فصل: صلاة الجماعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


جلوس

التّعريف

1 - الجلوس في اللّغة من جلس، يجلِس بالكسر جلوساً، والمجلس بكسر اللّام موضع الجلوس، وبفتحها المصدر‏.‏ والجَلسة بالفتح للمرّة، وبالكسر للهيئة الّتي يكون عليها الجالس كجلسة الاستراحة والتّشهّد، وجلسة الفصل بين السّجدتين، لأنّها نوع من أنواع الجلوس‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة ‏(‏جلوس‏)‏ عن هذا المعنى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القعود‏:‏

2 - القعود مصدر قعد يقعد، والقعدة بالفتح للمرّة، وبالكسر للهيئة نحو‏:‏ قعد قعدة المصلّي‏.‏ والفرق بين الجلوس والقعود‏:‏ أنّ الجلوس قد يذكر ويراد به القعود، كما يقال‏:‏ جلس متربّعاً وقعد متربّعاً، وقد يفارق الجلوس القعود، ومنه‏:‏ جلس بين شعبها، أي‏:‏ حصل وتمكّن، إذ لا يسمّى هذا قعوداً‏.‏ ويقال أيضاً‏:‏ جلس متّكئاً، ولا يقال‏:‏ قعد متّكئاً بمعنى الاعتماد على أحد الجانبين‏.‏ وعلى هذا فالجلوس أعمّ من القعود‏.‏

وقيل‏:‏ الجلوس هو الانتقال من سفل إلى علو، والقعود عكسه، فعلى الأوّل يقال لمن هو نائم أو ساجد‏:‏ ‏"‏ اجلس ‏"‏‏.‏ وعلى الثّاني يقال لمن هو قائم ‏"‏ اقعد ‏"‏‏.‏

ب - الاحتباء‏:‏

3 - الاحتباء في اللّغة، قعود الشّخص على مقعدته، وضمّ فخذيه إلى بطنه، واشتمالهما مع ظهره بثوب أو نحوه أو باليدين‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى فالاحتباء نوع من الجلوس‏.‏

ج - الافتراش‏:‏

4 - للافتراش في اللّغة معنيان‏:‏

المعنى الأوّل‏:‏ البسط، كما يقال‏:‏ افترش ذراعيه إذا بسطهما على الأرض، كالفراش له‏.‏ والثّاني‏:‏ الجلوس على ما فرشه، ومنه‏:‏ افتراش البساط‏.‏

وافتراش المرأة‏:‏ اتّخاذها زوجة‏.‏

والفقهاء يطلقون الافتراش على هذين المعنيين وهو أيضا عندهم هيئة من الجلوس في التّشهّد، واختلفوا في كيفيّته‏.‏ وينظر التّفصيل في كتاب الصّلاة‏.‏

د - التّورّك‏:‏

5 - التّورّك مأخوذ من الورك، وهو ما فوق الفخذ، يقال‏:‏ نام متورّكاً أي معتمداً على أحد وركيه واختلف في التّورّك في التّشهّد ففسّره بعضهم بأنّه وضع الورك على الرّجل اليمنى وفسّره آخرون بأنّه نصب الرّجل اليمنى ووركه بالأرض وإخراج رجله اليسرى من جهة يمينه‏.‏ فالتّورّك على هذا هيئة من هيئات الجلوس فهو أخصّ من الجلوس‏.‏

وينظر تفصيله في مصطلح ‏"‏ تورّك ‏"‏‏.‏

أحكام تتعلّق بالجلوس

أداء الأذان والإقامة جالساً

6 - اتّفق الفقهاء على أنّه يكره أن يؤذّن المؤذّن جالساً إلاّ لعذر، أو إذا كان يؤذّن لنفسه كما يقول الحنفيّة والمالكيّة، «لأمره صلى الله عليه وسلم بلالاً بالقيام بقوله‏:‏ قم فناد بالصّلاة»‏.‏ وكان مؤذّنو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يؤذّنون قياماً، ولأنّ القيام أبلغ في الإعلام، كما أنّ الأذان والإقامة قاعداً خلاف المتوارث‏.‏

وقال ابن حامد من الحنابلة‏:‏ إن أذّن قاعدا بطل، وكذلك قال الشّيخ تقيّ الدّين إلى عدم إجزاء أذان القاعد، وحكى أبو البقاء‏:‏ أنّه يعيد إن أذّن قاعداً‏.‏

وأمّا صاحب العذر فلا بأس أن يؤذّن جالساً، قال الحسن بن محمّد العبديّ‏:‏ رأيت أبا زيد صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكانت رجله أصيبت في سبيل اللّه يؤذّن قاعداً‏.‏

جلوس المؤذّن بين الأذان والإقامة

7 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يندب للمؤذّن الفصل بين الأذان والإقامة، وذلك يكون بالصّلاة المندوبة، فإن لم يصلّ، أو لم يكن الوقت وقت جواز يفصل بينهما بجلسة عند الجمهور فيما سوى المغرب‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ الفصل في المغرب لا يكون بجلسة بل بسكتة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يفصل بين أذان المغرب وإقامته لصلاة‏.‏

وعند الحنابلة وأبي يوسف ومحمّد يجلس جلسة خفيفة مقدار الجلسة بين الخطبتين، لما روى أبو هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «جلوس المؤذّن بين الأذان والإقامة في المغرب من السّنّة»‏.‏

والخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في الأفضليّة، فلو جلس لا يكره عنده أيضاً‏.‏

والرّاجح عند الشّافعيّة أن يفصل في المغرب بركعتين اعتباراً بسائر الصّلوات، وفي قول‏:‏ يفصل بينهما بسكتة لطيفة أو نحوها كقعود لطيف، لضيق وقتها‏.‏

الجلوس قبل تحيّة المسجد

8 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يكره الجلوس قبل تحيّة المسجد، لما روى أبو قتادة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتّى يركع ركعتين»، واختلفوا في فواتها بالجلوس، فإذا جلس قبل الصّلاة يسنّ له أن يقوم فيصلّي، لحديث سليك الغطفانيّ ونصّه‏:‏ عن جابر بن عبد اللّه قال‏:‏ «جاء سليك الغطفانيّ يوم الجمعة، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس فقال له‏:‏ يا سليك، قم فاركع ركعتين، وتجوّز فيهما‏.‏ ثمّ قال‏:‏ إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما»‏.‏ والمذهب عند الشّافعيّة أنّها تفوت به فلا يفعلها بعده‏.‏

وتمامه في مصطلح‏:‏ ‏(‏تحيّة المسجد‏)‏‏.‏

الجلوس عند العجز عن القيام في الصّلاة

9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الجلوس بدل عن القيام في صلاة الفريضة عند العجز عن القيام، فمن لا يطيق القيام له أن يصلّي جالساً، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين‏:‏ صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب»‏.‏

وفي بيان العجز تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة المريض‏)‏‏.‏

10 - وأمّا أداء صلاة النّفل جالساً فقال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم خلافاً في إباحة التّطوّع جالساً، ولكنّه خلاف الأولى، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى قائماً فهو أفضل، ومن صلّى قاعداً فله نصف أجر القائم»‏.‏

وفي لفظ مسلم «صلاة الرّجل قاعداً نصف الصّلاة»‏.‏

ولأنّ كثيراً من النّاس يشقّ عليهم طول القيام، فلو وجب في التّطوّع لترك أكثره، فسامح الشّارع في ترك القيام فيه ترغيباً في تكثيره، كما سامح في فعله على الرّاحلة في السّفر‏.‏

وأمّا السّنن الرّواتب فقد صرّح بعض الفقهاء أنّ الجلوس فيها مع القدرة على القيام مكروه‏.‏

الجلوس بين السّجدتين

11 - ذهب المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة إلى أنّه ركن، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السّجدة لم يسجد حتّى يستوي جالساً»‏.‏ وقال أبو يوسف من الحنفيّة بفرضيّته‏.‏

وهو سنّة عند الحنفيّة في المشهور من المذهب، وروي وجوبه‏.‏ يقول ابن عابدين‏:‏ وهو الموافق للأدلّة، وعليه الكمال بن الهمام ومن بعده من المتأخّرين‏.‏

وصفة الجلوس بين السّجدتين عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف الافتراش‏.‏

وعند المالكيّة التّورّك كجلوس التّشهّد، ولا خلاف في وضع اليدين على الفخذين عند الجميع، لأنّه من تمام صفة الجلوس‏.‏ وفي التّعديل في الجلسة بين السّجدتين، وكذلك في الذّكر المسنون فيها وقدره خلاف وتفصيل يرجع إلى مصطلح‏:‏ ‏(‏تعديل‏)‏ ‏(‏ودعاء‏)‏‏.‏

جلسة الاستراحة

12 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو مقابل الأصحّ لدى الشّافعيّة، والصّحيح من المذهب لدى الحنابلة إلى أنّ المصلّي إذا قام من السّجدة الثّانية لا يجلس جلسة الاستراحة، ويكره فعلها تنزيهاً لمن ليس به عذر‏.‏

