فصل: جدّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


جارحة

التّعريف

1 - الجارحة - واحدة الجوارح - وهي في اللّغة‏:‏ الّتي تكسب وهي من ‏(‏جرح‏)‏ ومن معانيها كسب وتأتي أيضا بمعنى كلم أي شقّ الجلد‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويَعْلمُ ما جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ‏}‏ أي كسبتم‏.‏ وتطلق على أعضاء الإنسان الّتي يكتسب بها، لأنّه يتكسّب بها الخير والشّرّ، وتطلق على ذوات الصّيد من السّباع كالكلاب، والطّير كالبازي لأنّها تجرح لأهلها أي تكسب لهم‏.‏ والاصطلاح الشّرعيّ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

حكم ما تعقره الجارحة

2 - الأصل أنّ مأكول اللّحم يحلّ بالذّبح في الحلق، وهو أعلى العنق، أو اللّبّة وهي أسفله إذا كان مقدورا عليه، أمّا غير المقدور عليه كالصّيد فجميع أجزائه مذبح‏.‏

وقد أجمع الفقهاء على جواز الصّيد بشروطه بالجوارح من سباع البهائم والطّير ممّا يجرح بنابه كالكلب، والفهد، والنّمر، وغيرها من ذوات النّاب، والطّير ممّا يجرح بمخلبه كالبازي، والشّاهين، والصّقر، ممّا له مخلب‏.‏

والأصل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهمْ قُلْ أُحِلَّ لكمْ الطَّيِّبَاتُ وما عَلَّمْتُمْ من الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُم اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عليكمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيهِ‏}‏‏.‏ وحديث أبي ثعلبة الخشنيّ وفيه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما صدت بكلبك المعلّم فذكرت اسم اللّه فكل، وما صدت بكلبك غير معلّم فأدركت ذكاته فكل»‏.‏

شروط الجارحة الّتي يحلّ أكل صيدها

3 - يشترط الفقهاء لحلّ ما تقتله الجوارح من الصّيد شروطا منها‏:‏

أ - أن تكون الجارحة ممّا له ناب أو مخلب، وزاد الحنفيّة ألا يكون نجس العين‏.‏

ب - أن تكون معلّمة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما عَلَّمْتُم مِن الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ‏}‏ أي معلّمين، وحديث ثعلبة السّابق‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم فيه‏:‏ «ما صدت بكلبك المعلّم فذكرت اسم اللّه فكل»‏.‏

ج - أن يوجد الإرسال من صاحبها فلا يحلّ ما يقتله المسترسل بنفسه، وأن تذهب الجارحة على سنن الإرسال، وألاّ يشاركه في الإرسال من لا يحلّ صيده، فإن شاركه مجوسيّ فلا تحلّ‏.‏

د - وألاّ يشارك الجارحة في الأخذ ما لا يحلّ الصّيد به من الحيوان‏.‏

هـ - ألاّ يتمكّن الصّائد من الذّبح بعد الصّيد فإن تمكّن من ذبحه فلم يذبحه حرم لتقصيره بترك الذّبح، وهو قادر عليه‏.‏

و - أن يقتله جرحاً‏.‏ فإن قتله بثقله لم يحلّ عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا تحامل عليه فقتله بضغطه حلّ في القول الأظهر‏.‏

ز - أن لا تأكل منه شيئا عند الأئمّة‏:‏ أبي حنيفة والشّافعيّ وأحمد، وشرط بعضهم أن يتكرّر منه عدم الأكل، مرّات يرجع عددها إلى العرف‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عليكم‏}‏‏.‏ والجارحة الآكلة من الصّيد إنّما أمسكته لنفسها‏.‏

ولا يشترط المالكيّة عدم الأكل من الصّيد، ومذهب الحنابلة ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة عدم اشتراط ترك الأكل في جارحة الطّير لتعذّر تعليمها ترك الأكل‏.‏ وهناك شروط أخرى بعضها يتّصل بالصّائد وبعضها يتعلّق بالصّيد تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صيد‏)‏‏.‏

جارية

التّعريف

1 - من معاني الجارية لغة‏:‏ السّفينة، وفتية النّساء، وقيل للأمة جارية على التّشبيه لجريها مستسخرة في أشغال مواليها‏.‏

والاصطلاح الشّرعيّ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ، والفقهاء إنّما عنوا بمصطلح جارية بمعنى الفتاة الصّغيرة، والشّابّة، والأمة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الفتاة، والأمة‏:‏

2 - الفتاة‏:‏ الشّابّة مطلقا حرّة أو أمة‏.‏ أمّا الجارية فتطلق على الشّابّة، وعلى الصّغيرة، وعلى الأمة شابّة أو عجوزاً والأمة‏:‏ لا تطلق إلاّ على الرّقيقة من النّساء‏.‏

أحكام الجارية في الإطلاقات الفقهيّة

3 - الأصل أن تختلف الجارية عن الغلام في بعض الأحكام منها‏:‏

أ - حكم التّطهّر من بول الصّبيّ والجارية، فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الصّبيّ الرّضيع يطهّر الثّوب من بوله بالنّضح بالماء، أمّا الجارية فلا يطهّر من بولها إلاّ بالغسل بالماء لخبر التّرمذيّ «يغسل من بول الجارية ويرشّ من بول الغلام»‏.‏

وللتّفصيل في باب النّجاسة‏.‏

ب - حكم العقّ عن المولود، يعقّ عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة عند بعض الفقهاء، على تفصيل يبيّن في مصطلح‏:‏ ‏(‏عقيقة‏)‏‏.‏

ج - الإجبار في النّكاح، فالجارية، لوليّها أن يجبرها على الزّواج في أحوال محدودة، ينظر بيانها وبيان من له حقّ الإجبار في مصطلح ‏(‏نكاح، وإجبار‏)‏‏.‏

د - ويختلف الحكم أيضا في بقاء الجارية والغلام في حضانة الحاضنة، على تفصيل يذكر في مصطلح‏:‏ ‏(‏حضانة‏)‏‏.‏

جاسوسيّة

انظر‏:‏ تجسّس‏.‏

جامع

انظر‏:‏ مسجد‏.‏

جبار

التّعريف

1 - الجبار‏:‏ بضمّ الجيم وتخفيف الموحّدة‏.‏ من معانيه الهدر والبريء من الشّيء، ومنه‏:‏ ‏"‏ أنا منه خلاوة وجبار ‏"‏ وكلّ ما أفسد وأهلك كالسّيل يقال‏:‏ ذهب دمه جبارا أي هدرا‏.‏ ومنه‏:‏ حرب جبار‏:‏ أي لا قود فيها ولا دية‏.‏ ولم يستعمل الفقهاء كلمة جبار إلاّ بمعنى الهدر‏.‏ فإذا وصفوا فعل آدميّ أو غيره بأنّه جبار فالمراد أنّ ما تلف بسبب ذلك الفعل يكون هدرا، لا ضمان فيه على أحد بقصاص، ولا دية، ولا قيمة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الضّمان‏:‏

2 - الضّمان يأتي لمعان منها‏:‏ الالتزام بالغرم، ومنها الكفالة‏.‏

قال الكفويّ‏:‏ ‏"‏ هو عبارة عن ردّ مثل الهالك إن كان مثليّا، أو قيمته إن كان قيميّاً ‏"‏‏.‏ فالحكم الّذي يفيده لفظ الضّمان بهذا المعنى يكون ضدّا للحكم الّذي يفيده لفظ ‏"‏ الجبار ‏"‏‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

3 - يتعرّض الفقهاء لهذا الحكم في الجنايات والضّمان، ومن الصّور الّتي اتّفق الفقهاء على اعتبارها جباراً‏:‏

أ - ما أتلفته الدّابّة المنفلتة من غير تقصير من صاحبها أو ممّن هي في يده من نفس أو مال‏.‏ والأصل في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار»‏.‏

والمراد بالعجماء‏:‏ البهيمة، سمّيت بذلك لأنّها لا تتكلّم‏.‏ وليس ذكر الجرح في الحديث قيدا، وإنّما المراد به إتلافها بأيّ وجه كان، سواء أكان بجرح أم بغيره‏.‏

ب - ومن حفر بئراً في ملك نفسه، أو في موات فسقط فيه إنسان، أو بهيمة، فمات أو جرح، أو عطب، فلا ضمان على الحافر إذا لم يكن منه تسبّب في ذلك أو تغرير‏.‏

والدّليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم - في الحديث السّابق - «والبئر جبار»‏.‏

وكذا الأمر لو حفر معدنا ‏(‏أي منجما‏)‏ في ملكه، أو في موات من الأرض، فوقع فيه إنسان فمات فدمه هدر، لقوله «والمعدن جبار»‏.‏

ومن صور الإتلافات الّتي حصل فيها خلاف هل تكون هدرا أو يلزم فيها الضّمان‏.‏

أ - إتلاف البهائم للزّرع ليلاً أو نهاراً‏.‏

ب - ما تتلفه الدّابّة المركوبة برجلها أو يدها‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إتلاف، وضمان‏)‏‏.‏

جباية

التّعريف

1 - الجباية في اللّغة‏:‏ الجمع والتّحصيل يقال‏:‏ جبيت المال والخراج أجبيه جباية، جمعته، وجبوته أجبوه جباوة مثله، والجابية حوض ضخم‏.‏

والجابي‏:‏ هو الّذي يجمع الخراج، وكذا من يجمع الماء للإبل، والجباوة‏:‏ اسم الماء المجموع‏.‏ ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحساب‏:‏

2 - الحساب هو العمل الّذي يحتاج إليه في ضبط المال الّذي يجمعه الجباة، ومعرفة مورده ومصرفه، ومعناه في اللّغة، إحصاء المال وعدّه، والحساب، من وسائل ضبط الجباية‏.‏

ب - الخرص‏:‏

3 - الخرص تقدير ما على النّخل ونحوه من ثمر، بالظّنّ والفرق بين الخرص والجباية، أنّ الخارص عمله التّقدير، والجابي عمله الجمع‏.‏

ج - العرافة‏:‏

4 - العرافة ومعناها في اللّغة‏:‏ تدبير القوم والقيام على سياستهم، والعريف عند الفقهاء هو الّذي يعرّف الجابي أرباب الصّدقات إذا لم يعرفهم‏.‏

د - الكتابة‏:‏

5 - الكتابة‏:‏ تقييد ما يدفعه أرباب الأموال من الصّدقة‏.‏ وهي من وسائل ضبط الجباية‏.‏

