فصل: القتل المشروع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


رابعاً‏:‏ قبول الدّعوة

يقصد بالدّعوة هنا أمران‏:‏

أحدهما‏:‏ الدّعوة إلى الإيمان باللّه تعالى والإيمان بكتبه ورسله‏:‏

15 - وقبول الدّعوة إلى الإيمان باللّه تعالى واجب إذ الإقبال على ما دعا إليه الدّاعي ومتابعته فيما دعا إليه هو الخير العظيم الّذي يسوقه اللّه سبحانه وتعالى لمن قبل الدّعوة، ففي الحديث الّذي رواه البخاريّ عن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ «جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو نائم‏.‏‏.‏‏.‏، إلى أن قال‏:‏ فقالوا‏:‏ مثله كمثل رجل بنى داراً جعل فيها مأدبةً وبعث داعياً، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة، فأوّلوا الرّؤيا فقالوا‏:‏ الدّار‏:‏ الجنّة، والدّاعي‏:‏ محمّد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمّداً صلى الله عليه وسلم فقد أطاع اللّه، ومن عصى محمّداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى اللّه»‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏دعوة ف 17‏)‏‏.‏

الأمر الثّاني‏:‏ الدّعوة إلى الطّعام

16 - والقبول هنا هو إجابة الدّعوة والذّهاب إلى الوليمة الّتي دعي إليها‏.‏

وقبول الدّعوة إلى الوليمة واجب إن كانت الوليمة وليمة عرس‏.‏

أمّا غير ذلك من الولائم كالعقيقة والعذيرة والوكيرة وغير ذلك فقد اختلف الفقهاء في حكم قبول الدّعوة إليها، هل هو واجب أو مستحبّ ‏؟‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏دعوة ف 32‏)‏‏.‏

قَبِيلة

التّعريف

1 - القبيلة في اللّغة‏:‏ جماعة من النّاس تنتسب إلى أب أو جدّ واحد، وقيل‏:‏ القبيلة البطن، والقبيل‏:‏ الجماعة من النّاس تتكوّن من ثلاثة فصاعداً من قوم شتّى‏.‏

والقبيلة من الحيوان والنّبات‏:‏ الصّنف، جمع قبائل وقبيل، وقبائل الشّجرة أغصانها‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ القبيلة هي الجماعة من النّاس من أب واحد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الشّعب‏:‏

2 – الشَّعْب بفتح الشّين‏:‏ القبيلة العظيمة، وقيل‏:‏ الحيّ العظيم يتشعّب من القبيلة، وقيل هو القبيلة نفسها، وجمعه شعوب‏.‏

والشّعب أبو القبائل الّذي ينتسبون إليه أي يجمعهم ويضمّهم، وقيل‏:‏ الشّعوب الجُمَّاع، والقبائل البطون، والشّعب ما تشعّب من قبائل العرب والعجم، وكلّ جيل شعب، والشّعب قد يكون أوسع من القبيلة، وهو ما انقسمت فيه القبائل، وقد يكون مساوياً للقبيلة‏.‏

ب - العشيرة‏:‏

3 - العشيرة في أصل اللّغة من المعاشرة وهي المخالطة، ولا واحد لها من لفظها، والجمع عشائر وعشيرات، وعشيرة الرّجل بنو أبيه الأقربون، وتطلق على الرّجال دون النّساء، وهم أهل الرّجل الّذين يتكثّر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل، وذلك أنّ العشرة هو العدد الكامل، فصارت اسماً لكلّ جماعة من أقارب الرّجل الّذين يتكثّر بهم‏.‏ والعشيرة أخصّ من القبيلة‏.‏

ج - القوم‏:‏

4 - القوم في اللّغة‏:‏ جماعة الرّجال ليس فيهم امرأة، ومنه قوله تعالى في التّنزيل‏:‏ ‏{‏ لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ ‏}‏ الواحد منه رجل وامرؤ من غير لفظه، والجمع أقوام، سمّوا بذلك لقيامهم بالعظائم والمهمّات، ولفظ القوم يذكّر ويؤنّث فيقال‏:‏ قام القوم، وقامت القوم، وكذلك كلّ اسم جمع لا واحد له من لفظه، نحو رهط ونفر‏.‏

