فصل: التّعريف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


عُقُوبَة

التّعريف

1 - العقوبة في اللّغة‏:‏ اسم من العقاب، والعقاب بالكسر والمعاقبة‏:‏ أن تجزي الرّجل بما فعل من السّوء‏.‏

يقال عاقبه بذنبه معاقبةً وعقاباً‏:‏ أخذه به، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ‏}‏، والعقوبة في الاصطلاح‏:‏ هي الألم الّذي يلحق الإنسان مستحقّاً على الجناية، كما عرّفها الطّحاويّ‏.‏

وعرّفها بعضهم بالضّرب أو القطع ونحوهما، سمّي بها لأنّها تتلو الذّنب، من تعقّبه‏:‏ إذا تبعه‏.‏

وفرّق بعضهم بين العقوبة وبين العقاب‏:‏ بأنّ ما يلحق الإنسان إن كان في الدّنيا يقال له العقوبة، وإن كان في الآخرة يقال له العقاب‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجزاء‏:‏

2 - من معاني الجزاء‏:‏ الغناء والكفاية، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ‏}‏ أي‏:‏ لا تغني‏.‏

والجزاء ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى ‏}‏‏.‏

وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ‏}‏‏.‏

وعلى ذلك فالجزاء أعمّ من العقوبة، حيث يستعمل في الخير والشّرّ، والعقوبة خاصّة بالأخذ بالسّوء‏.‏

ب - العذاب‏:‏

3 - أصل العذاب في كلام العرب‏:‏ الضّرب، ثمّ استعمل في كلّ عقوبة مؤلمة، واستعير في الأمور الشّاقّة، فقيل‏:‏ السّفر قطعة من العذاب‏.‏

وفي الفروق لأبي هلال العسكريّ‏:‏ الفرق بين العذاب والعقاب‏:‏ هو أنّ العقاب ينبئ عن الاستحقاق، وسمّي بذلك لأنّ الفاعل يستحقّه عقيب فعله، أمّا العذاب فيجوز أن يكون مستحقّاً وغير مستحقّ‏.‏

أقسام العقوبة

4 - تنقسم العقوبة إلى ثلاثة أقسام باعتبارات مختلفة‏:‏

فتنقسم أوّلاً‏:‏ باعتبار أنواعها إلى ثلاثة أقسام رئيسيّة، هي القصاص والحدّ والتّعزير‏.‏ انظر مصطلحي‏:‏ ‏(‏قصاص، وتعزير ف 5‏)‏‏.‏

وتنقسم ثانياً‏:‏ باعتبار تعلّقها بحقوق اللّه تعالى أو بحقوق العباد إلى‏:‏

أ - عقوبة هي حقّ للّه تعالى، كحدّ الزّنى وحدّ السّرقة وحدّ الشّرب‏.‏

ب - وعقوبة هي حقّ للعباد كالقصاص‏.‏

ج - وعقوبة متعلّقة بالحقّين، كحدّ القذف‏.‏

ر‏:‏ مصطلح ‏(‏حقّ ف 13، 15‏)‏‏.‏

وتنقسم ثالثاً‏:‏ باعتبار هذين الحقّين إلى‏:‏

أ - عقوبة كاملة، كحدّ الزّنى والسّرقة والشّرب‏.‏

ب - وعقوبة قاصرة، كحرمان القاتل إرث المقتول‏.‏

ج - وعقوبة فيها معنى العبادة، وجهة العبادة غالبة فيها ككفّارة اليمين والقتل‏.‏

د - عقوبة فيها معنى العبادة، وجهة العقوبة فيها غالبة ككفّارة الفطر في رمضان‏.‏

وينظر تفصيل كلّ نوع في مصطلحه‏.‏

وهناك عقوبات أخرى بحثها الفقهاء هي‏:‏

أ - الغرّة‏:‏

5 - الغرّة من كلّ شيء‏:‏ أوّله‏.‏

ومن معانيها في الشّرع‏:‏ ضمان يجب في الجناية على الجنين، وتبلغ قيمتها نصف عشر الدّية، وهي خمس من الإبل، أو خمسمائة درهم‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏غرّة‏)‏‏.‏

ب - الأرش‏:‏

6 - الأرش يطلق غالباً على‏:‏ المال الواجب في الجناية على ما دون النّفس، وقد يطلق على بدل النّفس، فهو نوع من الدّية‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏أرش ف 1‏)‏‏.‏

ج - الحرمان من الإرث والوصيّة‏:‏

7 - الحرمان من الميراث والوصيّة عقوبة لجريمة القتل بصورة تبعيّة فإذا ثبتت الجريمة بأدلّتها الخاصّة، وحكم على القاتل بعقوبة القتل، يحرم من إرث المجنيّ عليه ووصيّته كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ليس للقاتل شيء من الميراث «‏.‏

وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ » لا وصيّة لقاتل «‏.‏

وهل يحرم القاتل من الميراث إذا كان القتل عمداً أو خطأً أو مطلقاً ‏؟‏ للفقهاء فيه خلاف وتفصيل ينظر في مصطلحي‏:‏ ‏(‏إرث ف 17 ووصيّة‏)‏‏.‏

أقسام عقوبة الحدّ

8 - الحدّ عقوبة مقدّرة شرعاً تجب حقّاً للّه تعالى، وهي معيّنة محدّدة لا تقبل التّعديل والتّغيير، ولكلّ جريمة حدّيّة عقوبة معلومة، لكنّها تختلف حسب اختلاف موجبها من جرائم الحدود، وهذه الجرائم هي‏:‏ الزّنا والقذف، وشرب الخمر والسّرقة، وقطع الطّريق - الحرابة - باتّفاق الفقهاء، وكذلك الرّدّة والبغي مع اختلاف فيهما‏.‏

وتفصيل عقوبات هذه الحدود ينظر في مصطلحاتها‏.‏

العقوبات التّعزيريّة

9 - التّعزير عقوبة غير مقدّرة، شرعت حقّاً للّه تعالى أو للأفراد‏.‏

والغرض من مشروعيّتها ردع الجاني وزجره وإصلاحه وتأديبه، كما صرّح به الفقهاء‏.‏ وقد شرع التّعزير في المعاصي الّتي لا يكون فيها حدود ولا كفّارة‏.‏

وعدم التّقدير في العقوبات التّعزيريّة لا يعني جواز ومشروعيّة جميع أنواع العقوبات في التّعزير، فهناك عقوبات لا يجوز إيقاعها كعقوبة تعزيريّة، مثل الضّرب المتلف، وصفع الوجه، والحرق، والكيّ، وحلق اللّحية وأمثالها‏.‏

وهناك عقوبات تعزيريّة مشروعة يختار منها القاضي ما يراه مناسباً لحالة المجرم تحقيقاً لأغراض التّعزير من الإصلاح والتّأديب، كعقوبة الجلد والحبس والتّوبيخ والهجر والتّعزير بالمال ونحوها‏.‏

