فصل: رقًى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء الثالث والعشرون

رفقة

التّعريف

1 - الرّفقة في اللّغة‏:‏ الصّحبة، والرّفقة أيضًا اسم جمعٍ ومفرده رفيق، والجمع منه رفاق ورفقاء، وهم الجماعة الّتي ترافق الرّجل في السّفر‏.‏ وفي الاصطلاح الشّرعيّ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّحب‏:‏

2 - الصّحب اسم جمعٍ لصاحبٍ، وهو من صحبه أصحبه صحبةً، والأصل في هذا الإطلاق لمن حصل له رويّة ومجالسة‏.‏

ب - الرّكب‏:‏

3 - الرّكب في الأصل‏:‏ جماعة ركبان الإبل في السّفر، ثمّ اتّسع فيه وأطلق على ركبان أيّ وسيلةٍ من وسائل السّفر‏.‏

ج - النّفر‏:‏

4 - النّفر والنّفير في اللّغة‏:‏ الجماعة من النّاس‏.‏ والجمع أنفار‏.‏ ويطلق على عشيرة الرّجل وقومه، قال الفرّاء‏:‏ نفر الرّجل رهطه »‏.‏

د - الرّهط‏:‏

5 - الرّهط في اللّغة‏:‏ قوم الرّجل وعشيرته، ومنه قوله تعالى حكايةً عن قوم شعيبٍ‏:‏ ‏{‏ولولا رهطك لرجمناك‏}‏ ويطلق على الجماعة من الرّجال من ثلاثةٍ إلى عشرةٍ كالنّفر‏.‏ ‏(‏الحكم التّكليفيّ‏)‏‏:‏

6 - يستحبّ لمن يسافر أن يسافر مع رفقةٍ، ويكره أن يسافر الرّجل منفردًا، ولا تزال الكراهة إلاّ بثلاثةٍ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لو يعلم النّاس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليلٍ وحده‏}‏ ولخبر‏:‏ ‏{‏الرّاكب شيطان، والرّاكبان شيطانان والثّلاثة ركب‏}‏ فينبغي أن يسير مع النّاس ولا ينفرد بطريقٍ، ولا يركب اثنان الطّريق، ويستحبّ أن تكون الرّفقة من أهل الصّلاح الّذين يحبّون الخير ويكرهون الشّرّ، يذكّرونه إن نسي، وإن ذكر أعانوه، ويستحبّ أن تكون الرّفقة من الأصدقاء والأقارب الموثوقين، لأنّهم أعون له في مهمّاته، وأرفق به في أموره، وينبغي أن يحرص على إرضاء رفقائه في جميع طريقه، وأن يحتمل ما يصدر منهم من هفواتٍ، ويصبر على ما يقع منهم في بعض الأوقات‏.‏

7- وينبغي للرّفقة أن يؤمّروا على أنفسهم أفضلهم، وأجودهم رأيًا، وأن يطيعوه، لحديث أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذا خرج ثلاثة في سفرٍ فليؤمّروا أحدهم‏}‏ قال النّوويّ‏:‏ يستحبّ للرّفقة ألاّ يشتركوا في الزّاد والرّاحلة والنّفقة، لأنّ ترك المشاركة أسلم منه، لأنّه يمتنع بسببها من التّصرّف في وجوه الخير من الصّداقة، وغيرها، ولو أذن شريكه لم يوثق باستمراره، فإن شارك جاز، واستحبّ أن يقتصر على ما دون حقّه‏;‏ ولأنّه ربّما أفضى إلى النّزاع‏.‏ أمّا اجتماعهم على طعامٍ يومًا بيومٍ، أو يأكلوا كلّ يومٍ عند أحدهم تناوبًا فحسن‏.‏ فقد روي‏:‏ ‏{‏أنّ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالوا‏:‏ يا رسول اللّه، إنّا نأكل ولا نشبع، فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ فلعلّكم تفترقون، قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم اللّه يبارك لكم فيه‏}‏‏.‏

اشتراط وجود رفقةٍ في وجوب الحجّ

8 - يشترط في وجوب الحجّ وجود رفقةٍ يخرج معهم في الوقت الّذي جرت عادة بلده بالخروج فيه، إذا كان الطّريق مخوفًا، وأن يسيروا السّير المعتاد، فإن خرجوا قبل الوقت المعتاد، أو أخّروا الخروج بحيث لا يصلون إلى مكّة إلاّ بالسّير بأكثر من مرحلةٍ في كلّ يومٍ، أو كانوا يسيرون فوق العادة لم يجب عليه الحجّ، أمّا إن كان الطّريق آمنًا بحيث لا يخاف الواحد فيه لزمه الحجّ، وإن لم يجد رفقةً ولا غيره للوحشة‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏حجّ‏)‏‏.‏ هذا في حقّ الرّجل‏.‏

9- أمّا المرأة فلا يجب عليها الحجّ ولا يجوز لها السّفر إلاّ مع محرمٍ أو زوجٍ، لحديث ‏{‏لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرمٍ، ولا يدخل عليها إلاّ ومعها محرم‏}‏‏.‏ وحديث ‏{‏لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ ليس معها حرمة‏}‏‏.‏ وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء‏.‏ وعند الحنفيّة والحنابلة لا تخرج إلاّ مع محرمٍ أو زوجٍ، وعند الشّافعيّة تخرج مع محرمٍ أو زوجٍ أو جماعةٍ من النّساء‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ إذا لم تجد المرأة محرمًا ولا زوجًا تخرج معه، أو امتنعا من الخروج معها جاز أن تخرج للسّفر الواجب مع رفقةٍ مأمونةٍ، وقالوا‏:‏ والرّفقة المأمونة رجال صالحون، أو نساء صالحات، وأولى إن اجتمعا‏.‏ وقال صاحب مواهب الجليل‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أرادت المرأة الحجّ وليس لها وليّ فلتخرج مع من تثق به من الرّجال والنّساء، فإن كان وليّ فأبى أن يحجّ معها فلا أرى بأسًا أن تخرج مع من ذكرت لك‏.‏ وقال أيضًا‏:‏ وتخرج المرأة مع المرأة الواحدة »‏.‏ أمّا سفر التّطوّع والمباح فلا يجوز لها الخروج فيه إلاّ مع محرمٍ أو زوجٍ‏.‏ وقيّد الباجيّ من المالكيّة المنع بالعدد القليل من الرّفقة‏.‏ أمّا القوافل العظيمة فهي كالبلاد فيجوز فيها سفرها، دون نساءٍ أو محارم‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏حجّ‏)‏‏.‏

الرّفقة في السّفر بمنزلة الأهل في الحضر

10 - يجب على الرّفقة في سفرٍ دفن من مات منهم وتجهيزه، فإن لم يدفنوه أثموا، وللحاكم تعزيرهم‏.‏ وصرّح الحنفيّة أنّه يجوز للرّفقة في السّفر الشّراء للمريض من ماله إذا احتاج إلى ذلك، كما يجوز للورثة أن يشتروا من ماله‏;‏ لأنّ الرّفقة في السّفر بمنزلة الأهل في الحضر‏.‏

بيع الرّفقة متاع من مات منهم

11 - قال الحنفيّة‏:‏ للرّفقة بيع متاع من مات منهم، ومركبه، وحمله إلى ورثته بعد مؤنة التّجهيز، ولا يجوز ذلك لأجنبيٍّ‏;‏ لأنّ الرّفيق مأذون له في ذلك دلالةً، كما يجوز له الإحرام عنه إذا أغمي عليه، وكذا إنفاقه عليه، جاء في حاشية ابن عابدين‏:‏ وقعت هذه المسألة لمحمّد بن الحسن في سفرٍ له‏:‏ مات بعض أصحابه فباع كتبه، وأمتعته، فقيل له‏:‏ كيف تفعل ذلك ولست بقاضٍ ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏{‏واللّه يعلم المفسد من المصلح‏}‏ ولأنّه لو حمل أمتعته إلى أهله لاحتاج إلى نفقةٍ ربّما تستغرق المتاع‏.‏

شهادة الرّفقة في قطع الطّريق

12 - يثبت قطع الطّريق بشهادة اثنين من الرّفقة بشرط‏:‏ ألاّ يتعرّضا لأنفسهما، وليس على القاضي أن يبحث عنهما هل هما من الرّفقة أم لا، فإن بحث فلهما ألاّ يجيبا، وإن تعرّضا لأنفسها بأن قالا‏:‏ قطع علينا هؤلاء الطّريق فأخذوا مالنا ومال رفقتنا لم تقبل شهادتهما، لأنّهما صارا عدوّين‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ شهادة‏)‏‏.‏

سؤال المسافر رفقته عن الماء

13 - يجب على المسافر إن لم يجد ماءً للوضوء أن يسأل رفقته عن الماء، وأن يستوعبهم بالسّؤال، بأن ينادي فيهم‏:‏ من معه ماء ‏؟‏ فإن تيمّم قبل سؤال الرّفقة لم يصحّ تيمّمه‏.‏ والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏تيمّم‏)‏‏.‏

جواز السّفر في يوم الجمعة خشية فوات الرّفقة

14 - يجوز لمن وجبت عليه الجمعة أن يسافر في يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة إذا كان يلحقه ضرر بتخلّفه عن الرّفقة ‏(‏ر‏:‏ صلاة الجمعة‏)‏‏.‏

رقًى

انظر‏:‏ رقية

رقبى

التّعريف

1 - الرّقبى في اللّغة‏:‏ من المراقبة‏.‏ يقال‏:‏ رقبته، وأرقبته، وارتقبته‏:‏ انتظرته‏.‏ وأن يقول الرّجل‏:‏ أرقبتك هذه الدّار، أو هي لك رقبى مدّة حياتك على أنّك إن متّ قبلي عادت إليّ، وإن متّ قبلك فهي لك ولعقبك‏.‏ وسمّيت الرّقبى لأنّ كلًّا منهما يرقب موت صاحبه‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ هي أن يقول الرّجل للآخر‏:‏ إن متّ قبلي فدارك لي، وإن متّ قبلك فداري لك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العمرى‏:‏

2 - العمرى - وهي بضمّ العين وسكون الميم مع القصر - مأخوذة من العمر، وهو الحياة، ومعناها‏:‏ أن يقول الرّجل‏:‏ أعمرتك داري هذه أو هي لك عمرى مدّة حياتك، فإذا متّ فهي لعقبك‏.‏

ب - الهبة والإعارة والمنيحة‏:‏

3 - الهبة‏:‏ تمليك العين بلا عوضٍ‏.‏ والعاريّة‏:‏ تمليك المنفعة بلا عوضٍ‏.‏ والمنيحة‏:‏ الشّاة أو النّاقة يعطيها صاحبها رجلًا ليشرب لبنها ثمّ يردّها إذا انقطع اللّبن‏.‏

الحكم التّكليفي

4 - الرّقبى نوع من الهبة، كان العرب يتعاملون بها في الجاهليّة‏.‏ فكان الرّجل منهم يقول للرّجل‏:‏ أرقبتك داري أو أرضي في حياتك، فإذا متّ قبلي رجعت إليّ، وإن متّ قبلك استقرّت لك‏.‏ وسمّيت رقبى‏:‏ لأنّ كلًّا منهما يرقب الآخر متى يموت لترجع إليه‏.‏ واختلف الفقهاء في جوازها، فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف إلى أنّها جائزة، وهي لمن أرقبها، ولا ترجع إلى المرقب، ويلغو الشّرط، واستدلّوا بخبر‏:‏ ‏{‏من أعمر شيئًا فهو لمعمره محياه ومماته، ولا ترقبوا، فمن أرقب شيئًا فهو سبيله‏}‏‏.‏ وفي حديثٍ آخر ‏{‏أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ الرّقبى جائزة‏}‏ وفي روايةٍ ‏{‏العمرى جائزة لأهلها والرّقبى جائزة لأهلها‏}‏، وقالوا‏:‏ فهذه نصوص تدلّ على ملك المعمر والمرقب ‏(‏بالفتح في كلٍّ منهما‏)‏ وبطلان شرط العود إلى المرقب‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ قول المرقب‏:‏ داري لك، تمليك، وقوله‏:‏ رقبى شرط فاسد فيلغو‏.‏ وقال أبو حنيفة ومحمّد‏:‏ إنّ الرّقبى باطلة‏;‏ لأنّ معنى الرّقبى‏:‏ إن متّ قبلك فهو لك وإن متّ قبلي رجعت إليّ، وهذا تعليق التّمليك بالخطر ‏(‏أي الأمر المتردّد بين الوقوع وعدمه‏)‏ فيبطل‏.‏ ولخبر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أجاز العمرى وردّ الرّقبى‏}‏ وإلى هذا ذهب المالكيّة، وإذا لم تصحّ الرّقبى تكون العين عاريّةً‏;‏ لأنّه يتضمّن إطلاق الانتفاع به‏.‏

رقبة

التّعريف

1 - الرّقبة في اللّغة‏:‏ العنق، وقيل‏:‏ أعلاه، وقيل‏:‏ مؤخّر أصل العنق‏.‏ والجمع رقب، ورقاب، ورقبات، وأرقب، وهي في الأصل اسم للعضو المعروف، فجعلت كنايةً عن جميع ذات الإنسان تسميةً للشّيء ببعضه، أو إطلاقًا للجزء وإرادة الكلّ، وسمّيت الجملة باسم العضو لشرفها، والرّقبة‏:‏ المملوك، وأعتق رقبةً أي نسمةً، وفكّ رقبةً أي أطلق أسيرًا‏.‏ ويقال‏:‏ أعتق اللّه رقبته، ولا يقال‏:‏ أعتق اللّه عنقه‏.‏ وجعلت الرّقبة اسمًا للمملوك، كما عبّر بالظّهر عن المركوب‏.‏ وسمّي الحافظ‏:‏ الرّقيب، وذلك إمّا لمراعاته رقبة المحفوظ، وإمّا لرفعه رقبته‏.‏ وفي الاصطلاح لا تخرج عن المعنى اللّغويّ

الأحكام الإجماليّة

أ - مسح الرّقبة في الوضوء‏:‏

2 - ذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى استحباب مسح الرّقبة بظهر يديه لا الحلقوم إذ لم يرد بذلك سنّةً عند الوضوء‏.‏ وهناك قول لدى الحنفيّة‏:‏ بأنّ مسح الرّقبة سنّة، وليس مستحبًّا فقط‏.‏ وذهب المالكيّة إلى كراهة مسح الرّقبة في الوضوء، لعدم ورود ذلك في وضوئه صلى الله عليه وسلم‏;‏ ولأنّ هذا من الغلوّ في الدّين المنهيّ عنه‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّه لا يستحبّ مسح الرّقبة أو العنق في الوضوء، لعدم ثبوت ذلك‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ من سنن الوضوء إطالة الغرّة بغسلٍ زائدٍ على الواجب من الوجه من جميع جوانبه، وغايتها غسل صفحة العنق من مقدّمات الرّأس، لحديث‏:‏ ‏{‏إنّ أمّتي يدعون يوم القيامة غرًّا محجّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته فليفعل‏}‏

