فصل: فَقْد الطَّهورَين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


فُضُوليّ

التّعريف

1 - الفضوليّ لغةً من يشتغل بما لا يعنيه، نسبةً إلى الفضول، جمع فضل، وهو الزّيادة‏.‏ غير أنّ هذا الجمع - الفضول - غلب استعماله على ما لا خير فيه، حتّى صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى، ومن أجل ذلك كان في النّسبة إليه تلك الدّلالة‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء يطلق الفضوليّ على من يتصرّف في حقّ الغير بلا إذن شرعيّ وذلك لكون تصرّفه صادراً من غير ملك ولا وكالة ولا ولاية‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الوليّ‏:‏

2 - الوليّ لغةً‏:‏ من الوَلْي، بمعنى القرب والنّصرة، والوليّ خلاف العدوّ‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الوليّ من يملك الولاية، وهي تنفيذ القول على الغير‏.‏

ويختلف معنى الوليّ حسب اختلاف المواضيع، قال التّمرتاشيّ في باب النّكاح‏:‏ هو البالغ العاقل الوارث‏.‏

ويمكن تعريف الوليّ بوجه عامّ أنّه من يتصرّف للغير بحكم الشّرع، كالوالد لولده الصّغير أو المجنون، وكذا القاضي والإمام‏.‏

والصّلة بينه وبين الفضوليّ، أنّ الوليّ له حقّ التّصرّف في حقّ المولّى عليه شرعاً، بخلاف الفضوليّ‏.‏

ب - الوكيل‏:‏

3 - من معاني الوكيل لغةً‏:‏ الحافظ والكافي، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ‏}‏‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ الوكيل فعيل من الوكالة، وهي تفويض واحد أمره لآخر وإقامته مقامه في ذلك الأمر‏.‏

فالوكيل هو المفوّض والنّائب عن الغير في أمر قابل للنّيابة‏.‏

والصّلة بينه وبين الفضوليّ أنّ كليهما يتصرّف للغير، لكنّ الوكيل بالتّفويض من الغير، والفضوليّ بغير تفويض‏.‏

ج - المالك‏:‏

4 - المالك فاعل من الملك، وهو شرعاً اختصاص العمل في التّصرّف، والمالك صاحب الملك‏.‏

وقال ابن نجيم‏:‏ الملك قدرة يثبتها الشّارع ابتداءً على التّصرّف إلاّ لمانع‏.‏

وعلى ذلك فمالك الشّيء هو القادر على التّصرّف فيه ابتداءً، فهو مقابل الفضوليّ الّذي ليس له التّصرّف ابتداءً، وإنّما تصحّ بعض تصرّفاته بإجازة المالك انتهاءً عند بعض الفقهاء‏.‏

الأحكام المتعلّقة بتصرّفات الفضوليّ

بيع الفضوليّ

5 - اختلف الفقهاء في حكم بيع الفضوليّ - في الجملة - على قولين‏:‏

أحدهما للحنفيّة والمالكيّة وأحمد في رواية عنه‏:‏ هو أنّ بيع الفضوليّ ينعقد موقوفاً على إجازة المالك، فإن أجازه نفذ، وإن ردّه بطل‏.‏

والثّاني للحنابلة والشّافعيّة في المعتمد‏:‏ وهو أنّ بيع الفضوليّ باطل، فلا ينقلب صحيحاً ولو أجازه المالك بعد‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع الفضوليّ ف 6‏)‏‏.‏

شراء الفضوليّ

6 - اختلف الفقهاء في حكم شراء الفضوليّ لغيره على أربعة أقوال‏:‏

أحدها للمالكيّة وأحمد في رواية عنه‏:‏ وهو أنّ شراء الفضوليّ كبيعه، ينعقد موقوفاً على إجازة من اشترى له، فإن أجازه نفذ، وإن ردّه بطل‏.‏

والثّاني للشّافعيّ في الجديد والحنابلة في الصّحيح من المذهب‏:‏ وهو أنّ شراء الفضوليّ باطل لا يترتّب عليه أي حكم أو أثر‏.‏

والثّالث للحنفيّة‏:‏ حيث فرّقوا بين ما إذا أضاف العقد إلى نفسه، وبين ما إذا أضافه إلى الّذي اشتراه له، وقالوا‏:‏ إذا أضافه الفضوليّ إلى نفسه، كانت العين المشتراة له، سواء وجدت الإجازة من الّذي اشتراه له أو لم توجد، لأنّ الشّراء إذا وجد نفاذاً على العاقد أمضي عليه، لأنّ الأصل أن يكون تصرّف الإنسان لنفسه لا لغيره، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لَهَا مَا كَسَبَتْ ‏}‏ وشراء الفضوليّ كسبه حقيقةً، فالأصل أن يكون له إلاّ إذا جعله لغيره، أو لم يجد نفاذاً عليه لعدم الأهليّة، فعندئذ يتوقّف على إجازة من اشترى له، بأن كان الفضوليّ عبداً محجوراً، أو صبيّاً مميّزاً واشترى لغيره، فإنّ شراءه يتوقّف على إجازة ذلك الغير، إذ الشّراء لم يجد نفاذاً عليه، فيتوقّف على إجازة الّذي اشتري له ضرورةً، فإن أجازه نفذ، وإن ردّه بطل‏.‏

وإن أضاف الفضوليّ العقد إلى الّذي اشتراه له، بأن قال الفضوليّ للبائع‏:‏ بع دابّتك هذه من فلان بكذا، فقال‏:‏ بعت، وقال الفضوليّ‏:‏ قبلت البيع فيه لأجل فلان، أو قال البائع‏:‏ بعت هذا الثّوب من فلان بكذا، وقبل المشتري الفضوليّ منه الشّراء لأجل فلان، فإنّ هذا العقد يكون موقوفاً على إجازة المشترى له‏.‏

والرّابع للشّافعيّ في القديم، وحكي عنه في الجديد وقد قسّم شراء الفضوليّ إلى أربع حالات، وافقه الحنابلة في ثلاث منها في القسمة لا في الحكم‏.‏

وبيان ذلك‏:‏

الحالة الأولى‏:‏ أن يشتري للغير بعين مال الغير، وللشّافعيّ في ذلك قولان‏:‏ الوقف وهو رواية عن الإمام أحمد، والبطلان وهو المذهب عند الحنابلة‏.‏

والحالة الثّانية‏:‏ أن يشتري بمال نفسه للغير، وقد فرّق الشّافعيّ في هذه الحالة بين ما إذا سمّى في العقد من اشترى له، وبين ما إذا لم يسمّه‏:‏ فإن سمّاه نظر‏:‏ فإن لم يأذن لغت التّسمية، وفي وقوعه عن الفضوليّ وجهان‏:‏ الوقف، والبطلان، وإن أذن له، فهل تلغو التّسمية أم لا ‏؟‏ فإن قلنا‏:‏ تلغو، فهل يقع عن المباشر، أم يبطل من أصله ‏؟‏ وجهان، وإن قلنا‏:‏ لا تلغو، وقع العقد عن الآذن‏.‏

وإن لم يسمّه وقع عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أم لا‏.‏

أمّا الحنابلة فالمذهب عندهم في هذه الحالة هو بطلان الشّراء مطلقاً، إلاّ ما روي عن بعض فقهائهم من طرد قولي الوقف والبطلان فيها‏.‏

والحالة الثّالثة‏:‏ أن يشتري الفضوليّ لغيره في الذّمّة بغير إذنه، وفي هذه الحالة ينظر‏:‏ فإن لم يسمّ ذلك الغير في العقد، فالشّافعيّ في الجديد قال‏:‏ يقع عن المباشر، وفي القديم قال‏:‏ يتوقّف على إجازة المشتري له، فإن أجازه نفذ في حقّه، وإن ردّه نفذ في حقّ الفضوليّ، وقال الحنابلة‏:‏ يصحّ - على الصّحيح - ويكون موقوفاً على الإجازة‏.‏

وإن سمّاه في العقد، فقال الشّافعيّة‏:‏ هو كشرائه بعين مال الغير‏.‏

وعند الحنابلة قولان‏:‏ الصّحيح أنّه لا يصحّ هذا العقد، والثّاني أنّ حكمه حكم ما إذا لم يسمّه في العقد‏.‏

