فصل: مَشْرُوعِيّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


إعطاء الغنيمة للمساكين

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ للمساكين سهماً في خمس مال الغنيمة‏,‏ واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏}‏‏.‏

واختلفوا في مقدار هذا السّهم على أقوال‏:‏

فعند الشّافعيّة والحنابلة خمس الخمس‏,‏ وعند الحنفيّة ثلث الخمس‏,‏ وعند طائفة سدس الخمس‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ خمس ف / 7 - 12 ‏)‏‏.‏

والفقراء والمساكين صنف واحد هاهنا‏.‏

الوقف على المساكين

6 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز الوقف على المساكين‏.‏

لأنّ الوقف إزالة ملكٍ عن الموقوف على وجه القربة‏,‏ والمسكين ممّا تحصل القربة بالوقف عليه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ وقف ‏)‏‏.‏

إثبات المسكنة

7 - إذا عرف لرجل مال فادّعى تلفه‏,‏ وأنّه فقير أو مسكين لم يقبل منه إلّا ببيّنة‏,‏ قال صاحب المجموع‏:‏ وهذا لا خلاف فيه‏,‏ وإن لم يعرف له مال‏,‏ وادّعى الفقر أو المسكنة‏,‏ قبل قوله‏,‏ ولا يطالب ببيّنة بلا خلاف‏,‏ لأنّ الأصل في الإنسان الفقر‏.‏

مَسِيل

التّعريف

1 - السّيل لغةً‏:‏ معروف‏,‏ جمعه سيول وهو مصدر في الأصل‏,‏ من سال الماء يسيل سيلاً من باب باع‏,‏ وسيلاناً إذا طغى وجرى‏,‏ ثمّ غلب المسيل في المجتمع من المطر الجاري في الأودية‏,‏ والمسيل مجرى السّيل‏,‏ والجمع مسايل ومسل بضمّتين‏.‏

وربّما قيل مسلان مثل رغيف ورغفان‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

ومن صور المسيل عند الفقهاء‏:‏ أن تكون لشخص دار لها حقّ تسييل الماء على أسطحة دار أخرى‏,‏ أو على أرض دار أخرى‏.‏

ما يتعلّق بالمسيل من أحكام

يتعلّق بالمسيل أحكام منها‏:‏

مسيل الماء من حقوق الارتفاق

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ مرافق وحقوق العقار من أرض أو دار‏,‏ تابعة له على معنى أنّه لا بدّ منها وأنّها حقوق مقرّرة على محالّها ومنها المسيل وما يماثله وله أحكام تخصه يأتي بيانها‏.‏

أ - التّصرف في المسيل‏:‏

3 - اختلف الفقهاء في التّصرف في المسيل بالبيع أو الهبة أو نحو ذلك‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ لا يجوز بيع المسيل وهبته لجهالته‏,‏ إذ لا يدري قدر ما يشغله من الماء‏,‏ قال ابن عابدين نقلاً عن الفتح‏:‏ هذا إذا لم يبيّن مقدار المسيل‏,‏ أمّا لو بيّن حدّ ما يسيل فيه الماء‏,‏ أو باع أرض المسيل من نهر أو غيره من غير اعتبار حقّ التّسييل فهو جائز بعد أن يبيّن حدوده‏.‏

وأمّا بيع حقّ التّسييل وهبته دون رقبة المسيل فلا يصح باتّفاق المشائخ‏,‏ سواء كان على الأرض‏,‏ أو على السّطح‏,‏ لأنّه نظير حقّ التّعلّي‏,‏ وبيع حقّ التّعلّي لا يجوز باتّفاق الرّوايات‏,‏ لأنّه ليس حقّاً متعلّقاً بما هو مال بل بالهواء وإن كان على الأرض‏,‏ وهو أن يسيل الماء عن أرضه كيلا يفسده فيمرّه على أرض لغيره‏,‏ فهو مجهول لجهالة محلّه الّذي يأخذه‏.‏

وإذا ادّعى رجل مسيل ماء في دار رجل فلا بدّ وأن يبيّن مسيل ماء المطر أو ماء الوضوء‏,‏ وكذا ينبغي بيان موضع مسيل الماء أنّه في مقدّم البيت أو في مؤخّره‏.‏

وإذا اشترى بيتاً في دار لا يدخل مسيل الماء من غير ذكر‏,‏ ولو ذكر بحقوقه ومرافقه يدخل وهو الأصح‏,‏ ومن اشترى منزلاً في دار أو مسكناً فيها لم يكن له المسيل في هذه الدّار إلى ذلك المشتري‏,‏ إلّا أن يشتريه بكلّ حقٍّ أو بمرافقه أو بكلّ قليل وكثير‏.‏

ولو كان للبائع في الدّار المبيعة مسيل لدار له أخرى بجنبها وقال بكلّ حقٍّ فذلك كله للمشتري وله أن يمنعه‏,‏ ولو باع رجل داراً ولآخر فيها مسيل ماء‏,‏ فرضي صاحب المسيل ببيع الدّار‏,‏ قالوا‏:‏ إن كان له رقبة المسيل كان له حصّة من الثّمن‏,‏ وإن كان له حقّ جري الماء فقط فلا قسط له من الثّمن وبطل حقّه إذا رضي بالبيع‏.‏

وإذا اشترى رجل من رجل داراً فادّعى رَجُلٌ فيها مسيل ماء وأقام على ذلك بيّنةً فهو له بمنزلة العيب‏,‏ فإن شاء المشتري أمسكها بجميع الثّمن وإن شاء ردّها‏,‏ فإن كان قد بنى فيها بناءً فله أن ينقض بناءه وليس له أن يرجع بقيمة بنائه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن كان الماء يسيل وينبع في ملكٍ فهو لصاحب الأرض الّتي ينبع فيها يرسله متى شاء ويحبسه متى شاء‏,‏ فإن اجتمع جماعة على إجراء ماء في سانية إلى أرضهم لم يقدّم أحد منهم على الآخر‏,‏ وإن كان أعلى يقتسمونه بينهم بالقلل أو الخشب أو كيفما اتّفقوا على سبيل اشتراكهم أوّل إجرائهم له‏.‏

