فصل: ما يتعلّق بالمسكين من أحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


مِسْك

التّعريف

1 - المسك بكسر الميم وسكون السّين‏:‏ طيب معروف‏,‏ وثوب ممسّك‏:‏ مصبوغ به‏,‏ ودواء ممسَّك‏:‏ فيه مسك‏.‏

قال الجوهري‏:‏ المسك من الطّيب‏,‏ فارسي معرّب قال‏:‏ وكانت العرب تسمّيه المشموم‏.‏ وفي الاصطلاح قال البنانيّ نقلاً عن الحافظ ابن حجر‏:‏ المسك دم يجتمع في سرّة الغزال في وقت معلوم من السّنة‏,‏ فإذا اجتمع ورم الموضع‏,‏ فيمرض الغزال إلى أن يسقط منه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العنبر‏:‏

2 - العنبر في اللغة‏:‏ مادّة صلبة لا طعم لها ولا ريح إلّا إذا سحقت أو أحرقت‏,‏ يقال‏:‏ إنّه روث دابّة بحريّة‏.‏

وفي الاصطلاح روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما أنّ العنبر شيء دسره البحر - أي رمى به - إلى السّاحل‏.‏

والعلاقة بين المسك والعنبر أنّ كلاً منهما طيب‏,‏ ولهما أحكام فقهيّة مشتركة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمسك

أ - طهارة المسك وأكله‏:‏

3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المسك طاهر حلال‏,‏ يجوز أكله والانتفاع به بكلّ حال في الأطعمة والأدوية‏,‏ سواء أكان لضرورة أم لا‏,‏ لأنّه وإن كان دماً فقد تغيّر‏,‏ واستحال أصله إلى صلاح‏,‏ فيصير طاهراً‏,‏ ولما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « أنّ المسك أطيب الطّيب »‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ حكى النّووي إجماع المسلمين على طهارته وجواز بيعه‏.‏

وأمّا نافجة المسك فطاهرة عند الفقهاء في الجملة‏,‏ واختلفوا في التّفاصيل‏:‏

فذهب الحنفيّة في الأصحّ إلى طهارتها مطلقاً‏,‏ أي من غير فرق بين رطبها ويابسها‏,‏ وبين ما انفصل من المذبوح أو غيره‏,‏ وقيل‏:‏ إن كانت بحال لو أصابها الماء لم تفسد فهي طاهرة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ فأرة المسك ميتة طاهرة إجماعاً لانتقالها عن الدّم‏,‏ كالخمر للخلّ‏.‏

وهي عند الشّافعيّة‏:‏ إن انفصلت من حيّة أو مذكّاة فطاهرة وتكون كالرّيش‏,‏ وإن انفصلت من ميتة فنجسة كاللّبن‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ المسك وفأرته ‏"‏ وعاؤُه ‏"‏ طاهران‏,‏ لأنّه منفصل بطبعه‏,‏ أشبه الولد‏.‏

ب - زكاة المسك‏:‏

4 - نصّ الشّافعيّة والحنابلة في المذهب على أنّه لا زكاة في المسك‏.‏

ج - بيع المسك وفأرته‏:‏

5 - ذهب الفقهاء إلى جواز بيع المسك في الجملة‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ حكى النّووي إجماع المسلمين على طهارته وجواز بيعه‏.‏

وفصّل الشّافعيّة القول فيه فقالوا‏:‏ لا يصح بيع مسكٍ اختلط بغيره لجهل المقصود‏,‏ ولو كان قدر المسك معلوماً صحّ البيع‏,‏ هذا إذا خالطه لا على وجه التّركيب‏,‏ فإن كان معجوناً بغيره كالغالية‏,‏ والنّدّ‏,‏ صحّ البيع‏,‏ لأنّ المقصود جميعها لا المسك وحده‏.‏

وكذلك نصوا على أنّه لا يصح بيع المسك في فأرته معها‏,‏ أو دونها‏,‏ ولو فتح رأسها كاللّحم في الجلد‏.‏

أمّا لو رأى المسك خارج الفأرة‏,‏ ثمّ اشتراه بعد ردّه إليها‏,‏ أو رأى الفأرة فارغةً‏,‏ ثمّ ملئت مسكاً لم يره‏,‏ ثمّ رأى أعلاه من رأسها جاز‏,‏ وإلّا فلا‏,‏ لأنّه بيع غائب‏.‏

وأمّا لو باع المسك وفأرته كلّ رطل أو قيراطٍ مثلاً بدرهم صحّ البيع وإن اختلفت قيمتهما‏,‏ شريطة أن يعرف وزن كلّ واحد منهما‏,‏ وكان للفأرة قيمة‏,‏ وإلّا فلا يصح لأنّ البيع اشتمل على اشتراط بذل مال في مقابلة ما ليس بمال‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّه لا يصح بيع مسكٍ في فأرته ما لم يفتح ويشاهد‏,‏ لأنّه مجهول كاللؤلؤ في الصّدف‏,‏ قال الرّحيباني‏:‏ هذا هو المذهب وعليه أكثر الأصحاب‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا اشترى نافجة مسكٍ‏,‏ وأخرج المسك منها‏,‏ فليس له أن يردّها لرؤية أو عيب‏,‏ لأنّ الإخراج يدخل فيه عيباً‏.‏

د - السّلم في المسك‏:‏

6 - نصّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على جواز السّلم في المسك‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يتعيّن وزن فتات المسك‏,‏ ولا يجوز كيلاً لأنّ الكيل لا يعد ضابطاً فيه لعظم خطره ‏;‏ لأنّ يسيره ماليّة كثيرة‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ ويصفه‏,‏ ويضبطه باللّون‏,‏ والبلد وما يختلف به‏.‏

هـ - ضمان رائحة المسك المغصوب‏:‏

7 - نصّ الحنابلة على أنّ الغاصب يضمن نقص رائحة المسك أو نحوه كعنبر‏,‏ لأنّ قيمته تختلف بالنّظر إلى قوّة رائحته‏,‏ وضعفها‏,‏ ولأنّه لو فات الجميع لوجب قيمته‏,‏ فإذا فات منه شيء‏,‏ وجب قدره من القيمة‏.‏

و - استعمال المسك للمحرم وغيره‏:‏

8 - ذهب الفقهاء إلى جواز التّطيب بالمسك لغير المحرم‏,‏ لخبر مسلم‏:‏ « المسك أطيب الطّيب »‏.‏

وفي استعماله للمحرم‏,‏ والتّداوي به‏,‏ وأكله‏,‏ وشمّه خلاف‏,‏ وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏ إحرام ف / 74 - 78 ‏)‏‏.‏

ز - استعمال المسك للحائض والنفساء‏:‏

9 - نصّ الحنفيّة‏,‏ والشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ بأنّه يسن استعمال المسك لكلّ مغتسلة من حيض أو نفاس‏,‏ فإن لم تجد مسكاً فطيباً آخر‏,‏ واستدلوا بما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها‏:‏ « أنّ امرأةً سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال خذي فرصةً من مسكٍ فتطهّري بها قالت كيف أتطهّر بها قال تطهّري بها قالت كيف قال سبحان اللّه تطهّري تقول عائشة رضي اللّه تعالى عنها فجذبتها إليّ فقلت تتّبعي بها أثر الدّم »‏.‏

وكيفيّة استعماله كما ذكر بعض الفقهاء أن تأخذ المسك‏,‏ وتجعله في قطن‏,‏ ويقال لها الكرسف أو الفرصة‏,‏ وتدخلها الفرج‏,‏ ليقطع رائحة دم الحيض أو النّفاس‏.‏

ح - إفطار الصّائم بشمّ رائحة المسك‏:‏

10 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ من شمّ المسك ولو ذاكراً‏,‏ أو شمّ هواءً تطيّب بريح المسك أو شبهه فلا يفطر‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّ من شمّ رائحة المسك والعنبر والزّباد من غير أن يدخل الحلق فلا قضاء عليه‏,‏ وكذلك إذا وصل إلى الحلق بغير اختياره‏,‏ أمّا لو وصل إلى الحلق باختياره‏,‏ أي باستنشاقه سواء كان المستنشق صانعه أو غيره فيجب عليه القضاء‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يكره للصّائم شم ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه كسحيق مسكٍ وكافور‏,‏ وكبخور‏,‏ وعنبر‏.‏

مُسْكِر

التّعريف

1 - المسكر في اللغة‏:‏ ما أزال العقل‏,‏ يقال‏:‏ أسكره الشّراب‏:‏ أزال عقله‏,‏ فهو مُسكر‏,‏ والاسم منه‏:‏ السُكْرُ‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الحكم التّكليفي

2 - ذهب الفقهاء إلى أنّ تناول الشّيء المسكر حرام‏,‏ ويجب عند جمهور الفقهاء الحد على شاربه‏,‏ قلّ أم كَثُر‏,‏ إذا كان مسلماً مكلّفاً‏,‏ مختاراً عالماً بأنّ ما شربه مسكر‏,‏ من غير ضرورة‏,‏ لما روته عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « كل شراب أسكر فهو حرام »‏.‏ ولحديث ابن عمر‏:‏ « كل مسكر خمر وكل خمر حرام »‏.‏

ويحد شاربه‏,‏ وإن كان لا يسكر‏,‏ حسماً لمادّة الفساد ولحديث‏:‏ « من شرب الخمر فاجلدوه»‏,‏ وقيس به النّبيذ وغيره‏.‏