والحالة الرّابعة‏:‏ أن يضيف الشّراء إلى الغير بثمن معيّن، وهذه الحالة انفرد بذكرها الشّافعيّة، ولهم حسب المحكيّ في الجديد وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ يلغو العقد، والثّاني يقع عن المباشر‏.‏

إجارة الفضوليّ

7 - اختلف الفقهاء في حكم إجارة الفضوليّ لأعيان الغير، هل هي صحيحة موقوفة على الإجارة أم أنّها باطلة شرعاً ‏؟‏ وذلك على قولين‏:‏

أحدهما للحنفيّة والمالكيّة وأحمد في رواية عنه‏:‏ وهو أنّ إجارة الفضوليّ تنعقد موقوفةً على إجازة المالك أو وليّه، فإن أجازها نفذت، وإن ردّها بطلت‏.‏

والثّاني للشّافعيّ في الجديد، والحنابلة على الصّحيح في المذهب‏:‏ وهو أنّ إجارة الفضوليّ باطلة، لأنّها عقد صدر من غير مالك أو ذي ولاية في إبرامه، فيكون باطلاً‏.‏

ثمّ إنّ الحنفيّة فرّقوا بين كون الفضوليّ في عقد الإجارة مؤجّراً وبين كونه مستأجراً، فجعلوا إجارته كبيعه، واستئجاره كشرائه‏.‏

إنكاح الفضوليّ

8 - اختلف الفقهاء في حكم إنكاح الفضوليّ من غير ولاية أو نيابة على أربعة أقوال‏:‏ أحدها للحنابلة، والشّافعيّ في الجديد‏:‏ هو أنّ إنكاح الفضوليّ باطل لا تؤثّر فيه إجازة الوليّ‏.‏

والثّاني لأحمد في رواية عنه، وأبي يوسف‏:‏ وهو أنّ إنكاح الفضوليّ صحيح، لكنّه يتوقّف على إجازة الوليّ، فإن أجازه نفذ، وإن ردّه بطل‏.‏

والثّالث لأبي حنيفة، ومحمّد بن الحسن‏:‏ وهو أنّه إذا كان المتولّي لطرفي النّكاح شخصاً واحداً فضوليّاً، كان العقد باطلاً، سواء تكلّم بكلام واحد أو بكلامين ومثل ذلك في الحكم إذا كان فضوليّاً بالنّسبة لأحد الطّرفين، ولو كان أصيلاً أو وكيلاً أو وليّاً عن الطّرف الآخر، ما دام قد تولّى العقد عن الطّرفين‏.‏

أمّا إذا لم يكن المتولّي لطرفي النّكاح فضوليّاً، فيكون عقده موقوفاً على الإجازة، سواء قبل فيه فضوليّ آخر أو أصيل أو وكيل‏.‏

والرّابع للمالكيّة‏:‏ وهو التّفريق بين كون الوليّ مجبراً وبين كونه غير مجبر، فإن كان الوليّ مجبراً، لم يجز النّكاح الواقع من الفضوليّ ولو أجازه الوليّ، أمّا إذا لم يكن له الإجبار، فإمّا أن تكون المزوّجة ذات قدر، أو دنيئةً، فإن كانت ذات قدر، فقال مالك‏:‏ ما فسخه بالبيّن، ولكنّه أحبّ إليّ، وقال ابن القاسم‏:‏ له إجازة ذلك وردّه ما لم يبن بها الزّوج، وقال بعض فقهاء المالكيّة‏:‏ إن دخل بها الزّوج، وطال مكثه معها بمضيّ ثلاث سنين، أو ولادة ولدين فأكثر، لم يفسخ النّكاح، وإلاّ كان الوليّ مخيّراً بين الفسخ والإمضاء‏.‏

وإن كانت دنيئةً، فعندهم في إنكاحه قولان، أحدهما‏:‏ أنّ النّكاح ماض مطلقاً، وهو المشهور في المذهب‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّها كذات القدر الشّريفة‏.‏

وصيّة الفضوليّ

9 - اختلف الفقهاء في حكم وصيّة الفضوليّ من مال غيره على قولين‏:‏

أحدهما للحنفيّة، وهو القديم عند الشّافعيّة، وحكي في الجديد عن الشّافعيّ وهو قول عند الحنابلة‏:‏ وهو أنّه تصحّ وصيّة الفضوليّ، لكنّها تكون موقوفةً على إجازة المالك، وذلك لأنّ الوصيّة تصحّ بالمعدوم، فأولى أن تصحّ من الفضوليّ‏.‏

والثّاني للمالكيّة - وهو الأصحّ عند الحنابلة والقول الجديد عند الشّافعيّة -‏:‏ وهو أنّ وصيّة الفضوليّ لا تصحّ مطلقاً، لأنّه تبرّع ممّن لا ملك له ولا ولاية ولا نيابة، فيكون باطلاً‏.‏

هبة الفضوليّ

10 - اختلف الفقهاء في حكم هبة الفضوليّ لمال غيره على قولين‏:‏

أحدهما للمالكيّة على المشهور، والحنابلة والشّافعيّ في الجديد وعليه المذهب‏:‏ وهو أنّ هبة الفضوليّ باطلة، إذ يستحيل على المرء أن يملّك ما لا يملك‏.‏

والثّاني للحنفيّة، وهو رواية عند المالكيّة‏:‏ وهو أنّ هبة الفضوليّ تنعقد صحيحةً، غير أنّها تكون موقوفةً على إجازة المالك، فإن ردّها بطلت، وإن أجازها كان لإجازته حكم الوكالة السّابقة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ الفرق بين بيع الفضوليّ وهبته أنّ البيع تمليك في نظير عوض، أمّا الهبة فالتّمليك فيها مجّاناً، ولهذا اختلف الحكم بينهما‏.‏

وقف الفضوليّ

11 - اختلف الفقهاء في حكم وقف الفضوليّ لمال غيره على قولين‏:‏

أحدهما للمالكيّة على المشهور، والحنابلة، والشّافعيّ في الجديد‏:‏ وهو أنّ وقف الفضوليّ باطل، سواء أجازه المالك بعد أم لا‏.‏

والثّاني للحنفيّة، وهو قول عند المالكيّة، ورواية عن أحمد‏:‏ وهو أنّ وقف الفضوليّ صحيح، غير أنّه يكون موقوفاً على إجازة المالك، فإن أجازه نفذ، وإن ردّه بطل‏.‏

صلح الفضوليّ

12 - اتّفق الفقهاء على جريان الصّلح من الفضوليّ كجريانه ممّن عليه الحقّ، واختلفوا في ضمن ذلك إلى أقوال وصور وشروط كثيرة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلح ف 19 - 22‏)‏‏.‏

فَضِيخ

انظر‏:‏ أشربة‏.‏

فِطَام

التّعريف

1 - الفطام لغةً‏:‏ القطع، يقال‏:‏ فطم العود يفطمه فطماً وفطاماً‏:‏ قطعه، وفطمت الأمّ ولدها فطماً، فصلته عن رضاعها، فهو فطيم ومفطوم، والأنثى فطيم وفطيمة، وكلّ دابّة تفطم، وفطام الصّبيّ فصاله عن أمّه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الرّضاع‏:‏

2 - الرّضاع - بكسر الرّاء وفتحها - لغةً‏:‏ مصدر رضع، يقال‏:‏ رضع أمّه يرضعها - بالكسر والفتح - أي امتصّ ثديها أو ضرعها وشرب لبنه، وأرضعت ولدها فهي مرضع ومرضعة، وهو رضيع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ اسم لوصول لبن امرأة أو ما حصل من لبنها في جوف طفل بشروط معيّنة‏.‏

والصّلة بينهما أنّ الفطام نهاية الرّضاع‏.‏

ما يتعلّق بالفطام من أحكام

أ - وقت الفطام‏:‏

3 - حدّد القرآن الكريم مدّة الحمل والرّضاع بثلاثين شهراً في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَََلاثُونَ شَهْرًا ‏}‏‏.‏

ونصّ في آية أخرى على مدّة الرّضاع فقط فقال‏:‏ ‏{‏ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ‏}‏‏.‏