حكم الجباية

6 - جباية ما أوجبه الشّرع لبيت المال واجبة على الإمام‏.‏ قال الماورديّ‏:‏ والّذي يلزمه - أي الإمام - من الأمور عشرة أشياء‏.‏‏.‏ ثمّ أورد منها‏:‏ ‏"‏ جباية الفيء والصّدقات على ما أوجبه الشّرع نصّا واجتهادا من غير عسف ‏"‏‏.‏

محلّ الجباية

الجباية تكون في الأموال الّتي ترد إلى بيت المال كبعض أموال الزّكاة وأموال الفيء‏.‏

وفيما يلي ما يتعلّق بجباية كلّ منهما‏.‏

أ - جباية الزّكاة‏:‏

7 - جباية الزّكاة واجبة، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السّعاة»، ولأنّ في النّاس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل، فوجب أن يبعث من يأخذ‏.‏ وعمل الجابي إنّما يكون في الأموال الّتي ولّاه الإمام جبايتها‏.‏ وقد ذكر الفقهاء شروطا للعاملين عليها، وهي تشمل العاملين على جبايتها، وذكروا أيضا ما يستحقّه العامل من جاب وغيره مقابل عمله، وذكروا أيضا الكيفيّة الّتي تتمّ بها جباية الزّكاة‏.‏ وفيما يلي بيان النّقاط التّالية‏:‏

أوّلاً‏:‏ شروط الجابي

ذكر الفقهاء للجابي شروطاً هي‏:‏

- أ - الإسلام‏:‏

8 - اشتراط الإسلام هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو المذهب عند الحنابلة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً منْ دُونِكمْ‏}‏ ولأنّ العمل الّذي يقوم به الجابي وغيره في الزّكاة إنّما هو ولاية فاشترط فيها الإسلام كسائر الولايات، وفي رواية عند الحنابلة لا يشترط إسلامه، لأنّه يأخذ أجراً مقابل جبايته‏.‏

ب - أن يكون مكلّفاً‏:‏

9 - وهو أن يكون الجابي بالغا عاقلا لعدم أهليّة الصّغير والمجنون للقبض، ولأنّ عمله ولاية، وغير المكلّف لا ولاية له‏.‏

ج - الكفاية‏:‏

10 - ذكر هذا الشّرط الحنابلة في كتبهم، والمراد بالكفاية أهليّته للقيام بعمله، والقدرة على تحمّل أعبائه، فإنّ الأمانة وحدها لا تفي ما لم يصحبها القوّة على العمل والكفاية فيه‏.‏

د - العلم بأحكام ما يجبى من زكاة وغيرها‏:‏

11 - ذكر هذا الشّرط المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، والمراد به أن يكون العامل على الزّكاة من جاب وغيره عالما بحكمها لئلاّ يأخذ غير الواجب أو يسقط واجباً، أو يدفع لغير المستحقّ أو يمنع مستحقّا‏.‏

وعبارة أبي إسحاق الشّيرازيّ‏:‏ ولا يبعث إلاّ فقيها لأنّه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ وما لا يؤخذ، ويحتاج إلى الاجتهاد فيما يعرض من مسائل الزّكاة وأحكامها‏.‏ وقد ذكر الحنابلة أنّ العامل إن كان من عمّال التّفويض، أي من الّذين يفوّض إليهم عموم الأمر، فإنّه يشترط علمه بأحكام الزّكاة، لأنّه إذا لم يكن عالما بذلك لم تكن فيه كفاية له، وإن كان العامل منفّذا وقد عيّن له الإمام ما يأخذه جاز أن لا يكون عالما بأحكام الزّكاة، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «كان يبعث العمّال ويكتب لهم ما يأخذون» وكذلك كتب أبو بكر لعمّاله‏.‏

هـ - العدالة والأمانة‏:‏

12 - ذكر هذا الشّرط المالكيّة والشّافعيّة وجعل بعض الحنابلة الأمانة شرطا مستقلّا والمراد بالعدالة أن لا يكون فاسقا، لأنّ الفاسق لا ولاية له، والمراد بالعدالة هنا كما جاء في الدّسوقيّ والخرشيّ من كتب المالكيّة عدالة كلّ واحد فيما يفعله، فعدالة المفرّق في تفرقتها، والجابي في جبايتها، وهكذا، وليس المراد بها عدالة الشّهادة أو الرّواية‏.‏

والعدالة والعلم بحكمها شرطان عند المالكيّة في العمل والإعطاء من الزّكاة‏.‏

و - كونه من غير آل البيت‏:‏

13 - يجوز اتّفاقا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة استعمال ذوي القربى على الصّدقات إن دفعت إليهم أجرتهم من غير الزّكاة‏.‏

أمّا إن كان ما يأخذونه على عملهم من الزّكاة فقد اختلف الفقهاء‏.‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، وهو المذهب عند الشّافعيّة إلى عدم جواز إعطائهم عن العمل منها تنزيها لقرابة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن شبهة أخذ الصّدقة، لأنّ «الفضل بن العبّاس، والمطّلب بن ربيعة سألا النّبيّ صلى الله عليه وسلم العمالة على الصّدقات فقال‏:‏ إنّ الصّدقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد» وهو نصّ في التّحريم لا تجوز مخالفته‏.‏

وجوّز بعض الشّافعيّة في وجه كون العامل من ذوي القربى وأن يعطى على عمله من سهم الزّكاة، لأنّ ما يأخذه العامل على سبيل العوض عن عمله‏.‏

وذهب الباجيّ من المالكيّة إلى جواز استعمال ذوي القربى في الأعمال الأخرى للزّكاة كالحراسة والسّوق، لأنّها إجارة محضة‏.‏

ثانياً‏:‏ مقدار ما يستحقّه مقابل عمله

14 - اتّفق الفقهاء على أنّ العامل من جاب وغيره يستحقّ أجرا على عمله ولكنّهم اختلفوا في مقدار ما يستحقّه مقابل عمله، وفي كونه يتقيّد بالثّمن، وفي كون ما يأخذه أجرة‏.‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّ الجابي في الصّدقة يعطى بقدر عمله ما يسعه وأعوانه زاد على الثّمن أو نقص وإن جاوزت كفايته نصف ما جمع من الزّكاة فلا يزاد على النّصف لأنّ التّنصيف عين الإنصاف، وإنّما يعطى كفايته لأنّه فرّغ نفسه للعمل لمصلحة الفقراء، فيكون كفايته في الزّكاة كالمقاتلة والقاضي، وليس ذلك بالإجارة لأنّه عمل غير معلوم، وما يأخذه العامل من الزّكاة إنّما يأخذه عمالة، لأنّ أصحاب الأموال لو حملوا الزّكاة إلى الإمام لا يستحقّ العامل شيئا ولو هلك ما جمعه من الزّكاة لم يستحقّ العامل شيئا كالمضارب إذا هلك مال المضاربة، إلاّ أنّ فيه شبه الصّدقة بدليل سقوط الزّكاة عن أرباب الأموال‏.‏

ولذا لا تحلّ للعامل الهاشميّ تنزيها له عن تلك الشّبهة بخلاف الغنيّ، لأنّه لا يوازيه في الكرامة، كما لا تحلّ للإمام أو القاضي، لأنّ رزقهما في بيت المال‏.‏

وذكر المالكيّة أنّ الجابي يأخذ أجرة مثله ولا تتقيّد تلك الأجرة بالثّمن ولا بالنّصف، بل إنّ الزّكاة تدفع كلّها له إن لم يف بعضها بأجرة المثل‏.‏

وذكروا أيضا أنّ الجباة لا تدفع أجورهم من الزّكاة إلاّ بوصف الفقر، فإن لم يكونوا فقراء أخذوا أجورهم من بيت المال مقابل عملهم، ومثل الجباة في هذا حرّاس زكاة الفطر، أو حرّاس زكاة المال، وأمّا ما سوى هؤلاء من العاملين فإنّهم يأخذون أجورهم من الزّكاة بأحد وصفين‏:‏ الفقر، أو العمل، أو بهما معا‏.‏ إن لم يف أحدهما بالأجرة، ولا يأخذ الجابي عندهم بوصف العزم إذا كان مديانا بإعطاء الإمام، لأنّه يقسمها فلا يحكم لنفسه‏.‏

ومذهب الشّافعيّة وجوب صرف جميع الزّكاة إلى جميع الأصناف الثّمانية، مع وجوب التّسوية بين حصص الأصناف الثّمانية، فيكون لكلّ صنف من الأصناف الثّمانية ثمن ما جمع من الزّكاة‏.‏ ويستحقّ العامل عند الشّافعيّة من جاب وغيره قدر أجرة عمله قلّ أم كثر، وهذا متّفق عليه، فإن كان نصيبه من الزّكاة وهو الثّمن قدر أجرته فقط أخذه، وإن كان أكثر من أجرته أخذ أجرته والباقي للأصناف بلا خلاف، لأنّ الزّكاة منحصرة في الأصناف فإذا لم يبق للعامل فيها حقّ تعيّن الباقي للأصناف، وإن كان أقلّ من أجرته وجب إتمام أجرته بلا خلاف، وذكر صاحب المهذّب في الجهة الّتي تتمّم منها تلك الأجرة أربع طرق الصّحيح منها عنده وعند الأصحاب كما جاء في المجموع أنّها على قولين‏:‏ أصحّهما يتمّم من سهام بقيّة الأصناف وهذا الخلاف إنّما هو في جواز التّتميم من سهام بقيّة الأصناف‏.‏ وأمّا بيت المال فيجوز التّتميم منه بلا خلاف، فلو رأى الإمام أن يجعل أجرة العامل كلّها من بيت المال ويقسم جميع الزّكوات على بقيّة الأصناف جاز، لأنّ بيت المال لمصالح المسلمين وهذا من المصالح، صرّح بهذا كلّه صاحب الشّامل وآخرون، ونقل الرّافعيّ اتّفاق الأصحاب عليه‏.‏

وذكر الحنابلة أنّ للإمام تعيين أجرة الجابي قبل بعثه من غير شرط، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه ساعياً ولم يجعل له أجرة فلمّا جاء أعطاه»، فإن عيّن له أجرة دفعها إليه‏.‏

وإلاّ دفع إليه أجرة مثله‏.‏ ويدفع منها أجرة الحاسب، والكاتب، والعدّاد، والسّائق، والرّاعي، والحافظ، والحمّال، والكيّال، ونحو ذلك، لأنّه من مؤنتها فقدّم على غيره‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّه يستحبّ البدء بالعامل لأنّه يأخذ على وجه العوض، وغيره يأخذ على وجه المواساة‏.‏