والمراد بالشّارب‏:‏ المتعاطي شرباً كان أو غيره‏,‏ وسواء كان ما تعاطاه جامداً أو مائعاً مطبوخاً أو نيئاً‏,‏ وسواء أتناوله معتقداً تحريمه أم إباحته‏,‏ لضعف أدلّة الإباحة‏,‏ وقال أبو ثور‏:‏ من شربه معتقداً تحريمه حدّ‏,‏ ومن شربه متأوّلاً فلا حدّ عليه‏,‏فأشبه النّكاح بلا وليٍّ‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا اشتدّ عصير العنب وقذف زبده‏,‏ أو طبخ فذهب أقل من ثلثيه‏,‏ ونقيع التّمر والزّبيب إذا اشتدّا بغير طبخٍ فهذا حرام قليله وكثيره‏,‏ وحدّ شاربه‏,‏ أمّا إذا طبخ عصير العنب فذهب ثلثاه‏,‏ ونقيع التّمر والزّبيب إذا طبخا وإن لم يذهب ثلثاهما‏,‏ أو نبيذ الحنطة والذرة‏,‏ والشّعير‏,‏ ونحو ذلك وإن لم يطبخ‏,‏ فكل ذلك حلال‏,‏ نقيعاً كان أو مطبوخاً إلّا ما بلغ السكر أو كان بلهو‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ أشربة ف / 5 وما بعدها ‏)‏‏.‏

مَسْكَن

التّعريف

1 - المسكن بفتح الكاف وكسرها في اللغة‏:‏ البيت والمنزل‏,‏ وسكَن فلان مكان كذا أي استوطنه‏,‏ واسم المكان مسكن‏,‏ والجمع مساكن‏,‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المأوى‏:‏

2 - المأوى بفتح الواو في اللغة‏:‏ مصدر أوى يأوي أوياً ومأوًى‏,‏ والمأوى لكلّ حيوان‏:‏ سكنه‏,‏ أي اسم للمكان الّذي يأوي إليه‏,‏ ومنه قوله تعالى في التّنزيل‏:‏ ‏{‏ جَنَّةُ الْمَأْوَى ‏}‏ وأوى إلى منزله من باب ضرب أوياً‏:‏ أقام وربّما عدّي بنفسه فقيل‏:‏ أوى منزله وآواه‏.‏ غيره يؤويه إيواءً‏,‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ‏}‏‏.‏

والمسكن أخص من المأوى‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمسكن

تتعلّق بالمسكن أحكام منها‏:‏

بيع المسكن للحجّ

3 - اختلف الفقهاء في بيع المسكن للحجّ كسبب من أسباب الاستطاعة‏,‏ فقال المالكيّة والحنابلة وهو الأصح عند الشّافعيّة إلى أنّ المسكن لا يباع للحجّ إذا كان على قدر حاجة الشّخص‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يلزمه بيع المسكن للحجّ مطلقاً‏,‏ وهذا في الجملة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ سكنى ف / 32 ‏)‏‏.‏

بيع مسكن المفلس

4 - اختلف الفقهاء في بيع مسكن المفلس لتقسيم ثمنه على الغرماء‏.‏

فذهب أبو حنيفة والحنابلة وإسحاق وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة إلى أنّه لا تباع داره الّتي لا غنى له عن سكناها‏,‏ فلم يصرف في دينه كثيابه وقوته‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة في الأصحّ وشريح وابن المنذر ومحمّد وأبو يوسف - وبقولهما يفتى - إلى أنّه يباع مسكنه ويكترى له بدله‏,‏ لأنّ تحصيل السّكن بالكراء يسهل‏.‏

فإن كان له داران يستغني بسكنى إحداهما عن الأخرى فتباع الأخرى‏,‏ وكذا إن كان مسكنه واسعاً لا يسكن مثله في مثله بيع واشتري له مسكن مثله وردّ الفضل على الغرماء‏.‏

ولو كان المسكن الّذي لا يستغني عنه هو عين مال بعض الغرماء أو كان جميع ماله أعيان أموال أفلس بأثمانها ووجدها أصحابها فلهم أخذها‏.‏

مسكن المعتدّة

5 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المعتدّة عن طلاقٍ رجعيٍّ والمعتدّة عن طلاقٍ بائن إذا كانت حاملاً فإنّه يجب لكلّ منهما السكنى على مطلّقها‏,‏ أمّا المعتدّة عن طلاقٍ بائن وهي غير حامل وكذا المعتدّة عن وفاة‏,‏ والمعتدّة عن فسخٍ فقد اختلف الفقهاء في وجوب السكنى لكلّ منهنّ أو عدم وجوبها‏,‏ وذلك على تفصيل في مصطلح ‏(‏ سكنى ف / 12 - 15 ‏)‏‏.‏

مسكن الزّوجة

6 - السكنى للزّوجة على زوجها واجبة وهذا الحكم متّفق عليه بين الفقهاء ‏;‏ لأنّ اللّه تعالى جعل للمطلّقة الرّجعيّة السكنى على زوجها فوجوب السكنى للّتي هي في صلب النّكاح أولى‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ سكنى ف / 4 وما بعدها ‏)‏‏.‏

مَسْكُوك

التّعريف

1 - المسكوك في اللغة‏:‏ المضروب من الدّراهم والدّنانير‏,‏ أي المعلّمة بالسّكّة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّبر‏:‏

2 - التّبر لغةً‏:‏ هو ما كان غير مسكوكٍ من الذّهب‏,‏ فإن ضرب فدنانير‏,‏ قال ابن فارس‏:‏ التّبر ما كان من الذّهب والفضّة غير مصوغ‏,‏ وقال الزّجّاج‏:‏ التّبر كل جوهر قبل استعماله كالنحاس والحديد‏.‏

والتّبر اصطلاحاً‏:‏ اسم للذّهب والفضّة قبل ضربهما أو للأوّل فقط‏.‏

ب - السّكّة‏:‏

3 - من معاني السّكّة في اللغة‏:‏ أنّها حديدة منقوشة تطبع بها الدّراهم والدّنانير وتطلق على المسكوك من النّقدين‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمسكوك

أ - حكم السّكّ‏:‏

4 - سك النقود من ضروريّات التّعامل بها وهي من المصالح العامّة لأنّ النّقد لا يكون معتبراً في المعاملات اليوميّة إلّا إذا خلص من الغشّ‏,‏ فلا تصلح نقار الفضّة وسبائك الذّهب لذلك‏,‏ لأنّه لا يوثق بهما إلّا بالسّكّ والتّصفية‏,‏ والمطبوع موثوق به‏,‏ ولذلك كان هو الثّابت بالذّمم فيما يطلق من أثمان المبيعات وقيم المتلفات فلزم سكها‏,‏ لأنّها من ضروريّات الانتفاع بها‏.‏

والمطبوع بالسّكّة السلطانيّة الموثوق بسلامة طبعه المأمون من تبديله وتلبيسه أولى بالوثوق فصار سك النقود من وظيفة الإمام ويكره لغير الإمام من الأفراد سك النقود وإن كانت خالصةً‏,‏ لأنّه من شأن الإمام‏,‏ وفي سكّ غيره افتيات عليه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ دراهم ف / 7 ‏)‏‏.‏

ب - كسر المسكوك‏:‏

5 - اختلف الفقهاء في حكم كسر المسكوك‏:‏

فذهب مالك وأكثر فقهاء أهل المدينة إلى أنّه مكروهٌ‏,‏ لأنّه من جملة الفساد في الأرض وينكر على فاعله‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ دراهم ف / 8 ‏)‏‏.‏

ج - زكاة المسكوك المغشوش‏:‏

6 - اختلف الفقهاء في وجوب الزّكاة في المغشوش‏.‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا تجب الزّكاة في المغشوش من النّقدين حتّى يبلغ خالصه نصاباً‏,‏ فإذا بلغه أخرج الواجب خالصاً‏,‏ أو أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالصٍ بقدر الواجب مع مراعاة درجة الجودة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا كان الغالب على الورق المسكوك الفضّة فهو في حكم المضروب‏,‏ فتجب فيها الزّكاة كأنّه كله فضّة‏,‏ ولا تزكّى زكاة العروض‏,‏ أمّا إذا كان الغالب الغشّ فلا يكون لها حكم الفضّيّة بل حكم العروض‏,‏ فلا زكاة فيها إلّا إن نواها للتّجارة وبلغت نصاباً بالقيمة‏.‏ قال المالكيّة إن كانت مسكوك الدّراهم والدّنانير المغشوشة رائجةً كرواج غير المغشوشة فإنّها تعامل كالكاملة‏,‏ فتكون فيها الزّكاة إن بلغ وزنها بما فيها من الغشّ نصاباً‏,‏ وإلّا بأن لم ترج رواج الكاملة حسب الخالص فإن بلغ نصاباً زكّي وإلّا فلا‏.‏

وذكر المالكيّة حكم إخراج غير المسكوك عن المسكوك في الزّكاة فقالوا‏:‏ جاز إخراج ذهب عن ورقٍ وإخراج ورقٍ عن ذهب بلا أولويّة لأحدهما على الآخر باعتبار صرف الذّهب بالورق الجاري بين النّاس في وقت إخراج أحدهما عن الآخر حال كون صرف الوقت مطلقاً عن تقييده بمساواة الصّرف الشّرعيّ‏,‏ وهو كون الدّينار بعشرة دراهم‏,‏ وباعتبار قيمة للسّكّة في النّصاب المزكّى إن أراد أن يخرج عنه غير مسكوكٍ‏,‏ فمن أوجب عليه دينار مسكوك وصرفه في ذلك الوقت عشرة دراهم مسكوكةً وجب عليه أن يزيد على وزن العشرة من الفضّة غير المسكوكة قيمة سكّتها عند أهل المعرفة‏,‏ هذا إذا كان غير المسكوك من غير نوع النّصاب كما في المثال‏,‏ بل ولو كان إخراج غير المسكوك عن المسكوك في نوع واحد‏,‏ وعلى هذا ابن الحاجب وابن بشير وابن عبد السّلام وخليل لا باعتبار قيمة الصّياغة في النّوع الواحد‏,‏ فمن عنده ذهب مصوغ وزنه أربعون ديناراً وقيمته خمسون ديناراً لصياغته فالواجب عليه زكاة الأربعين لا الخمسين‏.‏

