروع والثّمار فرض لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتوا حقّه يوم حصاده‏}‏، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالسّانية نصف العشر‏}‏‏.‏ وسبب فرضيّة الزّكاة في الزّروع‏:‏ الأرض النّامية بالخارج حقيقةً، حتّى إنّ الأرض لو لم تخرج شيئًا لم تجب زكاة‏;‏ لأنّ الواجب جزء من الخارج، وإيجاب جزءٍ من الخارج ولا خارج محال، كما أنّه يشترط أن يكون الخارج من الأرض ممّا يقصد بزراعته نماء الأرض وتستغلّ به الأرض عادةً، فلا عشر في الحطب والحشيش‏;‏ لأنّ هذه الأشياء لا تستنمى بها الأرض ولا تستغلّ بها عادةً‏;‏ لأنّ الأرض لا تنمو بها، بل تفسد، فلم تكن نماء الأرض‏.‏ وانظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

ريق

انظر‏:‏ صوم، سؤر

زاغ

انظر‏:‏ أطعمة‏.‏

زبل

التّعريف

1 - الزّبل لغةً‏:‏ السّرقين، وهما فضلة الحيوان الخارجة من الدّبر، والمزبلة مكان طرح الزّبل وموضعه، والجمع مزابل‏.‏ ويستعمل الفقهاء هذا اللّفظ بنفس المعنى اللّغويّ‏.‏ وفسّر الحصكفيّ والبهوتيّ السّرقين بالزّبل، وفي الشّرنبلاليّة‏:‏ هو رجيع ‏(‏فضلة‏)‏ ما سوى الإنسان‏.‏ والسّرقين أصلها‏:‏ ‏(‏سركين‏)‏ بالكاف فعرّبت إلى الجيم والقاف، فيقال سرجين وسرقين، والرّوث والسّرقين لفظان مترادفان‏.‏ وعن الأصمعيّ أنّ السّرقين الرّوث‏.‏ ونقل ابن عابدين أنّ السّرقين هو رجيع ما سوى الإنسان‏.‏ ويختلف الزّبل عن كلٍّ من الرّوث، والخثي، والبعر، والخرء، والنّجو، والعذرة‏.‏ فالرّوث للفرس والبغل والحمار، والخثي للبقر والفيل، والبعر للإبل والغنم، والذّرق للطّيور، والنّجو للكلب، والعذرة للإنسان، والخرء للطّير والكلب والجرذ والإنسان‏.‏ وقد يستعمل بعض هذه الألفاظ مكان بعضٍ توسّعًا‏.‏

حكم الزّبل من حيث الطّهارة والنّجاسة

اختلف الفقهاء في حكم طهارته وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏روث‏)‏‏.‏

الصّلاة في المزبلة

2 - يرى الحنفيّة والشّافعيّة كراهة الصّلاة في المزبلة إذا لم تكن بها نجاسة‏.‏ وجازت الصّلاة بمزبلةٍ عند المالكيّة إذا أمنت من النّجس - بأن جزم أو ظنّ طهارتها - أمّا إذا تحقّقت نجاستها أو ظنّت فلا تجوز الصّلاة فيها، وإذا صلّى أعاد أبدًا، وإن شكّ في نجاستها أعاد في الوقت على الرّاجح بناءً على ترجيح الأصل على الغالب وهو قول مالكٍ، وقال ابن حبيبٍ‏:‏ يعيد أبدًا ترجيحًا للغالب على الأصل‏.‏ وذهب الحنابلة إلى عدم صحّة الصّلاة في المزبلة ولو طاهرةً‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ صلاة‏)‏‏.‏

الصّلاة بالثّوب المصاب بالزّبل

3 - الزّبل منه ما هو طاهر، كذرق الطّيور ممّا يؤكل لحمه عند جمهور الفقهاء، وفضلة سائر الحيوانات الّتي يؤكل لحمها عند المالكيّة والحنابلة، فإذا أصاب شيء منها بدن الإنسان أو ثوبه لا ينجّسه، ولا تفسد صلاته عندهم‏.‏ أمّا الزّبل النّجس، كفضلة الحيوانات الّتي لا يؤكل لحمها، وكذلك فضلة الحيوانات مأكولة اللّحم عند من يقول بنجاستها ففيه ما يأتي من التّفصيل‏:‏ قال الحنفيّة‏:‏ النّجاسة الغليظة يعفى عنها في الصّلاة قدر الدّرهم فأقلّ، والخفيفة يعفى عنها قدر ربع الثّوب فأقلّ، وللتّمييز بينهما ‏(‏ر‏:‏ نجاسة‏)‏‏.‏ فإذا أصاب الثّوب من الرّوث أو من أخثاء البقر أكثر من قدر الدّرهم لم تجز الصّلاة فيه عند أبي حنيفة، لأنّ النّصّ الوارد فيه وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏هذا رجس أو ركس‏}‏ لم يعارضه غيره، فيكون من النّجاسة الغليظة‏.‏ وقال أبو يوسف ومحمّد‏:‏ يجزئه الصّلاة حتّى يفحش، أي يصل ربع الثّوب‏;‏ لأنّ للاجتهاد فيه مساغًا فيثبت التّخفيف في نجاستها‏.‏ ولأنّ فيه ضرورةً لعدم خلوّ الطّرق فيه‏.‏ وإن أصابه خرء ما لا يؤكل لحمه من الطّيور كالصّقر والبازي والحدأة وكان أكثر من قدر الدّرهم جازت الصّلاة فيه عند أبي حنيفة وأبي يوسف‏;‏ لأنّها تذرق من الهواء والتّحامي عنها متعذّر فتحقّقت الضّرورة‏.‏ وقال محمّد‏:‏ لا تجوز‏;‏ لأنّ التّخفيف للضّرورة، ولا ضرورة هنا لعدم المخالطة‏.‏

اقتناء الزّبل واستعماله

4 - الزّبل الطّاهر يجوز اقتناؤه، واستعماله في الزّراعة والتّسخين وإنضاج الخبز ونحوها‏.‏ واختلفوا في الزّبل النّجس‏.‏ فقال الحنفيّة‏:‏ يجوز اقتناؤه واستعماله في تنمية الزّرع وإنضاج الخبز ونحوهما‏.‏ كذلك يجوز الاستفادة من الزّبل واقتناؤه للزّراعة عند الشّافعيّة لكنّه يكره ذلك عندهم‏.‏ وقالوا‏:‏ الزّرع النّابت على الزّبل ليس بنجس العين، لكن ينجس بملاقاة النّجاسة فإذا غسل طهر، وإذا سنبل فحبّاته الخارجة طاهرة‏.‏ والأصل عند المالكيّة أنّه لا يجوز الانتفاع بنجسٍ، لكنّهم استثنوا منه أشياء منها‏:‏ جعل عذرةٍ بماء سقي الزّرع فيجوز عندهم، والمعتمد عندهم أنّ الخبز المخبوز على نار الرّوث النّجس طاهر ولو تعلّق به شيء من الرّماد‏.‏ ولم نعثر للحنابلة على كلامٍ في استعمال الزّبل، لكنّهم صرّحوا بعدم جواز بيع الزّبل النّجس، كما سيأتي في الفقرة التّالية‏.‏

بيع الزّبل

5 - يرى الحنفيّة جواز بيع الزّبل لاتّفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على بيعه من غير إنكارٍ، ولأنّه يجوز الانتفاع به، فجاز بيعه كسائر الأشياء‏.‏ وذكر ابن عرفة في بيع الزّبل ثلاثة أقوالٍ للمالكيّة‏:‏

أ - المنع، وهو قياس ابن القاسم للزّبل على العذرة في المنع عند مالكٍ‏.‏

ب - الجواز، وهو قول لابن القاسم‏.‏

ج - الجواز للضّرورة، وهو قول أشهب‏.‏ وتزاد الكراهة على ظاهر المدوّنة وفهم أبي الحسن‏.‏ هذا والعمل عند المالكيّة على جواز بيع الزّبل دون العذرة للضّرورة‏.‏ قال الحطّاب‏:‏ واعلم أنّ القول بالمنع هو الجاري على أصل المذهب في المنع من بيع النّجاسات، والقول بالجواز لمراعاة الضّرورة‏.‏ ومن قال بالكراهة تعارض عنده الأمران، ورأى أنّ أخذ الثّمن عن ذلك ليس من مكارم الأخلاق‏.‏ والقول الآخر رأى أنّ العلّة في الجواز إنّما هي الاضطرار، فلا بدّ من تحقّقها بوجود الاضطرار إليه‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ بيع زبل البهائم المأكولة وغيرها باطل وثمنه حرام‏.‏ واستدلّوا بحديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏إنّ اللّه إذا حرّم على قومٍ شيئًا حرّم عليهم ثمنه‏}‏‏.‏ ولأنّ الزّبل نجس العين فلم يجز بيعه كالعذرة‏.‏ ويرى الحنابلة عدم صحّة بيع الزّبل النّجس بخلاف الطّاهر منه، كروث الحمام، وبهيمة الأنعام‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ نجاسة، وبيع منهيّ عنه‏)‏‏.‏

زبور

التّعريف

1 - الزّبور‏:‏ فعول من الزّبر، وهو الكتابة، بمعنى المزبور أي‏:‏ المكتوب‏.‏ وجمعه‏:‏ زبر‏.‏ والزّبور‏:‏ كتاب داود على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام، كما أنّ التّوراة هي المنزّلة على موسى عليه الصلاة والسلام، والإنجيل هو المنزّل على عيسى عليه الصلاة والسلام‏.‏ والقرآن المنزّل على محمّدٍ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وآتينا داود زبورًا‏}‏‏.‏ وكان مائةً وخمسين سورةً، ليس فيها حكم، ولا حلال، ولا حرام، وإنّما هي حكم ومواعظ، والتّحميد والتّمجيد والثّناء على اللّه تعالى، كما قال القرطبيّ‏.‏

الحكم الإجماليّ

أوّلًا‏:‏ مسّ الزّبور للمحدث

2 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز مسّ القرآن للمحدث، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يمسّه إلاّ المطهّرون‏}‏‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر‏}‏‏.‏ وألحق بعض الفقهاء به كتب التّفسير إذا كان القرآن فيه أكثر‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ مصحف‏)‏‏.‏ أمّا الكتب السّماويّة الأخرى، كالتّوراة والإنجيل والزّبور فاختلفوا فيها‏:‏ فقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ لا يكره مسّ التّوراة والإنجيل والزّبور، وزاد الحنابلة‏:‏ وصحف إبراهيم وموسى وشيثٍ إن وجدت‏;‏ لأنّها ليست قرآنًا، والنّصّ إنّما ورد في القرآن‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ إن ظنّ أنّ في التّوراة ونحوها غير مبدّلٍ كره مسّه، ويفهم من هذا أنّ المبدّل منها - وهو الغالب - لا يكره مسّه عندهم‏.‏

ثانيًا‏:‏ وجوب الإيمان بالزّبور

3 - الإيمان بما أوتي النّبيّون من ربّهم واجب من غير تفريقٍ، والزّبور كتاب أنزل على داود عليه الصلاة والسلام كما تقدّم فيجب الإيمان به، كما وجب الإيمان على ما أنزل إلى سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون‏}‏‏.‏ يعني لا نفرّق بينهم بأن نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعضٍ كما فعل اليهود والنّصارى، بل نشهد لجميعهم أنّهم كانوا رسل اللّه وأنبياءه بعثوا بالحقّ والهدى‏.‏ والإيمان الواجب بالزّبور وسائر الكتب المنزّلة قبل القرآن العظيم هو الإيمان بها على ما أنزلت عليه قبل أن يدخل عليها التّحريف‏.‏

زخرفة

التّعريف

1 - الزّخرفة لغةً الزّينة وكمال حسن الشّيء، والزّخرف في الأصل الذّهب، ثمّ سمّيت كلّ زينةٍ زخرفًا‏.‏ والمزخرف المزيّن، وتزخرف الرّجل إذا تزيّن وزخرف البيت أي زيّنه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتّكئون وزخرفًا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ وكلّ ما زوّق أو زيّن فقد زخرف، وزخرف القول، أي المزوّقات من الكلام‏.‏ ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن معناه اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّزويق

2 - الزّوق لغةً الزّينة، وأصله من الزّاووق، والمزوّق المزيّن به، ثمّ كثر حتّى سمّي كلّ مزيّنٍ بشيءٍ مزوّقًا، وزوّقت الكلام والكتاب إذا أحسنته وقوّمته، وفي الحديث‏:‏ ‏{‏إنّه ليس لي أو لنبيٍّ أن يدخل بيتًا مزوّقًا‏}‏‏.‏ أي مزيّنًا ‏"‏

الحكم التّكليفيّ

زخرفة المساجد

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره زخرفة المسجد بذهبٍ أو فضّةٍ، أو نقشٍ، أو صبغٍ، أو كتابةٍ أو غير ذلك ممّا يلهي المصلّي عن صلاته، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك‏.‏ فعن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ما أمرت بتشييد المساجد‏}‏ والتّشييد‏:‏ الطّلاء بالشّيد أي الجصّ، قال ابن عبّاسٍ‏:‏ لتزخرفنّها كما زخرفت اليهود والنّصارى‏.‏ وعن أنسٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏لا تقوم السّاعة حتّى يتباهى النّاس في المساجد‏}‏‏.‏ وروى البخاريّ في صحيحه أنّ عمر رضي الله عنه أمر ببناء مسجدٍ وقال‏:‏ أكنّ النّاس من المطر، وإيّاك أن تحمّر أو تصفّر فتفتن النّاس‏.‏ وقال أبو الدّرداء رضي الله عنه‏:‏ إذا حلّيتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدّبار عليكم‏.‏ ولأنّ ذلك يلهي المصلّي عن الصّلاة بالنّظر إليه فيخلّ بخشوعه‏;‏ ولأنّ هذا من أشراط السّاعة‏.‏ واتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز زخرفة المسجد أو نقشه من مال الوقف، وأنّ الفاعل يضمن ذلك ويغرم القيمة‏;‏ لأنّه منهيّ عنه ولا مصلحة فيه وليس ببناءٍ، قال الحنفيّة‏:‏ إلاّ إذا خيف طمع الظّلمة، كأن اجتمعت عنده أموال المسجد وهو مستغنٍ عن العمارة فلا بأس بزخرفته‏.‏ وكذلك ما لو كانت الزّخرفة لإحكام البناء، أو كان الواقف قد فعل مثله، لقولهم‏:‏ إنّه يعمر الوقف كما كان، فلا بأس به كذلك‏.‏

4 - وذهب بعض الفقهاء ومنهم الحنابلة وأحد الوجهين لدى الشّافعيّة إلى أنّه يحرم زخرفة المسجد بذهبٍ أو فضّةٍ وتجب إزالته كسائر المنكرات‏;‏ لأنّه إسراف، ويفضي إلى كسر قلوب الفقراء، كما يحرم تمويه سقفه أو حائله بذهبٍ أو فضّةٍ، وتجب إزالته إن تحصّل منه شيء بالعرض على النّار، فإن لم يجتمع منه شيء بالعرض على النّار فله استدامته حينئذٍ لعدم الماليّة، فلا فائدة في إتلافه، ولما روي أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا ولي الخلافة أراد جمع ما في مسجد دمشق ممّا موّه به من الذّهب فقيل له‏:‏ إنّه لا يجتمع منه شيء فتركه، وأوّل من ذهّب الكعبة في الإسلام وزخرفها وزخرف المساجد الوليد بن عبد الملك، ولذلك عدّها كثير من العلماء من أقسام البدعة المكروهة‏.‏ وذهب بعض الفقهاء من الشّافعيّة وهو قول عند الحنفيّة‏:‏ إلى استحباب زخرفة المسجد بذهبٍ، أو فضّةٍ، أو نقشٍ، أو صبغٍ، أو كتابةٍ أو غير ذلك لما فيه من تعظيم المسجد وإحياء الشّعائر الإسلاميّة‏.‏ وذهب الحنفيّة في الرّاجح عندهم إلى أنّه لا بأس بزخرفة المسجد أو نقشه بجصٍّ أو ماء ذهبٍ أو نحوهما من الأشياء الثّمينة ما لم يكن ذلك في المحراب أو جدار القبلة‏;‏ لأنّه يشغل قلب المصلّي، وما لم يكن كذلك في حائط الميمنة أو الميسرة، لأنّه أيضًا يلهي المصلّي القريب منه، أمّا زخرفة هذه الأماكن من المسجد فمكروهة عندهم أيضًا‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح ‏(‏مساجد، وقف، ذهب‏)‏‏.‏

ب - زخرفة المصحف‏:‏

5 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو أحد الأقوال لدى الحنابلة إلى جواز زخرفة المصاحف بالذّهب والفضّة وغيرهما تعظيمًا للقرآن وإعزازًا للدّين‏.‏ واتّفق هؤلاء على حرمة الزّخرفة بالذّهب لما عدا المصحف من كتب العلم الأخرى‏.‏ وذهب الحنابلة إلى كراهة زخرفته بذهبٍ أو فضّةٍ لتضييق النّقدين، وإلى حرمة كتابته بذهبٍ أو فضّةٍ، ويؤمر بحكّه، فإن كان يجتمع منه شيء يتموّل به زكّاه إن بلغ نصابًا أو بانضمام مالٍ آخر له، قال أبو الخطّاب‏:‏ يزكّيه إن بلغ نصابًا، وله حكّه وأخذه‏.‏ وإلى هذا ذهب الشّافعيّة في قولٍ، والقول الأصحّ عند الشّافعيّة‏:‏ جواز زخرفته بالذّهب للمرأة والصّبيّ بخلاف الرّجل فلا يجوز له، وتجوز زخرفته بالفضّة للرّجل أو المرأة، وقيل‏:‏ لا يجوز زخرفة المصحف بالذّهب لا للرّجل ولا للمرأة‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏مصحف، ذهب‏)‏

ج - ‏(‏زخرفة البيوت‏)‏‏:‏

6 - ذهب الجمهور إلى حرمة زخرفة البيوت والحوانيت بذهبٍ أو فضّةٍ، أمّا الزّخرفة بغيرها فلا بأس بها ما لم تخرج إلى حدّ الإسراف‏.‏ وكذلك يحرم تمويه السّقف والحائط والجدار‏;‏ لما فيه من الإسراف والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء‏.‏ وتجب إزالته‏;‏ لأنّه منكر من المنكرات، كما تجب زكاته إن بلغ نصابًا بنفسه أو ضمّه إلى غيره، فإن لم يجتمع منه شيء بعرضه على النّار فله استدامته، ولا زكاة فيه لعدم الماليّة‏.‏ وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏نقش‏)‏‏.‏

7- هذا وتجوز الزّخرفة بغير الذّهب والفضّة في الأقمشة والخشب وغير ذلك وسائر الأمتعة ما لم يصل إلى درجة الإسراف‏.‏

زرافة

انظر‏:‏ أطعمة

زرع

التّعريف

1 - الزّرع في اللّغة‏:‏ ما استنبت بالبذر - تسميةً بالمصدر - ومنه يقال‏:‏ حصدت الزّرع أي‏:‏ النّبات، والجمع‏:‏ زروع‏.‏ قال بعضهم‏:‏ ولا يسمّى زرعًا إلاّ وهو غضّ طريّ‏.‏ وقد غلب على البرّ والشّعير، وقيل‏:‏ الزّرع‏:‏ نبات كلّ شيءٍ يحرث، وقيل‏:‏ الزّرع‏:‏ طرح البذر‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الغرس‏:‏

2 - الغرس مصدر غرس يقال‏:‏ غرست الشّجرة غرسًا فالشّجر مغروس وغرس وغراس‏.‏ فالفرق بينه وبين الزّرع، أنّه مختصّ بالشّجر‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالزّرع

إحياء الموات

3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من جملة ما تحيا به الأرض زرعا أو الغرس فيها‏.‏ وقد تقدّم في مصطلح ‏(‏إحياء الموات‏)‏ ‏(‏2 248 - 249‏)‏‏.‏

زكاة الزّروع

4 - أجمعت الأمّة على أنّ الزّكاة واجبة في الزّروع من حيث الجملة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

بيع الزّروع

5 - إذا باع الأرض وأطلق، دخل ما فيها من الزّرع سواء اشتدّ وأمن العاهة أم لا‏;‏ لأنّ الزّرع تابع ولو بيع وحده لم يجز إلاّ بعد اشتداده ليأمن العاهة‏.‏ وإذا باع الزّرع لم تدخّل الأرض‏.‏ ويجوز بيع الأرض واستثناء ما فيها من الزّرع‏.‏ وتفصيله في ‏(‏بيع‏)‏‏.‏

بيع المحاقلة

6 - المحاقلة‏:‏ هي بيع الحنطة في سنبلها بحنطةٍ مثل كيلها خرصًا‏.‏ ولا خلاف بين الفقهاء في أنّ بيع المحاقلة غير صحيح، إذ هو فاسد عند الحنفيّة باطل عند الجمهور، وتفصيله في ‏(‏بيع‏)‏ ‏(‏9 138، 168‏)‏‏.‏

بيع ما يكمن في الأرض

7 - اختلف الفقهاء في بيع ما يكمن في الأرض من الزّرع قبل قلعه، كالبصل، والثّوم، ونحوهما، فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى عدم الجواز‏.‏ وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى الجواز بشرطٍ‏.‏ وقد سبق تفصيله في مصطلح ‏(‏جهالة 9 170 - 171‏)‏‏.‏

إتلاف الزّرع

8 - فرّق الفقهاء بين ما تتلفه الدّوابّ من الزّروع نهارًا وبين ما تتلفه ليلًا، فذهب الجمهور إلى أنّ الإتلاف إذا كان ليلًا ضمن صاحب الدّوابّ‏;‏ لأنّ فعلها منسوب إليه‏.‏ وأمّا إذا وقع الإتلاف نهارًا، وكانت الدّوابّ وحدها فلا ضمان على صاحبها عند الجمهور، لأنّ العادة الغالبة حفظ الزّرع نهارًا من قبل صاحبه‏.‏ وقد سبق الكلام على هذا في مصطلح ‏(‏إتلاف 1 224‏)‏‏.‏

زعامة

انظر‏:‏ إمارة، إمامة، خلافة، كفالة

زعفران

التّعريف

1 - الزّعفران نبات بصليّ مقمر من الفصيلة السّوسنيّة منه أنواع برّيّ ونوع صيفيّ طبّيّ مشهور‏.‏ وزعفرت الثّوب صبغته فهو مزعفر‏.‏

الحكم الإجماليّ لاستعمال الزّعفران

أ - حكم المياه الّتي خالطها طاهر كالزّعفران‏:‏

2 - اتّفق الأئمّة على أنّ الماء الّذي خالطه الزّعفران أو غيره من الأشياء الطّاهرة الّتي تنفكّ عن الماء غالبًا متى غيّرت أحد أوصافه الثّلاثة، فإنّه طاهر‏.‏ ولكنّهم اختلفوا في طهوريّته، فذهب الجمهور إلى أنّه غير مطهّرٍ لأنّه لا يتناوله اسم الماء المطلق لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا‏}‏‏.‏ فالماء هنا على إطلاقه، وأمّا المخالط فيضاف إلى الشّيء الّذي خالطه، فيقال مثلًا‏:‏ ماء زعفرانٍ، أو ريحانٍ‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه مطهّر ما لم يكن التّغيّر عن طبخٍ‏.‏ أمّا المتغيّر بالطّبخ مع شيءٍ طاهرٍ فقد أجمعوا على أنّه لا يجوز الوضوء ولا التّطهّر به‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ مياه‏)‏‏.‏