وفي المدوّنة‏:‏ قلت‏:‏ أرأيت إن اشتريت شرب يوم من كلّ شهر بغير أرض من قناة أو من بئر أو من عين أو من نهر‏,‏ أيجوز ذلك أم لا في قول مالكٍ‏؟‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ ذلك جائز‏,‏ قال‏:‏ وهذا الّذي قال مالك لا شفعة فيه‏,‏ لأنّه ليس معه أرض‏.‏ قال‏:‏ وقال مالك‏:‏ إذا قسمت الأرض وترك الماء فباع أحدهم نصيبه الّذي صار له من أرضه بغير ماء‏,‏ ثمّ باع نصيبه بعد ذلك من الماء‏,‏ فإنّ مالكاً قال لي‏:‏ هذا الماء لا شفعة فيه والأرض أيضاً لا شفعة فيها‏,‏ وإنّما الشفعة في الماء إذا كانت الأرض بين النّفر لم يقتسموها فباع أحدهم ماءه بغير أرضه‏,‏ فقال مالك‏:‏ ففي هذا الشفعة إذا كانت الأرض لم تقسم‏.‏

قلت‏:‏ أرأيت إن باع أحدهم حصّته من الماء‏,‏ ثمّ باع آخر بعده حصّته من الماء أيضرب البائع الأوّل معهم في الماء بحصّته من الأرض‏؟‏ قال‏:‏ لا وكذلك لو باع حصّته من الأرض وترك حصّته من الماء‏,‏ ثمّ باع بعد ذلك بعض شركائه حصّته من الأرض‏,‏ لم يكن له فيها شفعة لمكان ما بقي له في الماء‏,‏ قلت‏:‏ أرأيت لو أنّ قوماً اقتسموا أرضاً وكان بينهم ماء يسقون به وكان لهم شركاء في ذلك الماء‏,‏ فباع أحد من أولئك الّذين لهم الماء حصّته من الماء أيضرب مع شركائه في الشفعة بحصّته من الأرض‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يجوز أن يصالح على إجراء الماء أو الصلح على إخراج ميزاب‏,‏ وعلى إلقاء الثّلج في ملكه - أي المصالح معه - على مال‏,‏ لأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك‏,‏ لكن محله في الماء المجلوب من نهر ونحوه إلى أرضه‏,‏ والحاصل إلى سطحه من المطر‏.‏

وأمّا مسيل غسالة الثّياب والأواني فلا يجوز الصلح على إجرائها على مال‏,‏ لأنّه مجهول لا تدعو الحاجة إليه‏,‏ قاله المتولّي من الشّافعيّة‏,‏ وإن خالف في ذلك البلقيني‏,‏ وقال‏:‏ إنّ الحاجة إليه أكثر من حاجة البناء‏,‏ فلا مانع منه إذا بيّن قدر الجاري إذا كان على السّطح‏,‏ وبيّن موضع الجريان إذا كان على الأرض والحاجة إلى ذلك أكثر من الحاجة إلى البناء فليس كل النّاس يبني‏,‏ وغسل الثّياب والأواني لا بدّ منه لكلّ النّاس أو الغالب وهو بلا شكٍّ يزيد على حاجة البناء‏,‏ فمن بنى حمّاماً وبجانبه أرض لغيره فأراد أن يشتري منه حقّ ممرّ الماء فلا توقّف في جواز ذلك‏,‏ بل الحاجة إليه أكثر من حاجة البناء على الأرض‏.‏

قال الرّملي‏:‏ ولعلّ مراد المتولّي من ذلك حيث كان على السّطح ولم يحصل البيان في قدر ما يصب‏,‏ وقال الإسنوي‏:‏ وشرط المصالحة على إجراء ماء المطر على سطح غيره أن لا يكون له مصرف إلى الطّريق إلّا بمروره على سطح جاره‏.‏

ومحل الجواز في الثّلج إذا كان في أرض الغير لا في سطحه لما فيه من الضّرر‏,‏ ويشترط معرفة السّطح الّذي يجري فيه الماء أو منه الماء‏,‏ سواء كان ببيع أو إجارة أو إعارة‏,‏ لأنّ المطر يقل بصغره ويكثر بكبره‏,‏ ومعرفة قدر السّطح الّذي يجري إليه وقوّته وضعفه فإنّه قد يتحمّل قليل الماء دون كثيره‏,‏ ولا يضر الجهل بقدر ماء المطر‏,‏ لأنّه لا يمكن معرفته لأنّه عقد جوّز للحاجة‏.‏

ثمّ إن عقد على الأوّل بصيغة الإجارة فلا بدّ من بيان موضع الإجراء وبيان طوله وعرضه وعمقه وقدر المدّة إن كانت الإجارة مقدّرةً بها‏,‏ وإلّا فلا يشترط بيان قدرها‏,‏ ولا بدّ من أن يكون الموضع محفوراً وإلّا فلا يصح لأنّ المستأجر لا يملك الحفر‏.‏