وفي إلغاء قيمة الصّياغة في غير النّوع الواحد كمن عنده ذهب مصوغ وزنه أربعون ديناراً وقيمته خمسون ديناراً لأجل الصّياغة وأراد أن يزكّيه بدراهم فهل يلغي قيمة الصّياغة ويخرج صرف دينار أو يعتبرها ويخرج صرف دينار وربع‏,‏ تردد بين أبي عمران وابن الكاتب لعدم نصّ المتقدّمين‏.‏

د - التّعامل بالمسكوك المغشوش‏:‏

7 - اختلف الفقهاء في حكم التّعامل بالمسكوك من الذّهب والفضّة إذا كان مغشوشاً فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك‏,‏ مع تقييد المالكيّة بأن لا تباع لمن يغش بها النّاس‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كان الغش خافياً لم يجز‏,‏ وإن كان ظاهراً فعلى روايتين‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ دراهم ف / 9 ‏)‏‏.‏

مِسْكِين

التّعريف

1 - المسكين في اللغة‏:‏ بكسر الميم‏,‏ قال الفيروز آبادي‏:‏ وتفتح ميمه‏:‏ من لا شيء له‏,‏ أو له ما لا يكفيه‏,‏ أو أسكنه الفقر‏,‏ أي قلّل حركته‏,‏ والذّليل والضّعيف‏.‏

وأمّا في الاصطلاح‏:‏ فقد اختلف الفقهاء في حدّ المسكين‏.‏

فقال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ هو من لا يملك شيئاً‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ هو من قدر على مال أو كسب يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ هو من يجد معظم الكفاية أو نصفها من كسب أو غيره‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الفقير‏:‏

2 - الفقير في اللغة‏:‏ ضد الغنيّ‏,‏ والفقير أيضاً المحتاج‏.‏

وفي الاصطلاح قال الحنفيّة‏:‏ هو من يملك دون نصاب من المال النّامي أو قدر نصاب غير نام مستغرق في حاجته‏.‏

وعرّفه المالكيّة بأنّه‏:‏ من يملك شيئاً لا يكفيه قوت عام وعرّفه الشّافعيّة بأنّه‏:‏ من لا مال ولا كسب يقع موقعاً من حاجته‏.‏

وعرّفه الحنابلة بأنّه‏:‏ من لا يجد شيئاً ألبتّة‏,‏ أو يجد شيئاً يسيراً من الكفاية دون نصفها ممّا لا يقع موقعاً من كفايته‏.‏

والصّلة بين الفقير والمسكين أنّ كلاً منهما اسم ينبئ عن الحاجة‏,‏ وأنّ كليهما من مصارف الزّكاة والصّدقات‏.‏

ما يتعلّق بالمسكين من أحكام

دفع الزّكاة للمسكين وشروطه

3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المسكين يعتبر مصرفاً من مصارف الزّكاة‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ ‏}‏‏.‏

ويشترط في إعطاء الزّكاة له شروط‏,‏ تفصيلها في مصطلح ‏(‏ زكاة ف / 157 وما بعدها ‏)‏‏.‏

دفع الكفّارة والفدية إلى المساكين

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ من عجز عن الصّيام في أداء كفّارة الظّهار‏,‏ وكفّارة الجماع في رمضان‏,‏ لمرض أو غيره من الأعذار‏,‏ كفّر بإطعام ستّين مسكيناً‏.‏

واختلفوا في اشتراط التّمليك في الإطعام‏,‏ وكذلك في مقدار ما يعطى لكلّ مسكين‏,‏ وتكرار الإعطاء لمسكين واحد‏,‏ وغير ذلك من الفروع سبق تفصيلها في مصطلح ‏(‏ كفّارة ف / 7‏,‏ 78 ‏)‏‏.‏

ودفع الكفّارة والفدية إلى المساكين يكون بإطعامهم‏,‏ إلّا أنّه يختلف عدد المساكين الواجب إطعامهم بحسب اختلاف الكفّارات‏.‏

فالإطعام قد يكون لستّين مسكيناً كما في كفّارة الظّهار‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ‏}‏‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ مصطلح ظهار ف / 8 ‏)‏ وكذلك كفّارة الجماع في نهار رمضان عامداً أو ناسياً على اختلاف الأقوال‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ مصطلح صوم ف / 68 ‏)‏‏.‏

وقد يكون لعشرة مساكين كما في كفّارة اليمين المنعقدة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ‏}‏‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ مصطلح كفّارة ف / 8 ‏)‏‏.‏

وقد يكون لستّة مساكين كمن فعل من محظورات الإحرام شيئاً لعذر‏,‏ أو دفع أذًى‏,‏ فإن كان عليه الفدية يتخيّر فيها بين أن يذبح هدياً أو يتصدّق بإطعام ستّة مساكين أو يصوم ثلاثة أيّام‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ مصطلح إحرام ف / 148 ‏)‏‏.‏

وقد يكون لمسكين واحد كما في الشّيخ الكبير الّذي يجهده الصّوم‏,‏ والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما وأفطروا فعليهم الفدية‏,‏ وهو إطعام مسكين واحد مكان كلّ يوم على اختلاف الأقوال‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ مصطلح فدية ف / 10 ‏)‏‏.‏

وقد يكون إطعام الطّعام من غير بيان عدد معيّن من المساكين كما في فدية المحرم لقتل الصّيد إذا اشترى بالقيمة طعاماً وتصدّق بها على المساكين‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ مصطلح إحرام ف / 160‏,‏ 163 ‏)‏‏.‏

إعطاء الغنيمة للمساكين

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ للمساكين سهماً في خمس مال الغنيمة‏,‏ واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏}‏‏.‏

واختلفوا في مقدار هذا السّهم على أقوال‏:‏

فعند الشّافعيّة والحنابلة خمس الخمس‏,‏ وعند الحنفيّة ثلث الخمس‏,‏ وعند طائفة سدس الخمس‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ خمس ف / 7 - 12 ‏)‏‏.‏

والفقراء والمساكين صنف واحد هاهنا‏.‏

الوقف على المساكين

6 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز الوقف على المساكين‏.‏

لأنّ الوقف إزالة ملكٍ عن الموقوف على وجه القربة‏,‏ والمسكين ممّا تحصل القربة بالوقف عليه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ وقف ‏)‏‏.‏

إثبات المسكنة

7 - إذا عرف لرجل مال فادّعى تلفه‏,‏ وأنّه فقير أو مسكين لم يقبل منه إلّا ببيّنة‏,‏ قال صاحب المجموع‏:‏ وهذا لا خلاف فيه‏,‏ وإن لم يعرف له مال‏,‏ وادّعى الفقر أو المسكنة‏,‏ قبل قوله‏,‏ ولا يطالب ببيّنة بلا خلاف‏,‏ لأنّ الأصل في الإنسان الفقر‏.‏

مَسِيل

التّعريف

1 - السّيل لغةً‏:‏ معروف‏,‏ جمعه سيول وهو مصدر في الأصل‏,‏ من سال الماء يسيل سيلاً من باب باع‏,‏ وسيلاناً إذا طغى وجرى‏,‏ ثمّ غلب المسيل في المجتمع من المطر الجاري في الأودية‏,‏ والمسيل مجرى السّيل‏,‏ والجمع مسايل ومسل بضمّتين‏.‏

وربّما قيل مسلان مثل رغيف ورغفان‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

ومن صور المسيل عند الفقهاء‏:‏ أن تكون لشخص دار لها حقّ تسييل الماء على أسطحة دار أخرى‏,‏ أو على أرض دار أخرى‏.‏

ما يتعلّق بالمسيل من أحكام

يتعلّق بالمسيل أحكام منها‏:‏

مسيل الماء من حقوق الارتفاق

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ مرافق وحقوق العقار من أرض أو دار‏,‏ تابعة له على معنى أنّه لا بدّ منها وأنّها حقوق مقرّرة على محالّها ومنها المسيل وما يماثله وله أحكام تخصه يأتي بيانها‏.‏

أ - التّصرف في المسيل‏:‏

3 - اختلف الفقهاء في التّصرف في المسيل بالبيع أو الهبة أو نحو ذلك‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ لا يجوز بيع المسيل وهبته لجهالته‏,‏ إذ لا يدري قدر ما يشغله من الماء‏,‏ قال ابن عابدين نقلاً عن الفتح‏:‏ هذا إذا لم يبيّن مقدار المسيل‏,‏ أمّا لو بيّن حدّ ما يسيل فيه الماء‏,‏ أو باع أرض المسيل من نهر أو غيره من غير اعتبار حقّ التّسييل فهو جائز بعد أن يبيّن حدوده‏.‏

وأمّا بيع حقّ التّسييل وهبته دون رقبة المسيل فلا يصح باتّفاق المشائخ‏,‏ سواء كان على الأرض‏,‏ أو على السّطح‏,‏ لأنّه نظير حقّ التّعلّي‏,‏ وبيع حقّ التّعلّي لا يجوز باتّفاق الرّوايات‏,‏ لأنّه ليس حقّاً متعلّقاً بما هو مال بل بالهواء وإن كان على الأرض‏,‏ وهو أن يسيل الماء عن أرضه كيلا يفسده فيمرّه على أرض لغيره‏,‏ فهو مجهول لجهالة محلّه الّذي يأخذه‏.‏