وتفصيل أحكام التّعزير، وأنواع هذه العقوبة وموجباتها ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تعزير ف 11 وما بعدها‏)‏‏.‏

تعدّد العقوبات

10 - أجاز بعض الفقهاء اجتماع العقوبات وتعدّدها في جريمة واحدة، لكن بصفة مختلفة، فقد يجتمع التّعزير مع الحدّ، فالحنفيّة لا يرون تغريب الزّاني غير المحصن في حدّ الزّنى، ولكن يجيزون تغريبه تعزيراً بعد الجلد حدّاً‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّ الجارح عمداً يقتصّ منه ويؤدّب تعزيراً، وكذلك الشّافعيّة يجيزون اجتماع التّعزير مع القصاص فيما دون النّفس، وقال المالكيّة‏:‏ إنّ القتل الّذي عفي عن القصاص فيه تجب فيه على القاتل الدّية، ويضرب مائةً ويحبس سنةً تعزيراً‏.‏

تداخل العقوبات

11 - المراد بتداخل العقوبات هو دخول عقوبة في أخرى بلا زيادة حجم ومقدار‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على أنّ الحدود إذا اتّفقت في الجنس والموجب فإنّها تتداخل، فمن زنى مراراً، أو سرق مراراً مثلاً أقيم عليه حدّ واحد للزّنى المتكرّر، وآخر للسّرقة المتكرّرة‏.‏ واختلفوا في تداخل عقوبات القصاص مع تفصيل وبيان وخلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تداخل ف 18‏)‏‏.‏

عُقُوق

انظر‏:‏ برّ الوالدين‏.‏

عَقِيق

التّعريف

1 - العقيق في اللّغة‏:‏ الوادي الّذي شقّه السّيل قديماً‏.‏

قال أبو منصور‏:‏ ويقال لكلّ ما شقّه ماء السّيل في الأرض فأنهره ووسّعه عقيق، والجمع أعقّة وعقائق‏.‏

قال ابن منظور‏:‏ العقيق واد بالحجاز غلبت الصّفة عليه غلبة الاسم ولزمته الألف والَلام‏.‏ وفي بلاد العرب عدّة مواضع تسمّى العقيق، منها عقيق أرض اليمامة، ومنها عقيق بناحية المدينة، ومنها عقيق آخر يدفق ماؤه في غوري تهامة، ومنها عقيق القنان‏.‏ والعقيق أيضاً‏:‏ خرز أحمر يتّخذ منه الفصوص، الواحدة عقيقة، وفي المصباح المنير‏:‏ حجر يعمل منه الفصوص‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحجر‏:‏

2 - الحجر‏:‏ الصّخرة، والجمع في القلّة أحجار، وفي الكثرة حجار وحجارة‏.‏

فالحجر أعمّ من العقيق في أحد معنييه‏.‏

ب - المعدن‏:‏

3 - من معاني المعدن‏:‏ مكان كلّ شيء يكون فيه أصله ومبدؤه نحو معدن الذّهب والفضّة والأشياء‏.‏

والمعادن‏:‏ المواضع الّتي يستخرج منها جواهر الأرض‏.‏

والمعدن بأحد معانيه أعمّ من العقيق‏.‏

ج - الياقوت‏:‏

4 - الياقوت من الجواهر، أجوده الأحمر الرّمّانيّ‏.‏

وكلّ من العقيق والياقوت من الأحجار الّتي تستعمل للزّينة‏.‏

الحكم الإجماليّ

يتعلّق بالعقيق بمعنييه أحكام‏:‏

أوّلاً‏:‏ العقيق بمعنى الوادي

5 - نصّ الشّافعيّة على أفضليّة إحرام أهل العراق ومن في ناحيتهم من العقيق على ذات عرق، والعقيق واد وراء ذات عرق ممّا يلي المشرق، قال النّوويّ‏:‏ قال أصحابنا‏:‏ والاعتماد في ذلك على ما في العقيق من الاحتياط، قيل‏:‏ وفيه سلامة من التباس وقع في ذات عرق ؛ لأنّ ذات عرق قرية خربت وحوّل بناؤها إلى جهة الكعبة، فالاحتياط الإحرام قبل موضع بنائها الآن‏.‏

واستأنسوا مع الاحتياط بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ » وقّت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق «‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ ميقات أهل العراق‏:‏ ذات عرق‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام 48‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ العقيق بمعنى نوع من الحجر

أ - التّيمّم بالعقيق‏:‏

6 - اختلف الفقهاء في جواز التّيمّم بالعقيق‏:‏

فذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز التّيمّم بالعقيق، وذهب الحنفيّة إلى جواز التّيمّم بالعقيق لكونه من جنس الأرض‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تيمّم ف 26‏)‏‏.‏

ب - زكاة العقيق‏:‏

7 - اختلف الفقهاء في وجوب الزّكاة في العقيق‏:‏

فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - إلى أنّه لا زكاة في العقيق كسائر الجواهر إلاّ أن تكون للتّجارة ؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا زكاة في حجر «‏.‏ وذهب الحنابلة إلى وجوب الزّكاة في العقيق ؛ لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ ‏}‏‏.‏

ولأنّه معدن فتعلّقت الزّكاة بالخارج منه كالأثمان ؛ ولأنّه مال لو غنمه وجب عليه خمسه، فإذا أخرجه من معدن وجبت فيه الزّكاة كالذّهب، قال ابن قدامة‏:‏ صفة المعدن الّذي يتعلّق به وجوب الزّكاة هو كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة كالحديد والياقوت والزّبرجد والعقيق‏.‏

ج - الرّبا في العقيق‏:‏

8 - لا يجري الرّبا في العقيق وذلك لعدم توافر العلل الرّبويّة فيه عند المالكيّة والشّافعيّة، ولا يجري الرّبا فيه كذلك عند الحنفيّة والحنابلة ؛ لأنّه غير مكيل ولا موزون إلاّ إذا تعارف النّاس بيعه بالكيل أو بالوزن‏.‏

د - السّلم في العقيق‏:‏

9 - اختلف الفقهاء في جواز السّلم في العقيق‏:‏

فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم صحّة السّلم في العقيق ؛ لتفاوت آحاده تفاوتاً فاحشاً‏.‏ ونصّ الشّافعيّة على عدم جواز السّلم في العقيق، واستثنوا حالة ما إذا كان بالوزن‏.‏ وذهب المالكيّة إلى جواز السّلم في صنوف الفصوص والحجارة مطلقاً‏.‏

هـ – التّزيّن بالعقيق‏:‏

10 – ذهب جمهور الفقهاء إلى إباحة التّختّم بالعقيق للرّجل‏.‏

وذهب بعض الحنابلة إلى استحبابه، وقال ابن رجب‏:‏ ظاهر كلام أكثر الأصحاب أنّه لا يستحبّ، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية منها‏.‏