ثالثاً‏:‏ كيفيّة جباية الزّكاة

15 - المال الّذي تجب فيه الزّكاة منه ما يعتبر فيه الحول ومنه ما لا يعتبر فيه، فالمال الّذي لا يعتبر فيه الحول كالزّروع والثّمار لا يجبى إلاّ وقت الوجوب وهو وقت إدراك الثّمار واشتداد الحبّ‏.‏ ولكن يخرص، أي يقدّر ما فيه من الثّمر لتحديد الواجب فيه من الزّكاة‏.‏ وانظر للتّفصيل مصطلح‏:‏ ‏(‏خرص‏)‏‏.‏

وأمّا المال الّذي يعتبر فيه الحول كزكاة النّعم مثلاً، فإنّ السّاعي يعيّن شهرا محدّداً من السّنة يأتي فيه أصحاب الأموال لجباية زكاته‏.‏

واستحبّ الشّافعيّ أن يكون ذلك الشّهر هو المحرّم لأنّه أوّل السّنة، ويستحبّ عدّ الماشية على من تؤخذ منه على الماء أو في الأفنية لما روي عن عبد اللّه بن عمر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «تؤخذ صدقات النّاس على مياههم، أو عند أفنيتهم» وإن أخبره صاحب المال بعدده قبل منه، وإن قال لم يكمل الحول أو فرّقت زكاته ونحو هذا ممّا يمنع الأخذ منه قبل منه ولم يحلّفه، لأنّ الزّكاة عبادة وحقّ للّه تعالى فلا يحلف عليها كالصّلاة، ويستحبّ أن لا يأخذ كرائم المال «لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن فإن هم أطاعوا لك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم» وذلك لأنّ الزّكاة مواساة للفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء‏.‏ ولا يأخذ من أردئها بل يأخذ الوسط‏.‏

ويستحبّ للجابي إذا قبض الصّدقة أن يدعو للمزكّي، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أمْوَالِهم صَدَقَةً تُطَهِّرْهم وتُزَكِّيهمْ بها وَصلِّ عليهم إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لهمْ‏}‏ وروى عبد اللّه بن أبي أوفى قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال‏:‏ اللّهمّ صلّ على آل فلان فأتاه أبي بصدقة فقال‏:‏ اللّهمّ صلّ على آل أبي أوفى» ولا يجب الدّعاء‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ لأنّه لو كان واجبا لعلّمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم السّعاة، ولأنّ سائر ما يأخذه الإمام من الكفّارات والدّيون وغيرهما لا يجب عليه فيها الدّعاء، فكذلك الزّكاة، وأمّا الآية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصّا به لكون صلاته سكنا بخلاف غيره‏.‏

ومن الدّعاء أن يقول‏:‏ آجرك اللّه فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله اللّه طهوراً، ويستحبّ للمعطي أن يقول‏:‏ اللّهمّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً‏.‏

ونقل وجه لبعض الشّافعيّة أنّ دعاء قابض الصّدقة لدافعها واجب عملاً بظاهر الآية لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَصَلِّ عَليهمْ‏}‏‏.‏

رابعاً‏:‏ جباية الفيء

16 - الفيء من موارد بيت المال، وهو المال المأخوذ من الكفّار بغير قتال ولا إيجاف خيل أو ركاب‏.‏ ويشمل الفيء عدداً من الأموال منها ما هرب عنه الكفّار بغير قتال، ومنها الجزية، والخراج، والعشور‏.‏

أ - جباية الجزية‏:‏

17 - الجزية لغة‏:‏ اسم للمال المأخوذ من أهل الذّمّة‏.‏ واصطلاحاً عبارة عن وظيفة أو مال يؤخذ من الكافر في كلّ عام مقابل إقامته في ديار الإسلام‏.‏

أمّا الإنابة في أدائها ومقدارها ومتى تجب وعلى من تجب فينظر في ذلك مصطلح‏:‏‏(‏جزية‏)‏‏.‏

18 - وأمّا كيفيّة جبايتها فقد أورد بعض الفقهاء منهم الخراسانيّون من الشّافعيّة صوراً لكيفيّة الصّغار منها‏:‏ الوارد في الآية، ومنها أنّ الجزية تؤخذ من الذّمّيّ وهو قائم، ويكون القابض قاعدا، وتكون يد القابض أعلى من يد الذّمّيّ، ويقول له القابض أعط يا عدوّ اللّه‏.‏ وقال النّوويّ والرّافعيّ‏:‏ إنّ الأصحّ عند الشّافعيّة تفسير الصّغار بالتزام أحكام الإسلام وجريانها عليهم، ونقل عميرة البرلّسيّ نحوه من كلام الشّافعيّ في الأمّ فقد قال‏:‏ إن أخذ الجزية منهم أخذها بأحمال ولم يضرّ أحد منهم ولم ينله بقول قبيح‏.‏ قالوا‏:‏ وأشدّ الصّغار على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده ويضطرّ إلى احتماله‏.‏

وقريب من ذلك ما ذكره الحنابلة من أنّ أهل الذّمّة لا يعذّبون في أخذ الجزية‏.‏

فعن هشام بن عروة قال‏:‏ مرّ هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشّام قد أقيموا في الشّمس فقال‏:‏ ما شأنهم ‏؟‏ قالوا حبسوا في الجزية، فقال هشام‏:‏ أشهد لسمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «إنّ اللّه يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا»‏.‏

وروي أنّ عمر أتي بمال كثير قال أبو عبيد أحسبه الجزية فقال‏:‏ إنّي لأظنّكم قد أهلكتم النّاس ‏؟‏ قالوا واللّه ما أخذنا إلاّ عفواً صفواً قال بلا سوط ولا نوط‏.‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ الحمد للّه الّذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني‏.‏

ب - جباية الخراج‏:‏

19 - الخراج في اللّغة‏:‏ اسم للكراء والغلّة ومنه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

«الخراج بالضّمان» وهو عند الفقهاء ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدّى عنها لبيت المال‏.‏، والأرض المختصّة بوضع الخراج عليها هي الّتي صولح عليها المشركون من أرضهم على أنّها لهم ولنا عليها الخراج‏.‏ وكذلك الأرض الّتي فتحت عنوة عند من يقول بوضع الخراج عليها‏.‏ فأمّا مقدار الخراج المأخوذ فينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏خراج‏)‏‏.‏

ج - جباية عشور أهل الذّمّة‏:‏

20 - العشر ضريبة من أهل الذّمّة عن أموالهم الّتي يتردّدون بها متاجرين إلى دار الحرب، أو يدخلون بها من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو ينتقلون بها من بلد في دار الإسلام إلى بلد آخر، تؤخذ منهم في السّنة مرّة ما لم يخرجوا من دار الإسلام ثمّ يعودوا إليها مثلها عشور أهل الحرب من التّجّار كذلك إذا دخلوا بتجارتهم إلينا مستأمنين‏.‏

ما يشترط في جابي الخراج

21 - يرسل الإمام بعض أهل الخبرة ليقدّر ما يوضع على الأرضين الخراجيّة من الخراج فإذا استقرّ ذلك وعلم يرسل الإمام من يجبي الخراج في موعده حسب التّقدير السّابق، ويشترط في من يقوم بجباية عموم ما استقرّ من أموال الفيء من خراج وغيره، الإسلام، والحرّيّة، والأمانة، والاضطلاع بالحساب والمساحة، ولا يشترط أن يكون فقيها مجتهداً، لأنّه يتولّى قبض ما استقرّ بوضع غيره‏.‏

فإن كانت ولايته على نوع خاصّ من أموال الفيء فإنّه يعتبر ما وليه منها، وحينئذ لا يخلو حاله عن أحد أمرين إمّا أن لا يستغني فيه عن الاستنابة، وإمّا أن يستغني عنها، فإن لم يستغن فيه عن الاستنابة اعتبر فيه الإسلام والحرّيّة مع اضطلاعه بشروط ما ولي من مساحة أو حساب، ولم يجز أن يكون ذمّيّا ولا عبدا لأنّ فيها ولاية، وإن استغنى عن الاستنابة جاز أن يكون عبدا لأنّه كالرّسول المأمور‏.‏ وأمّا كونه ذمّيّا فينظر فيما ردّ إليه من مال الفيء، فإن كانت معاملته فيه مع المسلمين كالخراج الموضوع على رقاب الأرضين إذا صارت في أيدي المسلمين ففي جواز كونه ذمّيّا وجهان‏.‏

هذا وإذا بطلت ولاية العامل فقبض مال الفيء مع فساد ولايته برئ الدّافع ممّا عليه إذا لم ينهه عن القبض، لأنّ القابض منه مأذون له، وإن فسدت ولايته وجرى في القبض مجرى الرّسول، ويكون الفرق بين صحّة ولايته وفسادها أنّ له الإجبار على الدّفع مع صحّة الولاية وله الإجبار مع فسادها، فإن نهي عن القبض مع فساد ولايته لم يكن له القبض ولا الإجبار ولم يبرأ الدّافع بالدّفع إليه إذا علم بنهيه‏.‏ وفي براءته إذا لم يعلم بالنّهي وجهان، بناء على عزل الوكيل إذا تصرّف من غير علم بالعزل‏.‏ هذا ويعيّن الجابي شهراً من السّنة لجباية تلك الأموال، وأمّا ما يأخذه مقابل عمله فهو كما ذكر المالكيّة كفاية سنة ويقدّمه الإمام على غيره عند القسمة بعد آل النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

محاسبة الإمام للجباة

22 - يجب على الإمام محاسبة الجباة تأسّيا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأنّه فعل ذلك فقد جاء في صحيح البخاريّ‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من الأسد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللّتبيّة فلمّا جاء حاسبه» وهو أصل في محاسبة الجباة‏.‏ ويجب على الجباة أن يكونوا صادقين مع الإمام فلا يخفوا شيئا من المال الّذي جمعوه لأنّه من الأمانة‏.‏ وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسول وتَخُونُوا أَمانَاتِكم وأَنْتم تعلمون‏}‏‏.‏ وقد توعّد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عديّ أبي عميرة الكنديّ قال سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة قال‏:‏ فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأنّي أنظر إليه فقال يا رسول اللّه‏:‏ اقبل عنّي عملك قال‏:‏ وما لك قال‏:‏ سمعتك تقول كذا وكذا قال‏:‏ وأنا أقول الآن، من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى»‏.‏