وأمّا بيع مسيل الماء فقال الشّافعيّة‏:‏ وإن عقد بصيغة البيع بأن قال‏:‏ بعتك مسيل الماء وجب بيان الطول والعرض‏,‏ وفي العمق وجهان بناءً على أنّ المشتري هل يملك موضع الجريان أم لا‏؟‏ قال الرّافعي وإيراد النّاقلين يميل إلى ترجيح الملك‏,‏ وقال الشّربيني‏:‏ لا يجب بيان العمق لأنّه ملك القرار‏,‏ قال الإسنوي‏:‏ وإن عقد بلفظ الصلح فهل ينعقد بيعاً أو إجارةً‏؟‏ لم يصرّح به الشّيخان‏,‏ وصرّح في الكفاية أنّه ينعقد بيعاً سواء وجّه العقد إلى الحقّ أو العين‏,‏ قال عميرة‏:‏ قد قالوا في مسألة البناء أنّه لا يملك عيناً‏,‏ ولا فرق بينهما فيما يظهر وقد يفرّق بأنّ لفظ مسألة الماء مثلاً ينصرف إلى العين بخلاف قوله‏:‏ بعتك رأس الجدار للبناء‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن صالح رجل على إجراء ماء سطحه من المطر على سطح آخر‏,‏ أو صالحه على إجراء ماء المطر في أرضه حال كون الماء من سطحه‏,‏ أو صالحه على إجراء ماء المطر في أرضه حال كونه عن أرضه‏,‏ جاز الصلح في ذلك إذا كان ما يجري ماؤُه من أرض أو سطح معلوماً لهما إمّا بالمشاهدة وإمّا بمعرفة مساحة السّطح أو الأرض الّتي ينفصل ماؤُها‏,‏ لأنّ الماء يختلف بصغر السّطح والأرض وكبرهما‏,‏ فاشترط معرفتهما‏.‏ ويشترط أيضاً معرفة الموضع الّذي يخرج منه الماء إلى السّطح أو إلى الأرض‏,‏ دفعاً للجهالة‏,‏ ولا تفتقر صحّة الإجارة إلى ذكر المدّة لدعوى الحاجة إلى تأبيد ذلك‏,‏ فيجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة غير مقدّر مدّةً كنكاح‏.‏ لكن قال ابن رجب في القواعد في السّابعة والثّمانين‏:‏ ليس بإجارة محضة ‏;‏ لعدم تقدير المدّة‏,‏ بل هو شبيهٌ بالبيع‏,‏ بخلاف السّاقية الّتي يجري فيها غير ماء المطر فكانت بيعاً تارةً وإجارةً تارةً أخرى‏,‏ فاعتبر فيها تقدير المدّة وإن كانت الأرض أو السّطح الّذي يجري عليه الماء مستأجراً أو عاريةً‏,‏ لم يجز أن يصالح المستأجر أو المستعير على إجراء الماء عليه بغير إذن مالكه أمّا في السّطح فلتضرره بذلك‏,‏ وأمّا في الأرض فلأنّه يجعل لغير صاحب الأرض رسماً‏,‏ فربّما ادّعى ملكها بعد‏.‏ ويحرم إجراء ماء في ملك إنسان بلا إذنه‏.‏ ولو مع عدم تضرره‏,‏ أو مع عدم تضرر أرضه بذلك ‏;‏ لأنّه استعمال لملك الغير بغير إذنه ولو كان رب الماء مضروراً إلى إجرائه في ملك غيره‏.‏ فلا يجوز له‏.‏

ولو صالحه على أن يسقي أرضه من نهره‏,‏ أو من عينه أو بئره مدّةً - ولو معيّنةً - لم يصحّ الصلح لعدم ملكه الماء‏,‏ لأنّ الماء العدّ لا يملك بملك الأرض‏,‏ وإن صالحه على سهم من النّهر أو العين أو البئر كثلث ونحوه من ربع أو خمس جاز الصلح‏,‏ وكان ذلك بيعاً للقرار أي للجزء المسمّى من القرار والماء تابع للقرار‏,‏ فيقسم بينهما على قدر ما لكلّ منهما فيه‏.‏

ب - إرثه والوصيّة به‏:‏

4 - المسيل من الحقوق الارتفاقيّة‏,‏ وقد ذهب الفقهاء إلى قبوله التّوارث لأنّ الوراثة خلافة قهريّة بحكم الشّارع وليست من قبيل التّملك الاختياريّ فلم تشترط فيها الماليّة وتصح الوصيّة بها‏,‏ لأنّها تشبه الميراث من ناحية أنّ التّملك فيها إنّما يكون بعد الموت‏,‏ ولذا قالوا‏:‏ إنّ الوصيّة أخت الميراث‏,‏ فما يجوز التّوارث فيه يجوز الإيصاء به‏,‏ فمثلاً إذا أوصى صاحب شرب لآخر بأن يسقي أرضه من شربه جاز ذلك وكان للموصَى له سقي أرضه‏,‏ وينتهي حقّه في ذلك بوفاته‏,‏ لأنّها وصيّة بمنافع وهي تنتهي بموت المنتفع كما نصّ على ذلك الكاساني في البدائع‏.‏

اعتبار القدم في حقّ المسيل

5 - يعتبر القدم في حقّ المسيل - لكن القِدم غير منشئٍ للحقّ وهذا متّفق عليه مع تفصيل أورده بعض المذاهب ومعنى اعتباره‏:‏ أن يترك المسيل وما يماثله كالميزاب على وجهه القديم الّذي كان عليه‏,‏ لأنّ الشّيء القديم يبقى على حاله ولا يتغيّر إلّا أن يقوم الدّليل على خلافه‏.‏

أمّا القديم المخالف للشّرع فلا اعتبار له‏,‏ يعني إذا كان الشّيء المعمول غير مشروع في الأصل فلا اعتبار له‏,‏ وإن كان قديماً‏,‏ ويزال إن كان فيه ضرر فاحشٌ‏,‏ لأنّ القاعدة العامّة لبقاء حقّ المسيل وما يماثله من حقوقٍ‏:‏ ألّا يترتّب عليها ضرر‏,‏ وإلّا وجب إزالة منشأ هذا الضّرر‏,‏ فمثلاً إذا كان لدار مسيل ماء قذر في الطّريق العامّ ولو من القديم وكان فيه ضرر للمارّة فإنّ ضرره يرفع‏,‏ ولا اعتبار لقدمه‏,‏ لأنّ الضّرر لا يكون قديماً لوجوب إزالته‏.‏