وصرّح في آية ثالثة بأنّ الفطام يكون بعد سنتين فقال‏:‏ ‏{‏ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ‏}‏، ومن الواضح أنّ العامين يبدآن من الولادة‏.‏

قال جمهور الفقهاء والمفسّرين‏:‏ الحولان غاية لإرضاع كلّ مولود‏.‏

وعن قتادة بن دعامة السّدوسيّ أنّ إرضاع الأمّ الحولين كان فرضاً، ثمّ خفّف بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ‏}‏‏.‏

وقال عبد اللّه بن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ إنّ إرضاع الأمّ الحولين مختصّ بمن وضعت لستّة أشهر، ومهما وضعت لأكثر من ستّة أشهر نقص من مدّة الحولين‏.‏

والغاية من التّحديد دفع اختلاف الزّوجين في وقت الفطام، إذ المدّة المعتبرة شرعاً للرّضاع هي سنتان، على أنّه يجوز لهما التّنقيص منهما لأمر ما إذا تشاورا وتراضيا‏.‏

على أن يكون التّراضي عن تفكّر لئلاّ يتضرّر الرّضيع، واعتبر اتّفاق الأبوين لما للأب من النّسب والولاية، وللأمّ من الشّفقة والعناية‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ‏}‏‏.‏

قال ابن العربيّ‏:‏ المعنى أنّ اللّه تعالى لمّا جعل مدّة الرّضاع حولين بيّن أنّ فطامها هو الفطام، وفصالها هو الفصال، وليس لأحد عنه منزع، إلاّ أن يتّفق الأبوان على أقلّ من ذلك العدد من غير مضارّة بالولد، فذلك جائز بهذا البيان‏.‏

ب - أثر الفطام في التّحريم بالرّضاع‏:‏

4 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّ شرط التّحريم بالرّضاع أن يكون الرّضاع في الحولين، قال ابن قدامة‏:‏ وهذا قول أكثر أهل العلم، روي نحو ذلك عن عمر وعليّ وابن عمر وابن مسعود وابن عبّاس وأبي هريرة رضي الله عنهم وأزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم سوى عائشة رضي الله عنهن، وإليه ذهب الشّعبيّ وابن شبرمة والأوزاعيّ‏.‏

وعلى ذلك فلا أثر للفطام في ذلك، فالاعتبار بالعامين، لا بالفطام، فلو فطم قبل الحولين ثمّ ارتضع فيهما لحصل التّحريم، ولو لم يفطم حتّى تجاوز الحولين، ثمّ ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التّحريم‏.‏

واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ‏}‏ قالوا‏:‏ جعل اللّه الحولين الكاملين تمام مدّة الرّضاع، وليس وراء التّمام حكم، وبقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَََلاثُونَ شَهْرًا ‏}‏ وأقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر فبقي مدّة الفصال حولين‏.‏

وبقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين» والفطام معتبر بمدّته لا بنفسه كما قال ابن قدامة‏.‏

واتّفق أبو حنيفة مع الجمهور في أنّ الفطام لا أثر له في التّحريم بالرّضاع لكنّه خالفهم في مدّة الرّضاع فقال‏:‏ إنّها ثلاثون شهراً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَََلاثُونَ شَهْرًا ‏}‏ أي مدّة كلّ واحد من الحمل والفصال ثلاثون شهراً، إلاّ أنّه قام المنقّص في أحدهما يعني مدّة الحمل، وهو حديث عائشة رضي الله عنها‏:‏ ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين ولا قدر ما يتحوّل ظلّ عود المغزل‏.‏

فتبقى مدّة الفصال على ظاهرها، وهي ثلاثون شهراً، فإذا حصل الرّضاع في هذه المدّة يثبت التّحريم سواء أفطم أم لم يفطم، وإذا مضت المدّة لم يتعلّق بالرّضاع تحريم، قال الكاسانيّ‏:‏ لو فصل الرّضيع في مدّة الرّضاع ثمّ سقي بعد ذلك في المدّة كان ذلك رضاعاً محرّماً، ولا يعتبر الفطام، وإنّما يعتبر الوقت، وإذا مضت المدّة لم يتعلّق بالرّضاع تحريم، فطم أو لم يفطم‏.‏

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه قال‏:‏ إذا فطم في السّنتين حتّى استغنى بالفطام ثمّ ارتضع بعد ذلك في السّنتين أو الثّلاثين شهراً لم يكن ذلك رضاعاً، لأنّه لا رضاع بعد الفطام، وإن هي فطمته فأكل أكلاً ضعيفاً لا يستغني به عن الرّضاع ثمّ عاد فأرضع كما يرضع أوّلاً في الثّلاثين شهراً فهو رضاع محرّم، كما يحرّم رضاع الصّغير الّذي لم يفطم‏.‏

أمّا المالكيّة ففي أثر الفطام عندهم التّفصيل التّالي‏:‏

قال الدّردير‏:‏ يحرّم الرّضاع في الحولين أو بزيادة شهرين عليهما إلاّ أن يستغني الصّبيّ بالطّعام عن اللّبن استغناءً بيّناً ولو في الحولين، بأن فطم أو لم يوجد له مرضع في الحولين فاستغنى بالطّعام أكثر من يومين وما أشبههما فأرضعته امرأة فلا يحرّم، قال ابن القاسم‏:‏ إن فطم فأرضعته امرأة بعد فطامه بيوم أو ما أشبهه حرّم، لأنّه لو أعيد للّبن لكان غذاءً له، وأمّا ما دام مستمرّاً على الرّضاع فهو محرّم، ولو كان يستعمل الطّعام ولو على فرض لو فطم لاستغنى به عن الرّضاع‏.‏

وقال الدّسوقيّ‏:‏ إذا حصل الرّضاع في الحولين فإن لم يستغن بأن لم يفطم أصلاً أو فطم ولكن أرضعته بعد فطامه بيوم أو يومين نشر الحرمة باتّفاق، وإن استغنى فإمّا أن يحصل الرّضاع بعد الاستغناء بمدّة قريبة أو بعيدة، فإن كان بمدّة بعيدة لم يعتبر، وكذا إن كان بمدّة قريبة على المشهور، وهو مذهب المدوّنة، ومقابله لمطرّف وابن الماجشون وأصبغ أنّه يحرّم إلى تمام الحولين ولو حصل بعد الاستغناء بمدّة قريبة أو بعيدة‏.‏

واستدلّ المالكيّة على ما ذهبوا إليه في المشهور من أنّ الرّضاع بعد الفطام لا يؤثّر في التّحريم بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يحرّم من الرّضاعة إلاّ ما فتق الأمعاء في الثّدي وكان قبل الفطام»، قالوا‏:‏ ومن استغنى عن اللّبان - أي الرّضاع - فقد فتقت أمعاؤه بالطّعام بحيث صار صلاحها به لا باللّبان‏.‏

واستدلّوا كذلك بحديث‏:‏ «إنّما الرّضاعة من المجاعة» وفسّروه بأنّ الرّضاعة المحرّمة هي ما كانت قبل الفطام، ودفعت عن الرّضيع الجوع، أمّا إذا فطم أثناء الحولين فإن رضاعته ليست من المجاعة لأنّه استغنى بالطّعام عن اللّبن‏.‏

ج - أثر الفطام في حضانة الأمّ‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على أنّ فطام الصّبيّ لا يخوّل نزعه من حضانة أمّه عند الطّلاق إذا لم تحدث أسباب أخرى لتحويله منها إلى غيرها، لما ورد في الخبر‏:‏ «أنّ امرأةً أتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إنّ ابني هذا كان بطني له وعاءً، وحجري له حواءً، وثديي له سقاءً، وزعم أبوه أنّه ينزعه منّي، فقال‏:‏ أنت أحقّ به ما لم تنكحي»‏.‏

قال القرطبيّ عند تفسير الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ‏}‏، الآية في المطلّقات اللاتي لهنّ أولاد من أزواجهنّ، فهنّ أحقّ برضاع أولادهنّ من الأجنبيّات، لأنّهنّ أحنى وأرقّ، وانتزاع الولد الصّغير إضرار به وبها، وهذا يدلّ على أنّ الولد وإن فطم فالأمّ أحقّ بحضانته، لفضل حنوّها وشفقتها، وإنّما تكون أحقّ بالحضانة إذا لم تتزوّج‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حضانة ف 10، 19 وما بعدها‏)‏‏.‏