وروي ذلك عن عمر وعليّ وابن مسعود، وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم، وبه قال الثّوريّ وإسحاق، قال التّرمذيّ‏:‏ وعليه العمل عند أهل العلم،وقال أبو الزّناد‏:‏ تلك السّنّة‏.‏

ويرى الشّافعيّة في الأصحّ وهو رواية ثانية عن أحمد اختارها الخلّال أنّه يسنّ بعد السّجدة الثّانية جلسة للاستراحة في كلّ ركعة تقوم عنها، لما روى مالك بن الحويرث‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السّجود قبل أن ينهض في الرّكعة الأولى»‏.‏ وصفة الجلوس هنا كالجلوس بين السّجدتين قدراً وهيئة، ويكره تطويله، وهذا يخالف قول الرّافعيّ‏:‏ ‏"‏ أنّها خفيفة ‏"‏ وقول النّوويّ في مجموعه ‏"‏ أنّها خفيفة جدّاً ‏"‏‏.‏

ثمّ قطع الرّافعيّ‏:‏ بأنّها للفصل بين الرّكعتين، وحكى النّوويّ وجهاً أنّها‏:‏ من الثّانية، وهناك وجه ثالث أبداه صاحب الذّخائر وهو‏:‏ أنّها من الرّكعة الأولى‏.‏

ومن خصائص جلسة الاستراحة عند من يقول بها - أنّها لا يدعو فيها بشيء‏.‏

الجلوس في التّشهّد

13 - ذهب المالكيّة، والشّافعيّة، والطّحاويّ والكرخيّ من الحنفيّة، وهو وجه عند الحنابلة إلى أنّ الجلوس في التّشهّد الأوّل سنّة، لأنّه يسقط بالسّهو فأشبه السّنن‏.‏

وفي قول عند الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة أنّه واجب حتّى يجب بتركه ساهيا سجود السّهو، ولا يجب إلاّ بترك الواجب‏.‏

وأمّا في التّشهّد الأخير، فيرى الحنفيّة أنّ الجلوس فيه فرض، وقدره بقدر قراءة التّشهّد إلى ‏"‏ عبده ورسوله ‏"‏، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود‏:‏ «فإذا فعلت ذلك، أو قضيت هذا فقد تمّت صلاتك» علّق التّمام بالقعدة‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ الجلوس للتّشهّدين سنّة، قال ابن جزيّ‏:‏ وفي المذهب أنّ الجلوس الأخير واجب، والأصحّ أنّ الواجب منه مقدار السّلام‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الجلوس في القعدة الأخيرة ركن، وإليه ذهب عمر وابنه وأبو مسعود البدريّ رضي الله عنهم، والحسن‏.‏ وروي عن أحمد أنّه سنّة‏.‏

وأمّا هيئة الجلوس في التّشهّد فالافتراش للرّجل، والتّورّك للمرأة عند الحنفيّة سواء أكان في القعدة الأولى أم الأخيرة‏.‏ وعند المالكيّة هيئة الجلوس في التّشهّد الأخير التّورّك‏.‏ وصرّح الشّافعيّة بأنّه لا يتعيّن للقعود هيئة للإجزاء، فكيفما قعد في جلساته أجزأه، لكنّ السّنّة في جلوس آخر الصّلاة التّورّك وفي أثنائها الافتراش‏.‏

ويرى الحنابلة أنّ هيئة الجلوس في التّشهّد الأوّل بالنّسبة للرّجل هي الافتراش، وفي الثّاني التّورّك‏.‏

وأمّا المرأة فلها الخيار في أن تجلس متربّعة، لأنّ ابن عمر رضي الله عنه كان يأمر النّساء أن يتربّعن في الصّلاة، أو أن تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها، والمنصوص عن أحمد‏:‏ أنّ السّدل أفضل، لأنّه غالب فعل عائشة رضي الله عنها، ولأنّه أشبه بجلسة الرّجل‏.‏

وقال الشّافعيّة يسنّ التّورّك في كلّ تشهّد يسلّم فيه وإن لم يكن ثانياً، كتشهّد الصّبح والجمعة، لأنّه تشهّد يسنّ تطويله فسنّ فيه التّورّك كالثّاني‏.‏

ولا يتورّك الرّجل عند الحنابلة إلاّ في التّشهّد الأخير من صلاة فيها تشهّدان‏.‏

واستدلّ الحنابلة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «في كلّ ركعتين‏:‏ التّحيّة، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى»، ولأنّ التّشهّد الثّاني إنّما تورّك فيه للفرق بين التّشهّدين، وما ليس فيه إلاّ تشهّد واحد لا اشتباه فيه، فلا حاجة إلى الفرق‏.‏

الجلوس بين كلّ ترويحتين في قيام رمضان

14 - صرّح الحنفيّة بأنّ المصلّي يخيّر بين كلّ ترويحتين بين الجلوس ذاكراً أو ساكتاً، وبين صلاته نافلة منفرداً، وهذا الجلوس سنّة كما يفيده كلام الكنز، ومستحبّ كما صرّح به في الهداية والزّيلعيّ‏.‏

والمذهب عند الحنابلة وهو المتبادر من كلام المالكيّة والشّافعيّة، أنّه يجوز أن يستريح بعد كلّ أربع ركعات في صلاة التّراويح بجلسة يسيرة، قال الحنابلة‏:‏ وهو فعل السّلف، ولا بأس بتركه، ولا يدعو الإمام في الجلوس على الصّحيح من المذهب عند الحنابلة‏.‏

الجلوس قبل الخطبتين وبعد الصّعود إلى المنبر

15 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الخطيب يجلس إذا صعد المنبر في الجمعة، واختلفوا في خطبة العيدين‏:‏ فذهب الحنفيّة، وهو وجه عند كلّ من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجلس، لأنّ الجلوس لانتظار فراغ المؤذّن من الأذان في الجمعة، وهو غير مشروع في العيدين، فلا حاجة إلى الجلوس‏.‏

وذهب المالكيّة وهو الصّحيح المنصوص عليه عند الشّافعيّة، والمذهب عند الحنابلة إلى أنّه يجلس إذا صعد المنبر ليستريح، ولأنّه أهدى لما يريد أن يفتتحه، وفيه زيادة وقار‏.‏

حكم الجلوس بين الخطبتين ومقداره

16 - ذهب الحنفيّة، وجمهور المالكيّة، والحنابلة في الصّحيح من المذهب إلى أنّ الجلوس بين خطبتي الجمعة، والعيدين سنّة، لما روي عن أبي إسحاق قال‏:‏ رأيت عليّاً يخطب على المنبر فلم يجلس حتّى فرغ‏.‏

ويرى الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد أنّ الجلوس بينهما بطمأنينة شرط من شروط الخطبة، لخبر الصّحيحين«أنّه صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما»‏.‏ ولا خلاف بين الفقهاء أنّ صفة هذه الجلسة أن تكون خفيفة، وأمّا مقدارها فقد قيل‏:‏ مقدار قراءة ثلاث آيات، وقال جماعة من الفقهاء‏:‏ بقدر سورة الإخلاص، وقيل‏:‏ مقدار الجلسة بين السّجدتين لأنّه فصل بين مشتبهتين‏.‏

الخطبة جالساً

17 - من خطب جالساً‏:‏ فإن كان لعذر فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه يجوز، لأنّ الصّلاة تصحّ من القاعد العاجز عن القيام فالخطبة أولى، وكذلك الحكم إن كان بغير عذر في خطبتي العيد دون الجمعة، عند الحنفيّة والمالكيّة، والشّافعيّة، وهو المذهب عند الحنابلة لأنّ خطبة العيد ليست واجبة فأشبهت صلاة النّافلة، ولما روي أنّ عثمان رضي الله عنه لمّا أسنّ كان يخطب جالساً، وفي هذه الحالة، فيفصل بينهما بسكتة‏.‏

الجلوس على الحرير

18 - اختلف الفقهاء في جواز الجلوس على الحرير‏:‏ فيرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد من الحنفيّة - وقيل‏:‏ أبو يوسف أيضاً مع محمّد - أنّه حرام، لما رواه حذيفة قال‏:‏ «نهانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والدّيباج وأن يجلس عليه»‏.‏ وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى جوازه، لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «جلس على مرفقة حرير»، وكان على بساط ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفقة حرير‏.‏ وأيضاً روي أنّ أنساً رضي الله تعالى عنه حضر وليمة فجلس على وسادة حرير، ولأنّ الجلوس على الحرير استخفاف وليس بتعظيم، فجرى مجرى الجلوس على بساط فيه تصاوير‏.‏

وهذا في الخالص منه، وأمّا في غيره ففيه تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏حرير‏)‏‏.‏

