فصل: دخول الكافر المسجد الحرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


مسْجِد إبراهيم

التّعريف

1 - مسجد إبراهيم مركّب من كلمتين‏:‏ مسجد وإبراهيم‏,‏ فالمسجد في اللغة‏:‏ بيت الصّلاة‏,‏ وموضع السجود من بدن الإنسان‏.‏

والمسجد في الاصطلاح‏:‏ الأرض الّتي جعلها المالك مسجداً وأذن بالصّلاة فيها‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ وإبراهيم هو نبي اللّه إبراهيم عليه السّلام على الصّحيح‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ إبراهيم هو أحد أمراء بني العبّاس وهو الّذي ينسب إليه باب إبراهيم بمكّة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

مقام إبراهيم‏:‏

2 - المقام - بفتح الميم - اسم مكان من قام يقوم قوماً وقياماً‏:‏ أي انتصب‏,‏ وقال أكثر الفقهاء والمفسّرين‏:‏ إنّ مقام إبراهيم‏:‏ الحجر الّذي تعرفه النّاس اليوم‏,‏ يصلون عنده ركعتي الطّواف‏.‏

والصّلة بين مقام إبراهيم ومسجد إبراهيم أنّ كلاً منهما منسوب إلى نبيّ اللّه إبراهيم‏,‏ غير أنّ مقام إبراهيم عند الكعبة‏,‏ وتسن ركعتا الطّواف عنده‏,‏ ومسجد إبراهيم عند عرفات‏.‏

الحكم الإجمالي

يتعلّق بمسجد إبراهيم أحكام منها‏.‏

أ - الوقوف بمسجد إبراهيم

3 - قال أبو محمّد الجويني من الشّافعيّة‏:‏ إنّ مقدم مسجد إبراهيم في طرف وادي عرنة لا في عرفات‏,‏ وآخره في عرفات قال‏:‏ فمن وقف في مقدم المسجد المسمّى بمصلّى إبراهيم لا يصح وقوفه‏,‏ ومن وقف في آخره صحّ‏.‏

ب - لقطة مسجد إبراهيم‏:‏

4 - قال الزّركشي في إعلام السّاجد نقلاً عن الحاوي‏:‏ إنّ لقطة عرفة ومصلّى إبراهيم ‏"‏ أي مسجد إبراهيم ‏"‏ فيها وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ حل لقطتها قياساً على الحلّ‏,‏ والثّاني‏:‏ أنّه كالحرم لا تحل إلّا لمنشد‏,‏ لأنّه مجمع الحاجّ وينصرف القصّاد منه إلى سائر البلاد كالحرم‏.‏

وأمّا جمهور الفقهاء فقالوا‏:‏ لا فرق بين لقطة الحلّ ولقطة الحرم‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ حرم ف / 19 ‏)‏‏.‏

ج - صلاة الظهر والعصر يوم عرفة بمسجد إبراهيم‏:‏

5 - يندب إذا قصد الحجيج عرفات للوقوف بها أن يتوجّهوا إلى مسجد إبراهيم عليه السّلام- ويسمّى الآن مسجد نمرة ويصلوا الظهر والعصر جمعاً بعد خطبتين يلقيهما الإمام‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ عرفات ف / 2 ‏)‏

المَسْجِد الأقْصَى

التّعريف

1 - المسجد الأقصى هو المسجد المعروف في مدينة القدس‏,‏ وقد بني على سفح الجبل ويسمّى بيت المقدس‏,‏ أي البيت المطهّر الّذي يتطهّر فيه من الذنوب‏.‏

وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشّريفين‏,‏ ومسرى رحمة اللّه للعالمين محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم‏,‏ واحد المساجد الثّلاثة الّتي لا تشد الرّحال إلّا إليها‏,‏ والمسجد الّذي بارك اللّه حوله كما جاء في القرآن الكريم‏.‏

ويسمّى الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام‏,‏ وكان أبعد مسجد عن أهل مكّة في الأرض يعظّم بالزّيارة‏.‏

أسماء المسجد الأقصى

2 - للمسجد الأقصى أسماء عدّة ذكر الزّركشي منها سبعة عشر من أهمّها‏:‏

الأوّل‏:‏ مسجد إيلياء‏:‏ وقيل في معناه‏:‏ بيت اللّه‏,‏ وعن كعب الأحبار أنّه كره أن يسمّى بإيلياء‏,‏ ولكن بيت اللّه المقدّس‏,‏ وقد حكى ذلك الواسطي في فضائله‏.‏

الثّاني‏:‏ بيت المَقْدس‏:‏ بفتح الميم وإسكان القاف - أي المكان الّذي يطّهر فيه من الذنوب‏,‏ والمقدس‏:‏ المطهّر‏.‏

الثّالث‏:‏ البيت المُقَدّس‏:‏ - بضمّ الميم وفتح القاف والدّال المشدّدة - أي المطهّر‏,‏ وتطهيره إخلاؤُه من الأصنام‏,‏ وغيرها من الأسماء‏,‏ وقد أوصلها الجراعي إلى اثنين وعشرين اسماً‏,‏ في كتابه تحفة الرّاكع والسّاجد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المسجد النّبوي‏:‏

3 - المسجد النّبوي هو المسجد الّذي أسّسه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المدينة المنوّرة‏,‏ وهو ثاني الحرمين الشّريفين‏,‏ وثواب الصّلاة فيه يربو على الصّلاة في غيره بألف صلاة إلّا المسجد الحرام‏,‏ والصّلة بينهما أنّ كلاً من المسجد الأقصى والمسجد النّبويّ من المساجد الثّلاثة الّتي لا تشد الرّحال إلّا إليها‏.‏

ب - المسجد الحرام‏:‏

4 - المسجد الحرام هو بيت اللّه الحرام بمكّة المكرّمة‏,‏ وهو أوّل مسجد وضع على الأرض‏,‏ كما جاء في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ‏}‏‏.‏

وهو أوّل الحرمين وثاني القبلتين‏,‏ وفضل الصّلاة فيه بمائة ألف صلاة عمّا سواه‏,‏ والصّلة أنّ كلاً من المسجد الأقصى والمسجد الحرام من المساجد الثّلاثة الّتي لا تشد الرّحال إلّا إليها‏.‏

فضائل المسجد الأقصى ومكانته في الإسلام وخصائصه

للمسجد الأقصى فضائل أهمها‏:‏

أ - أنّه القبلة الأولى للمسلمين‏:‏

5 - من الفضائل الّتي أختصّ بها المسجد الأقصى‏,‏ أن جعله اللّه تعالى أولى القبلتين‏,‏ فإليه كان المسلمون يتوجّهون في صلاتهم قبل أن تحوّل القبلة إلى الكعبة المشرّفة‏.‏

وفي ذلك دلالة على أنّ هذا البيت شرّفه اللّه وكرّمه‏,‏ فوجّه أنظار المسلمين إليه فترةً من الزّمن‏.‏

ب - الإسراء إليه والمعراج منه‏:‏

6 - إلى المسجد الأقصى كان إسراء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل الهجرة‏,‏ ونزل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ‏}‏‏.‏

وهذه الآية هي المعظّمة لقدره بإسراء سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليه قبل عروجه إلى السّماء‏.‏

ودخل النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه جبريل بيت المقدس فصلّى فيه ركعتين‏.‏

ج - شد الرّحال إليه‏:‏

7 - جعل الإسلام هذا المسجد أحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرّحال‏,‏ فقال صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « لا تشد الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد‏,‏ المسجد الحرام ومسجدي هذا‏,‏ والمسجد الأقصى »‏.‏

د - فضل الصّلاة فيه‏:‏

8 - ومن خصائص المسجد الأقصى وفضله‏,‏ مضاعفة الصّلاة فيه‏,‏ وقد اختلفت الأحاديث في مقدارها‏,‏ قال الجراعي‏:‏ ورد أنّ الصّلاة فيه بخمسمائة‏,‏ وقال الشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة‏:‏ إنّه الصّواب‏.‏

هـ - مباركة الأرض حوله‏:‏

9 - أخبر اللّه تعالى عن المسجد الأقصى أنّه بارك حوله في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ‏}‏‏,‏ وفي الآية تأويلان‏:‏ أحدهما أنّه مبارك بمن دفن حوله من الأنبياء المصطفين الأخيار‏,‏ والثّاني‏:‏ بكثرة الثّمار ومجاري الأنهار‏.‏

و - كونه ثاني مسجد في الأرض‏:‏

10 - أوّل مسجد وضع على الأرض هو المسجد الحرام ثمّ المسجد الأقصى‏.‏

فعن « أبي ذر رضي اللّه عنه قال سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أوّل مسجد وضع في الأرض قال‏:‏ المسجد الحرام قلت ثمّ أي قال‏:‏ المسجد الأقصى قلت وكم بينهما قال أربعون عاماً ثمّ الأرض لك مسجداً فحيثما أدركتك الصّلاة فصلّ »‏,‏ وقال البخاري في بعض طرقه‏:‏ « أينما أدركتك الصّلاة فصلّ فيه فإنّ الفضل فيه »‏.‏

وقد أشكل هذا الحديث على بعض العلماء كابن الجوزيّ فقال‏:‏ إنّه معلوم أنّ سليمان بن داود هو الّذي بنى الأقصى كما رواه النّسائي بإسناد صحيح من حديث عبد اللّه بن عمرو يرفعه‏:‏ « أنّ سليمان بن داود لمّا بنى بيت المقدس سأل اللّه ثلاثاً سأل اللّه عزّ وجلّ حكماً يصادف حكمه فأوتيه وسأل اللّه عزّ وجلّ ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه وسأل اللّه عزّ وجلّ حين فرغ من بناء المسجد الأقصى ألّا يأتيه أحد لا ينهزه يحرّكه إلّا الصّلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه »‏.‏