ب - إضافة الطّلاق إلى الرّقبة‏.‏

3 - أجمع الفقهاء على أنّ الزّوج إذا أضاف الطّلاق إلى رقبة زوجته أو عنقها، كأن يقول‏:‏ طلّقت رقبتها أو عنقها، أو خاطبها بطلّقت رقبتك أو عنقك، فإنّ الطّلاق يقع‏;‏ لأنّها جزء يستباح بنكاحها فتطلق به‏.‏

ج - إضافة الظّهار إلى الرّقبة‏:‏

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المظاهر لو شبّه رقبة زوجته أو عنقها بظهر أمّه فهو مظاهر‏.‏ وذهب فقهاء المالكيّة و الشّافعيّة والحنابلة في الرّاجح عندهم إلى أنّه لو شبّه عضوًا من زوجته برقبة أمّه أو عنقها فهو مظاهر كذلك‏.‏ وذهب أحمد في روايةٍ عنه إلى أنّه ليس بمظاهرٍ حتّى يشبّه جملة امرأته‏;‏ لأنّه لو حلف باللّه لا يمسّ عضوًا منها لم يسر إلى غيره من الأعضاء، فكذلك المظاهر‏.‏ ويرى الحنفيّة أنّه لو شبّهها برقبة الأمّ أو عنقها لم يكن مظاهرًا‏;‏ لأنّه شبّهها بعضوٍ من الأمّ لا يحرم النّظر إليه، ويكون مظاهرًا عندهم إذا شبّهها بعضوٍ يحرم النّظر إليه من الأمّ كالفرج والفخذ والبطن ونحوها‏.‏ الرّقبة بمعنى الإنسان المملوك‏:‏

5 - ترد الرّقبة بمعنى الإنسان المملوك في أبواب العتق، والمكاتبة، والكفّارات، وعدّد بعض الفقهاء شروطًا للرّقبة الّتي تعتق من أجل كفّارة إفساد الصّوم والحجّ، وكذلك الظّهار، والقتل، واليمين، والنّذر منها‏.‏ وتفصيل ذلك في الأبواب المذكورة وفي مصطلح‏:‏ ‏(‏رقّ‏)‏‏.‏

رقص

التّعريف

1 - الرّقص والرّقص والرّقصان معروف‏.‏ وهو مصدر رقص يرقص رقصًا، والرّقص‏:‏ أحد المصادر الّتي جاءت على فعل فعلًا نحو طرد طردًا، وحلب حلبًا‏.‏ ويقال‏:‏ أرقصت المرأة ولدها ورقّصته، وفلان يرقص في كلامه أي‏:‏ يسرع، وله رقص في القول أي‏:‏ عجلة‏.‏ فتدور موادّ اللّفظ لغةً على معاني الإسراع في الحركة والاضطراب والارتفاع والانخفاض‏.‏ والزّفن‏:‏ الرّقص، وفي حديث فاطمة أنّها كانت تزفن للحسن أي‏:‏ ترقّصه‏.‏ واصطلاحًا‏:‏ عرّف ابن عابدين الرّقص بأنّه التّمايل، والخفض، والرّفع بحركاتٍ موزونةٍ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

‏(‏أ‏)‏ اللّعب‏:‏

2 - وهو طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به‏.‏

‏(‏ب‏)‏ اللّهو‏:‏

3 - صرف الهمّ بما لا يحسن أن يصرف به، وقيل‏:‏ اللّهو الاستمتاع بلذّات الدّنيا‏.‏ واللّعب‏:‏ العبث، وقيل‏:‏ اللّهو‏:‏ الميل عن الجدّ إلى الهزل، واللّعب‏:‏ ترك ما ينفع بما لا ينفع‏.‏

حكم الرّقص

4 - عن أنسٍ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويرقصون، يقولون‏:‏ محمّد عبد صالح‏.‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما يقولون ‏؟‏ قالوا‏:‏ يقولون‏:‏ محمّد عبد صالح‏}‏‏.‏ وعن عائشة قالت‏:‏ ‏{‏كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالسًا فسمعنا لغطًا وصوت صبيانٍ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإذا حبشيّة تزفن - أي ترقص - والصّبيان حولها، فقال‏:‏ يا عائشة تعالى فانظري‏}‏‏.‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والقفّال من الشّافعيّة إلى كراهة الرّقص معلّلين ذلك بأنّ فعله دناءة وسفه، وأنّه من مسقطات المروءة، وأنّه من اللّهو‏.‏ قال الأبيّ‏:‏ وحمل العلماء حديث رقص الحبشة على الوثب بسلاحهم، ولعبهم بحرابهم، ليوافق ما جاء في روايةٍ‏:‏ ‏{‏يلعبون عند رسول اللّه بحرابهم‏}‏‏.‏ وهذا كلّه ما لم يصحب الرّقص أمر محرّم كشرب الخمر، أو كشف العورة ونحوهما، فيحرم اتّفاقًا‏.‏ وذهب ابن تيميّة إلى أنّ اتّخاذ الرّقص ذكرًا أو عبادةً، بدعة ومعصية، لم يأمر اللّه به، ولا رسوله، ولا أحد من الأئمّة، أو السّلف‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الرّقص لا يحرم ولا يكره بل يباح، واستدلّوا بحديث عائشة قالت‏:‏ ‏{‏جاء حبشة يزفنون في يوم عيدٍ في المسجد فدعاني النّبيّ صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتّى كنت أنا الّتي أنصرف عن النّظر إليهم‏}‏‏.‏ وهذا دليل على إقراره صلى الله عليه وسلم لفعلهم، فهو دليل على إباحته، ودليله من المعقول أنّ الرّقص مجرّد حركاتٍ على استقامةٍ واعوجاجٍ‏.‏ وذهب البلقينيّ إلى أنّ الرّقص إذا كثر بحيث أسقط المروءة حرم، والأوجه في المذهب خلافه‏.‏ وقيّد الشّافعيّة الإباحة بما إذا لم يكن فيه تكسّر كفعل المخنّثين وإلاّ حرم على الرّجال والنّساء، أمّا من يفعله خلقةً من غير تكلّفٍ فلا يأثم به‏.‏ قال في الرّوض‏:‏ وبالتّكسّر حرام ولو من النّساء‏.‏

شهادة الرّقّاص

5 - اتّفق الفقهاء على ردّ شهادة الرّقّاص لأنّه ساقط المروءة، وهي شرط من شروط صحّة الشّهادة‏.‏ ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ المعتبر في إسقاط المروءة هو المداومة والإكثار من الرّقص، وهو مقيّد عند الشّافعيّة بمن يليق به الرّقص، أمّا من لا يليق به فتسقط مروءته ولو بمرّةٍ واحدةٍ‏.‏ والمرجع في المداومة والإكثار إلى العادة، ويختلف الأمر باختلاف عادات النّواحي والبلاد، وقد يستقبح من شخصٍ قدر لا يستقبح من غيره‏.‏ وظاهر كلام الحنفيّة يفيد اعتبار المداومة والإكثار كذلك، حيث عبّروا بصيغة المبالغة‏.‏ قال في البناية‏:‏ ولا تقبل شهادة الطّفيليّ والمشعوذ والرّقّاص والسّخرة بلا خلافٍ‏.‏

الاستئجار على الرّقص

6 - الاستئجار على الرّقص يتبع حكم الرّقص نفسه، فحيث كان حرامًا أو مكروهًا أو مباحًا كان حكم الاستئجار عليه كذلك‏.‏ وقد نصّ المالكيّة على أنّ الرّقص حيث كان حرامًا لا يجوز الاستئجار عليه ولا يجوز دفع الدّراهم للرّقّاص‏.‏ ولا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز الاستئجار على المنافع المحرّمة وغير المتقوّمة، فحيث كان الرّقص حرامًا لا يجوز الاستئجار عليه‏.‏ ويراجع في هذا مصطلح‏:‏ إجارة »‏.‏

رقّ

التّعريف

1 - الرّقّ لغةً‏:‏ مصدر رقّ العبد يرقّ، ضدّ عتق، يقال‏:‏ استرقّ فلان مملوكه وأرقّه، نقيض أعتقه‏.‏ والرّقيق‏:‏ المملوك ذكرًا كان أو أنثى، ويقال للأنثى أيضًا رقيقة، والجمع رقيق وأرقّاء‏.‏ وإنّما سمّي العبيد رقيقًا‏;‏ لأنّهم يرقّون لمالكهم، ويذلّون ويخضعون‏.‏ وأصله من الرّقّة وهي ضدّ الغلظ والثّخانة في المحسوسات، يقال‏:‏ ثوب رقيق، وثياب رقاق، ثمّ استعمل في المعنويّات فقيل‏:‏ فلان رقيق الدّين، أو رقيق القلب‏.‏ والرّقّ في الاصطلاح الفقهيّ موافق لمعناه لغةً، فهو كون الإنسان مملوكًا لإنسانٍ آخر‏.‏ وعرّفه بعض أهل الفرائض والفقه بأنّه ‏"‏ عجز حكميّ يقوم بالإنسان سببه الكفر ‏"‏ أو أنّه ‏"‏ عجز شرعيّ مانع للولايات من القضاء والشّهادة وغيرهما »‏.‏ وللرّقيق أسماء أخرى بحسب نوعه وحاله، كالقنّ‏:‏ وهو من لا عتق فيه أصلًا، ويقابله المبعّض، وهو المعتق بعضه وسائره رقيق، ومن فيه شائبة حرّيّةٍ، وهو من انعقد له سبب العتق كالمكاتب، والمدبّر، والموصى بعتقه، والمعتق عند أجلٍ، وأمّ الولد‏.‏

أسباب تملّك الرّقيق

2 - يدخل الرّقيق في ملك الإنسان بواحدٍ من الطّرق الآتية‏:‏ أوّلًا‏:‏ استرقاق الأسرى والسّبي من الأعداء الكفّار، وقد ‏{‏استرقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة وذراريّهم‏}‏‏.‏ وفي استرقاقهم تفصيل يرجع إليه في مصطلح ‏(‏استرقاق‏)‏‏.‏ ولا يجوز ابتداء استرقاق المسلم‏;‏ لأنّ الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق‏;‏ لأنّه يقع جزاءً لاستنكاف الكافر عن عبوديّة اللّه تعالى، فجازاه بأن صيّره عبد عبيده‏.‏ ثانيًا‏:‏ ولد الأمة من غير سيّدها يتبع أمّه في الرّقّ، سواء، أكان أبوه حرًّا أم عبدًا، وهو رقيق لمالك أمّه، لأنّ ولدها من نمائها، ونماؤها لمالكها، وللإجماع، ويستثنى من ذلك ولد المغرور وهو من تزوّج امرأةً على أنّها حرّةً فإذا هي أمة‏.‏ وكذا لو اشترط متزوّج الأمة أن يكون أولاده منها أحرارًا على ما صرّح به بعض الفقهاء‏.‏ ثالثًا‏:‏ الشّراء ممّن يملكه ملكًا صحيحًا معترفًا به شرعًا، وكذا الهبة والوصيّة والصّدقة والميراث وغيرها من صور انتقال الأموال من مالكٍ إلى آخر‏.‏ ولو كان من باع الرّقيق، أو وهبه كافرًا ذمّيًّا أو حربيًّا فيصحّ ذلك أيضًا، وقد أهدى المقوقس للنّبيّ صلى الله عليه وسلم جاريتين، فتسرّى بإحداهما، ووهب الأخرى لحسّان بن ثابتٍ رضي الله عنه‏.‏

الأصل في الإنسان الحرّيّة لا الرّقّ

3 - الأصل في الإنسان الحرّيّة لا الرّقّ، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ اللّقيط إذا وجد ولم يعرف نسبه يكون حرًّا، وإن احتمل أنّه رقيق، قال ابن المنذر‏:‏ أجمع عامّة أهل العلم على أنّ اللّقيط حرّ‏.‏ وقال ابن قدامة‏:‏ لأنّ الأصل في الآدميّين الحرّيّة، فإنّ اللّه تعالى خلق آدم وذرّيّته أحرارًا، وإنّما الرّقّ لعارضٍ، فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل‏.‏ والحرّيّة حقّ للّه تعالى فلا يقدر أحد على إبطاله إلاّ بحكم الشّرع، فلا يجوز إبطال هذا الحقّ، ومن ذلك أنّه لا يجوز استرقاق الحرّ ولو رضي بذلك‏.‏ وما كان من خواصّ الآدميّة في الرّقيق لا يبطل برقّه، بل يبقى على أصل الحرّيّة، كالطّلاق، فإنّ حقّ تطليق زوجة العبد هو له، وليس للسّيّد أن يطلّقها عليه‏.‏

ألغاء الشّريعة الإسلاميّة لأنواعٍ من الاسترقاق

4 - حرّمت الشّريعة الإسلاميّة استرقاق الحرّ بغير حقٍّ، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قال اللّه تعالى‏:‏ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة‏:‏ رجل أعطى بي ثمّ غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره‏}‏‏.‏ رواه البخاريّ وهذا لفظه‏.‏ وروى أبو داود من حديث عبد اللّه بن عمرٍو‏:‏ ‏{‏ثلاثة لا يقبل اللّه منهم صلاةً‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ وذكر منهم ‏{‏ورجل اعتبد محرّرًا‏}‏ قال الخطّابيّ‏:‏ اعتباد الحرّ يقع بأمرين‏:‏ أن يعتقه ثمّ يكتم ذلك، أو يجحده، والثّاني‏:‏ أن يستخدمه كرهًا بعد العتق‏.‏ ا‏.‏ هـ وكذلك الاسترقاق بخطف الحرّ، أو سرقته، أو إكراهه، أو التّوصّل إلى جعله في حبائل الرّقّ، بأيّ وسيلةٍ، كلّ ذلك محرّم، ولا يصحّ منه شيء، بل يبقى المخطوف أو المسروق حرًّا إن كان معصومًا بإسلامٍ أو عهدٍ، ومن اشترى من هؤلاء واتّخذ ما اشتراه رقيقًا أو باعه، حرم عليه ما فعل، ودخل في الّذين قال رسول اللّه تعالى فيهم‏:‏ ‏{‏ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة‏}‏ كما في الحديث المتقدّم آنفًا، فإن وطئ شيئًا من الجواري الّتي ‏(‏استملكت‏)‏ بهذه الطّرق المحرّمة فهو زنًا، حكمه حكم الزّنا، من إقامة حدّ الزّنا على الواطئ، وعلى الموطوءة إن زال الإكراه ورضيت بالبقاء على ما هي عليه، والولد الّذي يولد لهما ولد زنًا، لا يلتحق نسبه بالواطئ‏.‏