وقوم الرّجل أقرباؤه الّذين يجتمعون معه في جدّ واحد، وقد يقيم الرّجل بين الأجانب فيسمّيهم قومه مجازاً للمجاورة‏.‏

قال العلماء‏:‏ القوم في الأصل جماعة الرّجال دون النّساء إلاّ أنّه في عامّة القرآن أريد به الرّجال والنّساء جميعاً‏.‏

والقوم أخصّ من القبيلة‏.‏

ما يتعلّق بالقبيلة من أحكام

أ - الكفاءة في النّكاح‏:‏

5 - اختلف الفقهاء في اعتبار النّسب إلى القبيلة في الكفاءة في النّكاح‏:‏

فذهب الحنفيّة وهو الرّاجح عند الشّافعيّة والحنابلة إلى اعتبار القبيلة في كفاءة النّكاح، وأنّ الرّجل ليس كفئاً لامرأة تنسب إلى قبيلة أشرف من قبيلته‏.‏

وذهب المالكيّة وهو قول عند الشّافعيّة ورواية عن أحمد إلى عدم اعتبار القبيلة أو النّسب في كفاءة النّكاح، وأنّ المعتبر فقط هو الدّين، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ‏}‏‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح، وكفاءة‏)‏‏.‏

ب - التّعصّب للقبيلة‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على حرمة التّعصّب للقبيلة وأبناء العشيرة والانحياز إلى القرابة، والمحاباة بسببها، والاقتتال من أجلها أو تحت لوائها على غير وجه الحقّ‏.‏

وقد جاء الإسلام ليزيل آثار القبليّة السّيّئة فألّف بين القلوب ومنع التّقاطع، والتّدابر، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ‏}‏‏.‏

وقد ورد‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بني بياضة أن يزوّجوا أبا هند امرأةً منهم فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ نزوّج بناتنا موالينا ‏؟‏ فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية»‏.‏

وعن ابن أبي مليكة قال‏:‏ «لمّا كان يوم الفتح رقى بلال على ظهر الكعبة، فأذّن فقال بعض النّاس‏:‏ يا عباد اللّه، أهذا العبد الأسود يؤذّن على ظهر الكعبة ‏؟‏ فقال بعضهم‏:‏ إن يسخط اللّه هذا يغيّره فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ‏}‏»‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ زجرهم عن التّفاخر بالأنساب، والتّكاثر بالأموال، والازدراء بالفقراء، فإنّ المدار على التّقوى‏.‏

وعن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا، إنّما هم فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على اللّه من الجعل الّذي يدهده الخراء بأنفه، إنّ اللّه قد أذهب عنكم عبّيّة الجاهليّة، إنّما هو مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، النّاس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب»‏.‏

وعن أبي نضرة قال‏:‏ حدّثني من سمع خطبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في وسط أيّام التّشريق فقال‏:‏ «يا أيّها النّاس ألا إنّ ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيّ على أعجميّ ولا لعجميّ على عربيّ ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلاّ بالتّقوى أبلّغت ‏؟‏» الحديث‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام في معرض ذمّه للعصبيّة القبليّة‏:‏ «دعوها فإنّها منتنة»‏.‏

قِتَال

التّعريف

1 - القتال مصدر قاتل، ومصدر الثّلاثيّ منه قتْل، وأصل القتل‏:‏ الإماتة، وهي إزالة الرّوح عن الجسد، لكن إذا اعتبر بفعل المتولّي ذلك يقال‏:‏ قتل، وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال‏:‏ موت‏.‏

والقتال من المقاتلة والمحاربة بين اثنين، والمقاتَِلة - بفتح التّاء وكسرها - الّذين يشتركون في القتال، لأنّ الفعل واقع من كلّ واحد‏.‏