د - أثر الفطام في تنفيذ الحدّ على أمّ الفطيم‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على وجوب تأخير الحدّ على الحامل حتّى تضع، فإذا وضعت ففيه التّفصيل التّالي‏:‏

إن كان الحدّ رجماً لم ترجم حتّى تسقيه اللّبأ، ثمّ إذا سقته اللّبأ فإن كان له من يرضعه أو تكفّل أحد برضاعه رجمت، وإلاّ تركت حتّى تفطمه، ليزول عنه الضّرر‏.‏

وإن كان الحدّ جلداً فلا أثر للفطام فيه، فتحدّ بعد انقطاع النّفاس إذا كانت قويّةً يؤمن معه تلفها، وإلاّ فالجمهور على أنّه لا يقام عليها الحدّ حتّى تطهر وتقوى ليستوفى الحدّ على وجه الكمال‏.‏

والأصل في ذلك حديث الغامديّة وقد ورد فيه‏:‏ «فجاءت الغامديّة، فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إنّي قد زنيت فطهّرني، وأنّه ردّها، فلمّا كان الغد، قالت‏:‏ يا رسول اللّه لمَ تردّني ‏؟‏ لعلّك أن تردّني كما رددت ماعزاً، فواللّه إنّي لحبلى، قال‏:‏ إمّا لا، فاذهبي حتّى تلدي، فلمّا ولدت أتته بالصّبيّ في خرقة، قالت‏:‏ هذا قد ولدته، قال‏:‏ اذهبي فأرضعيه حتّى تفطميه، فلمّا فطمته أتت بالصّبيّ في يده كسرة خبز، فقالت‏:‏ هذا يا نبيّ اللّه قد فطمته، وقد أكل الطّعام، فدفع الصّبيّ إلى رجل من المسلمين ثمّ أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر النّاس فرجموها»‏.‏

فِطْرة

التّعريف

1 - الفطرة لغةً‏:‏ من مادّة فطر، وتأتي بمعنى الشّقّ، يقال‏:‏ فطره‏:‏ أي شقّه، وتفطّر الشّيء انشقّ، وكذلك انفطر‏.‏

وتأتي بمعنى الخلق، يقال‏:‏ فطر اللّه الخلق، أي خلقهم وأنشأهم، والفطرة‏:‏ الابتداء والاختراع والخلقة، وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ‏}‏‏.‏ قال أبو الهيثم‏:‏ الفطرة الخلقة الّتي يخلق عليها المولود في بطن أمّه‏.‏

والفَطور - بفتح الفاء - هو ما يفطر عليه الصّائم، وبضمّ الفاء مصدر، والفِطرة - بكسر الفاء - جاءت بمعنى صدقة الفطر أيضاً، وأفطر الصّائم‏:‏ أي حان له أن يفطر ودخل وقته، كما يقال أصبح وأمسى إذا دخل في وقت الصّباح والمساء، فالهمزة للصّيرورة‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ – الجبِلَّة‏:‏

2 - الجبِلَّة من جَبَل، تقول‏:‏ جبل اللّه الخلق يجبلهم، أي خلقهم، وجبله على الشّيء‏:‏ طبعه عليه، وجبل فلان على هذا الأمر، أي طبع عليه‏.‏

والصّلة التّرادف بين الفطرة والجبلّة في بعض معاني الفطرة‏.‏

ب - السّجيّة‏:‏

3 - السّجيّة الطّبيعة والخلق‏.‏

والصّلة بينهما أنّ السّجيّة ترادف الفطرة في بعض معانيها‏.‏

خصال الفطرة

4 - وردت أحاديث في بيان خصال الفطرة منها‏:‏

ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «عشر من الفطرة، قصّ الشّارب وإعفاء اللّحية والسّواك واستنشاق الماء وقصّ الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء، قال زكريّاء قال مصعب - أحد الرّواة -‏:‏ ونسيت العاشرة إلاّ أن تكون المضمضة»‏.‏

زاد قتيبة قال وكيع‏:‏ انتقاص الماء يعني الاستنجاء‏.‏

وبما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «الفطرة خمس أو خمس من الفطرة - شكّ من الرّاوي -‏:‏ الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقصّ الشّارب»‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «الفطرة خمس‏:‏ الاختتان والاستحداد وقصّ الشّارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط»‏.‏

وقد روى البخاريّ الحديث السّابق بهذا اللّفظ‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «الفطرة خمس، الختان والاستحداد وقصّ الشّارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط»‏.‏

وقد وردت أحاديث الفطرة بألفاظ مختلفة فجاءت بلفظ‏:‏ «عشر من الفطرة»، وبلفظ‏:‏ «خمس من الفطرة»، ونحو ذلك، وهذا لا يراد به الحصر، وإنّما يشار به إلى ما هو الظّاهر البيّن المحسوس منها، والّذي يدركه كلّ إنسان بطبعه، وهذا ما أشار إليه النّوويّ وبيّن أنّ الخصال غير منحصرة في العشرة، والمراد من الحديث أنّ معظمها عشرة فهو كقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الحجّ عرفة» وعضّد قوله بالرّواية الّتي تقول‏:‏ «خمس من الفطرة‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

وذكر ابن حجر العسقلانيّ أنّ ابن العربيّ قال‏:‏ خصال الفطرة تبلغ ثلاثين خصلةً، وقد عقّب على هذا القول فقال‏:‏ فإن أراد خصوص ما ورد بلفظ الفطرة فليس كذلك، وإن أراد أعمّ من ذلك فلا ينحصر في الثّلاثين بل يزيد كثيراً‏.‏

فخصال الفطرة إذن كثيرة، منها‏:‏ أمّهات الأخلاق، وكلّ ما هو برّ كبرّ الوالدين، وصلة الرّحم، وأداء حقوق الجار، ومعاونة المحتاج مادّيّاً ومعنويّاً، وإكرام الضّيف، والصّدق في القول والعمل، والوفاء بالوعد وبالعهد، وغيرها من الخصال الحميدة‏.‏

أحكام خصال الفطرة

أ - فطرة الدّين‏:‏

5 - أودع اللّه سبحانه وتعالى كلّ واحد من البشر عند خلقه وولادته فطرةً سليمةً يمكن أن توجّهه إلى طريق الهداية، وتصل به إلى سبيل الرّشاد، وذلك إن لم تشبها الشّوائب، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء هل تحسّون فيها من جدعاء»‏.‏

وقال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ‏}‏‏.‏

قال طائفة من أهل الفقه والنّظر‏:‏ الفطرة هي الخلقة الّتي خلق اللّه عليها المولود في المعرفة بربّه، فكأنّه قال، كلّ مولود يولد على خلقة يعرف بها ربّه إذا بلغ مبلغ المعرفة‏.‏ وجاء في شرح العقيدة الطّحاويّة‏:‏ يظهر لكلّ عاقل أنّ لهذا الوجود خالقاً، وإنّما ذلك بالفطرة الّتي فطر النّاس عليها‏.‏

ب - قصّ الشّارب‏:‏

6 - لا خلاف في قصّ الشّارب بدليل ما سبق من الأحاديث، ولما رواه زيد بن أرقم رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من لم يأخذ من شاربه فليس منّا» وضابط قصّ الشّارب مختلف فيه، والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شارب ف 10 - 14‏)‏‏.‏

ج - إعفاء اللّحية‏:‏

7 - إعفاء اللّحية من خصال الفطرة للحديث السّابق، وقد اختلف الفقهاء في مفهوم الإعفاء‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏لحية‏)‏‏.‏

د - السّواك‏:‏

8 - السّواك يأتي بمعنى الفعل وهو الاستياك، وبمعنى الآلة الّتي يستاك بها الّتي يقال لها المسواك بكسر الميم، والسّواك مشتقّ من ساك الشّيء إذا دلكه والسّواك سنّة عند الشّافعيّة والحنفيّة والحنابلة‏.‏