وسليمان بعد إبراهيم كما قال أهل التّاريخ بأكثر من ألف عام‏,‏ وأجاب الزّركشي‏:‏ بأنّ سليمان عليه السّلام إنّما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه‏,‏ والّذي أسّسه هو يعقوب بن إسحاق بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا القدر‏.‏

أحكامه

11 - تتعلّق بالمسجد الأقصى أحكام سبق ذكر بعضها كمضاعفة أجر الصّلاة فيه‏,‏ واستحباب شدّ الرّحال إليه للحديث الشّريف كما تقدّم‏.‏

ومنها ما يأتي‏:‏

الأوّل‏:‏ استحباب ختم القرآن فيه وعن أبي مجلزٍ قال كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثّلاثة أن يختم بها القرآن قبل أن يخرج‏,‏ المسجد الحرام‏,‏ ومسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏,‏ ومسجد بيت المقدس‏.‏

كما روي أنّ سفيان الثّوريّ كان يختم به القرآن‏.‏

الثّاني‏:‏ استحباب الإحرام بالحجّ والعمرة منه ذكره الزّركشي وقال‏:‏ ففي سنن أبي داود وغيره من حديث أمّ سلمة قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « من أهلّ بحجّة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر » أو « وجبت له الجنّة »‏.‏

وأحرم جماعة من السّلف منه‏,‏ كابن عمر ومعاذ وكعب الأحبار وغيرهم‏.‏

الثّالث‏:‏ حكي عن بعض السّلف أنّ السّيّئات تضاعف في المسجد الأقصى روي ذلك عن كعب الأحبار‏,‏ وذكر أبو بكر الواسطي عن نافع قال‏:‏ قال لي ابن عمر‏:‏ أخرج بنا من هذا المسجد فإنّ السّيّئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات‏.‏

وذكر الزّركشي عن كعب الأحبار أنّه كان يأتي من حمص للصّلاة فيه فإذا صار منه قدر ميل اشتغل بالذّكر والتّلاوة والعبادة حتّى يخرج عنه بقدر ميل أيضاً ويقول‏:‏ السّيّئات تضاعف فيه‏,‏ ‏"‏ أي تزداد قبحاً وفحشاً لأنّ المعاصي في زمان أو مكان شريف أشد جرأةً وأقل خوفاً من اللّه تعالى ‏"‏‏.‏

الرّابع‏:‏ أنّه يحذّر من اليمين الفاجرة فيه وكذلك في المسجدين فإنّ عقوبتها عاجلة‏.‏ الخامس‏:‏ يكره استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط ولا يحرم قاله الشّيخ محيي الدّين في الرّوضة من زوائده تبعاً لغيره‏,‏ ولم يتعرّض له الشّافعي وأكثر الأصحاب‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ قضاء الحاجة ف / 5 ‏)‏‏.‏

السّادس‏:‏ ذهب الفقهاء إلى أنّ إقامة صلاة العيد في المصلّى أولى منها في المسجد إلّا في مسجد مكّة‏,‏ قال الرّافعي‏:‏ وألحق الصّيدلاني به مسجد بيت المقدس‏.‏

السّابع‏:‏ استحباب الصّيام فيه فقد روي‏:‏ « صوم يوم في بيت المقدس براءة من النّار »‏.‏ الثّامن‏:‏ قال الزّركشي‏,‏ قال الدّارمي‏:‏ لا يجوز الاجتهاد بمحراب بيت المقدس يمنةً ولا يسرةً إلحاقاً له بمسجد المدينة‏.‏

المسْجِد الحَرَام

التّعريف

1 - المسجد - بكسر الجيم - في اللغة‏:‏ موضع السجود من بدن الإنسان‏,‏ وبيت الصّلاة‏.‏ والمسجد شرعاً هو كل موضع من الأرض لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم « جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً »‏,‏ ثمّ إنّ العرف خصّص المسجد بالمكان المهيّأ للصّلوات الخمس‏.‏ والمسجد الحرام في الاصطلاح - كما قال النّووي - قد يراد به الكعبة فقط‏,‏ وقد يراد به المسجد حولها معها‏,‏ وقد يراد به مكّة كلها مع الحرم حولها‏,‏ وقد جاءت نصوص الشّرع بهذه الأقسام‏.‏

وسمّي المسجد حراماً لأنّه لا يحل انتهاكه فلا يصاد عنده ولا حوله ولا يختلى ما عنده من الحشيش‏.‏

قال العلماء‏:‏ وأريد بتحريم البيت سائر الحرم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المسجد النّبوي‏:‏

2 - المسجد النّبوي هو المسجد الّذي بناه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في موقعه المعروف بالمدينة حين قدم مهاجراً إليها من مكّة‏,‏ وهو ثاني الحرمين الشّريفين‏.‏

والصّلة أنّ كلاً من المسجد الحرام والمسجد النّبويّ من المساجد الّتي تشد إليها الرّحال ويضاعف فيها الأجر‏.‏

ب - المسجد الأقصى‏:‏

3 - المسجد الأقصى هو المسجد المعروف في مدينة القدس وقد بني على سفح الجبل‏,‏ ويسمّى بيت المقدس أي البيت المطهّر الّذي يتطهّر فيه من الذنوب‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ المسجد الأقصى ‏)‏‏.‏

والصّلة أنّ كلاً من المسجد الحرام والمسجد الأقصى من المساجد الّتي تشد إليها الرّحال ويضاعف فيها الأجر‏.‏

بناء المسجد الحرام

4 - أوّل مسجد وضع على الأرض المسجد الحرام‏,‏ وهو مسجد مكّة‏,‏ كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ‏}‏‏,‏ وعن « أبي ذر رضي اللّه عنه قال قلت يا رسول اللّه أي مسجد وضع في الأرض أوّل فقال‏:‏ المسجد الحرام قلت ثمّ أي قال‏:‏ المسجد الأقصى قلت وكم بينهما قال أربعون عاماً »‏.‏

قال ابن الجوزيّ‏:‏ إنّ المسجد الحرام كان صغيراً ولم يكن عليه جدار إنّما كانت الدور محدقةً به‏,‏ وبين الدور أبواب يدخل النّاس من كلّ ناحية فضاق على النّاس المسجد فاشترى عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه دوراً فهدمها‏,‏ ثمّ أحاط عليه جداراً قصيراً‏,‏ ثمّ وسّع المسجد عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه واشترى من قوم‏,‏ ثمّ زاد ابن الزبير رضي اللّه عنهما في المسجد واشترى دوراً وأدخلها فيه‏,‏ وأوّل من نقل إليه أساطين الرخام وسقفه بالسّاج المزخرف الوليد بن عبد الملك‏,‏ ثمّ زاد المنصور في شقّه الشّاميّ ثمّ زاد المهدي‏,‏ وكانت الكعبة في جانب فأحبّ أن تكون وسطاً فاشترى من النّاس الدور ووسطها‏.‏

ثمّ توالت الزّيادات فيه إلى يومنا هذا‏.‏

المفاضلة بين المسجد الحرام وغيره من المساجد

5 - صرّح الحنفيّة بأنّ أعظم المساجد حرمةً المسجد الحرام ثمّ مسجد المدينة ثمّ مسجد بيت المقدس ثمّ الجوامع ثمّ مساجد المحالّ ثمّ مساجد الشّوارع ثمّ مساجد البيوت‏.‏

ويرى المالكيّة على المشهور أنّ مسجد المدينة أفضل المساجد ويليه مسجد مكّة ويليه مسجد بيت المقدس‏.‏

شد الرّحال إلى المسجد الحرام

6 - المسجد الحرام هو أحد المساجد الثّلاثة الّتي تشد إليها الرّحال‏,‏ وفي الحديث‏:‏ « لا تشد الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام‏,‏ ومسجد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم والمسجد الأقصى »‏.‏

هذا الحديث يدل على فضيلة هذه المساجد ومزيّتها لكونها مساجد الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام‏,‏ ولأنّ المسجد الحرام قبلة النّاس وإليه حجهم‏,‏ ومسجد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم أسّس على التّقوى والمسجد الأقصى كان قبلة الأمم السّابقة‏,‏ وأولى القبلتين‏.‏

تحيّة المسجد الحرام

7 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ أوّل ما يبدأ به داخل المسجد الحرام الطّواف محرماً أو غير محرم دون الصّلاة إلّا أن يكون عليه فائتة‏,‏ أو خاف فوت الوقتيّة ولو الوتر‏,‏ أو سنّةً راتبةً‏,‏ أو فوت الجماعة‏,‏ فيقدّم الصّلاة في هذه الصور على الطّواف‏.‏

قال المنلا علي‏:‏ من دخل المسجد الحرام لا يشتغل بتحيّة لأنّ تحيّة هذا المسجد الشّريف هي الطّواف لمن عليه الطّواف أو أراده‏,‏ بخلاف من لم يرده‏,‏ أو أراد أن يجلس فلا يجلس حتّى يصلّي ركعتين تحيّة المسجد إلّا أن يكون الوقت مكروهاً‏.‏

واستظهر ابن عابدين أنّه لا يصلّي مريد الطّواف للتّحيّة أصلاً لا قبله ولا بعده‏,‏ ولعلّ وجهه اندراجها في ركعتيه‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ تحيّة المسجد الحرام في حقّ الآفاقيّ‏,‏ وكذلك المكّي المأمور بالطّواف الطّواف‏,‏ وأمّا المكّي الّذي لم يؤمر بطواف ولم يدخله لأجل الطّواف‏,‏ بل للمشاهدة أو للصّلاة أو لقراءة القرآن‏,‏ فتحيّة المسجد في حقّه الصّلاة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ تحيّة المسجد الصّلاة وتحيّة البيت الطّواف‏,‏ وليس الطّواف تحيّة المسجد‏,‏ ولكن تدخل التّحيّة في ركعتيه وإن لم ينوها‏.‏