وقاتله اللّه‏:‏ لعنه‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للّفظ ‏"‏ قتال ‏"‏ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحرابة‏:‏

2 - الحرابة لغةً‏:‏ من الحرْب الّتي هي نقيض السّلم، يقال‏:‏ حاربه محاربةً وحراباً، أو من الحرَب - بفتح الرّاء - وهو السّلب‏.‏

والحرابة في الاصطلاح هي البروز للنّاس لأخذ المال أو للقتل أو للإرعاب على سبيل المجاهرة‏.‏

وبين القتال والحرابة عموم وخصوص وجهيّ‏.‏

ب - الجهاد‏:‏

3 - الجهاد لغةً‏:‏ قتال العدوّ، يقال‏:‏ جاهد العدوّ مجاهدةً وجهاداً إذا قاتله‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ قتال المسلمين الكفّار غير المجاهدين إعلاءً لكلمة اللّه تعالى بعد دعوتهم إلى الإسلام وإبائهم‏.‏

وبين القتال والجهاد عموم وخصوص‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - القتال قد يكون واجباً وذلك كقتال الكفّار، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ‏}‏‏.‏

وكقتال البغاة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ‏}‏‏.‏

وقد يكون القتال حراماً، كالقتال الّذي يحدث من البغاة الخارجين عن الإمام‏.‏

وقد يكون مباحاً كالقتال لدفع الصّائل عن النّفس أو البضع زمن الفتنة إذا قصده وحده‏.‏

قال في منح الجليل‏:‏ إذا قصده وحده فالأمران - أي الدّفع وعدمه - سواء، والسّاكت عن الدّفع عن نفسه حتّى يقتل لا يعدّ آثماً ولا قاتلاً لنفسه‏.‏

ما يتعلّق بالقتال من أحكام

أ - قتال الكفّار‏:‏

5 - قتال الكفّار فرض في الجملة لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ‏}‏، لكنّ القتال يكون بعد دعوتهم إلى الإسلام باللّسان وإقامة الدّليل وإبائهم، قال الكاسانيّ‏:‏ إن كانت الدّعوة إلى الإسلام لم تبلغ الكفّار فعلى المسلمين الدّعوة إلى الإسلام باللّسان، لقول اللّه تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ‏}‏، ولا يجوز لهم القتال قبل الدّعوة‏.‏

والدّعوة دعوتان‏:‏ دعوة بالبنان وهي القتال، ودعوة بالبيان وهو اللّسان وذلك بالتّبليغ، والثّانية أهون من الأولى، لأنّ في القتال مخاطرةً بالرّوح والنّفس والمال، وليس في دعوة التّبليغ شيء من ذلك، فإذا احتمل حصول المقصود بأهون الدّعوتين لزم الافتتاح بها‏.‏

هذا إذا كانت الدّعوة لم تبلغهم، فإن كانت قد بلغتهم جاز لهم أن يفتتحوا القتال من غير تجديد الدّعوة، لأنّ الحجّة لازمة، والعذر في الحقيقة منقطع، وشبهة العذر انقطعت بالتّبليغ مرّةً، لكن مع هذا الأفضل أن لا يفتتحوا القتال إلاّ بعد تجديد الدّعوة لرجاء الإجابة في الجملة، وقد ورد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما قاتل قوماً حتّى يدعوهم، فإن أسلموا كفّوا عنهم القتال، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوا لا إله إلاّ اللّه عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها»، فإن أبوا الإجابة إلى الإسلام دعوهم إلى الذّمّة إلاّ مشركي العرب والمرتدّين، فإن أجابوا كفّوا عنهم لحديث بريدة رضي الله عنه‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سريّة أوصاه في خاصّته بتقوى اللّه ومن معه من المسلمين خيراً ثمّ قال‏:‏ اغزوا باسم اللّه في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوّلوا منها، فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم اللّه الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلاّ أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن باللّه وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة اللّه وذمّة نبيّه فلا تجعل لهم ذمّة اللّه ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك، فإنّكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمّة اللّه وذمّة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم اللّه، فلا تنزلهم على حكم اللّه، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنّك لا تدري أتصيب حكم اللّه فيهم أم لا»‏.‏