إثبات الرّقّ

5 - تثبت دعوى الرّقّ على مجهول النّسب بالبيّنة، فإن لم تكن بيّنة فلا استحلاف في ذلك عند أبي حنيفة، ويستحلف فيها عند الصّاحبين، ولا يكفي الشّاهد رؤيته يستخدم الرّجل أو المرأة ليشهد برقّهما، بل لا بدّ أن يعرف رقّهما، ولا تكفي اليد، ما لم يكن المشهود عليه صغيرًا لا يعبّر عن نفسه، وقيل عندهم‏:‏ له أن يشهد أيضًا على الكبير بمجرّد اليد‏.‏ وقال النّوويّ‏:‏ إذا ادّعى رقّ بالغٍ فقال البالغ‏:‏ أنا حرّ الأصل، فالقول قوله، وعلى المدّعي البيّنة، وسواء أكان المدّعي استخدمه قبل الإنكار وتسلّط عليه أم لا، وسواء جرى عليه البيع مرارًا وتداولته الأيدي أم لا، وقال في موضعٍ آخر‏:‏ وإذا لم يقرّ اللّقيط برقٍّ فهو حرّ إلاّ أن يقيم أحد بيّنةً برقّه‏.‏ وإن أقرّ وهو بالغ عاقل برقّه لشخصٍ فصدّقه قبل إن لم يسبق إقراره بالحرّيّة، وإلاّ لم يقبل‏.‏ وقال أيضًا‏:‏ لو ادّعى رقّ صغيرٍ، فإن لم يكن في يده، لم يصدّق إلاّ ببيّنةٍ، وإن كان في يده، فإن استندت اليد إلى التقاطٍ فكذلك على الأظهر، وإن لم يعرف استناده إلى التقاطٍ صدّق وحكم له، كما لو ادّعى ثوبًا في يده، فلو كان مميّزًا فالأصحّ يحكم له برقّه، ولا أثر لإنكاره، والثّاني أنّه كالبالغ، ثمّ إذا بلغ الصّغير الّذي حكم برقّه وأنكر الرّقّ فالأصحّ استمرار الرّقّ حتّى تقوم بيّنة بخلافه، والثّاني‏:‏ يصدّق منكر الرّقّ إلاّ أن تقوم به بيّنة‏.‏ ويكفي في الشّهادة على الرّقّ رجل وامرأتان‏.‏ ومن ادّعى على رجلٍ أنّه عبده فقال المدّعى عليه‏:‏ بل أنا حرّ، وأقام كلّ منهما بيّنةً، تعارضتا وتساقطتا‏.‏ قال البهوتيّ‏:‏ ويخلّى سبيله، لأنّ الأصل الحرّيّة، والرّقّ طارئ ولم يثبت‏.‏

ثبوت الرّقّ بالإقرار

6 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا كان صبيّ مجهول النّسب في يد رجلٍ وهو يعبّر عن نفسه، أي يعقل فحوى ما يجري على لسانه، وادّعى الرّجل رقّه، فقال الصّبيّ‏:‏ أنا حرّ، فالقول قوله‏;‏ لأنّه في يد نفسه، ولو قال‏:‏ أنا عبد لفلانٍ - لغير من هو في يده - فهو للّذي هو في يده‏;‏ لأنّه أقرّ بالرّقّ، وإن كان لا يعبّر عن نفسه فهو للّذي هو في يده‏.‏ وأمّا الصّبيّ الّذي يعبّر عن نفسه إذا أقرّ بالرّقّ وهو مجهول النّسب فهو رقيق، ومن باب أولى من كان عند إقراره بالغًا‏.‏ وعند الحنابلة لا يثبت الرّقّ بإقرار الصّبيّ المميّز ويثبت بإقرار البالغ لكن إن أقرّ بالرّقّ من هو ثابت الحرّيّة لم يصحّ إقراره، فلو أقرّت حرّة لزوجها بأنّها أمته، فباعها للجوع والغلاء، فوطئها المشتري، قال المالكيّة‏:‏ فلا حدّ عليها ولا تعزير‏;‏ لعذرها بالجوع، ويرجع المشتري على زوجها بالثّمن‏.‏ أي لأنّها حرّة فلا ترقّ بذلك‏.‏

من يملك الرّقيق، ومن لا يملكه

أوّلًا‏:‏ الكافر

7 - لا يجوز للكافر استدامة تملّك رقيقٍ مسلمٍ اتّفاقًا‏.‏ وهذا الحقّ للّه تعالى‏;‏ لأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى، ولما فيه من إهانة المسلم بملك الكافر له‏.‏ وقياسًا على تحريم نكاح الكافر مسلمةً، بل أولى‏.‏ وقد يدخل الرّقيق المسلم في ملك الكافر في صورٍ معيّنةٍ، لكن يجبر على إزالة ملكه عنه ببيعٍ، أو هبةٍ لمسلمٍ، أو إعتاقٍ أو نحو ذلك، ومن أمثلة تلك الصّور‏:‏

1 - أن يكون في يد كافرٍ عبد كافر فيسلم‏.‏ فقد صرّح الحنفيّة بأنّه يؤمر الكافر ببيعه تخليصًا للعبد الّذي أسلم من بقائه في ملك الكافر‏.‏

2 - ومنها أن يملكه بالشّراء، وهذا في روايةٍ عند مالكٍ وقولٍ للشّافعيّ‏:‏ فيصحّ ويجبر على إزالة ملكه عنه، وقال الحنابلة وهو الرّواية الأخرى عن مالكٍ، والقول الثّاني للشّافعيّ، وهو الأظهر عند أصحابه‏:‏ لا يصحّ شراء الكافر مسلمًا أصلًا‏.‏ ويحرم بيع المسلم عبده المسلم لكافرٍ على كلا القولين، إذ الخلاف في الصّحّة لا في التّحريم‏.‏ ويستثنى ما إذا اشترى الكافر مسلمًا يعتق عليه بالقرابة، أو اشتراه بشرط العتق في الحال، فذلك أولى بالصّحّة، ولذلك أجازه أيضًا الحنابلة في روايةٍ‏;‏ لأنّ الملك يزول في الحال عقب الشّراء مباشرةً، ويحصل ذلك بحكم الشّرع، بدون توقّفٍ على تصرّفٍ من المالك، ويحصل به من نفع الحرّيّة أضعاف ما حصل من الإهانة بالملك في لحظةٍ يسيرةٍ‏.‏ وهكذا كلّ شراءٍ يستتبع عتقًا‏.‏ وعند المالكيّة يمنع بيع الرّقيق المسلم لكافرٍ، فإن وقع مضى بيعه فلا يفسخ، ويجبر على إزالة ملكه بشيءٍ ممّا تقدّم‏.‏ ولو وكّل كافر مسلمًا في شراء رقيقٍ لم يصحّ الشّراء عند من منع شراء الكافر لعبدٍ مسلمٍ‏;‏ لأنّ الملك يقع للموكّل، والموكّل ليس بأهلٍ لشرائه كما لو وكّل مسلم ذمّيًّا في شراء خمرٍ‏.‏ وإن وكّل المسلم كافرًا يشتري له رقيقًا كافرًا صحّ، أمّا إن وكّله في شراء رقيقٍ مسلمٍ ففيه عند الحنابلة قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ يصحّ‏;‏ لأنّ المنع منه كان لما فيه من ثبوت ملك الكافر على المسلم، والملك هنا يثبت للمسلم، فلم يتحقّق المانع‏.‏ والثّاني‏:‏ لا يصحّ‏;‏ لأنّ ما منع من شرائه منع من التّوكّل فيه، كتوكّل المحرم في شراء صيدٍ، وتوكّل الكافر في عقد نكاح مسلمة، وتوكّل المسلم في شراء خمرٍ لذمّيٍّ‏.‏ وإن كان عبد كافر في ملك شخصٍ كافرٍ في دار الإسلام، فأسلم العبد، لم يزل ملك صاحبه بإسلامه، لكن لا يقرّ في يده، بل يؤمر بإزالة ملكه عنه ببيعٍ، أو هبةٍ، أو عتقٍ، أو غيرها، ولا يكفي الرّهن أو التّزويج أو الحيلولة بينهما‏.‏ أمّا إن أسلم العبد الكافر المملوك لكافرٍ بدار الحرب فإنّه يصير بذلك حرًّا، سواء هاجر إلينا أو التحق بجيش المسلمين‏.‏ فلو خرج إلينا مسلمًا، أو سباه المسلمون، لم يجز استرقاقه‏;‏ لأنّ ملك الكافر ارتفع عنه حكمًا بمجرّد إسلامه، ولو بقي في يد الكافر‏;‏ لأنّ الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق‏.‏

ثانيًا‏:‏ القريب

8 - إذا ملك الإنسان أحدًا من والديه وإن علوا أو ولده وإن سفل ولو من ذوي الأرحام، عتق عليه بنفس الملك دون توقّفٍ على حكم حاكمٍ، ولا على نطقٍ بصيغة عتقٍ، وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏من ملك ذا رحمٍ محرمٍ فهو حرّ‏}‏‏.‏ وسواء كان دخوله في ملكه باختياره كشراءٍ أو بغير اختياره كما لو ورثه‏.‏ واختلف في بقيّة ذوي الرّحم المحرم سوى أصحاب قرابة الولاد‏.‏ وفي المسألة اختلاف وتفصيل يرجع إليه تحت عنوان‏:‏ ‏(‏عتق‏)‏‏.‏

ثالثًا‏:‏ المماليك

9 - يدخل المملوك في ملك مملوكٍ آخر إذا كان المملوك مكاتبًا، وكذلك عند من قال بأنّ العبد يملك، أمّا من قال بأنّ العبد لا يملك أصلًا فلا يتصوّر عنده أن يكون العبد أو الأمة ملكًا لعبدٍ أو أمةٍ، ولهذه القاعدة فروع في التّسرّي وغيره‏.‏

جريان الرّقّ على العرب

10 - قال ابن حجرٍ‏:‏ الجمهور على أنّ العربيّ إذا سبي جاز أن يسترقّ، وإذا تزوّج العربيّ أمةً كان ولدها رقيقًا أخذًا بإطلاق الأحاديث الدّالّة على الاسترقاق، وبأنّ ‏{‏النّبيّ صلى الله عليه وسلم استرقّ من سبي هوازن وبني المصطلق وهم عرب‏}‏‏.‏ ‏{‏وأمر عائشة بشراء رقبةٍ من أسرى بني تميمٍ وإعتاقها عن نذرها‏}‏‏.‏ قال ابن حجرٍ‏:‏ والأفضل عتق من يسترقّ منهم، ولذلك قال عمر رضي الله عنه‏:‏ من العار أن يملك الرّجل ابن عمّه أو بنت عمّه‏.‏ وذهب الأوزاعيّ، والثّوريّ، وأبو ثورٍ إلى أنّ على سيّد الأمة تقويم الولد، ويلزم أبوه بأداء القيمة، ولا يسترقّ الولد أصلًا‏.‏ وذهب الشّافعيّ في القديم وأبو عبيدٍ إلى أنّ العرب لا يسترقّ رجالهم‏.‏ قال أبو عبيدٍ‏:‏ بذلك مضت سنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه لم يسترقّ أحدًا من ذكورهم‏.‏ قال‏:‏ وكذلك حكم عمر فيهم أيضًا حتّى ردّ سبي أهل الجاهليّة وأولاد الإماء منهم أحرارًا إلى عشائرهم على فديةٍ يؤدّونها إلى الّذين أسلموا وهم في أيديهم‏.‏ قال‏:‏ وهذا مشهور من رأي عمر‏.‏ وروى عنه الشّعبيّ أنّ عمر قال‏:‏ ليس على عربيٍّ ملك‏.‏ ونقل عنه أنّه قضى بفداء من كان في الرّقّ منهم‏.‏

أنواع الرّقّ

11 - الرّقيق إمّا أن يكون خالصًا لا شائبة فيه، وإمّا أن يكون فيه شائبة‏.‏ والرّقيق الخالص، يسمّى القنّ، إمّا أن يكون سلمًا لمالكٍ واحدٍ، وإمّا أن يكون مشتركًا وهو الّذي يملكه شريكان أو أكثر‏.‏ والرّقيق الّذي فيه شائبة هو الّذي أعتق بعضه فعلًا، كنصفه أو ربعه، وبقي سائره رقيقًا، ويسمّى المبعّض، أو انعقد فيه سبب التّحرير، وهو ثلاثة أصنافٍ‏:‏ الأوّل‏:‏ أمّ الولد، وهي الجارية إذا ولدت من سيّدها، فإنّها تكون بالولادة مستحقّةً للحرّيّة بوفاة سيّدها‏.‏ والثّاني‏:‏ المكاتب، وهو من اشترى نفسه من سيّده بمالٍ منجّمٍ، فهو مستحقّ للحرّيّة بمجرّد تمام الأداء‏.‏ والثّالث‏:‏ المدبّر، والتّدبير أن يجعل السّيّد عبده معتقًا عن دبرٍ منه، أي بمجرّد وفاة السّيّد، وفي معناه‏:‏ الموصى بعتقه، والمعلّق عتقه بصفةٍ أو أجلٍ‏.‏ وهذه الأنواع الثّلاثة الملك فيها كامل، فإن كانت أمةً جاز للسّيّد الوطء‏.‏ ولكنّ الرّقّ فيها ناقص لانعقاد سبب الحرّيّة في، ولذا لا يجزئ عتقه عن الكفّارة‏.‏

وفيما يلي أحكام الرّقيق القنّ، ثمّ أحكام المشترك والمبعّض‏.‏ أمّا أمّ الولد، والمكاتب، والمدبّر، فتنظر أحكامهم في ‏(‏استيلاد‏)‏، ‏(‏تدبير‏)‏، ‏(‏مكاتبة‏)‏‏.‏

النّوع الأوّل أحكام الرّقيق

القنّ المملوك لمالكٍ واحدٍ حقوق السّيّد وواجبات رقيقه تجاهه‏:‏ للسّيّد رجلًا كان أو امرأةً على مماليكه الذّكور والإناث حقوق يجب على الرّقيق مراعاتها، منها‏:‏

12 - أوّلًا‏:‏ طاعته للسّيّد في كلّ ما يأمره به أو ينهاه عنه، ولا يتقيّد وجوب الطّاعة بقيدٍ إلاّ ما ورد التّقييد به شرعًا، ومن جملة ذلك‏:‏