وصرّح الحنابلة بأنّ تحيّة المسجد الحرام الصّلاة وتجزئ عنها الرّكعتان بعد الطّواف‏.‏

ونقل ابن مسدي في ‏"‏ إعلام النّاسك ‏"‏ عن أحمد وغيره أنّه يحيّي المسجد أوّلاً بركعتين ثمّ يقصد الطّواف‏.‏

فضل الصّلاة في المسجد الحرام

8 - إنّ صلاةً في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد‏,‏ روى جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه »‏.‏

ثمّ إنّ التّضعيف المذكور يرجع إلى الثّواب ولا يتعدّى إلى الإجزاء باتّفاق العلماء كما نقله النّووي وغيره فلو كان عليه صلاتان فصلّى في أحد المسجدين ‏"‏ المسجد الحرام أو المسجد النّبويّ ‏"‏ صلاةً لم تجزئ إلّا عن واحدة‏.‏

9 - والفقهاء متّفقون على فضيلة الفرض في المسجد الحرام على الفرض في غيره وإنّما اختلفوا في شمول هذا الفضل الفرض والنّفل‏.‏

قال الفاسي المالكي‏:‏ إنّ الفضل يختص بالفرض وهو مشهور مذهبنا ومذهب أبي حنيفة‏,‏ ونقل ابن عابدين قول الفاسيّ من غير أن يعقّب عليه‏,‏ ونسب العيني هذا القول إلى الطّحاويّ أيضاً‏.‏

وذهب الشّافعيّة في المذهب والحنابلة إلى أنّ المضاعفة لا تختص بالفريضة بل تعم النّفل والفرض‏,‏ قال الزّركشي بعد أن ذكر مذهب الشّافعيّة في المسألة‏:‏ وهو لازم للأصحاب من استثنائهم النّفل بمكّة من الوقت المكروه لأجل زيادة الفضيلة‏.‏

وقال الشّيخ مجد الدّين الحنبلي‏:‏ ظاهر الأخبار أنّ النّفل في البيت أفضل‏,‏ قال عليه الصّلاة والسّلام‏:‏ « أفضل الصّلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة »‏,‏ قال‏:‏ وينبغي أن يكون مرادهم إلّا النّساء لأنّ صلاتهنّ في بيوتهنّ أفضل‏,‏ والأخبار مشهورة في ذلك وهو ظاهر كلام أصحابنا وغيرهم‏.‏

المراد بالمسجد الحرام الّذي تضاعف فيه الصّلاة

10 - ذهب الحنفيّة في المشهور والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ المضاعفة تعم جميع حرم مكّة‏,‏ فقد ورد من حديث عطاء بن أبي رباح قال‏:‏ « بينما ابن الزبير يخطبنا إذ قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام تفضل بمائة قال عطاء فكأنّه مائة ألف قال قلت يا أبا محمّد هذا الفضل الّذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم قال بل في الحرم فإنّ الحرم كلّه مسجد »‏.‏

وقال ابن مفلح‏:‏ ظاهر كلامهم في المسجد الحرام أنّه نفس المسجد‏,‏ ومع هذا فالحرم أفضل من الحلّ‏,‏ فالصّلاة فيه أفضل‏.‏

وقال الزّركشي‏:‏ يتحصّل في المراد بالمسجد الحرام الّذي تضاعف فيه الصّلاة سبعة أقوال‏.‏ الأوّل‏:‏ أنّه المكان الّذي يحرم على الجنب الإقامة فيه‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّه مكّة‏.‏

الثّالث‏:‏ أنّه الحرم كله إلى الحدود الفارقة بين الحلّ والحرم‏,‏ قاله عطاء وقد سبق مثله عن الماورديّ وغيره‏,‏ وقال الروياني‏:‏ فضّل الحرم على سائر البقاع فرخّص في الصّلاة فيه في جميع الأوقات لفضيلة البقعة وحيازة الثّواب المضاعف‏,‏ وقال الزّركشي‏:‏ وهذا فيه تصريح بهذا القول‏.‏

الرّابع‏:‏ أنّه الكعبة‏,‏ قال الزّركشي وهو أبعدها‏.‏

الخامس‏:‏ أنّه الكعبة والمسجد حولها‏,‏ وهو الّذي قاله النّووي في استقبال القبلة‏.‏

السّادس‏:‏ أنّه جميع الحرم وعرفة‏,‏ قاله ابن حزم‏.‏

السّابع‏:‏ أنّه الكعبة وما في الحجر من البيت‏,‏ وهو قول صاحب البيان من أصحاب الشّافعيّة‏.‏

وحكى المحب الطّبريّ خلاف الفقهاء في مكان المضاعفة بالنّسبة إلى الصّلاة‏,‏ ورجّح أنّ المضاعفة تختص بمسجد الجماعة‏.‏

تقدم المأموم على الإمام في المسجد الحرام

11 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه إذا صلّى الإمام خارج الكعبة وتحلّق المقتدون حولها جاز لمن في غير جهته أن يكون أقرب إليها منه‏,‏ لا لمن كان في جهته‏,‏ لأنّ التّقدم والتّأخر إنّما يظهر عند اتّحاد الجهة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يستحب للإمام أن يقف خلف المقام‏,‏ ويقف المأمومون مستديرين بالكعبة‏,‏ بحيث يكون الإمام أقرب إلى الكعبة منهم‏,‏ فإن كان بعضهم أقرب إليها منه وهو في جهة الإمام ففي صحّة صلاته قولان‏:‏ الجديد بطلانها‏,‏ والقديم صحّتها‏.‏

وإن كان في غير جهته فطريقان‏:‏ المذهب‏:‏ القطع بصحّتها وهو نصه في الأمّ وبه قطع الجمهور‏.‏

والثّاني فيه القولان‏,‏ حكاه الأصحاب عن أبي إسحاق المروزيّ‏.‏

المرور بين يدي المصلّي في المسجد الحرام

12 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يمنع المار داخل المسجد الحرام‏,‏ لما روي عن المطّلب ابن أبي وداعة رضي اللّه عنه‏:‏ « أنّه رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي ممّا يلي باب بني سهم والنّاس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة »‏,‏ وهو محمول على الطّائفين فيما يظهر لأنّ الطّواف صلاة فصار كمن بين يديه صفوف من المصلّين‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن كان في المسجد الحرام حرم المرور إن كان له مندوحة وصلّى لسترة‏,‏ وإلّا جاز‏,‏ هذا إذا كان المار غير طائف‏,‏ وأمّا هو فلا يحرم عليه مطلقاً‏,‏ ثمّ إن كان له سترة كره حيث كان للطّائف مندوحة‏.‏

ونصّ الرّملي على أنّه لو قصّر المصلّي‏,‏ بأن وقف في قارعة الطّريق أو بشارع أو درب ضيّقٍ أو نحو باب مسجد كالمحلّ الّذي يغلب مرور النّاس به في وقت الصّلاة ولو في المسجد كالمطاف‏,‏ وكأن ترك فرجةً في صفّ إمامه فاحتيج للمرور بين يديه لفرجة قبله فلا يحرم المرور في جميع ذلك‏,‏ ولو في حريم المصلّى وهو قدر إمكان سجوده‏,‏ خلافاً للخوارزميّ‏,‏ بل ولا يكره عند التّقصير‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ المصلّي بمكّة المشرّفة لا يرد المارّ بين يديه‏,‏ قال أحمد‏:‏ لأنّ مكّة ليست كغيرها لأنّ النّاس يكثرون بها ويزدحمون فمنعهم تضييق عليهم‏,‏ ولأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بمكّة والنّاس يمرون بين يديه وليس بينهما ستر‏.‏

وألحق الموفّق بمكّة سائر الحرم لمشاركته لها في الحرمة‏.‏

وقال الرّحيباني‏:‏ إنّما يتمشّى كلام الموفّق في زمن حاج لكثرة النّاس واضطرارهم إلى المرور‏,‏ وأمّا في غير أيّام الحجّ فلا حاجة للمرور بين يدي المصلّي للاستغناء عنه‏,‏ وكلام أحمد يمكن حمله على الصّلاة في المطاف أو قريباً منه وهو متّجهٌ‏.‏

أفضليّة صلاة العيد بالمسجد الحرام

13 - ذهب الفقهاء في الجملة إلى ندب إيقاع صلاة العيد بالمصلّى في الصّحراء‏,‏ وقيّد الشّافعيّة أفضليّة الصّلاة في الصّحراء بما إذا كان مسجد البلد ضيّقاً‏.‏

واستثنى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة من هذا الحكم صلاة العيد بمكّة‏,‏ فمن كان بمكّة فإيقاعه صلاة العيد بالمسجد الحرام أفضل للمزايا الّتي تقع فيه لمن يصلّي العيد وهي النّظر والطّواف المعدومان في غيره‏,‏ لخبر « ينزّل اللّه على أهل المسجد مسجد مكّة كلّ يوم عشرين ومائة رحمةً ستّين منها للطّائفين وأربعين للمصلّين وعشرين منها للنّاظرين »‏.‏