ب - الاختضاب بالزّعفران‏:‏

3 - يستحبّ الاختضاب بالزّعفران لحديث أبي مالكٍ الأشجعيّ عن أبيه، قال‏:‏ ‏{‏كان خضابنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الورس والزّعفران‏}‏ وعن أبي ذرٍّ ورفعه ‏{‏إنّ أحسن ما غيّرتم به الشّيب الحنّاء والكتم‏}‏‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ الحديث يدلّ على أنّ الخضاب غير مقصورٍ عليهما بل يشاركهما غيرهما من أنواع الخضاب في أصل الحسن‏.‏ ولحديث أبي أمامة قال‏:‏ ‏{‏خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على شيخةٍ من الأنصار بيض لحاهم فقال‏:‏ يا معشر الأنصار حمّروا وصفّروا وخالفوا أهل الكتاب‏}‏، والصّفرة هي أثر الزّعفران‏.‏ واتّفق الأئمّة على جواز خضب رأس الصّبيّ بالزّعفران وبالخلوق ‏(‏قال بعض الفقهاء‏:‏ هو طيب مائع فيه صفرة‏)‏ وقال ابن حجرٍ‏:‏ الخلوق طيب يصنع من زعفرانٍ وغيره‏.‏ وفي حديث بريدة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏كنّا في الجاهليّة إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاةً ولطّخ رأسه بدمها، فلمّا جاء اللّه بالإسلام كنّا نذبح شاةً ونحلق رأسه ونلطّخه بزعفرانٍ‏}‏

تزعفر الرّجل

4 - الأصل جواز التّزعفر للمرأة‏.‏ أمّا الرّجل فقد نقل البيهقيّ عن الشّافعيّ أنّه قال‏:‏ أنهى الرّجل الحلال بكلّ حالٍ أن يتزعفر، وآمره إذا تزعفر أن يغسله، وأرخّص في المعصفر، لأنّني لم أجد أحدًا يحكي عنه إلاّ ما قال عليّ رضي الله عنه‏:‏ نهاني ولا أقول نهاكم‏.‏ وقال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ بكراهة لبس الثّياب المصبوغة بالزّعفران والمعصفر للرّجال للأحاديث الواردة، منها حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال‏:‏ رأى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين، فقال‏:‏ ‏{‏إنّ هذه من ثياب الكفّار فلا تلبسها‏}‏‏.‏ وقد حملوا النّهي على الكراهة لا على التّحريم، وهو مشهور، لقول أنسٍ رضي الله عنه‏:‏ ‏{‏رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على عبد الرّحمن بن عوفٍ أثر صفرةٍ فقال‏:‏ ما هذا ‏؟‏ قال‏:‏ إنّي تزوّجت امرأةً على وزن نواةٍ من ذهبٍ فقال‏:‏ بارك اللّه لك‏.‏ أولم ولو بشاةٍ‏}‏‏.‏‏.‏ وقد روي عن مالكٍ أنّه رخّص في لبس المزعفر والمعصفر في البيوت وكرهه في المحافل والأسواق‏.‏ وعن أنسٍ قال‏:‏ ‏{‏دخل رجل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرةٍ فكره ذلك، وقلّما كان يواجه أحدًا بشيءٍ يكرهه، فلمّا قام قال‏:‏ لو أمرتم هذا أن يترك هذه الصّفرة‏}‏‏.‏ وهذا دليل على أنّ لبس هذين لا يعدو الكراهة، فلو كان محرّمًا لأمره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يغسله ولما سكت عن نصحه وإرشاده‏.‏ هذا والكراهة لمن تزعفر في بدنه أشدّ من الكراهة لمن تزعفر في ثوبه، لحديث أنسٍ رضي الله عنه ‏{‏نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرّجل‏}‏‏.‏ ولأبي داود من حديث عمّارٍ قال‏:‏ ‏{‏قدمت على أهلي ليلًا وقد تشقّقت يداي، فخلقوني بالزّعفران، فغدوت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ ولم يرحّب بي‏.‏ وقال‏:‏ اذهب فاغسل هذا عنك، ثمّ قال‏:‏ لا تحضر الملائكة جنازة الكافر بخيرٍ، ولا المتضمّخ بالزّعفران، ولا الجنب‏}‏‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ ألبسة‏)‏

أكل الزّعفران

5 - يحرم أكل كثير الزّعفران لأنّه يزيل العقل، وقد صرّح الشّافعيّة بذلك وعدّوه من المسكرات الجامدة الّتي تحرم، ولا حدّ فيها، بل فيها التّعزير‏.‏ وهي طاهرة في ذاتها بخلاف المائعات من المسكرات‏.‏

هـ - أكل الزّعفران في الإحرام‏:‏

6 - يحظر أكل الزّعفران خالصًا أو شربه للمحرم عند الأئمّة اتّفاقًا‏;‏ لأنّه نوع من الطّيب‏.‏ أمّا إذا خلط بطعامٍ قبل الطّبخ وطبخه معه فلا شيء عليه قليلًا كان أو كثيرًا، عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ وكذا عند الحنفيّة لو خلطه بطعامٍ مطبوخٍ بعد الطّبخ فإنّه لا شيء على المحرم في أكله‏.‏ أمّا إذا خلطه بطعامٍ غير مطبوخٍ، فإن كان الطّعام غالبًا فلا شيء عليه ولا فدية إن لم توجد الرّائحة، وإلاّ يكره عندهم عند وجود الرّائحة الطّيّبة‏.‏ وإن كان الطّيب غالبًا وجب في أكله الدّم سواء ظهرت رائحته أو لم تظهر، كخلط الزّعفران بالملح‏.‏ وأمّا عند المالكيّة فكلّ طعامٍ خلط بعد الطّبخ بالزّعفران فهو محظور على المحرم في كلّ الصّور وفيه الفدية‏.‏ وعند الحنفيّة والمالكيّة، إن خلط الزّعفران بمشروبٍ، وجب فيه الجزاء قليلًا كان الطّيب أو كثيرًا‏.‏ وعند الشّافعيّة والحنابلة، إذا خلط الزّعفران بغيره من طعامٍ أو شرابٍ، ولم يظهر له ريح أو طعم فلا حرمة ولا فدية، وإلاّ ففيه الحرمة وعليه الفدية‏.‏

و - حكم لبس المزعفر من الثّياب أثناء الإحرام‏:‏

7 - أجمع العلماء على أنّ المحرم لا يجوز له أن يلبس الثّوب المصبوغ بالورس والزّعفران، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فيما يلبس المحرم من الثّياب‏:‏ ‏{‏ولا تلبسوا من الثّياب شيئًا مسّه زعفران أو ورس‏}‏‏.‏ ويلتحق بالثّياب الجلوس على فراشٍ مزعفرٍ أو مطيّبٍ بزعفرانٍ‏.‏ ولا يضع عليه ثوبًا مزعفرًا، ولو علق بنعاله زعفران أو طيب وجب أن يبادر إلى نزعه‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ ألبسة - ب فقرة 14 وإحرام‏)‏‏.‏

ي - التّداوي بالزّعفران في الإحرام‏:‏

8 - التّداوي ملتحقة أحكامه بالطّعام، وقد فصّل الأحناف في الطّيب الّذي لا يؤكل بأنّ على المتداوي إحدى الكفّارات الثّلاث أيّها شاء، إذا فعله المحرم لضرورةٍ وعذرٍ‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إحرام‏)‏‏.‏

زعيم

انظر‏:‏ كفالة، إمامة، إمارة‏.‏

زفاف

انظر‏:‏ عرس‏.‏

زكاة‏.‏

التّعريف

1 - الزّكاة لغةً‏:‏ النّماء والرّيع والزّيادة، من زكا يزكو زكاةً وزكاءً، ومنه قول عليٍّ رضي الله عنه‏:‏ العلم يزكو بالإنفاق‏.‏ والزّكاة أيضًا الصّلاح، قال اللّه تعالى ‏{‏فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً‏}‏‏.‏ قال الفرّاء‏:‏ أي صلاحًا، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحدٍ أبدًا‏}‏ أي ما صلح منكم ‏{‏ولكنّ اللّه يزكّي من يشاء‏}‏ أي يصلح من يشاء‏.‏ وقيل لما يخرج من حقّ اللّه في المال ‏"‏ زكاة ‏"‏، لأنّه تطهير للمال ممّا فيه من حقٍّ، وتثمير له، وإصلاح ونماء بالإخلاف من اللّه تعالى‏.‏ وزكاة الفطر طهرة للأبدان‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ يطلق على أداء حقٍّ يجب في أموالٍ مخصوصةٍ، على وجهٍ مخصوصٍ ويعتبر في وجوبه الحول والنّصاب‏.‏ وتطلق الزّكاة أيضًا على المال المخرج نفسه، كما في قولهم‏:‏ عزل زكاة ماله، والسّاعي يقبض الزّكاة‏.‏ ويقال‏:‏ زكّى ماله أي أخرج زكاته، والمزكّي‏:‏ من يخرج عن ماله الزّكاة‏.‏ والمزكّي أيضًا‏:‏ من له ولاية جمع الزّكاة‏.‏ وقال ابن حجرٍ‏:‏ قال ابن العربيّ‏:‏ إنّ الزّكاة تطلق على الصّدقة الواجبة والمندوبة، والنّفقة والحقّ، والعفو‏.‏ ثمّ ذكر تعريفها في الشّرع‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّدقة‏:‏

2 - الصّدقة‏:‏ تطلق بمعنيين‏:‏ الأوّل‏:‏ ما أعطيته من المال قاصدًا به وجه اللّه تعالى فيشمل ما كان واجبًا وهو الزّكاة، وما كان تطوّعًا‏.‏ والثّاني‏:‏ أن تكون بمعنى الزّكاة، أي في الحقّ الواجب خاصّةً، ومنه الحديث‏:‏ ‏{‏ليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة‏}‏‏.‏ والمصدق - بفتح الصّاد مخفّفةً - هو السّاعي الّذي يأخذ الحقّ الواجب في الأنعام، يقال‏:‏ جاء السّاعي فصدق القوم، أي أخذ منهم زكاة أنعامهم‏.‏ والمتصدّق والمصّدّق - بتشديد الصّاد - هو معطي الصّدقة‏.‏

ب - العطيّة‏:‏

3 - العطيّة‏:‏ هي ما أعطاه الإنسان من ماله لغيره، سواء كان يريد بذلك وجه اللّه تعالى، أو يريد به التّودّد، أو غير ذلك، فهي أعمّ من كلٍّ من الزّكاة والصّدقة والهبة ونحو ذلك‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - الزّكاة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركان الدّين‏.‏ وقد دلّ على وجوبها الكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏ فمن الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فإخوانكم في الدّين‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون‏}‏‏.‏ وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ما أدّيت زكاته فليس بكنزٍ‏}‏ ومن السّنّة قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏بني الإسلام على خمسٍ‏}‏ وذكر منها إيتاء الزّكاة ‏{‏وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يرسل السّعاة ليقبضوا الصّدقات، وأرسل معاذًا إلى أهل اليمن، وقال له‏:‏ أعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقةً في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم‏}‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏من آتاه اللّه مالًا فلم يؤدّ زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثمّ يقول‏:‏ أنا مالك، أنا كنزك‏}‏‏.‏ وأمّا الإجماع فقد أجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها من حيث الجملة، واتّفق الصّحابة رضي الله عنهم على قتال مانعيها‏.‏ فقد روى البخاريّ أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ لمّا توفّي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكرٍ رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ كيف تقاتل النّاس وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا‏:‏ لا إله إلاّ اللّه‏.‏ فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه وحسابه على اللّه‏}‏‏.‏ فقال أبو بكرٍ‏:‏ واللّه لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة، فإنّ الزّكاة حقّ المال‏.‏ واللّه لو منعوني عناقًا كانوا يؤدّونها إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر‏:‏ فواللّه ما هو إلاّ أن قد شرح اللّه صدر أبي بكرٍ رضي الله عنه، فعرفت أنّه الحقّ‏.‏