أ - أن يأمره السّيّد بأمرٍ فيه معصية للّه تعالى كشرب خمرٍ، أو سرقةٍ، أو إيذاءٍ لأحدٍ من النّاس بغير حقٍّ، وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا طاعة لأحدٍ في معصية اللّه‏}‏ وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنًا لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا ومن يكرههنّ فإنّ اللّه من بعد إكراههنّ غفور رحيم‏}‏ أي غفور لهنّ رحيم بهنّ حيث أكرهن على ما لا يحلّ‏.‏ ومن هذا الباب ما لو أجبر السّيّد رقيقه المسلم على ترك الفرائض الشّرعيّة من صلاةٍ أو صومٍ، هذا مع مراعاة أنّ بعض الفرائض اللّازمة للأحرار ساقطة شرعًا عن الأرقّاء، كالحجّ، ويأتي تفصيل ذلك‏.‏

ب - أن يكون كافرًا فيجبره سيّده على الإسلام، فلا يجب على الرّقيق طاعته في ذلك لأنّه لا إكراه في الدّين‏.‏ واستثنى الحليميّ من الشّافعيّة أن تكون كافرةً غير كتابيّةٍ ويرغب سيّدها في الاستمتاع بها، فيجبرها على الإسلام لتحلّ له، فرأى الحليميّ جواز ذلك لإزالة المانع من الوطء، قاسه على جواز إجبارها على إزالة النّجاسة وغسل الحيض‏.‏ والصّحيح عند الشّافعيّة خلاف ذلك‏.‏ وصرّح الشّافعيّة بأنّ السّيّد إن حمل رقيقه على الفساد يجبر على بيعه‏.‏ لأنّ الرّقّ أفادها الأمان من القتل فلا تجبر كالمستأمنة، قالوا‏:‏ وليس كالغسل فإنّه لا يعظم الأمر فيه‏.‏

ج - ليس للسّيّد أن يزوّج عبده الذّكر البالغ امرأةً لا يرضاها حرّةً كانت أو أمةً، فإن كان العبد صغيرًا جاز، وهذا مذهب أحمد وقول للشّافعيّ، وقال أبو حنيفة، ومالك‏:‏ للسّيّد أن يجبر عبده على النّكاح‏.‏ ولا يلزم العبد طاعة سيّده لو كان المطلوب من الرّقيق فسخ زواجه الصّحيح، سواء تمّ بإذنه أو إذن مالكٍ سابقٍ، فلو كانت الأمة مزوّجةً، فليس للسّيّد أن يجبرها على طلب الطّلاق، وكذا ليس له الحقّ في منعها من الكون مع زوجها ليلًا‏.‏ وللفقهاء تفصيل في مراعاة الحقّين، حقّ الزّوج وحقّ السّيّد، يأتي بيانه إن شاء اللّه‏.‏

د - إن كان العبد ذمّيًّا فقد ذكر بعض الفقهاء أنّه لا يمنع من إتيان الكنيسة، أو شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير لأنّ ذلك دينه، نقله البنانيّ عن قول مالكٍ في المدوّنة

13 - ثانيًا‏:‏ للسّيّد حقّ الاستخدام في المنزل وخارجه فيما شاء من عملٍ يعمله في زراعةٍ أو خدمةٍ أو رسالةٍ أو غير ذلك‏.‏ ويتقيّد هذا بأن يكون العمل ممّا يطيقه الرّقيق، فيحرم تكليفه بما لا يطيقه أو يشقّ عليه مشقّةً كبيرةً، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إخوانكم خولكم، جعلهم اللّه تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم‏}‏ أي ليعنه بنفسه أو بغيره‏;‏ ولأنّ ذلك يضرّ به ويؤذيه، والسّيّد ممنوع من الإضرار برقيقه‏.‏ وقال مالك‏:‏ بلغني أنّ عمر بن الخطّاب كان يذهب إلى العوالي كلّ سبتٍ فإذا وجد عبدًا في عملٍ لا يطيقه وضع عنه منه‏.‏ قال مالك‏:‏ وكان عمر يزيد في رزق من قلّ رزقه، قال‏:‏ وأكره ما أحدثوا من إجهاد العبيد‏.‏ وإذا استعمل العبد نهارًا أراحه ليلًا، وكذا بالعكس، ويريحه بالصّيف في وقت القيلولة، والنّوم، والصّلاة المفروضة، ويستعمله في الشّتاء النّهار مع طرفي اللّيل، ويتّبع في ذلك كلّه العادة الغالبة‏.‏ وإذا سافر بهم يجب عليه أن يركبهم ولو عقبةً عند الحاجة‏.‏

14 - ثالثًا‏:‏ للسّيّد حقّ انتزاع المال المتحصّل للرّقيق بأيّ وجهٍ كان، كما لو كان أجر عمله أو مهر الأمة، أو أرش جنايةٍ على الرّقيق، أو بدل خلع العبد امرأته، أو غير ذلك، كما لو وهب للرّقيق مال، أو اكتسب من المباح‏.‏ وقد اختلف في أنّ العبد يملك أو لا يملك كما سيأتي، لكن عند من قال إنّه يملك فلسيّده انتزاع ما بيده من المال متى شاء، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ضرب اللّه مثلًا عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيءٍ ومن رزقناه منّا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سرًّا وجهرًا‏}‏‏.‏

15 - رابعًا‏:‏ للسّيّد حقّ استغلال مماليكه، أي أن يستعمل السّيّد رقيقه فيما يدرّ على السّيّد مالًا، وذلك بأن يؤجّره فيما شاء من عملٍ ويأخذ السّيّد أجره، أو يأذن له إن كان ذا صنعةٍ كحدادةٍ أو خياطةٍ في أن يعمل بأجرٍ، وكذا لو أذن له في تجارةٍ أو زراعةٍ أو غيرها‏.‏ ومن غلّة الأمة ولدها إن زوّجت، وولد على الرّقّ‏.‏ وللسّيّد أن يأمر عبده أو أمته بالكسب أو يأذن له أن يتكسّب بما شاء، غير أنّه يكره له أن يلزم بالكسب أمةً لا صنعة لها، قال عثمان رضي الله عنه في بعض خطبه‏:‏ لا تكلّفوا الأمة غير ذات الصّنعة الكسب، فإنّكم متى كلّفتموها ذلك كسبت بفرجها، ولا تكلّفوا الصّغير الكسب، فإنّه إذا لم يجد سرق‏.‏ قال الباجيّ‏:‏ أي إنّها إذا ألزمت خراجًا وهي ليست ذات صنعةٍ تصنعها بخراجٍ، اضطرّها ذلك للكسب من أيّ وجهٍ أمكنها، وكان ذلك سببًا إلى أن تكسب بفرجها، وكذلك الصّبيّ الصّغير إذا كلّف أن يأتي بالخراج وهو لا يطيق ذلك، فإنّه ربّما اضطرّه إلى أن يتخلّص ممّا لزمه من الخراج بأن يسرق‏.‏ وما ورد في صحيح البخاريّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏نهى عن كسب الأمة‏}‏ فليس على إطلاقه لما روى أبو داود من حديث رافع بن خديجٍ مرفوعًا‏:‏ ‏{‏نهى عن كسب الأمة حتّى يعلم من أين هو‏}‏‏.‏ وروى أبو داود أيضًا من حديث رفاعة بن رافعٍ ‏{‏نهى عن كسب الأمة إلاّ ما عملت بيدها‏}‏‏.‏ وقال هكذا بيده، نحو الغزل والنّفش‏.‏

المخارجة

16 - المخارجة أن يضرب السّيّد على عبده أو أمته خراجًا معلومًا يؤدّيه ككلّ يومٍ أو أسبوعٍ ممّا يكتسبه، وليس للسّيّد أن يجبر العبد عليها ولا للعبد إجبار السّيّد، بل هو عقد يعتبر فيه التّراضي من الطّرفين، وفي قولٍ‏:‏ للسّيّد إجباره‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ وليس هذا القول بشيءٍ‏.‏ وإذا تراضيا على خراجٍ فليكن له كسب دائم يفي بذلك الخراج فاضلًا عن نفقته وكسوته إن جعلها في كسبه‏.‏ فإن وضع عليه أكثر من كسبه بعد نفقته لم يجز‏.‏ وكذا إن كلّف من لا كسب له المخارجة، وإذا وفّى ما عليه وزاد كسبه على المضروب عليه فالزّيادة له‏.‏ وهي برّ ورفق من السّيّد بعبده، وتوسيع للنّفقة عليه‏.‏ ويجبر النّقص في بعض الأيّام بالزّيادة في بعضها، واذا أدّى ما عليه فله ترك العمل‏.‏ والمخارجة جائزة من الطّرفين أي غير لازمةٍ، فلكلٍّ منهما فسخها‏.‏

17 - خامسًا‏:‏ يجب على الرّقيق أيضًا الحفظ والصّيانة لما بيده من مالٍ أو غيره، ومن جملة ذلك نفسه‏.‏ وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏كلّكم راعٍ ومسئول عن رعيّته، فالإمام راعٍ، وهو مسئول عن رعيّته، والرّجل في أهله راعٍ، وهو مسئول عن رعيّته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسئولة عن رعيّتها، والخادم في مال سيّده راعٍ، وهو مسئول عن رعيّته‏}‏‏.‏ قال ابن حجرٍ‏:‏ رعايته حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته‏.‏ وعلى الرّقيق أيضًا النّصح لسيّده، وبذل جهده في خدمته، وتنفيذ أوامره وترك الكسل فيها، لحديث أبي موسى الأشعريّ مرفوعًا ‏{‏أيّما عبدٍ أدّى حقّ اللّه وحقّ مواليه فله أجران‏}‏‏.‏ وفي روايةٍ ‏{‏للمملوك الّذي يحسن عبادة ربّه، ويؤدّي إلى سيّده الّذي له عليه من الحقّ والنّصيحة والطّاعة أجران‏}‏‏.‏ وفي حديث ابن عمر مرفوعًا‏:‏ ‏{‏إذا نصح العبد لسيّده وأحسن عبادة ربّه كان له أجره مرّتين‏}‏ قال ابن عبد البرّ‏:‏ معنى هذا الحديث عندي أنّ العبد لمّا اجتمع عليه أمران واجبان طاعة ربّه في العبادات، وطاعة سيّده في المعروف، فقام بهما جميعًا، كان له ضعف أجر الحرّ المطيع لطاعته‏.‏

18 - سادسًا‏:‏ للسّيّد حقّ تأديب عبده ومعاقبته على ترك ما أوجبه اللّه عليه، أو فعل ما حرّمه اللّه تعالى، أو مخالفة السّيّد، أو إساءة الأدب، أو غير ذلك باللّوّم أو الضّرب، كما يؤدّب ولده وزوجته النّاشز‏.‏ واختلفوا في إقامة السّيّد الحدّ والقصاص على عبده‏.‏ وسيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه‏.‏ ومن جملة العقوبة الّتي يملكها السّيّد أن يضربه على ترك الصّلاة إذا كان مميّزًا وبلغ عشر سنين، وذلك لتمرينه عليها حتّى يألفها ويعتادها لحديث‏:‏ ‏{‏واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ‏}‏‏.‏ قال الحجّاويّ والبهوتيّ‏:‏ وللسّيّد أن يزيد في ضرب الرّقيق، تأديبًا على ضرب الولد والزّوجة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا تضرب ظعينتك كضرب أمّيّتك‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثمّ يجامعها في آخر اليوم‏}‏‏.‏ وللسّيّد أن يقيّد عبده إذا خاف عليه الإباق‏.‏

19 - سابعًا‏:‏ للسّيّد حقّ وطء مملوكته ما لم يمنع من ذلك مانع شرعيّ، كأن تكون حائضًا أو نفساء أو مزوّجةً، أو كافرةً غير كتابيّةٍ، أو تكون مرتدّةً أو غير ذلك، أو فيها شرك لغيره، فإذا وطئت تكون سريّةً، إلاّ أنّها إن كانت مزوّجةً ثمّ ملكت بالسّبي جاز لمالكها فسخ نكاحها ثمّ وطؤها بعد الاستبراء‏.‏ وللاستمتاع بالإماء أحكام وضوابط شرعيّة تنظر في موضعها ممّا يلي‏.‏ وفي مصطلح‏:‏ ‏(‏تسرّي‏)‏‏.‏ ويجب على المملوكة أن تمكّن سيّدها من نفسها للاستمتاع، ويحرم عليها الامتناع من ذلك لأنّه منع حقٍّ، ما لم تكن محرّمةً عليه، أو يكون لها عذر صحيح‏.‏

20 - ثامنًا‏:‏ للسّيّد التّصرّف في رقيقه بالبيع وغيره من العقود وسائر التّصرّفات كما يأتي قريبًا‏.‏ 21 - تاسعًا‏:‏ للسّيّد أن يمنع عبده من التّزوّج، أو التّعاقد، أو التّصرّف بالوجه الّذي يريد‏.‏ فليس للعبد أن يتصرّف ببيعٍ أو شراءٍ أو تعاقدٍ إلاّ بإذن السّيّد إلى غير ذلك من الحقوق الّتي للسّيّد على رقيقه كما يعلم من باقي هذا البحث‏.‏

إباق الرّقيق وهربه

22 - الإباق‏:‏ انطلاق العبد تمرّدًا على من هو في يده من غير خوفٍ ولا كدّ عملٍ، فإن كان تمرّده لذلك لا يسمّى آبقًا، بل هو هارب أو ضالّ أو فارّ‏.‏ والإباق محرّم، لما فيه من إبطال حقّ السّيّد، وهو من عيوب الرّقيق‏.‏ وللإباق أحكام مختلفة تنظر في ‏(‏إباق‏)‏‏.‏