وليس للجباة أن يدّعوا أنّ بعضه أهدي إليهم، وما أهدي إليهم بسبب العمل يردّ إلى بيت المال «لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم يقبل ذلك من ابن اللّتبيّة حين قدم بعد أن استعمله على الصّدقة وقال هذا لكم وهذا لي أهدي لي، بل قام على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال‏:‏ ما بال عامل أبعثه فيقول‏:‏ هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا والّذي نفس محمّد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلاّ جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه ثمّ قال‏:‏ اللّهمّ هل بلّغت مرّتين»‏.‏

جبّ

التّعريف

1 - الجبّ لغة القطع، ومنه المجبوب، وهو الّذي استؤصل ذكره وخصياه‏.‏

والجبّ في اصطلاح الفقهاء‏:‏ قطع الذّكر كلّه أو بعضه بحيث لا يبقى منه ما يتأتّى به الوطء‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العنّة‏:‏

2 - العنّة عدم القدرة على إتيان النّساء مع وجود الآلة‏.‏

والفرق بين الجبّ والعنّة ظاهر فإنّ عدم إتيان النّساء في الجبّ يكون لقطع المذاكير‏.‏ والعجز عن إتيان الزّوجة في العنّة يكون لداء يمنع من الانتشار‏.‏

ب - الخصاء‏:‏

3 - الخصاء‏:‏ هو فقد الخصيتين خلقة، أو بقطع، أو سلّ لهما‏.‏

والفرق بين الجبّ والخصاء واضح‏.‏

ج - الوجاء‏:‏

4 - الوجاء‏:‏ هو اسم مصدر وجأ يجأ‏:‏ أي ضرب ودقّ وهو أن ترضّ خصيتا الفحل رضّا شديدا يذهب شهوة الجماع‏.‏ فالفرق بينه وبين الجبّ واضح إذ الموجوء لم يقطع ذكره، بل هو شبيه بالخصيّ‏.‏ إلاّ أنّ خصيتيه لا أثر لهما مع وجودهما‏.‏

الحكم الإجماليّ

5 - ذهب جمهور الفقهاء في الجملة إلى أنّ الجبّ من العيوب الّتي تثبت للزوجه الخيار بين التّفريق والبقاء متى علمت بذلك، لأنّ الجبّ يمنع المقصود بعقد النّكاح وهو الوطء إلاّ أنّ هناك اختلافا وتفصيلا في بعض الأحكام المتعلّقة بالجبّ أهمّها ما يلي‏:‏

الجبّ الحادث بعد الدّخول

6 - يرى الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في أحد الوجهين أنّ حدوث الجبّ بعد الدّخول لا يثبت للزّوجة الخيار بين التّفريق والبقاء، لأنّ حقّ الزّوجة في وطأة واحدة لحصول المقصود بها من تأكّد المهر والإحصان وما زاد عليها لا يجب على الزّوج حكما ويجب عليه ديانة‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة في وجه آخر إلى تخيير الزّوجة بين فسخ النّكاح وإدامته بالجبّ مطلقا قبل الدّخول أو بعده ولو بفعلها في الأصحّ عند الشّافعيّة،لأنّه يورث اليأس من الوطء‏.‏

كيفيّة التّفريق للجبّ

7 - إذا تبيّن أنّ الزّوج مجبوب إمّا بإقراره أو غير ذلك تخيّر الزّوجة للحالّ ولا يؤجّل، لأنّ التّأجيل لرجاء الوصول إليها ولا يرجى منه الوصول فلم يكن التّأجيل مفيداً‏.‏

والفرقة للجبّ لا تقع بلا حكم حاكم لأنّ هذه الفرقة أمر مجتهد فيه فيحتاج إلى نظر وتحرّ وبذل جهد في تحرير سببه وذلك كالطّلاق بالإعسار والطّلاق بالإضرار‏.‏

بهذا قال عامّة الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة‏.‏

ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة وهو رواية عن أبي يوسف ومحمّد - في غير رواية الأصول - أنّ الفرقة تقع بنفس اختيار الزّوجة، ولا يحتاج إلى القضاء كخيار من خيّرها زوجها‏.‏

صفة الفرقة للجبّ

8 - يرى الحنفيّة والمالكيّة أنّ الفرقة بالجبّ طلاق بائن لأنّ الواجب على الزّوج الإمساك بالمعروف، فإذا فات وجب التّسريح بالإحسان، فإن سرّحها الزّوج وإلاّ ناب القاضي منابه، فكان الفعل منسوبا إلى الزّوج، فكان طلاقا بائنا ليتحقّق دفع الظّلم عنها، والنّكاح الصّحيح النّافذ اللّازم لا يحتمل الفسخ، ولهذا لا ينفسخ بالهلاك قبل التّسليم‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ هذه الفرقة فسخ لا طلاق، لأنّه ردّ لعيب فكان فسخا كردّ المشتري‏.‏

نسب ولد امرأة المجبوب

9 - ذهب أبو سليمان من الحنفيّة والإصطخريّ وغيره من الشّافعيّة إلى أنّ المجبوب يثبت نسب الولد منه، ويحكى ذلك قولا للشّافعيّ كما إنّه ظاهر كلام أحمد‏.‏

ويرى الشّافعيّة على المذهب - وهو الصّحيح عند الحنابلة - أنّ المجبوب لا يلحقه الولد، لأنّه لا ينزل ولم تجر العادة بأن يخلق له ولد‏.‏

وقال المالكيّة - وهو ما يؤخذ من كلام التّمرتاشيّ من الحنفيّة - يسأل أهل المعرفة بذلك، فإن كان يولد لمثله لزمه الولد، وإلاّ لم يلزمه‏.‏ وللتّفصيل في شروط التّفريق للجبّ، وأثر التّفريق بالجبّ على المهر وعدّة امرأة المجبوب ‏(‏ر‏:‏ طلاق، عدّة، عيب، مهر، نسب‏)‏‏.‏

جبر

التّعريف

1 - الجبر في اللّغة خلاف الكسر‏.‏ يقال‏:‏ جبر عظمه جبراً أي أصلحه بعد كسر، ويأتي بمعنى الإحسان إلى الرّجل فيقال‏:‏ جبره جبرا إذا أحسن إليه، وأغناه بعد فقر‏.‏ ويأتي بمعنى التّكميل فيقال‏:‏ من ترك واجبا من واجبات الحجّ أو أتى بمحظور فيه‏:‏ جبره بالدّم‏.‏

كما يقال‏:‏ جبر المزكّي ما أخرجه إذا لم يجد السّنّ الواجب في زكاة إبله فأخرج ما دونه ودفع الفضل، ويسمّى دفع الفضل جبرانا، ويأتي بمعنى الإكراه على الشّيء، فيقال‏:‏ جبره على الأمر جبرا، وحكى الأزهريّ‏:‏ جبره جبوراً وأجبره إجباراً‏:‏ أكرهه عليه‏.‏

والاصطلاح الشّرعيّ لا يخرج عن هذه المعاني اللّغويّة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - يختلف حكم الجبر باختلاف ما يطلق عليه‏.‏ فالجبر بمعنى الإكراه‏:‏ قد يكون مشروعاً‏.‏ كإجبار القاضي المدين الممتنع عن أداء الدّين الحالّ بلا عذر شرعيّ على أداء الدّين بطلب صاحبه‏.‏ وقد يكون غير مشروع كإجبار الشّخص على بيع ماله، أو طلاق زوجة بغير مقتضى شرعيّ، فيحرم‏.‏

أمّا الجبر بمعنى التّكميل فيكون إذا ترك واجبا في الحجّ أو ارتكب محظورا فيه‏.‏ وكذا إذا لم يجد في زكاة الإبل السّنّ الواجبة فأراد أن ينزل إلى ما تحتها فيجب دفع الجبران عليه‏.‏ والجبر بمعنى إصلاح العظم بعد كسره مشروع إذا خيف ضرر بفوات العضو، أو هلاك النّفس‏.‏ وتفصيله في‏:‏ ‏(‏تداو‏)‏‏.‏

أمّا الجبر‏:‏ بمعنى الإجبار فينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجبار - وإحالاته‏)‏‏.‏

المسح على الجبيرة

3 - لا خلاف بين المذاهب الأربعة في وجوب المسح على موضوع الجبر إذا شدّت عليه جبيرة، وهو من أعضاء الوضوء وتعذّر الغسل على العضو، أو وجب عليه الغسل كالجنب‏.‏ وفي ذلك تفصيل واختلاف يرجع إليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏جبيرة، مسح، تيمّم‏)‏‏.‏

جبر واجب الزّكاة

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من وجب عليه في زكاة إبله سنّ معيّنة فلم يجدها يجوز له العدول إلى ما تحتها مع الجبر، ويسمّى في عرف الفقهاء جبرانا، أو يأخذ المصدّق سنّا فوقها ويعطي المزكّي الجبران، ثمّ اختلفوا في الجبران هل هو محدّد شرعا ‏؟‏ فذهب الحنابلة والشّافعيّة إلى أنّ الجبر محدّد شرعا‏:‏ وهو شاتان، أو عشرون درهما، وكما يشرع الجبران بين سنّ وسنّ تالية لها، يشرع بين السّنّ والسّنّ الأعلى من الّتي تليها إن عدمت التّالية فيدفع جبرانين أو ثلاثا، وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

فإذا كان واجبه بنت مخاض فلم يجدها، فله أن يصعد إلى بنت لبون فيأخذ جبرانا، وهو شاتان، أو عشرون درهما، وإن كان واجبه بنت لبون فلم يجدها، له أن ينزل إلى بنت مخاض، فيدفع الجبران، وهكذا‏.‏

وعند الحنفيّة يجب عليه الفضل بين الواجب وبين ما لديه، وهو الفرق بين قيمتيهما‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يجب تحصيل الواجب فلا يجوز للسّاعي أخذ ما فوق الواجب ودفع الجبران‏.‏ أمّا إذا نزل إلى ما تحت الواجب، ودفع إليه ثمنا جاز‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

الجبر بالدّم

5 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ‏:‏ من ترك واجبا من واجبات الحجّ كالإحرام من الميقات، ورمي الجمار كلّها أو بعضها، ولم يتمكّن من الإتيان به، يجب عليه الجبر بالدّم، ولا يجبر بالدّم إلاّ ما كان واجبا‏.‏ أمّا أركان الحجّ فلا تجبر إذا تركت، وأمّا تفصيل ما يعتبر واجبا يجبر بالدّم، واختلاف الفقهاء فيه، ونوع الجبر، فيرجع إلى مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ‏)‏‏.‏

جبهة

التّعريف

1 - الجبهة من الوجه معروفة هي مستوى ما بين الحاجبين إلى النّاصية، وقال الأصمعيّ‏:‏ هي موضع السّجود، والجمع جباه‏.‏