الجلوس للأكل والشّرب

19 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يندب الجلوس للأكل والشّرب وأنّ الشّرب قائماً بلا عذر خلاف الأولى عند جمهور الفقهاء‏.‏

وأمّا هيئة الجلوس للأكل فقد صرّح فقهاء الحنفيّة والشّافعيّة بأنّ أحسن الجلسات للأكل الإقعاء على الوركين ونصب الرّكبتين، ثمّ الجثيّ على الرّكبتين وظهور القدمين، ثمّ نصب الرّجل اليمنى، والجلوس على اليسرى‏.‏

والمندوب عند المالكيّة أن يقيم ركبته اليمنى أو مع اليسرى، أو أن يجلس كالصّلاة،

«وجثا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مرّة على ركبته»‏.‏

أمّا الحنابلة فاستحسنوا أثناء الأكل الجلوس على الرّجل اليسرى، ونصب اليمنى أو التّربّع‏.‏ ويستحبّ للضّيف أن لا يطيل الجلوس من غير حاجة بعد الفراغ من الأكل، بل يستأذن ربّ المنزل وينصرف لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا‏}‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏أكل‏)‏‏.‏

جلوس من يتبع الجنازة قبل وضعها

20 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يكره لمتّبع الجنازة الجلوس قبل وضعها، ولا بأس بالجلوس بعد الوضع، لما روي عن عبادة بن الصّامت «أنّه صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس حتّى يوضع الميّت في اللّحد، فكان قائماً مع أصحابه على رأس قبر، فقال يهوديّ‏:‏ هكذا نصنع بموتانا، فجلس صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه‏:‏ خالفوهم»‏.‏أي في القيام‏.‏ ثمّ صرّح الحنفيّة أنّ الكراهة هنا تحريميّة للنّهي عن ذلك، فيما روي عن أبي سعيد مرفوعا‏:‏ «إذا اتّبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتّى توضع» وفي رواية أبي هريرة‏:‏ «حتّى توضع بالأرض»‏.‏ وعند المالكيّة لا بأس بالجلوس عند القبر قبل أن توضع الجنازة عن الأعناق‏.‏ وعند الشّافعيّة هو بالخيار إن شاء قام منتظراً، وإن شاء جلس‏.‏

الجلوس للتّعزية

21 - ذهب جمهور المتقدّمين من الحنفيّة إلى أنّه يرخّص الجلوس في المصيبة ثلاثة أيّام للرّجال في غير مسجد، أمّا فيه فيكره، ولا تجلس النّساء قطعاً‏.‏

وفي الظّهيريّة‏:‏ لا بأس به لأهل الميّت في البيت أو المسجد والنّاس يأتونهم ويعزّونهم‏.‏

وقال المالكيّة يجوز أن يجلس الرّجل للتّعزية‏.‏ لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت‏:‏ «لمّا قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد اللّه بن رواحة رضي الله تعالى عنهم، جلس النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن»‏.‏

وقال متأخّرو فقهاء الحنفيّة‏:‏ يكره له الجلوس في بيته حتّى يأتي إليه من يعزّي، بل إذا فرغ، ورجع النّاس من الدّفن فليتفرّقوا ويشتغل النّاس بأمورهم، وصاحب البيت بأمره‏.‏ وإلى الكراهة ذهب الشّافعيّة والحنابلة في المذهب، والكراهة عند الشّافعيّة تنزيهيّة إن لم يكن معها محدث آخر‏.‏ ونقل عن أحمد‏:‏ الرّخصة لأهل الميّت‏.‏

أمّا الجلوس على باب دار الميّت‏:‏ فصرّح الحنفيّة بأنّه مكروه، لأنّه عمل أهل الجاهليّة وقد نهي عنه‏.‏ وصرّح الحنابلة بجوازه حيث قالوا‏:‏ لا بأس بالجلوس بقرب دار الميّت ليتّبع الجنازة، أو يخرج وليّه فيعزّيه، لأنّه فعله السّلف‏.‏ وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تعزية‏)‏‏.‏

الجلوس على القبور

22 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الجلوس على القبور إذا كان لبول أو غائط فلا يجوز قولا واحداً‏.‏ واختلفوا فيما إذا كان لغير ذلك‏.‏

فقال الحنفيّة وهو المذهب عندهم، والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يكره الجلوس على القبور، لما روى أبو مرثد الغنويّ ‏"‏ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلّوا إليها»‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر»‏.‏

قال الحنفيّة والشّافعيّة‏:‏ وإن أراد الجلوس أثناء زيارة القبور يجلس بعيداً أو قريباً بحسب مرتبته في حال حياته‏.‏ وعبارة الشّافعيّة‏:‏ ينبغي للزّائر أن يدنو من القبر بقدر ما كان يدنو من صاحبه في الحياة لو زاره‏.‏

ويرى الطّحاويّ من الحنفيّة، ونسب القول إلى أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد جواز الجلوس على القبر، وهو ما ذهب إليه المالكيّة أيضاً، لما روي أنّ عليّاً رضي الله عنه كان يتوسّد القبر، ويجلس عليه‏.‏قال الطّحاويّ‏:‏ وتنتفي الكراهة مطلقاً إذا كان الجلوس للقراءة‏.‏

الجلوس في المسجد للقضاء

23 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة في الصّحيح من المذهب، والحنابلة إلى جواز جلوس القاضي في المسجد للحكم، والجامع أولى، لأنّه أشهر، ويختار مسجداً في وسط البلد، لئلاّ يبعد على قاصديه‏.‏ والدّليل على ذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «كان يفصل بين الخصوم في المسجد»، فقد روي أنّه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «إنّما بنيت المساجد لذكر اللّه وللحكم» ولئلاّ يشتبه على الغرباء مكانه‏.‏

وكذا الخلفاء الرّاشدون بعده، وكان عليّ رضي الله تعالى عنه له دكّة في مسجد الكوفة‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّه إذا جلس للقضاء في المسجد، فإنّه يجلس بغير يوم عيد فطر أو أضحى، ويكره جلوسه يوم عيد، لأنّه يوم فرح وسرور، ومصافاة لا يوم مخاصمة‏.‏

وبغير يوم قدوم الحاجّ وخروجه، لاشتغال النّاس فيه بتهنئة القادمين، أو وداع الخارجين، وبغير يوم التّروية ويوم عرفة‏.‏ وروى ابن حبيب من المالكيّة أنّ القاضي يجلس برحاب المسجد الخارجة عنه واستحسن صاحب جواهر الإكليل هذا، مستدلّا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «جنّبوا مساجدكم رفع أصواتكم وخصوماتكم»‏.‏

ويستحبّ عند الشّافعيّة أن يجلس القاضي في دار لا في مسجد، فيكره عندهم اتّخاذه مجلسا للحكم في الأصحّ، صوناً له عن ارتفاع الأصوات، واللّغط الواقعين بمجلس القضاء عادة، ولأنّ القضاء قد يحضره مشرك وهو نجس بالنّصّ‏.‏

وذكر الفقهاء لجلوس القاضي آداباً كثيرة منها‏:‏

- أن يكون مجلسه فسيحاً، واسعاً لئلاّ يتأذّى بضيقه الحاضرون‏.‏

- وأن يكون بارزاً، ظاهراً، ليعرف القاضي من يراه‏.‏

- وأن يكون مصوناً من أذى حرّ وبرد وريح وغبار ودخان، لائقاً بالوقت من صيف وشتاء‏.‏ - وأن يبسط له شيء، ولا يجلس على التّراب ولا على الحصير، لأنّ ذلك يذهب بهيبته من أعين الخصوم‏.‏

وفي الجلوس بين يدي القاضي، والعدل بين الخصم في مجلسه تفصيل ينظر في ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

حدّ المرأة وهي جالسة

24 - ذهب الحنفيّة - ما عدا أبا يوسف - والمالكيّة والشّافعيّة، والحنابلة إلى أنّ المرأة تضرب في جميع الحدود الّتي فيها الضّرب جالسة، لما روي عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنّه قال‏:‏ تضرب المرأة جالسة، والرّجل قائماً، ولأنّ المرأة عورة، وجلوسها أستر لها‏.‏ ويرى أبو يوسف وابن أبي ليلى أنّها تحدّ قائمة، كما تلاعن‏.‏

وأمّا الرّجل فلم يقل بضربه جالساً في الحدود إلاّ المالكيّة والحنابلة في رواية، لأنّ اللّه تعالى لم يأمر بالقيام، ولأنّه مجلود في حدّ، فأشبه المرأة‏.‏

الجلوس للتّبوّل

25 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يستحبّ الجلوس أثناء التّبوّل لئلاّ يترشّش عليه، قال ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ من الجفاء أن تبول وأنت قائم‏.‏

وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ «من حدّثكم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدّقوه، ما كان يبول إلاّ قاعداً»‏.‏