وإذا ادّعى رجل مسيل ماء في دار رجل فلا بدّ وأن يبيّن مسيل ماء المطر أو ماء الوضوء‏,‏ وكذا ينبغي بيان موضع مسيل الماء أنّه في مقدّم البيت أو في مؤخّره‏.‏

وإذا اشترى بيتاً في دار لا يدخل مسيل الماء من غير ذكر‏,‏ ولو ذكر بحقوقه ومرافقه يدخل وهو الأصح‏,‏ ومن اشترى منزلاً في دار أو مسكناً فيها لم يكن له المسيل في هذه الدّار إلى ذلك المشتري‏,‏ إلّا أن يشتريه بكلّ حقٍّ أو بمرافقه أو بكلّ قليل وكثير‏.‏

ولو كان للبائع في الدّار المبيعة مسيل لدار له أخرى بجنبها وقال بكلّ حقٍّ فذلك كله للمشتري وله أن يمنعه‏,‏ ولو باع رجل داراً ولآخر فيها مسيل ماء‏,‏ فرضي صاحب المسيل ببيع الدّار‏,‏ قالوا‏:‏ إن كان له رقبة المسيل كان له حصّة من الثّمن‏,‏ وإن كان له حقّ جري الماء فقط فلا قسط له من الثّمن وبطل حقّه إذا رضي بالبيع‏.‏

وإذا اشترى رجل من رجل داراً فادّعى رَجُلٌ فيها مسيل ماء وأقام على ذلك بيّنةً فهو له بمنزلة العيب‏,‏ فإن شاء المشتري أمسكها بجميع الثّمن وإن شاء ردّها‏,‏ فإن كان قد بنى فيها بناءً فله أن ينقض بناءه وليس له أن يرجع بقيمة بنائه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن كان الماء يسيل وينبع في ملكٍ فهو لصاحب الأرض الّتي ينبع فيها يرسله متى شاء ويحبسه متى شاء‏,‏ فإن اجتمع جماعة على إجراء ماء في سانية إلى أرضهم لم يقدّم أحد منهم على الآخر‏,‏ وإن كان أعلى يقتسمونه بينهم بالقلل أو الخشب أو كيفما اتّفقوا على سبيل اشتراكهم أوّل إجرائهم له‏.‏

وفي المدوّنة‏:‏ قلت‏:‏ أرأيت إن اشتريت شرب يوم من كلّ شهر بغير أرض من قناة أو من بئر أو من عين أو من نهر‏,‏ أيجوز ذلك أم لا في قول مالكٍ‏؟‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ ذلك جائز‏,‏ قال‏:‏ وهذا الّذي قال مالك لا شفعة فيه‏,‏ لأنّه ليس معه أرض‏.‏ قال‏:‏ وقال مالك‏:‏ إذا قسمت الأرض وترك الماء فباع أحدهم نصيبه الّذي صار له من أرضه بغير ماء‏,‏ ثمّ باع نصيبه بعد ذلك من الماء‏,‏ فإنّ مالكاً قال لي‏:‏ هذا الماء لا شفعة فيه والأرض أيضاً لا شفعة فيها‏,‏ وإنّما الشفعة في الماء إذا كانت الأرض بين النّفر لم يقتسموها فباع أحدهم ماءه بغير أرضه‏,‏ فقال مالك‏:‏ ففي هذا الشفعة إذا كانت الأرض لم تقسم‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن باع أحدهم حصّته من الماء‏,‏ ثمّ باع آخر بعده حصّته من الماء أيضرب البائع الأوّل معهم في الماء بحصّته من الأرض‏؟‏ قال‏:‏ لا وكذلك لو باع حصّته من الأرض وترك حصّته من الماء‏,‏ ثمّ باع بعد ذلك بعض شركائه حصّته من الأرض‏,‏ لم يكن له فيها شفعة لمكان ما بقي له في الماء‏,‏ قلت‏:‏ أرأيت لو أنّ قوماً اقتسموا أرضاً وكان بينهم ماء يسقون به وكان لهم شركاء في ذلك الماء‏,‏ فباع أحد من أولئك الّذين لهم الماء حصّته من الماء أيضرب مع شركائه في الشفعة بحصّته من الأرض‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يجوز أن يصالح على إجراء الماء أو الصلح على إخراج ميزاب‏,‏ وعلى إلقاء الثّلج في ملكه - أي المصالح معه - على مال‏,‏ لأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك‏,‏ لكن محله في الماء المجلوب من نهر ونحوه إلى أرضه‏,‏ والحاصل إلى سطحه من المطر‏.‏

وأمّا مسيل غسالة الثّياب والأواني فلا يجوز الصلح على إجرائها على مال‏,‏ لأنّه مجهول لا تدعو الحاجة إليه‏,‏ قاله المتولّي من الشّافعيّة‏,‏ وإن خالف في ذلك البلقيني‏,‏ وقال‏:‏ إنّ الحاجة إليه أكثر من حاجة البناء‏,‏ فلا مانع منه إذا بيّن قدر الجاري إذا كان على السّطح‏,‏ وبيّن موضع الجريان إذا كان على الأرض والحاجة إلى ذلك أكثر من الحاجة إلى البناء فليس كل النّاس يبني‏,‏ وغسل الثّياب والأواني لا بدّ منه لكلّ النّاس أو الغالب وهو بلا شكٍّ يزيد على حاجة البناء‏,‏ فمن بنى حمّاماً وبجانبه أرض لغيره فأراد أن يشتري منه حقّ ممرّ الماء فلا توقّف في جواز ذلك‏,‏ بل الحاجة إليه أكثر من حاجة البناء على الأرض‏.‏

قال الرّملي‏:‏ ولعلّ مراد المتولّي من ذلك حيث كان على السّطح ولم يحصل البيان في قدر ما يصب‏,‏ وقال الإسنوي‏:‏ وشرط المصالحة على إجراء ماء المطر على سطح غيره أن لا يكون له مصرف إلى الطّريق إلّا بمروره على سطح جاره‏.‏

ومحل الجواز في الثّلج إذا كان في أرض الغير لا في سطحه لما فيه من الضّرر‏,‏ ويشترط معرفة السّطح الّذي يجري فيه الماء أو منه الماء‏,‏ سواء كان ببيع أو إجارة أو إعارة‏,‏ لأنّ المطر يقل بصغره ويكثر بكبره‏,‏ ومعرفة قدر السّطح الّذي يجري إليه وقوّته وضعفه فإنّه قد يتحمّل قليل الماء دون كثيره‏,‏ ولا يضر الجهل بقدر ماء المطر‏,‏ لأنّه لا يمكن معرفته لأنّه عقد جوّز للحاجة‏.‏

ثمّ إن عقد على الأوّل بصيغة الإجارة فلا بدّ من بيان موضع الإجراء وبيان طوله وعرضه وعمقه وقدر المدّة إن كانت الإجارة مقدّرةً بها‏,‏ وإلّا فلا يشترط بيان قدرها‏,‏ ولا بدّ من أن يكون الموضع محفوراً وإلّا فلا يصح لأنّ المستأجر لا يملك الحفر‏.‏

وأمّا بيع مسيل الماء فقال الشّافعيّة‏:‏ وإن عقد بصيغة البيع بأن قال‏:‏ بعتك مسيل الماء وجب بيان الطول والعرض‏,‏ وفي العمق وجهان بناءً على أنّ المشتري هل يملك موضع الجريان أم لا‏؟‏ قال الرّافعي وإيراد النّاقلين يميل إلى ترجيح الملك‏,‏ وقال الشّربيني‏:‏ لا يجب بيان العمق لأنّه ملك القرار‏,‏ قال الإسنوي‏:‏ وإن عقد بلفظ الصلح فهل ينعقد بيعاً أو إجارةً‏؟‏ لم يصرّح به الشّيخان‏,‏ وصرّح في الكفاية أنّه ينعقد بيعاً سواء وجّه العقد إلى الحقّ أو العين‏,‏ قال عميرة‏:‏ قد قالوا في مسألة البناء أنّه لا يملك عيناً‏,‏ ولا فرق بينهما فيما يظهر وقد يفرّق بأنّ لفظ مسألة الماء مثلاً ينصرف إلى العين بخلاف قوله‏:‏ بعتك رأس الجدار للبناء‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن صالح رجل على إجراء ماء سطحه من المطر على سطح آخر‏,‏ أو صالحه على إجراء ماء المطر في أرضه حال كون الماء من سطحه‏,‏ أو صالحه على إجراء ماء المطر في أرضه حال كونه عن أرضه‏,‏ جاز الصلح في ذلك إذا كان ما يجري ماؤُه من أرض أو سطح معلوماً لهما إمّا بالمشاهدة وإمّا بمعرفة مساحة السّطح أو الأرض الّتي ينفصل ماؤُها‏,‏ لأنّ الماء يختلف بصغر السّطح والأرض وكبرهما‏,‏ فاشترط معرفتهما‏.‏ ويشترط أيضاً معرفة الموضع الّذي يخرج منه الماء إلى السّطح أو إلى الأرض‏,‏ دفعاً للجهالة‏,‏ ولا تفتقر صحّة الإجارة إلى ذكر المدّة لدعوى الحاجة إلى تأبيد ذلك‏,‏ فيجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة غير مقدّر مدّةً كنكاح‏.‏ لكن قال ابن رجب في القواعد في السّابعة والثّمانين‏:‏ ليس بإجارة محضة ‏;‏ لعدم تقدير المدّة‏,‏ بل هو شبيهٌ بالبيع‏,‏ بخلاف السّاقية الّتي يجري فيها غير ماء المطر فكانت بيعاً تارةً وإجارةً تارةً أخرى‏,‏ فاعتبر فيها تقدير المدّة وإن كانت الأرض أو السّطح الّذي يجري عليه الماء مستأجراً أو عاريةً‏,‏ لم يجز أن يصالح المستأجر أو المستعير على إجراء الماء عليه بغير إذن مالكه أمّا في السّطح فلتضرره بذلك‏,‏ وأمّا في الأرض فلأنّه يجعل لغير صاحب الأرض رسماً‏,‏ فربّما ادّعى ملكها بعد‏.‏ ويحرم إجراء ماء في ملك إنسان بلا إذنه‏.‏ ولو مع عدم تضرره‏,‏ أو مع عدم تضرر أرضه بذلك ‏;‏ لأنّه استعمال لملك الغير بغير إذنه ولو كان رب الماء مضروراً إلى إجرائه في ملك غيره‏.‏ فلا يجوز له‏.‏