عَقِيقَة

التّعريف

1 - تطلق العقيقة في اللّغة على‏:‏ الخرزة الحمراء من الأحجار الكريمة، وقد تكون صفراء أو بيضاء، وعلى‏:‏ شعر كلّ مولود من النّاس والبهائم ينبت وهو في بطن أمّه، وعلى الذّبيحة الّتي تذبح عن المولود عند حلق شعره‏.‏

ويقال‏:‏ عقّ فلان يعُقّ بضمّ العين أيضاً‏:‏ حلق عقيقة مولوده، وعقّ فلان عن مولوده يعُقّ بضمّ العين أيضاً‏:‏ ذبح عنه‏.‏

والعقيقة في الاصطلاح‏:‏ ما يذكّى عن المولود شكراً للّه تعالى بنيّة وشرائط مخصوصة‏.‏ وكره بعض الشّافعيّة تسميتها عقيقةً وقالوا‏:‏ يستحبّ تسميتها‏:‏ نسيكةً أو ذبيحةً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الأضحيّة‏:‏

2 - الأضحيّة‏:‏ ما يذكّى تقرّباً إلى اللّه تعالى في أيّام النّحر بشرائط مخصوصة‏.‏

وكلّ من العقيقة والأضحيّة يذبح تقرّباً إلى اللّه تعالى وشكراً له سبحانه على نعمه‏.‏

غير أنّ العقيقة تذبح للتّقرّب إلى اللّه تعالى والشّكر له سبحانه على إنعامه على الوالدين بالمولود، وعلى المولود بنعمة الحياة، وليس لها من العام وقت معيّن، فهي مرتبطة بولادة المولود في أيّ وقت من العام‏.‏

وأمّا الأضحيّة فإنّها تذبح للتّقرّب إلى اللّه تعالى، والشّكر له سبحانه على نعمة الحياة في أيّام النّحر، وهي وقتها‏.‏

ب - الهدي‏:‏

3 - الهدي ما يذكّى من الأنعام في الحرم في أيّام النّحر للتّمتّع ونحوه، وتجتمع العقيقة والهدي في أنّهما قربة، غير أنّ العقيقة مرتبطة بوقت ولادة المولود، وفي أيّ مكان، أمّا الهدي ففي أيّام النّحر وفي الحرم‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة في الصّحيح المشهور عندهم إلى أنّ العقيقة سنّة مؤكّدة‏.‏ وعند الحنفيّة تباح العقيقة في سابع الولادة بعد التّسمية والحلق والتّصدّق، وقيل‏:‏ يعقّ تطوّعاً بنيّة الشّكر للّه تعالى‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّها مندوبة‏.‏

والمندوب عندهم أقلّ من المسنون‏.‏

واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة على كونها سنّةً مؤكّدةً بأحاديث كثيرة، منها‏:‏ حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الغلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السّابع « وفي رواية‏:‏ » كلّ غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويسمّى «‏.‏

ومعنى ‏"‏ مرتهن ‏"‏ ‏"‏ ورهين ‏"‏ قيل‏:‏ لا ينمو نموّ مثله حتّى يعقّ عنه‏.‏

حكمة مشروعيّة العقيقة

5 - شرعت العقيقة لما فيها من إظهار للبشر والنّعمة ونشر النّسب‏.‏

العقيقة عن الميّت

6 - قال الشّافعيّة‏:‏ لو مات المولود قبل السّابع استحبّت العقيقة عنه كما تستحبّ عن الحيّ‏.‏

وقال الحسن البصريّ ومالك‏:‏ لا تستحبّ العقيقة عنه‏.‏

العقيقة عن الأنثى

7 - ذهب الجمهور إلى أنّ الأنثى تشرع العقيقة عنها كما تشرع عن الذّكر لحديث أمّ كرز الخزاعيّة رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول في العقيقة‏:‏ » عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة «‏.‏

من تطلب منه العقيقة

8 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّ العقيقة تطلب من الأصل الّذي تلزمه نفقة المولود بتقدير فقره، فيؤدّيها من مال نفسه لا من مال المولود، ولا يفعلها من لا تلزمه النّفقة إلاّ بإذن من تلزمه‏.‏

ولا يقدح في الحكم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد عقّ عن الحسن والحسين، مع أنّ الّذي تلزمه نفقتهما هو والدهما ؛ لأنّه يحتمل أنّ نفقتهما كانت على الرّسول صلى الله عليه وسلم لا على والديهما، ويحتمل أنّه عليه الصلاة والسلام عقّ عنهما بإذن أبيهما‏.‏

ومن بلغ من الأولاد ولم يعقّ عنه أحد يندب له أن يعقّ عن نفسه عند الشّافعيّة‏.‏

ويشترط في المطالب بالعقيقة عندهم‏:‏ أن يكون موسراً بأن يقدر عليها فاضلةً عن مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته قبل مضيّ أكثر مدّة النّفاس وهي ستّون يوماً فإن قدر عليها بعد ذلك لم تسنّ له‏.‏

وذكر المالكيّة أنّ المطالب بالعقيقة هو الأب‏.‏

وصرّح الحنابلة أنّه لا يعقّ غير أب إلاّ إن تعذّر بموت أو امتناع، فإن فعلها غير الأب لم تكره ولكنّها لا تكون عقيقةً، وإنّما عقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين لأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏.‏

وصرّحوا بأنّها تسنّ في حقّ الأب وإن كان معسراً، ويقترض إن كان يستطيع الوفاء‏.‏

قال أحمد‏:‏ إذا لم يكن مالكاً ما يعقّ فاستقرض أرجو أن يخلف اللّه عليه ؛ لأنّه أحيا سنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقت العقيقة

9 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ وقت ذبح العقيقة يبدأ من تمام انفصال المولود، فلا تصحّ عقيقة قبله، بل تكون ذبيحةً عاديةً‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ وقت العقيقة يكون في سابع الولادة ولا يكون قبله‏.‏

واتّفق الفقهاء على استحباب كون الذّبح في اليوم السّابع على اختلاف في وقت الإجزاء كما سبق‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ يوم الولادة يحسب من السّبعة، ولا تحسب اللّيلة إن ولد ليلاً، بل يحسب اليوم الّذي يليها‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يحسب يوم الولادة في حقّ من ولد بعد الفجر، وأمّا من ولد مع الفجر أو قبله فإنّ اليوم يحسب في حقّه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّ وقت العقيقة يفوت بفوات اليوم السّابع‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ وقت الإجزاء في حقّ الأب ونحوه ينتهي ببلوغ المولود‏.‏

وقال الحنابلة وهو قول ضعيف عند المالكيّة‏:‏ إن فات ذبح العقيقة في اليوم السّابع يسنّ ذبحها في الرّابع عشر، فإن فات ذبحها فيه انتقلت إلى اليوم الحادي والعشرين من ولادة المولود فيسنّ ذبحها فيه وهو قول عند المالكيّة، وهذا مرويّ عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّ العقيقة لا تفوت بتأخيرها لكن يستحبّ ألاّ تؤخّر عن سنّ البلوغ فإن أخّرت حتّى يبلغ سقط حكمها في حقّ غير المولود وهو مخيّر في العقيقة عن نفسه، واستحسن القفّال الشّاشيّ أن يفعلها، ونقلوا عن نصّه في البويطيّ‏:‏ أنّه لا يفعل ذلك واستغربوه‏.‏