وقال التّرمذيّ‏:‏ هذا أصحّ شيء في الباب، وقال النّوويّ في شرح مسلم‏:‏ وقد روي في النّهي أحاديث لا تثبت، ولكن حديث عائشة رضي الله عنها ثابت، فلذا قال العلماء يكره إلاّ لعذر‏.‏ وهي كراهة تنزيه لا تحريم‏.‏ وقد رويت الرّخصة في ذلك عن عمر وعليّ وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد، وأنس وأبي هريرة وعروة‏.‏

وروى حذيفة «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً»، رواه البخاريّ وغيره‏.‏ وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء الحاجة‏)‏‏.‏

جمار

التّعريف

1 - الجمار بالكسر والجمرات جمع الجمرة، ومن معاني الجمرة في اللّغة الحصاة، فالجمار الأحجار الصّغار‏.‏ وفي الاصطلاح تطلق الجمار على معان‏:‏

أ - جمرات المناسك الثّلاث الأولى والوسطى وجمرة العقبة‏.‏

والجمرات هي‏:‏ المواضع الّتي ترمى بالحصيات، وهي بمنى، والأولى منها هي الّتي تلي مسجد الخيف، والوسطى الّتي بينها وبين جمرة العقبة والأخيرة جمرة العقبة‏.‏

وهي أقرب الثّلاث إلى مكّة‏.‏ قال صاحب مرآة الحرمين‏:‏ وهي - أي في زمنه - حائط من الحجر ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار في عرض نحو مترين أقيم على قطعة من صخرة مرتفعة عن الأرض بنحو متر ونصف ومن أسفل هذا الحائط حوض من البناء تسقط إليه حجارة الرّجم‏.‏ وورد في شفاء الغرام نقلا عن الأزرقيّ‏:‏ ومن جمرة العقبة وهي أوّل الجمار ممّا يلي مكّة إلى الجمرة الوسطى أربعمائة ذراع وسبعة وثمانون ذراعاً واثنا عشر أصبعاً، ومن الجمرة الوسطى إلى الجمرة الثّالثة وهي الّتي تلي مسجد منى ثلثمائة ذراع وخمسة أذرع، ومن الّتي تلي مسجد منى إلى أوسط باب مسجد الخيف ألف ذراع وثلثمائة ذراع وواحد وعشرون ذراعا‏.‏ وقال في مرآة الحرمين‏:‏ المسافة الّتي بين جمرة العقبة والجمرة الوسطى ‏(‏116‏,‏77‏)‏ متراً، والّتي بين الجمرة الأولى والوسطى ‏(‏156‏,‏40‏)‏ متراً‏.‏

قال المحبّ الطّبريّ‏:‏ وليس للمرمى حدّ معلوم غير أنّ كلّ جمرة عليها علم، وهو عمود معلّق هناك فيرمى تحته وحوله ولا يبعد عنه احتياطاً، وحّده بعض المتأخّرين بثلاثة أذرع من سائر الجوانب إلاّ في جمرة العقبة فليس لها إلاّ وجه واحد لأنّها تحت جبل‏.‏

والمقصود من رمي الجمار التّعبّد للّه تعالى وحده بما لا حظّ للنّفس فيه قال أبو حامد الغزاليّ رحمه الله تعالى في بيان أسرار الحجّ من الإحياء‏:‏ وأمّا رمي الجمار فليقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرّقّ والعبوديّة، وانتهاضاً لمجرّد الامتثال من غير حظّ للنّفس والعقل في ذلك‏.‏ ثمّ ليقصد به التّشبّه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه اللّه تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجّه شبهة أو يفتنه بمعصية، أمره اللّه عزّ وجلّ أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله‏.‏ ورد في بعض الأحاديث «أنّ إبليس عرض له هنالك أي وسوس له ليشغله عن أداء المناسك فكان يرميه كلّ مرّة فيخنس ثمّ يعود»‏.‏ وروى الطّبرانيّ والحاكم والبيهقيّ عن ابن عبّاس‏:‏ «لمّا أتى خليل اللّه المناسك عرض له الشّيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتّى ساخ في الأرض ثمّ عرض له عند الجمرة الثّانية فرماه بسبع حصيات حتّى ساخ في الأرض ثمّ ذكر الجمرة الثّالثة كذلك»‏.‏

وروى ابن إسحاق أنّه‏:‏ ‏"‏ لمّا فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت الحرام جاءه جبريل عليه السلام فقال له طف به سبعاً ‏"‏، ثمّ ساق الحديث وفيه ‏"‏ أنّه لمّا دخل منى وهبط من العقبة تمثّل له إبليس عند جمرة العقبة فقال له جبريل‏:‏ كبّر وارمه سبع حصيات، فرماه فغاب عنه، ثمّ برز له عند الجمرة الوسطى، فقال له جبريل‏:‏ كبّر وارمه، فرماه إبراهيم سبع حصيات، ثمّ برز له عند الجمرة السّفلى، فقال له جبريل‏:‏ كبّر وارمه، فرماه سبع حصيات مثل حصى الخذف، فغاب عنه إبليس ‏"‏‏.‏

ب - الحصيات الّتي يرمى بها في منى، وتسمّى الحصيات السّبع جمرة أيضاً، تسمية للكلّ باسم البعض‏.‏

ج - الأحجار الصّغيرة الّتي يستنجى بها، ومنه حديث‏:‏ «إذا استجمر أحدكم فليوتر»‏.‏

الحكم الإجمالي

أوّلاً‏:‏ الجمار بمعنى الحصيات الّتي يرمى بها

2 - رمي الجمار واجب في الحجّ باتّفاق الفقهاء، ويجب في تركه دم‏.‏

وعدد الجمار سبعون‏:‏ سبعة لرمي جمرة العقبة يوم النّحر والباقي لثلاثة أيّام منى كلّ يوم ثلاث جمرات بإحدى وعشرين، وذلك لمن لم يتعجّل، أمّا للمتعجّل فتسعة وأربعون‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ، ورمي الجمار‏)‏‏.‏

صفة جمار الرّمي

3 - يشترط في الجمار أن تكون من حجر، وذلك عند جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -، فلا يجوز بذهب، وفضّة، وحديد، ورصاص، وخشب، وطين، وبذر، وتراب، ولؤلؤ، وإثمد، وجصّ عندهم، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بالرّمي بمثل حصى الخذف»، فلا يتناول غيره‏.‏

وأجاز الشّافعيّة أن تكون الجمار من كلّ أنواع الحجر‏.‏

أمّا الحنفيّة فقد ذهبوا إلى أنّه يجوز أن تكون الجمار من كلّ ما كان من جنس الأرض، كالحجر والمدر والطّين، وكلّ ما يجوز التّيمّم به‏.‏

ولا يجوز بخشب وعنبر ولؤلؤ وجواهر لأنّها ليست من جنس الأرض‏.‏

واشترط بعض الحنفيّة في الجمار أن يكون رميها باستهانة، فلا يجوز عندهم بالفيروزج والياقوت مع أنّهما من جنس الأرض لعدم حصول الاستهانة بهما‏.‏

ويجزئ مع الكراهة الرّمي بالجمار المتنجّسة، فإن غسلها زالت النّجاسة، ولا يستحبّ غسلها إلاّ إذا كانت متنجّسة بيقين‏.‏

حجم الجمار

4 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو المختار عند الحنفيّة إلى أنّ الجمرة تكون مقدار الباقلاّ، أي قدر الفولة، وقيل‏:‏ قدر الحمّصة، أو النّواة، أو الأنملة‏.‏

وهذا بيان المندوب، ويجوز الرّمي بالأكبر مع الكراهة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تكون حصى الجمار أكبر من الحمّص ودون البندق، كحصى الخذف، فلا يجزئ صغير جدّاً ولا كبير‏.‏ والأصل فيه حديث مسلم‏:‏ «عليكم بحصى الخذف»‏.‏

مكان التقاط الجمار

5 - يستحبّ التقاط الجمار السّبعة لرمي جمرة العقبة من مزدلفة، أو من الطّريق، وما عدا السّبعة ليس له مكان مخصوص‏.‏ وقيل‏:‏ يؤخذ سبعون حصاة من مزدلفة‏.‏

ولا خلاف في جواز أخذها من حيث كان، لكنّه يكره أخذها من عند الجمرة، وصرّح الحنابلة بأنّه إن رمى بحجر أخذه من المرمى لم يجزه‏.‏ ويكره كذلك التقاطها من مكان نجس، أو أن تكون متنجّسة‏.‏ ويكره أيضاً أن يلتقط حجراً فيكسره سبعين حجراً صغيراً‏.‏

كيفيّة رمي الجمار

6 - يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي سبعاً بسبع حصيات، فلو رماها دفعة واحدة كانت عن واحدة‏.‏ ويكبّر مع كلّ حصاة‏.‏ فإذا كان اليوم الثّاني من أيّام النّحر رمى الجمار الثّلاث بعد الزّوال يبتدئ بالجمرة الأولى الّتي تلي مسجد الخيف، وكذلك في اليوم الثّالث والرّابع إن أقام‏.‏ وإن نفر إلى مكّة في اليوم الثّالث سقط عنه رمي اليوم الرّابع‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ، ورمي الجمار‏)‏‏.‏