بدليل ما روت عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «السّواك مطهرة للفم ومرضاة للرّبّ»‏.‏

ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة» وفي رواية‏:‏ «مع كلّ وضوء»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ «استياك ف 4 وما بعدها»‏.‏

هـ - غسل البراجم‏:‏

9 - البراجم هي رءوس السّلاميات في ظهر الكفّ وغسل البراجم متّفق على استحبابه، وهو سنّة مستقلّة غير مخصّصة بالوضوء، وألحق الغزاليّ بها إزالة ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصّماخ فيزيله بالمسح‏.‏

وقال الغزاليّ‏:‏ كانت العرب لا تغسل اليد عقب الطّعام فيجتمع في تلك الغضوف وسخ، فأمر بغسلها‏.‏

و - نتف الإبط‏:‏

10 - نتف الإبط متّفق على سنّيّته، والتّوقيت فيه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، والسّنّة نتفه، فلو حلقه جاز، قال الغزاليّ المستحبّ نتفه وذلك سهل لمن تعوّده، فإن حلقه جاز، لأنّ المقصود النّظافة وعدم اجتماع الوساخة فيه، إذ يحصل بسببه رائحة كريهة‏.‏ وقال ابن قدامة، النّتف سنّة، لأنّه من الفطرة، ويفحش تركه، ويجوز إزالته بالحلق والنّورة غير أنّ نتفه أفضل لموافقته الخبر‏.‏

وأفضليّة النّتف هي ما صرّح به الحنفيّة أيضاً‏.‏

ز - الختان‏:‏

11 - اختلف الفقهاء في حكم الختان‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّ الختان سنّة في حقّ الرّجال، وأمّا في النّساء فذهب المالكيّة إلى أنّه مندوب، وذهب الحنفيّة والحنابلة في رواية إلى أنّه مكرمة‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه واجب على الرّجال والنّساء‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ختان ف 2 وما بعدها‏)‏‏.‏

ح - تقليم الأظفار‏:‏

12 - تقليم الأظفار سنّة إجماعاً سواء فيه الرّجل والمرأة وسواء فيه اليدان والرّجلان ويستحبّ أن يبدأ باليد اليمنى ثمّ اليسرى ثمّ الرّجل اليمنى ثمّ اليسرى‏.‏

أمّا التّوقيت في التّقليم فالاعتبار بالطّول، فمتى طالت الأظفار يتمّ تقليمها، ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال كما هو الضّابط في قصّ الشّارب ونتف الإبط وحلق العانة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أظفار ف 2 وما بعدها‏)‏‏.‏

ط - حلق العانة‏:‏

13 - حلق شعر العانة متّفق على سنّيّته، وفي وجوبه على الزّوجة إذا أمرها الزّوج بالحلق عند الشّافعيّة قولان‏:‏ أصحّهما الوجوب، هذا إذا لم يفحش بحيث ينفّر الزّوج ويؤثّر على الرّغبة في المخالطة ويقلّل التّوقان، أمّا إذا نفّر الزّوج فيجب عليها الحلق قطعاً‏.‏ وعلى المرء أن يحلق عانته بنفسه ويحرم إسناد القيام به إلى غيره لأنّه إظهار للعورة الغليظة وهو لا يجوز، ولكن يجوز أن تتولّى الحلق زوجته الّتي يباح لها النّظر إلى عورته مع الكراهة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عانة ف 2 وما بعدها‏)‏‏.‏

ى - المضمضة والاستنشاق‏:‏

14 - في المضمضة والاستنشاق أربعة آراء وهي‏:‏

أ - أنّهما سنّتان في الوضوء والغسل، وهو ما يراه المالكيّة والشّافعيّة، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصريّ والزّهريّ والحكم وقتادة وربيعة ويحيى الأنصاريّ والأوزاعيّ واللّيث، وهو رواية عن عطاء‏.‏

ب - أنّهما واجبان في الوضوء والغسل، وهو المشهور في مذهب الحنابلة، وبه قال ابن أبي ليلى وحمّاد وإسحاق، كما روي عن ابن المبارك وعطاء‏.‏

ج - أنّهما واجبان في الغسل سنّتان في الوضوء، وهو قول الحنفيّة وسفيان الثّوريّ‏.‏

د - الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل أمّا المضمضة فسنّة، وهو مذهب أبي ثور وأبي عبيد وداود وابن المنذر‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏مضمضة‏)‏‏.‏

ك - الفطرة بمعنى زكاة الفطر‏:‏

15 - أضاف الفقهاء إلى لفظ الفطرة لفظ الزّكاة الّتي تجب بالفطر من رمضان لأنّه سبب وجوبها، وقيل لها فطرة كأنّها من الفطرة الّتي هي الخلقة، قال النّوويّ‏:‏ يقال للمخرج فطرة‏.‏

فعل الرّسول

التّعريف

1 - المصطلح مركّب من لفظين تركيب إضافة‏:‏ فعل، والرّسول‏.‏

والفِعل بالكسر في اللّغة‏:‏ حركة الإنسان، وهو كناية عن عمل، يقال‏:‏ فعل الشّيء وبه يفعله، عمله‏.‏

ولا يخرج التّعريف الاصطلاحيّ عن ذلك‏.‏

والرّسول في اللّغة‏:‏ هو الّذي أمره المرسل بأداء الرّسالة بالتّسليم أو القبض، والّذي يتابع أخبار الّذي بعثه، ويأتي بمعنى الرّسالة، يذكّر ويؤنّث، ويطلق على المفرد والمثنّى والجمع، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُوََلا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏}‏‏.‏

ومن معاني الرّسول في الاصطلاح‏:‏ الواحد من رسل اللّه، والرّسول من البشر هو‏:‏ ذكر حرّ أوحى اللّه إليه بشرع وأمره بتبليغه‏.‏

‏(‏ر‏:‏ رسول ف 1‏)‏‏.‏

وإذا ورد هذا اللّفظ المركّب عند الفقهاء مطلقاً بلا قرينة يقصد به‏:‏ ما نقل إلينا من أفعال الرّسول محمّد صلى الله عليه وسلم خاصّةً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - قول الرّسول‏:‏

2 - هو ما تلفّظ به الرّسول، وإذا ورد هذا اللّفظ مطلقاً عن القرينة أو أضيف إلى رسول اللّه محمّد صلى الله عليه وسلم فهو ما نقل إلينا من أقواله صلى الله عليه وسلم‏.‏

والصّلة بينهما أنّ كليهما فيه إعراب عن المراد، وكلاهما من أقسام السّنّة، إذا أضيفا إلى الرّسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

ب - تقرير الرّسول‏:‏

3 - تقرير الرّسول هو ما فعله غيره بحضرته أو علمه فأقرّه عليه، بأن سكت عنه، أو ظهرت منه علامة الرّضا به، وهو عند الإطلاق عن القرينة أو إضافته إلى اللّه تعالى يصرف إلى تقرير الرّسول محمّد صلى الله عليه وسلم‏.‏

والصّلة بين فعل الرّسول وقوله وتقريره أنّها جميعاً من السّنّة إذا أضيفت إلى الرّسول محمّد صلى الله عليه وسلم‏.‏

الأحكام المتعلّقة بفعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم

أنواع أفعال الرّسول صلى الله عليه وسلم

4 - عني علماء الأصول بأفعال الرّسول عليه الصلاة والسلام عنايتهم بأقواله، فتكلّموا في دلالتها على الأحكام، وما يتعلّق بها في التّأسّي بأفعاله، وتخصيص العامّ، وتقييد المطلق، وبيان المجمل، والنّسخ، وغير ذلك‏.‏

وأفعال الرّسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أنواع‏:‏

أوّلاً‏:‏ جبلّيّ، كالأكل، والشّرب، والنّوم، واللّبس، وما شاكل ذلك‏.‏

ثانياً‏:‏ قُرَبٌ، كالصّلاة، والصّوم، والصّدقة‏.‏

ثالثاً‏:‏ معاملات، كالبيع، والزّواج‏.‏

فالأفعال الجبلّيّة لا يقتضي فعله لها أكثر من إباحتها اتّفاقاً‏.‏

أمّا غيرها، فإن ثبتت خصوصيّته بها بدليل، كانت خاصّةً به، وليست أمّته مثله فيها، كمواصلة الصّوم، والزّواج بأكثر من أربع‏.‏