أمّا في الاصطلاح فلها إطلاقان‏:‏ فالجبهة من الوجه الّتي يجب غسلها في الوضوء، عرّفها الفقهاء في أبواب الوضوء بأنّها ما ارتفع عن الحاجبين إلى مبدأ الرّأس، وهو أوّل شعر الرّأس المعتاد، فتشمل الجبينين‏.‏

وعرّفوها في أبواب الصّلاة بأنّها مستدير ما بين الحاجبين، وبأنّها ما اكتنفه الجبينان، وبهذا المعنى لا تشمل الجبينين‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجبين‏:‏

2 - الجبين فوق الصّدغ، وهما جبينان عن يمين الجبهة وعن شمالها فإذا أردنا بالجبهة مستدير ما بين الحاجبين إلى النّاصية فالجبين والجبهة متباينان، أمّا إن أردنا بالجبهة ما ارتفع عن الحاجبين إلى مبدأ الرّأس فالجبين جزء من الجبهة‏.‏

ب - النّاصية‏:‏

3 - النّاصية قصاص الشّعر من مقدّم الرّأس، ونقل عن الأزهريّ قوله‏:‏ النّاصية عند العرب منبت الشّعر في مقدّم الرّأس لا الشّعر الّذي تسمّيه العامّة النّاصية وقدّرها الحنفيّة بربع الرّأس، لأنّها أحد جوانبه كما علّله الزّيلعيّ‏.‏

وعلى ذلك فالنّاصية مقدّم الرّأس ابتداء من منبت الشّعر فوق الجبهة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالجبهة

أوّلاً‏:‏ غسل الجبهة في الوضوء ومسحها في التّيمّم

4 - الجبهة جزء من الوجه، ولهذا يجب غسلها في الوضوء ومسحها في التّيمّم، وذلك بنصّ الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا إذا قُمْتُم إلى الصَّلاةِ فَاغْسلُوا وجوهَكمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏ ويدخل في غسل الجبهة أساريرها، وهي خطوط الجبهة وانكماشها إن لم تلحق به مشقّة كما صرّح به المالكيّة‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء، وتيمّم‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ وضع الجبهة على الأرض في السّجود

5 - ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة - إلى أنّ أقلّ السّجود وضع بعض جبهة المصلّي على ما يصلّى عليه من الأرض، أو غيرها، فتفرض السّجدة على أيسر جزء من الجبهة لمن كان قادرا، وذلك في الجملة، حتّى لو ترك السّجود عليها حال الاختيار لا يجزيه، لحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال‏:‏ «أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء‏:‏ الجبهة، واليدين، والرّكبتين، والرّجلين»‏.‏ وزاد في رواية‏:‏ «وأشار بيده على أنفه»، وفي رواية النّسائيّ‏:‏ «ووضع يده على جبهته وأمرّها على أنفه وقال‏:‏ هذا واحد»‏.‏

وفي المسألة تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏سجود‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ تقبيل الجبهة

6 - صرّح الفقهاء بجواز تقبيل الرّجل جبهة الرّجل، ووجهه، ورأسه، إذا كان على وجه المبرّة والإكرام، أو الشّفقة عند اللّقاء والوداع، واحتراما مع أمن الشّهوة‏.‏

وقد ثبت «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عانق جعفراً حين قدم من الحبشة وقبّل بين عينيه»‏.‏ وللتّفصيل يراجع مصطلح‏:‏ ‏(‏تقبيل‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ شجاج الجبهة

7 - ذكر الفقهاء أنواع شجاج الوجه والجبهة، وأجمعوا على أنّ في الموضحة منها قصاصاً إذا كانت عمداً، والموضحة هي الجرح الّذي يظهر العظم بعد خرق الجلدة‏.‏

وإنّما شرع القصاص في الموضحة هو تيسير ضبطها وإمكان الاستيفاء فيها دون حيف‏.‏ أمّا الأنواع الأخرى من الشّجاج فلا قصاص فيها لعسر ضبطها وصعوبة استيفاء مثلها‏.‏

وإذا سقط القصاص بسبب عسر ضبطها ففيها الدّية المحدّدة لها شرعاً، وإلاّ فحكومة عدل‏.‏ وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص - جناية - ديات - حكومة عدل‏)‏‏.‏

مواطن البحث

ذكر الفقهاء أحكام الجبهة في مباحث الوضوء والسّجدة، ومسائل النّظر والمسّ، وبحث القصاص والجنايات ونحوها‏.‏

جبيرة

التّعريف

1 - الجبيرة لغة‏:‏ العيدان الّتي تشدّ على العظم لتجبره على استواء‏.‏

وجمعها‏:‏ جبائر، وهي من جبرت العظم جبرا من باب قتل أي‏:‏ أصلحته، فجبر هو أيضا، جبرا وجبورا أي‏:‏ صلح، فيستعمل لازما ومتعدّيا، وجبرت اليد‏:‏ وضعت عليها الجبيرة، وجبر العظم‏:‏ جبره، والمجبّر الّذي يجبر العظام المكسورة‏.‏ وفي الاصطلاح لا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ، إلاّ أنّ المالكيّة فسرّوا الجبيرة بمعنى أعمّ فقالوا‏:‏ الجبيرة ما يداوي الجرح سواء أكان أعوادا، أم لزقة، أم غير ذلك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اللّصوق واللّزوق

2 - اللّصوق واللّزوق - بفتح اللّام - ما يلصق على الجرح للدّواء‏.‏ قال في المصباح‏:‏ ثمّ أطلق على الخرقة ونحوها إذا شدّت على العضو للتّداوي‏.‏ وفي كتب الشّافعيّة‏:‏ اللّصوق ما كان على جرح من قطنة أو خرقة أو نحوهما، والجبيرة ما كانت على كسر‏.‏

ب - العصابة‏:‏

3 - العصابة - بكسر العين - اسم ما يشدّ به من عصب رأسه عصبه تعصيبا‏:‏ شدّه وكلّ ما عصب به كسر أو قرح من خرقة أو غيرها فهو عصاب له، وتعصّب بالشّيء‏:‏ تقنّع به‏.‏ والعمائم يقال لها العصائب، والعصابة‏:‏ العمامة‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لها عن المعنى اللّغويّ‏.‏ وبذلك تكون العصابة عندهم أعمّ من الجبيرة وقال المالكيّة‏:‏ العصابة‏:‏ ما يربط فوق الجبيرة‏.‏

حكم المسح على الجبيرة

4 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة المسح على الجبائر في حالة العذر نيابة عن الغسل أو المسح الأصليّ في الوضوء أو الغسل أو التّيمّم، على ما يأتي‏:‏ والأصل في ذلك ما روي

«عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ كسر زندي يوم أحد فسقط اللّواء من يدي فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ اجعلوها في يساره فإنّه صاحب لوائي في الدّنيا والآخرة، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه ما أصنع بالجبائر ‏؟‏ فقال‏:‏ امسح عليها»‏.‏

وروى جابر رضي الله عنه «أنّ رجلاً أصابه حجر فشجّه في رأسه ثمّ احتلم، فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التّيمّم ‏؟‏ قالوا‏:‏ ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ قتلوه قتلهم اللّه‏.‏ ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنّما شفاء العيّ السّؤال إنّما كان يكفيه أن يتيمّم ويعصب»

ولأنّ الحاجة تدعو إلى المسح على الجبائر، لأنّ في نزعها حرجا وضرراً‏.‏

والمسح على الجبيرة واجب عند إرادة الطّهارة، وذلك بشروط خاصّة سيأتي بيانها، والوجوب هنا بمعنى الإثم بالتّرك مع فساد الطّهارة والصّلاة، وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة في المذهب، والحنابلة، وأبي يوسف، ومحمّد من الحنفيّة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يأثم بتركه فقط مع صحّة وضوئه، وروي أنّه رجع إلى قول الصّاحبين‏.‏ وقال بعض الشّافعيّة‏:‏ يغسل الصّحيح ويتيمّم ولا يمسح على الجبيرة‏.‏

وفي حكم المسح على الجبيرة المسح على العصابة أو اللّصوق، أو ما يوضع في الجروح من دواء يمنع وصول الماء - كدهن أو غيره -‏.‏

شروط المسح على الجبيرة

5 - يشترط لجواز المسح على الجبيرة ما يأتي‏:‏

أ - أن يكون غسل العضو المنكسر أو المجروح ممّا يضرّ به، وكذلك لو كان المسح على عين الجراحة ممّا يضرّ بها، أو كان يخشى حدوث الضّرر بنزع الجبيرة‏.‏

ب - ألاّ يكون غسل الأعضاء الصّحيحة يضرّ بالأعضاء الجريحة فإن كان يضرّ بها ففرضه التّيمّم‏.‏ وهذا باتّفاق‏.‏

ج - قال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ إن كانت الأعضاء الصّحيحة قليلة جدّا كيد واحدة، أو رجل واحدة، ففرضه التّيمّم إذ التّافه لا حكم له‏.‏

د - اشترط الشّافعيّة في الصّحيح المشهور وهي رواية عن الإمام أحمد أن تكون الجبيرة موضوعة على طهارة مائيّة لأنّه حائل يمسح عليه فكان من شرط المسح عليه تقدّم الطّهارة كسائر الممسوحات، فإن خالف ووضعها على غير طهر وجب نزعها، وذلك إن لم يخف ضررا بنزعها، فإن خاف الضّرر لم ينزعها ويصحّ مسحه عليها، ويقضي لفوات شرط وضعها على طهر‏.‏

والرّواية الثّانية عند الحنابلة وهي مقابل الصّحيح عند الشّافعيّة - قال عنه النّوويّ‏:‏ إنّه شاذّ -‏:‏ لا يشترط تقدّم الطّهارة على شدّ الجبيرة‏.‏

قال الخلّال‏:‏ روى حرب وإسحاق والمروزيّ في ذلك سهولة عن أحمد، واحتجّ بقول ابن عمر، لأنّ هذا ممّا لا ينضبط ويغلظ على النّاس جدّا فلا بأس به، ولأنّ المسح عليها جاز دفعاً لمشقّة نزعها، ونزعها يشقّ إذا لبسها على غير طهارة كمشقّته إذا لبسها على طهارة‏.‏

كيفيّة تطهّر واضع الجبيرة

6 - إذا أراد واضع الجبيرة الطّهارة فليفعل ما يأتي‏:‏

1 - يغسل الصّحيح من أعضائه‏.‏

2 - يمسح على الجبيرة‏.‏ وهذا باتّفاق إلاّ في قول عند الشّافعيّة أنّه يكفيه التّيمّم ولا يمسح الجبيرة بالماء، والمذهب وجوب المسح‏.‏