ما يجزئ في العقيقة وما يستحبّ منها

10 - يجزئ في العقيقة الجنس الّذي يجزئ في الأضحيّة، وهو الأنعام من إبل وبقر وغنم، ولا يجزئ غيرها، وهذا متّفق عليه بين الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، وهو أرجح القولين عند المالكيّة ومقابل الأرجح أنّها لا تكون إلاّ من الغنم‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يجزئ فيها المقدار الّذي يجزئ في الأضحيّة وأقلّه شاة كاملة، أو السّبع من بدنة أو من بقرة‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ لا يجزئ في العقيقة إلاّ بدنة كاملة أو بقرة كاملة‏.‏

11 - وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يستحبّ أن يعقّ عن الذّكر بشاتين متماثلتين وعن الأنثى بشاة لحديث عائشة رضي الله عنها‏:‏ » أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية بشاة «‏.‏

ويجوز العقّ عن الذّكر بشاة واحدة لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين رضي الله عنهما كبشاً كبشاً «‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه يعقّ عن الغلام والجارية شاةً شاةً وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يفعله‏.‏

وقال الحسن وقتادة لا عقيقة عن الجارية‏.‏

12 - وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يشترط في العقيقة عند الذّبح ما يشترط في أيّ ذبيحة، ويستحبّ أن يقول‏:‏ اللّهمّ لك وإليك هذه عقيقة فلان، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين وقال‏:‏ » قولوا بسم اللّه واللّه أكبر اللّهمّ لك وإليك هذه عقيقة فلان «‏.‏

طبخ العقيقة

13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحبّ طبخ العقيقة كلّها حتّى ما يتصدّق به منها لحديث عائشة رضي الله عنها‏:‏ » السّنّة شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة، تطبخ جدولاً ولا يكسر عظماً، ويأكل ويطعم ويتصدّق وذلك يوم السّابع « ‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يجوز في العقيقة تفريقها نيئةً ومطبوخةً‏.‏

ويذكر الفقهاء عند الكلام عن العقيقة أموراً منها تسمية المولود، وحلق رأسه، وما يقال في أذنيه، وتحنيكه، وختانه، والتّهنئة بمولده‏.‏‏.‏‏.‏ وتنظر كلّها في مصطلحاتها‏.‏

علاج

انظر‏:‏ تطبيب‏.‏

عَلانية

التّعريف

1 - العلانية في اللّغة‏:‏ من الإعلان وهو إظهار الشّيء، يقال‏:‏ علن الأمر علوناً من باب قعد أي‏:‏ ظهر وانتشر وعلن الأمر علناً من باب تعب لغة فيه، والاسم منهما العلانية وهي ضدّ السّرّ، وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان، وأعلنت الأمر أي أظهرته ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ‏}‏ أي سرّاً وعلانيةً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجهر‏:‏

2 - الجهر في الأصل رفع الصّوت، يقال‏:‏ جهر بالقراءة رفع صوته بها‏.‏

والجهر أخصّ من العلانية‏.‏

ب - السّرّ‏:‏

3 - السّرّ هو الحديث المكتوم في النّفس، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ‏}‏‏.‏

والسّرّ ضدّ العلانية‏.‏

الحكم الإجماليّ

وردت أحكام العلانية في عدّة أبواب من كتب الفقه منها‏:‏

في الطّاعات والعبادات

قال العلماء‏:‏ إنّ الطّاعات تنقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

4 - القسم الأوّل‏:‏ ما شرعت فيه العلانية كالأذان، والإقامة، والتّكبير في العيدين، والتّلبية بالنّسبة للحاجّ والمعتمر، والقراءة في الرّكعتين الأوليين من الصّلاة الجهريّة، ودعاء القنوت، وتكبيرات الانتقال، وقول سمع اللّه لمن حمده في الصّلاة بالنّسبة للإمام والمبلّغ، وخطبة الجمعة والعيدين وعرفة والاستسقاء، وإقامة الجمع، والجماعات، والأعياد، والجهاد في سبيل اللّه، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وتعليم النّاس أمور دينهم، وبقيّة العلوم النّافعة الأخرى، فهذا من شأنه العلانية، فإن خاف فاعله الرّياء على نفسه جاهد نفسه في دفعها إلى أن تحضره نيّة إخلاصه فيأتي بهذه الأعمال مخلصاً كما شرعت، فيحصل على أجر ذلك الفعل وعلى أجر المجاهرة، لما في ذلك من المصلحة المتعدّية إلى الغير‏.‏

وممّا يجب علانيته جرح الرّواة والشّهود والأمناء على الصّدقات والأوقاف والأيتام وأمثالهم، ولا يحلّ السّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليّتهم، وليس هذا من باب الغيبة المحرّمة بل هو من النّصيحة الواجبة بإجماع العلماء‏.‏

5- القسم الثّاني‏:‏ ما يكون إسراره خيراً من إعلانه، كإسرار القراءة في الصّلاة غير الجهريّة أو الجهريّة لغير الإمام‏.‏

6- القسم الثّالث‏:‏ ما يخفى تارةً ويظهر تارةً أخرى كالصّدقات، فإن كانت فريضةً كالزّكاة أو كان ممّن يقتدى به أو يريد إظهار السّنّة وأمن على نفسه الرّياء كانت العلانية أفضل له من السّرّيّة، لما في ذلك من إبعاد التّهمة عن نفسه بالنّسبة للفرائض والواجبات ولما فيه من سدّ خلّة الفقراء مع مصلحة الاقتداء فيكون قد نفع الفقراء بصدقته وبتسبّبه إلى تصدّق الأغنياء عليهم، وقد نفع الأغنياء بتسبّبه إلى اقتدائهم به في نفع الفقراء ؛ ولأنّ الفرائض لا يدخلها الرّياء‏.‏

وإن كانت العبادة نافلةً كصدقة التّطوّع وغيرها من النّوافل وخاف على نفسه الرّياء أو عرف من عادته الرّياء أو كان ممّن لا يقتدى به، أو خاف من احتقار النّاس للمتصدّق عليه، كان إخفاؤها أفضل من علانيتها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ‏}‏ الآية‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم في خبر السّبعة الّذين يظلّهم اللّه تحت ظلّ عرشه‏:‏ » ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه « الحديث‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » صدقة السّرّ تطفئ غضب الرّبّ «‏.‏

ولقول ابن عبّاس رضي الله عنهما جعل اللّه صدقة السّرّ في التّطوّع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها بخمسة وعشرين ضعفاً، وكذلك جميع الفرائض والنّوافل في الأشياء كلّها‏.‏