قال البهوتي‏:‏ ومتى وجد سيل مائه في حقّ غيره‏,‏ أو وجد مجرى ماء سطحه على سطح غيره ولم يعلم سببه فهو حق له‏,‏ لأنّ الظّاهر وضعه بحقٍّ من صلح أو غيره خصوصاً مع تطاول الأزمنة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ القدم يتحقّق بمضيّ عشر سنوات عند ابن القاسم‏,‏ وبمضيّ عشرين سنة عند أصبغ‏,‏ وعن سحنون في مصبّ ماء أو مسيل يكفي مضي أربع سنوات عليه‏,‏ قال الونشريسي‏:‏ وبالأوّل مضى العمل‏.‏

وقد فرّع الحنفيّة والحنابلة على ذلك فروعاً‏:‏

فقد جاء في مجلّة الأحكام العدليّة‏:‏ لدار مسيل مطر على دار الجار من القديم وإلى الآن‏,‏ فليس للجار منعه قائلاً‏:‏ لا أدعه يسيل بعد ذلك‏.‏

قال في الخانية‏:‏ وهذا جواب الاستحسان في الميزاب ومسيل ماء السّطح‏,‏ وفي القياس ليس له ذلك إلّا أن يقيم البيّنة أنّ له مسيل ماء في داره‏,‏ والفتوى على جواب الاستحسان‏.‏ وذكر الحنابلة نحوه قال البهوتي‏:‏ فإن اختلفا في أنّه وضع بحقّ أوّلاً‏,‏ فقول صاحب المسيل ونحوه إنّه وضع بحقّ مع يمينه عملاً بظاهر الحال‏,‏ فإن زال فلربّه إعادته لأنّ الظّاهر استمرار حقّه فيه فلا يزول حتّى يوجد ما يخالفه‏.‏

وجاء في مجلّة الأحكام العدليّة المادّة ‏(‏ 1230 ‏)‏‏:‏ ‏"‏ دور في طريقٍ لها ميازيب من قديم منصّبة على ذلك الطّريق‏,‏ ومنه تمتد إلى عرصة واقعة في أسفله جارية من القديم ليس لصاحب العرصة سد ذلك المسيل القديم‏,‏ فإن سدّه يرفع السّد من طرف الحاكم ويعاد إلى وضعه القديم ‏"‏ لأنّه يريد بالسّدّ دفع الضّرر عن عرصته وفي ذلك ضرر بالطّريق الّذي تنصب إليه الميازيب وهو لا يجوز‏,‏ لأنّ ذلك الطّريق إن كان خاصّاً ففيه دفع الضّرر الخاصّ بمثله‏.‏

وقد ورد في المادّة ‏(‏ 25 ‏)‏ أنّ الضّرر لا يزال بمثله‏,‏ وإن كان عاماً ففيه دفع الضّرر الخاصّ بالضّرر العامّ وقد ورد في المادّة ‏(‏ 26 ‏)‏ أنّه يتحمّل الضّرر الخاص لدفع الضّرر العامّ ولا سبيل إلى رفع الميازيب عن الطّريق الخاصّ لأنّها قديمة ولا عن الطّريق العامّ لأنّه لم يتحقّق الضّرر حيث كان مسيل الماء إلى العرصة المذكورة قديماً فاتّضح بما ذكر أنّ المراد بالطّريق في هذه المادّة ما يعم الخاصّ والعامّ كما هو مقتضى الإطلاق‏.‏

وقال في المادّة ‏(‏ 1232 ‏)‏ من المجلّة ‏"‏ حقّ مسيل لسياق مالح في دار ليس لصاحب الدّار أو لمشتريها إذا باعها منع جريه بل يبقى كما في السّابق ‏"‏ قال شارحها‏:‏ نعم للمشتري إذا لم يكن عالماً بذلك وقت البيع خيار الفسخ لأنّه عيب وهو ثابت بحقّ لازم وليس للمشتري منعه كما في جامع الفصولين‏.‏

نفقة إصلاح المسيل

6 - قال ابن هبيرة‏:‏ واتّفقوا على أنّ من له حق في إجراء ماء على سطح غيره أنّ نفقة السّطح على صاحبه‏.‏

قسمة المسيل ودخوله في المقسوم

7 - قال الحنفيّة‏:‏ إن كان مسيل ماء بين رجلين وأراد أحدهما قسمة ذلك وأبى الآخر‏,‏ فإن كان فيه موضع يسيل منه ماؤُه سوى هذا قسم‏,‏ وإن لم يكن له موضع آخر إلّا بضرر لم يقسم‏.‏

وأمّا دخول المسيل في العقار المقسوم فقد نصّت المادّة ‏(‏ 1165 ‏)‏ من المجلّة العدليّة على أنّ حقّ الطّريق والمسيل في الأراضي المجاورة للمقسوم داخل في القسمة على كلّ حال في أيّ حصّة وقع يكون من حقوق صاحبها‏,‏ سواء قيل‏:‏ بجميع حقوقها أو لم يقل‏.‏

قال شارحها الأتاسي‏:‏ أحترز بقوله في الأراضي المجاورة عمّا إذا كان الطّريق أو المسيل في الحصّة الأخرى فحكمه كما في المادّة الآتية ‏(‏ 1166 ‏)‏ ثمّ إنّ قوله‏:‏ ‏"‏ سواء قيل بجميع حقوقها ‏"‏ هو ما ذكره الحاكم الشّهيد في مختصره ‏"‏ كما في الهنديّة ‏"‏‏.‏

وقد ذكر محمّد في الأصل‏:‏ إذا كانت الأرض بين قوم ميراثاً اقتسموها بغير قضاء فأصاب كلّ إنسان منهم قراح على حدة‏,‏ فله مسيل مائه وكل حقٍّ لها‏,‏ والصّحيح أنّهما لا يدخلان

‏"‏ كذا في المحيط ‏"‏‏.‏

ونقل شارح المجلّة عن الفتاوى الهنديّة عازياً للذّخيرة ما نصه‏:‏ وذكر شيخ الإسلام في قسمة الأراضي والقرى‏:‏ أنّ الطّريق ومسيل الماء يدخلان في القسمة بدون ذكر الحقوق والمرافق إذا كان الطّريق ومسيل الماء في أرض الغير‏,‏ ولم يكونا في أنصبائهم‏,‏ ولم يكن لكلّ واحد إحداث هذه الحقوق في أنصبائه حتّى لا تفسد القسمة‏.‏