نذر الإتيان إلى المسجد الحرام

14 - ذهب المالكيّة وأبو يوسف ومحمّد والحنابلة والشّافعيّة في أصحّ الطّريقين إلى أنّ من نذر إتيان المسجد الحرام ينعقد نذره بحجّ أو عمرة لحديث عقبة بن عامر‏:‏ « نذرت أختي أن تمشي إلى بيت اللّه وأمرتني أن أستفتي لها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فاستفتيته فقال صلّى اللّه عليه وسلّم لتمش ولتركب »‏,‏ ولأنّ مطلق كلام النّاذرين محمول على ما ثبت له أصل في الشّرع‏,‏ والعرف قصد المسجد الحرام بالحجّ والعمرة فيحمل نذره عليه‏.‏

وقيّد المالكيّة لزوم المشي إلى المسجد الحرام بما إذا نذر النّاذر المشي له لحجّ أو عمرة‏,‏ أو لصلاة فيه فرضاً كانت أو نفلاً‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا لزمه المشي مشى من حيث نذر المشي منه‏,‏ وإن لم ينو محلاً مخصوصاً فمن المكان المعتاد لمشي الحالفين بالمشي‏,‏ وإن لم يكن مكاناً معتاداً للحالفين فمن حيث حلف أو نذر وأجزأ المشي من مثله في المسافة‏,‏ وجاز ركوب لحاجة كأن يرجع لشيء نسيه أو احتاج إليه كما يجوز له الركوب في الطّريق لبحر أعتيد ركوبه للحالفين أو أضطرّ إلى ركوبه‏,‏ ويستمر ماشياً لتمام طواف الإفاضة أو تمام السّعي إن كان سعيه بعد الإفاضة‏.‏

وذهب أبو حنيفة إلى أنّ من قال‏:‏ عليّ المشي إلى المسجد الحرام لا شيء عليه لأنّ التزام الإحرام بهذه العبارة غير متعارف عليه‏,‏ ولا يمكن إيجابه باعتبار اللّفظ فامتنع أصلاً‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ ر‏:‏ نذر ‏)‏‏.‏

حاضر المسجد الحرام

15 - قال القرطبي‏:‏ اختلف النّاس في حاضري المسجد الحرام - بعد الإجماع على أنّ أهل مكّة وما اتّصل بها من حاضريه - وقال الطّبريّ‏:‏ بعد الإجماع على أهل الحرم‏.‏

قال ابن عطيّة‏:‏ وليس كما قال - فقال بعض العلماء‏:‏ من كان يجب عليه الجمعة فهو حضري‏,‏ ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي‏,‏ فجعل اللّفظة من الحضارة والبداوة‏.‏

وعند أبي حنيفة وأصحابه‏:‏ هم أهل مكّة ومن في حكمهم من أهل داخل المواقيت‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الأصحّ المعتمد المختار إلى أنّ حاضري المسجد الحرام من مساكنهم دون مرحلتين من الحرم‏.‏

وفي القول المقابل للأصحّ‏:‏ حاضرو المسجد الحرام من مساكنهم دون مرحلتين من مكّة‏.‏ وقال ابن المنذر في الإشراف‏:‏ حاضرو المسجد الحرام هم أهل مكّة وأهل ذي طوًى‏:‏ وقال مجاهد وطاووس‏:‏ هم أهل الحرم‏.‏

دخول الكافر المسجد الحرام

16 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن الشّيباني إلى أنّ الكافر ليس له دخول المسجد الحرام بحال لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا ‏}‏‏.‏

ويقرب من هذا ما ذهب إليه المالكيّة إذ أنّهم يرون أنّ الكافر يمنع من دخول المسجد مطلقاً وإن أذن له مسلم ما لم تدع ضرورة لدخوله كعمارة‏,‏ وقالوا‏:‏ إنّ الآية‏:‏ ‏{‏ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا ‏}‏ عامّة في سائر المشركين وسائر المساجد‏,‏ وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمّاله‏,‏ ونزع في كتابه بهذه الآية‏,‏ ويؤيّد ذلك قوله تعالى ‏{‏ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ‏}‏‏,‏ ودخول الكفّار فيها مناقض لترفيعها‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّه لا بأس بدخول أهل الذّمّة المسجد الحرام وسائر المساجد‏.‏

المسْجِد النّبوِيّ

التّعريف

1 - المسجد - لغةً - بكسر الجيم - الموضع الّذي يسجد فيه‏,‏ قال الزّجّاج‏:‏ كل موضع يُتَعبَّد فيه فهو مَسْجِد‏,‏ والمسجَد بالفتح موضع وقوع الجبهة على الأرض‏.‏

وشرعاً‏:‏ عرّفه الزّركشي بأنّه‏:‏ كل موضع من الأرض لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم « جُعلت لي الأرض مسجداً » قال‏:‏ وهذا من خصائص هذه الأمّة‏,‏ ثمّ قال‏:‏ إنّ العرف خصّص المسجد بالمكان المهيّأ للصّلوات الخمس حتّى يخرج المصلّى المجتمع فيه للأعياد ونحوها فلا يعطى حكمه‏.‏

والمسجد النّبوي‏:‏ هو المسجد الّذي بناه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في موقعه المعروف بالمدينة حين قدم مهاجراً إليها من مكّة‏,‏ وهو ثاني الحرمين الشّريفين‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المسجد الحرام‏:‏

2 - وهو المسجد الّذي بناه إبراهيم عليه السّلام ومعه ابنه إسماعيل‏,‏ في مكّة المكرّمة‏,‏ وهو المقصود بقوله تعالى‏:‏‏{‏ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ‏}‏‏.‏

ب - المسجد الأقصى‏:‏

3 - ويسمّى بيت المقدس‏,‏ وهو المقصود بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ‏}‏‏.‏

والصّلة أنّ كلاً من المسجد الحرام والمسجد النّبويّ والمسجد الأقصى من المساجد الّتي تشد إليها الرّحال ويضاعف فيها الأجر‏.‏

تأسيس المسجد النّبويّ

4 - قدم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة مهاجراً إليها من مكّة حين اشتدّ الضحى من يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلةً مضت من شهر ربيع الأوّل - على ما صحّحه ابن الجوزيّ وجزم به ابن النّجّار والنّووي فمكث في بني عمرو بن عوف أيّام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وبنى فيهم مسجد قباء وصلّى فيه إلى بيت المقدس‏,‏ ثمّ ركب يوم الجمعة فمرّ على بني سالم فجمع بهم وبمن كان معه من المسلمين في مسجدهم فكانت أوّل جمعة صلّاها النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة وأصبح ذلك المسجد يسمّى مسجد الجمعة إلى اليوم‏,‏ ثمّ ركب من بني سالم فجعل كلّما مرّ داراً من دور الأنصار يدعونه إلى المقام عندهم يقولون يا رسول اللّه هلمّ إلى القوّة والمنعة فيقول صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « خلوا سبيلها يعني ناقته القصواء فإنّها مأمورة »‏,‏ وقد أرخى زمامها وما يحرّكها وهي تنظر يميناً وشمالاً حتّى إذا أتت موضع المسجد بركت - وهو يومئذ مربد للتّمر لغلامين يتيمين - ثمّ ثارت النّاقة والنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عليها حتّى بركت على باب دار أبي أيوب الأنصاريّ رضي اللّه عنه ثمّ ثارت منه وبركت في مبركها الأوّل وألقت جرانها - أي باطن عنقها - بالأرض وأرزمت أي صوّتت من غير أن تفتح فاها - فنزل عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال‏:‏ « هذا المنزل إن شاء اللّه تعالى »‏,‏ واحتمل أبو أيوب رحله صلّى اللّه عليه وسلّم وأدخله في بيته‏,‏ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « المرء مع رحله »‏.‏ ونقل السيوطيّ عن ابن سعد في الطّبقات عن الزهريّ قال‏:‏ « بركت ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند موضع المسجد - وهو يومئذ يصلّي فيه رجال من المسلمين‏,‏ وكان مربداً لسهل وسهيل - غلامين يتيمين من الأنصار وكانا في حجر أبي أمامة‏:‏ أسعد بن زرارة‏,‏ فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالغلامين فساومهما بالمربد ليتّخذه مسجداً‏,‏ فقالا‏:‏ بل نهبه لك يا رسول اللّه‏,‏ فأبى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ابتاعه منهما بعشرة دنانير وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك‏,‏ فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّخل الّذي في الحديقة وبالغرقد الّذي فيه أن يقطع‏,‏ وأمر باللّبن فضرب‏,‏ وكان في المربد قبور جاهليّة فأمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنبشت‏,‏ وأمر بالعظام أن تغيّب‏,‏ وأسّسوا المسجد فجعلوا طوله ممّا يلي القبلة إلى مؤخّره مائة ذراع‏,‏ وفي هذين الجانبين مثل ذلك فهو مربّع‏,‏ ويقال كان أقلّ من المائة وجعلوا الأساس قريباً من ثلاثة أذرع على الأرض بالحجارة ثمّ بنوه باللّبن‏,‏ وبناه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وجعل ينقل الحجارة معهم بنفسه ويقول‏:‏

« اللّهمّ لا عيش إلّا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة »‏.‏

وجعل له ثلاثة أبواب‏,‏ باباً في مؤخّره‏,‏ وباباً يقال له باب الرّحمة وهو الباب الّذي يدعى باب عاتكة‏,‏ والباب الثّالث الّذي يدخل منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو الباب الّذي يلي آل عثمان وجعل طول الجدار بسطةً‏,‏ وعمده الجذوع‏,‏ وسقفه جريداً فقيل له ألا تسقفه‏؟‏ فقال‏:‏ عريشٌ كعريش موسى خشيبات وتمام الشّأن أعجل من ذلك‏,‏ وبنى بيوتاً إلى جنبه باللّبن وسقفها بجذوع النّخل والجريد وكانت تلك البيوت مكان حجرته اليوم‏,‏ فلمّا توفّيت أزواجه خلطت البيوت والحجر بالمسجد في زمن عبد الملك بن مروان »‏.‏