علانية الحجر للإفلاس

7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يندب للحاكم أن يعلن حجر المحجور عليه للفلس ويشهد على حجره ويشهره بالنّداء عليه ليحذر من معاملته، ولئلاّ يتضرّر النّاس بضياع أموالهم فيأمر منادياً ينادي في البلد‏:‏ إنّ الحاكم حجر على فلان بن فلان‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ إنّ هذا الإشهاد على الحجر واجب‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إظهار ف 10‏)‏‏.‏

عَلَقَة

التّعريف

1 - العلقة في اللّغة مفرد علق، والعلق‏:‏ الدّم، وقيل‏:‏ هو الدّم الجامد الغليظ لتعلّق بعضه ببعض، وقيل الجامد قبل أن ييبس، والقطعة منه علقة‏.‏

وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ‏}‏‏.‏

قال الفيّوميّ‏:‏ العلقة‏:‏ المنيّ ينتقل بعد طوره فيصير دماً غليظاً متجمّداً، ثمّ ينتقل طوراً آخر فيصير لحماً وهو المضغة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للعلقة عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النّطفة‏:‏

2 - النّطفة في اللّغة‏:‏ القليل من الماء، وقيل‏:‏ الماء الصّافي قلّ أو كثر‏.‏

قال الفيّوميّ‏:‏ النّطفة ماء الرّجل والمرأة وجمعها نطف ونطاف، وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ‏}‏‏.‏

والنّطفة اصطلاحاً‏:‏ ماء الرّجل وهو المنيّ‏.‏

والعلاقة بينهما أنّ العلقة تخلق من النّطفة‏.‏

ب - المضغة‏:‏

3 - المضغة في اللّغة‏:‏ القطعة من اللّحم قدر ما يمضغ‏.‏

ومنه قيل‏:‏ في الإنسان مضغتان إذا صلحتا صلح البدن، القلب واللّسان، والجمع مضغ، وفي الحديث‏:‏ » إنّ أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوماً، ثمّ علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك، ثمّ يبعث اللّه ملكاً فيؤمر بأربع‏:‏ برزقه وأجله وشقيّ أو سعيد، ثمّ ينفخ فيه الرّوح «‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للمضغة عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والعلاقة بين العلقة والمضغة هي أنّ العلقة تخلق منها المضغة‏.‏

ج - الجنين‏:‏

4 - الجنين لغةً مأخوذ من مادّة جنن الّتي تدلّ على الاستتار، يقال جنّ الشّيء يجنّه جنّاً‏:‏ ستره، وبه سمّي الجنّ لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار، ومنه سمّي الجنين لاستتاره في بطن أمّه‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ الولد ما دام في بطن أمّه وجمعه أجنّة وأجنن‏.‏

والعلاقة بين العلقة والجنين أنّ العلقة أحد أطوار الجنين‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعلقة

إسقاط العلقة

5 - اختلف الفقهاء في حكم إسقاط العلقة‏:‏

فذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى حرمة إسقاط العلقة، قال الدّردير من المالكيّة‏:‏ ولا يجوز إخراج المنيّ المتكوّن في الرّحم ولو قبل الأربعين يوماً ونقل ابن حجر الهيتميّ من الشّافعيّة عن الإحياء في مبحث العزل ما يدلّ على تحريمه، وهو الأوجه ؛ لأنّها بعد الاستقرار آيلة إلى التّخلّق متهيّأة لنفخ الرّوح، وقال أبو إسحاق المروزيّ‏:‏ يجوز إلقاء النّطفة والعلقة‏.‏

وصرّح الحنابلة بأنّه لا يجوز شرب دواء لإلقاء العلقة لانعقادها، وأجازوا شرب الدّواء لإلقاء النّطفة ؛ لأنّها لم تنعقد بعد، وقد لا تنعقد ولداً‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى إباحة إسقاط العلقة حيث إنّهم يقولون بإباحة إسقاط الحمل ما لم يتخلّق منه شيء، ولن يتمّ التّخلّق إلاّ بعد مائة وعشرين يوماً، قال ابن عابدين‏:‏ وإطلاقهم يفيد عدم توقّف جواز إسقاطها قبل المدّة المذكورة على إذن الزّوج، وكان الفقيه عليّ بن موسى الحنفيّ يقول‏:‏ إنّه يكره، فإنّ الماء بعدما وقع في الرّحم مآله الحياة، فيكون له حكم الحياة كما في بيضة صيد الحرم، قال ابن وهبان‏:‏ فإباحة الإسقاط محمولة على حالة العذر أو أنّها لا تأثم إثم القتل‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى عدم وجوب الغرّة بإلقاء العلقة ؛ لأنّ العلقة لم تتصوّر فلم يجب فيها شيء‏.‏

وذهب المالكيّة إلى وجوب الغرّة بإلقاء العلقة‏.‏

ما يترتّب على سقوط العلقة

6 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ العلقة لا تعتبر حملاً، فلا تعتبر المرأة بسقوطها نفساء لا يقع عليها طلاق معلّق على الولادة وليس عليها عدّة‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ العلقة تعتبر حملاً فتعتبر المرأة بسقوطها نفساء ويقع عليها الطّلاق المعلّق على الولادة وتنقضي بها العدّة‏.‏

عِلّة

التّعريف

1 - العلّة لغةً تطلق على المرض، وتطلق على السّبب‏.‏

أمّا في اصطلاح الأصوليّين‏:‏ فقد عرّفها الغزاليّ بقوله‏:‏ هي ما أضاف الشّارع الحكم إليه وناطه به، ونصبه علامةً عليه، فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ‏}‏ جعلت السّرقة فيه مناطاً لقطع اليد، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » القاتل لا يرث « جعل فيه قتل المورث مناطاً للحكم وهو حرمان القاتل إرث المقتول‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحكمة‏:‏

2 - الحكمة في اللّغة‏:‏ عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم‏.‏

وفي اصطلاح الأصوليّين هي‏:‏ المصلحة الّتي قصد الشّارع من تشريع الحكم تحقيقها أو تكميلها، أو المفسدة الّتي قصد الشّارع بتشريع الحكم دفعها أو تقليلها‏.‏

والفرق بين حكمة الحكم وعلّته‏:‏ أنّ حكمة الحكم‏:‏ هي الباعث على تشريعه، والغاية المقصودة منه، أمّا علّة الحكم فهي الأمر الظّاهر المنضبط الّذي بنى الشّارع الحكم عليه وربطه به وجوداً وعدماً ؛ لأنّ من شأن بنائه عليه وربطه به أن يحقّق حكمة تشريع الحكم‏.‏

ب - السّبب‏:‏

3 - السّبب في اللّغة الحبل، وهو ما يتوصّل به إلى الاستعلاء ثمّ استعير لكلّ شيء يتوصّل به إلى أمر من الأمور‏.‏

وفي الاصطلاح هو‏:‏ ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم بالنّظر لذاته، كالزّوال مثلاً فإنّ الشّرع وضعه سبباً لدخول وقت الظّهر‏.‏