وإن لم تكن أفعاله مختصّةً به، فإن تبيّن أنّها بيان لمجمل، أو تقييد لمطلق، أو تخصيص لعامّ، كان حكمها حكمه، وما سوى ذلك فإن عرفت صفته من وجوب، أو ندب، أو إباحة، فإنّ أمّته في ذلك مثله، لأنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يرجعون إلى فعله، احتجاجاً واقتداءً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ‏}‏ والتّأسّي‏:‏ أن تفعل مثل ما يفعله على الوجه الّذي فعله‏.‏

أمّا الفعل المجرّد من القرائن الدّالّة على وقوعه منه على الوجه المذكور، فقد اختلف فيما يتعلّق بها من أحكام علينا اختلافاً طويلاً، فمن قائل بالوجوب علينا، ومن قائل بالنّدب، ومن قائل بالإباحة، ومن قائل بالتّوقّف‏.‏

وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

تخصيص العامّ بفعل الرّسول صلى الله عليه وسلم

5 - ذهب الجمهور إلى تخصيص العامّ بفعل الرّسول عليه الصلاة والسلام، وقال الغزاليّ من الشّافعيّة‏:‏ هذا إذا قلنا إنّها على الوجوب، أو النّدب، أمّا إذا قلنا بالتّوقّف، فلا يتصوّر التّخصيص، لأنّها غير دالّة على شيء، وقال الكرخيّ وغيره من الحنفيّة بالمنع إذا فعله مرّةً، لاحتمال أنّه من خصائصه، أمّا إذا تكرّر، فإنّه يخصّص به العامّ بالإجماع‏.‏

بيان المجمل بفعل الرّسول عليه الصلاة والسلام

6 - اختلف علماء الأصول في وقوع بيان المجمل، بفعل الرّسول صلى الله عليه وسلم، فذهب الجمهور إلى أنّه يقع بياناً له، ومنعه إسحاق المروزيّ من الشّافعيّة، والكرخيّ من الحنفيّة‏.‏

وفي المحصول‏:‏ لا يعلم كون الفعل بياناً لمجمل إلاّ بأحد أمور ثلاثة‏:‏

أوّلاً‏:‏ أن يعلم ذلك بالضّرورة من قصده صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثانياً‏:‏ أو بالدّليل اللّفظيّ‏:‏ كقوله مثلاً‏:‏ هذا بيان لهذا المجمل‏.‏

ثالثاً‏:‏ أو بالدّليل العقليّ‏:‏ بأن يذكر المجمل وقت الحاجة إلى العمل به، ثمّ يفعل فعلاً يصلح أن يكون بياناً له‏.‏

وقال صاحب الكبريت الأحمر‏:‏ الصّحيح عندي‏:‏ أنّ الفعل يصلح بياناً بشرط انضمام بيان قوليّ إليه، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنّه صلّى ثمّ قال‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» فصار بياناً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ‏}‏، واشتغل بأفعال الحجّ ثمّ قال‏:‏ «خذوا عنّي مناسككم»، أمّا الفعل المجرّد فلا يصلح للبيان، لأنّه بذاته ساكت عن جميع الجهات فلا تتعيّن واحدة إلاّ بدليل، قال‏:‏ اللّهمّ إلاّ إذا تكرّر الفعل عنده فيحصل به البيان‏.‏

ورود قول وفعل بعد المجمل

7 - إذا ورد قول وفعل بعد المجمل، وكلاهما صالح لبيانه، فإن اتّفقا في الحكم وعلم سبق أحدهما فهو المبيّن - قولاً كان أو فعلاً - والثّاني تأكيد له، وإن لم يعلم فلا يقضى على واحد منهما بأنّه المبيّن بعينه، بل يقضى بحصول البيان بواحد لم يطّلع عليه، وهو الأوّل في الواقع ونفس الأمر، والثّاني تأكيد، وإن اختلفا فالمختار عند الجمهور أنّ المبيّن هو القول، سواء كان متقدّماً على الفعل أم متأخّراً عنه، كأمره عليه الصلاة والسلام القارن بعد تشريع الحجّ أن يطوف طوافاً واحداً، وروي‏:‏ «أنّه عليه الصلاة والسلام قرن فطاف لهما طوافين»، ويحمل الفعل على النّدب، لأنّ دلالة القول على البيان بنفسه، بخلاف الفعل، فإنّه لا يدلّ إلاّ بواسطة انضمام القول إليه‏.‏

والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏.‏

تعارض فعلين

8 - إذا حصل من الرّسول صلى الله عليه وسلم فعلان مختلفان، كأن صام يوم السّبت مثلاً، ثمّ أفطر في سبت آخر، فلا يقال بتعارض هذين الفعلين، لأنّه لا عموم للأفعال، أمّا إذا اقترن بالفعل الأوّل ما يدلّ على حكمه من وجوب أو ندب، وتكرّر سبب الوجوب أو النّدب، فالثّاني من الفعلين ناسخ لما استفيد من حكم الفعل الأوّل‏.‏

والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏.‏

فُقَّاع

انظر‏:‏ أشربة‏.‏

فقد

انظر‏:‏ مفقود‏.‏

فَقْد الطَّهورَين

التّعريف

1 - الفقد في اللّغة‏:‏ مصدر فقد الشّيء يفقده فقداً وفقداناً وفقوداً أي عدمه، والطّهور في اللّغة كلّ ماء نظيف، قال ثعلب‏:‏ الطّهور هو الطّاهر في نفسه المطهّر لغيره، وقال الأزهريّ‏:‏ الطّهور في اللّغة هو الطّاهر المطهّر، وقال الزّمخشريّ‏:‏ الطّهور البليغ في الطّهارة‏.‏

والماء الطَّهور بالفتح‏:‏ هو الّذي يرفع الحدث ويزيل النّجس‏.‏

والطّهوران في الاصطلاح‏:‏ الماء والتّراب‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - اختلف الفقهاء في حكم من فقد الطّهورين‏:‏ الماء والتّراب، في حقّ الصّلاة كالمحبوس في مكان قذر لا يجد صعيداً طيّباً ولا ماءً يتوضّأ منه، ومقطوع اليدين الّذي لم يجد من ييمّمه أو يوضّئه، والمصلوب‏:‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب على فاقد الطّهورين أن يصلّي الفرض فقط، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»، لحرمة الوقت، لأنّ العجز في الشّرط لا يوجب ترك المشروط، كما لو عجز عن ستر العورة أو استقبال القبلة‏.‏

ولا يصلّي النّافلة حينئذ، إذ لا ضرورة إليها، وإنّما أبيح له الفرض لداعي الضّرورة إليه قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ وهذه الصّلاة توصف بالصّحّة، ولهذا قال في المجموع‏:‏ تبطل بالحدث والكلام ونحوهما، وبهذا صرّح الحنابلة أيضاً‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ والظّاهر أنّه لا يجوز له أن يصلّي إذا كان يرجو أحد الطّهورين حتّى يضيق الوقت، كما قال الأذرعيّ‏.‏

ويعيد الصّلاة عند الشّافعيّة إذا وجد أحد الطّهورين بعد ذلك، لأنّ هذا العذر نادر ولا دوام له‏.‏

وما سبق هو قول الشّافعيّ في الجديد، ومقابله أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ تجب الصّلاة بلا إعادة، وهو مذهب المزنيّ، واختاره النّوويّ في المجموع، قال‏:‏ لأنّه أدّى وظيفة الوقت، وإنّما يجب القضاء بأمر جديد‏.‏