أطوار فرضيّة الزّكاة

5 - إيتاء الزّكاة كان مشروعًا في ملل الأنبياء السّابقين، قال اللّه تعالى في حقّ إبراهيم وآله عليهم الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏وجعلناهم أئمّةً يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وكانوا لنا عابدين‏}‏‏.‏ وشرع للمسلمين إيتاء الصّدقة للفقراء، منذ العهد المكّيّ، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فكّ رقبةٍ أو إطعام في يومٍ ذي مسغبةٍ يتيمًا ذا مقربةٍ أو مسكينًا ذا متربةٍ‏}‏ وبعض الآيات المكّيّة جعلت للفقراء في أموال المؤمنين حقًّا معلومًا، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والّذين في أموالهم حقّ معلوم للسّائل والمحروم‏}‏‏.‏ وقال ابن حجرٍ‏:‏ اختلف في أوّل فرض الزّكاة فذهب الأكثرون إلى أنّه وقع بعد الهجرة، وادّعى ابن خزيمة في صحيحه أنّ فرضها كان قبل الهجرة‏.‏ واحتجّ بقول جعفرٍ للنّجاشيّ‏:‏ ‏{‏ويأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام‏}‏ ويحمل على أنّه كان يأمر بذلك في الجملة، ولا يلزم أن يكون المراد هذه الزّكاة المخصوصة ذات النّصاب والحول‏.‏ قال‏:‏ وممّا يدلّ على أنّ فرض الزّكاة وقع بعد الهجرة اتّفاقهم على أنّ صيام رمضان إنّما فرض بعد الهجرة‏;‏ لأنّ الآية الدّالّة على فرضيّته مدنيّة بلا خلافٍ، وثبت من حديث قيس بن سعدٍ قال‏:‏ ‏{‏أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزّكاة، ثمّ نزلت فريضة الزّكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله‏}‏‏.‏

فضل إيتاء الزّكاة

6 - يظهر فضل الزّكاة من أوجهٍ‏:‏

1 - اقترانها بالصّلاة في كتاب اللّه تعالى، فحيثما ورد الأمر بالصّلاة اقترن به الأمر بالزّكاة، من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه‏}‏‏.‏ ومن هنا قال أبو بكرٍ في قتال مانعي الزّكاة‏:‏ واللّه لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة، إنّها لقرينتها في كتاب اللّه‏.‏

2 - أنّها ثالث أركان الإسلام الخمسة، لما في الحديث ‏{‏بني الإسلام على خمسٍ‏:‏ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت‏}‏‏.‏

3 - أنّها من حيث هي فريضة أفضل من سائر الصّدقات لأنّها تطوّعيّة، وفي الحديث القدسيّ ‏{‏ما تقرّب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه‏}‏‏.‏ أمّا فضل إيتاء الزّكاة من حيث هي صدقة من الصّدقات فيأتي في مباحث‏:‏ ‏(‏صدقة التّطوّع‏)‏‏.‏

حكمة تشريع الزّكاة

7 - أ - أنّ الصّدقة وإنفاق المال في سبيل اللّه يطهّران النّفس من الشّحّ والبخل، وسيطرة حبّ المال على مشاعر الإنسان، ويزكّيه بتوليد مشاعر الموادّة، والمشاركة في إقالة العثرات، ودفع حاجة المحتاجين، أشار إلى ذلك قول اللّه تعالى‏.‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها‏}‏، وفيها من المصالح للفرد والمجتمع ما يعرف في موضعه، ففرض اللّه تعالى من الصّدقات حدًّا أدنى ألزم العباد به، وبيّن مقاديره، قال الدّهلويّ‏:‏ إذ لولا التّقدير لفرّط المفرط ولاعتدى المعتدي‏.‏ ب - الزّكاة تدفع أصحاب الأموال المكنوزة دفعًا إلى إخراجها لتشترك في زيادة الحركة الاقتصاديّة، يشير إلى ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ألا من ولي يتيمًا له مال فليتّجر فيه، ولا يتركه حتّى تأكله الصّدقة‏}‏‏.‏

ج - الزّكاة تسدّ حاجة جهات المصارف الثّمانية وبذلك تنتفي المفاسد الاجتماعيّة والخلقيّة النّاشئة عن بقاء هذه الحاجات دون كفايةٍ‏.‏

أحكام مانع الزّكاة

إثم مانع الزّكاة

8 - من منع الزّكاة فقد ارتكب محرّمًا هو كبيرة من الكبائر، وورد في القرآن والسّنّة ما يفيد أنّ عقوبته في الآخرة من نوعٍ خاصٍّ، كما في حديث مسلمٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ما من صاحب كنزٍ لا يؤدّي زكاته إلاّ أحمي عليه في نار جهنّم، فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبينه، حتّى يحكم اللّه بين عباده في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار، وما من صاحب إبلٍ لا يؤدّي زكاتها إلاّ بطح لها بقاعٍ قرقرٍ كأوفر ما كانت تستنّ عليه، كلّما مضى عليه أخراها ردّت عليه أولاها، حتّى يحكم اللّه بين عباده، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار، وما من صاحب غنمٍ لا يؤدّي زكاتها، إلاّ بطح لها بقاعٍ قرقرٍ، كأوفر ما كانت، فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء، كلّما مضى عليه أخراها ردّت عليه أولاها، حتّى يحكم اللّه بين عباده، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ ممّا تعدّون، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار‏}‏‏.‏

العقوبة لمانع الزّكاة

9 - من منع الزّكاة وهو في قبضة الإمام تؤخذ منه قهرًا لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا‏:‏ لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه‏}‏ ومن حقّها الزّكاة، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه بمحضر الصّحابة‏:‏ الزّكاة حقّ المال ‏"‏ وقال رضي الله عنه‏:‏ واللّه لو منعوني عقالًا كانوا يؤدّونه إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه‏.‏ وأقرّه الصّحابة على ذلك‏.‏ وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مانع الزّكاة إذا أخذت منه قهرًا لا يؤخذ معها من ماله شيء‏.‏ وذهب الشّافعيّ في القديم، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكرٍ عبد العزيز من أصحاب أحمد إلى أنّ مانع الزّكاة يؤخذ شطر ماله عقوبةً له، مع أخذ الزّكاة منه‏.‏ واحتجّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏في كلّ سائمة إبلٍ في كلّ أربعين بنت لبونٍ، لا تفرّق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنّا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربّنا، لا يحلّ لآل محمّدٍ منها شيء‏}‏‏.‏ ويستدلّ لقول الجمهور بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ليس في المال حقّ سوى الزّكاة‏}‏‏.‏ وبأنّ الصّحابة رضي الله عنهم لم يأخذوا نصف أموال الأعراب الّذين منعوا الزّكاة‏.‏ فأمّا من كان خارجًا عن قبضة الإمام ومنع الزّكاة، فعلى الإمام أن يقاتله‏;‏ لأنّ الصّحابة قاتلوا الممتنعين من أدائها، فإن ظفر به أخذها منه من غير زيادةٍ على قول الجمهور كما تقدّم‏.‏ وهذا فيمن كان مقرًّا بوجوب الزّكاة، لكن منعها بخلًا أو تأوّلًا، ولا يحكم بكفره، ولذا فإن مات في قتاله عليها ورثه المسلمون من أقاربه وصلّي عليه‏.‏ وفي روايةٍ عن أحمد يحكم بكفره ولا يورث ولا يصلّى عليه، لما روي أنّ أبا بكرٍ لمّا قاتل مانعي الزّكاة، وعضّتهم الحرب قالوا‏:‏ نؤدّيها، قال‏:‏ لا أقبلها حتّى تشهدوا أنّ قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النّار، ووافقه عمر‏.‏ ولم ينقل إنكار ذلك عن أحدٍ من الصّحابة فدلّ على كفرهم‏.‏ وأمّا من منع الزّكاة منكرًا لوجوبها، فإن كان جاهلًا ومثله يجهل ذلك لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنّه نشأ بباديةٍ بعيدةٍ عن الأمصار، أو نحو ذلك، فإنّه يعرّف وجوبها ولا يحكم بكفره لأنّه معذور، وإن كان مسلمًا ناشئًا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فيحكم بكفره، ويكون مرتدًّا، وتجري عليه أحكام المرتدّ، لكونه أنكر معلومًا من الدّين بالضّرورة‏.‏

من تجب في ماله الزّكاة

10 - اتّفق الفقهاء على أنّ البالغ العاقل المسلم الحرّ العالم بكون الزّكاة فريضةً، رجلًا كان أو امرأةً تجب في ماله الزّكاة إذا بلغ نصابًا، وكان متمكّنًا من أداء الزّكاة، وتمّت الشّروط في المال‏.‏ واختلفوا فيما عدا ذلك كما يلي‏:‏

أ - الزّكاة في مال الصّغير والمجنون‏:‏

11 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الزّكاة تجب في مال كلٍّ من الصّغير والمجنون ذكرًا كان أو أنثى، وهو مرويّ عن عمر، وابنه، وعليٍّ وابنه الحسن، وعائشة، وجابرٍ، وبه قال ابن سيرين ومجاهد، وربيعة، وابن عيينة، وأبو عبيدٍ وغيرهم‏.‏ واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ألا من ولي يتيمًا له مال فليتّجر فيه، ولا يتركه حتّى تأكله الصّدقة‏}‏ والمراد بالصّدقة الزّكاة المفروضة‏;‏ لأنّ اليتيم لا يخرج من ماله صدقة تطوّعٍ، إذ ليس للوليّ أن يتبرّع من مال اليتيم بشيءٍ‏;‏ ولأنّ الزّكاة تراد لثواب المزكّي ومواساة الفقير، والصّبيّ والمجنون من أهل الثّواب وأهل المواساة على ما قال الشّيرازيّ، وبأنّ الزّكاة حقّ يتعلّق بالمال، فأشبه نفقة الأقارب وأروش الجنايات وقيم المتلفات‏.‏ وقال الدّردير‏:‏ إنّما وجبت في مالهما لأنّها من باب خطاب الوضع‏.‏ ويتولّى الوليّ إخراج الزّكاة من مالهما‏;‏ لأنّ الوليّ يقوم مقامهما في أداء ما عليهما من الحقوق، كنفقة القريب، وعلى الوليّ أن ينوي أنّها زكاة، فإن لم يخرجها الوليّ وجب على الصّبيّ بعد البلوغ، والمجنون بعد الإفاقة، إخراج زكاة ما مضى‏.‏ وروي عن ابن مسعودٍ والثّوريّ والأوزاعيّ أنّهم قالوا‏:‏ تجب الزّكاة، ولا تخرج حتّى يبلغ الصّبيّ، أو يفيق المجنون، وذلك أنّ الوليّ ليس له ولاية الأداء، قال ابن مسعودٍ‏:‏ احص ما يجب في مال اليتيم من الزّكاة، فإذا بلغ فأعلمه، فإن شاء زكّى وإن شاء لم يزكّ، أي لا إثم على الوليّ بعدئذٍ إن لم يزكّ الصّبيّ‏.‏ وذهب ابن شبرمة إلى أنّ أمواله الظّاهرة من نعمٍ وزرعٍ وثمرٍ يزكّى، وأمّا الباطنة فلا‏.‏ وقال سعيد بن المسيّب‏:‏ لا يزكّي حتّى يصلّي ويصوم، وقال أبو وائلٍ، والنّخعيّ، وسعيد بن جبيرٍ والحسن البصريّ‏:‏ لا زكاة في مال الصّبيّ، وذهب أبو حنيفة وهو مرويّ عن عليٍّ وابن عبّاسٍ إلى أنّ الزّكاة لا تجب في مال الصّغير والمجنون، إلاّ أنّه يجب العشر في زروعهما وثمارهما، وزكاة الفطر عنهما‏.‏ واستدلّ لهذا القول بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏رفع القلم عن ثلاثةٍ‏:‏ عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يفيق، وعن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم‏}‏‏.‏ ولأنّها عبادة، فلا تتأدّى إلاّ بالاختيار تحقيقًا لمعنى الابتلاء، ولا اختيار للصّبيّ والمجنون لعدم العقل، وقياسًا على عدم وجوبها على الذّمّيّ لأنّه ليس من أهل العبادة، وإنّما وجب العشر فيما يخرج من أرضهما لأنّه في معنى مؤنة الأرض، ومعنى العبادة فيه تابع‏.‏ وممّا يتّصل بهذا زكاة مال الجنين من إرثٍ أو غيره، ذكر فيه النّوويّ عند الشّافعيّة طريقين والمذهب أنّها لا تجب، قال‏:‏ وبذلك قطع الجمهور‏;‏ لأنّ الجنين لا يتيقّن حياته ولا يوثق بها، فلا يحصل تمام الملك واستقراره، قال‏:‏ فعلى هذا يبتدئ حول ماله من حين ينفصل‏.‏