ويجب استيعاب الجبيرة بالمسح عند المالكيّة والحنابلة وهو الأصحّ عند الحنفيّة، ومقابله أنّ مسح الأكثر كاف لأنّه قائم مقام الكلّ ذكر ذلك الحسن بن زياد‏.‏

أمّا عند الشّافعيّة فقد ذكر النّوويّ في المجموع أنّ فيه وجهين مشهورين أصحّهما‏:‏ عند الأصحاب يجب الاستيعاب لأنّه أجيز للضّرورة فيجب مسح الجميع، والوجه الثّاني‏:‏ يجزئه ما يقع عليه الاسم، لأنّه مسح على حائل منفصل فهو كمسح الخفّ‏.‏

هذا إذا كانت الجبيرة موضوعة على قدر الجراحة فقط‏.‏ فإن كانت زائدة عن قدر الجراحة فعند الحنفيّة والمالكيّة يمسح على الزّائد تبعا إن كان غسل ما تحت الزّائد يضرّ‏.‏

وعند الشّافعيّة والحنابلة يمسح من الجبيرة على كلّ ما حاذى محلّ الحاجة ولا يجب المسح على الزّائد بدلا عمّا تحتها، ويكفي المسح على الجبيرة مرّة واحدة، وإن كانت في محلّ يغسل ثلاثا‏.‏ قال الحنفيّة‏:‏ وهو الأصحّ، ومقابله‏:‏ يسنّ تكرار المسح لأنّه بدل عن الغسل، والغسل يسنّ تكراره فكذا بدله، وهذا إذا لم تكن على الرّأس‏.‏

3 - زاد الشّافعيّة في الأصحّ وجوب التّيمّم مع الغسل والمسح‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ وأمّا التّيمّم مع غسل الصّحيح ومسح الجبيرة بالماء ففيه طريقان أصحّهما وأشهرهما والّتي قطع الجمهور بها أنّ فيه قولين أصحّهما عند الجمهور وجوبه وهو نصّه في الأمّ ومختصر البويطيّ والكبير، والثّاني‏:‏ لا يجب وهو نصّه في القديم وظاهر نصّه في المختصر وصحّحه الشّيخ أبو حامد، والجرجانيّ، والرّويانيّ، في الحلية‏.‏

والطّريق الثّاني حكاه الخراسانيّون وصحّحه المتولّي منهم، أنّه إن كان ما تحت الجبيرة عليلا لا يمكن غسله لو كان ظاهرا وجب التّيمّم كالجريح، وإن أمكن غسله لم يجب التّيمّم كلابس الخفّ، والمذهب الوجوب قال في المهذّب‏:‏ لحديث جابر رضي الله عنه «أنّ رجلاً أصابه حجر فشجّه في رأسه ثمّ احتلم فسأل أصحابه هل تجدون رخصة لي في التّيمّم ‏؟‏ قالوا‏:‏ ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّما كان يكفيه أن يتيمّم ويعصب»‏.‏

وذكر الحنابلة وجوب التّيمّم مع الغسل والمسح في حالتين‏:‏ إحداهما‏:‏ فيما لو وضع الجبيرة على غير طهارة وخاف من نزعها على القول بأنّ تقدّم الطّهارة شرط المسح على الجبيرة‏.‏ والثّانية‏:‏ أنّ واضع الجبيرة إذا جاوز بها موضع الحاجة فإنّه يغسل الصّحيح ويمسح على الجبيرة ويتيمّم لما زاد على قدر الحاجة‏.‏

جاء ذلك في كشّاف القناع وشرح منتهى الإرادات ولم يذكرا فيه خلافاً‏.‏ إلاّ أنّ ابن قدامة جعله احتمالا فقال‏:‏ ويحتمل أن يتيمّم مع مسح الجبيرة فيما إذا تجاوز بها موضع الحاجة، لأنّ ما على موضع الحاجة يقتضي المسح والزّائد يقتضي التّيمّم‏.‏

4 - إن كانت العصابة بالرّأس، فإن كان بقي من الرّأس قدر ما يكفي المسح عليه مسح عليه وإلاّ فعلى العصابة، وهذا عند من يقول بأنّ الفرض هو مسح بعض الرّأس، كالحنفيّة والشّافعيّة وفي قول عند الحنابلة، أمّا عند من يقول بأنّ الفرض هو مسح جميع الرّأس كالمالكيّة فإنّه يمسح على العصابة وعلى ما بقي من الرّأس، وهذا في الوضوء، أمّا في الغسل فإنّه يمسح على العصابة، ويغسل ما بقي‏.‏

ما ينقض المسح على الجبيرة

7 - ينتقض المسح على الجبيرة بما يأتي‏:‏

أ - سقوطها أو نزعها لبرء الكسر أو الجرح‏.‏ وعلى ذلك إن كان محدثا وأراد الصّلاة توضّأ وغسل موضع الجبيرة إن كانت الجراحة على أعضاء الوضوء وهذا باتّفاق‏.‏

وإن لم يكن محدثا فعند الحنفيّة والمالكيّة يغسل موضع الجبيرة لا غير، لأنّ حكم الغسل وهو الطّهارة في سائر الأعضاء قائم لانعدام ما يرفعها وهو الحدث فلا يجب غسلها‏.‏

وعند الشّافعيّة يغسل موضع الجبائر وما بعده مراعاة للتّرتيب،وعند الحنابلة يبطل وضوءه‏.‏ أمّا بالنّسبة للغسل إن كان مسح عليها في غسل يعمّ البدن فيكفي بعد سقوطها وهو غير محدث غسل موضعها فقط، ولا يحتاج إلى إعادة غسل ولا وضوء، لأنّ التّرتيب والموالاة ساقطان في الطّهارة الكبرى‏.‏

ب - سقوط الجبيرة لا عن برء يبطل الطّهارة عند الحنابلة وفي قول عند الشّافعيّة، وعلى ذلك يجب استئناف الوضوء أو استكمال الغسل‏.‏

وعند المالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ينتقض مسح الجبيرة فقط، فإذا سقطت لا عن برء أعادها إلى موضعها وأعاد مسحها فقط، أمّا عند الحنفيّة فلا ينتقض شيء فيعيد الجبيرة إلى موضعها ولا يجب عليه إعادة المسح‏.‏ وهذا كلّه إذا كان في غير الصّلاة‏.‏

فإن كان في الصّلاة وسقطت الجبيرة عن برء بطلت الصّلاة باتّفاق، وإن سقطت لا عن برء بطلت الصّلاة عند الجمهور، ومضى عليها، ولا يستقبل عند الحنفيّة‏.‏

الفرق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفّ

8 - يفارق المسح على الجبيرة المسح على الخفّ من وجوه كثيرة، وقد توسّع الحنفيّة في ذكر هذه الفروق حتّى أوصلها ابن عابدين إلى سبعة وثلاثين فرقاً‏.‏

وأهمّ هذه الفروق ما يلي‏:‏

أ - لا يجوز المسح على الجبيرة إلاّ عند الضّرر بنزعها، والخفّ بخلاف ذلك‏.‏

ب - المسح على الجبيرة مؤقّت بالبرء لا بالأيّام، والمسح على الخفّ مؤقّت بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيّام بلياليها للمسافر، وهذا عند غير المالكيّة‏.‏

أمّا المالكيّة فإنّهم يتّفقون مع الجمهور في توقيت المسح على الجبيرة بالبرء، ولا توقيت في المسح على الخفّ عندهم، وإن كان يندب نزعه كلّ أسبوع‏.‏

ج - يمسح على الجبيرة في الطّهارة الكبرى ‏(‏الغسل‏)‏ لأنّ الضّرر يلحق بنزعها، أمّا الخفّ فيجب نزعه في الطّهارة الكبرى‏.‏

د - يجمع في الجبيرة بين مسح على جبيرة رجل وغسل الأخرى،بخلاف المسح على الخفّ‏.‏

هـ - يجب استيعاب الجبيرة بالمسح عند المالكيّة والحنابلة وهو الأصحّ عند الحنفيّة والشّافعيّة وذلك بخلاف الخفّ‏.‏

و - لا يشترط تقدّم الطّهارة على وضع الجبيرة عند الحنفيّة والمالكيّة وهو مقابل الصّحيح عند الشّافعيّة وفي رواية عن الإمام أحمد، أمّا الخفّ فإنّه يشترط للبسه أن يكون على طهارة‏.‏

ز - ينتقض المسح على الجبيرة بسقوطها أو نزعها عن برء باتّفاق، وكذلك سقوطها لا عن برء عند غير الحنفيّة‏.‏

أمّا الخفّ فيبطل المسح عليه مطلقا عند نزعه خلافا لما اختاره ابن تيميّة من أنّه لا يبطل بالنّزع قياسا على عدم بطلان الوضوء بإزالة شعر الرّأس الممسوح عليه‏.‏

ح - لو كان على عضويه جبيرتان فرفع إحداهما لا يلزمه رفع الأخرى، بخلاف الخفّين، لأنّ لبسهما جميعا شرط بخلاف الجبيرتين‏.‏

ط - يترك المسح على الجبيرة إن ضرّ بخلاف الخفّ‏.‏

جحد

انظر‏:‏ إنكار‏.‏

الجحفة

التّعريف

1 - الجحفة موضع على الطّريق بين المدينة ومكّة، وكان اسمها مَهْيَعَة، أو مَهِيعَة، فأجحف السّيل بأهلها فسمّيت جحفة، وبما أنّه لم يبق بها الآن إلاّ رسوم خفيّة لا يكاد يعرفها إلاّ سكّان البوادي، فلذا اختار النّاس الإحرام احتياطا من المكان المسمّى برابغ الّذي على يسار الذّاهب إلى مكّة وقبل الجحفة بنصف مرحلة أو قريب من ذلك‏.‏

وهي ميقات أهل الشّام ومصر والمغرب‏.‏ وهي أحد المواقيت الخمسة الّتي لا يجوز تجاوزها لقاصد الحجّ والعمرة إلاّ محرما، وقد جمعت في قوله‏:‏

عرق العراق يلملم اليمن *** وبذي الحليفة يحرم المدنيّ

للشّام جحفة إن مررت بها *** ولأهل نجد قرن فاستبن

الحكم الإجماليّ وموطن البحث

2 - أجمع أهل العلم على أنّ الجحفة ميقات أهل الشّام ومصر والمغرب ومن مرّ بها من غير أهلها لما رواه ابن عبّاس رضي الله عنه قال‏:‏ «وقّت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشّام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال‏:‏ فهنّ لهنّ، ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ لمن كان يريد الحجّ أو العمرة» وقد فصّل الفقهاء الكلام حول تجاوزها بغير إحرام في كتاب الحجّ عند الكلام عن المواقيت‏.‏