توسعة المسجد وعمارته

5 - قال الزّركشي‏:‏ روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما قال‏:‏ « كان المسجد على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مبنياً باللّبن وسقفه الجريد وعمده خشب النّخل » فلم يزد فيه أبو بكر رضي اللّه عنه شيئاً‏,‏ وزاد فيه عمر رضي اللّه عنه وبناه على بنائه في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم باللّبن والجريد وأعاد عمده خشباً‏,‏ ثمّ غيّره عثمان رضي اللّه عنه فزاد فيه زيادةً كبيرةً وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة‏,‏ وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالسّاج‏,‏ وقال خارجة بن زيد‏:‏ بنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسجده سبعين ذراعاً في ستّين ذراعاً أو يزيد‏,‏ قال أهل السّير‏:‏ جعل عثمان طول المسجد مائةً وستّين ذراعاً وعرضه مائةً وخمسين ذراعاً وجعل أبوابه ستّةً كما كانت في زمن عمر ثمّ زاد فيه الوليد بن عبد الملك فجعل طوله مائتي ذراع وعرضه في مقدّمه مائتين وفي مؤخّره مائةً وثمانين ثمّ زاد فيه المهدي مائة ذراع من جهة الشّام فقط دون الجهات الثّلاث‏.‏

الرّوضة الشّريفة

6 - ورد في فضل الرّوضة الشّريفة عدّة أحاديث‏,‏ من ذلك ما رواه الشّيخان عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة‏,‏ ومنبري على حوضي »‏,‏ وما أخرجه أحمد عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما بين منبري إلى حجرتي روضة من رياض الجنّة وإنّ منبري على ترعة من ترع الجنّة » وفي رواية من حديث عبد اللّه بن زيد‏:‏ « ما بين هذه البيوت - يعني بيوته صلّى اللّه عليه وسلّم - إلى منبري روضة من رياض الجنّة »‏.‏

قال النّووي‏:‏ ذكروا في معنى قوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة » قولين‏:‏ أحدهما أنّ ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنّة‏,‏ والثّاني أنّ العبادة فيه تؤدّي إلى الجنّة‏,‏ وقال محب الدّين الطّبريّ قال بعض العلماء‏:‏ لمّا كان جلوسه وجلوس النّاس إليه يتعلّمون القرآن والدّين والإيمان هناك شبّه ذلك الموضع بالرّوضة لكرم ما يجتنى فيه‏,‏ وأضافه إلى الجنّة لأنّها تؤوّل إلى الجنّة‏,‏ كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏

« الجنّة تحت ظلال السيوف »‏.‏

أساطين المسجد النّبويّ الأصليّ

7 - من أساطين المسجد النّبويّ أسطوانة المخلَّق الّتي هي علم على المصلّى الشّريف‏,‏ فعن سلمة بن الأكوع رضي اللّه تعالى عنه قال‏:‏ « رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتحرّى الصّلاة عندها »‏.‏

ومنها‏:‏ أسطوانة القرعة وتعرف بأسطوانة عائشة رضي اللّه تعالى عنها وبأسطوانة المهاجرين أيضاً‏,‏ روي عن ابن زبّالة أنّ عبد اللّه بن الزبير واثنين معه دخلوا على عائشة رضي اللّه تعالى عنها فتذاكروا المسجد فقالت عائشة إنّي لأعلم ساريةً من سواري المسجد لو يعلم النّاس ما في الصّلاة إليها لاضطربوا عليها بالسهمان‏,‏ فخرج الرّجلان وبقي ابن الزبير‏,‏ ثمّ خرج ابن الزبير مسرعاً فصلّى إلى هذه السّارية‏,‏ وعن ابن زبّالة أيضاً‏:‏ وبلغنا أنّ الدعاء فيها مستجاب‏.‏

ومنها‏:‏ أسطوانة التّوبة وتعرف بأسطوانة أبي لبابة رضي اللّه تعالى عنه وهي الّتي ربط أبو لبابة نفسه إليها حتّى نزلت توبته‏.‏

ومنها‏:‏ أسطوانة السّرير وهي الّتي كان يوضع عندها سرير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا اعتكف‏.‏

ومنها‏:‏ أسطوانة الحرس وهي الّتي كان يجلس علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه في صفحتها الّتي تلي القبر ممّا يلي باب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏.‏

ومنها‏:‏ أسطوانة الوفود وهي الّتي كان يجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليها لوفود العرب إذا جاءته‏.‏

ومنها‏:‏ أسطوانة التّهجد وهي الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخرج إذا انكفّت النّاس فيصلّي عندها صلاة اللّيل‏.‏

حجرات أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم

8 - قال ابن النّجّار‏:‏ لمّا بنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسجده بنى بيتين لزوجتيه عائشة وسودة - رضي اللّه عنهما - على نعت بناء المسجد من لبن وجريد النّخل‏,‏ ولمّا تزوّج صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه بنى لهنّ حجراً وهي تسعة أبيات وهي ما بين بيت عائشة رضي اللّه عنها إلى الباب الّذي يلي باب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏,‏ وقال أهل السّير‏:‏ ضرب النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم الحجرات ما بينه وبين القبلة والشّرق إلى الشّاميّ ولم يضربها غربيّه‏,‏ وكانت خارجةً من المسجد مديرةً به إلّا من المغرب وكانت أبوابها شارعةً في المسجد‏.‏

وكان بيت فاطمة بنت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خلف بيته عن يسار المصلّى إلى الكعبة وكان فيه خوخة إلى بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم « وكان إذا قام من اللّيل إلى المخرج اطّلع منها يعلم خبرهم‏,‏ وكان يأتي بابها كلّ صباح فيأخذ بعضادتيه ويقول‏:‏ الصّلاة‏:‏ ‏{‏ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ‏}‏ »‏.‏

منبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم

9 - وردت عدّة روايات من طرقٍ متعدّدة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن يخطب وأطال القيام يسند ظهره إلى إحدى سواري مسجده - صلّى اللّه عليه وسلّم - الّتي كانت من جذوع النّخل‏,‏ وكان يشقّ عليه طول قيامه فأتي بجذع فحفر له فصار يخطب إلى جنبه وإذا طال قيامه - صلّى اللّه عليه وسلّم - استند فاتّكأ عليه‏,‏ ولمّا رأى الصّحابة أنّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يشكو ضعفاً في رجليه ويشقّ عليه طول القيام عملوا له منبراً من خشب الطّرفاء وكان بمرقاتين - أي درجتين أو ثلاثٍ « فلمّا تحوّل صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المنبر يخطب عليه سمع لذلك الجذع حنين كصوت العشار فأتى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إليه فاحتضنه وضمّه فسكن »‏.‏

موضع قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحبيه

10 - قال ابن هشام‏:‏ لمّا فرغ من جهاز النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه فقال قائل ندفنه في مسجده‏,‏ وقال قائل بل ندفنه مع أصحابه‏,‏ فقال أبو بكر إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول‏:‏ « ما قبض نبي إلّا دفن حيث قبض »‏,‏ فرفع فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي توفّي عليه فحفر له تحته ثمّ دخل النّاس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلون عليه أرسالاً - جماعةً بعد جماعة -‏.‏

وقال ابن كثير‏:‏ قد علم بالتّواتر أنّه عليه الصّلاة والسّلام دفن في حجرة عائشة الّتي كانت تختص بها شرقيّ مسجده في الزّاوية الغربيّة القبليّة من الحجرة‏,‏ ثمّ دفن بعده فيها أبو بكر ثمّ عمر رضي اللّه عنهما‏.‏

مكان أهل الصُفَّة

11 - الصُفّةُ‏:‏ بضمّ الصّاد المشدّدة وتشديد الفاء - مكان مظلّل في مؤخّر المسجد النّبويّ وإليها ينسب أهل الصفّة‏,‏ وهم أناس من فقراء المسلمين‏,‏ وأكثرهم من المهاجرين ممّن لم يكن لهم منازل ولا مأوىً‏,‏ أنزلهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم المسجد وسمّاهم أهل الصفّة‏,‏ وكان صلّى اللّه عليه وسلّم يجالسهم ويأنس بهم‏,‏ وكان إذا جاءته هديّة أصاب منها وبعث إليهم منها‏,‏ وإذا جاءته الصّدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها‏.‏

قال ابن النّجّار‏:‏ روى البخاري في الصّحيح أنّ أصحاب الصفّة كانوا فقراء‏,‏ وروي - أيضاً- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ « رأيت سبعين من أهل الصفّة ما منهم رجل عليه رداء‏,‏ إمّا إزار وإمّا كساء قد ربطوه في أعناقهم‏,‏ فمنها ما يبلغ نصف السّاقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهة أن ترى عورته »‏.‏

آداب دخول المسجد النّبويّ

12 - يستحب لمن دخل المسجد النّبويّ أن يقول الذّكر الوارد في ذلك عند دخول المساجد‏,‏ فيقدّم رجله اليمنى ويقول‏:‏ ‏"‏ بسم اللّه اللّهمّ صلّ على محمّد ربّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ‏"‏‏.‏

وعند الخروج يقدّم رجله اليسرى ويقول ذلك‏,‏ ولكن بلفظ‏:‏ ‏"‏ وافتح لي أبواب فضلك ‏"‏‏,‏ ويصلّي عند الدخول ركعتين تحيّة المسجد والمسجد النّبوي وغيره من المساجد في ذلك سواء إلّا المسجد الحرام فإنّ تحيّته الطّواف‏.‏