ما لا يملكه السّيّد من رقيقه

23 - ليس للسّيّد قتل عبده، ولا جرحه، ولا التّمثيل به بقطع شيءٍ من أعضائه، كجدع أنفه أو قطع أذنه، ‏{‏لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن المثلة‏}‏‏.‏ وليس للسّيّد خصاء عبده‏.‏ وليس له أن يضربه ضربًا شديدًا إلاّ لذنبٍ عظيمٍ‏.‏ وليس له أن يلطمه في وجهه لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه‏}‏‏.‏ ولحديث‏:‏ ‏{‏من لطم غلامه فكفّارته عتقه‏}‏‏.‏ وليس له أن يضربه من غير ذنبٍ جناه‏.‏ وليس للسّيّد أن يشتم أبوي رقيقه وإن كانا كافرين‏.‏ وإن مثّل السّيّد برقيقه، فقطع أذنه أو أنفه أو عضوًا منه، أو جبّه أو خصاه أو خرق أو حرق عضوًا منه، عتق عليه بلا حكم حاكمٍ بل بمجرّد التّمثيل به‏.‏ على ما صرّح به المالكيّة والحنابلة، وفي قولٍ‏:‏ بل بحكم الحاكم، لما ورد ‏{‏أنّ زنباعًا وجد غلامًا له مع جاريةٍ فجدع أنفه وجبّه، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال من فعل هذا بك ‏؟‏ فقال‏:‏ زنباع‏:‏ فدعاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما حملك على هذا ‏؟‏ فقال كان من أمره كذا وكذا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم للعبد‏:‏ اذهب فأنت حرّ‏}‏‏.‏ ولو استكره عبده على الفاحشة بلواطٍ عتق أيضًا، ومثله ما لو وطئ جاريته الّتي لا تطيق الوطء فأفضاها‏;‏ لأنّه في معنى التّمثيل‏.‏ ولا يعتق بخدشه أو ضربه أو لعنه، وفي المسألة تفصيل وخلاف يذكر في مصطلح ‏(‏عتق‏)‏، وألحق المالكيّة بالتّمثيل به تعمّد الشّين المعنويّ كحلق لحية عبدٍ تاجرٍ، أو حلق شعر أمةٍ رفيعةٍ‏.‏ وألحقوا به أيضًا تمثيل الرّجل بعبد غيره، ويغرم قيمته لصاحبه، لكن لا يستحقّ العتق بذلك إلاّ إن كانت مفسدةً لمنافع الرّقيق كلّها أو جلّها

حقوق الرّقيق على سيّده

24 - أوّلًا‏:‏ نفقة المملوكين واجبة على مالكيهم إجماعًا، لما ورد في ذلك من الأحاديث منها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏للمملوك طعامه وكسوته لا يكلّف من العمل إلاّ ما يطيق‏}‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمّن يملك قوته‏}‏‏.‏ ولأنّه لا بدّ له من نفقةٍ، ومنافعه لسيّده، وهو أخصّ النّاس به فوجبت عليه نفقته‏.‏ والواجب من ذلك قدر كفايته‏.‏ وسواء أكان الرّقيق موافقًا في الدّين لمالكه أو مخالفًا له‏.‏ والسّيّد مخيّر بين أن يجعل نفقته من كسبه إن كان له كسب، وبين أن يأخذ كسبه أو يجعله برسم خدمته وينفق السّيّد عليه من ماله‏;‏ لأنّ الكلّ ماله‏.‏ وإن كان للمملوك كسب أكثر من نفقته وجعل السّيّد نفقته في كسبه، فللسّيّد أخذ الزّائد عن نفقته، وإن كان كسبه لا يكفي لنفقته فعلى سيّده إتمامها‏.‏ وتسقط النّفقة بمضيّ الزّمان‏.‏ والواجب من الإطعام كفايته من غالب قوت البلد وأدم مثله بالمعروف‏.‏ والواجب من الكسوة المعروف من غالب الكسوة لأمثال المملوك في ذلك البلد الّذي هو فيه‏.‏ ويجب له الغطاء والوطاء والمسكن والماعون‏.‏ ولا يجوز الاقتصار في الكسوة على ما يستر العورة وإن كان لا يتأذّى بحرٍّ أو بردٍ‏.‏ فإن امتنع السّيّد من الإنفاق الواجب لعسره أو إبائه فطلب المملوك بيعه أجبر السّيّد على ذلك، وصرّح الشّافعيّة بأنّ القاضي يبيع مال السّيّد في نفقة رقيقه‏.‏ ولا يجب على السّيّد أن يسوّي بين عبيده في النّفقة، ولا بين الجواري، بل يستحبّ ذلك‏.‏ وإن كان بعضهنّ للاستمتاع فلا بأس أن يزيدها في النّفقة‏.‏ وهذا كلّه تفصيل الشّافعيّة والحنابلة في المسألة‏.‏ وقد صرّح الحنابلة بأنّه إذا مرض المملوك أو زمن أو عمي، وانقطع كسبه، فعلى سيّده الإنفاق عليه، والقيام به‏;‏ لأنّ نفقته تجب بالملك لا بالعمل، ولذا تجب مع الصّغر‏.‏ ولا تسقط نفقة الرّقيق بإباقه أو عصيانه أو حبسه أو نشوز الأمة‏.‏ ولو امتنع السّيّد عن الإنفاق فقدر العبد على أخذ قدر كفايته من مال سيّده فله ذلك‏.‏ ويلزم السّيّد نفقة تجهيز رقيقه إذا مات ودفنه‏.‏ وتستحبّ مداواه الرّقيق إذا مرض وما لزم من أجرة الطّبيب وثمن الدّواء فهو على السّيّد، ويجب ختان من لم يكن مختونًا منهم، وهذا عند من قال بوجوب الختان‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ ختان‏)‏

25 - ثانيًا‏:‏ ذهب الحنابلة إلى أنّه يجب على السّيّد إعفاف مماليكه ذكورًا كانوا أو إناثًا إذا طلبوا ذلك‏:‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم‏}‏ وقال ابن عبّاسٍ‏.‏ ‏"‏ من كانت له جارية فلم يزوّجها ولم يصبها، أو عبد فلم يزوّجه فما صنعا من شيءٍ كان على السّيّد فلولا وجوب إعفافهما لما لحق السّيّد إثم بفعلهما، ولأنّ النّكاح تدعو إليه الحاجة غالبًا ويتضرّر بفواته ويتعرّض بمنعه منه للفتنة، فأجبر السّيّد عليه كالنّفقة، ويكون الإعفاف للذّكر بتزويجه أو بتمليكه أمةً يتسرّاها على خلافٍ في جواز تسرّيه، يأتي بيانه، وللأنثى بتزويجها أو بوطء سيّدها لها بما يغنيها عن التّزويج‏;‏ لأنّ المقصود قضاء حاجتها ودفع شهوتها، فلم يتعيّن تزويجها‏.‏ وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيّده تمكينه من الاستمتاع بها ليلًا‏;‏ لأنّ وجوب الإعفاف يقتضي الإذن في الاستمتاع المعتاد‏.‏ فإن امتنع السّيّد من النّفقة الواجبة أو الإعفاف الواجب بما تقدّم، سواء لعجزه أو إبائه فطلب العبد أو الجارية أن يباع، وجب على السّيّد إجابته إلى ذلك لما تقدّم، ولحديث‏:‏ ‏{‏تقول المرأة‏:‏ إمّا أن تطعمني أو تطلّقني، ويقول العبد‏:‏ أطعمني واستعملني، ويقول الابن‏:‏ أطعمني إلى من تدعني وفي روايةٍ‏:‏ ويقول خادمك أطعمني وإلاّ فبعني‏}‏‏.‏ فإن لم يفعل باع الحاكم ماله في نفقته، فإن لم يجد له مالًا أمره ببيعه، أو يؤجّره أو يعتقه، فإن لم يفعل باعه الحاكم‏.‏ وإذا كان السّيّد يطأ جاريته فغاب غيبةً لا تقطع إلاّ بكلفةٍ ومشقّةٍ فطلبت التّزويج زوّجها الحاكم‏.‏ ولا يجب على الولد وغيره من أقارب الرّقيق إعفافه، بل الحقّ على السّيّد، والأصحّ للشّافعيّة عدم وجوب إعفاف السّيّد رقيقه‏.‏ ولم نجد للحنفيّة والمالكيّة كلامًا في هذه المسألة، ونسب صاحب المغني إليهما عدم الوجوب، لما فيه من الإضرار الماليّ بالسّيّد‏;‏ ولأنّ التّزويج ليس ممّا تقوم به البيّنة‏.‏

26 - ثالثًا‏:‏ إذا طلب الرّقيق العتق لم يلزم سيّده أن يعتقه، لكن إن طلب الكتابة، وهي العتق على مالٍ يؤدّيه لسيّده، وجب على سيّده أن يعاقده على ذلك عند بعض الفقهاء، منهم عكرمة وعطاء ومسروق وعمر وابن دينارٍ والضّحّاك، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وآتوهم من مال اللّه الّذي آتاكم‏}‏ وروي أنّ سيرين أبا محمّد بن سيرين سأل أنس بن مالكٍ وهو مولاه أن يكاتبه، فأبى أنس، فرفع عليه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الدّرّة وتلا‏:‏ ‏{‏فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا‏}‏ فكاتبه أنس‏.‏ وذهب أئمّة الأمصار إلى أنّ ذلك مندوب غير واجبٍ، قالوا‏:‏ لأنّها معاوضة فلا تصحّ إلاّ عن تراضٍ، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا يحلّ لامرئٍ من مال أخيه إلاّ ما طابت به نفسه‏}‏‏.‏ والمراد بالخير في الآية القوّة على الكسب والأداء، وقيل‏:‏ المراد الصّلاح والأمانة والدّين‏.‏ وينظر تفصيل الكلام في الكتابة وأحكام المكاتب تحت عنوان‏:‏ ‏(‏مكاتبة‏)‏

الإنفاق على زوجة الرّقيق وولده

27 - يجب على السّيّد أن ينفق على زوجة الرّقيق حرّةً كانت أو أمةً، ونفقة الجارية المزوّجة على زوجها إن كان حرًّا، وعلى سيّد زوجها إن كان رقيقًا ما كانت مع زوجها، وحيث عادت إلى سيّدها لخدمته ينفق عليها ما كانت عنده‏.‏ ونفقة أولاد الرّقيقة على سيّدها ولو كان أبوهم حرًّا‏;‏ لأنّهم يكونون رقيقًا للسّيّد تبعًا لأمّهم، ونفقة أولاد الحرّة من عبدٍ على من تجب عليهم نفقتهم من الأقارب‏;‏ لأنّهم لا يتبعون السّيّد، بل يكونون أحرارًا، ومن الأقارب الأمّ، على تفصيلٍ يرجع إليه في بحث‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

الرّفق بالرّقيق والإحسان إليه

28 - أمر اللّه تعالى بالإحسان إلى الرّقيق في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصّاحب بالجنب وابن السّبيل وما ملكت أيمانكم‏}‏‏.‏ قال القرطبيّ‏:‏ ندبهم إلى مكارم الأخلاق، وأرشدهم إلى الإحسان وإلى طريق التّواضع، حتّى لا يروا لأنفسهم مزيّةً على عبيدهم إذ الكلّ عبيد اللّه، والمال مال اللّه، لكن سخّر بعضهم لبعضٍ، وملك بعضهم بعضًا إتمامًا للنّعمة، وتنفيذًا للحكمة‏.‏ وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إنّ اللّه كتب الإحسان على كلّ شيءٍ‏}‏‏.‏ وورد في حديث حجّة الوداع أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أوصى بهم فقال‏:‏ ‏{‏أرقّاءكم أرقّاءكم‏}‏‏.‏ وفي حديثٍ‏:‏ قال‏:‏ كان آخر ما تكلّم به النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن قال‏:‏ ‏{‏الصّلاة الصّلاة‏.‏ اتّقوا اللّه فيما ملكت أيمانكم‏}‏‏.‏ وقد بيّنت شريعة الإسلام أنّ الرّقيق والأحرار إخوة، وأنّ الاختلاف بالحرّيّة والرّقّ لا يعني عدم قيام هذه الأخوّة، وأمّا جعل الرّقيق بيد سيّده، وتمليكه رقبته فهو نوع من الفتنة والابتلاء من اللّه تعالى، ليعلم من يقوم بحقّ ذلك، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات فممّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعضٍ‏}‏ أي أنتم بنو آدم‏.‏ وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إخوانكم خولكم جعلهم اللّه تحت أيديكم‏}‏ وروي أنّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏حسن الملكة يمن، وفي رواية‏:‏ نماء، وسوء الخلق شؤم‏}‏ أي إذا أحسن الصّنيع بالمماليك ومعاملتهم فإنّهم يحسنون خدمته، وذلك يؤدّي إلى اليمن والبركة، كما أنّ سوء الملكة يؤدّي إلى الشّؤم والهلكة‏.‏ والإحسان إلى الرّقيق يتضمّن بالإضافة إلى الالتزام بحقوقه الواجبة له كما تقدّم أمورًا، منها‏:‏

أ - ترك ظلمه والإساءة إليه‏:‏

29 - سواء كان ذلك بضربٍ، أو شتمٍ، أو تحقيرٍ كما تقدّم، فقد ورد عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ قال‏:‏ ‏{‏كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا‏:‏ اعلم أبا مسعودٍ - قال راوي الحديث‏:‏ مرّتين - للّه أقدر منك عليه فالتفتّ فإذا هو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول اللّه‏:‏ هو حرّ لوجه اللّه‏.‏ قال‏:‏ أما إنّك لو لم تفعل للفحتك النّار‏.‏ أو‏:‏ لمسّتك النّار‏}‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا يدخل الجنّة سيّئ الملكة‏}‏‏.‏

ب - الإحسان إلى العبد في الطّعام‏:‏

30 - ومن ذلك أن يجلسه معه ليأكل من طعامه إذا أحضره، فإن لم يجلسه معه استحبّ أن يناوله منه، فإن كان هو الّذي عالج الطّعام تأكّد الاستحباب، وقد ذهب الشّافعيّة في هذا الحال إلى الوجوب في قولٍ، وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏من كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يطعم وليلبسه ممّا يلبس‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إذا أتى أحدكم خادمه بطعامٍ فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلةً أو أكلتين، أو لقمةً أو لقمتين، فإنّه ولي حرّه وعلاجه‏}‏‏.‏ وفي روايةٍ ‏{‏إذا كفى أحدكم خادمه صنعة طعامه وكفاه حرّه ودخانه فليجلسه معه فليأكل، فإن أبى فليأخذ لقمةً فليروّغها ثمّ ليعطها إيّاه‏}‏‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ التّرويغ أن يرويها دسمًا‏.‏ قال‏:‏ وليكن ما يناوله لقمةً كبيرةً تسدّ مسدًّا، لا صغيرةً تهيّج الشّهوة ولا تقضي النّهمة‏.‏

ج - الإحسان إلى العبد في الملبس‏:‏

31 - ومن ذلك أن يجعل لباس عبده مثل ملابسه هو في الجودة، فيستحبّ ذلك للحديث السّابق، وفيه‏:‏ ‏{‏وليلبسه ممّا يلبس‏}‏‏.‏