ولو صالحه على أن يسقي أرضه من نهره‏,‏ أو من عينه أو بئره مدّةً - ولو معيّنةً - لم يصحّ الصلح لعدم ملكه الماء‏,‏ لأنّ الماء العدّ لا يملك بملك الأرض‏,‏ وإن صالحه على سهم من النّهر أو العين أو البئر كثلث ونحوه من ربع أو خمس جاز الصلح‏,‏ وكان ذلك بيعاً للقرار أي للجزء المسمّى من القرار والماء تابع للقرار‏,‏ فيقسم بينهما على قدر ما لكلّ منهما فيه‏.‏

ب - إرثه والوصيّة به‏:‏

4 - المسيل من الحقوق الارتفاقيّة‏,‏ وقد ذهب الفقهاء إلى قبوله التّوارث لأنّ الوراثة خلافة قهريّة بحكم الشّارع وليست من قبيل التّملك الاختياريّ فلم تشترط فيها الماليّة وتصح الوصيّة بها‏,‏ لأنّها تشبه الميراث من ناحية أنّ التّملك فيها إنّما يكون بعد الموت‏,‏ ولذا قالوا‏:‏ إنّ الوصيّة أخت الميراث‏,‏ فما يجوز التّوارث فيه يجوز الإيصاء به‏,‏ فمثلاً إذا أوصى صاحب شرب لآخر بأن يسقي أرضه من شربه جاز ذلك وكان للموصَى له سقي أرضه‏,‏ وينتهي حقّه في ذلك بوفاته‏,‏ لأنّها وصيّة بمنافع وهي تنتهي بموت المنتفع كما نصّ على ذلك الكاساني في البدائع‏.‏

اعتبار القدم في حقّ المسيل

5 - يعتبر القدم في حقّ المسيل - لكن القِدم غير منشئٍ للحقّ وهذا متّفق عليه مع تفصيل أورده بعض المذاهب ومعنى اعتباره‏:‏ أن يترك المسيل وما يماثله كالميزاب على وجهه القديم الّذي كان عليه‏,‏ لأنّ الشّيء القديم يبقى على حاله ولا يتغيّر إلّا أن يقوم الدّليل على خلافه‏.‏

أمّا القديم المخالف للشّرع فلا اعتبار له‏,‏ يعني إذا كان الشّيء المعمول غير مشروع في الأصل فلا اعتبار له‏,‏ وإن كان قديماً‏,‏ ويزال إن كان فيه ضرر فاحشٌ‏,‏ لأنّ القاعدة العامّة لبقاء حقّ المسيل وما يماثله من حقوقٍ‏:‏ ألّا يترتّب عليها ضرر‏,‏ وإلّا وجب إزالة منشأ هذا الضّرر‏,‏ فمثلاً إذا كان لدار مسيل ماء قذر في الطّريق العامّ ولو من القديم وكان فيه ضرر للمارّة فإنّ ضرره يرفع‏,‏ ولا اعتبار لقدمه‏,‏ لأنّ الضّرر لا يكون قديماً لوجوب إزالته‏.‏

قال البهوتي‏:‏ ومتى وجد سيل مائه في حقّ غيره‏,‏ أو وجد مجرى ماء سطحه على سطح غيره ولم يعلم سببه فهو حق له‏,‏ لأنّ الظّاهر وضعه بحقٍّ من صلح أو غيره خصوصاً مع تطاول الأزمنة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ القدم يتحقّق بمضيّ عشر سنوات عند ابن القاسم‏,‏ وبمضيّ عشرين سنة عند أصبغ‏,‏ وعن سحنون في مصبّ ماء أو مسيل يكفي مضي أربع سنوات عليه‏,‏ قال الونشريسي‏:‏ وبالأوّل مضى العمل‏.‏

وقد فرّع الحنفيّة والحنابلة على ذلك فروعاً‏:‏

فقد جاء في مجلّة الأحكام العدليّة‏:‏ لدار مسيل مطر على دار الجار من القديم وإلى الآن‏,‏ فليس للجار منعه قائلاً‏:‏ لا أدعه يسيل بعد ذلك‏.‏

قال في الخانية‏:‏ وهذا جواب الاستحسان في الميزاب ومسيل ماء السّطح‏,‏ وفي القياس ليس له ذلك إلّا أن يقيم البيّنة أنّ له مسيل ماء في داره‏,‏ والفتوى على جواب الاستحسان‏.‏ وذكر الحنابلة نحوه قال البهوتي‏:‏ فإن اختلفا في أنّه وضع بحقّ أوّلاً‏,‏ فقول صاحب المسيل ونحوه إنّه وضع بحقّ مع يمينه عملاً بظاهر الحال‏,‏ فإن زال فلربّه إعادته لأنّ الظّاهر استمرار حقّه فيه فلا يزول حتّى يوجد ما يخالفه‏.‏

وجاء في مجلّة الأحكام العدليّة المادّة ‏(‏ 1230 ‏)‏‏:‏ ‏"‏ دور في طريقٍ لها ميازيب من قديم منصّبة على ذلك الطّريق‏,‏ ومنه تمتد إلى عرصة واقعة في أسفله جارية من القديم ليس لصاحب العرصة سد ذلك المسيل القديم‏,‏ فإن سدّه يرفع السّد من طرف الحاكم ويعاد إلى وضعه القديم ‏"‏ لأنّه يريد بالسّدّ دفع الضّرر عن عرصته وفي ذلك ضرر بالطّريق الّذي تنصب إليه الميازيب وهو لا يجوز‏,‏ لأنّ ذلك الطّريق إن كان خاصّاً ففيه دفع الضّرر الخاصّ بمثله‏.‏

وقد ورد في المادّة ‏(‏ 25 ‏)‏ أنّ الضّرر لا يزال بمثله‏,‏ وإن كان عاماً ففيه دفع الضّرر الخاصّ بالضّرر العامّ وقد ورد في المادّة ‏(‏ 26 ‏)‏ أنّه يتحمّل الضّرر الخاص لدفع الضّرر العامّ ولا سبيل إلى رفع الميازيب عن الطّريق الخاصّ لأنّها قديمة ولا عن الطّريق العامّ لأنّه لم يتحقّق الضّرر حيث كان مسيل الماء إلى العرصة المذكورة قديماً فاتّضح بما ذكر أنّ المراد بالطّريق في هذه المادّة ما يعم الخاصّ والعامّ كما هو مقتضى الإطلاق‏.‏

وقال في المادّة ‏(‏ 1232 ‏)‏ من المجلّة ‏"‏ حقّ مسيل لسياق مالح في دار ليس لصاحب الدّار أو لمشتريها إذا باعها منع جريه بل يبقى كما في السّابق ‏"‏ قال شارحها‏:‏ نعم للمشتري إذا لم يكن عالماً بذلك وقت البيع خيار الفسخ لأنّه عيب وهو ثابت بحقّ لازم وليس للمشتري منعه كما في جامع الفصولين‏.‏

نفقة إصلاح المسيل

6 - قال ابن هبيرة‏:‏ واتّفقوا على أنّ من له حق في إجراء ماء على سطح غيره أنّ نفقة السّطح على صاحبه‏.‏

قسمة المسيل ودخوله في المقسوم

7 - قال الحنفيّة‏:‏ إن كان مسيل ماء بين رجلين وأراد أحدهما قسمة ذلك وأبى الآخر‏,‏ فإن كان فيه موضع يسيل منه ماؤُه سوى هذا قسم‏,‏ وإن لم يكن له موضع آخر إلّا بضرر لم يقسم‏.‏

وأمّا دخول المسيل في العقار المقسوم فقد نصّت المادّة ‏(‏ 1165 ‏)‏ من المجلّة العدليّة على أنّ حقّ الطّريق والمسيل في الأراضي المجاورة للمقسوم داخل في القسمة على كلّ حال في أيّ حصّة وقع يكون من حقوق صاحبها‏,‏ سواء قيل‏:‏ بجميع حقوقها أو لم يقل‏.‏

قال شارحها الأتاسي‏:‏ أحترز بقوله في الأراضي المجاورة عمّا إذا كان الطّريق أو المسيل في الحصّة الأخرى فحكمه كما في المادّة الآتية ‏(‏ 1166 ‏)‏ ثمّ إنّ قوله‏:‏ ‏"‏ سواء قيل بجميع حقوقها ‏"‏ هو ما ذكره الحاكم الشّهيد في مختصره ‏"‏ كما في الهنديّة ‏"‏‏.‏