ثمّ يقصد الحجرة الشّريفة الّتي فيها قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيستقبل القبر ويستدبر القبلة‏,‏ ويدعو بالدعاء الوارد في ذلك‏.‏

ر‏:‏ مصطلح ‏(‏ زيارة قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ف / 7 ‏)‏‏.‏

الأحكام الخاصّة بمسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم

للمسجد النّبويّ ما للمساجد من أحكام‏,‏ ويختص بأحكام منها‏:‏

أ - شد الرّحال إليه‏:‏

13 - فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « لا تُشَدَّ الرّحالُ إلّا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام‏,‏ ومسجد الرّسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - ومسجد الأقصى »‏.‏

وفي الحديث دليل على أنّ المسجد النّبويّ أحد المساجد الثّلاثة الّتي تختص بمزيّة جواز شدّ الرّحال إليها‏.‏

وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيّتها على غيرها لكونها مساجدَ الأنبياء‏,‏ ولأنّ الأوّل قبلة النّاس وإليه حجهم والثّاني كان قبلة الأمم السّالفة‏,‏ والثّالث أسّس على التّقوى‏.‏ واختلف في شدّ الرّحال إلى غيرها كالذّهاب إلى زيارة الصّالحين أحياءً وأمواتاً‏,‏ وإلى المواضع الفاضلة لقصد التّبرك بها والصّلاة فيها‏,‏ فقال أبو محمّد الجويني‏:‏ يحرم شد الرّحال إلى غيرها عملاً بظاهر هذا الحديث وبه قال عياض وطائفة‏.‏

والصّحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشّافعيّة أنّه لا يحرم‏.‏

ب - ثواب الصّلاة في المسجد النّبويّ فرضاً ونفلاً‏:‏

14 - عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا المسجد الحرام »‏.‏

ولا خلاف بين العلماء في حصول هذه الأفضليّة ومضاعفة الثّواب الواردة في الحديث لصلاة الفرض‏.‏

أمّا في صلاة النّفل فيرى الحنفيّة والمالكيّة - على الصّحيح - والحنابلة‏:‏ أنّ الأفضليّة ومضاعفة الثّواب الواردة في الحديث خاصّة بالفرائض دون النّوافل‏,‏ لأنّ صلاة النّافلة في البيت أفضل وأقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرّياء‏,‏ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلّا المكتوبة »‏,‏ وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « إذا قضى أحدكم الصّلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإنّ اللّه جاعل في بيته من صلاته خيراً »‏.‏

لكنّ المالكيّة فرّقوا بين من كان من أهل المدينة وبين من كان من الغرباء عنها‏,‏ فقالوا إنّ صلاة أهل المدينة النّفل المطلق في بيوتهم أفضل من فعلها في المسجد بخلاف الرّواتب وما تسن له الجماعة فإنّ فعلها في المسجد أفضل‏.‏

أمّا الغرباء عن المدينة فإنّ صلاتهم النّافلة في مسجده صلّى اللّه عليه وسلّم أفضل من صلاتهم لها في بيوتهم وسواء أكانت النّافلة من الرّواتب أم كانت نفلاً مطلقاً‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ المراد بالغريب عن المدينة وهو من لا يعرف فيها‏,‏ وإنّ المجاور بها حكمه حكم أهلها حيث كان يعرف‏.‏

ويرى الشّافعيّة - ومطرّف من المالكيّة - أنّ التّفضيل الوارد بالحديث يعم صلاة الفرض وصلاة النّفل‏.‏

قال النّووي‏:‏ واعلم أنّ مذهبنا أنّه لا يختص هذا التّفضيل بالصّلاة في هذين المسجدين - أي المسجد الحرام والمسجد النّبويّ - بالفريضة بل يعم الفرض والنّفل جميعاً‏,‏ وبه قال مطرّف من أصحاب مالكٍ‏,‏ وقال الزّركشي‏:‏ ذكر في شرح المهذّب أنّ التّحقيق‏:‏ أنّ صلاة النّفل في بيته أفضل من المسجد‏.‏

ج - حكم ما زيد في بناء المسجد النّبويّ‏:‏

15 - طرأت على بناء المسجد النّبويّ توسعة وزيادات في بنائه عمّا كان عليه في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏,‏ وقد بحث العلماء حكم هذه الزّيادة من جهة نيل الثّواب‏,‏ فمنهم من قال إنّ الفضل الثّابت لمسجده صلّى اللّه عليه وسلّم ثابت لما زيد فيه‏.‏

قال محب الدّين الطّبريّ‏:‏ عن ابن عمر قال زاد عمر بن الخطّاب في المسجد من شاميّه وقال‏:‏ ‏"‏ لو زدنا فيه حتّى تبلغ الجبّانة كان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‏"‏‏,‏ وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي »‏,‏ وكان أبو هريرة رضي اللّه عنه يقول‏:‏ ظهر المسجد كقعره‏.‏

وإلى هذا ذهب الحنفيّة والحنابلة وهو اختيار ابن تيميّة‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ ‏"‏ ومعلوم أنّه قد زيد في المسجد النّبويّ‏,‏ فقد زاد فيه عمر ثمّ عثمان ثمّ الوليد ثمّ المهدي‏,‏ والإشارة بهذا إلى المسجد المضاف إليه صلّى اللّه عليه وسلّم‏,‏ ولا شكّ أنّ جميع المسجد الموجود الآن يسمّى مسجده صلّى اللّه عليه وسلّم‏,‏ فقد اتّفقت الإشارة والتّسمية على شيء واحد فلم تلغ التّسمية فتحصل المضاعفة المذكورة في الحديث‏,‏ فيما زيد فيه ‏"‏‏.‏

ونقل الجراعي عن ابن رجب مثل ذلك‏,‏ وأنّه قد قيل إنّه لا يعلم عن السّلف في ذلك خلاف‏.‏ وروي عن الإمام أحمد التّوقّف‏.‏

ورجّح السّمهودي - من المالكيّة - أنّ ما زيد في المسجد النّبويّ داخل في الأفضليّة الواردة بالحديث‏,‏ ونقل عن الإمام مالكٍ أنّه سئل عن حدّ المسجد الّذي جاء فيه الخبر هل هو على ما كان في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو هو على ما عليه الآن‏؟‏ فقال بل هو على ما هو الآن‏,‏ وقال لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض فأري مشارق الأرض ومغاربها‏,‏ وتحدّث بما يكون بعده فحفظ ذلك من حفظه في ذلك الوقت ونسي ذلك من نسيه‏,‏ ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الرّاشدون المهديون أن يزيدوا فيه بحضرة الصّحابة ولم ينكر عليهم ذلك منكر‏.‏

لكن قال الأبي في شرح الحديث‏:‏ « صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة‏.‏‏.‏‏.‏ » إنّ التّفضيل مختصٌّ بمسجده الّذي كان في زمانه صلّى اللّه عليه وسلّم دون ما زيد فيه بعد ذلك‏,‏ فلا يتناول التّفضيل ما زاد فيه عثمان لأنّه من اتّخاذه‏,‏ ويدل على أنّه من اتّخاذه احتجاجه حين أنكر عليه فيه الزّيادة بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « من بنى مسجداً بنى اللّه له بيتاً في الجنّة »‏,‏ فجعله من بنائه لنفسه‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ هذه الفضيلة مختصّة بنفس مسجده صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده‏.‏

وإلى هذا ذهب ابن عقيل وابن الجوزيّ وجمع من الحنابلة‏.‏

د - نذر المشي إلى المسجد النّبويّ‏:‏

16 - اختلف الفقهاء في حكم الوفاء على من نذر المشي إلى مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏,‏ فيرى الحنفيّة أنّه لا يلزمه الوفاء به‏,‏ لأنّ من شروط النّذر عندهم أن يكون قربةً مقصودةً وأن يكون من جنسه واجب أو فرض‏,‏ والذّهاب إلى المسجد النّبويّ غير واجب بخلاف ما لو نذر المشي إلى المسجد الحرام فإنّه يلزمه الوفاء به‏.‏

وإلى ذلك ذهب الشّافعيّة‏.‏

ويرى المالكيّة وجوب الوفاء بالنّذر إن نوى صلاةً أو صوماً أو اعتكافاً‏,‏ لكن لا يلزمه المشي وله أن يذهب راكباً‏.‏

ويرى الحنابلة لزوم الوفاء بالنّذر ماشياً‏,‏ واستدلوا بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « لا تشد الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام ومسجدي هذا‏,‏ والمسجد الأقصى »‏.‏ وقالوا إنّه يلزمه - حينئذ - أن يصلّي في المسجد ركعتين لأنّ القصد بالنّذر القربة والطّاعة‏,‏ وإنّما يكون تحصيل ذلك بالصّلاة فتضمّن ذلك نذره كما يلزم ناذر المشي إلى بيت اللّه الحرام أحد النسكين‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ نذر ‏)‏

هـ - زيارة قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم

17 - ذهب جمهور العلماء إلى أنّ زيارة قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مستحبّة‏,‏ وقالت طائفة إنّها سنّة مؤكّدة تقرب من درجة الواجبات‏,‏ وهو المفتى به عند طائفة من الحنفيّة‏.‏ وذهب الفقيه المالكي أبو عمران موسى بن عيسى الفاسي إلى أنّها واجبة‏.‏

ومن أدلّة مشروعيّتها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ‏}‏‏,‏ وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي »‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ر‏:‏ مصطلح ‏(‏ زيارة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ف / 2 ‏)‏‏.‏