ب - قتال البغاة‏:‏

6 - البغاة هم الّذين يخرجون على الإمام يبغون خلعه أو منع الدّخول في طاعته، أو منع حقّ واجب بتأويل في ذلك كلّه‏.‏

والأصل في مشروعيّة قتالهم قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ‏}‏‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ من اتّفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته، ومحرّم الخروج عليه، لما في الخروج عليه من شقّ عصا الطّاعة، ويدخل الخارج في عموم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من خرج على أمّتي وهم جميع فاضربوا عنقه بالسّيف كائناً من كان»، فمن خرج على من ثبتت إمامته باغياً وجب قتاله، لكن لا يجوز قتال البغاة حتّى يبعث إليهم الإمام من يسألهم ويكشف لهم الصّواب، ويزيل ما يذكرونه من المظالم، فإن لجوّا قاتلهم حينئذ، لأنّ اللّه تعالى ذكر في الآية الأمر بالإصلاح قبل القتال‏.‏ وروي أنّ عليّاً رضي الله تعالى عنه راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل، وأمر أصحابه أن لا يبدءوهم بالقتال، وكذلك بعث رضي الله تعالى عنه إلى الحروريّة عبد اللّه بن عبّاس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

فإن أبى البغاة الرّجوع إلى الحقّ وإلى طاعة الإمام فقد اختلف الفقهاء في حكم البدء بقتالهم، هل يجوز البدء بقتالهم وعدم الانتظار، أم لا يبدؤهم الإمام بالقتال حتّى يبدءوه، لأنّ قتالهم لدفع شرّهم‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بغاة ف 11‏)‏‏.‏

ح - قتال المرتدّين‏:‏

7 - إذا ارتدّ أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم وسبي ذراريّهم الحادثين بعد الرّدّة، وعلى الإمام قتالهم، فإنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله تعالى عنه قاتل أهل الرّدّة بجماعة الصّحابة رضوان الله عليهم، ولأنّ اللّه تعالى قد أمر بقتال الكفّار في مواضع من كتابه، وهؤلاء أحقّ منهم بالقتال، لأنّ تركهم ربّما أغرى أمثالهم بالتّشبّه بهم والارتداد معهم، فيكثر الضّرر، وإذا قاتلهم قتل من قدر عليه، ويتّبع مدبرهم، ويجهز على جريحهم، وتغنم أموالهم، وهذا ما ذهب إليه الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو ارتدّ أهل مدينة استتيبوا ثلاثة أيّام، فإن لم يتوبوا قوتلوا، ولا يسبون ولا يسترقّون‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ردّة ف 40 وما بعدها‏)‏، ومصطلح ‏(‏سبي ف 7 وما بعدها‏)‏، ومصطلح‏:‏ ‏(‏استرقاق ف 8 وما بعدها‏)‏‏.‏

د - القتال دفاعاً عن العرض والنّفس والمال‏:‏

8 - إذا تعرّض شخص لإنسان يريد الاعتداء على نفسه أو أهله أو ماله فإن أمكنه ردّه بأسهل طريقة ممكنة فعل ذلك، وإن لم يمكن ردّه إلاّ بالقتال قاتله، فإن قتل المعتدى عليه فهو شهيد، وإن قتل المعتدي فلا قصاص ولا دية‏.‏

وهذا في الجملة، والأصل في هذا قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد»‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «جاء رجل، فقال يا رسول اللّه‏:‏ أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ‏؟‏ قال‏:‏ فلا تعطه مالك، قال‏:‏ أرأيت إن قاتلني ‏؟‏ قال‏:‏ قاتله، قال‏:‏ أرأيت إن قتلني ‏؟‏ قال‏:‏ فأنت شهيد، قال‏:‏ أرأيت إن قتلته ‏؟‏ قال‏:‏ هو في النّار»‏.‏