ويشترط حصول الجمار في المرمى عند جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - وإن لم يبق فيه‏.‏ ولا يشترط ذلك عند الحنفيّة، فلو وقعت على ظهر رجل أو جمل إن وقعت بنفسها بقرب الجمرة أجزأ، وإلاّ لم يجزئ‏.‏

وقت رمي الجمار

7 - الوقت المسموح لرمي جمرة العقبة من طلوع شمس يوم النّحر إلى زوالها‏.‏

أمّا الجمار في الأيّام الثّلاث الأخرى فوقتها بعد الزّوال‏.‏

وفي شروط رمي الجمار وما يترتّب على تأخيرها أو تركها، بعضها أو كلّها تفصيل في المذاهب ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ، ورمي الجمار‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ الجمار الّتي يستنجى بها

8 - ورد في الحديث‏:‏ «من استجمر فليوتر» ومعنى الاستجمار استعمال الحجارة ونحوها في إزالة ما على السّبيلين من النّجاسة‏.‏

والجمهور على أنّ الاستجمار كما يكون بالحجارة يكون بكلّ جامد يحصل به الإنقاء والتّنظيف، كمدر وخرقة ونحوهما‏.‏ وذهبوا إلى أنّ الاستنجاء بالماء أفضل‏.‏

واتّفق الفقهاء على أفضليّة الجمع بينهما‏.‏ وتفصيل هذه المسائل في مصطلح‏:‏‏(‏استجمار‏)‏‏.‏

جماع

انظر‏:‏ وطء‏.‏

جماعة

التّعريف

1 - الجماعة في اللّغة من الجمع‏:‏ والجمع تأليف المتفرّق وضمّ الشّيء بتقريب بعضه من بعض، يقال‏:‏ جمعته فاجتمع‏.‏ والجماعة عدد من النّاس يجمعهم غرض واحد‏.‏

وقد استعملوها في غير النّاس حتّى قالوا‏:‏ جماعة الشّجر وجماعة النّبات، وبهذا المعنى تطلق على عدد كلّ شيء وكثرته‏.‏ والجماعة، والجميع، والمجمعة، والمجمع كالجمع‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء تطلق الجماعة على عدد من النّاس‏.‏

يقول الكاسانيّ‏:‏ ‏"‏ الجماعة مأخوذ من معنى الاجتماع، وأقلّ ما يتحقّق به الاجتماع اثنان ‏"‏ ويقول‏:‏ ‏"‏ أقلّ الجماعة اثنان إمام ومأموم ‏"‏‏.‏

وتطلق أيضاً على فعل الصّلاة مجتمعين كما يقولون‏:‏ ‏"‏ الجماعة سنّة مؤكّدة، أي فعل الصّلاة جمعاً بإمام ومأموم ‏"‏‏.‏ قد يراد من الجماعة الاتّحاد وعدم الفرقة، كما ورد في الحديث‏:‏ «الجماعة رحمة، والفرقة عذاب»‏.‏

الحكم الإجماليّ

يختلف حكم الجماعة باختلاف مواضعها كما يلي‏:‏

صلاة الجماعة

2 - صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ اتّفاقاً لما ورد في الحديث‏:‏ «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة»‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّ الجماعة شرط في صحّة صلاة الجمعة، وهي فرض على الرّجال القادرين عليها بشروط تفصّل في موضعها، واختلفوا في شرطيّتها لصحّة صلاة العيدين‏.‏ أمّا في سائر الفروض، فالجماعة سنّة مؤكّدة عند المالكيّة وهو رواية عند الحنفيّة، لأنّ

«النّبيّ صلى الله عليه وسلم حكم بأفضليّة صلاة الجماعة عن صلاة الفذّ، ولم ينكر على اللّذين قالا‏:‏ صلّينا في رحالنا» ولو كانت واجبة لأنكر عليهما‏.‏

وقال الحنابلة وهو المختار عند الحنفيّة‏:‏ إنّها واجبة، فيأثم تاركها بلا عذر ويعزّر وتردّ شهادته‏.‏ وقيل‏:‏ إنّها فرض كفاية في البلد بحيث يظهر الشّعار في القرية فيقاتل أهلها إذا تركوها‏.‏ ويستدلّون للوجوب بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا كُنتَ فيهم فَأقَمتَ لهم الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهم معكَ‏}‏ فأمر بالجماعة حال الخوف ففي غيره أولى، وبما ورد في حديث أبي هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لقد هممت أن آمر بالصّلاة فتقام، ثمّ آمر رجلا يصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصّلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» أمّا النّساء ففي أدائهنّ للصّلاة جماعة تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏صلاة الجماعة‏)‏‏.‏ وهي فرض كفاية عند الشّافعيّة في الصّحيح من المذهب‏.‏

أقلّ الجماعة

3 - اتّفق الفقهاء على أنّ صلاة الجماعة تنعقد باثنين‏:‏ إمام ومأموم‏.‏

وذلك في غير الجمعة والعيدين‏.‏ لحديث أبي موسى مرفوعاً‏:‏ «اثنان فما فوقهما جماعة»‏.‏

ويشترط جمهور الفقهاء لانعقاد الجماعة في الفروض أن يكون الإمام والمأموم كلاهما بالغين ولو كان المأموم امرأة، فلا تنعقد بصبيّ في فرض لأنّ صلاتهما فرض، وصلاة الصّبيّ نفل‏.‏ أمّا في النّوافل فتنعقد الجماعة بصبيّين، أو بالغ وصبيّ اتّفاقاً‏.‏

وظاهر كلام الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّها تنعقد بصغير في الفرض أيضاً إذا كان الإمام بالغاً‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة الجماعة‏)‏‏.‏

وهناك شروط لانعقاد الجماعة في الجمعة والعيدين تفصيلها في مصطلحيهما‏.‏

قتل الجماعة بالواحد

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الجماعة إذا قتلوا واحداً اقتصّ منهم جميعاً‏.‏

قالوا‏:‏ لأنّ زهوق الرّوح لا يتجزّأ، واشتراك الجماعة فيما لا يتجزّأ يوجب التّكامل في حقّ كلّ واحد منهم، فيضاف إلى كلّ واحد منهم‏.‏ قالوا‏:‏ ولإجماع الصّحابة على ذلك‏.‏

فقد روي أنّ امرأة بمدينة صنعاء غاب عنها زوجها وترك عندها ابناً له من غيرها، فاتّخذت لنفسها خليلاً، فاجتمع على قتل الغلام خليل المرأة، ورجل آخر، والمرأة وخادمها، فقطعوه أعضاء، وألقوا به في بئر ثمّ ظهر الحادث وفشا بين النّاس، فأخذ أمير اليمن خليل المرأة فاعترف، ثمّ اعترف الباقون، فكتب إلى عمر بن الخطّاب فكتب إليه عمر أن اقتلهم وقال‏:‏ «واللّه لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً»‏.‏

وكذلك قتل عليّ ثلاثة بواحد، وقتل المغيرة سبعة بواحد، ولم ينكر عليهم‏.‏

قالوا‏:‏ ولأنّ القتل بطريق التّغالب غالب، والقصاص شرع لحكمة الزّجر، فيجعل كلّ واحد منهم كالمنفرد فيجري القصاص عليهم جميعا تحقيقا لمعنى الإحياء، ولولا ذلك للزم سدّ باب القصاص وفتح باب التّفاني، إذ لا يوجد القتل من واحد غالباً‏.‏

وخالف في ذلك بعض الصّحابة منهم ابن الزّبير، وروي عن ابن عبّاس، وهو رواية عن أحمد‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص، وتواطؤ‏)‏‏.‏

القصاص من الواحد بقتل الجماعة

5 - إذا قتل واحد جماعة، قتل قصاصاً باتّفاق الفقهاء‏.‏

وفي وجوب شيء من المال مع ذلك خلاف وتفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

لزوم جماعة المسلمين

6 - ورد في الحديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»‏.‏ قال في الفتح‏:‏ اختلفوا في هذا الأمر، فقال قوم‏:‏ هو للوجوب، والجماعة السّواد الأعظم، وقال قوم‏:‏ الجماعة الصّحابة، وقال بعضهم‏:‏ الجماعة أهل العلم، قال الطّبريّ‏:‏ والصّواب أنّ المراد من الخبر لزوم الجماعة الّذين في طاعة من اجتمعوا على تأييده، فمن نكث عن بيعته خرج عن الجماعة‏.‏