د - أن يبيعه عند عدم الملاءمة‏:‏

32 - إذا ساء الأمر بين الرّقيق وسيّده ينبغي للسّيّد أن يبيعه لئلاّ يستمرّ أذاه‏.‏ قال ابن تيميّة‏:‏ لو لم تلائم أخلاق العبد أخلاق سيّده، لزمه إخراجه عن ملكه، لما في حديث أبي ذرٍّ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه ممّا تأكلون، واكسوه ممّا تلبسون، ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه، ولا تعذّبوا خلق اللّه‏}‏‏.‏ وجاء في المغني‏:‏ إن طلب الرّقيق البيع والسّيّد قد وفّى بحقوقه لم يجبر السّيّد عليه، نصّ عليه أحمد‏.‏ قال أبو داود‏:‏ قيل لأحمد‏:‏ استباعت المملوكة وهو يكسوها ممّا يلبس ويطعمها ممّا يأكل ‏؟‏ قال‏:‏ لا تباع وإن أكثرت من ذلك إلاّ أن تحتاج إلى زوجٍ فتقول‏:‏ زوّجني‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ بهذا قال عطاء وإسحاق في العبد يحسن إليه سيّده وهو يستبيع‏:‏ لا يبيعه، لأنّ الملك للسّيّد والحقّ له، فلا يجبر على إزالته من غير ضررٍ بالعبد، كما لا يجبر على طلاق امرأته مع القيام بما يجب لها، ولا على بيع بهيمته مع الإنفاق عليها‏.‏

هـ - أن يحسن اسمه‏:‏

33 - لما ورد في الحديث ‏{‏نهانا النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن نسمّي رقيقنا بأربعة أسماءٍ‏:‏ أفلح، ورباحٍ، ويسارٍ، ونافعٍ‏.‏‏.‏‏}‏ وأن يحسن في مخاطبته، ومن ذلك أن لا يكلّفه مناداته بنحو ‏"‏ ربّي ‏"‏ بل يقول‏:‏ سيّدي ‏"‏ ولا ينبغي أن يدعوه السّيّد بلفظ ‏"‏ يا عبدي ‏"‏ ‏"‏ ويا أمتي ‏"‏ بل يقول‏:‏ يا فتاي ويا فتاتي ‏"‏ ونحو ذلك، لما روى أبو هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏لا يقل أحدكم أطعم ربّك‏.‏ وضّئ ربّك‏.‏ وليقل‏:‏ سيّدي مولاي‏.‏ ولا يقل أحدكم‏:‏ عبدي، أمتي، وليقل‏:‏ غلامي وفتاي وفتاتي‏}‏‏.‏ رواه البخاريّ وبوّب له ‏"‏ باب كراهة التّطاول على الرّقيق ‏"‏، ورواه مسلم وزاد في آخره ‏{‏وجاريتي‏}‏ قال ابن حجرٍ‏:‏ أرشد صلى الله عليه وسلم إلى ما يؤدّي المعنى مع السّلامة من التّعاظم، لأنّ لفظ الفتى والغلام ليس دالًّا على محض الملك كدلالة العبد، فقد كثر استعمال الفتى في الحرّ، وكذلك الغلام والجارية‏.‏

و - أن يحسن أدبه وتعليمه‏:‏

34 - روى أبو موسى الأشعريّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏أيّما رجلٍ كانت عنده وليدة فعلّمها فأحسن تعليمها، وأدّبها فأحسن تأديبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها كان له أجران‏}‏

السّلطان ورعاية الرّقيق

35 - على السّلطان رعاية الرّقيق، ومن ذلك إذا كان السّيّد يلزم رقيقه بخراجٍ لا يطيقه، منعه السّلطان‏.‏ وكذلك إن كان يكلّفه بعملٍ لا يطيقه‏.‏ وقد تقدّم النّقل عن عمر رضي الله عنه أنّه كان يخرج كلّ سبتٍ إلى العوالي فإذا وجد عبدًا في عملٍ لا يطيقه وضع عنه‏.‏ ومن ذلك إذا عذّب السّيّد رقيقه، أو ارتكب في حقّه ما لا يحلّ له من مثلةٍ، أو جرحٍ أو قطعٍ، ألزمه بتحريره فيما يستحقّ فيه التّحرير، أو دعاه إلى ذلك إن لم يكن التّحرير واجبًا، كما تقدّم في مواضع من فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك‏.‏ وللسّلطان تعزير السّيّد في تلك الحال بقولٍ أو فعلٍ، على القاعدة في التّعزير‏.‏ وإذا قذف السّيّد عبده كان للعبد رفعه إلى الحاكم ليعزّره، قال النّوويّ‏:‏ هذا هو الصّحيح، وقيل‏:‏ ليس له طلب التّعزير من سيّده‏.‏ واذا كان السّيّد لا ينفق على عبيده، أو ينفق عليهم نفقةً لا تكفيهم ألزمه السّلطان بذلك، وكذا إذا أبى تزويجهم مع الحاجة إلى ذلك، وإن أمره السّلطان بتزويجهم فأبى، يزوّجهم السّلطان‏.‏

تصرّفات المالك في رقيقه

36 - الرّقيق من جملة مال السّيّد فله أن يتصرّف فيهم كما يتصرّف في سائر أمواله بالبيع والشّراء والإجارة والرّهن والهبة والإعارة، وله أن يجعل العبد أو الأمة ثمنًا في بيعٍ، أو عوضًا في الإجارة، أو مهرًا لزوجته، وغير ذلك من وجوه التّصرّف‏.‏ إلاّ أنّ التّصرّف في الرّقيق له خصوصيّات يقتضيها وضعه من حيث هو إنسان، ومن حيث هو مسلم، أو كافر، وغير ذلك‏.‏ وفيما يلي بعض هذه الخصوصيّات‏:‏ أوّلًا‏:‏ البيع‏:‏ بيع العبد بشرط العتق‏:‏

37 - استثناء من قاعدة فساد الشّرط الّذي ليس من مقتضى عقد البيع ولا مصلحته، فإنّ البائع إذا اشترط على المشتري أن يعتق الرّقيق الّذي باعه إيّاه، فالشّرط المذكور صحيح عند مالكٍ والشّافعيّة في القول المشهور، وفي روايةٍ عن أحمد، واحتجّ لهذا القول بأنّ ‏{‏عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة وشرط أهلها عليها عتقها وولاءها، فأنكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم شرط الولاء دون شرط العتق‏}‏‏.‏ ثمّ إن أعتقه المشتري فقد وفّى بما شرط عليه، وإن لم يعتقه فقيل‏:‏ يجبر عليه، وقيل‏:‏ لا يجبر، ولكن يكون للبائع الفسخ، كما لو شرط رهنًا فلم يسلّم له‏.‏ ومذهب أبي حنيفة أنّ البيع يكون فاسدًا، على أصله في فساد البيع بالشّرط، لكن إن أعتقه المشتري بعدما اشتراه بشرط العتق يصحّ البيع حتّى يجب عليه الثّمن عند أبي حنيفة، وقال صاحباه‏:‏ يبقى فاسدًا حتّى يجب عليه القيمة‏;‏ لأنّ البيع وقع فاسدًا، فلا ينقلب جائزًا‏.‏ وفي روايةٍ عن أحمد يصحّ البيع ويفسد الشّرط، وهو مقتضى ما نقل عن ابن أبي ليلى‏.‏

بيع العبيد أو شراؤهم سلمًا، أو في الذّمّة

38 - يجوز عند الجمهور بيع الرّقيق سلمًا لإمكان الضّبط بالأوصاف المشروطة في السّلم‏.‏ وذهب الحنفيّة والثّوريّ وهو رواية عن أحمد إلى أنّه لا يصحّ السّلم في الرّقيق‏;‏ لأنّه يختلف اختلافًا فاحشًا بالمعاني الباطنة، فلا يمكن ضبطه، فيفضي إلى المنازعة‏.‏

التّفريق في البيع بين الأقارب

39 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره للسّيّد في البيع أن يفرّق بين ذوي رحمٍ محرمٍ، كالتّفريق بين عبدٍ وأمّه، أو ابنه، أو بنته، أو عمّه، أو عمّته، أو خاله، أو خالته‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّه يحرم التّفريق المذكور بين ذوي الرّحم المحرم‏.‏ واحتجّ الفريقان بما روى أحمد من حديث عليٍّ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏أمرني النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما ففرّقت بينهما‏.‏ فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أدركهما فارتجعهما، ولا تبعهما إلاّ جميعًا‏}‏، وفي روايةٍ ‏{‏ردّه ردّه‏}‏‏.‏ وعن أبي موسى مرفوعًا ‏{‏لعن اللّه من فرّق بين الوالدة وولدها، والأخ وأخيه‏}‏‏.‏ قالوا‏:‏ والنّصّ وإن ورد في الوالدة وولدها والأخ وأخيه فيقاس عليهما سائر القرابات ذات المحرم من باب قياس الدّلالة‏.‏ ولأنّ الصّغير يستأنس بالصّغير والكبير، والكبير يتعاهده، وفي التّفريق قطع المرحمة على الصّغار، ولا يدخل في التّحريم أو الكراهة التّفريق بين الزّوجين‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يحرم من ذلك إلاّ التّفريق بين الأمّ وولدها لحديث ‏"‏ من فرّق بين الوالدة وولدها فرّق اللّه بينه وبين أحبّته يوم القيامة ‏"‏ وحديث ‏{‏لا تولّه والدة عن ولدها‏}‏‏.‏ والمحرّم عندهم التّفريق بمعاوضةٍ كالبيع وجعل أحدهما عوضًا في الإجارة وهبة الثّواب، وما بمعنى المعاوضة كالقسمة، لا في غير المعاوضة كالصّدقة والهبة المحضة‏.‏ والمشهور عندهم أنّ الحقّ للأمّ، فإن رضيت بالتّفريق جاز‏.‏ وسواء أختلف دين الأمّ وابنها، أم اتّفق‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يحرم التّفريق بين الوالدة وولدها بالبيع والقسمة والهبة ونحوها، ولا يحرم التّفريق في العتق والوصيّة‏.‏ قال القليوبيّ‏:‏ ويلحق بالأمّ الأب والجدّ والجدّة وإن علوا ولو من جهة الأمّ، ولا يحرم التّفريق بين بقيّة المحارم‏.‏ وفي قولٍ ذكره النّوويّ في الرّوضة في باب الجهاد‏:‏ لا يفرّق بين الصّغير وسائر المحارم‏.‏ هذا وإنّ حكم التّفريق المتقدّم يستمرّ عند الحنفيّة والحنابلة وفي قولٍ عند الشّافعيّة، ما دام كلاهما أو أحدهما دون البلوغ، وعند الشّافعيّة في الأظهر إلى سنّ التّمييز كسبعٍ أو ثمانٍ، فإن زاد كلاهما عن ذلك جاز، لما ورد ‏{‏أنّ سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أتى أبا بكرٍ رضي الله عنه بامرأةٍ وابنتها، فنفله أبو بكرٍ ابنتها، فاستوهبها النّبيّ صلى الله عليه وسلم فوهبها له‏}‏‏.‏ وما روي أنّه ‏{‏أهدى المقوقس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم مارية وأختها سيرين، فأعطى سيرين لحسّان بن ثابتٍ، وترك مارية لنفسه‏}‏‏.‏ ولأنّه بعد البلوغ يصير مستقلًّا بنفسه‏.‏ والعادة التّفريق بين الأحرار، فالمرأة تزوّج ابنتها‏.‏ وعند المالكيّة يستمرّ إلى أن يثغر الصّغير، أي تنبت أسنانه بعد سقوط الرّواضع، فإن أثغر جاز التّفريق لاستغنائه عن أمّه في أكله وشربه ومنامه وقيامه‏.‏

حكم البيع الّذي حصل به التّفريق

40 - البيع الّذي فرّق به بين الأمّ وولدها أو غيره من التّفريق المحرّم، على الخلاف السّابق، إذا وقع يكون فاسدًا عند الجمهور، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ حين فرّق بين أخوين بالبيع‏:‏ ‏{‏اذهب فارتجعهما‏}‏ وإنّما يجب الارتجاع في البيع الفاسد‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ لا يفسد، لأنّ النّهي في أمرٍ خارجٍ عن صلب العقد وشرائطه، فيكره العقد عندهم ويصحّ‏.‏

ردّ الرّقيق في البيع بالعيب

41 - العيوب هي النّقائص الموجبة لنقص الماليّة في عادات التّجّار، والمرجع في ما أشكل منه عرف أهله، ويردّ الرّقيق بعيوبٍ معيّنةٍ إذا لم تكن معلومةً عند العقد، وينظر تفصيل ذلك في المطوّلات‏.‏

حكم مال الرّقيق إذا بيع

42 - ذهب جمهور الفقهاء، إلى أنّه إذا بيع الرّقيق وله مال ملّكه إيّاه مولاه أو خصّه به، ولم يشترط في عقد البيع أنّ المال للمشتري، فإنّه يكون للبائع، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏من ابتاع عبدًا وله مال فماله للّذي باعه إلاّ أن يشترط المبتاع‏}‏ ولأنّ العبد وماله للسّيّد، فإذا باع العبد اختصّ البيع به دون ماله، كما لو كان له عبدان، فباع أحدهما لم يتناول البيع العبد الثّاني‏.‏ ثمّ ذهب الحنابلة في قولٍ، والشّافعيّة في خلاف الأظهر عندهم‏:‏ إلى أنّه إن اشترط المشتري مال العبد صحّ، ويكون المال له، لما في الحديث السّابق الذّكر، ولا يصحّ ذلك إلاّ إن كان مقصوده شراء العبد والرّغبة فيه، وأنّ المال تبع، وإنّما قصد بقاء المال للعبد وإقراره في يده، وحينئذٍ يغتفر في المال الجهالة، ويغتفر كونه من جنس الثّمن ولو كان أكثر من الثّمن‏;‏ لأنّ الشّيء قد يصحّ تبعًا ولو كان لا يصحّ استقلالًا، كالتّمويه بالذّهب في سقف بيتٍ بيع بذهبٍ‏.‏ فإن كان المال هو المقصود اشترط العلم به، وسائر شروط البيع‏.‏ ومذهب الشّافعيّة في الأظهر أنّه لا يصحّ للمشتري أن يشترط مال العبد إلاّ أن تتحقّق شروط البيع‏;‏ لأنّه مبيع آخر، فاشترط فيه ما يشترط في سائر المبيعات‏.‏ وهذا كلّه يجري أيضًا في حليّ الجارية الّتي تلبسها، وما قد يكون عليها أو على العبد من الثّياب الّتي تراد للجمال‏.‏ أمّا الثّياب المعتادة ممّا كان يلبسه عند البائع للبذلة والخدمة فهو للمشتري عند الحنابلة‏.‏ وقال الشّافعيّة في الأصحّ‏:‏ لا يدخل في البيع شيء من الثّياب إلاّ بالشّرط‏.‏