إلاّ أنّ الفقهاء يفرّقون في وجوب الدّفع والقتال بين محاولة العدوان على النّفس أو العرض أو المال، فبالنّسبة للعدوان على العرض، فإنّ الفقهاء يتّفقون على وجوب دفع المعتدي على العرض بكلّ ما يمكن دفعه به ولو بالقتال، لأنّ العرض لا يجوز إباحته، قال الإمام أحمد في امرأة أرادها رجل عن نفسها فقتلته لتدفع عن نفسها‏:‏ لا شيء عليها‏.‏

أمّا بالنّسبة للعدوان على النّفس فعند الحنفيّة والمالكيّة في الأصحّ والحنابلة وفي قول للشّافعيّة أنّه إذا لم يمكن تخليص نفسه إلاّ بالقتال فإنّه يقاتله، وفي الأظهر عند الشّافعيّة لا يجب الدّفع، ويجوز الاستسلام إذا لم يكن المعتدي مهدر الدّم، فإن كان مهدر الدّم كالكافر وجب قتاله، وما سبق من الحكم إنّما هو في غير زمن الفتنة، أمّا في زمن الفتنة فلا يجب القتال، وإنّما يجوز الاستسلام‏.‏

وأمّا بالنّسبة للعدوان على المال فعند الحنفيّة وهو الأصحّ عند المالكيّة وفي قول للحنابلة يجب الدّفاع عن المال بالقتال إذا لم يمكن سوى ذلك، قال أحمد في اللّصوص يريدون نفسك ومالك‏:‏ قاتلهم تمنع نفسك ومالك‏.‏

وعند الشّافعيّة والحنابلة لا يجب الدّفع عن المال، لأنّ المال يجوز بذله وإباحته للغير‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صيال ف 5، 12‏)‏‏.‏

هـ - قتال مانع الطّعام أو الشّراب عن المضطرّ‏:‏

9 - من اضطرّ إلى الطّعام فلم يجد إلاّ طعام غيره، فإن كان صاحبه مضطرّاً إليه فهو أحقّ به، وإن لم يكن صاحبه مضطرّاً إليه لزمه بذله للمضطرّ، لأنّه يتعلّق به إحياء نفس آدميّ معصوم فلزمه بذله، لأنّ الامتناع من بذله إعانة على قتله، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة اللّه» فإن امتنع من بذله ولو بالثّمن فللمضطرّ أخذه، وإن احتاج في ذلك إلى قتال قاتله، فإن قتل المضطرّ فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه، وإن قتل صاحب الطّعام فهو هدر لأنّه ظالم بقتاله، وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ للمضطرّ قتال الممتنع من بذل الطّعام لكن بدون سلاح‏.‏

ومن كان عنده فضل ماء مملوك له محرز في الأواني ونحوها واحتاج إليه غيره لشربه أو شرب ماشيته وجب على صاحبه بذله له، ويحرم عليه منعه لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ»‏.‏

وقال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ للمضطرّ أن يقاتل الممتنع عن بذل فضل الماء ليأخذه، لكن خصّ الحنفيّة القتال هنا بأن يكون بغير سلاح كما تقدّم‏.‏

وإن كان الماء في أرض مملوكة واضطرّ ناس إلى الماء لشربهم وسقي دوابّهم ولم يجدوا غير هذا الماء فإنّه يقال لصاحب الماء‏:‏ إمّا أن تأذن لهؤلاء النّاس بالدّخول، وإمّا أن تعطي بنفسك، فإن لم يعطهم ومنعهم من الدّخول، فلهم أن يقاتلوه بالسّلاح ليأخذوا قدر ما يندفع به الهلاك عنهم وعن دوابّهم، لما روي أنّ قوماً وردوا ماءً فسألوا أهله أن يدلّوهم على البئر فأبوا، وسألوهم أن يعطوهم دلواً فأبوا، فقالوا لهم، إنّ أعناقنا وأعناق مطايانا كادت تقطع فأبوا، فذكروا ذلك لعمر رضي الله تعالى عنه فقال‏:‏ هلاّ وضعتم فيهم السّلاح‏.‏