وقد ذكر محمّد في الأصل‏:‏ إذا كانت الأرض بين قوم ميراثاً اقتسموها بغير قضاء فأصاب كلّ إنسان منهم قراح على حدة‏,‏ فله مسيل مائه وكل حقٍّ لها‏,‏ والصّحيح أنّهما لا يدخلان

‏"‏ كذا في المحيط ‏"‏‏.‏

ونقل شارح المجلّة عن الفتاوى الهنديّة عازياً للذّخيرة ما نصه‏:‏ وذكر شيخ الإسلام في قسمة الأراضي والقرى‏:‏ أنّ الطّريق ومسيل الماء يدخلان في القسمة بدون ذكر الحقوق والمرافق إذا كان الطّريق ومسيل الماء في أرض الغير‏,‏ ولم يكونا في أنصبائهم‏,‏ ولم يكن لكلّ واحد إحداث هذه الحقوق في أنصبائه حتّى لا تفسد القسمة‏.‏

وعليه محمل كون الصّحيح أنّ الطّريق والمسيل لا يدخلان‏,‏ على ما إذا لم يكونا في أرض الغير‏,‏ وهذا هو المراد من قوله في المادّة ‏"‏ في الأراضي المجاورة ‏"‏‏.‏

ونصّت المادّة ‏(‏ 1166 ‏)‏ من المجلّة على أنّه إذا شرط حين القسمة كون طريق الحصّة أو مسيلها في الحصّة الأخرى فالشّرط معتبر‏,‏ وهذا إذا لم يكونا موجودين قبل القسمة‏,‏ ومثله - بل أولى - ما إذا كانا موجودين قبلها فاشترطا تركهما على حالهما‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ إذا شرط ‏"‏ احتراز عمّا إذا لم يشترط شيء وحكمه ما ذكره في المادّة ‏(‏ 1167 ‏)‏ وهو إذا كان طريق حصّته في حصّة أخرى‏,‏ ولم يشترط بقاؤُه حين القسمة‏,‏ فإن كان قابل التّحويل إلى طرف آخر يحوّل سواء قيل حين القسمة‏:‏ بجميع حقوقها أو لم يقل‏,‏ أمّا إذا كان الطّريق غير قابل التّحويل إلى طرف آخر فينظر إن قيل حين القسمة بجميع حقوقها فالطّريق داخل يبقى على حاله‏,‏ وإن لم يذكر التّعبير العامّ كقولهم بجميع حقوقها تنفسخ القسمة‏,‏ والمسيل في هذا الخصوص كالطّريق بعينه‏.‏

المسيل الواقع في دار مشتركة

8 - نصّت المادّة ‏(‏ 1168 ‏)‏ من المجلّة على أنّه‏:‏ إذا كان لواحد حقّ مسيل في دار مشتركة ففي قسمة الدّار بينهما يترك المسيل على حاله‏.‏

إحداث المسيل في ملكٍ عام أو ملكٍ خاصٍّ

9 - نصّت المادّة ‏(‏ 1231 ‏)‏ من المجلّة العدليّة‏:‏ على أنّه ليس لأحد أن يجري مسيل محلّه المحدث إلى دار آخر‏,‏ المراد أنّه ليس لأحد إحداث مسيل محلّه إلى دار آخر حتّى لو كان محله قديماً‏.‏

فليس له أن يحوّل مسيله إلى دار غيره سواء كان مضراً أو لا‏,‏ لأنّه تصرف في ملك الغير بلا إذنه‏,‏ وكما جاء في المادّة ‏(‏ 96 ‏)‏ أنّه لا يجوز‏,‏ حتّى لو أذن له بذلك كان له الرجوع عن ذلك كما نصّت عليه المادّة ‏(‏ 1226 ‏)‏ ‏"‏ للمبيح صلاحية أن يرجع عن إباحته والضّرر لا يكون لازماً بالإذن والرّضا‏.‏‏.‏ ‏"‏‏.‏

وقال البهوتي‏:‏ ويحرم إجراء ماء في ملك إنسان بلا إذنه ولو مع عدم تضرره أو مع عدم تضرر أرضه بذلك‏,‏ لأنّه استعمال لملك الغير بغير إذنه‏,‏ ولو كان رب الماء مضروراً إلى إجرائه في ملك غيره فلا يجوز له‏.‏

وأمّا المالكيّة فلهم في ذلك تفصيل‏:‏

قال الونشريسي‏:‏ المرافق الّتي لا ضرر فيها لا يمنع منها من أراد إحداثها لأنّه ينتفع هو وغيره لا يستضر‏.‏

وقد اختلف العلماء في المرافق الّتي فيها يسير ضرر على الجار هل يقضى بها عليه أو يندب من غير قضاء على قولين كغرز الرّجل خشبة حائطه في جدار جاره‏,‏ فإذا كان هذا في مال الجار مع شيء من ضرر فكيف ما لا ضرر فيه بوجه‏.‏

أمّا إن أحدث الرّجل في طريقٍ ما فيه ضرر على من يمر فيه فلا يسوغ له ذلك إلّا بإذن شريكه في الطّريق المتملّكة كما في النّازلة‏,‏ ولا يسوغ ذلك في المحجّات ولا في الطّريق غير المتملّكة بإذن ولا بغير إذن‏,‏ لأنّ المنفعة غير خاصّة بالإذن فلا إذن له على غيره‏.‏

ثمّ قال‏:‏ رجل له مسكن نازعه جاره في مرحاض به‏,‏ واختلفوا في قدمه وحدوثه‏.‏

وساق تفصيل المسألة ثمّ قال‏:‏ إن كان ما ذكر من المجرى مضرّة بالطّريق بسبب المرحاض فالحكم المنع من كلّ ما يضر بالطّريق ولا تستحقّ على الطرق إذا كان فيه إضرار بها لأنّ الطّريق قديمة ومصالحها عامّة والإحداثات المضرّة بها ترفع عنها وإن قدمت‏,‏ فيترك الكرسي في دار صاحبه والمجرى إذا لم يثبت حدوث مضرّة بسبب ذلك على أحد‏,‏ ويمنع مالك المجرى من إجراء مرحاضه عليه إذا كانت تفضي إلى طريق النّاس‏.‏

وقال في البهجة‏:‏ إذا تنازعا في قدمه وحدوثه محمول على الحدوث حتّى يثبتا خلافه‏.‏

مُشَاع

انظر‏:‏ شيوع‏.‏

مُشَافَهة

التّعريف

1 - المشافهة لغةً‏:‏ مصدر على وزن‏:‏ مفاعلة الدّالّ غالباً على المشاركة الحاصلة أو المتوقّعة‏,‏ من شفهه يشافهه إذا خاطبه متكلّماً معه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المجادلة‏:‏

2 - أصل الجدل المناظرة والمخاصمة بما يشغل عن ظهور الحقّ ووضوح الصّواب‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين المجادلة والمشافهة التّلازم‏,‏ فالمجادلة لا تتم غالباً إلّا مشافهةً‏.‏

ب - المناجاة‏:‏

2 - المناجاة من ناجيت فلاناً مناجاةً إذا ساررته‏,‏ وتناجى القوم‏:‏ ناجى بعضهم بعضاً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين المناجاة والمشافهة أنّ كلاً منهما طريق من طرق التّعبير عمّا في النّفس بدون واسطة إلّا أنّ المناجاة خاصّة بحديث السّرّ والمشافهة أعم من ذلك‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمشافهة

شمول خطاب الشّارع

4 - اختلف علماء الفقه وأصوله في الخطاب الوارد من المشرّع في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان من قبيل ‏{‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ‏}‏، ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ‏}‏‏,‏ ‏{‏ يَا بَنِي آدَمَ ‏}‏، ‏{‏ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ ‏}‏‏.‏

ونحو ذلك ممّا فيه مشافهة للمستمع من ألفاظ القرآن الكريم والسنّة المطهّرة هل يختص بالموجودين حالة الخطاب أو يعم بلفظه كلّ الأمّة إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها‏؟‏‏.‏ فذهب جمهور أهل العلم إلى أنّه لا يتناول بلفظه إلّا مَن كان موجوداً حالة الخطاب دون سواهم‏,‏ وأنّ شمول الحكم لمن بعدهم لم يستفد - في الحقيقة - من صيغة الخطاب ولفظه وإنّما أستفيد من أدلّة منفصلة مجملها ما علم من الدّين بالضّرورة من أنّ أحكام الشّريعة الإسلاميّة المتعلّقة بأهل زمانه صلّى اللّه عليه وسلّم تعدّى إلى جميع الأمّة حتّى يوم القيامة‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّه يعم بلفظه الجميع‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

القضاء بمشافهة القاضي للقاضي

5 - الإنهاء بالمشافهة أو القضاء بالمشافهة أن يحكم القاضي بما شافهه به قاض آخر أو ينفّذه‏,‏ وشرط الاعتداد به - عند جمهور المالكيّة وغيرهم - أن يكون كل منهما في موضع ولايته‏.‏

ولهم بعد ذلك خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏ قضاء ف / 54 ‏)‏‏.‏

تولية القاضي وعزله بالمشافهة

6 - تنعقد ولاية القاضي بالمشافهة كما تنعقد بالمراسلة والمكاتبة وكذلك عزله‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ قضاء ف / 25، وتولية ف / 10 ‏)‏‏.‏

المشافهة في العقود

7 - الأصل في العقود عند الفقهاء أن تكون بإيجاب وقبول بالمشافهة‏,‏ وهي مقدّمة على غيرها من طرق التّعبير عن الإرادة كالكتابة والمراسلة والإشارة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ عقد ف / 10 وما بعدها‏,‏ تعبير ف / 3‏,‏ وصيغة ف / 10 ‏)‏‏.‏