ب - الزّكاة في مال الكافر‏:‏

12 - لا تجب الزّكاة في مال الكافر الأصليّ اتّفاقًا، حربيًّا كان أو ذمّيًّا‏;‏ لأنّه حقّ لم يلتزمه‏;‏ ولأنّها وجبت طهرةً للمزكّي، والكافر لا طهرة له ما دام على كفره‏.‏ وأخذ عمر رضي الله عنه الزّكاة مضاعفةً من نصارى بني تغلب عندما رفضوا دفع الجزية ورضوا بدفع الزّكاة‏.‏ وقد ذهب الجمهور إلى أنّ ما يؤخذ منهم يصرف في مصارف الفيء‏;‏ لأنّه في حقيقته جزية، وذهب محمّد بن الحسن إلى أنّه يصرف في مصارف الزّكاة وهو قول أبي الخطّاب من الحنابلة‏.‏ أمّا المرتدّ، فما وجب عليه من الزّكاة في إسلامه، وذلك إذا ارتدّ بعد تمام الحول على النّصاب لا يسقط في قول الشّافعيّة والحنابلة، لأنّه حقّ مالٍ فلا يسقط بالرّدّة كالدّين، فيأخذه الإمام من ماله كما يأخذ الزّكاة من المسلم الممتنع، فإن أسلم بعد ذلك لم يلزمه أداؤها‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه تسقط بالرّدّة الزّكاة الّتي وجبت في مال المرتدّ قبل الرّدّة، لأنّ من شرطها النّيّة عند الأداء، ونيّته العبادة وهو كافر غير معتبرةٍ، فتسقط بالرّدّة كالصّلاة، حتّى ما كان منها زكاة الخارج من الأرض‏.‏ وأمّا إذا ارتدّ قبل تمام الحول على النّصاب فلا يثبت الوجوب عند الجمهور من الحنفيّة، والحنابلة، وهو قول عند الشّافعيّة‏.‏ والأصحّ عند الشّافعيّة أنّ ملكه لماله موقوف فإن عاد إلى الإسلام تبيّن بقاء ملكه وتجب فيه الزّكاة وإلاّ فلا‏.‏

ج - من لم يعلم بفرضيّة الزّكاة‏:‏

13 - ذهب المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وابن المنذر، وزفر من الحنفيّة إلى أنّ العلم بكون الزّكاة مفروضةً ليس شرطًا لوجوبها، فتجب الزّكاة على الحربيّ إذا أسلم في دار الحرب وله سوائم ومكث هناك سنين ولا علم له بالشّريعة الإسلاميّة، ويخاطب بأدائها إذا خرج إلى دار الإسلام‏.‏ وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى أنّ العلم بكون الزّكاة فريضةً شرط لوجوب الزّكاة فلا تجب الزّكاة على الحربيّ في الصّورة المذكورة‏.‏

د - من لم يتمكّن من الأداء‏:‏

14 - ذهب مالك والشّافعيّ إلى أنّ التّمكّن من الأداء شرط لوجوب أداء الزّكاة، فلو حال الحول ثمّ تلف المال قبل أن يتمكّن صاحبه من الأداء فلا زكاة عليه، حتّى لقد قال مالك‏:‏ إنّ المالك لو أتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء فلا زكاة عليه إذا لم يقصد الفرار من الزّكاة‏.‏ واحتجّ لهذا القول بأنّ الزّكاة عبادة فيشترط لوجوبها إمكان أدائها كالصّلاة والصّوم‏.‏ وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ التّمكّن من الأداء ليس شرطًا لوجوبها، لمفهوم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا زكاة في مالٍ حتّى يحول عليه الحول‏}‏‏.‏ فمفهومه وجوبها عليه إذا حال الحول، ولأنّ الزّكاة عبادة ماليّة، فيثبت وجوبها في الذّمّة مع عدم إمكان الأداء، كثبوت الدّيون في ذمّة المفلس‏.‏

الزّكاة في المال العامّ ‏(‏أموال بيت المال‏)‏

14 م - نصّ الحنابلة على أنّ مال الفيء، وخمس الغنيمة، وكلّ ما هو تحت يد الإمام ممّا يرجع إلى الصّرف في مصالح المسلمين لا زكاة فيه‏.‏ ولم نجد لدى غيرهم تعرّضًا لهذه المسألة مع مراعاتها في التّطبيق، إذ لم يعهد علمًا ولا عملًا أخذ الزّكاة من الأموال العامّة‏.‏

الزّكاة في الأموال المشتركة والأموال المختلفة والأموال المتفرّقة

15 - الّذي يكلّف بالزّكاة هو الشّخص المسلم بالنّسبة لماله، فإن كان ما يملكه نصابًا وحال عليه الحول وتمّت الشّروط ففيه الزّكاة، فإن كان المال شركةً بينه وبين غيره، وكان المال نصابًا فأكثر فلا زكاة على أحدٍ من الشّركاء عند الجمهور، وهو قول عند الشّافعيّة حتّى يكون نصيبه نصابًا، ولا يستثنى من ذلك عند الحنفيّة شيء، ويستثنى عند الجمهور ومنهم الشّافعيّة السّائمة المشتركة فإنّها تعامل معاملة مال رجلٍ واحدٍ في القدر الواجب وفي النّصاب عند غير المالكيّة، وكذا السّائمة المختلطة - أي الّتي يتميّز حقّ كلٍّ من الخليطين فيها لكنّها تشترك في المرعى ونحوه من المرافق - وذهب الشّافعيّة على الأظهر إلى أنّ المال المشترك والمال المختلط يعامل معاملة مال رجلٍ واحدٍ في النّصاب والقدر الواجب، وهو رواية أخرى عند الحنابلة رجّح العمل بها بعضهم كابن عقيلٍ والآجرّيّ‏.‏ واحتجّوا بعموم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا يفرّق بين مجتمعٍ ولا يجمع بين متفرّقٍ خشية الصّدقة‏}‏‏.‏ ولمعرفة تفصيل القول في ذلك والخلاف فيه ينظر مصطلح ‏(‏خلطة‏)‏‏.‏ هذا إذا كان المال في بلدٍ واحدٍ، أمّا إن كان مال الرّجل مفرّقًا بين بلدين أو أكثر، فإن كان من غير المواشي فلا أثر لتفرّقه، بل يزكّى زكاة مالٍ واحدٍ‏.‏ وإن كان من المواشي وكان بين البلدين مسافة قصرٍ فأكثر فكذلك عند الجمهور، وهو رواية عن أحمد رجّحها صاحب المغني‏.‏ والمعتمد عند الحنابلة أنّ كلّ مالٍ منها يزكّى منفردًا عمّا سواه، فإن كان كلا المالين نصابًا زكّاهما كنصابين، وإن كان أحدهما نصابًا والآخر أقلّ من نصابٍ زكّى ما تمّ نصابًا دون الآخر‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم هذا القول عن غير أحمد‏.‏ واحتجّ من ذهب إلى هذا بأنّه لمّا أثّر اجتماع مال الجماعة حال الخلطة في مرافق الملك ومقاصده على أتمّ الوجوه حتّى جعله كمالٍ واحدٍ وجب تأثير الافتراق الفاحش في المال الواحد حتّى يجعله كمالين‏.‏ واحتجّ أحمد بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ولا يجمع بين متفرّقٍ‏}‏ ولأنّ كلّ مالٍ تخرج زكاته ببلده‏.‏

شروط المال الّذي تجب فيه الزّكاة

16 - يشترط في المال الّذي تجب فيه الزّكاة من حيث الجملة شروط‏:‏

1 - كونه مملوكًا لمعيّنٍ‏.‏

2 - وكون مملوكيّته مطلقةً ‏(‏أي كونه مملوكًا رقبةً ويدًا‏)‏‏.‏

3 - وكونه ناميًا‏.‏

4 - وأن يكون زائدًا على الحاجات الأصليّة‏.‏

5- حولان الحول‏.‏

6- وبلوغه نصابًا، والنّصاب في كلّ نوعٍ من المال بحسبه‏.‏

7- وأن يسلم من وجود المانع، والمانع أن يكون على المالك دين ينقص النّصاب‏.‏

17 - الشّرط الأوّل‏:‏ كون المال مملوكًا لمعيّنٍ‏:‏ فلا زكاة فيما ليس له مالك معيّن، ومن هنا ذهب الحنفيّة إلى أنّ الزّكاة لا تجب في سوائم الوقف، والخيل المسبّلة‏;‏ لأنّها غير مملوكةٍ‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ في الزّكاة تمليكًا، والتّمليك في غير الملك لا يتصوّر، قالوا‏:‏ ولا تجب الزّكاة في ما استولى عليه العدوّ، وأحرزوه بدارهم‏;‏ لأنّهم ملكوه بالإحراز، فزال ملك المسلم عنه‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ لا زكاة في الموصى به لغير معيّنين‏.‏ وتجب في الموقوف ولو على غير معيّنٍ كمساجد، أو بني تميمٍ‏;‏ لأنّ الوقف عندهم لا يخرجه عن ملك الواقف، فلو وقف نقودًا للسّلف يزكّيها الواقف أو المتولّي عليها منها كلّما مرّ عليها حول من يوم ملكها، أو زكّاها إن كانت نصابًا، وهذا إن لم يتسلّفها أحد، فإن تسلّفها أحد زكّيت بعد قبضها منه لعامٍ واحدٍ‏.‏ وفصّل الشّافعيّة والحنابلة فقالوا‏:‏ إذا كان الوقف على غير معيّنٍ، كالفقراء، أو كان على مسجدٍ، أو مدرسةٍ، أو رباطٍ ونحوه ممّا لا يتعيّن له مالك لا زكاة فيه‏.‏ وكذا النّقد الموصى به في وجوه البرّ، أو ليشترى به وقف لغير معيّنٍ، بخلاف الموقوف على معيّنٍ فإنّه يملكه فتجب فيه الزّكاة عند الحنابلة، وهو قول عند الشّافعيّة، وقيل عندهم‏:‏ لا تجب‏;‏ لأنّ ملكه ينتقل إلى اللّه تعالى لا إلى الموقوف عليه‏.‏

18 - الشّرط الثّاني‏:‏ أن يكون ملكيّة المال مطلقةً‏:‏ وهذه عبارة الحنفيّة، وعبّر غيرهم بالملك التّامّ‏:‏ وهو ما كان في يد مالكه ينتفع به ويتصرّف فيه‏.‏ والملك النّاقص يكون في أنواعٍ من المال معيّنةٍ، منها‏:‏