جحود

انظر‏:‏ إنكار‏.‏

جدار

انظر‏:‏ حائط‏.‏

جدّ

التّعريف

1 - من معاني الجدّ لغة أبو الأب وأبو الأمّ، والجمع أجداد وجدود والجدّة أمّ الأمّ وأمّ الأب، والجمع جدّات والجدّ في اصطلاح الفقهاء أبو الأب وأبو الأمّ، وإن علوا، فإن أطلق انصرف إلى أبي الأب‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالجدّ

يتعلّق بالجدّ أحكام مختلفة منها‏:‏

ولاية الجدّ في النّكاح

2 - اختلف الفقهاء في ولاية الجدّ ‏(‏أبي الأب‏)‏ وإن علا في النّكاح‏.‏

فذهب الشّافعيّة إلى أنّ الجدّ كالأب عند عدم الأب، وأنّه أحقّ الأولياء بعد الأب في ولاية النّكاح، وأنّ له أن يجبر بنت ابنه البكر سواء أكانت بالغة أم صغيرة‏.‏

ووافقهم الحنفيّة في هذا الحكم بالنّسبة للصّغيرة، والمجنونة، والمعتوهة، وإن كانت ثيّبا عندهم‏.‏ وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ الجدّ ليس كالأب، وليس له أن يجبر بنت ابنه سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، بكراً أم ثيّباً، عاقلة أم مجنونة‏.‏

ولكنّهم اختلفوا في منزلته بين سائر الأولياء‏.‏

فذهب المالكيّة إلى أنّه يأتي في التّرتيب بعد الأخ وابن الأخ وإن نزل، ويرى الحنابلة أنّه يأتي بعد الأب ووصيّه‏.‏

أمّا الجدّ لأمّ وهو من أدلى إلى المرأة بأنثى فلا ولاية له في النّكاح‏.‏

إرث الجدّ

3 - اتّفق الفقهاء على أنّ الجدّ ‏(‏أبا الأب‏)‏ يرث بالفرض ويرث بالتّعصيب‏.‏

والجدّ أبو الأب وإن علا لا يحجبه إلاّ ذكر متوسّط بينه وبين الميّت بالإجماع، لأنّ من أدلى إلى الميّت بشخص لا يرث مع وجوده إلاّ أولاد الأمّ‏.‏

فالجدّ أبو الأب في الميراث منزّل منزلة الأب عند فقد الأب في جميع المواضع إلاّ في أربع مسائل‏:‏ إحداها‏:‏ زوج وأبوان‏.‏

والثّانية‏:‏ زوجة وأبوان، للأمّ ثلث الباقي فيهما مع الأب، ويكون لها ثلث جميع المال فيهما لو كان مكان الأب جدّ‏.‏

والثّالثة‏:‏ الجدّ مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب، فإنّ الأب يحجبهم باتّفاق‏.‏

وفي الحكم عند وجود الجدّ بدل الأب خلاف وتفصيل ينظر في إرث‏.‏

والرّابعة‏:‏ الجدّ مع الإخوة لأمّ، فإنّ الأب يحجبهم إجماعاً، ولا يحجبهم الجدّ خلافاً لأبي حنيفة‏.‏

نفقة الجدّ

4 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ نفقة الجدّ واجبة على حفيده أو حفيدته بشروطها، سواء أكان هذا الجدّ من جهة الأب أو من جهة الأمّ، وسواء أكان وارثا أم غير وارث، ولو اختلف دينهما، بأن كان ولد الولد مسلما والجدّ كافراً، أو كان الجدّ مسلما وولد الولد كافرا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَصَاحبْهما في الدُّنيا مَعْرُوفَاً‏}‏ ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما‏.‏ ولحديث‏:‏ «إنّ أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم»‏.‏ والجدّ ملحق بالأب إن لم يدخل في عموم لفظ الأب‏.‏

وذهب المالكيّة إلى عدم وجوب نفقة الجدّ على ولد الولد‏.‏

كما ذهب الجمهور إلى وجوب نفقة ولد الولد وإن سفل على الجدّ وإن علا إذا فقد الأب بشرطها «لقوله صلى الله عليه وسلم لهند‏:‏ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»

والأحفاد ملحقون بالأولاد إن لم يتناولهم إطلاق النّصوص الواردة في ذلك‏.‏

أمّا المالكيّة فيرون عدم وجوب نفقة الحفيد على الجدّ‏.‏

وفي هذه المسائل تفصيل ينظر في النّفقة‏.‏

إعفاف الجدّ

5 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة على المشهور في مذهبهم إلى أنّه يلزم ولد الولد إعفاف الجدّ وإن علا بالنّكاح، لأنّ هذا من وجوه حاجته المهمّة كالنّفقة، ولئلاّ يعرّضهم للزّنا المفضي إلى الهلاك، وذلك لا يليق بحرمة الأبوّة، وليس من المصاحبة بالمعروف المأمور بها في قوله تعالى ‏{‏وصاحبهما في الدُّنيا معروفاً‏}‏‏.‏

كما ذهب الجمهور إلى وجوب نفقة زوجة الجدّ على ولد الولد إذا كانت واحدة‏.‏

أمّا إذا كان عنده أكثر من زوجة فعلى الحفيد أن يدفع له نفقة زوجة واحدة، وعلى الجدّ أن يوزّع هذا القدر على جميع زوجاته‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يلزم الحفيد إعفاف الجدّ، كما لا يلزمه عندهم نفقة زوجة الجدّ‏.‏ ولزيادة التّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

حضانة الجدّ

6 - اختلف الفقهاء في ترتيب الجدّ في الحضانة‏.‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ ترتيبه في استحقاق حضانة الحفيد يأتي بعد الأب مباشرة، لأنّه كالأب عند عدمه، وإلى هذا ذهب الحنابلة كذلك‏.‏

أمّا المالكيّة فيرون أنّه يستحقّ الحضانة بعد الأخ الشّقيق، ثمّ يأتي بعده الأخ لأمّ، ثمّ الأخ لأب‏.‏

حكم دفع الزّكاة للجدّ

7 - ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز للحفيد أن يدفع زكاته إلى جدّه وإن علا‏.‏ كما لا يجوز للجدّ أن يدفع زكاته لولد ولده وإن سفل، لأنّ كلّا منهما ينتفع بمال الآخر، فيكون كأنّه صرف إلى نفسه من وجه، ولأنّ نفقة كلّ منهما تجب على الآخر، وقد يرث أحدهما الآخر‏.‏

أمّا المالكيّة فيرون أنّه يجوز لكلّ منهما أن يدفع زكاته للآخر ما لم يكن ألزم نفسه بنفقته‏.‏ ولزيادة التّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏نفقة وحضانة‏)‏‏.‏

القصاص من الجدّ

8 - اختلف الفقهاء في حكم القصاص من الجدّ إذا قتل حفيده‏.‏

فذهب الجمهور وهم الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجب القصاص من الجدّ وإن علا إذا قتل حفيده وإن سفل، لحديث‏:‏ «لا يقاد الأب من ابنه» ولرعاية حرمته الأبويّة، ولأنّه كان سببا في وجود الحفيد فلا يكون الحفيد سببا في عدمه‏.‏

كما ذهبوا إلى أنّه لا يستحقّ الحفيد القصاص من جدّه وإن علا، سواء أكان من قبل الأب أم من قبل الأمّ، لأنّ الحكم يتعلّق بالولاد فاستوى فيه جميع الأجداد‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الجدّ إذا قتل حفيده على وجه العمد المحض، مثل أن يذبحه أو يشقّ بطنه يقتصّ له منه، لعموم ظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عليكم القِصَاصُ‏}‏‏.‏

وإلى هذا ذهب ابن المنذر‏.‏

سرقة الجدّ من مال حفيده

9 - اختلف الفقهاء في قطع يد الجدّ إذا سرق من مال حفيده‏.‏

فذهب الجمهور - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى عدم قطع يد الجدّ إذا سرق من مال ولد الولد وإن سفل درءا للشّبهة، لقوله صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك»‏.‏

ولما بينهما من الاتّحاد والاشتراك، ولأنّ مال كلّ منهما مرصد لحاجة الآخر، ولأنّ للجدّ أن يدخل بيت ولد ولده بغير إذن عادة، فاختلّ معنى الحرز، ولأنّ القطع بسبب السّرقة فعل يفضي إلى قطع الرّحم وذلك حرام، والمفضي إلى الحرام حرام‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ الجدّ تقطع يده إذا سرق من مال حفيده لعموم الأدلّة‏.‏

قذف الجدّ حفيده

10 - اختلف الفقهاء في وجوب الحدّ على الجدّ إذا قذف حفيده‏.‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم وجوب الحدّ عليه بقذف حفيده وإن سفل، لأنّ الأبوّة معنى يسقط القصاص فمنعت الحدّ‏.‏ ولأنّ الحدّ يدرأ بالشّبهات فلا يجب لولد الولد على جدّه، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تَقُلْ لهما أُفٍّ‏}‏ والنّهي عن التّأفيف نصّاً نهي عن الضّرب دلالة، فلو حدّ الجدّ كان ضربه الحدّ بسبب حفيده، ولأنّ المطالبة بالقذف ليست من الإحسان في شيء فكانت منفيّة نصّا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَبالوَالدين إحْسَانَاً‏}‏‏.‏

كما ذهب الجمهور إلى أنّ ولد الولد لا يثبت له حدّ قذف على جدّه، فلو قذف الجدّ أمّ ولد ولده وهي أجنبيّة منه فماتت قبل استيفاء الحدّ لم يكن لولد ولده المطالبة بالحدّ، لأنّ ما منع ثبوته ابتداء أسقطه طارئاً‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ الجدّ يحدّ إذا قذف ولد ولده لعموم الأدلّة‏.‏

شهادة الجدّ لولد ولده

11 - اتّفق الفقهاء على أنّ شهادة الجدّ لحفيده وإن سفل وعكسه لا تقبل، لأنّ بينهما بعضيّة فكأنّه يشهد لنفسه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام «فاطمة بضعة منّي»‏.‏