وعليه محمل كون الصّحيح أنّ الطّريق والمسيل لا يدخلان‏,‏ على ما إذا لم يكونا في أرض الغير‏,‏ وهذا هو المراد من قوله في المادّة ‏"‏ في الأراضي المجاورة ‏"‏‏.‏

ونصّت المادّة ‏(‏ 1166 ‏)‏ من المجلّة على أنّه إذا شرط حين القسمة كون طريق الحصّة أو مسيلها في الحصّة الأخرى فالشّرط معتبر‏,‏ وهذا إذا لم يكونا موجودين قبل القسمة‏,‏ ومثله - بل أولى - ما إذا كانا موجودين قبلها فاشترطا تركهما على حالهما‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ إذا شرط ‏"‏ احتراز عمّا إذا لم يشترط شيء وحكمه ما ذكره في المادّة ‏(‏ 1167 ‏)‏ وهو إذا كان طريق حصّته في حصّة أخرى‏,‏ ولم يشترط بقاؤُه حين القسمة‏,‏ فإن كان قابل التّحويل إلى طرف آخر يحوّل سواء قيل حين القسمة‏:‏ بجميع حقوقها أو لم يقل‏,‏ أمّا إذا كان الطّريق غير قابل التّحويل إلى طرف آخر فينظر إن قيل حين القسمة بجميع حقوقها فالطّريق داخل يبقى على حاله‏,‏ وإن لم يذكر التّعبير العامّ كقولهم بجميع حقوقها تنفسخ القسمة‏,‏ والمسيل في هذا الخصوص كالطّريق بعينه‏.‏

المسيل الواقع في دار مشتركة

8 - نصّت المادّة ‏(‏ 1168 ‏)‏ من المجلّة على أنّه‏:‏ إذا كان لواحد حقّ مسيل في دار مشتركة ففي قسمة الدّار بينهما يترك المسيل على حاله‏.‏

إحداث المسيل في ملكٍ عام أو ملكٍ خاصٍّ

9 - نصّت المادّة ‏(‏ 1231 ‏)‏ من المجلّة العدليّة‏:‏ على أنّه ليس لأحد أن يجري مسيل محلّه المحدث إلى دار آخر‏,‏ المراد أنّه ليس لأحد إحداث مسيل محلّه إلى دار آخر حتّى لو كان محله قديماً‏.‏

فليس له أن يحوّل مسيله إلى دار غيره سواء كان مضراً أو لا‏,‏ لأنّه تصرف في ملك الغير بلا إذنه‏,‏ وكما جاء في المادّة ‏(‏ 96 ‏)‏ أنّه لا يجوز‏,‏ حتّى لو أذن له بذلك كان له الرجوع عن ذلك كما نصّت عليه المادّة ‏(‏ 1226 ‏)‏ ‏"‏ للمبيح صلاحية أن يرجع عن إباحته والضّرر لا يكون لازماً بالإذن والرّضا‏.‏‏.‏ ‏"‏‏.‏

وقال البهوتي‏:‏ ويحرم إجراء ماء في ملك إنسان بلا إذنه ولو مع عدم تضرره أو مع عدم تضرر أرضه بذلك‏,‏ لأنّه استعمال لملك الغير بغير إذنه‏,‏ ولو كان رب الماء مضروراً إلى إجرائه في ملك غيره فلا يجوز له‏.‏

وأمّا المالكيّة فلهم في ذلك تفصيل‏:‏

قال الونشريسي‏:‏ المرافق الّتي لا ضرر فيها لا يمنع منها من أراد إحداثها لأنّه ينتفع هو وغيره لا يستضر‏.‏

وقد اختلف العلماء في المرافق الّتي فيها يسير ضرر على الجار هل يقضى بها عليه أو يندب من غير قضاء على قولين كغرز الرّجل خشبة حائطه في جدار جاره‏,‏ فإذا كان هذا في مال الجار مع شيء من ضرر فكيف ما لا ضرر فيه بوجه‏.‏

أمّا إن أحدث الرّجل في طريقٍ ما فيه ضرر على من يمر فيه فلا يسوغ له ذلك إلّا بإذن شريكه في الطّريق المتملّكة كما في النّازلة‏,‏ ولا يسوغ ذلك في المحجّات ولا في الطّريق غير المتملّكة بإذن ولا بغير إذن‏,‏ لأنّ المنفعة غير خاصّة بالإذن فلا إذن له على غيره‏.‏

ثمّ قال‏:‏ رجل له مسكن نازعه جاره في مرحاض به‏,‏ واختلفوا في قدمه وحدوثه‏.‏

وساق تفصيل المسألة ثمّ قال‏:‏ إن كان ما ذكر من المجرى مضرّة بالطّريق بسبب المرحاض فالحكم المنع من كلّ ما يضر بالطّريق ولا تستحقّ على الطرق إذا كان فيه إضرار بها لأنّ الطّريق قديمة ومصالحها عامّة والإحداثات المضرّة بها ترفع عنها وإن قدمت‏,‏ فيترك الكرسي في دار صاحبه والمجرى إذا لم يثبت حدوث مضرّة بسبب ذلك على أحد‏,‏ ويمنع مالك المجرى من إجراء مرحاضه عليه إذا كانت تفضي إلى طريق النّاس‏.‏

وقال في البهجة‏:‏ إذا تنازعا في قدمه وحدوثه محمول على الحدوث حتّى يثبتا خلافه‏.‏

مُشَاع

انظر‏:‏ شيوع‏.‏

مُشَافَهة

التّعريف

1 - المشافهة لغةً‏:‏ مصدر على وزن‏:‏ مفاعلة الدّالّ غالباً على المشاركة الحاصلة أو المتوقّعة‏,‏ من شفهه يشافهه إذا خاطبه متكلّماً معه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المجادلة‏:‏