7- وفي شرح الطّحاويّة‏:‏ ‏"‏ نتبع أهل السّنّة والجماعة ‏"‏، والسّنّة طريقة الرّسول صلى الله عليه وسلم والجماعة جماعة المسلمين‏:‏ هم الصّحابة والتّابعون بإحسان إلى يوم الدّين‏.‏‏.‏‏.‏ «قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ إنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين ملّة كلّها في النّار إلاّ واحدة وهي الجماعة»، وفي رواية «قالوا‏:‏ من هي يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ ما أنا عليه وأصحابي»‏.‏ وتفصيل هذه المسائل في مصطلحات‏:‏ ‏(‏إمامة كبرى، بغي، بيعة‏)‏‏.‏

جمع

انظر‏:‏ مزدلفة‏.‏

جمع الصّلوات

التّعريف

1 - الجمع ضدّ التّفريق، وجمع الشّيء إذا جاء به من هنا وهنا وضمّ بعضه إلى بعض‏.‏ والمراد بجمع الصّلوات عند الفقهاء‏:‏ هو أداء الظّهر مع العصر، والمغرب مع العشاء تقديماً أو تأخيراً‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - أجمع الفقهاء على مشروعيّة الجمع بين الظّهر والعصر في عرفات جمع تقديم في وقت الظّهر، وبين المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة في وقت العشاء للحاجّ، لأنّ الرّسول فعل هذا في حجّة الوداع، فعن جابر رضي الله عنه قال في صفة حجّه صلى الله عليه وسلم «فأتى بطن الوادي فخطب النّاس ثمّ أذّن ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر ولم يصلّ بينهما شيئاً»‏.‏ ولكنّهم اختلفوا في تحديد علّة هذه الرّخصة هل هي السّفر أو هي النّسك ‏؟‏ فذهب الحسن البصريّ، وابن سيرين، ومكحول، والنّخعيّ وأبو حنيفة، وهو قول للشّافعيّة إلى أنّ هذا الجمع من أجل النّسك، ولهذا فلا فرق في ذلك عندهم بين المسافر والحاضر، ولا بين العرفيّ والمكّيّ وغيرهم بعرفة، ولا بين المزدلفيّ وغيره بمزدلفة‏.‏ وذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والرّاجح عند الشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ الجمع بعرفة ومزدلفة رخصة من أجل السّفر، واحتجّوا بالأحاديث الصّحيحة المشهورة في الجمع في أسفار النّبيّ صلى الله عليه وسلم الأخرى كما يأتي‏.‏

الجمع للسّفر

3 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى جواز الجمع بين الظّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم، أو جمع تأخير بسبب السّفر الطّويل الّذي تقصر فيه الرّباعية ما لم يكن سفر معصية للأدلّة الآتية‏:‏

أ - عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشّمس أخّر الظّهر إلى وقت العصر ثمّ نزل فجمع بينهما» الحديث‏.‏

وفي رواية‏:‏ «فإن زاغت الشّمس قبل أن يرتحل صلّى الظّهر والعصر ثمّ ركب»‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فزالت الشّمس صلّى الظّهر والعصر جميعاً ثمّ ارتحل»‏.‏

ب - وعن معاذ رضي الله عنه قال‏:‏ «خرجنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلّي الظّهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً»‏.‏

أمّا المالكيّة فلا يشترط للجمع في السّفر عندهم طول مسافة السّفر أو قصرها، فإذا نوى الإقامة في أثناء إحدى الصّلاتين عند التّقديم بطل الجمع‏.‏

ولا يشترط فيه إقامة أربعة أيّام لبطلان الجمع‏.‏

وأحوال جواز الجمع في السّفر أو عدمه كالآتي‏:‏

أ - يرخّص الجمع بين الظّهر والعصر جمع تقديم بشرطين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن تزول عليه الشّمس بالمكان الّذي نزل فيه للرّاحة‏.‏

ثانيهما‏:‏ أن ينوي الارتحال قبل دخول وقت العصر والنّزول في مكان آخر بعد غروب الشّمس‏.‏

ب - وإن نوى النّزول قبل اصفرار الشّمس صلّى الظّهر أوّل وقتها، وأخّر العصر وجوباً حتّى ينزل ليوقعها في وقتها الاختياريّ، فإن قدّمها مع الظّهر أجزأت، وندب إعادتها في وقتها عند نزوله‏.‏

ج - وإن نوى النّزول بعد الاصفرار وقبل الغروب صلّى الظّهر قبل أن يرتحل وهو مخيّر في العصر إن شاء قدّمها مع الظّهر، وإن شاء أخّرها حتّى ينزل هذا إذا زالت عليه الشّمس أثناء نزوله‏.‏

فإن زالت عليه الشّمس أثناء سيره فأحواله هي‏:‏

أ - إن نوى النّزول وقت اصفرار الشّمس أو قبله أخّر الظّهر، ليجمعها مع العصر جمع تأخير وقت نزوله وجوباً على ما قال الدّسوقيّ وجوازاً على ما قال اللّخميّ‏.‏

ب - وإن نوى النّزول بعد الغروب جمع بينهما جمعاً صوريّاً، وهو أن يصلّي الظّهر آخر وقته الاختياريّ، والعصر أوّل وقته الاختياريّ‏.‏

هذا بالنّسبة للظّهر والعصر‏.‏ ومثلهما المغرب والعشاء مع مراعاة ما يدخل به وقت العشاء وهو الشّفق وما يخرج به وهو الفجر‏.‏

4 - وذهب الأوزاعيّ إلى جواز جمع التّأخير فقط للمسافر عملاً برواية من حديث أنس رضي الله عنه وهي قوله‏:‏ «فإن زاغت الشّمس قبل أن يرتحل صلّى الظّهر ثمّ ركب»‏.‏ وذهب الحسن البصريّ، والنّخعيّ، وابن سيرين، ومكحول، وأبو حنيفة إلى أنّه لا يجوز الجمع للمسافر لا تقديماً ولا تأخيراً، وتأوّلوا ما ورد من جمعه صلى الله عليه وسلم بأنّه جمع صوريّ، وهو أنّه أخّر الظّهر إلى آخر وقتها وقدّم العصر في أوّل وقتها وفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء‏.‏

واستدلّوا بأدلّة منها‏:‏

أ - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏.‏ «ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلّى صلاة بغير ميقاتها إلاّ صلاتين جمع بين المغرب والعشاء»‏.‏

ب - قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ليس في النّوم تفريط إنّما التّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتّى يجيء وقت الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلّها عند وقتها»‏.‏

ج - واحتجّوا بأنّ مواقيت الصّلاة ثبتت بالتّواتر وأحاديث الجمع آحاد فلا يجوز ترك المتواتر بخبر الواحد‏.‏

5- وقد اتّفق القائلون بجواز الجمع بسبب السّفر على أنّه يجوز الجمع للمسافر بين الصّلاتين - الظّهر والعصر أو المغرب والعشاء - في وقت الأولى منهما وفي وقت الثّانية كذلك‏.‏

غير أنّه إن كان نازلاً في وقت الأولى فالأفضل أن يقدّم الثّانية في وقت الأولى، وإن كان سائرا فيها فالأفضل أن يؤخّرها إلى وقت الثّانية، لما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما «ألا أخبركم عن صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشّمس وهو في المنزل أي مكان النّزول في السّفر قدّم العصر إلى وقت الظّهر ويجمع بينهما في الزّوال، وإذا سافر قبل الزّوال أخّر الظّهر إلى وقت العصر ثمّ جمع بينهما في وقت العصر»‏.‏

ولأنّ هذا أرفق بالمسافر فكان أفضل‏.‏

أمّا إن كان سائراً في وقتيهما أو نازلاً فيه وأراد جمعهما، فالأفضل تأخير الأولى منهما إلى وقت الثّانية، لأنّ وقت الثّانية وقت للأولى حقيقة بخلاف العكس‏.‏

ويرى الأوزاعيّ عدم جواز جمع التّقديم‏.‏

شروط صحّة جمع التّقديم

6 - ذهب جمهور الفقهاء القائلين بجواز الجمع إلى أنّه يشترط لجمع التّقديم أربعة شروط‏:‏ أوّلها‏:‏ البداءة بالأولى من الصّلاتين كالظّهر والمغرب لأنّ الوقت لها والثّانية تبع لها والتّابع لا يتقدّم على متبوعه، فلو صلّى العصر قبل الظّهر أو العشاء قبل المغرب لم يصحّ الظّهر في الصّورة الأولى، ولا العشاء في الثّانية، وعليه أن يعيدها بعد الأولى إذا أراد الجمع‏.‏ ثانيها‏:‏ نيّة الجمع ومحلّها الفاضل أوّل الصّلاة الأولى ويجوز في أثنائها إلى سلامها‏.‏

ثالثها‏:‏ الموالاة بين الصّلاتين وهي أن لا يفصل بينهما زمن طويل، أمّا الفصل اليسير فلا يضرّ، لأنّ من العسير التّحرّز منه‏.‏ فإن أطال الفصل بينهما بطل الجمع سواء أفرّق بينهما لنوم، أم سهو، أم شغل، أم غير ذلك‏.‏