آداب وداع المسجد النّبويّ

18 - يستحب لمن عزم على الرجوع إلى بلده أن يودّع المسجد بصلاة ويدعو بعدها بما أحبّ وأن يأتي القبر الشّريف فيسلّم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويدعو اللّه بما أحبّ ويسأله سبحانه أن يوصله إلى أهله سالماً غانماً ويقول‏:‏ غير مودّع يا رسول اللّه‏,‏ ويسأل اللّه تعالى أن يردّه إلى حرمه وحرم نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم في عافية‏.‏

مَسْح

التّعريف

1 - للمسح في اللغة معان يقال مسح الشّيء المتلطّخ أو المبتلّ مسحاً‏:‏ أمرّ يده عليه لإذهاب ما عليه من أثر ماء ونحوه‏,‏ ومسح على الشّيء بالماء أو الدهن‏:‏ أمرّ يده عليه به‏,‏ ويقال‏:‏ مسح بالشّيء‏,‏ وفي التّنزيل العزيز‏:‏ ‏{‏ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ‏}‏‏,‏ ومسح اللّه العلّة عن العليل‏:‏ شفاه‏,‏ وغير ذلك‏.‏

والمسح في الاصطلاح لا يخرج عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الغسل‏:‏

2 - الغسل لغةً‏:‏ بفتح الغين‏,‏ مصدر غسل‏,‏ والاسم‏:‏ الغُسْل وهو تمام غسل الجسد كلّه‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ قال الشّربيني الخطيب‏:‏ هو سيلان الماء على جميع البدن بنيّة‏.‏

ب - التّيمم‏:‏

3 - التّيمم التّيمم لغةً‏:‏ القصد والتّوخّي والتّعمد‏,‏ يقال‏:‏ تيمّمه بالرمح‏,‏ تقصّده وتوخّاه وتعمّده دون من سواه‏,‏ ومثله تأمّمه‏,‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ‏}‏‏.‏

وأمّا في الاصطلاح‏:‏ فهو مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجهٍ مخصوصٍ كما قال الحنابلة‏.‏

والمسح أعم من التّيمم‏.‏

أحكام المسح‏:‏

للمسح أحكام منها‏:‏

أوّلاً‏:‏ مسح الرّأس في الوضوء

الكلام على مسح الرّأس في مواضع كما يلي‏:‏

أ - مسح الرّأس في الوضوء

4 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ مسح الرّأس مطلقاً من فرائض الوضوء‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ ‏}‏‏.‏

ب - القدر المجزئ في مسح الرّأس‏:‏

5 - اختلف الفقهاء في مسح القدر المجزئ‏,‏ فذهب الحنفيّة في أشهر الرّوايات عندهم إلى أنّ القدر المجزئ هو مسح ربع الرّأس‏,‏ كما رواه الحسن عن أبي حنيفة‏,‏ وهو قول زفر أيضاً‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ إنّ المعتمد رواية الربع وعليه مشى المتأخّرون‏.‏

ووجه التّقدير بالربع أنّه قد ظهر اعتبار الربع في كثير من الأحكام كما في حلق ربع الرّأس أنّه يحل به المحرم‏,‏ ولا يحل بدونه‏.‏

والرّواية الثّانية‏:‏ مقدار النّاصية‏,‏ ذكرها الكرخي والطّحاوي وبه قال القاضي من الحنابلة‏,‏ واختاره القدوري‏,‏ وفي الهداية‏:‏ وهي الربع‏,‏ والتّحقيق أنّ النّاصية أقل من الربع‏.‏

ووجه التّقدير بالنّاصية‏,‏ أنّ مسح جميع الرّأس ليس بمراد من الآية بالإجماع‏,‏ فلا يمكن حمل الآية على جميع الرّأس‏,‏ ولا على بعض مطلقٍ‏,‏ فلا بدّ من الحمل على مقدار يسمّى المسح عليه مسحاً في المتعارف‏,‏ وذلك غير معلوم‏,‏ لكن بيّنه النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ بفعله وهو ما ورد عن المغيرة بن شعبة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « أنّه بال وتوضّأ ومسح على ناصيته »‏.‏ فصار فعله عليه الصّلاة والسّلام بياناً لمجمل الكتاب‏.‏

والرّواية الثّالثة‏:‏ مقدار ثلاثة أصابع‏,‏ رواها هشام‏,‏ وقيل هي ظاهر الرّواية‏,‏ وذكر في الظّهيريّة أنّ عليها الفتوى‏.‏

ووجه هذه الرّواية‏:‏ أنّ الأمر بالمسح يقتضي آلةً‏,‏ إذ المسح لا يكون إلّا بالآلة‏,‏ وآلة المسح هي أصابع اليد عادةً‏,‏ وثلاث أصابع اليد أكثرها‏,‏ وللأكثر حكم الكلّ‏,‏ فصار كأنّه نصّ على الثّلاث‏.‏

وذهب المالكيّة في المشهور والحنابلة في المذهب إلى أنّ الواجب مسح جميع الرّأس‏.‏ واستدلّ المالكيّة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ ‏}‏‏.‏

والباء في الآية زائدة للتّأكيد‏,‏ والمعنى وامسحوا رءوسكم‏.‏

كما استدلّ الحنابلة بنفس الآية وقالوا‏:‏ إنّ الآية تفيد الاستيعاب‏,‏ وفعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقع بياناً للآية‏,‏ والباء في الآية للإلصاق أي إلصاق الفعل بالمفعول‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يجزئ في فرض الوضوء مسمّى مسح لبعض بشرة رأسه أو بعض شعر ولو واحدةً أو بعضها في حدّ الرّأس بأن لا يخرج الشّعر بالمدّ عنه فلو خرج به عنه من جهة نزوله لم يكف‏,‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ ‏}‏ وورد « أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسح بناصيته وعلى العمامة »‏,‏ واكتفى بمسح البعض لأنّه المفهوم من المسح عند إطلاقه‏.‏

وللفقهاء في كيفيّة مسح الرّأس وتكرار المسح وغسل الرّأس بدل المسح وغير ذلك تفصيل ينظر في ‏(‏ وضوء ‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ مسح الأذنين

6 - اختلف الفقهاء في مسح الأذنين هل هو سنّة أو فريضة‏,‏ وهل يجدّد لهما الماء على تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏ وضوء ‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ مسح الرّقبة

7 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة ما عدا الرّافعيّ إلى أنّه لا يندب مسح الرّقبة بل يكره‏,‏ لأنّه من الغلوّ في الدّين‏,‏ وقال النّووي‏:‏ إنّه بدعة‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّه يستحب مسح الرّقبة‏,‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ رقبة ف / 2 ‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ المسح على العمامة

8 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز المسح على العمامة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ‏}‏‏,‏ ولأنّه لا تلحقه المشقّة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكمّين‏,‏ لأنّ المسح على الخفّين للحرج ولا حرج في نزع العمامة‏,‏ وقال محمّد في موطّئه‏:‏ بلغنا أنّ المسح على العمامة كان ثمّ ترك‏,‏ وبهذا قال عروة‏,‏ والنّخعيّ‏,‏ والشّعبي‏,‏ والقاسم‏.‏

وعند المالكيّة لا يجوز المسح على العمامة إلّا إذا خيف بنزعها ضرر ولم يقدر على مسح ما هي ملفوفة عليه كالقلنسوة‏,‏ ولو أمكنه مسح بعض الرّأس أتى به وكمّل على العمامة وجوباً على المعتمد‏.‏

وعند الشّافعيّة لا يجوز المسح على العمامة لأداء فرض مسح الرّأس في الوضوء بل لا بدّ من مسح شيء من شعر الرّأس والأفضل أن لا يقتصر على أقلّ من النّاصية‏,‏ ثمّ يجوز لأداء سنّة مسح كلّ الرّأس مسح ما ذكر والتّكميل على العمامة بشروط ذكرها الجمل هي‏:‏ أن لا يكون عليها نحو دم البراغيث‏,‏ وأن لا يمسح منه ما حاذى القدر المسموح من الرّأس وأن لا يكون عاصياً بلبس العمامة‏.‏

ويرى الحنابلة جواز المسح على العمامة‏,‏ قال ابن المنذر‏:‏ وممّن مسح على العمامة أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه‏,‏ وبه قال عمر بن عبد العزيز‏,‏ والحسن وقتادة ومكحول‏,‏ والأوزاعي‏,‏ وأبو ثور‏,‏ واستدلوا بما ورد عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ « توضّأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومسح على الخفّين والعمامة »‏,‏ ولأنّه حائل في محلّ ورود الشّرع بمسحه‏,‏ فجاز المسح عليه كالخفّين‏,‏ ولأنّ الرّأس عضوٌ يسقط فرضه في التّيمم‏,‏ فجاز المسح على حائله كالقدمين‏,‏ والمذهب أنّه يجزئ مسح أكثر العمامة لأنّها أحد الممسوحين على وجه البدل‏.‏

شروط المسح على العمامة

9 - ويشترط لجواز المسح على العمامة عند من يقول به ما يلي‏:‏

أ - أن تكون ساترةً لجميع الرّأس إلّا ما جرت العادة بكشفه كمقدّم الرّأس والأذنين‏,‏ لأنّ هذا الكشف جرت العادة به لمشقّة التّحرز عنه‏,‏ وإذا كان بعض الرّأس مكشوفاً ممّا جرت العادة بكشفه أستحبّ أن يمسح عليه مع العمامة‏,‏ نصّ عليه أحمد لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مسح على عمامته وناصيته في حديث المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه‏.‏