2 - أصل الجدل المناظرة والمخاصمة بما يشغل عن ظهور الحقّ ووضوح الصّواب‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين المجادلة والمشافهة التّلازم‏,‏ فالمجادلة لا تتم غالباً إلّا مشافهةً‏.‏

ب - المناجاة‏:‏

2 - المناجاة من ناجيت فلاناً مناجاةً إذا ساررته‏,‏ وتناجى القوم‏:‏ ناجى بعضهم بعضاً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين المناجاة والمشافهة أنّ كلاً منهما طريق من طرق التّعبير عمّا في النّفس بدون واسطة إلّا أنّ المناجاة خاصّة بحديث السّرّ والمشافهة أعم من ذلك‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمشافهة

شمول خطاب الشّارع

4 - اختلف علماء الفقه وأصوله في الخطاب الوارد من المشرّع في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان من قبيل ‏{‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ‏}‏، ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ‏}‏‏,‏ ‏{‏ يَا بَنِي آدَمَ ‏}‏، ‏{‏ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ ‏}‏‏.‏

ونحو ذلك ممّا فيه مشافهة للمستمع من ألفاظ القرآن الكريم والسنّة المطهّرة هل يختص بالموجودين حالة الخطاب أو يعم بلفظه كلّ الأمّة إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها‏؟‏‏.‏ فذهب جمهور أهل العلم إلى أنّه لا يتناول بلفظه إلّا مَن كان موجوداً حالة الخطاب دون سواهم‏,‏ وأنّ شمول الحكم لمن بعدهم لم يستفد - في الحقيقة - من صيغة الخطاب ولفظه وإنّما أستفيد من أدلّة منفصلة مجملها ما علم من الدّين بالضّرورة من أنّ أحكام الشّريعة الإسلاميّة المتعلّقة بأهل زمانه صلّى اللّه عليه وسلّم تعدّى إلى جميع الأمّة حتّى يوم القيامة‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّه يعم بلفظه الجميع‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

القضاء بمشافهة القاضي للقاضي

5 - الإنهاء بالمشافهة أو القضاء بالمشافهة أن يحكم القاضي بما شافهه به قاض آخر أو ينفّذه‏,‏ وشرط الاعتداد به - عند جمهور المالكيّة وغيرهم - أن يكون كل منهما في موضع ولايته‏.‏

ولهم بعد ذلك خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏ قضاء ف / 54 ‏)‏‏.‏

تولية القاضي وعزله بالمشافهة

6 - تنعقد ولاية القاضي بالمشافهة كما تنعقد بالمراسلة والمكاتبة وكذلك عزله‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ قضاء ف / 25، وتولية ف / 10 ‏)‏‏.‏

المشافهة في العقود

7 - الأصل في العقود عند الفقهاء أن تكون بإيجاب وقبول بالمشافهة‏,‏ وهي مقدّمة على غيرها من طرق التّعبير عن الإرادة كالكتابة والمراسلة والإشارة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ عقد ف / 10 وما بعدها‏,‏ تعبير ف / 3‏,‏ وصيغة ف / 10 ‏)‏‏.‏

الإجازة بالمشافهة

8 - الإجازة عند المحدّثين أن يقول الشّيخ للرّاوي - مشافهةً أو مكاتبةً أو مراسلةً‏:‏ أجزت لك أن تروي عنّي الكتاب الفلانيّ أو ما صحّ عندي من أحاديث سمعتها‏.‏

وقد اتّفق المحدّثون على أنّ أعلى درجات الإجازة المشافهة بها‏,‏ لانتفاء الاحتمالات فيها‏,‏ وتتلوها - من حيث الدّرجة - المراسلة لأنّ الرّسول يضبط وينطق‏,‏ وبعدهما تأتي المكاتبة لأنّ الكتابة لا تنطق وإن كانت تضبط‏.‏

وقد اختلف العلماء في حكم رواية الحديث بالإجازة والعمل به فذهب جماعة إلى المنع وهو إحدى الرّوايتين عن الشّافعيّ‏,‏ وحكي ذلك عن أبي طاهر الدّبّاس من أئمّة الحنفيّة‏,‏ ولكن الّذي استقرّ عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم‏:‏ من أهل الحديث وغيرهم القول بتجويز الإجازة وإباحة الرّواية بها‏,‏ ووجوب العمل بالمرويّ بها‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ إجازة ف / 15‏,‏ 26 ‏)‏‏.‏

مشافهة المرأة

9 - يباح للمرأة الأجنبيّة أن تشافه الرفقة المأمونة من الرّجال الّذين يمكن أن ترافقهم إلى بيت اللّه لأداء فريضة الحجّ‏,‏ وأن يشافهوها حسبما تدعو إليه الحاجة‏,‏ ولها أيضاً أن تشافه الرّجال وأن يشافهوها في حالات الإفتاء والاستفتاء‏,‏ والدّرس والتّدريس والقضاء والشّهادة والبيع والشّراء ونحو ذلك ممّا تتأكّد حاجتها إليه كالعلاج فقد ثبت في الأحاديث الصّحيحة « أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم شافه أكثر من امرأة أجنبيّة عنه »‏,‏ وأنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه فعل ذلك أيضاً‏,‏ وأنّ علياً كرّم اللّه وجهه تشافه مع المرأة الّتي أخفت كتاب حاطب بن أبي بلتعة وراوغت في الحوار وتمادت في الإنكار إلى أن اشتدّ عليها وهدّدها قائلاً‏:‏ ‏"‏ لتخرجن الكتاب أو لأجرّدنك ‏"‏ فلمّا رأت الجدّ في قوله أخرجته من عقاصها‏.‏

والضّابط في إباحة المشافهة هو عدم الفتنة‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏ عورة ف / 3 ‏)‏‏,‏ ومصطلح اختلاط ف / 4 ‏)‏‏.‏