ثانيها‏:‏ يندب له الفعل وتجب الإعادة‏.‏

ثالثها‏:‏ يندب له الفعل ولا إعادة‏.‏

رابعها‏:‏ يحرم عليه فعلها‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا إعادة عليه، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ «أنّها استعارت من أسماء قلادةً فضلّتها، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجالاً في طلبها، فوجدوها، فأدركتهم الصّلاة، وليس معهم ماء، فصلّوا بغير وضوء، فشكوا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل اللّه آية التّيمّم، ولم يأمرهم بالإعادة»، ولأنّه أحد شروط الصّلاة، فسقط عند العجز كسائر شروطها، ونصّ الشّافعيّة على أنّ فاقد الطّهورين الّذي به حدث أكبر لا يقرأ في الصّلاة غير الفاتحة، قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ لا يقرأ من به حدث أكبر في الصّلاة غير الفاتحة عند النّوويّ، ويمنع من قراءتها عند الرّافعيّ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يزيد على ما يجزئ في الصّلاة من قراءة وغيرها، فلا يقرأ زائداً على الفاتحة، ولا يسبّح أكثر من مرّة، ولا يزيد على ما يجزئ في طمأنينة ركوع، أو سجود، أو جلوس بين السّجدتين‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب عليه أن يتشبّه بالمصلّين احتراماً للوقت، فيركع ويسجد إن وجد مكاناً يابساً، وإلاّ فيومئ قائماً، ويعيد الصّلاة بعد ذلك، وصرّحوا بأنّه لا يقرأ، سواء كان حدثه أصغر أم أكبر، قال ابن عابدين‏:‏ وظاهره أنّه لا ينوي أيضاً، لأنّه تشبّه بالمصلّي وليس بصلاة‏.‏

وهذا قول أبي حنيفة المرجوع إليه، وهو قول الصّاحبين، قال التّمرتاشيّ‏:‏ به يفتى وإليه صحّ رجوعه‏.‏

وقول أبي حنيفة المرجوع عنه أنّه يؤخّرها‏.‏

وذهب المالكيّة إلى سقوط الصّلاة عن فاقد الطّهورين، فلا يجب عليه أداؤها في الوقت، ولا قضاؤها في المستقبل إذا وجد الماء أو التّراب، قال الدّسوقيّ‏:‏ وإنّما سقط عنه الأداء والقضاء، لأنّ وجود الماء والصّعيد شرط في وجوب أدائها، وقد عدم، وشرط وجوب القضاء تعلّق الأداء بالقاضي، وهذا قول مالك، وقال أصبغ‏:‏ يقضي ولا يؤدّي، وقال أشهب‏:‏ يجب الأداء فقط، وقال ابن القاسم‏:‏ يجب الأداء والقضاء احتياطاً‏.‏

فِقه

التّعريف

1 - الفقه في اللّغة‏:‏ العلم بالشّيء والفهم له، والفطنة فيه، وغلب على علم الدّين لشرفه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ ‏}‏، وقيل‏:‏ هو عبارة عن كلّ معلوم تيقّنه العالم عن فكر‏.‏

وفي الاصطلاح هو‏:‏ العلم بالأحكام الشّرعيّة العمليّة المكتسب من أدلّتها التّفصيليّة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الشّريعة‏:‏

2 - الشّريعة والشّرعة في اللّغة‏:‏ مورد الماء للاستسقاء، سمّي بذلك لوضوحه وظهوره، والشّرع مصدر شرع بمعنى‏:‏ وضح وظهر، وتجمع على شرائع، ثمّ غلب استعمال هذه الألفاظ في الدّين وجميع أحكامه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ‏}‏ وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ‏}‏‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي ما نزل به الوحي على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الأحكام في الكتاب أو السّنّة ممّا يتعلّق بالعقائد والوجدانيّات وأفعال المكلّفين قطعيّاً كان أو ظنّيّاً‏.‏ وبين الشّريعة والفقه عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في الأحكام العمليّة الّتي وردت بالكتاب أو بالسّنّة أو ثبتت بإجماع الأمّة، وتنفرد الشّريعة في أحكام العقائد، وينفرد الفقه في الأحكام الاجتهاديّة الّتي لم يرد فيها نصّ من الكتاب أو السّنّة ولم يجمع عليه أهل الإجماع‏.‏

ب - أصول الفقه‏:‏

3 - أصول الفقه‏:‏ أدلّته الدّالّة عليه من حيث الجملة، لا من حيث التّفصيل‏.‏

والصّلة بين الفقه وأصول الفقه أنّ الفقه يعنى بالأدلّة التّفصيليّة لاستنباط الأحكام العمليّة منها، أمّا أصول الفقه فموضوعه الأدلّة الإجماليّة من حيث وجوه دلالتها على الأحكام الشّرعيّة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - تعلّم الفقه قد يكون فرض عين على المكلّف كتعلّمه ما لا يتأدّى الواجب الّذي تعيّن عليه فعله إلاّ به، ككيفيّة الوضوء والصّلاة، والصّوم ونحو ذلك، وعليه حمل بعضهم الحديث المرويّ عن أنس رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم» ولا يلزم الإنسان تعلّم كيفيّة الوضوء والصّلاة ونحوهما إلاّ بعد وجوب ذلك عليه‏.‏

فإن كان لو أخّر إلى دخول الوقت لم يتمكّن من تمام تعلّمها مع الفعل في الوقت، فالصّحيح عند الشّافعيّة أنّه يلزمه تقديم التّعلّم عن وقت الوجوب، كما يلزم السّعي إلى الجمعة لمن بعد منزله قبل الوقت لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، ثمّ إذا كان الواجب على الفور كان تعلّم الكيفيّة على الفور، وإن كان على التّراخي كالحجّ فتعلّم الكيفيّة على التّراخي ثمّ ما يجب وجوب عين من ذلك كلّه هو ما يتوقّف أداء الواجب عليه غالباً، دون ما يطرأ نادراً، فإن حدث النّادر وجب التّعلّم حينئذ، أمّا البيوع والنّكاح وسائر المعاملات ممّا لا يجب أصله فيتعيّن على من يريد شيئاً من ذلك تعلّم أحكامه ليحترز عن الشّبهات والمكروهات، وكذا كلّ أهل الحرف، فكلّ من يمارس عملاً يجب عليه تعلّم الأحكام المتعلّقة به ليمتنع عن الحرام‏.‏ وقد يكون تعلّم الفقه فرض كفاية، وهو ما لا بدّ للنّاس منه في إقامة دينهم، كحفظ القرآن والأحاديث وعلومهما ونحو ذلك‏.‏

وقد يكون تعلّم الفقه نافلةً، وهو التّبحّر في أصول الأدلّة والإمعان فيما وراء القدر الّذي يحصل به فرض الكفاية، وتعلّم العامّيّ نوافل العبادات لغرض العمل، لا ما يقوم به العلماء من تمييز الفرض من النّفل، فإنّ ذلك فرض كفاية في حقّهم‏.‏

فضل الفقه

5 - وردت آيات وأحاديث في فضل الفقه والحثّ على تحصيله، ومن ذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ‏}‏‏.‏

فقد جعل ولاية الإنذار والدّعوة للفقهاء، وهي وظيفة الأنبياء عليهم السلام، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من يرد اللّه به خيراً يفقّهه في الدّين»‏.‏

موضوع الفقه

6 - موضوع علم الفقه هو أفعال المكلّفين من العباد، فيبحث فيه عمّا يعرض لأفعالهم من حلّ وحرمة، ووجوب وندب وكراهة‏.‏

نشأة الفقه وتطوّره

7 - نشأ الفقه الإسلاميّ بنشأة الدّعوة وبدء الرّسالة، ومرّ بأطوار كثيرة ولكنّها غير متميّزة من حيث الزّمن تميّزاً دقيقاً، إلاّ الطّور الأوّل وهو عصر النّبوّة، فإنّه متميّز عمّا بعده بكلّ دقّة بانتقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الرّفيق الأعلى‏.‏

وكان مصدر الفقه في هذا الطّور الوحي، بما جاء به القرآن الكريم من أحكام، أو بما اجتهد فيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم من أحكام كان الوحي أساسها، أو كان يتابعها بالتّسديد، وكذلك كان اجتهاد أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حياته مردّه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرّه أو ينكره‏.‏‏.‏ وعلى ذلك كان الوحي مصدر التّشريع في ذلك العصر‏.‏

ثمّ تتابعت بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم أطوار متعدّدة ينظر تفصيلها في‏:‏ ‏(‏ف 13 وما بعدها‏)‏ من مقدّمة الجزء الأوّل من الموسوعة الفقهيّة‏.‏