الإجازة بالمشافهة

8 - الإجازة عند المحدّثين أن يقول الشّيخ للرّاوي - مشافهةً أو مكاتبةً أو مراسلةً‏:‏ أجزت لك أن تروي عنّي الكتاب الفلانيّ أو ما صحّ عندي من أحاديث سمعتها‏.‏

وقد اتّفق المحدّثون على أنّ أعلى درجات الإجازة المشافهة بها‏,‏ لانتفاء الاحتمالات فيها‏,‏ وتتلوها - من حيث الدّرجة - المراسلة لأنّ الرّسول يضبط وينطق‏,‏ وبعدهما تأتي المكاتبة لأنّ الكتابة لا تنطق وإن كانت تضبط‏.‏

وقد اختلف العلماء في حكم رواية الحديث بالإجازة والعمل به فذهب جماعة إلى المنع وهو إحدى الرّوايتين عن الشّافعيّ‏,‏ وحكي ذلك عن أبي طاهر الدّبّاس من أئمّة الحنفيّة‏,‏ ولكن الّذي استقرّ عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم‏:‏ من أهل الحديث وغيرهم القول بتجويز الإجازة وإباحة الرّواية بها‏,‏ ووجوب العمل بالمرويّ بها‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ إجازة ف / 15‏,‏ 26 ‏)‏‏.‏

مشافهة المرأة

9 - يباح للمرأة الأجنبيّة أن تشافه الرفقة المأمونة من الرّجال الّذين يمكن أن ترافقهم إلى بيت اللّه لأداء فريضة الحجّ‏,‏ وأن يشافهوها حسبما تدعو إليه الحاجة‏,‏ ولها أيضاً أن تشافه الرّجال وأن يشافهوها في حالات الإفتاء والاستفتاء‏,‏ والدّرس والتّدريس والقضاء والشّهادة والبيع والشّراء ونحو ذلك ممّا تتأكّد حاجتها إليه كالعلاج فقد ثبت في الأحاديث الصّحيحة « أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم شافه أكثر من امرأة أجنبيّة عنه »‏,‏ وأنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه فعل ذلك أيضاً‏,‏ وأنّ علياً كرّم اللّه وجهه تشافه مع المرأة الّتي أخفت كتاب حاطب بن أبي بلتعة وراوغت في الحوار وتمادت في الإنكار إلى أن اشتدّ عليها وهدّدها قائلاً‏:‏ ‏"‏ لتخرجن الكتاب أو لأجرّدنك ‏"‏ فلمّا رأت الجدّ في قوله أخرجته من عقاصها‏.‏

والضّابط في إباحة المشافهة هو عدم الفتنة‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏ عورة ف / 3 ‏)‏‏,‏ ومصطلح اختلاط ف / 4 ‏)‏‏.‏

مُشَاهَدة

انظر‏:‏ رؤية‏.‏

مُشَاوَرة

انظر‏:‏ شورى‏.‏

مُشْتَرك

انظر‏:‏ اشتراك‏.‏

مُشْتَهَاة

التّعريف

1 - المشتهاة في اللغة‏:‏ اسم مفعول‏:‏ يقال اشتهى الشّيء‏:‏ اشتدّت رغبته فيه‏.‏ واصطلاحاً قال ابن عابدين‏:‏ المشتهاة من النّساء هي من وصلت تسع سنين أو أكثر‏,‏ ونقل عن المعراج‏:‏ أنّ بنت خمس لا تكون مشتهاةً اتّفاقاً وبنت تسع فصاعداً مشتهاة اتّفاقاً‏,‏ وفيما بين الخمس والتّسع اختلاف الرّواية والمشايخ‏,‏ والأصح أنّها لا تثبت الحرمة - أي ليست مشتهاةً -‏.‏

وعند المالكيّة أنّ المشتهاة هي الّتي يلتذ بها التذاذاً معتاداً لغالب النّاس‏.‏

وذكر الشّافعيّة أنّ تحديد المشتهاة وضبطها يرجع إلى العرف‏.‏

وعند الحنابلة الصّغيرة الّتي تشتهى هي بنت سبع سنين فأكثر‏.‏

ما يتعلّق بالمشتهاة من أحكام

يتعلّق بالمشتهاة أحكام منها‏:‏

أثر لمس المشتهاة على الوضوء

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ لمس المرأة المشتهاة ينقض الوضوء في الجملة‏.‏

وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏ حدث ف / 12‏,‏ 13‏,‏ ولمس ف / 4 ‏)‏‏.‏

الغسل من جماع غير المشتهاة

3 - قال الحصكفي‏:‏ جماع الصّغيرة غير المشتهاة لا يوجب الغسل ولا ينقض الوضوء وإن غابت فيها الحشفة وذلك بأن تصير مفضاةً بالوطء ما لم يكن هناك إنزال‏,‏ لقصور الشّهوة فلا يلزم منه إلّا غسل الذّكر‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ في المسألة خلاف فقيل‏:‏ يجب الغسل مطلقاً‏,‏ وقيل‏:‏ لا يجب مطلقاً‏,‏ والصّحيح‏:‏ أنّه إذا أمكن الإيلاج في محلّ الجماع من الصّغيرة ولم يفضّها - أي لم يجعلها مختلطة السّبيلين - فهي ممّن تجامع فيجب الغسل‏,‏ والوجوب مشروط بما إذا زالت البكارة لأنّه مشروط في الكبيرة ففي الصّغيرة بالأولى‏.‏

وفي تحديد الفرج الّذي يجب الغسل بتغييب الحشفة فيه خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح

‏(‏ غسل ف / 10 ‏)‏‏.‏

أثر مباشرة المشتهاة في انتشار حرمة المصاهرة

4 - نصّ الحنفيّة على أنّ حرمة المصاهرة تنتشر بوطء المشتهاة أو مسّها بشهوة‏,‏ وقالوا بنت سنها دون تسع ليست بمشتهاة وبه يفتى ولا فرق بين أن تكون سمينةً أو لا‏,‏ ولذا قال في المعراج‏:‏ بنت خمس لا تكون مشتهاةً اتّفاقاً وبنت تسع فصاعداً مشتهاة اتّفاقاً وفيما بين الخمس والتّسع اختلاف الرّواية والمشايخ‏,‏ والأصح أنّها لا تثبت الحرمة‏.‏ ولا فرق في انتشار الحرمة عند الحنفيّة بين الوطء بالزّنا والنّكاح‏,‏ فلو تزوّج صغيرةً غير مشتهاة فدخل بها فطلّقها وانقضت عدّتها وتزوّجت بآخر جاز للأوّل التّزوج ببنتها‏,‏ لعدم الاشتهاء‏,‏ أمّا أمها فحرمت عليه بمجرّد العقد‏,‏ وكذا تشترط الشّهوة في الذّكر فلو جامع صبي غير مراهقٍ امرأة أبيه لا تثبت الحرمة أي لا تحرم على أبيه‏,‏ لأنّ من لا يشتهي لا تثبت الحرمة بجماعه‏,‏ أمّا الصّبي الّذي وصل إلى حدّ المراهقة وهو الّذي يجامع مثله ويشتهي وتستحي النّساء من مثله فهو كالبالغ‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ كما تنتشر الحرمة بالوطء الحلال فإنّها تنتشر بالوطء الحرام بشروط هي‏:‏

أ - بلوغ الواطئ‏.‏

ب - أن تكون الموطوءة ممّن يتلذّذ بها‏.‏

ج - أن يكون الوطء دارئاً للحدّ‏,‏ أمّا الوطء الحرام الّذي لا يدرأ الحدّ كالزّنا ففيه خلاف في نشر الحرمة‏,‏ والمعتمد عدم نشر الحرمة، ومقدّمات الوطء كالوطء في نشر الحرمة‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّ الوطء بسائر أنواعه موجب للتّحريم‏,‏ فلا فرق بين كونه مباحاً أو محرّماً بحائل غير صفيقٍ إن أحسّ بالحرارة أو بدونه في قبل أو دبر‏,‏ لأنّه تصرف في فرج أصليٍّ‏,‏ وهو يسمّى نكاحاً‏,‏ فدخل في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ ‏}‏‏.‏

وقالوا‏:‏ يشترط لوجوب التّحريم حياة الواطئ والموطوءة‏,‏ فلو أولج ذكره في فرج ميّتة أو أدخلت امرأة حشفة ميّت في فرجها‏,‏ لم يؤثّر في تحريم المصاهرة‏,‏ ويشترط كون مثلهما يطأ ويوطأ فلا يتعلّق تحريم المصاهرة بوطء صغير‏,‏ لأنّه غير مقصود‏.‏

وعلى اشتراط كون مثلهما يطأ ويوطأ فلو عقد ابن تسع على امرأة وأصابها وفارقها‏,‏ حلّت له‏:‏ بنتها إذ لا تأثير لهذه الإصابة‏,‏ فوجودها كعدمها وكذا عكسه كما لو أصاب ابن عشر فأكثر من دون تسع سنين‏,‏ وفارقها‏,‏ فبلغت‏,‏ واتّصلت بزوج آخر وأتت منه ببنت‏,‏ حلّت تلك البنت لمصيب أمّها حال صغرها‏,‏ لأنّه لا يحرم‏,‏ ولا يثبت التّحريم بذلك‏,‏ وصرّحوا بأنّه لا تحريم بوطء ميّتة ومباشرة ونظر إلى فرج لشهوة أو غيره من بقيّة البدن‏.‏