مُشَاهَدة

انظر‏:‏ رؤية‏.‏

مُشَاوَرة

انظر‏:‏ شورى‏.‏

مُشْتَرك

انظر‏:‏ اشتراك‏.‏

مُشْتَهَاة

التّعريف

1 - المشتهاة في اللغة‏:‏ اسم مفعول‏:‏ يقال اشتهى الشّيء‏:‏ اشتدّت رغبته فيه‏.‏ واصطلاحاً قال ابن عابدين‏:‏ المشتهاة من النّساء هي من وصلت تسع سنين أو أكثر‏,‏ ونقل عن المعراج‏:‏ أنّ بنت خمس لا تكون مشتهاةً اتّفاقاً وبنت تسع فصاعداً مشتهاة اتّفاقاً‏,‏ وفيما بين الخمس والتّسع اختلاف الرّواية والمشايخ‏,‏ والأصح أنّها لا تثبت الحرمة - أي ليست مشتهاةً -‏.‏

وعند المالكيّة أنّ المشتهاة هي الّتي يلتذ بها التذاذاً معتاداً لغالب النّاس‏.‏

وذكر الشّافعيّة أنّ تحديد المشتهاة وضبطها يرجع إلى العرف‏.‏

وعند الحنابلة الصّغيرة الّتي تشتهى هي بنت سبع سنين فأكثر‏.‏

ما يتعلّق بالمشتهاة من أحكام

يتعلّق بالمشتهاة أحكام منها‏:‏

أثر لمس المشتهاة على الوضوء

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ لمس المرأة المشتهاة ينقض الوضوء في الجملة‏.‏

وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏ حدث ف / 12‏,‏ 13‏,‏ ولمس ف / 4 ‏)‏‏.‏

الغسل من جماع غير المشتهاة

3 - قال الحصكفي‏:‏ جماع الصّغيرة غير المشتهاة لا يوجب الغسل ولا ينقض الوضوء وإن غابت فيها الحشفة وذلك بأن تصير مفضاةً بالوطء ما لم يكن هناك إنزال‏,‏ لقصور الشّهوة فلا يلزم منه إلّا غسل الذّكر‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ في المسألة خلاف فقيل‏:‏ يجب الغسل مطلقاً‏,‏ وقيل‏:‏ لا يجب مطلقاً‏,‏ والصّحيح‏:‏ أنّه إذا أمكن الإيلاج في محلّ الجماع من الصّغيرة ولم يفضّها - أي لم يجعلها مختلطة السّبيلين - فهي ممّن تجامع فيجب الغسل‏,‏ والوجوب مشروط بما إذا زالت البكارة لأنّه مشروط في الكبيرة ففي الصّغيرة بالأولى‏.‏

وفي تحديد الفرج الّذي يجب الغسل بتغييب الحشفة فيه خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح

‏(‏ غسل ف / 10 ‏)‏‏.‏

أثر مباشرة المشتهاة في انتشار حرمة المصاهرة

4 - نصّ الحنفيّة على أنّ حرمة المصاهرة تنتشر بوطء المشتهاة أو مسّها بشهوة‏,‏ وقالوا بنت سنها دون تسع ليست بمشتهاة وبه يفتى ولا فرق بين أن تكون سمينةً أو لا‏,‏ ولذا قال في المعراج‏:‏ بنت خمس لا تكون مشتهاةً اتّفاقاً وبنت تسع فصاعداً مشتهاة اتّفاقاً وفيما بين الخمس والتّسع اختلاف الرّواية والمشايخ‏,‏ والأصح أنّها لا تثبت الحرمة‏.‏ ولا فرق في انتشار الحرمة عند الحنفيّة بين الوطء بالزّنا والنّكاح‏,‏ فلو تزوّج صغيرةً غير مشتهاة فدخل بها فطلّقها وانقضت عدّتها وتزوّجت بآخر جاز للأوّل التّزوج ببنتها‏,‏ لعدم الاشتهاء‏,‏ أمّا أمها فحرمت عليه بمجرّد العقد‏,‏ وكذا تشترط الشّهوة في الذّكر فلو جامع صبي غير مراهقٍ امرأة أبيه لا تثبت الحرمة أي لا تحرم على أبيه‏,‏ لأنّ من لا يشتهي لا تثبت الحرمة بجماعه‏,‏ أمّا الصّبي الّذي وصل إلى حدّ المراهقة وهو الّذي يجامع مثله ويشتهي وتستحي النّساء من مثله فهو كالبالغ‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ كما تنتشر الحرمة بالوطء الحلال فإنّها تنتشر بالوطء الحرام بشروط هي‏:‏

أ - بلوغ الواطئ‏.‏

ب - أن تكون الموطوءة ممّن يتلذّذ بها‏.‏

ج - أن يكون الوطء دارئاً للحدّ‏,‏ أمّا الوطء الحرام الّذي لا يدرأ الحدّ كالزّنا ففيه خلاف في نشر الحرمة‏,‏ والمعتمد عدم نشر الحرمة، ومقدّمات الوطء كالوطء في نشر الحرمة‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّ الوطء بسائر أنواعه موجب للتّحريم‏,‏ فلا فرق بين كونه مباحاً أو محرّماً بحائل غير صفيقٍ إن أحسّ بالحرارة أو بدونه في قبل أو دبر‏,‏ لأنّه تصرف في فرج أصليٍّ‏,‏ وهو يسمّى نكاحاً‏,‏ فدخل في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ ‏}‏‏.‏

وقالوا‏:‏ يشترط لوجوب التّحريم حياة الواطئ والموطوءة‏,‏ فلو أولج ذكره في فرج ميّتة أو أدخلت امرأة حشفة ميّت في فرجها‏,‏ لم يؤثّر في تحريم المصاهرة‏,‏ ويشترط كون مثلهما يطأ ويوطأ فلا يتعلّق تحريم المصاهرة بوطء صغير‏,‏ لأنّه غير مقصود‏.‏