1 - مال الضّمار‏:‏ وهو كلّ مالٍ مالكه غير قادرٍ على الانتفاع به لكون يده ليست عليه، فمذهب أبي حنيفة، وصاحبيه، وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة، ورواية عند الحنابلة أنّه لا زكاة عليه فيه، كالبعير الضّالّ، والمال المفقود، والمال السّاقط في البحر، والمال الّذي أخذه السّلطان مصادرةً، والدّين المجحود إذا لم يكن للمالك بيّنة، والمال المغصوب الّذي لا يقدر صاحبه على أخذه، والمسروق الّذي لا يدري من سرقه، والمال المدفون في الصّحراء إذا خفي على المالك مكانه، فإن كان مدفونًا في البيت تجب فيه الزّكاة عند الحنفيّة، أي لأنّه في مكان محدودٍ‏.‏ واحتجّوا بما روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ ليس في مال الضّمار زكاة ولأنّ المال إذا لم يكن الانتفاع به والتّصرّف فيه مقدورًا لا يكون المالك به غنيًّا‏.‏ قالوا‏:‏ وهذا بخلاف ابن السّبيل ‏(‏أي المسافر عن وطنه‏)‏ فإنّ الزّكاة تجب في ماله‏;‏ لأنّ مالكه يقدر على الانتفاع به، وكذا الدّين المقرّ به إذا كان على مليءٍ‏.‏ وذهب مالك إلى أنّ المال الضّائع ونحوه كالمدفون في صحراء إذا ضلّ صاحبه عنه أو كان بمحلٍّ لا يحاط به، فإنّه يزكّى لعامٍ واحدٍ إذا وجده صاحبه ولو بقي غائبًا عنه سنين‏.‏ وذهب الشّافعيّة في الأظهر وهو رواية عند الحنابلة إلى أنّ الزّكاة تجب في المال الضّائع ولكن لا يجب دفعها حتّى يعود المال‏.‏ فإن عاد يخرجها صاحبه عن السّنوات الماضية كلّها‏;‏ لأنّ السّبب الملك، وهو ثابت‏.‏ قالوا‏:‏ لكن لو تلف المال، أو ذهب ولم يعد سقطت الزّكاة‏.‏ وكذا عندهم المال الّذي لا يقدر عليه صاحبه لانقطاع خبره، أو انقطاع الطّريق إليه‏.‏ والمال الموروث صرّح المالكيّة بأنّه لا زكاة فيه إلاّ بعد قبضه، يستقبل به الوارث حولًا، ولو كان قد أقام سنين، وسواء علم الوارث به أو لم يعلم‏.‏

الزّكاة في مال الأسير، والمسجون ونحوه

19 - من كان مأسورًا أو مسجونًا قد حيل بينه وبين التّصرّف في ماله والانتفاع به، ذكر ابن قدامة أنّ ذلك لا يمنع وجوب الزّكاة عليه‏;‏ لأنّه لو تصرّف في ماله ببيعٍ وهبةٍ ونحوهما نفذ، وكذا لو وكّل في ماله نفذت الوكالة‏.‏ أمّا عند المالكيّة فإنّ كون الرّجل مفقودًا أو أسيرًا يسقط الزّكاة في حقّه من أمواله الباطنة، لأنّه بذلك يكون مغلوبًا على عدم التّنمية فيكون ماله حينئذٍ كالمال الضّائع، ولذا يزكّيها إذا أطلق لسنةٍ واحدةٍ كالأموال الضّائعة‏.‏ وفي قول الأجهوريّ والزّرقانيّ‏:‏ لا زكاة عليه فيها أصلًا‏.‏ وفي قول البنانيّ‏:‏ لا تسقط الزّكاة عن الأسير والمفقود، بل تجب الزّكاة عليهما كلّ عامٍ، لكن لا يجب الإخراج من مالهما بل يتوقّف مخافة حدوث الموت‏.‏ أمّا المال الظّاهر فقد اتّفقت كلمة المالكيّة أنّ الفقد والأسر لا يسقطان زكاته‏;‏ لأنّها محمولان على الحياة، ويجوز أخذ الزّكاة من مالهما الظّاهر وتجزئ، ولا يضرّ عدم النّيّة‏;‏ لأنّ نيّة المخرج تقوم مقام نيّته‏.‏ ولم نجد لغير من ذكر تعرّضًا لهذه المسألة‏.‏

زكاة الدّين

20 - الدّين مملوك للدّائن، ولكنّه لكونه ليس تحت يد صاحبه فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء‏:‏ فذهب ابن عمر، وعائشة، وعكرمة مولى ابن عبّاسٍ رضي الله عنهم، إلى أنّه لا زكاة في الدّين، ووجهه أنّه غير نامٍ، فلم تجب زكاته، كعروض القنيّة ‏(‏وهي العروض الّتي تقتنى لأجل الانتفاع الشّخصيّ‏)‏‏.‏ وذهب جمهور العلماء إلى أنّ الدّين الحالّ قسمان‏:‏ دين حالّ مرجوّ الأداء، ودين حالّ غير مرجوّ الأداء‏.‏

21 - فالدّين الحالّ المرجوّ الأداء‏:‏ هو ما كان على مقرٍّ به باذلٍ له، وفيه أقوال‏:‏ فمذهب الحنفيّة، والحنابلة، وهو قول الثّوريّ‏:‏ أنّ زكاته تجب على صاحبه كلّ عامٍ لأنّه مال مملوك له، إلاّ أنّه لا يجب عليه إخراج الزّكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكّاه لكلّ ما مضى من السّنين‏.‏ ووجه هذا القول‏:‏ أنّه دين ثابت في الذّمّة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه‏;‏ ولأنّه لا ينتفع به في الحال، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مالٍ لا ينتفع به‏.‏ على أنّ الوديعة الّتي يقدر صاحبها أن يأخذها في أيّ وقتٍ ليست من هذا النّوع، بل يجب إخراج زكاتها عند الحول‏.‏ ومذهب الشّافعيّ في الأظهر، وحمّاد بن أبي سليمان، وإسحاق، وأبي عبيدٍ أنّه يجب إخراج زكاة الدّين المرجوّ الأداء في نهاية كلّ حولٍ، كالمال الّذي هو بيده، لأنّه قادر على أخذه والتّصرّف فيه‏.‏ وجعل المالكيّة الدّين أنواعًا‏:‏ فبعض الدّيون يزكّى كلّ عامٍ وهي دين التّاجر المدير عن ثمن بضاعةٍ تجاريّةٍ باعها، وبعضها يزكّى لحولٍ من أصله لسنةٍ واحدةٍ عند قبضه ولو أقام عند المدين سنين، وهو ما أقرضه لغيره من نقدٍ، وكذا ثمن بضاعةٍ باعها محتكر، وبعض الدّيون لا زكاة فيه، وهو ما لم يقبض من نحو هبةٍ أو مهرٍ أو عوض جنايةٍ‏.‏ 22 - وأمّا الدّين غير المرجوّ الأداء، فهو ما كان على معسرٍ أو جاحدٍ أو مماطلٍ، وفيه مذاهب‏:‏ فمذهب الحنفيّة فيه كما تقدّم، وهو قول قتادة وإسحاق، وأبي ثورٍ، ورواية عن أحمد، وقول مقابل للأظهر للشّافعيّ‏:‏ أنّه لا زكاة فيه لعدم تمام الملك‏;‏ لأنّه غير مقدورٍ على الانتفاع به‏.‏ والقول الثّاني وهو قول الثّوريّ، وأبي عبيدٍ ورواية عن أحمد، وقول للشّافعيّ هو الأظهر‏:‏ أنّه يزكّيه إذا قبضه لما مضى من السّنين، لما روي عن عليٍّ رضي الله عنه في الدّين المظنون ‏"‏ إن كان صادقًا فليزكّه إذا قبضه لما مضى‏.‏ وذهب مالك إلى أنّه إن كان ممّا فيه الزّكاة يزكّيه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ وإن أقام عند المدين أعوامًا‏.‏ وهو قول عمر بن عبد العزيز، والحسن واللّيث، والأوزاعيّ‏.‏ واستثنى الشّافعيّة والحنابلة ما كان من الدّين ماشيةً فلا زكاة فيه‏;‏ لأنّ شرط الزّكاة في الماشية عندهم السّوم، وما في الذّمّة لا يتّصف بالسّوم‏.‏

الدّين المؤجّل

23 - ذهب الحنابلة وهو الأظهر من قولي الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّ الدّين المؤجّل بمنزلة الدّين على المعسر‏;‏ لأنّ صاحبه غير متمكّنٍ من قبضه في الحال فيجب إخراج زكاته إذا قبضه عن جميع السّنوات السّابقة‏.‏ ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه يجب دفع زكاته عند الحول ولو لم يقبضه‏.‏ ولم نجد عند الحنفيّة والمالكيّة تفريقًا بين المؤجّل والحالّ‏.‏

أقسام الدّين عند الحنفيّة‏:‏

24 - ذهب الصّاحبان إلى أنّ الدّيون كلّها نوع واحد، فكلّما قبض شيئًا منها زكّاه إن كان الدّين نصابًا أو بلغ بضمّه إلى ما عنده نصابًا‏.‏ وذهب أبو حنيفة إلى أنّ الدّين ثلاثة أقسامٍ‏:‏ الأوّل‏:‏ الدّين القويّ‏:‏ وهو ما كان بدل مالٍ زكويٍّ، كقرض نقدٍ، أو ثمن مال سائمةٍ، أو عرض تجارةٍ‏.‏ فهذا كلّما قبض شيئًا منه زكّاه ولو قليلًا ‏(‏مع ملاحظة مذهبه في الوقص في الذّهب والفضّة، فلا زكاة في المقبوض من دين دراهم مثلًا إلاّ إذا بلغت 40 درهمًا ويكون فيها درهم‏)‏ وحوله حول أصله‏;‏ لأنّ أصله زكويّ فيبنى على حول أصله روايةً واحدةً‏.‏ الثّاني‏:‏ الدّين الضّعيف‏:‏ وهو ما لم يكن ثمن مبيعٍ ولا بدلًا لقرض نقدٍ، ومثاله المهر والدّية وبدل الكتابة والخلع، فهذا متى قبض منه شيئًا وكان عنده نصاب غيره قد انعقد حوله يزكّيه معه كالمال المستفاد، وإن لم يكن عنده من غيره نصاب فإنّه لا تجب فيه الزّكاة إلاّ إذا قبض منه نصابًا وحال عليه الحول عنده منذ قبضه‏;‏ لأنّه بقبضه أصبح مالًا زكويًّا‏.‏ الثّالث‏:‏ الدّين المتوسّط‏:‏ وهو ما كان ثمن عرض قنيةٍ ممّا لا تجب فيه الزّكاة، كثمن داره أو متاعه المستغرق بالحاجة الأصليّة‏.‏ ففي روايةٍ، يعتبر مالًا زكويًّا من حين باع ما باعه فتثبت فيه الزّكاة لما مضى من الوقت، ولا يجب الأداء إلاّ بعد أن يتمّ ما يقبضه منه نصابًا، وفي روايةٍ أخرى‏:‏ لا يبتدئ حوله إلاّ من حين يقبض منه نصابًا، لأنّه حينئذٍ أصبح زكويًّا، فصار كالحادث ابتداءً‏.‏

الأجور المقبوضة سلفًا

25 - مذهب الحنابلة، ونقله الكاسانيّ عن محمّد بن الفضل البخاريّ الحنفيّ، وهو قول عند الشّافعيّة‏:‏ إنّ الأجرة المعجّلة لسنين إذا حال عليها الحول تجب على المؤجّر زكاتها كلّها، لأنّه يملكها ملكًا تامًّا من حين العقد‏.‏ بدليل جواز تصرّفه فيها، وإن كان ربّما يلحقه دين بعد الحول بالفسخ الطّارئ‏.‏ وعند المالكيّة لا زكاة على المؤجّر فيما قبضه مقدّمًا إلاّ بتمام ملكه، فلو آجر نفسه ثلاث سنين بستّين دينارًا، كلّ سنةٍ بعشرين، وقبض السّتّين معجّلةً ولا شيء له غيرها، فإذا مرّ على ذلك حول فلا زكاة عليه‏;‏ لأنّ العشرين الّتي هي أجرة السّنة الأولى لم يتحقّق ملكه لها إلاّ بانقضائها‏;‏ لأنّها كانت عنده بمثابة الوديعة، فلم يملكها حولًا كاملًا، فإذا مرّ الحول الثّاني زكّى عشرين، وإذا مرّ الثّالث زكّى أربعين إلاّ ما أنقصته الزّكاة، فإذا مرّ الرّابع زكّى الجميع‏.‏ وفي قولٍ عند المالكيّة وهو الأظهر للشّافعيّة‏:‏ لا تجب إلاّ زكاة ما استقرّ‏;‏ لأنّ ما لم يستقرّ معرّض للسّقوط، فتجب زكاة العشرين الأولى بتمام الحول الأوّل، لأنّ الغيب كشف أنّه ملكها من أوّل الحول‏.‏ وإذا تمّ الحول الثّاني فعليه زكاة عشرين لسنةٍ وهي الّتي زكّاها في آخر السّنة الأولى، وزكاة عشرين لسنتين، وهي الّتي استقرّ عليها ملكه الآن، وهكذا‏.‏ ولم نجد عند الحنفيّة تعرّضًا لهذه المسألة‏.‏