و - قتال الممتنعين عن أداء الشّعائر‏:‏

10 - يعتبر الأذان من شعائر الإسلام وخصائصه، ولذلك لو اجتمع أهل بلدة على تركه قاتلهم الإمام، لأنّ الاجتماع على تركه استخفاف بالدّين، وهذا عند جمهور الفقهاء‏.‏

وقال أبو يوسف من الحنفيّة‏:‏ يحبسون ويضربون ولا يقاتلون بالسّلاح‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أذان ف 5‏)‏‏.‏

قَتْل

التّعريف

1 - القتل في اللّغة‏:‏ فعل يحصل به زهوق الرّوح يقال‏:‏ قتله قتلاً‏:‏ أزهق روحه، والرّجل قتيل والمرأة قتيل إذا كان وصفاً، فإذا حذف الموصوف جعل اسماً ودخلت الهاء نحو‏:‏ رأيت قتيلة بني فلان‏.‏ وفي لسان العرب نقلاً عن التّهذيب يقال‏:‏ قتله بضرب أو حجر أو سمّ‏:‏ أماته‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ، قال البابرتيّ‏:‏ إنّ القتل فعل من العباد تزول به الحياة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجَرْح‏:‏

2 - الجَرح بالفتح مصدر جرح يجرح جرحاً‏:‏ أثر بالسّلاح ونحوه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والجرح قد يكون سبباً من أسباب القتل‏.‏

ب - الضّرب‏:‏

3 - من معاني الضّرب‏:‏ الإصابة باليد أو السّوط أو السّيف أو بغير ذلك‏.‏

والضّرب قد يكون سبباً من أسباب القتل‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - تجري على قتل الآدميّ الأحكام التّكليفيّة الخمسة‏:‏

فيكون القتل حراماً كقتل النّفس المعصومة بغير حقّ ظلماً‏.‏

ويكون واجباً كقتل المرتدّ إذا لم يتب بعد الاستتابة، والزّاني المحصن بعد ثبوت الزّنا عليه شرعاً‏.‏

ويكون مكروهاً كقتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسمعه يسبّ اللّه أو رسوله‏.‏

ويكون مندوباً كقتل الغازي قريبه الكافر إذا سبّ اللّه أو رسوله‏.‏

ويكون مباحاً‏:‏ كقتل الإمام الأسير فإنّه مخيّر فيه‏.‏

قتل النّفس المعصومة بغير حقّ

5 - قتل النّفس الّتي حرّم اللّه قتلها من أكبر الكبائر بعد الكفر باللّه، لأنّه اعتداء على صنع اللّه، واعتداء على الجماعة والمجتمع، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ‏}‏‏.‏

وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اجتنبوا السّبع الموبقات، قيل‏:‏ وما هنّ يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»‏.‏

القتل المشروع

6 - القتل المشروع هو ما كان مأذوناً فيه من الشّارع، وهو القتل بحقّ، كقتل الحربيّ والمرتدّ والزّاني المحصن وقاطع الطّريق، والقتل قصاصاً، ومن شهر على المسلمين سيفاً، كالباغي، وهذا الإذن من الشّارع للإمام لا للأفراد، لأنّه من الأمور المنوطة بالإمام، لتصان محارم اللّه عن الانتهاك، وتحفظ حقوق العباد، ويحفظ الدّين، وفي الحديث‏:‏ «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّي رسول اللّه إلاّ بإحدى ثلاث‏:‏ النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني، المفارق لدينه التّارك للجماعة»، وروي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من شهر سيفه ثمّ وضعه فدمه هدر»‏.‏

والتّفصيل في مصطلحات‏:‏ ‏(‏ردّة ف 4، وأهل الحرب ف 11، وقصاص، وحرابة ف 16 وما بعدها‏)‏‏.‏