رهن الرّقيق

43 - يجوز لسيّد الرّقيق ارتهانه بحقٍّ عليه، ذكرًا كان الرّقيق أو أنثى‏.‏ ولو كان لها ولد فيجوز رهنها دون ولدها، أو معه‏;‏ لأنّ الرّهن لا يزيل الملك، فإن دعت الحاجة إلى بيعها في الدّين بيع ولدها معها‏;‏ لأنّ التّفريق بينهما حرام كما تقدّم، فإذا بيعا تعلّق حقّ المرتهن بما يخصّ الأمّ من الثّمن‏.‏ - وليس للرّاهن أن يتصرّف في المرهون بغير إذن المرتهن، كالبيع، أو الإجارة، أو الهبة، أو الوقف، أو الرّهن‏.‏ وإن تصرّف يكون تصرّفه باطلًا‏.‏ وكذلك العتق، فليس للرّاهن عتق العبد المرهون‏;‏ لأنّه يبطل الوثيقة منه، لكن إن أعتقه نفذ العتق إن كان الرّاهن موسرًا، وهو قول عامّة العلماء، وخالف عطاء والبتّيّ وأبو ثورٍ والشّافعيّ في أحد أقواله الثّلاثة، فقالوا‏:‏ لا ينفذ العتق ولو كان الرّاهن موسرًا‏.‏ وعند من قال بنفاذه يؤخذ من الرّاهن قيمته فتكون رهنًا مكانه‏.‏ وأمّا المعسر فينفذ عتقه أيضًا عند الحنفيّة، وفي قولٍ للشّافعيّ، وروايةٍ عن أحمد، ثمّ قال الشّافعيّ وأحمد‏:‏ إن أيسر قبل حلول الحقّ أخذت منه القيمة فجعلت رهنًا، وإن أيسر بعد حلوله طولب بأصل الدّين‏.‏ قال أبو حنيفة‏:‏ يستسعى العبد المعتق في قيمته، فإذا أدّاها جعلت رهنًا، ويرجع العتيق على الرّاهن‏.‏ وقال مالك وهو قول للشّافعيّ - قال النّوويّ‏:‏ هو الأظهر - ورواية أخرى عن أحمد‏:‏ لا ينفذ عتق المعسر‏;‏ لأنّه بالعتق يسقط حقّ المرتهن من الوثيقة ومن بدلها، فيمتنع نفاذه لما فيه من الإضرار بالمرتهن‏.‏ وأضاف المالكيّة‏:‏ فإن أيسر في الأجل أخذ من الرّاهن الدّين ونفذ العتق، وإلاّ بيع من العبد مقدار ما يفي بالدّين، فإن تعذّر بيع بعضه بيع كلّه والباقي للرّاهن‏.‏ وفي رهن الرّقيق تفصيل وتفريع ينظر في مواطنه‏.‏

الإيصاء بالرّقيق، أو بمنافعه

44 - تجوز الوصيّة بالرّقيق، وتنطبق عليه أحكام الوصيّة ‏(‏ر‏:‏ وصيّة‏)‏‏.‏ ويجوز عند عامّة العلماء أن يوصي بمنافع الرّقيق، سواء وصّى بذلك في مدّةٍ معلومةٍ، أو في الزّمان كلّه‏.‏ وذلك لأنّه يصحّ تمليك المنفعة بعقد المعاوضة، فيصحّ بالوصيّة، كالأعيان‏.‏ وإذا أطلق كان ذلك على التّأبيد‏.‏ وإن خصّ نوعًا من المنافع اختصّ بها وحده، كالخدمة، أو الكتابة‏.‏ ونقل عن ابن أبي ليلى القول بامتناع ذلك، لأنّ المنفعة معدومة حين الإيصاء، والوصيّة بالمنفعة تمليك للمنافع بعد الموت وليست مجرّد تمليك انتفاعٍ‏.‏ فإن مات الموصى له انتقل الحقّ فيها للوارث، ويعتبر خروج المنفعة من الثّلث‏.‏ ويجوز أن يوصي لرجلٍ برقبة العبد، ولآخر بنفعه‏.‏ ونفقة العبد الموصى بنفعه في الأظهر عند الشّافعيّة وهو قول للحنابلة‏:‏ تكون على مالك الرّقبة، قياسًا على العبد الّذي لا منفعة فيه، وعلى العبد المستأجر‏;‏ ولأنّ فطرته على مالكه فالنّفقة عليه‏.‏ والأصحّ عند الحنابلة وهو قول للشّافعيّة‏:‏ أنّ نفقته على مالك المنفعة، قياسًا على الأمة المزوّجة، فإنّ نفقتها على الزّوج لا على السّيّد، ولأنّ النّفع له، فكان الضّرر عليه، وإلاّ كان ضرارًا وفي الحديث ‏{‏الخراج بالضّمان‏}‏‏.‏ وهذا عند الشّافعيّة كلّه في نفقة الموصى بنفعه على التّأبيد، أمّا إن كان لمدّةٍ معلومةٍ فنفقته على الوارث قولًا واحدًا، قال النّوويّ‏:‏ قياسًا على المستأجر‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ إن كان الموصى بنفعه لا يطيق الخدمة لصغرٍ أو مرضٍ فنفقته على مالك الرّقبة إلى أن يدرك الخدمة، فإذا أدركها كانت نفقته على الموصى له بالخدمة‏.‏

التّصرّف في الرّقيق الموصى بنفعه

45 - اختلف الشّافعيّة والحنابلة في بيع الرّقيق الموصى بنفعه على ثلاثة أقوالٍ في كلٍّ من المذهبين‏:‏ فقيل‏:‏ لمالك الرّقبة التّصرّف فيها بالبيع، فإن بيع بقي حقّ الموصى له في المنفعة‏.‏ فيباع مسلوب المنفعة إلى نهاية المدّة الموصى بها، ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه، وسواء بيع من مالك المنفعة أو من غيره، لأنّ ملك الرّقبة يقتضي جواز البيع‏;‏ ولأنّ مشتريه يمكن أن يعتقه فيحصل له أجره وولاؤه‏.‏ وقيل‏:‏ لا يجوز بيعه من مالك منفعته‏;‏ لأنّ ما لا نفع فيه لا يصحّ بيعه كالحشرات، وقيل‏:‏ يجوز بيعه من مالك منفعته دون غيره‏;‏ لأنّ مالك منفعته يجتمع له الرّقبة والمنفعة، فينتفع بذلك، بخلاف غيره‏.‏

46 - ولمالك الرّقبة أن يعتق الرّقيق الموصى بنفعه، وتبقى المنفعة لمن أوصي له بها، ولا يرجع الرّقيق على معتقه بشيءٍ، وفي قولٍ عند الشّافعيّة‏:‏ تبطل الوصيّة‏.‏ وفي رجوع الموصى له على المعتق بقيمة المنافع وجهان‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ لعلّ أصحّهما الرّجوع‏.‏ وصرّح الشّافعيّة بأنّ إعتاق الموصى بنفعه عن الكفّارة لا يجزئ‏.‏

47 - وأمّا التّصرّف في منفعة العبد الموصى بنفعه فهو للموصى له بها، فله أن يؤجّر العبد المدّة الّتي أوصي له بالنّفع فيها، وله أن يهبها، وذلك لأنّه ملك المنفعة بوجهٍ صحيحٍ ملكًا تامًّا، فله التّصرّف فيها كما لو ملكها بالإجارة‏.‏ وهذا مذهب الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وذهب الحنفيّة، إلى أنّه لا يجوز للموصى له إجارة تلك المنفعة‏;‏ لأنّها ليست بمالٍ على أصل الحنفيّة، فإذا ملكها بعوضٍ كان مملّكًا أكثر ممّا ملكه، وذلك لا يجوز‏.‏ وللموصى له أن يثبت يده على العبد الموصى بنفعه له، وله منافعه، وأكسابه المعتادة، وأجرة الحرفة‏.‏ وذهب الحنابلة وهو أحد قولين للشّافعيّة‏:‏ إلى أنّه ليس للوارث ولا للموصى له بنفعها الوطء‏;‏ لأنّ الوارث لا يملك نفعها ملكًا تامًّا يحلّ له به الوطء، والموصى له ليست هي من ملك يمينه حتّى يجوز له الوطء‏.‏ وليس لأحدٍ منهما تزويجها إلاّ برضا الآخر‏.‏ لكن إن احتاجت إلى التّزويج وطلبته وجب تزويجها، ويتولّى تزويجها مالك الرّقبة‏.‏ وصرّح الحنفيّة بأنّه إذا مات الموصى له بنفع العبد في حياة الموصي بطلت الوصيّة، وإذا مات بعد وفاته يعود العبد إلى ورثة الموصي بحكم ملكهم للرّقبة‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ الموصي أوجب الحقّ للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، ولو انتقل إلى وارث الموصى له استحقّها ابتداءً من ملك الموصي من غير رضاه وذلك لا يجوز‏.‏ وقال المالكيّة في الحالة الثّانية‏:‏ بل تكون منافعه لورثة الموصى له إن لم يكن حدّد الوصيّة بزمنٍ، وإن كان حدّدها بزمنٍ فيكون كالعبد المستأجر يورث ما بقي من زمان الإجارة ويؤاجر فيها‏.‏

الرّقيق والتّكاليف الشّرعيّة، وأحكام التّصرّفات

48 - الأصل في الرّقيق أنّه مكلّف كسائر المكلّفين متى كان بالغًا عاقلًا، رجلًا كان أو امرأةً، ولذا فهو مجزيّ على أعماله خيرها وشرّها في الآخرة، ويؤاخذ بها في الدّنيا‏.‏ قال الشّيخ عميرة البرلّسيّ‏:‏ الرّقيق يشبه الحرّ في التّكاليف وكثيرٍ من الأحكام، كإيجاب القصاص، والفطرة، والتّحليف، والحدود، ووجوب الكفّارة في قتله‏.‏

وتنبني غالب أحكام أفعال الرّقيق على الأصول التّالية‏:‏

الأصل الأوّل‏:‏ أهليّة الرّقيق‏:‏

48 - عرض الأصوليّون من الحنفيّة لأهليّة الرّقيق، فبيّنوا أنّ الرّقّ عارض على الأهليّة ينقصها، فالرّقيق من بعض الجهات هو على أصل الحرّيّة، فتصحّ أقاريره بالحدود والقصاص، وله التّزوّج بإذن سيّده، وإنّما احتاج فيه للإذن لأنّه يجب به المال في الذّمّة، وهو أهل للتّصرّف لأنّ التّصرّف هو بصحّة العقل والذّمّة‏.‏ أمّا العقل فهو لا يختلّ بالرّقّ، ولذا كانت رواية الرّقيق صحيحةً ملزمةً للعمل، ولو لم يكن كلامه معتبرًا لم تعتبر روايته، وأمّا الذّمّة فإنّما تكون بأهليّة الإيجاب عليه والاستحباب له، ولتحقّقهما خوطب بحقوق اللّه تعالى من الصّلاة والصّوم والكفّ عن المحرّمات، وتجب له النّفقة على سيّده، وإنّما حجر عليه التّصرّف لمانعٍ هو المحافظة على حقّ السّيّد، وسقط عنه بعض الواجبات كالجمعة والعيدين والحجّ والجهاد، محافظةً على حقّ السّيّد في منافع العبد‏;‏ لأنّ الرّقّ يمنع كون الرّقيق مالكًا لمنافع نفسه، كما أنّه هو بذاته مملوك للسّيّد‏.‏ فإذن السّيّد له في التّصرّف رفع للمانع، لا إثبات للأهليّة، وعند الشّافعيّة الرّقيق غير أهلٍ للتّصرّف، فإن أذن له سيّده تثبت الأهليّة‏.‏ والرّقّ يمنع الولايات، فلا تصحّ الشّهادة منه على أحدٍ، ولا قضاؤه، ولا تحكيمه، ولا إمارته، والرّقّ ينقص الذّمّة، ومن هنا تضمّ رقبته إلى ذمّته، في مثل غرامات الجنايات، فتباع رقبته فيها، إلاّ أن يفديه المولى‏.‏

الأصل الثّاني‏:‏ هل يملك الرّقيق المال أم لا يملك ‏؟‏

49 - إذا لم يملّك السّيّد عبده المال فلا يملكه اتّفاقًا‏.‏ وذلك لأنّ سيّده يملك عينه ومنافعه، فما حصل بسبب ذلك يجب أن يكون لسيّده لأنّه ثمرة ملكه، كثمرة شجرته، فأمّا إن ملّكه سيّده مالًا، فقد اختلف الأئمّة في ذلك‏:‏ فذهب أبو حنيفة والثّوريّ وإسحاق والشّافعيّ في الجديد، وهو رواية عن أحمد، إلى أنّه لا يملكه بحالٍ، لأنّه مملوك فلا يملك‏;‏ ولأنّه لا يتصوّر اجتماع ملكين على الحقيقة والكمال في مالٍ واحدٍ‏.‏ وذهب مالك والشّافعيّ في القديم وأحمد في الرّواية الأخرى - ورجّحها ابن قدامة - إلى أنّه يملك إذا ملّكه سيّده‏;‏ لأنّه آدميّ حيّ حجر عليه لحقّ سيّده، فإن أذن له في التّملّك ملك، لثبوت المقتضي وهو الآدميّة مع الحياة وزوال المانع، وقياسًا على ملكه للنّكاح بإذن سيّده‏;‏ ولأنّه بالآدميّة يتمهّد للملك‏;‏ لأنّ اللّه تعالى خلق المال لبني آدم ليستعينوا به على القيام بوظائف العبادات، وأحكام التّكاليف، والرّقيق آدميّ فتمهّد للملك، وصلح له، كما تمهّد للتّكليف والعبادة‏.‏ وصرّح الشّافعيّة بأنّه لو ملّكه غير سيّده مالًا لا يملك، وعلى القول بأنّه يملك فللسّيّد الرّجوع في المال الّذي ملّكه إيّاه متى شاء السّيّد، وليس للعبد التّصرّف فيما ملّكه إيّاه سيّده إلاّ بإذن السّيّد‏.‏

50 - وإذا مات الرّقيق المملّك ارتفع ملكه عن المال، ولا يورث عنه، بل يكون لسيّده‏.‏ وإذا أتلف إنسان المال الّذي ملّكه السّيّد لرقيقه ينقطع ملك العبد عنه ويكون للسّيّد، والمطالبة له دون العبد‏.‏ وتنبني على قاعدة الملك هذه فروع كثيرة من أحكام الرّقيق منها‏:‏ أنّه هل عليه زكاة، وهل يضحّي، وهل يكفّر بالإطعام، وهل يتسرّى ‏؟‏ وغير ذلك ممّا يأتي بيانه‏.‏

الأصل الثّالث‏:‏ الأموال المتعلّقة بالرّقيق‏:‏ قسّم السّيوطيّ من الشّافعيّة الأموال المتعلّقة بالرّقيق أربعة أقسامٍ‏:‏