زكاة الثّمن المقبوض عن بضائع لم يجر تسليمها

26 - إذا اشترى مالًا بنصاب دراهم، أو أسلم نصابًا في شيءٍ فحال الحول قبل أن يقبض المشتري المبيع، أو يقبض المسلّم فيه، والعقد باقٍ لم يجر فسخه، قال الحنابلة‏:‏ زكاة الثّمن على البائع‏;‏ لأنّ ملكه ثابت فيه‏.‏ ثمّ لو فسخ العقد لتلف المبيع، أو تعذّر المسلّم فيه، وجب ردّ الثّمن كاملًا‏.‏ وصرّح الشّافعيّة بما هو قريب من ذلك وهو أنّ البضاعة المشتراة إذا حال عليها الحول من حين لزوم العقد تجب زكاتها على المشتري وإن لم يقبضها‏.‏

27 - الشّرط الثّالث‏:‏ النّماء‏:‏ ووجه اشتراطه على ما قال ابن الهمام، أنّ المقصود من شرعيّة الزّكاة بالإضافة إلى الابتلاء مواساة الفقراء على وجهٍ لا يصير به المزكّي فقيرًا، بأن يعطي من فضل ماله قليلًا من كثيرٍ، والإيجاب في المال الّذي لا نماء له يؤدّي إلى خلاف ذلك مع تكرّر السّنين‏.‏ قالوا‏:‏ والنّماء متحقّق في السّوائم بالدّرّ والنّسل، وفي الأموال المعدّة للتّجارة، والأرض الزّراعيّة العشريّة، وسائر الأموال الّتي تجب فيها الزّكاة، ولا يشترط تحقّق النّماء بالفعل بل تكفي القدرة على الاستنماء بكون المال في يده أو يد نائبه‏.‏ وبهذا الشّرط خرجت الثّياب الّتي لا تراد لتجارةٍ سواء كان صاحبها محتاجًا إليها أو لا، وأثاث المنزل، والحوانيت، والعقارات، والكتب لأهلها أو غير أهلها، وخرجت الأنعام الّتي لم تعدّ للدّرّ والنّسل، بل كانت معدّةً للحرث، أو الرّكوب، أو اللّحم‏.‏ والذّهب والفضّة لا يشترط فيهما النّماء بالفعل‏;‏ لأنّهما للنّماء خلقةً، فتجب الزّكاة فيهما، نوى التّجارة أو لم ينو أصلًا، أو نوى النّفقة‏.‏ قالوا‏:‏ وفقد النّماء سبب آخر في عدم وجوب الزّكاة في أموال الضّمار بأنواعها المتقدّمة‏;‏ لأنّه لا نماء إلاّ بالقدرة على التّصرّف، ومال الضّمار لا قدرة عليه‏.‏ وهذا الشّرط يصرّح به الحنفيّة، ويراعيه غيرهم في تعليلاتهم دون تصريحٍ به‏.‏

28 - الشّرط الرّابع‏:‏ الزّيادة على الحاجات الأصليّة‏:‏ وهذا الشّرط يذكره الحنفيّة‏.‏ وبناءً عليه قالوا‏:‏ لا زكاة في كتب العلم المقتناة لأهلها وغير أهلها ولو كانت تساوي نصبًا، وكذا دار السّكنى وأثاث المنزل ودوابّ الرّكوب ونحو ذلك‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ المشغول بالحاجة الأصليّة كالمعدوم، وفسّره ابن ملكٍ بما يدفع عنه الهلاك تحقيقًا كثيابه، أو تقديرًا كدينه‏.‏ وقد جعل ابن ملكٍ من هذا النّوع أن يكون لديه نصاب دراهم أمسكها بنيّة صرفها إلى الحاجة الأصليّة فلا زكاة فيها إذا حال عليها الحول عنده، لكن اعترضه ابن نجيمٍ في البحر الرّائق، بأنّ الزّكاة تجب في النّقد كيفما أمسكه للنّماء أو للنّفقة، ونقله عن المعراج والبدائع‏.‏ ولم يذكر أيّ من أصحاب المذاهب هذا الشّرط مستقلًّا، ولعلّه‏;‏ لأنّ الزّكاة أوجبها الشّرع في أجناسٍ معيّنةٍ من المال إذا حال الحول على نصابٍ كاملٍ منها، فإذا وجد ذلك وجبت الزّكاة، واستغناءً بشرط النّماء‏.‏ والنّتيجة واحدة‏.‏

29 - الشّرط الخامس‏:‏ الحول‏:‏ المراد بالحول أن يتمّ على المال بيد صاحبه سنةً كاملةً قمريّةً، فإن لم تتمّ فلا زكاة فيه، إلاّ أن يكون بيده مال آخر بلغ نصابًا قد انعقد حوله، وكان المالان ممّا يضمّ أحدهما إلى الآخر، فيرى بعض الفقهاء، أنّ الثّاني يزكّى مع الأوّل عند تمام حول الأوّل، كما يأتي بيانه تفصيلًا‏.‏ ودليل اعتبار الحول قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا زكاة في مالٍ حتّى يحول عليه الحول‏}‏‏.‏ ويستثنى من اشتراط الحول في الأموال الزّكويّة الخارج من الأرض من الغلال الزّراعيّة، والمعادن، والرّكاز، فتجب الزّكاة في هذين النّوعين ولو لم يحل الحول، لقوله تعالى في الزّروع ‏{‏وآتوا حقّه يوم حصاده‏}‏ ولأنّها نماء بنفسها فلم يشترط فيها الحول، إذ أنّها تعود بعد ذلك إلى النّقص، بخلاف ما يشترط فيه الحول فهو مرصد للنّماء‏.‏ وسيأتي تفصيل ذلك في النّوعين في موضعه‏.‏ والحكمة في أنّ ما أرصد للنّماء اعتبر له الحول، ليكون إخراج الزّكاة من النّماء لأنّه أيسر‏;‏ لأنّ الزّكاة إنّما وجبت مواساةً، ولم يعتبر حقيقة النّماء‏;‏ لأنّه لا ضابط له، ولا بدّ من ضابطٍ، فاعتبر الحول‏.‏

المال المستفاد أثناء الحول

30 - إن لم يكن عند المكلّف مال فاستفاد مالًا زكويًّا لم يبلغ نصابًا فلا زكاة فيه ولا ينعقد حوله، فإن تمّ عنده نصاب انعقد الحول من يوم تمّ النّصاب، وتجب عليه زكاته إن بقي إلى تمام الحول‏.‏ وإن كان عنده نصاب، وقبل أن يحول عليه الحول استفاد مالًا من جنس ذلك النّصاب أو ممّا يضمّ إليه، فله ثلاثة أقسامٍ‏:‏ الأوّل‏:‏ أن تكون الزّيادة من نماء المال الأوّل‏.‏ كربح التّجارة، ونتاج السّائمة، فهذا يزكّى مع الأصل عند تمام الحول‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في ذلك خلافًا، لأنّه تبع للنّصاب من جنسه، فأشبه النّماء المتّصل‏.‏ القسم الثّاني‏:‏ أن يكون المستفاد من غير جنس المال الّذي عنده، كأن يكون ماله إبلًا فيستفيد ذهبًا أو فضّةً‏.‏ فهذا النّوع لا يزكّى عند حول الأصل‏.‏ بل ينعقد حوله يوم استفادته إن كان نصابًا، اتّفاقًا، ما عدا قولًا شاذًّا أنّه يزكّيه حين يستفيده‏.‏ ولم يعرّج على هذا القول أحد من العلماء، ولا قال به أحد من أئمّة الفتيا‏.‏ القسم الثّالث‏:‏ أن يستفيد مالًا من جنس نصابٍ عنده قد انعقد حوله وليس المستفاد من نماء المال الأوّل‏.‏ كأن يكون عنده عشرون مثقالًا ذهبًا ملكها في أوّل المحرّم، ثمّ يستفيد ألف مثقالٍ في أوّل ذي الحجّة، فقد اختلف العلماء في ذلك‏:‏ فذهب الشّافعيّة والحنابلة، إلى أنّه يضمّ إلى الأوّل في النّصاب دون الحول، فيزكّي الأوّل عند حوله أي في أوّل المحرّم في المثال المتقدّم، ويزكّي الثّاني لحوله أي في أوّل ذي الحجّة ولو كان أقلّ من نصابٍ، لأنّه بلغ بضمّه إلى الأوّل نصابًا‏.‏ واستدلّوا بعموم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا زكاة في مالٍ حتّى يحول عليه الحول‏}‏‏.‏ وبقوله‏:‏ ‏{‏من استفاد مالًا فلا زكاة عليه حتّى يحول عليه الحول عند ربّه‏}‏‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه يضمّ كلّ ما يأتي في الحول إلى النّصاب الّذي عنده فيزكّيهما جميعًا عند تمام حول الأوّل، قالوا‏:‏ لأنّه يضمّ إلى جنسه في النّصاب فوجب ضمّه إليه في الحول كالنّصاب، ولأنّ النّصاب سبب، والحول شرط، فإذا ضمّ في النّصاب الّذي هو سبب، فضمّه إليه في الحول الّذي هو شرط أولى‏;‏ ولأنّ إفراد كلّ مالٍ يستفاد بحولٍ يفضي إلى تشقيص الواجب في السّائمة، واختلاف أوقات الواجب، والحاجة إلى ضبط مواقيت التّملّك، ووجوب القدر اليسير الّذي لا يتمكّن من إخراجه، وفي ذلك حرج، وإنّما شرع الحول للتّيسير، وقد قال اللّه تعالى ‏{‏وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ‏}‏ وقياسًا على نتاج السّائمة وربح التّجارة‏.‏ واستثنى أبو حنيفة ما كان ثمن مالٍ قد زكّي فلا يضمّ، لئلاّ يؤدّي إلى الثّني‏.‏ وذهب المالكيّة إلى التّفريق في ذلك بين السّائمة وبين النّقود، فقالوا في السّائمة كقول أبي حنيفة، قالوا‏:‏ لأنّ زكاة السّائمة موكولة إلى السّاعي، فلو لم تضمّ لأدّى ذلك إلى خروجه أكثر من مرّةٍ، بخلاف الأثمان فلا تضمّ، فإنّها موكولة إلى أربابها‏.‏

الشّرط السّادس‏:‏ أن يبلغ المال نصابًا‏:‏

31 - والنّصاب مقدار المال الّذي لا تجب الزّكاة في أقلّ منه، وهو يختلف باختلاف أجناس الأموال الزّكويّة، فنصاب الإبل خمس منها، ونصاب البقر ثلاثون‏.‏ ونصاب الغنم أربعون، ونصاب الذّهب عشرون مثقالًا، ونصاب الفضّة مائتا درهمٍ، ونصاب الزّروع والثّمار خمسة أوسقٍ‏.‏ ونصاب عروض التّجارة مقدّر بنصاب الذّهب أو الفضّة‏.‏ وفي بعض ما تقدّم تفريعات وخلاف ينظر في مواضعه ممّا يلي من هذا البحث‏.‏ والحكمة في اشتراط النّصاب واضحة، وهي أنّ الزّكاة وجبت مواساةً، ومن كان فقيرًا لا تجب عليه المواساة، بل تجب على الأغنياء إعانته، فإنّ الزّكاة تؤخذ من الأغنياء لتردّ على الفقراء‏.‏ وجعل الشّرع النّصاب أدنى حدّ الغنى‏;‏ لأنّ الغالب في العادات أنّ من ملكه فهو غنيّ إلى تمام سنته‏.‏