والمرجع في الفصل اليسير والطّويل العرف كما هو الشّأن في الأمور الّتي لا ضابط لها في الشّرع أو في اللّغة كالحرز والقبض وغيرهما‏.‏

وقدّر بعض الحنابلة والشّافعيّة الفصل اليسير بقدر الإقامة، وزاد الحنابلة وقدر الوضوء‏.‏ رابعها‏:‏ دوام سفره حال افتتاح الأولى والفراغ منها وافتتاح الثّانية، فإذا نوى الإقامة أثناء الصّلاة الأولى، أو وصل إلى بلده وهو في الأولى، أو صار مقيماً بين الصّلاتين انقطع الجمع لزوال سببه، ولزمه تأخير الثّانية إلى وقتها‏.‏

شروط صحّة جمع التّأخير

7 - يشترط لصحّة جمع التّأخير نيّة الجمع قبل خروج وقت الأولى بزمن لو ابتدئت فيه كانت أداء، فإن أخّرها بغير نيّة الجمع أثم وتكون قضاء لخلوّ وقتها عن الفعل أو العزم‏.‏ وزاد الشّافعيّة شرطاً آخر لجمع التّأخير وهو دوام سفره إلى تمام الصّلاتين، فإن أقام قبل فراغه منهما أصبحت الأولى قضاء‏.‏

أمّا الحنابلة فيشترطون استمرار السّفر إلى حين دخول وقت الثّانية، وعليه فلا يضرّ زوال السّفر قبل فعل الصّلاتين وبعد دخول وقت الثّانية‏.‏

8- وقد اختلف الفقهاء في جواز الجمع في السّفر القصير‏.‏

فذهب الشّافعيّة في الرّاجح عندهم والحنابلة إلى أنّه لا يجوز الجمع في السّفر القصير، لأنّ الجمع رخصة ثبتت لدفع المشقّة في السّفر فاختصّت بالطّويل كالقصر، ولأنّه إخراج عبادة عن وقتها فلم يجز في السّفر القصير كالفطر في الصّوم، ولأنّ دليل الجمع فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم والفعل لا صيغة له وإنّما هو قضيّة عين، فلا يثبت حكمها إلاّ في مثلها، ولم ينقل أنّه صلى الله عليه وسلم جمع إلاّ في سفر طويل‏.‏

وذهب الشّافعيّة في المرجوح عندهم إلى جواز الجمع في السّفر القصير لأنّ أهل مكّة يجمعون بعرفة ومزدلفة وهو سفر قصير‏.‏

وتفصيل ما يتّصل بالسّفر قصراً وطولاً ينظر في‏:‏ ‏(‏صلاة المسافر‏)‏‏.‏

هذا وروي عن أحمد أنّ الجمع لا يجوز إلاّ إذا كان سائراً في وقت الأولى فيؤخّر إلى وقت الثّانية ثمّ يجمع بينهما‏.‏

والرّواية الثّانية جواز تقديمه الصّلاة الثّانية ليصلّيها مع الأولى على ما سبق‏.‏

الجمع للمرض

9 - اختلف الفقهاء في جواز الجمع للمريض فذهب المالكيّة والحنابلة إلى جواز الجمع بين الظّهر والعصر وبين المغرب والعشاء بسبب المرض‏.‏

واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «جمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين الظّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر»

وفي رواية‏:‏ «من غير خوف ولا سفر»‏.‏

وقد أجمعوا على أنّ الجمع لا يكون إلاّ لعذر فيجمع للمرض‏.‏

وقد ثبت «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش رضي الله عنهما لمّا كانتا مستحاضتين بتأخير الظّهر وتعجيل العصر والجمع بينهما بغسل واحد»‏.‏

ثمّ إنّ هؤلاء الفقهاء قاسوا المرض على السّفر بجامع المشقّة فقالوا‏:‏ إنّ المشقّة على المريض بجامع في إفراد الصّلوات أشدّ منها على المسافر‏.‏

إلاّ أنّ المالكيّة يرون أنّ الجمع الجائز بسبب المرض هو جمع التّقديم فقط لمن خاف الإغماء أو الحمّى أو غيرهما‏.‏ وإن سلم من هذه الأمراض ولم تصبه أعاد الثّانية في وقتها‏.‏

أمّا الحنابلة فيرون أنّ المريض مخيّر بين التّقديم والتّأخير كالمسافر، فإن استوى عنده الأمران فالتّأخير أولى، لأنّ وقت الثّانية وقت للأولى حقيقة بخلاف العكس، والمرض المبيح للجمع عند الحنابلة هو ما يلحقه به بتأدية كلّ صلاة في وقتها مشقّة وضعف‏.‏ وألحقوا المستحاضة، ومن به سلس بول، ومن في معناهما كالمرضع بالمريض في جواز الجمع‏.‏ وإلى رأي المالكيّة والحنابلة في جواز الجمع للمريض ذهب جماعة من فقهاء الشّافعيّة منهم القاضي حسين، وابن المقري، والمتولّي، وأبو سليمان الخطّابيّ‏.‏

وقال الإمام النّوويّ‏:‏ هذا الوجه قويّ جدّاً‏.‏

قال القاضي حسين‏:‏ يجوز الجمع بعذر المرض تقديماً وتأخيراً والأولى أن يفعل أرفقهما به‏.‏ وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا يجوز الجمع بسبب المرض لأنّه لم يثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولأنّ أخبار المواقيت ثابتة فلا تترك أو تخالف بأمر محتمل وغير صريح، ولا سيّما أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم مرض أمراضاً كثيرة ولم ينقل جمعه بالمرض صريحاً‏.‏

الجمع للمطر، والثّلج، والبرد، ونحوها

10 - ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر المبلّل للثّياب والثّلج والبرد لما في الصّحيحين عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظّهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً» زاد مسلم «من غير خوف ولا سفر»‏.‏

قال كلّ من الإمام مالك والشّافعيّ رحمهما الله‏:‏ أرى ذلك بعذر المطر‏.‏ ولم يأخذ الجمهور بالرّواية الأخرى وهي قوله‏:‏ «من غير خوف ولا مطر» لأنّها تخالف رواية الجمهور‏.‏ ولأنّه ثبت أنّ ابن عبّاس وابن عمر رضي الله عنهم كانا يجمعان بسبب المطر‏.‏

وهو قول الفقهاء السّبعة والأوزاعيّ‏.‏

إلاّ أنّ الجمهور اختلفوا في مسائل منها‏:‏

أ - يرى المالكيّة والحنابلة أنّه لا يجوز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب المطر ونحوه لما روي أنّ أبا سلمة بن عبد الرّحمن قال‏:‏ «إنّ من السّنّة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء»‏.‏ ولأنّ المشقّة في المغرب والعشاء أشدّ لأجل الظّلمة‏.‏

أمّا الشّافعيّة فيرون أنّه يجوز الجمع بين الظّهر والعصر كذلك بسبب المطر ونحوه، لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما المتقدّم ذكره ولأنّ العلّة هي وجود المطر سواء أكان ذلك في اللّيل أم في النّهار‏.‏

ب - أنّهم اختلفوا في حكم جمع التّقديم والتّأخير‏:‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة في الجديد إلى جواز جمع التّقديم فقط دون جمع التّأخير لأنّ استدامة المطر ليست مؤكّدة، فقد ينقطع المطر فيؤدّي إلى إخراج الصّلاة عن وقتها من غير عذر‏.‏ وذهب الحنابلة إلى جواز جمع التّأخير بسبب المطر كالسّفر، وإلى هذا ذهب الإمام الشّافعيّ في القديم‏.‏

ج - يشترط المالكيّة والشّافعيّة للجمع بسبب المطر البداءة بالأولى من الصّلاتين ونيّة الجمع بينهما والموالاة على التّفصيل الّذي سبق في الجمع بسبب السّفر ‏(‏ف / 3‏)‏‏.‏

وهناك شروط أخرى اشترطها المالكيّة والشّافعيّة للجمع بسبب المطر منها‏:‏

أولاً‏:‏ وجود المطر في أوّل الصّلاتين وعند السّلام من الأولى وعند دخول الثّانية‏.‏

ثانياً‏:‏ الرّخصة خاصّة بالمصلّي جماعة في مسجد، فلا يجمع المصلّي في بيته وهذا أحد القولين عند الحنابلة‏.‏ والأرجح عند الحنابلة‏:‏ أنّ الرّخصة عامّة فلا فرق بين من يصلّي جماعة في مسجد وبين غيره ممّن يصلّي في غير مسجد أو منفرداً، لأنّه قد روي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جمع في المطر» وليس بين حجرته والمسجد شيء‏.‏