أقسام القتل

7 - يرى جمهور الفقهاء أنّ قتل النّفس بحسب القصد وعدمه ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

أ - قتل عمد‏.‏

ب - قتل شبه عمد‏.‏

ج - قتل خطأ‏.‏

ويزيد الحنفيّة على ذلك ما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب‏.‏

ويعتبر بعض فقهاء الحنابلة ما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب قسماً واحداً، فالقتل عند بعض الحنابلة أربعة أقسام‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏جناية فقرة 6‏)‏‏.‏

أمّا المالكيّة فالقتل عندهم نوعان‏:‏ عمد وخطأ‏.‏

وتفصيل أقسام القتل تنظر في مصطلحاتها‏:‏ ‏(‏قتل عمد، وقتل شبه العمد، وقتل خطأ وقتل بسبب‏)‏‏.‏

قتل غير الآدميّ

8 - يجري في قتل غير الآدميّ الأحكام التّكليفيّة الخمسة‏:‏

فقد يحرم كقتل الصّيد البرّيّ من المحرم، ولقد اتّفق الفقهاء على أنّ قتل الصّيد البرّيّ حرام على المحرم في الحلّ والحرم، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ‏}‏‏.‏

كما ذهب جمهورهم إلى حرمة قتل صيد الحرم من المحرم والمحلّ، إلاّ ما استثني منها، لقولـه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «هذا البلد حرام بحرمة اللّه، لا يعضد شجره، ولا ينفّر صيده»‏.‏

وقد يستحبّ كقتل الفواسق الخمس في الحلّ والحرم، وهي‏:‏ الحدأة، والغراب الأبقع، والعقرب، والكلب العقور، والحيّة، لخبر عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحلّ والحرم‏:‏ الفأرة، والعقرب، والغراب، والحديّا، والكلب العقور» وكذا كلّ سبع ضار، كالأسد، والنّمر‏.‏

وقد يكره كقتل ما لا تظهر منه منفعة ولا مضرّة، كالقرد، والهدهد، والخطّاف، والضّفدع، والخنفساء‏.‏

وقد يكون جائزاً، كقتل الهوامّ للمحرم والحلال، كالبرغوث، والبعوض والذّباب وجميع هوامّ الأرض، لأنّها ليست صيداً بالنّسبة للمحرم‏.‏

وقد يكون واجباً كقتل الحيوان الصّائل الّذي يهدّد حياة الإنسان‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلحات‏:‏ ‏(‏صيد ف 10، وصيال ف 5 وما بعدها‏)‏‏.‏

قتل أجري مجرى الخطأ

انظر‏:‏ قتل خطأ‏.‏

قَتْل بسبب

التّعريف

1 - القتل بسبب مركّب من كلمتين، هما‏:‏ القتل والسّبب‏.‏

وينظر تعريف كلّ واحد منهما في مصطلحه‏.‏

والقتل بسبب عند الحنفيّة هو القتل نتيجة فعل لا يؤدّي مباشرةً إلى قتل، كحفر البئر، أو وضع الحجر في غير ملكه، وأمثالهما، فيعطب به إنسان ويقتل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القتل العمد‏:‏

2 - القتل العمد هو قصد الفعل والشّخص بما يقتل قطعاً أو غالباً‏.‏

والعلاقة بينهما أنّ القتل العمد يكون بفعل مباشر يقتل غالباً، والقتل بسبب يكون بفعل غير مباشر‏.‏

ب - القتل شبه العمد‏:‏

3 - القتل شبه العمد هو قصد الفعل والشّخص بما لا يقتل غالباً‏.‏

والعلاقة أنّ القتل شبه العمد يكون بفعل مباشر لا يقتل غالباً‏.‏

والقتل بسبب يكون بفعل غير مباشر‏.‏

ج - القتل الخطأ‏:‏

4 - هو ما وقع دون قصد الفعل والشّخص، أو دون قصد أحدهما‏.‏

والصّلة أنّ القتل الخطأ يقع نتيجة فعل مباشر، بخلاف القتل بسبب‏.‏

حالات القتل بسبب

5 - قسّم الفقهاء القتل أقساماً اختلفوا فيها، وممّا اختلفوا فيه القتل بسبب، فاعتبره الحنفيّة قسماً مستقلاً من أقسام القتل الخمسة عندهم، لكنّ جمهور الفقهاء لم يجعلوه قسماً مستقلاً وإنّما أوردوا أحكامه في الأقسام الأخرى ومن ذلك الحالات التّالية‏:‏