وعند أهل الشّرع يشترك العلّة والسّبب في ترتيب المسبّب، والمعلول عليهما، ويفترقان في وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّ السّبب ما يحصل الشّيء عنده لا به، والعلّة ما يحصل به‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ المعلول يتأثّر عن علّته بلا واسطة بينهما، ولا شرط يتوقّف الحكم على وجوده، والسّبب إنّما يفضي إلى الحكم بواسطة، وقد يراد بالسّبب‏:‏ العلّة عند بعض الفقهاء فيقولون‏:‏ النّكاح سبب الحلّ، والطّلاق سبب لوجوب العدّة شرعاً‏.‏

ج - الشّرط‏:‏

4 - الشّرط في اللّغة‏:‏ العلامة‏:‏ جاء في التّنزيل‏:‏ ‏{‏فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا ‏}‏ أي‏:‏ علاماتها‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته‏.‏ والفرق بين العلّة والشّرط أنّ الشّرط مناسبته في غيره كالوضوء بالنّسبة للصّلاة، والعلّة مناسبتها في نفسها كالنّصاب في وجوب الزّكاة‏.‏

د - المانع‏:‏

5 - المانع لغةً‏:‏ الحائل‏.‏

واصطلاحاً ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعلّة

6 - العلّة من أهمّ أركان القياس، والقياس من مصادر الفقه الإسلاميّ عند جمهور الفقهاء، فإذا لم يدرك العقل علّةً لحكم الأصل امتنع القياس ؛ لانعدام أهمّ ركن من أركانه‏.‏ وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

شروط العلّة

7 - للعلّة شروط منها‏:‏

أ - أن تكون العلّة وصفاً ظاهراً أي‏:‏ واضحاً يمكن إدراكه والتّحقّق من وجوده أو عدمه، وذلك كالصّغر في ثبوت الولاية على الصّغير، والرّشد في ثبوتها للرّشيد، والإسكار في حرمة الخمر، وقد تكون العلّة أمراً خفيّاً أقام الشّارع مقامه أمراً ظاهراً يقترن به ويدلّ عليه، كالرّضا الّذي هو الوصف المناسب لصحّة العقد وتشريعه، وهو أمر خفيّ لا يمكن الوقوف عليه، فأقام الشّارع مقامه أمراً ظاهراً يقترن به ويدلّ على وجوده وهو‏:‏ الإيجاب والقبول، والوصف المناسب للحكم في القصاص وقوع القتل عمداً وعدواناً، فإذا كان القتل أمراً ظاهراً فالتّعمّد أمر خفيّ، فأقام الشّارع مقامه ما يقترن به ويدلّ عليه، وهو استعمال الآلة الّتي تستعمل عادةً في القتل‏.‏

ب - أن تكون العلّة وصفاً منضبطاً لا يختلف باختلاف موصوفه، فقتل الوارث مورثه - المؤدّي إلى الحرمان من إرث المقتول - أمر محدود، لا يختلف باختلاف القاتل أو المقتول، والشّدّة المؤدّية إلى السّكر في حرمة الخمر وصف محدود ؛ لأنّها في نبيذ العنب مثلها في نبيذ الشّعير أو التّمر أو غير ذلك، وقد يكون الوصف المناسب غير منضبط فيقيم الشّارع أيضاً مقامه أمراً منضبطاً يقترن به ويدلّ عليه، كإباحة الفطر في رمضان، فالوصف المناسب لإباحة الفطر المشقّة وهي أمر غير منضبط، فقد يعدّ مشقّةً عند بعض النّاس ما ليس بمشقّة عند آخرين، فأقام الشّارع مقامها ما هو مظنّة للمشقّة في الأمور المنضبطة‏:‏ وهو السّفر أو المرض‏.‏

ج - أن يكون الوصف متعدّياً غير مقصور على الأصل، فإذا كان مقصوراً على الأصل لم يصحّ القياس ؛ لانعدام العلّة في الفرع، كإباحة الفطر في رمضان للمسافر والمريض فإنّه لا يقاس عليهما المشتغل بالأعمال الشّاقّة ؛ لأنّ العلّة هي السّفر وهو لا يوجد إلاّ في مسافر، أو المرض وهو لا يوجد إلاّ في مريض‏.‏

د - ألاّ يكون من الأوصاف الّتي ألغى الشّارع اعتبارها، كأن يضيف الشّارع الحكم إلى وصف وينوطه به ثمّ تقترن به أوصاف علم بعادة الشّرع وموارده ومصادره في أحكامه أنّه لا مدخل لها في التّأثير ككون الّذي أفطر في رمضان بوقاع أهله وأوجب عليه الشّارع العتق أعرابيّاً، فإنّا نلحقه كلّ مكلّف أفطر في رمضان بجماع، ونحذف عن درجة الاعتبار وصف كونه أعرابيّاً واقع منكوحته في رمضان معيّن وفي يوم منه لأنّا نعلم من عادة الشّرع وموارده ومصادره أنّ مناط الحكم وقاع مكلّف في رمضان وهو صائم‏.‏

وتفصيل شروط العلّة في الملحق الأصوليّ‏.‏

ما تثبت به العلّة

8 - تثبت العلّة بالأدلّة الشّرعيّة من الكتاب والسّنّة والإجماع، أو نوع من الاستدلال المستنبط‏.‏

فالّتي تثبت بالأدلّة الشّرعيّة النّقليّة إنّما تستفاد من صريح النّطق، أو الإيماء، أو من التّنبيه على الأسباب، فالمستفاد من الصّريح‏:‏ أن يرد فيه لفظ التّعليل مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ‏}‏‏.‏

قوله جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏}‏ الآية‏.‏

والمستفاد من الإيماء على العلّة‏:‏ كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لمّا سئل عن الهرّة‏:‏ » إنّها من الطّوّافين عليكم والطّوّافات « فإنّه صلى الله عليه وسلم لم يأت بأدوات التّعليل على قول بعض الأصوليّين الّذين لا يعدّون ‏"‏ إن ‏"‏ من أدوات التّعليل، إلاّ أنّه أومأ إلى التّعليل ؛ لأنّه لو لم يكن الطّواف علّةً لم يكن ذكره مفيداً‏.‏

والمستفاد بالتّنبيه على الأسباب‏:‏ أن يرتّب الأحكام عليها بصيغة الجزاء والشّرط – أو بإلغاء الّتي هي للتّعقيب – والتّسبيب، كقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ » من أحيا أرضاً ميتةً فهي له «‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ‏}‏‏.‏

وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

9- وتثبت العلّة كذلك بالإجماع على أنّ الوصف مؤثّر، ومثاله قولهم‏:‏ إذا قدّم الأخ من الأب والأمّ على الأخ للأب في الميراث فينبغي أن يقدّم عليه في ولاية النّكاح، فإنّ العلّة في التّقديم في الميراث بسبب امتزاج الأخوّة وهو المؤثّر بالاتّفاق‏.‏

وكذلك يقال‏:‏ يجب الضّمان على السّارق وإن قطع ؛ لأنّه مال تلف تحت اليد العادية فيضمن كما في الغصب وهذا الوصف هو المؤثّر في الغصب اتّفاقاً‏.‏