الاختلاف في أحكام الفروع الفقهيّة وأسبابه

8 - كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقضي فيما يرفع إليه من وقائع وكان يقرّ بعض الصّحابة على اجتهادهم أو ينكر ذلك، ولم يكن كلّ ما قضى به أو أقرّه أو أنكره مكتوباً أو بمشهد من جمع الصّحابة، فرأى كلّ صحابيّ ما يسّر اللّه له من ذلك فحفظ وعرف وجهه، ثمّ تفرّق الصّحابة رضوان الله عليهم في البلاد، وصار كلّ واحد منهم قدوةً له أتباع، وكثرت الوقائع والمسائل فاستفتوا فيها، فأجاب كلّ واحد منهم حسب ما حفظه أو استنبطه، فإن لم يجد فيما حفظه أو استنبطه ما يصلح للجواب اجتهد برأيه استناداً إلى حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وقال له‏:‏ «كيف تقضي ‏؟‏ فقال‏:‏ أقضي بما في كتاب اللّه، قال‏:‏ فإن لم يكن في كتاب اللّه قال‏:‏ فبسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ فإن لم يكن في سنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أجتهد رأيي‏.‏ قال‏:‏ الحمد للّه الّذي وفّق رسول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم»‏.‏

وهذا منشأ الاختلاف في أحكام الفروع الفقهيّة‏.‏

ويقع الاختلاف في هذا على ضروب‏:‏

9 - الأوّل‏:‏ أنّ صحابيّاً سمع حكماً في قضيّة أو فتوى ولم يسمعه الآخر، فاجتهد برأيه في ذلك، وهذا على وجوه‏:‏

أحدها‏:‏ أن يقع اجتهاده موافقاً للحديث، مثاله ما ورد أنّ ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ «إنّه أتاه قوم، فقالوا‏:‏ إنّ رجلاً منّا تزوّج امرأةً، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يجمعها إليه حتّى مات، فقال عبد اللّه‏:‏ ما سئلت منذ فارقت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشدّ عليّ من هذه، فأتوا غيري، فاختلفوا إليه فيها شهراً، ثمّ قالوا له في آخر ذلك‏:‏ من نسأل إن لم نسألك، وأنت من جلّة أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم بهذا البلد، ولا نجد غيرك ‏؟‏ قال‏:‏ سأقول فيها بجهد رأيي، فإن كان صواباً فمن اللّه وحده لا شريك له، وإن كان خطأً فمنّي ومن الشّيطان، واللّه ورسوله منه برآء، أرى أن أجعل لها صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، ولها الميراث، وعليها العدّة‏:‏ أربعة أشهر وعشراً قال‏:‏ وذلك بسمع أناس من أشجع، فقاموا فقالوا‏:‏ نشهد أنّك قضيت بما قضى به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في امرأة منّا، يقال لها‏:‏ بروع بنت واشق، قال‏:‏ فما رئي عبد اللّه فرح فرحةً يومئذ إلاّ بإسلامه»‏.‏

ثانيها‏:‏ أن يفتي الصّحابيّ ويظهر الحديث على خلاف ما أفتى به، فيرجع عن اجتهاده إلى الحديث، ومن هذا أنّ أبا هريرة رضي الله عنه كان يفتي أنّه من أصبح جنباً فلا صوم له، حتّى بلغه حديث عائشة وأمّ سلمة رضي الله عنهما‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً لا عن احتلام ثمّ يغتسل ويصوم» فرجع عن اجتهاده‏.‏

ثالثها‏:‏ أن يبلغه الحديث لكن لا على الوجه الّذي يقع به غالب الظّنّ، ومن هذا ما ورد‏:‏

«أنّ فاطمة بنت قيس رضي الله عنها شهدت عند عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّها كانت مطلّقةً ثلاثاً فلم يجعل لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نفقةً ولا سكنى، فردّ عمر شهادتها، وقال‏:‏ لا نترك كتاب اللّه وسنّة نبيّنا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلّها حفظت أو نسيت‏:‏ لها النّفقة والسّكنى»‏.‏

رابعها‏:‏ أن لا يصل الحديث إليه أصلاً، من هذا ما ورد‏:‏ «أنّ عائشة رضي الله عنها بلغها أنّ عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما يأمر النّساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهنّ، فقالت‏:‏ يا عجباً لابن عمرو هذا، يأمر النّساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهنّ، أفلا يأمرهنّ أن يحلقن رءوسهنّ، لقد كنت أغتسل أنا ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات»‏.‏

10 - الثّاني‏:‏ من أسباب الاختلاف‏:‏ أن يرى النّاس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعل فعلاً، فحمله البعض على القربة، وبعضهم على الإباحة‏.‏

مثاله ما رواه أصحاب الأصول في قصّة التّحصيب - أي النّزول بالأبطح عند النّفر - نزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم به‏:‏ ذهب أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهم إلى أنّه على وجه القربة وجعلاه من سنن الحجّ، وذهبت عائشة وابن عبّاس رضي الله عنهم إلى أنّه كان على وجه الاتّفاق، وليس من السّنن‏.‏

11 - الثّالث‏:‏ السّهو والنّسيان‏:‏ كأن ينقل صحابيّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمراً فيقضى عليه بالسّهو، من هذا ما ورد أنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول‏:‏ «اعتمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في رجب»، فسمعت ذلك عائشة فقضت عليه بالسّهو‏.‏

12 - الرّابع‏:‏ اختلاف الضّبط، ومن هذا قول ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ «إنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله»، فقضت عليه عائشة بالوهم‏.‏

13 - الخامس‏:‏ اختلافهم في علّة الحكم، ومن هذا‏:‏ القيام للجنازة فقال بعضهم‏:‏ لتعظيم الملائكة فيعمّ المؤمن والكافر، وقال قائل‏:‏ لهول الموت فيعمّهما، وقال قائل‏:‏ «مرّت جنازة يهوديّ على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقام لها»، كراهيةً أن تعلو فوق رأسه، فيخصّ الكافر‏.‏

14 - السّادس‏:‏ اختلافهم في الجمع بين المختلفين، ومنه‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة»، فذهب البعض إلى عموم هذا الحكم وكونه غير منسوخ، ورآه جابر رضي الله عنه‏:‏ «يبول قبل أن يتوفّى بعام مستقبل القبلة»، فذهب إلى أنّه نسخ للنّهي المتقدّم، ورآه ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ «قضى حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشّام»، فردّ به قولهم، وجمع بعضهم بين الرّوايتين، وقالوا‏:‏ إنّ النّهي مختصّ بالصّحراء، فإذا كان في المراحيض فلا بأس بالاستقبال والاستدبار‏.‏

وبالجملة اختلفت مذاهب الصّحابة رضي الله عنهم، وأخذ التّابعون العلم منهم، فأقبل أبناء كلّ قطر على من نزل في قطرهم يستفتونهم، ويروون عنهم، ويتعلّمون منهم، ولم تكن الصّحابة سواءً فيما يعلمون، ولم يكن كلّ واحد منهم يحفظ كلّ ما يحفظه غيره، ولم يكونوا سواءً في استعمال الرّأي فيما لا نصّ فيه، ولا في الأخذ بأخبار الآحاد، فكان منهم من يتوسّع في الرّأي عند عدم النّصّ، ومنهم من حمله الورع والاحتياط على الوقوف عند النّصوص والتّمسّك بالآثار‏.‏

أهمّ مراكز الفقه

15 - ترتّب على تفرّق الصّحابة في الأمصار واختلاف مناهجهم في الفتوى والاجتهاد - لما سبق بيانه من أسباب - وأخذ التّابعين في كلّ مصر عمّن نزل بهم من الصّحابة‏:‏ ترتّب على ذلك وجود اتّجاهات فقهيّة مختلفة، من أشهرها الاتّجاه الأوّل الّذي ساد في الحجاز بمكّة والمدينة، والاتّجاه الثّاني الّذي ظهر في العراق بالكوفة والبصرة، ومن هذين الاتّجاهين كان غالب الفقه‏.‏

والتّفصيل في مقدّمة الموسوعة الفقهيّة‏:‏ ‏(‏الجزء الأوّل ف 16 وما بعدها‏)‏‏.‏