وهل الجمع بينهما واجب‏؟‏ توقّف أحمد عنه‏,‏ فيخرّج في المسألة وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ وجوبه للخبر‏,‏ ولأنّ العمامة نابت عمّا استتر‏,‏ فبقي الباقي على مقتضى الأصل كالجبيرة‏,‏ والثّاني‏:‏ لا يجب‏:‏ لأنّ العمامة نابت عن الرّأس‏,‏ فتعلّق الحكم بها‏,‏ وانتقل الفرض إليها‏,‏ فلم يبق لما ظهر حكم‏,‏ ولأنّ وجوبهما معاً يفضي إلى الجمع بين بدل ومبدل في عضوٍ واحد‏,‏ فلم يجز من غير ضرورة كالخفّ‏.‏

فإن كان تحت العمامة قلنسوة يظهر بعضها‏,‏ فالظّاهر جواز المسح عليهما لأنّهما صارا كالعمامة الواحدة‏.‏

ب - أن تكون على صفة عمائم المسلمين‏,‏ بأن تكون تحت الحنك منها شيء‏,‏ لأنّ هذه عمائم العرب‏,‏ وهي أكثر ستراً من غيرها ويشقّ نزعها‏,‏ فيجوز المسح عليها‏,‏ سواء كانت لها ذؤابة‏,‏ أو لم يكن تحت الحنك منها شيء‏.‏

ج - أن لا تكون العمامة محرّمةً كعمامة الحرير والمغصوبة‏.‏

د - أن يكون لابس العمامة رجلاً‏,‏ فلا يجوز للمرأة المسح على العمامة لأنّها منهيّة عن التّشبه بالرّجال‏,‏ فكانت محرّمةً في حقّها‏,‏ وإن كان لها عذر فهذا يندر‏,‏ ولا يرتبط الحكم بالنّادر‏.‏

التّوقيت في مسح العمامة

10 - التّوقيت في مسح العمامة كالتّوقيت في مسح الخفّ‏,‏ لما روى أبو أمامة‏:‏ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « يمسح على الخفّين والعمامة ثلاثاً في السّفر ويوماً وليلةً للمقيم »‏,‏ ولأنّه ممسوح على وجه الرخصة فتوقّت بذلك كالخفّ‏.‏

نزع العمامة بعد المسح

11 - نصّ الحنابلة على أنّه إن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته‏,‏ وكذلك إن انكشف رأسه‏,‏ إلّا أن يكون يسيراً‏,‏ وكذلك إن انتقضت بعد مسحها‏,‏لأنّ ذلك بمنزلة نزعها‏.‏ وإن انتقض بعضها ففيه روايتان‏:‏ إحداهما‏:‏ لا تبطل طهارته‏,‏ لأنّه زال بعض الممسوح عليه مع بقاء العضو مستوراً‏,‏ فلم تبطل الطّهارة ككشط الخفّ مع بقاء البطانة‏.‏

والأخرى تبطل طهارته‏,‏ قال القاضي‏:‏ ولو انتقض منها كور واحد بطل المسح‏,‏ لأنّه زال الممسوح عليه‏,‏ فأشبه نزع الخفّ‏.‏

خامساً‏:‏ المسح على القلنسوة في الوضوء

12 - ذهب الحنفيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّه لا يجوز المسح في الوضوء على القلنسوة بدلاً من الرّأس لعدم الحرج في نزعها‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يجوز المسح على القلنسوة إن خيف من نزعها ضرر‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن عسر رفع قلنسوة أو لم يرد ذلك كمّل بالمسح عليها وحصل له سنّة مسح جميع الرّأس وإن لبسها على حدثٍ‏.‏

سادساً‏:‏ المسح على القفّازين

13 - نصّ الحنفيّة على أنّه لا يجوز المسح على القفّازين لأنّ المسح شرع دفعاً للحرج لتعذر النّزع‏,‏ ولا حرج في نزع القفّازين‏.‏

سابعاً‏:‏ مسح المرأة على الخمار

14 - ذهب الحنفيّة والحنابلة في رواية إلى أنّه لا يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها‏,‏ لما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها « أنّها أدخلت يدها تحت الخمار ومسحت برأسها وقالت بهذا أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم »‏,‏ وبه قال نافع والنّخعيّ وحمّاد بن أبي سليمان‏,‏ والأوزاعي‏,‏ وسعيد بن عبد العزيز‏,‏ لأنّه ملبوس لرأس المرأة‏,‏ فلم يجز المسح عليه كالوقاية والوقاية لا يجزئ المسح عليها بلا خلاف كالطّاقيّة للرّجل‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ولا نعلم فيه خلافاً لأنّ الوقاية لا يشقّ نزعها‏,‏ إلّا إذا كان الخمار رقيقاً ينفذ الماء إلى شعرها‏,‏ فيجوز عند الحنفيّة لوجود الإصابة‏.‏

وعند الحنابلة يصح المسح على خمر النّساء المدارة تحت حلوقهنّ « لأنّ أمّ سلمة كانت تمسح على خمارها »‏,‏ وعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم « أنّه أمر بالمسح على الخفّين والخمار »‏,‏ ولأنّه ملبوس للرّأس معتاد يشقّ نزعه فأشبه العمامة‏.‏

ثامناً‏:‏ المسح على الجبيرة

15 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة المسح على الجبائر في حالة العذر نيابةً عن الغسل أو المسح الأصليّ في الوضوء أو الغسل أو التّيمم‏.‏

والأصل في ذلك ما روي عن عليٍّ رضي اللّه تعالى عنه أنّه قال‏:‏ « كسر زندي يوم أحد فسقط اللّواء من يدي فقال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم اجعلوها في يساره فإنّه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة فقلت يا رسول اللّه ما أصنع بالجبائر فقال امسح عليها »‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏ جبيرة ف / 4 وما بعدها ‏)‏‏.‏

كيفيّة المسح في التّيمم

16 - اتّفق الفقهاء على أنّ مسح الوجه واليدين من أركان التّيمم‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ‏}‏‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ تيمم فقرة / 11 ‏)‏‏.‏

ما يطهر بالمسح

أ - الجسم الصّقيل‏:‏

17 - في طهارة الجسم الصّقيل بالمسح إذا أصابه نجاسة خلاف وتفصيل على النّحو التّالي‏:‏

ذهب الحنفيّة والمالكيّة في قول نقله الباجي عن مالكٍ إلى أنّه يطهر بالمسح كل صقيل لا مسامّ له كمرآة‏,‏ وظفر‏,‏ وعظم‏,‏ وزجاج‏,‏ وآنية مدهونة‏,‏ سواء أصابه نجس له جرم أو لا‏,‏ رطباً كان أو يابساً‏,‏ لأنّه لصلابتها لا يتداخلها شيء من النّجاسة‏,‏ فيزول بالمسح‏,‏ ولأنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يقتلون الكفّار بسيوفهم‏,‏ ثمّ يمسحونها‏,‏ ويصلون معها‏,‏ ولأنّه لا تتداخلها النّجاسة‏,‏ وما على ظاهره يزول بالمسح‏.‏ وأمّا الحديد إذا كان عليه صدأ أو كان منقوشاً فلا يطهر بالمسح لأنّه غير صقيل‏,‏ وكذلك الثّوب الصّقيل لا يطهر بالمسح لأنّ له مساماً‏.‏

والمعتمد عند المالكيّة أنّه يعفى ما أصاب كلّ صقيل لا مسامّ له كسيف‏,‏ ومرآة وجوهر سواء مسحه من الدّم أم لا‏,‏ وعلّلوا الحكم بفساد هذه الأشياء بالغسل‏,‏ وبكون الدّم مباحاً كدم جهاد وقصاصٍ وذبح وعقر صيد فإذا كان دم عدوان يجب الغسل‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أصابت النّجاسة شيئاً صقيلاً كسيف وسكّين ومرآة لم يطهر بالمسح بل لا بدّ من غسله‏.‏

ب - موضع الحجامة‏:‏

18 - صرّح الحنفيّة بأنّه يطهر بالمسح موضع الحجامة إذا مسحها بثلاث خرقٍ رطبات نظاف‏,‏ وقاس صاحب الفتح عليه ما حول محلّ الفصد إذا تلطّخ‏,‏ ويخاف من الإسالة السّريان إلى الثقب‏.‏

ويقرب من هذا ما صرّح به المالكيّة في موضع الحجامة بقولهم‏:‏ يعفى عن أثر دم موضع الحجامة أو الفصادة إذا كان ذلك الموضع مسح عنه الدّم‏,‏ لتضرر المحتجم من وصول الماء لذلك المحلّ‏,‏ ويستمر العفو إلى أن يبرأ ذلك الموضع‏,‏ فإذا برئ غسل الموضع‏,‏ ثمّ إنّ محلّ العفو إذا كان أثر الدّم الخارج أكثر من درهم‏,‏ وإلّا فلا يعتبر في العفو مسح‏.‏‏؟‏

ج - الخف والنّعل‏:‏

19 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه إن أصاب الخفّ والنّعل نجاسة‏:‏ فإن كانت رطبةً لا تزول إلّا بالغسل كيفما كانت‏,‏ وروي عن أبي يوسف أنّه يطهر بالمسح على التراب كيفما كانت‏:‏ متجسّدةً أو مائعةً‏,‏ وإن كانت يابسةً‏:‏ فإن لم يكن لها جرم كالبول‏,‏ والخمر‏,‏ والماء النّجس‏,‏ لا يطهر إلّا بالغسل‏,‏ وإن كان لها جرم كثيف‏:‏ فإن كان منياً فإنّه يطهر بالحتّ بالإجماع‏,‏ وإن كان غيره كالعذرة والدّم الغليظ‏,‏ والرّوث يطهر بالمسح عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمّد لا يطهر إلّا بالغسل‏.‏

وللفقهاء في المسألة تفصيل وخلاف ينظر في‏:‏ ‏(‏ طهارة ف / 24 ‏)‏‏.‏