إثبات العلّة بالاستنباط، وطرق الاستدلال

10 - إذا لم تثبت العلّة بنصّ - أو إجماع - بحث المجتهد في الأصل المنصوص على حكمه عن وصف يدرك العقل مناسبته، أي‏:‏ صلاحيته لربط الحكم به، وبنائه عليه، لتتحقّق المصلحة المقصودة منه، فإذا وجد في الفعل المنصوص عليه وصفاً مناسباً متميّزاً كان هو العلّة، وإذا أدرك وصفاً مناسباً تشوبه أوصاف لا تأثير لها في الحكم كان عليه أن يجتهد في تنقيحه أي‏:‏ تخليصها ممّا يشوبها من أوصاف لا دخل لها في العلّيّة، ويسمّى تنقيح المناط، كالأعرابيّ الّذي أفطر في رمضان بجماع زوجته‏.‏

وإذا وجد في الفعل عدّة أوصاف مناسبة كان سبيله إلى تعيين أحدها‏:‏

التّقسيم، والسّبر، وذلك بأن يقول‏:‏ هذا الحكم معلّل ولا علّة له إلاّ كذا وكذا وقد بطل أحدهما فيتعيّن الآخر‏.‏

والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏.‏

عِلْم

التّعريف

1 - العلم في اللّغة‏:‏ يطلق على المعرفة والشّعور والإتقان واليقين، يقال‏:‏ علمت الشّيء أعلمه علماً عرفته، ويقال‏:‏ ما علمت بخبر قدومه أي‏:‏ ما شعرت، ويقال‏:‏ علم الأمر وتعلّمه‏:‏ أتقنه‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هو حصول صورة الشّيء في العقل‏.‏

واختار العضد الإيجيّ بأنّه‏:‏ صفة توجب لمحلّها تمييزاً بين المعاني لا يحتمل النّقيض‏.‏ وقال صاحب الكلّيّات‏:‏ والمعنى الحقيقيّ للفظ العلم هو الإدراك، ولهذا المعنى متعلّق وهو المعلوم، وله تابع في الحصول يكون وسيلةً إليه في البقاء وهو الملكة، فأطلق لفظ العلم على كلّ منها، إمّا حقيقةً عرفيّةً أو اصطلاحيّةً أو مجازاً مشهوراً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجهل‏:‏

2 - الجهل لغةً‏:‏ نقيض العلم، ويطلق على السّفه والخطأ، يقال‏:‏ جهل على غيره سفه وأخطأ، كما يطلق على الإضاعة، يقال‏:‏ جهل الحقّ أضاعه، فهو جاهل وجهول، وتجاهل‏:‏ أظهر الجهل‏.‏

والجهل اصطلاحاً‏:‏ هو اعتقاد الشّيء على خلاف ما هو عليه‏.‏

فالجهل ضدّ العلم‏.‏

ب - المعرفة‏:‏

3 - المعرفة لغةً‏:‏ اسم من مصدر عرف، يقال‏:‏ عرفته عرفةً بالكسر وعرفاناً‏:‏ علمته بحاسّة من الحواسّ الخمس‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ إدراك الشّيء على ما هو عليه‏.‏

قال صاحب التّعريفات‏:‏ وهي مسبوقة بجهل بخلاف العلم، ولذلك يسمّى الحقّ تعالى بالعالم دون العارف‏.‏

أقسام العلم

4 - ينقسم العلم عند علماء الكلام إلى قديم وحادث‏.‏

فالقديم‏:‏ هو علم اللّه تعالى، والعلم من صفات اللّه الأزليّة، وهي صفة أزليّة تنكشف المعلومات عند تعلّقها بها‏.‏

والعلم الحادث‏:‏ هو علم العباد، وهو نوعان‏:‏ ضروريّ، واكتسابيّ‏.‏

فالضّروريّ ما يحصل في العالم بإحداث اللّه وتخليقه من غير فكر وكسب من جهته‏.‏ وعرّفه الجرجانيّ بأنّه‏:‏ ما لا يكون تحصيله مقدوراً للمخلوق، ويقابله العلم الاكتسابيّ وهو العلم المقدور تحصيله‏.‏

الحكم التّكليفيّ

5 - يختلف الحكم التّكليفيّ تبعاً لفائدة العلم والحاجة إليه، فمنه ما تعلّمه فرض، ومنه ما هو محرّم، والفرض منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية‏.‏

6- فمن العلوم الّتي تعلّمها فرض عين تعلّم ما يحتاجه الإنسان من علم الفقه والعقيدة‏.‏ قال ابن عابدين نقلاً عن العَلاميّ‏:‏ من فرائض الإسلام تعلّم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله للّه تعالى ومعاشرة عباده، وفرض على كلّ مكلّف ومكلّفة بعد تعلّمه علم الدّين والهداية تعلّم علم الوضوء والغسل والصّلاة والصّوم، وعلم الزّكاة لمن له

نصاب، والحجّ لمن وجب عليه، والبيوع على التّجّار ليحترزوا عن الشّبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحرف وكلّ من اشتغل بشيء يفرض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ من أقسام العلم الشّرعيّ ما هو فرض عين، وهو تعلّم المكلّف ما لا يتأدّى الواجب الّذي تعيّن عليه فعله إلاّ به، ككيفيّة الوضوء والصّلاة ونحوهما، وأمّا أصل واجب الإسلام وما يتعلّق بالعقائد فيكفي فيه التّصديق بكلّ ما جاء به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واعتقاده اعتقاداً جازماً سليماً من كلّ شكّ، ولا يتعيّن على من حصل له هذا تعلّم أدلّة المتكلّمين، هذا هو الصّحيح الّذي أطبق عليه السّلف والفقهاء والمحقّقون من المتكلّمين من أصحابنا وغيرهم، فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يطالب أحداً بشيء سوى ما ذكرنا، ولو تشكّك في شيء من أصول العقائد ممّا لا بدّ من اعتقاده ولم يزل شكّه إلاّ بتعلّم دليل من أدلّة المتكلّمين، وجب تعلّم ذلك لإزالة الشّكّ وتحصيل ذلك الأصل‏.‏

ولا يلزم الإنسان تعلّم كيفيّة الوضوء والصّلاة وشبهها إلاّ بعد وجوب ذلك الشّيء، وأمّا البيع والنّكاح وشبههما - ممّا لا يجب أصله - فيحرم الإقدام عليه إلاّ بعد معرفة شرطه‏.‏ وقال النّوويّ‏:‏ علم القلب هو معرفة أمراض القلب كالحسد، والعجب، وشبههما، فذهب الغزاليّ إلى أنّ معرفة حدودها وأسبابها وطبّها وعلاجها فرض عين، وقال غيره‏:‏ إن رزق المكلّف قلباً سليماً من هذه الأمراض المحرّمة كفاه ذلك، ولا يلزمه تعلّم دوائها، وإن لم يسلم نظر‏:‏ إن تمكّن من تطهير قلبه من ذلك بلا تعلّم لزمه التّطهير، كما يلزمه ترك الزّنا ونحوه من غير تعلّم أدلّة التّرك، وإن لم يتمكّن من التّرك إلاّ بتعلّم العلم المذكور تعيّن حينئذ‏.‏