حضانة المشتهاة

5 - ذكر الفقهاء أنّ من شروط ثبوت حقّ الحضانة للحاضن غير المحرم كابن العمّ وابن العمّة وابن الخال وابن الخالة أن لا تبلغ البنت المحضونة حداً يشتهى بمثلها‏.‏

فإذا بلغت هذا الحدّ‏,‏ فلا تسلّم إلى الحاضن المذكور‏,‏ لأنّه ليس بمحرم لها فيسقط حقّه في الحضانة‏,‏ وكذا إن كان المحضون ذكراً والحاضن أنثى غير محرم كبنت الخالة وبنت الخال وبنت العمّة وبنت العمّ ونحوهنّ فتستمر حضانته معها حتّى يبلغ حداً يشتهي مثله فإذا بلغ هذا الحدّ سقط حقّها في حضانته لعدم المحرميّة‏.‏

وانظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏ حضانة ف / 9 - 14 ‏)‏‏.‏

اشتراط كون الفرج المزنيّ به مشتهىً لوجوب حدّ الزّنا

6 - ذكر الفقهاء أنّ من شروط وجوب حدّ الزّنا أن يكون الفرج المزني به مشتهىً طبعاً أي يشتهيه ذوو الطّبائع السّليمة من النّاس بأن كان فرج آدميٍّ حيٍّ‏,‏ وذلك احترازاً عن وطء الميّتة فلا يجب فيه الحد عند جمهور الفقهاء‏,‏ لأنّه ممّا ينفر عنه الطّبع السّليم‏,‏ وتعافه النّفس‏,‏ فلم يحتج إلى الزّجر عنه بحدّ الزّنا‏.‏

ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة وأحد الوجهين عند الحنابلة أنّ الحدّ يجب على من وطئ ميّتةً‏,‏ لأنّه وطء في فرج آدميّة فأشبه وطء الحيّة‏,‏ ولأنّه أعظم ذنباً وأكثر إثماً‏,‏ لأنّه انضمّ إلى الفاحشة هتك حرمة الميّتة‏,‏ وإلى هذا ذهب الأوزاعي‏.‏

واحترازاً كذلك عن وطء صغيرة غير مشتهاة فلا يجب فيه الحد عند الحنفيّة والمالكيّة والقاضي من الحنابلة لا على الرّجل الفاعل ولا على الصّغيرة غير المشتهاة ولا تحد المرأة إذا كان الواطئ غير بالغ‏,‏ قال القاضي من الحنابلة‏:‏ لا حدّ على من وطئ صغيرةً لم تبلغ تسعاً‏,‏ لأنّها لا يشتهى مثلها فأشبه ما لو أدخل أصبعه في فرجها‏,‏ وكذلك لو استدخلت امرأة ذكر صبيٍّ لم يبلغ عشراً لا حدّ عليها والصّحيح أنّه متى أمكن وطؤُها ومكّنت المرأة من أمكنه الوطء فوطئها أنّ الحدّ يجب على المكلّف منهما فلا يجوز تحديد ذلك بتسع‏,‏ ولا عشر‏,‏ لأنّ التّحديد إنّما يكون بالتّوقيف ولا توقيف في هذا وكون التّسع وقتاً لإمكان الاستمتاع غالباً لا يمنع وجوده قبل‏,‏ كما أنّ البلوغ يوجد في خمسة عشر عاماً غالباً ولم يمنع من وجوده قبله‏.‏

مُشْرف

انظر‏:‏ إشراف‏.‏

مُشرِك

انظر‏:‏ إشراك‏.‏

المُشَرِّكَة

انظر‏:‏ عمريّة‏.‏

مَشْرُوب

انظر‏:‏ أشربة‏.‏

مَشْرُوعِيّة

التّعريف

1 - المشروعيّة منسوبة لمشروع‏,‏ وهو مصدر صناعي‏,‏ والمشروع ما سوّغه الشّرع‏,‏ والشّرعة بالكسر في اللغة‏:‏ الدّين‏,‏ والشّرع والشّريعة مثله مأخوذ من الشّريعة‏,‏ وهي مورد النّاس للاستقاء‏,‏ وسمّيت بذلك لوضوحها وظهورها وشرع اللّه لنا كذا يشرعه‏,‏ أظهره وأوضحه‏.‏

وقال التّهانوي‏:‏ وتطلق المشروعيّة على ما تكتسبه الأفعال أو الأشياء من أحكام كالبيع فإنّ له وجوداً حسّياً‏,‏ ومع هذا له وجود شرعي‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّحّة‏:‏

2 - الصّحّة لغةً‏:‏ في البدن حالة طبيعيّة تجري أفعاله معها على المجرى الطّبيعيّ‏,‏ وقد أستعيرت الصّحّة للمعاني فقيل صحّت الصّلاة إذا أسقطت‏,‏ القضاء‏,‏ وصحّ العقد إذا ترتّب عليه أثره‏,‏ وصحّ القول إذا طابق الواقع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الصّحّة عبارة عن كون الفعل مسقطاً للقضاء في العبادات أو سبباً لترتب ثمراته المطلوبة منه شرعاً في المعاملات وبإزائه البطلان‏.‏

وقال الغزالي‏:‏ إطلاق الصّحّة في العبادات مختلف فيه والصّحيح عند المتكلّمين عبارة عمّا وافق الشّرع وجب القضاء أو لم يجب‏,‏ وعند الفقهاء عبارة عمّا أجزأ وأسقط القضاء‏.‏ والصّلة بين الصّحّة والمشروعية العموم والخصوص‏.‏

ب - الحكم‏:‏

3 - الحكم هو القضاء لغةً‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ إذا قيّد بالشّرعيّ فهو خطاب الشّارع المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً‏.‏

هذا عند علماء الأصول‏,‏ أمّا عند الفقهاء فهو أثر الخطاب وليس عين الخطاب‏.‏

والصّلة بين المشروعيّة والحكم الشّرعيّ أنّ المشروعيّة هي أحد أوصاف الحكم الشّرعيّ‏.‏ ج - الجواز‏:‏

4 - من معاني الجواز في اللغة‏:‏ الصّحّة والنّفاذ‏,‏ ومنه‏:‏ أجزت العقد جعلته جائزاً نافذاً‏.‏ وفي الاصطلاح ما لا منع فيه عن الفعل والتّرك شرعاً‏.‏

أدلّة المشروعيّة

5 - قال القرافي‏:‏ أدلّة مشروعيّة الأحكام محصورة شرعاً تتوقّف على الشّارع وهي نحو العشرين‏,‏ ثمّ قال‏:‏ فأدلّة مشروعيّتها الكتاب والسنّة والقياس والإجماع والبراءة الأصليّة وإجماع أهل المدينة والاستحسان والاستصحاب وفعل الصّحابيّ ونحو ذلك‏.‏

وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

الخلل في التّصرفات وأثره في المشروعيّة

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ العبادات ينبغي أن تؤدّى كما شرعت دون نقصان أو خلل حتّى تكون صحيحةً مجزئةً‏,‏ وكل عبادة تفقد ركناً من أركانها أو شرطاً من شروطها فهي باطلة‏,‏ ولا يترتّب عليها أثرها الشّرعي من الثّواب الأخرويّ وسقوط القضاء في الدنيا‏.‏

وكل ما لا يترتّب عليه أثره الشّرعي فهو فاسد أو باطل‏.‏

ولكنّ الفقهاء اختلفوا في العقود والمعاملات‏.‏

فالجمهور يلحقون المعاملات بالعبادات من حيث إنّ فعلها على غير الصورة المشروعة يلحق بها البطلان والفساد دون تفرقة بين المعنيين‏.‏

وأمّا الحنفيّة فلهم اصطلاح خاصٌّ في التّفرقة بين الفاسد والباطل من المعاملات والعقود‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ الباطل فيها ما لم يكن مشروعاً لا بأصله ولا بوصفه‏,‏ كبيع الميتة والدّم‏.‏

أمّا ما كان مشروعاً بأصله‏,‏ وغير مشروع بوصفه فإنّه فاسد لا باطل كالبيع الرّبويّ مثلاً‏,‏ فإنّه مشروع بأصله من حيث إنّه بيع‏,‏ وغير مشروع بوصفه وهو الفضل‏,‏ فكان فاسداً لملازمته للزّيادة وهي غير مشروعة فلو حذفت الزّيادة لصحّ البيع وعاد إلى أصله من المشروعيّة‏.‏

والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏,‏ ومصطلح ‏(‏ بطلان ف / 10 - 12 ‏)‏‏.‏

دخول المسكوت عنه في المشروعيّة

7 - قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا ‏}‏‏.‏

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « وسكت عن أشياء رحمةً بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها »‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في مشروعيّة فعل شيء مسكوت عنه على أقوال وتفصيلات تنظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

الأسباب المشروعة أسباب للمصالح لا للمفاسد

8 - قال الشّاطبي‏:‏ الأسباب الممنوعة أسباب للمفاسد لا للمصالح‏,‏ كما أنّ الأسباب المشروعة أسباب للمصالح لا للمفاسد‏,‏ مثال ذلك‏:‏ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فإنّه أمر مشروع لأنّه سبب لإقامة الدّين وإظهار شعائر الإسلام وإخماد الباطل على أيّ وجهٍ كان‏,‏ وليس بسبب في الوضع الشّرعيّ لإتلاف مال أو نفس ولا نيل من عرض‏,‏ وإن أدّى إلى ذلك في الطّريق‏,‏ والطّلب بالزّكاة مشروع لإقامة ذلك الركن من أركان الإسلام وإن أدّى إلى القتال كما فعله أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه وأجمع عليه الصّحابة رضي اللّه عنهم‏.‏

المشْعَر الحرام

انظر‏:‏ مزدلفة‏.‏