ولأنّ العذر إذا وجد استوى فيه وجود المشقّة وغيره‏.‏

د - يرى المالكيّة وهو القول الأصحّ عند الحنابلة‏:‏

أنّ الطّين أو الوحل عذر يبيح الجمع كالمطر، لأنّه يلوّث الثّياب والنّعال ويتعرّض الإنسان فيه للزّلق وتتأذّى نفسه وثيابه، وهذا أعظم من البلل وإلى هذا ذهب بعض الشّافعيّة‏.‏

إلاّ أنّ المالكيّة قالوا‏:‏ إن اجتمع المطر والطّين والظّلمة، أو اثنان منها، أو انفرد المطر جاز الجمع، بخلاف انفراد الظّلمة، وفي انفراد الطّين قولان، والمشهور عدم الجمع‏.‏ والمعتمد عند الشّافعيّة أنّه لا يجوز الجمع بسبب الطّين أو الوحل قالوا لأنّ ذلك كان على زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنّه جمع من أجله‏.‏

ز - يرى الحنابلة في الرّاجح عندهم أنّه يجوز الجمع من أجل الرّيح الشّديدة في اللّيلة الباردة لأنّ ذلك عذر في ترك الجمعة والجماعة، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في اللّيلة المطيرة، أو اللّيلة الباردة ذات الرّيح صلّوا في رحالكم»‏.‏

والوجه الثّاني عندهم أنّه لا يباح الجمع من أجل الرّيح‏.‏

لأنّ المشقّة فيها دون المشقّة في المطر فلم يصحّ إلحاقها بالمطر‏.‏

أمّا المالكيّة والشّافعيّة فلا يجيزون الجمع من أجل الرّيح الشّديدة والظّلمة، لأنّهما كانتا في زمان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنّه جمع من أجلهما‏.‏

الجمع للخوف

11 - ذهب الحنابلة وبعض الشّافعيّة وهو رواية عند المالكيّة إلى جواز الجمع بسبب الخوف واستدلّوا بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما «صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظّهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً» زاد مسلم «من غير خوف ولا سفر» وهذا يدلّ على أنّ الجمع للخوف أولى‏.‏

وذهب أكثر الشّافعيّة وهو الرّواية الأخرى للمالكيّة إلى عدم جواز الجمع للخوف لثبوت أحاديث المواقيت ولا تجوز مخالفتها إلاّ بنصّ صريح غير محتمل‏.‏

وقد سبق أنّ الحنفيّة لا يجيزون الجمع لسفر ولا لمطر ولا لغيرهما من الأعذار الأخرى‏.‏

الجمع بدون سبب

12 - ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز الجمع لغير الأعذار المذكورة، لأنّ أخبار المواقيت الثّابتة لا تجوز مخالفتها إلاّ بدليل خاصّ، ولأنّه تواتر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم المحافظة على أوقات الصّلوات حتّى «قال ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ ما رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى صلاة لغير ميقاتها إلاّ صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع» أي بمزدلفة ‏"‏ الحديث‏.‏

وذهب طائفة من الفقهاء منهم - أشهب من المالكيّة، وابن المنذر من الشّافعيّة، وابن سيرين وابن شبرمة - إلى جواز الجمع لحاجة ما لم يتّخذ ذلك عادة‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ يجوز الجمع في الحضر من غير خوف، ولا مطر، ولا مرض‏.‏ وهو قول جماعة من أهل الحديث لظاهر حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جمع بين الظّهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر» فقيل لابن عبّاس لم فعل ذلك قال‏:‏ أراد أن لا يحرج أمّته‏.‏ ولما روي من الآثار عن بعض الصّحابة والتّابعين رضي الله عنهم من أنّهم كانوا يجمعون لغير الأعذار المذكورة‏.‏

جمعة

انظر‏:‏ صلاة الجمعة‏.‏

جمّاء

التّعريف

1 - الجمّاء في اللّغة‏:‏ جمّت الشّاة جمما، إذا لم يكن لها قرن والذّكر أجمّ، والأنثى جمّاء، يقال‏:‏ شاة جمّاء وكبش أجمّ‏.‏

والجلح في البقر مثل الجمم في الشّاء‏.‏ وقيل‏:‏ الجلحاء كالجمّاء‏:‏ الشّاة الّتي لا قرن لها‏.‏ وفي الحديث‏:‏ «لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشّاة الجلحاء من الشّاة القرناء» أي إذا نطحتها‏.‏

قال الأزهريّ‏:‏ وهذا يبيّن أنّ الجلحاء من الشّاة والبقر بمنزلة الجمّاء الّتي لا قرن لها‏.‏ واستعمل الفقهاء اللّفظين فيما لا قرن له من غنم أو بقر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

القصماء والعضباء‏:‏

2 - القصماء والعضباء‏:‏ مكسورتا القرن‏.‏ وفي اللّسان‏:‏ القصماء من المعز‏:‏ الّتي انكسر قرناها من طرفيهما إلى المشاشة‏.‏ والعضباء‏:‏ الشّاة المكسورة القرن الدّاخل وهو المشاش‏.‏ أمّا العضباء من الإبل فهي الّتي شقّت أذنها والعضباء من الخيل ما قطع ربع أذنها فأكثر‏.‏ وقد فسّر المالكيّة والحنابلة العضباء بأنّها الشّاة الّتي ذهب نصف قرنها فأكثر‏.‏

وفي المهذّب‏:‏ العضباء‏:‏ هي الّتي انكسر قرنها‏.‏

وفي المجموع‏:‏ العضباء هي‏:‏ مكسورة ظاهر القرن وباطنه‏.‏

والقصماء - وتسمّى العصماء - فسّرها الشّافعيّة والحنابلة بأنّها الّتي انكسر غلاف قرنها‏.‏ فالجمّاء هي‏:‏ المخلوقة بلا قرن‏.‏

والعضباء والقصماء أو العصماء هي مكسورة القرن بعد وجوده‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - الجمّاء من البقر والغنم - وهي المخلوقة بلا قرن - تجزئ في الأضحيّة والهدي عند الحنفيّة والمالكيّة وعند الحنابلة عدا ابن حامد وعند الشّافعيّة مع الكراهة‏.‏

ودليل الجواز أنّ القرن لا يتعلّق به مقصود ولا يؤثّر في اللّحم ولم يرد فيه نهي، وقد روي أنّ «عليّاً رضي الله عنه سئل عن القرن فقال‏:‏ لا يضرّك، أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن»‏.‏ لكنّ ذات القرن أفضل باتّفاق، للحديث الصّحيح «ضحّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين»‏.‏

وقال ابن حامد من الحنابلة‏:‏ لا تجزئ الجمّاء في أضحيّة أو هدي لأنّ ذهاب أكثر من نصف قرن يمنع، فذهاب جميعه أولى، ولأنّ ما منع منه العور ومنع منه العمى، وكذلك ما منع منه العضب يمنع منه كونه أجمّ أولى‏.‏

4 - أمّا مكسورة القرن سواء أكانت عضباء أم قصماء فإنّها تجزئ عند الحنفيّة إذا لم يبلغ الكسر المشاش، فإذا بلغ الكسر المشاش فإنّها لا تجزئ‏.‏

وتجزئ عند المالكيّة إن برئ الكسر ولم يدم، فإن كان الكسر يدمى فلا تجزئ، لأنّه مرض، والمراد عدم البرء لا خصوص سيلان الدّم‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يجوز مع الكراهة التّضحية بمكسورة القرن سواء أدمى قرنها أم لا إذا لم يؤثّر في اللّحم، لأنّ القرن لا يتعلّق به كبير غرض، فإن أثّر الكسر في اللّحم فلا تجزئ‏.‏ وقيّد الحنابلة الإجزاء وعدمه بالمساحة‏.‏ فإن كان الذّاهب أكثر قرنها فإنّها لا تجزئ، لأنّ الأكثر كالكلّ، ولحديث عليّ رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يضحّى بأعضب الأذن والقرن»، قال قتادة‏:‏ فذكرت ذلك لسعيد بن المسيّب فقال‏:‏ العضب‏:‏ النّصف أو أكثر من ذلك‏.‏

وعن الإمام أحمد روايتان فيما زاد على الثّلث‏.‏

إحداهما‏:‏ إن كان دون النّصف جاز واختاره الخرقيّ‏.‏

والثّانية‏:‏ إن كان ثلث القرن فصاعداً لم يجز وإن كان أقلّ جاز ولا يجزئ عند الحنابلة العصماء وهي الّتي انكسر غلاف قرنها‏.‏

5- ومستأصلة القرنين دون أن تدمى، أي مكسورتهما من أصلهما، ففيها قولان عند المالكيّة‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ لا تجزئ، وقال ابن الموّاز‏:‏ تجزئ وهو المنقول عن كتاب محمّد بن القاسم‏.‏

والمفهوم من كلام الحنابلة أنّها لا تجزئ عندهم إذ لا يجزئ عندهم ما ذهب نصف قرنها‏.‏