7 - وأمّا العلوم الّتي هي من فروض الكفاية، فهي العلوم الّتي لا بدّ للنّاس منها في إقامة دينهم من العلوم الشّرعيّة، كحفظ القرآن والأحاديث، وعلومهما والأصول، والفقه، واللّغة والتّصريف، ومعرفة رواة الحديث، والإجماع، والخلاف‏.‏

ومن فروض الكفاية أيضاً‏:‏ العلوم الّتي يحتاج إليها في قوام أمر الدّنيا كالطّبّ والحساب والصّنائع الّتي هي سبب قيام مصالح الدّنيا كالخياطة والفلاحة ونحوهما‏.‏

8 - والعلوم المندوبة هي التّوسّع في العلوم الشّرعيّة وآلاتها، والاطّلاع على غوامضها

9 - وأمّا العلوم المحرّمة فمنها‏:‏ الشّعوذة، وهي‏:‏ خفّة في اليد كالسّحر ترى الشّيء بغير ما عليه أصله‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وأفتى ابن حجر في أهل الحلق في الطّرقات الّذين لهم أشياء غريبة كقطع رأس إنسان وإعادته وجعل نحو دراهم من التّراب وغير ذلك بأنّهم في معنى السّحرة إن لم يكونوا منهم، فلا يجوز لهم ذلك، ولا لأحد أن يقف عليهم‏.‏

ومن العلوم المحرّمة‏:‏ الكهانة والسّحر والرّمل وبعض أنواع التّنجيم‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلحاتها‏.‏

وأمّا علم الفلسفة فيرى ابن عابدين أنّه لفظ يونانيّ وتعريبه الحكم المموّهة أي‏:‏ مزيّنة الظّاهر فاسدة الباطن، كالقول بقدم العالم وغيره من المكفّرات والمحرّمات‏.‏

وذكر في الإحياء أنّها ليست علماً برأسها بل هي أربعة أجزاء‏:‏

أحدها‏:‏ الهندسة والحساب وهما مباحان‏.‏

والثّاني‏:‏ المنطق وهو بحث من وجه الدّليل وشروطه ووجه الحدّ وشروطه وهما داخلان في علم الكلام‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ منطق الإسلاميّين الّذي مقدّماته قواعد إسلاميّة فلا وجه للقول بحرمته، بل سمّاه الغزاليّ معيار العلوم، وقد ألّف فيه علماء الإسلام‏.‏

والثّالث‏:‏ الإلهيّات، وهو بحث عن ذات اللّه تعالى وصفاته، انفردوا فيه بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة‏.‏

الرّابع‏:‏ الطّبيعيّات، وبعضها مخالف للشّرع، وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصّها وكيفيّة استحالتها وتغيّرها‏.‏

وأمّا علم الموسيقى‏:‏ فهو علم رياضيّ يعرف منه أحوال النّغم والإيقاعات وكيفيّة تأليف اللّحون وإيجاد الآلات‏.‏

وللفقهاء في حكم تعلّمه أقوال تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏استماع، غناء، معازف‏)‏‏.‏

10 - وأمّا العلوم المكروهة فهي أشعار المولّدين من الغزل والبطالة‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ المكروه منه ما داوم عليه وجعله صناعةً له حتّى غلب عليه وأشغله عن ذكر اللّه تعالى وعن العلوم الشّرعيّة، وبه فسّر قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً «‏.‏

فاليسير من ذلك لا بأس به إذا قصد به إظهار النّكات واللّطافات والتّشابيه الفائقة والمعاني الرّائقة، وإن كان في وصف الخدود والقدود، أمّا الزّهريّات المجرّدة عن ذلك المتضمّنة وصف الرّياحين والأزهار والمياه فلا وجه لمنعه‏.‏

11 - والعلوم المباحة كأشعار المولّدين الّتي ليس فيها سخف، ولا شيء ممّا يكره، ولا ما ينشّط إلى الشّرّ، ولا ما يثبّط عن الخير، ولا ما يحثّ على خير أو يستعان به عليه‏.‏

عُلُوّ

انظر‏:‏ تعلّي‏.‏

عُلُوق

التّعريف

1 - العلوق لغةً‏:‏ من علق بالشّيء علقاً وعلقةً‏:‏ نشب فيه، وهو عالق به أي‏:‏ نشب فيه، وعلقت المرأة بالولد، وكلّ أنثى تعلق‏:‏ حبلت، والمصدر العلوق‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ ‏"‏ علوق ‏"‏ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الوطء‏:‏

2 - من معاني الوطء لغةً‏:‏ النّكاح والجماع، أمّا الفقهاء فيستعملونه بمعنى الجماع‏.‏

ب - الإنزال‏:‏

3 - من معاني الإنزال لغةً‏:‏ إنزال الرّجل ماءه، إذا أمنى بجماع أو غيره‏.‏

ويطلق عند الفقهاء على خروج ماء الرّجل أو المرأة بجماع أو احتلام أو نظر أو غير ذلك‏.‏ والعلاقة بين العلوق وبين الوطء والإنزال أنّ الوطء في الفرج وكذا الإنزال في الفرج يكونان سبباً للعلوق، إذ العلوق لا يكون إلاّ من المنيّ‏.‏

أثر العلوق

4 - العلوق في الفراش يوجب ثبوت النّسب فمن تزوّج امرأةً وهو ممّن يولد له ووطئها ولم يشاركه أحد في وطئها بشبهة ولا غيرها وأتت بولد في المدّة المقرّرة للحمل الّتي حدّدها الفقهاء فإنّ نسب الولد يلحق بالزّوج ؛ لأنّ الولد وجد من وطء على فراش الزّوج، والعلوق في فراشه يوجب ثبوت النّسب منه وهذا باتّفاق‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏نسب‏)‏‏.‏

أثر العلوق في الرّجعة

5 - المطلّقة طلاقاً رجعيّاً يثبت نسب ما تلده ولو لأكثر من سنتين، ولو لعشرين سنةً فأكثر لاحتمال امتداد طهرها وعلوقها في العدّة، ويصير بالوطء الّذي علقت منه مراجعاً، وتكون الولادة دليل الرّجعة ؛ لأنّ المطلّقة الرّجعيّة لها حكم الزّوجة فحملها في مدّة العدّة يحمل على الحلال ؛ لانتفاء الزّنى من المسلم ظاهراً‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏رجعة ف 13‏)‏‏.‏

أثر العلوق في الوصيّة والإرث

6 - للعلوق أثر في الوصيّة والإرث فتصحّ الوصيّة للحمل وأمّا بالنّسبة للإرث فتوقف التّركة لوضع الحمل‏.‏

وينظر ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏إرث ف 109، ووصيّة‏)‏‏.‏