الوقت الّذي يعتبر وجود النّصاب فيه

32 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة على المعتمد في المذهب، إلى أنّ من شرط وجوب الزّكاة وجود النّصاب في جميع الحول من أوّله إلى آخره، فلو نقص في بعضه ولو يسيرًا انقطع الحول فلم تجب الزّكاة في آخره‏.‏ قالوا‏:‏ فلو كان له أربعون شاةً فماتت في الحول واحدة ثمّ ولدت واحدة انقطع الحول‏.‏ فإن كان الموت والنّتاج في لحظةٍ واحدةٍ لم ينقطع، كما لو تقدّم النّتاج على الموت، واحتجّوا بعموم حديث ‏{‏لا زكاة في مالٍ حتّى يحول عليه الحول‏}‏‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ المعتبر طرفا الحول، فإن تمّ النّصاب في أوّله وآخره وجبت الزّكاة ولو نقص المال عن النّصاب في أثنائه، ما لم ينعدم المال كلّيّةً، فإن انعدم لم ينعقد الحول إلاّ عند تمام النّصاب، وسواء انعدم لتلفه، أو لخروجه عن أن يكون محلًّا للزّكاة، كما لو كان له نصاب سائمةٍ فجعلها في الحول علوفةً‏.‏ وفي قولٍ عند الحنابلة‏:‏ إذا وجد النّصاب لحولٍ كاملٍ إلاّ أنّه نقص نقصًا يسيرًا كساعةٍ أو ساعتين وجبت الزّكاة‏.‏ ولو زال ملك المالك للنّصاب في الحول ببيعٍ أو غيره ثمّ عاد بشراءٍ أو غيره استأنف الحول لانقطاع الحول الأوّل بما فعله، لكن إن فعل ذلك حيلةً ففي انقطاع الحول خلاف ينظر في ما سبق تحت عنوان ‏(‏الحيل لإسقاطها‏)‏‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ الشّرط أن يحول الحول على ملك النّصاب أو ملك أصله، فالأوّل كما لو كان يملك أربعين شاةً تمام الحول، والثّاني كما لو ملك عشرين شاةً من أوّل الحول فحملت وولدت فتمّت بذلك أربعين قبل تمام الحول، فتجب الزّكاة في النّوعين عند حول الأصل‏.‏ ومثاله أيضًا، أن يكون عنده دينار ذهبٍ فيشتري به سلعةً للتّجارة فيبيعها بعشرين دينارًا قبل تمام الحول، ففيها الزّكاة عندما يحول الحول على ملكه للدّينار، والّذي يضمّ إلى أصله فيتمّ به النّصاب هو نتاج السّائمة وربح التّجارة، بخلاف المال المستفاد بطريقٍ آخر كالعطيّة والميراث فإنّه يستقبل بها حولها

الشّرط السّابع‏:‏ الفراغ من الدّين‏:‏

33 - وهذا الشّرط معتبر من حيث الجملة عند جمهور الفقهاء ومنهم الشّافعيّ في قديم قوليه، وعبّر بعضهم بأنّ الدّين مانع من وجوب الزّكاة‏.‏ فإن زاد الدّين الّذي على المالك عمّا بيده فلا زكاة عليه، وكذا إن لم يبق بيده بعدما يسدّ به دينه نصاب فأكثر‏.‏ واحتجّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذا كان لرجلٍ ألف درهمٍ وعليه ألف درهمٍ فلا زكاة عليه‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أمرت أن آخذ الصّدقة من أغنيائكم فأردّها على فقرائكم‏}‏‏.‏ ومن عليه ألف ومعه ألف فليس غنيًّا، ولقول عثمان رضي الله عنه‏:‏ هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤدّه وليزكّ بقيّة ماله‏.‏ ولا يعتبر الدّين مانعًا إلاّ إن استقرّ في الذّمّة قبل وجوب الزّكاة، فأمّا إن وجب بعد وجوب الزّكاة لم تسقط‏;‏ لأنّها وجبت في ذمّته، فلا يسقطها ما لحقه من الدّين بعد ثبوتها‏.‏ وذهب الشّافعيّ في الجديد، وحمّاد، وربيعة إلى أنّ الدّين لا يمنع الزّكاة أصلًا‏;‏ لأنّ الحرّ المسلم إذا ملك نصابًا حولًا وجبت عليه الزّكاة فيه لإطلاق الأدلّة الموجبة للزّكاة في المال المملوك‏.‏

الأموال الّتي يمنع الدّين زكاتها والّتي لا يمنع

34 - أمّا الأموال الباطنة وهي النّقود وعروض التّجارة فإنّ الجمهور القائلين بأنّ الدّين يمنع الزّكاة ذهبوا إلى أنّ الدّين يمنع الزّكاة فيها، ولو كان من غير جنسها على ما صرّح به المالكيّة‏.‏ وأمّا الأموال الظّاهرة وهي السّائمة والحبوب والثّمار والمعادن فذهب الجمهور ‏(‏المالكيّة والشّافعيّة على قولٍ والحنابلة في الرّواية المعتمدة في المذهب‏)‏ إلى أنّ الدّين لا يمنع وجوب الزّكاة فيها، روي عن أحمد أنّه قال‏:‏ لأنّ المصدّق إذا جاء فوجد إبلًا أو بقرًا أو غنمًا لم يسأل‏:‏ أيّ شيءٍ على صاحبها من الدّين، وليس المال - يعني الأثمان - هكذا‏.‏ والفرق بين الأموال الظّاهرة والباطنة أنّ تعلّق الزّكاة بالظّاهرة آكد‏;‏ لظهورها وتعلّق قلوب الفقراء بها‏;‏ ولأنّ الحاجة إلى حفظها أوفر، فتكون الزّكاة فيها آكد‏.‏ واستثنى الحنابلة على الرّواية المشهورة الدّين الّذي استدانه المزكّي للإنفاق على الزّرع والثّمر، فإنّه يسقطه لما روي عن ابن عمر‏:‏ يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله يزكّي ما بقي‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ الدّين يمنع الزّكاة في الأموال الباطنة وفي السّوائم، أمّا ما وجب في الخارج من الأرض فلا يمنعه الدّين، كما لا يمنع الخراج، وذلك لأنّ العشر والخراج مؤنة الأرض، ولذا يجبان في الأرض الموقوفة وأرض المكاتب وإن لم تجب فيهما الزّكاة‏.‏ وذهب الحنابلة في روايةٍ إلى أنّ الدّين يمنع الزّكاة في الأموال الظّاهرة والباطنة، ونقله ابن قدامة عن الثّوريّ وإسحاق واللّيث والنّخعيّ‏.‏

الدّيون الّتي تمنع وجوب الزّكاة

35 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الدّين الّذي يمنع وجوب الزّكاة هو ما كان له مطالب من جهة العباد سواء كان دينًا للّه كزكاةٍ وخراجٍ، أو كان للعباد، وسواء كان حالًّا أو مؤجّلًا، ولو صداق زوجته المؤجّل للفراق، أو نفقةً لزوجته، أو لقريبٍ لزمته بقضاءٍ أو تراضٍ، وكذا عندهم دين الكفالة، قالوا‏:‏ لأنّ الكفيل محتاج إلى ما بيده ليقضي عنه دفعًا للملازمة أو الحبس‏.‏ أمّا ما لم يكن له مطالب من جهة العباد فلا يمنع وجوب الزّكاة، قالوا‏:‏ كدين النّذر والكفّارة والحجّ، ومثلها الأضحيّة، وهدي المتعة، ودين صدقة الفطر‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ زكاة المال الباطن يسقطها الدّين ولو كان دين زكاةٍ، أو زكاة فطرٍ، أو كان للعباد حالًّا كان أو مؤجّلًا، أو كان مهر زوجةٍ أو نفقة زوجةٍ مطلقًا، أو نفقة ولدٍ أو والدٍ إن كان قد حكم بها القاضي‏.‏ واختلف قول المالكيّة في مثل دين الكفّارة والهدي الواجب فاختار منها خليل وابن راشدٍ القفصيّ أنّه لا يمنع وجوب الزّكاة لعدم المطالب من العباد، واختار ابن عتّابٍ أنّه يمنع لأنّ الإمام يطالب الممتنع بإخراج ما عليه من مثل هذه الدّيون‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ دين الآدميّ مطلقًا يمنع وجوب الزّكاة، أمّا دين اللّه ففي قولٍ‏:‏ يمنع وفي قولٍ‏:‏ لا‏.‏

شروط إسقاط الزّكاة بالدّين

36 - القائلون بأنّ الدّين يسقط الزّكاة في قدره من المال الزّكويّ، اشترط أكثرهم أن لا يجد المزكّي مالًا يقضي منه الدّين سوى ما وجبت فيه‏.‏ فلو كان له مال آخر فائض عن حاجاته الأساسيّة، فإنّه يجعله في مقابلة الدّين، لكي يسلم المال الزّكويّ فيخرج زكاته‏.‏ ثمّ قد قال المالكيّة والحنابلة‏:‏ إنّه يعمل بذلك سواء كان ما يقضي منه من جنس الدّين أو غير جنسه‏.‏ فلو كان عليه دين مائتا درهمٍ وعنده عروض قنيةٍ تساوي مائتي درهمٍ فأكثر وعنده مائتا درهمٍ، جعل العروض في مقابلة الدّين لأنّه أحظّ للفقراء‏.‏ وكذا إن كان عليه دين وله مالان زكويّان، لو جعل أحدهما في مقابل الدّين لم يكن عليه زكاة، ولو جعل الآخر في مقابلة الدّين كان عليه زكاة، فإنّه يجعل في مقابلة الدّين ما هو أحظّ للفقراء، كمن عليه دين مائة درهمٍ وله مائتا درهمٍ وتسع من الإبل، فإذا جعلنا في مقابلة الدّين الأربعة من الإبل الزّائدة عن النّصاب لكون الأربعة تساوي المائة من الدّراهم أو أكثر منها وجب ذلك رعايةً لحظّ الفقراء، لأنّنا لو جعلنا ممّا معه من الدّراهم مائةً في مقابلة الدّين سقطت زكاة الدّراهم‏.‏ وذكر المالكيّة أيضًا ممّا يمكن أن يجعل في مقابلة الدّين فيمنع سقوط الزّكاة‏:‏ الدّين الحالّ المرجوّ، والأموال الزّكويّة الأخرى ولو جرت تزكيتها، وأنّ العرض يقوّم وقت الوجوب، وأخرجوا من ذلك نحو البعير الشّارد، والمال الضّائع، والدّين المؤجّل أو غير المرجوّ لعدم صلاحيّة جعله في مقابلة الدّين الّذي عليه‏.‏ ومذهب الحنفيّة - ومثله حكي عن اللّيث بن سعدٍ على ما نقله صاحب المغني وهو رواية عن أحمد على ما ذكره صاحب الفروع - أنّ من كان عنده مال زكويّ ومال غير زكويٍّ فائض عن حاجته الأساسيّة وعليه دين فله أن يجعل في مقابلة الدّين المال الزّكويّ، ولو من غير جنسه، فإن بقي منه نصاب فأكثر زكّاه وإلاّ فلا زكاة عليه، قالوا‏:‏ لأنّ غير مال الزّكاة يستحقّ للحوائج، ومال الزّكاة فاضل عنها، فكان الصّرف إليه أيسر، وأنظر بأرباب الأموال‏.‏ قالوا‏:‏ ولو كان له مالان زكويّان من جنسين أو أكثر جاز له أن يجعل أيًّا منهما أو بعضه في مقابلة الدّين والخيار له‏.‏ فلو كان عنده دراهم ودنانير وعروض تجارةٍ وسوائم يصرف الدّين لأيسرها قضاءً، ولو كان عنده نصاب بقرٍ ونصاب إبلٍ وعليه شاة دينًا، جاز جعلها في مقابلة شيءٍ من البقر لئلاّ يجب عليه التّبيع‏;‏ لأنّ التّبيع فوق الشّاة‏.‏