ولأنّ شهادة الجدّ إذا تضمّنت معنى النّفع والدّفع فقد صار متّهما ولا شهادة لمتّهم، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا مجلود حدّاً ولا مجلودة، ولا ذي غمر لأخيه،ولا القانع أهل البيت لهم، ولا ظنين في ولاء، ولا قرابة» والظّنين المتّهم‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا‏:‏ «لا يجوز شهادة الولد لوالده ولا المرأة لزوجها»‏.‏ وذهب بعض علماء السّلف كشريح وعمر بن عبد العزيز وأبي ثور وإسحاق إلى أنّ شهادة كلّ من الأصل والفرع للآخر مقبولة، لعموم الأدلّة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ منكم‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكمْ‏}‏‏.‏

مرتبة الجدّ في الصّلاة على الجنازة

12 - ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ أولى الأقارب من الرّجال في غسل الميّت والصّلاة عليه، الأب ثمّ الجدّ أبو الأب وإن علا، إلاّ أنّ الحنفيّة يرون أنّه يستحبّ للأب أن يقدّم أباه جدّ الميّت تعظيماً له‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الجدّ يأتي بعد الأخ وابن الأخ وإن نزل‏.‏

جدّة

التّعريف

1 - الجدّة لغة‏:‏ أمّ الأمّ وأمّ الأب وإن علتا، وجمعها جدّات‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالجدّة

ميراث الجدّة

2 - أجمع الفقهاء على توريث جدّتين‏:‏ أمّ الأمّ، وأمّ الأب، وأمّهاتهما وإن علون بمحض الإناث أي دون تخلّل ذكر، واختلفوا في أمّ الجدّ ‏(‏أمّ أبي الأب‏)‏ فذهب جمهور الفقهاء إلى توريثها، وهو مذهب جمهور الصّحابة كعليّ وزيد وابن مسعود وغيرهم، والحسن وقتادة والأوزاعيّ وابن سيرين والثّوريّ‏.‏ وهو مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى عدم توريثها، وهو مذهب سعد بن أبي وقّاص وربيعة وأبي ثور‏.‏ واتّفق الفقهاء على أنّ الجدّة الّتي تدلي إلى الميّت بذكر بين أمّين فاسدة، ولا ترث، لأنّها تدلي بأب غير وارث كما في حالة أمّ أبي الأمّ‏.‏

هذا وعدم توريث الجدّة غير الصّحيحة إنّما هو بالفرض‏.‏ وهي ترث ميراث الأرحام‏.‏

فرض الجدّة والجدّات

3 - أجمع أهل العلم على أنّ للجدّة السّدس إذا لم يكن للميّت أمّ‏.‏ «وذلك لما رواه قبيصة بن ذؤيب قال‏:‏ جاءت الجدّة إلى أبي بكر تطلب ميراثها‏.‏ فقال‏:‏ ما لك في كتاب اللّه شيء، وما أعلم لك في سنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شيئاً‏.‏ ولكن ارجعي حتّى أسأل النّاس‏.‏ فقال المغيرة بن شعبة‏:‏ حضرت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أعطاها السّدس‏.‏ فقال‏:‏ هل معك غيرك ‏؟‏ فشهد له محمّد بن مسلمة، فأمضاه لها»‏.‏

وهذا سواء أكانت الجدّة من جهة الأمّ أم من جهة الأب‏.‏

وسواء أكان معها فرع للميّت وارث أم لم يكن‏.‏

وسواء أقربت الجدّة أم بعدت ما دامت وارثة‏.‏

وسواء أكانت واحدة أم أكثر، فقد أجمع أهل العلم على أنّ ميراث الجدّات السّدس أيضا وإن كثرن، وذلك «لقضائه صلى الله عليه وسلم في الميراث بالسّدس بينهما»‏.‏ ولقضاء عمر بن الخطّاب بين الجدّتين فقال عن السّدس‏:‏ إن اجتمعتما فهو لكما،وأيّتكما خلت به فهو لها‏.‏

حجب الجدّة

4 - الجدّات قد يحجبهنّ غيرهنّ، وقد يحجب بعضهنّ بعضا في الميراث‏.‏ فقد أجمع أهل العلم على أنّ الأمّ تحجب كلّ الجدّات سواء أكنّ من جهتها أو من جهة الأب، لأنّ الجدّات يرثن بالولاد، فكانت الأمّ أولى منهنّ لمباشرتها الولادة‏.‏

وأجمعوا على أنّ كلّ جدّة قربى تحجب البعدى الّتي من جهتها مطلقاً‏.‏

وجمهور الفقهاء على أنّ الجدّة القربى من جهة الأمّ تسقط البعدى الّتي من جهة الأب‏.‏

ونقل ابن قدامة عن بعض السّلف خلافا في ذلك‏.‏ واختلفوا في إسقاط الجدّة القربى من جهة الأب للبعدى الّتي من جهة الأمّ‏.‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّها تحجبها لأنّها أقرب منها‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّها لا تحجبها والسّدس بينهما نصفين‏.‏

وللشّافعيّ قولان‏:‏ أظهرهما وهي الرّواية المنصوصة عن أحمد أنّها لا تحجبها، وتشتركان في السّدس، لأنّ الأب نفسه لا يحجبها فالجدّة المدلية به أولى‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّها تحجبها لقربها من الميّت‏.‏

5 - واختلفوا في حجب الجدّة بابنها، أي بأبي الميّت أو جدّه‏.‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في ظاهر المذهب، والحنابلة في إحدى الرّوايتين، إلى أنّه يحجبها، فلا ترث مع وجود الأب إلاّ جدّة واحدة وهي الّتي من قبل الأمّ واحتجّوا بأنّها تدلي به فلا ترث معه كالجدّ مع الأب، وأمّ الأمّ مع الأمّ‏.‏

وذهب الحنابلة في ظاهر المذهب وهي رواية للشّافعيّة إلى أنّها ترث مع ابنها لما رواه عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ «أوّل جدّة أطعمها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم السّدس أمّ أب مع ابنها، وابنها حيّ»‏.‏

ولأنّ الجدّات أمّهات، فيرثن ميراث الأمّ لا ميراث الأب، فلا يحجبن به كأمّهات الأمّ‏.‏

تحريم نكاح الجدّة

6 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم نكاح الجدّات مطلقا سواء كنّ من جهة الأمّ أو من جهة الأب وإن علون، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيكمْ أُمَّهَاتُكُمْ‏}‏ فالأمّهات كلّ من ينتسب إليهنّ بولادة سواء وقع عليها اسم الأمّ حقيقة أو مجازاً - أي الّتي ولدتك أو ولدت من ولدتك - وإن علت وارثة كانت أو غير وارثة‏.‏

تحريم الجمع بين الزّوجة وجدّتها

7 - اتّفق الفقهاء على تحريم الجمع بين الزّوجة وجدّتها، إذ الجدّات في هذا بمنزلة الأمّهات في الحرمة‏.‏ على أنّه يحرم أيضاً نكاح جدّة الزّوجة بعد موت الزّوجة أو طلاقها، كما يحرم نكاح بنت بنت الزّوجة المدخول بها بعد طلاق الزّوجة أو موتها، أمّا إذا كانت الزّوجة غير مدخول بها وفارقها فيحلّ له الزّواج ببنت بنتها‏.‏

تشبيه الزّوجة بالجدّة في الظّهار

8 - اتّفق الفقهاء على أنّ من شبّه زوجته بظهر جدّته فهو ظهار، سواء أكانت الجدّة من جهة الأمّ أم الأب، لأنّ تشبيه الزّوجة بظهر الأمّ أو الجدّة أو من يحرم عليه نكاحها على التّأبيد سواء‏.‏

حقّ الجدّة بالحضانة

9 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أحقّ النّاس بالحضانة بعد الأمّ سواء ماتت أو نكحت أجنبيّا أمّهاتها المدليات بإناث القربى فالقربى - أي جدّة الطّفل لأمّه - وإن علت‏.‏

ثمّ اختلفوا فيمن تنتقل الحضانة إليه بعد ذلك‏.‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّ الحضانة تنتقل بعد الجدّة لأمّ إلى الجدّات لأب، ثمّ بعد ذلك إلى الأخوات ثمّ الخالات‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الحضانة تنتقل إلى الخالات ثمّ الجدّات من جهة الأب ثمّ الأخوات‏.‏ وذهب الشّافعيّة في الجديد إلى تقديم الجدّات لأب على الأخوات والخالات، وفي القديم إلى تأخيرهنّ عن الأخوات والخالات‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ الحضانة تنتقل بعد أمّ الأمّ إلى الأب، ثمّ إلى أمّهاته، ثمّ إلى الأخوات والخالات‏.‏ واستدلّوا بتقديم أمّ الأمّ بما قضاه أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه في عاصم على عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما‏.‏ فقد طلّق عمر زوجته وله منها عاصم، ثمّ تزوّجت بزوج آخر، وكان لها أمّ فقبضت عاصماً عندها، فخاصمها عمر إلى أبي بكر فقضى لجدّته ‏(‏أمّ أمّه‏)‏ بالحضانة وقال عمر‏:‏ سمعت وأطعت‏.‏

قتل الجدّة بحفيدها

10 - يرى جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - أنّه لا قصاص على والد يقتل ولده، وكذا الأمّ والأجداد والجدّات سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأمّ، قربوا أم بعدوا‏.‏ واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقاد والد بولده» والجدّة والدة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى التّفصيل في هذه المسألة، فاتّفقوا مع الجمهور فيما لو حذفه بالسّيف‏.‏ أمّا إن قصد قتل الابن وإزهاق روحه بأن أضجعه فذبحه فإنّه يقتصّ منه، ويجري مجراه الأجداد والجدّات‏.‏

استئذان الجدّة في الجهاد

11 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا إذن لأحد مطلقا في النّفير العامّ، حيث يتعيّن الجهاد ويكون فرض عين ولا يعتبر فيه الإذن، كالحجّ الواجب، وبقيّة الفرائض‏.‏

واتّفقوا في غير النّفير العامّ أنّه لا يخرج من له والدان بغير إذنهما، ولو فعل يحرم عليه لأنّ برّهما واجب‏.‏

واختلفوا في وجوب استئذان الأجداد والجدّات في حال عدم وجود الوالدين‏.‏

فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة في قول - إلى أنّ الأجداد والجدّات كالآباء والأمّهات فيحرم خروجه بغير إذنهم للجهاد‏.‏

وذهب المالكيّة في ظاهر مذهبهم إلى أنّه يستحبّ استئذانهما لأنّهما ليسا كالأبوين، فإن أبى الجدّان فله الخروج‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا إذن لغير الأبوين من الأقارب حتّى الجدّين لأنّ الشّرع لم يرد بذلك ولا هو في معنى المنصوص‏.‏