أ - الإكراه‏:‏

6 - القتل بسبب الإكراه أن يكره رجلاً على قتل آخر فيقتله‏.‏

وقد اختلف الفقهاء فيمن يجب عليه القصاص، وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إكراه ف 19 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - الشّهادة بالقتل‏:‏

7 - إذا شهد رجلان على رجل بما يوجب قتله، فقتل بشهادتهما، ثمّ رجعا، واعترفا بتعمّد الكذب وبعلمهما بأنّ ما شهدا به يقتل به المشهود عليه، فعليهما القصاص عند الشّافعيّة والحنابلة وأشهب من المالكيّة، لما روى القاسم بن عبد الرّحمن‏:‏ أنّ رجلين شهدا عند عليّ كرّم اللّه وجهه على رجل أنّه سرق، فقطعه، ثمّ رجعا في شهادتهما، فقال عليّ‏:‏ لو أعلم أنّكما تعمّدتما لقطعت أيديكما، وغرّمهما دية يده‏.‏

ولأنّ الشّاهدين على الرّجل بما يوجب قتله توصّلا إلى قتله بسبب يقتل غالباً، فوجب عليهما القصاص كالمكره‏.‏

وعند الحنفيّة والمالكيّة غير أشهب لا قصاص عليهما بل عليهما الدّية، لأنّه تسبّب غير ملجئ، فلا يوجب القصاص، كحفر البئر‏.‏

ج - حكم الحاكم بقتل رجل‏:‏

8 - إذا حكم الحاكم على شخص بالقتل بناءً على شهادة شاهدين واعترف بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل دون الوليّ، فالقصاص على الحاكم‏.‏

ولو أنّ الوليّ الّذي باشر قتله أقرّ بعلمه بكذب الشّهود وتعمّد قتله فعليه القصاص‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

د - حفر البئر ووضع الحجر‏:‏

9 - من صور القتل بسبب حفر البئر ونصب حجر أو سكّين تعدّياً في ملك غيره بلا إذن، فإذا لم يقصد به الجناية وأدّى إلى قتل إنسان، فذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه قتل خطأ وموجبه الدّية‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه قتل بسبب وموجبه الدّية على العاقلة، لأنّه سبب التّلف، وهو متعدّ فيه، ولا كفّارة فيه، ولا يتعلّق به حرمان الميراث، لأنّ القتل معدوم منه حقيقةً، فألحق به في حقّ الضّمان، فبقي في حقّ غيره على الأصل، وهو إن كان يأثم بالحفر في غير ملكه لا يأثم بالموت‏.‏

أمّا إذا قصد الجناية فذهب المالكيّة إلى أنّه إذا قصد هلاك شخص معيّن، وهلك فعلاً، فعلى الفاعل القصاص، وإن هلك غير المعيّن ففيه الدّية‏.‏

وعند الحنابلة هو شبه عمد، وموجبه الدّية، وقد يقوى فيلحق بالعمد، كما في الإكراه والشّهادة‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى اعتبار حفر البئر شرطاً، لأنّه لا يؤثّر في الهلاك ولا يحصّله، بل يحصل التّلف عنده بغيره، ويتوقّف تأثير ذلك الغير عليه، فإنّ الحفر لا يؤثّر في التّلف، ولا يحصّله وإنّما يؤثّر التّخطّي في صوب الحفرة، والمحصّل للتّلف التّردّي فيها ومصادمتها، لكن لولا الحفر لما حصل التّلف ولا قصاص فيه‏.‏