51 - الأوّل‏:‏ ما يتعلّق برقبة العبد، فيباع فيه، وهو أرش جناياته وبدل ما يتلفه، سواء كان فعله بإذن السّيّد أم لا، لوجوبه بغير رضا المستحقّ، وهذا إن كان فعله معتبرًا بأن كان عاقلًا مميّزًا، فلو كان صغيرًا غير مميّزٍ أو مجنونًا، فلا يتعلّق برقبته ضمان على الأصحّ‏.‏

52 - القسم الثّاني‏:‏ ما يتعلّق بذمّته، فلا يباع فيه، ولا يلزم السّيّد أداؤه، بل يطالب به متى عتق، وهو ما وجب برضا المستحقّ كبدل المبيع والقرض إذا أتلفهما‏.‏ ولو نكح بغير إذن سيّده ووطئ تعلّق مهر المثل بذمّته، لكونه وجب برضا المستحقّ، وقيل برقبته‏;‏ لأنّه إتلاف، ولو أفطرت الجارية في رمضان لحملٍ أو رضاعٍ خوفًا على الولد فالفدية في ذمّتها‏.‏

53 - القسم الثّالث‏:‏ ما يتعلّق بكسب العبد، وهو ما ثبت برضا العبد والسّيّد، وهو المهر والنّفقة، إذا أذن له سيّده في النّكاح فنكح، وهو كسوب، أو مأذون له في التّجارة، أو ضمن بإذن السّيّد، أو لزمه دين تجارةٍ‏.‏ والمعتبر ما وقع من ذلك بعد الإذن لا قبله‏.‏ وحيث لم يوف في هذه الصّور، يتعلّق الفاضل بذمّته، ولا يتعلّق بكسبه‏.‏ وفي وجهٍ‏:‏ أنّ المال في الضّمان متعلّق بذمّته وفي وجهٍ آخر‏:‏ برقبته‏.‏

54 - القسم الرّابع‏:‏ ما يتعلّق بالسّيّد، وهو ما يتلفه العبد المجنون، والصّغير غير المميّز، كما تقدّم‏.‏

أحكام أفعال الرّقيق

أوّلًا‏:‏ عبادات الرّقيق‏:‏ الأصل في الرّقيق أنّه في العبادات كالحرّ سواء، ويختلف عنه في أمورٍ منها‏:‏

55 - أ - عورة المملوكة في الصّلاة - وفي خارجها أيضًا - أخفّ من عورة الحرّة، فهي عند المالكيّة وفي الأصحّ عند الشّافعيّة، من السّرّة إلى الرّكبة، واستدلّوا بحديث أبي داود مرفوعًا‏:‏ ‏{‏إذا زوّج أحدكم خادمه عبده أو أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السّرّة وفوق الرّكبة‏}‏‏.‏ ويزيد الحنفيّة‏:‏ البطن والظّهر، وفي كلامهم ما يفيد أنّ أعلى صدرها ليس بعورةٍ، ثمّ قال المالكيّة‏:‏ لا تطالب الأمة بتغطية رأسها في الصّلاة لا وجوبًا ولا ندبًا بل هو جائز‏.‏ وظاهر كلامهم أنّ الأمة إن صلّت مكشوفة شيءٍ ممّا عدا العورة المذكورة أعلاه لا إعادة عليها، وصرّحوا بأنّها لو صلّت مكشوفة الفخذ أعادت‏.‏ وعند الحنابلة يستحبّ للأمة أن تستتر في الصّلاة كستر الحرّة احتياطًا‏.‏

ب - الأذان، والإقامة، والإمامة‏:‏

56 - يجوز أن يكون المؤذّن والمقيم عبدًا عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ ثمّ قال الحنابلة‏:‏ إنّ عليه أن يستأذن سيّده‏.‏ وذكر ابن هبيرة أنّه يستحبّ أن يكون المؤذّن حرًّا‏.‏ 57 - وإمامة العبد أيضًا جائزة للأحرار والعبيد على السّواء‏.‏ وهذا قول الجمهور‏.‏ وقال مالك‏:‏ لا يكون العبد إمامًا في مساجد القبائل، ولا مساجد الجماعة، ولا الأعياد، ولا يصلّي بالقوم الجمعة، ولا بأس أن يؤمّ في السّفر إن كان أقرأهم من غير أن يتّخذ إمامًا راتبًا، ولا بأس أن يؤمّ في رمضان في النّافلة‏.‏ واحتجّ الجمهور بما روي عن سعيدٍ مولى أبي أسيدٍ قال‏:‏ تزوّجت وأنا عبد، فدعوت نفرًا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأجابوني، فكان فيهم أبو ذرٍّ وابن مسعودٍ وحذيفة، فحضرت الصّلاة‏.‏‏.‏‏.‏ إلى أن قال‏:‏ فقدّموني وأنا عبد فصلّيت بهم‏.‏ ثمّ قال الحنفيّة‏:‏ يكره تنزيهًا تقديم العبد للإمامة‏.‏ قالوا‏:‏ ولو اجتمع الحرّ والمعتق، فالحرّ الأصليّ أولى‏.‏ ثمّ قال الحنابلة‏:‏ الحرّ أولى من العبد ما لم يكن العبد إمام المسجد فالحقّ له في التّقدّم، وكذا لو كانت الصّلاة ببيته فهو أولى من غيره بالإمامة ما عدا سيّده‏.‏

ج - صلاة الجمعة والجماعة‏:‏

58 - صلاة الجمعة واجبة على الأحرار اتّفاقًا‏.‏ وصلاة الجماعة سنّة مؤكّدة إلاّ عند الحنابلة‏.‏ فقد قيل - وهو الأصحّ عندهم‏:‏ إنّها واجبة، وقيل‏:‏ شرط‏.‏ ولا تجب الجمعة على العبيد عند الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة، وهي رواية عن أحمد، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما رواه طارق بن شهابٍ‏:‏ ‏{‏الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلمٍ إلاّ أربعةً‏:‏ عبد مملوك، أو امرأة، أو صبيّ، أو مريض‏}‏، وروي نحوه مرفوعًا من حديث جابرٍ وتميمٍ الدّاريّ، ولأنّ الجمعة يجب السّعي إليها ولو من مكان بعيدٍ فلم تجب على العبد كالحجّ والجهاد، ولأنّ منفعته مملوكة محبوسة على السّيّد فأشبه المحبوس في الدّين، ولأنّها لو وجبت عليه لجاز له المضيّ إليها من غير إذن السّيّد، ولم يكن لسيّده منعه منها كسائر الفرائض‏.‏ وذهب الحنابلة في الرّواية الأخرى إلى أنّها تجب على العبد، ولكن لا يذهب إليها إلاّ بإذن سيّده، فإن منعه سيّده تركها‏.‏ وحكي عن الحسن وقتادة أنّ العبد إن كان عليه ضريبة معلومة يؤدّيها إلى سيّده تجب عليه الجمعة‏;‏ لأنّ حقّ سيّده عليه تحوّل إلى المال، فإن لم يكن كذلك لم تجب عليه‏.‏ وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يندب للعبد حضور الجمعة بإذن السّيّد‏.‏ واختلف قول الحنفيّة، فقال بعضهم‏:‏ إن أذن له السّيّد وجب عليه الحضور‏.‏ وقيل‏:‏ لا‏;‏ لأنّ لها بدلًا وهو الظّهر، بخلاف صلاة العيد، فتجب‏;‏ لأنّها لا بدل لها‏.‏ وصرّح الشّافعيّة بأنّ العبد لو حضر الجمعة بدون إذن السّيّد أجزأت عنه‏.‏ ثمّ قال الشّافعيّة‏:‏ لا تنعقد الجمعة بالعبد، أي في إتمام العدد اللّازم لانعقاد الجمعة‏.‏

د - الرّقيق والزّكاة‏:‏

59 - لا زكاة على الرّقيق فيما عنده من المال، لأنّه غير تامّ الملك‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في ذلك خلافًا إلاّ ما ورد عن عطاءٍ وأبي ثورٍ، من أنّ على العبد زكاة ماله‏.‏

60 - ثمّ اختلف الفقهاء في أنّه هل يجب على السّيّد زكاة مال العبد أم لا‏.‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في قولٍ، وهو رواية عن أحمد عليها المذهب، وسفيان وإسحاق‏:‏ إلى أنّه يجب على السّيّد أن يزكّي المال الّذي بيد عبده‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ العبد لا يملك ولو ملّكه سيّده‏.‏ فما بيده من المال مملوك على الحقيقة والكمال للسّيّد فتجب عليه زكاته‏.‏ وذهب مالك وأبو عبيدٍ وهو قول للشّافعيّة ورواية عن أحمد‏:‏ إلى أنّه لا زكاة في مال الرّقيق ولا على سيّده‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ وهذا مرويّ أيضًا عن ابن عمر وجابرٍ والزّهريّ وقتادة‏.‏ ووجهه أنّ الرّقيق آدميّ يملك، كما تقدّم، فلا تجب على السّيّد زكاة ماله‏;‏ لأنّ المال للعبد وليس للسّيّد، ولا تجب على العبد‏;‏ لأنّ ملكه لماله ناقص، إذ يستطيع السّيّد انتزاع مال رقيقه متى شاء، والزّكاة لا تجب إلاّ فيما هو مملوك ملكًا تامًّا‏;‏ ولأنّه لا يملك تمام التّصرّف في ذلك المال‏.‏

هـ - زكاة الفطر في الرّقيق‏:‏

61 - تجب زكاة الفطر إجماعًا في الرّقيق من حيث الجملة، لحديث ابن عمر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏{‏فرض زكاة الفطر من رمضان على النّاس، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على كلّ حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ وأنثى، من المسلمين‏}‏‏.‏ والمطالب بالزّكاة هو السّيّد، وليس الرّقيق نفسه‏.‏ فليس على الرّقيق فطرة نفسه‏.‏ وصرّح الحنابلة، بأنّ العبد لو أخرج الزّكاة عن نفسه بغير إذن سيّده لم يجزئه‏;‏ لأنّه تصرّف في مال سيّده بغير إذنه‏.‏

و - تطوّعات الرّقيق‏:‏

62 - ليس للسّيّد منع رقيقه من صلاة النّفل والرّواتب في غير وقت الخدمة، ولا من صوم التّطوّع، أو الذّكر، أو قراءة القرآن، إذ لا ضرر على السّيّد في ذلك، إلاّ أن يضعفهم ذلك عن العمل والخدمة‏.‏ واستثنى المالكيّة من هذا السّرّيّة الّتي يحتاج إليها سيّدها‏.‏

ز - صوم الرّقيق‏:‏

63 - يجب على الرّقيق صوم رمضان، كالأحرار، اتّفاقًا، وليس للسّيّد منعه‏;‏ لأنّه يجب على الفور‏.‏ ونصّ المالكيّة على أنّ قضاء رمضان كذلك‏.‏ وأمّا الصّوم الّذي وجب بالنّذر فقد قال الحنفيّة‏:‏ لا يصوم العبد غير فرضٍ إلاّ بإذن السّيّد، ولا فرضًا وجب بإيجاب العبد على نفسه‏.‏ 64 - وأمّا صوم التّطوّع، فإن كان في وقتٍ لا يضرّ بالسّيّد فليس له المنع، ‏"‏ وإن كان يضرّ به فله المنع‏.‏ واستثنى المالكيّة السّرّيّة الّتي يحتاج إليها سيّدها، فلا تصوم تطوّعًا إلاّ بإذنه، قياسًا على الزّوجة‏.‏

ح - ‏(‏اعتكاف الرّقيق‏)‏‏:‏

65 - يصحّ اعتكاف الرّقيق، ولا يجوز اعتكافه إلاّ بإذن السّيّد عند الجمهور ‏(‏الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏)‏ لأنّ منافعه مملوكة للسّيّد، والاعتكاف يفوّتها ويمنع استيفاءها، وليس بواجبٍ بالشّرع، فإن اعتكف بغير إذنه فقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ للسّيّد إخراجه من اعتكافه‏.‏ وإن أذن له ثمّ أراد إخراجه، فإن كان تطوّعًا فله إخراجه‏;‏ لأنّه لا يلزم بالشّروع، وإن كان واجبًا فحكمه حكم النّذر على ما يأتي‏.‏

ط - حجّ الرّقيق‏:‏

66 - لا يجب الحجّ على الرّقيق‏.‏ فإن حجّ في رقّه فحجّته تطوّع‏.‏ فإن عتق فعليه أن يحجّ حجّة الإسلام إجماعًا، إذا تمّت شرائط الوجوب، لقول ابن عبّاسٍ‏:‏ يا أيّها النّاس، أسمعوني ما تقولون، ولا تخرجوا تقولون‏:‏ قال ابن عبّاسٍ، ‏"‏ أيّما غلامٍ حجّ به أهله فمات فقد قضى حجّة الإسلام، فإن أدرك فعليه الحجّ، وأيّما عبدٍ حجّ به أهله فمات، فقد قضى حجّة الإسلام، فإن أعتق فعليه الحجّ‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ الفرق بين الحجّ وبين الصّلاة والصّوم من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ كونه لا يتأتّى إلاّ بالمال غالبًا، بخلافهما، ولا ملك للعبد، فلم يكن أهلًا للوجوب‏.‏ والثّاني‏:‏ أنّ حقّ المولى يفوت في مدّةٍ طويلةٍ، وحقّ العبد مقدّم بإذن الشّرع لافتقار العبد وغنى اللّه تعالى، بخلاف الصّلاة والصّوم فإنّه لا يحرج المولى في استثناء مدّتهما‏.‏ ولا يحرم العبد بالحجّ إلاّ بإذن سيّده، فإن فعل انعقد إحرامه صحيحًا، لكن يكون لسيّده تحليله من إحرامه‏;‏ لأنّ في بقائه على الإحرام تفويتًا لحقّه من منافعه بغير إذنه‏.‏ فإن حلّله يكون حكمه حكم المحصر‏.‏ أمّا إن أحرم بإذنه فليس له تحليله عند مالكٍ والشّافعيّ وأحمد، وقال أبو حنيفة‏:‏ له ذلك‏.‏ فإن عتق العبد وكان بعرفة غير محرمٍ، ثمّ أحرم وحجّ أجزأه عن حجّة الإسلام‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في ذلك خلافًا‏.‏ وإن أحرم بالحجّ بإذن سيّده ثمّ عتق بعرفة أو قبلها وأتمّ مناسكه أجزأه عن حجّة الإسلام‏;‏ لكونه أتى بأركان الحجّ كلّها‏.‏ وهذا عند الشّافعيّ وأحمد، ويجب عليه إعادة السّعي إن كان قد سعى بعد طواف القدوم‏.‏ وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ لا يجزئهما عن حجّة الإسلام‏.‏ وحكمه في حال إتيانه شيئًا من محظورات الإحرام كحكمه في الكفّارات كما تقدّم، فيفدي بالصّوم لا غير، ويصوم عن الهدي الواجب، وفي دم الإحصار خلاف‏.‏