وعلى اشتراط كون مثلهما يطأ ويوطأ فلو عقد ابن تسع على امرأة وأصابها وفارقها‏,‏ حلّت له‏:‏ بنتها إذ لا تأثير لهذه الإصابة‏,‏ فوجودها كعدمها وكذا عكسه كما لو أصاب ابن عشر فأكثر من دون تسع سنين‏,‏ وفارقها‏,‏ فبلغت‏,‏ واتّصلت بزوج آخر وأتت منه ببنت‏,‏ حلّت تلك البنت لمصيب أمّها حال صغرها‏,‏ لأنّه لا يحرم‏,‏ ولا يثبت التّحريم بذلك‏,‏ وصرّحوا بأنّه لا تحريم بوطء ميّتة ومباشرة ونظر إلى فرج لشهوة أو غيره من بقيّة البدن‏.‏

حضانة المشتهاة

5 - ذكر الفقهاء أنّ من شروط ثبوت حقّ الحضانة للحاضن غير المحرم كابن العمّ وابن العمّة وابن الخال وابن الخالة أن لا تبلغ البنت المحضونة حداً يشتهى بمثلها‏.‏

فإذا بلغت هذا الحدّ‏,‏ فلا تسلّم إلى الحاضن المذكور‏,‏ لأنّه ليس بمحرم لها فيسقط حقّه في الحضانة‏,‏ وكذا إن كان المحضون ذكراً والحاضن أنثى غير محرم كبنت الخالة وبنت الخال وبنت العمّة وبنت العمّ ونحوهنّ فتستمر حضانته معها حتّى يبلغ حداً يشتهي مثله فإذا بلغ هذا الحدّ سقط حقّها في حضانته لعدم المحرميّة‏.‏

وانظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏ حضانة ف / 9 - 14 ‏)‏‏.‏

اشتراط كون الفرج المزنيّ به مشتهىً لوجوب حدّ الزّنا

6 - ذكر الفقهاء أنّ من شروط وجوب حدّ الزّنا أن يكون الفرج المزني به مشتهىً طبعاً أي يشتهيه ذوو الطّبائع السّليمة من النّاس بأن كان فرج آدميٍّ حيٍّ‏,‏ وذلك احترازاً عن وطء الميّتة فلا يجب فيه الحد عند جمهور الفقهاء‏,‏ لأنّه ممّا ينفر عنه الطّبع السّليم‏,‏ وتعافه النّفس‏,‏ فلم يحتج إلى الزّجر عنه بحدّ الزّنا‏.‏

ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة وأحد الوجهين عند الحنابلة أنّ الحدّ يجب على من وطئ ميّتةً‏,‏ لأنّه وطء في فرج آدميّة فأشبه وطء الحيّة‏,‏ ولأنّه أعظم ذنباً وأكثر إثماً‏,‏ لأنّه انضمّ إلى الفاحشة هتك حرمة الميّتة‏,‏ وإلى هذا ذهب الأوزاعي‏.‏

واحترازاً كذلك عن وطء صغيرة غير مشتهاة فلا يجب فيه الحد عند الحنفيّة والمالكيّة والقاضي من الحنابلة لا على الرّجل الفاعل ولا على الصّغيرة غير المشتهاة ولا تحد المرأة إذا كان الواطئ غير بالغ‏,‏ قال القاضي من الحنابلة‏:‏ لا حدّ على من وطئ صغيرةً لم تبلغ تسعاً‏,‏ لأنّها لا يشتهى مثلها فأشبه ما لو أدخل أصبعه في فرجها‏,‏ وكذلك لو استدخلت امرأة ذكر صبيٍّ لم يبلغ عشراً لا حدّ عليها والصّحيح أنّه متى أمكن وطؤُها ومكّنت المرأة من أمكنه الوطء فوطئها أنّ الحدّ يجب على المكلّف منهما فلا يجوز تحديد ذلك بتسع‏,‏ ولا عشر‏,‏ لأنّ التّحديد إنّما يكون بالتّوقيف ولا توقيف في هذا وكون التّسع وقتاً لإمكان الاستمتاع غالباً لا يمنع وجوده قبل‏,‏ كما أنّ البلوغ يوجد في خمسة عشر عاماً غالباً ولم يمنع من وجوده قبله‏.‏

مُشْرف

انظر‏:‏ إشراف‏.‏

مُشرِك

انظر‏:‏ إشراك‏.‏

المُشَرِّكَة

انظر‏:‏ عمريّة‏.‏

مَشْرُوب

انظر‏:‏ أشربة‏.‏

مَشْرُوعِيّة

التّعريف

1 - المشروعيّة منسوبة لمشروع‏,‏ وهو مصدر صناعي‏,‏ والمشروع ما سوّغه الشّرع‏,‏ والشّرعة بالكسر في اللغة‏:‏ الدّين‏,‏ والشّرع والشّريعة مثله مأخوذ من الشّريعة‏,‏ وهي مورد النّاس للاستقاء‏,‏ وسمّيت بذلك لوضوحها وظهورها وشرع اللّه لنا كذا يشرعه‏,‏ أظهره وأوضحه‏.‏

وقال التّهانوي‏:‏ وتطلق المشروعيّة على ما تكتسبه الأفعال أو الأشياء من أحكام كالبيع فإنّ له وجوداً حسّياً‏,‏ ومع هذا له وجود شرعي‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّحّة‏:‏

2 - الصّحّة لغةً‏:‏ في البدن حالة طبيعيّة تجري أفعاله معها على المجرى الطّبيعيّ‏,‏ وقد أستعيرت الصّحّة للمعاني فقيل صحّت الصّلاة إذا أسقطت‏,‏ القضاء‏,‏ وصحّ العقد إذا ترتّب عليه أثره‏,‏ وصحّ القول إذا طابق الواقع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الصّحّة عبارة عن كون الفعل مسقطاً للقضاء في العبادات أو سبباً لترتب ثمراته المطلوبة منه شرعاً في المعاملات وبإزائه البطلان‏.‏

وقال الغزالي‏:‏ إطلاق الصّحّة في العبادات مختلف فيه والصّحيح عند المتكلّمين عبارة عمّا وافق الشّرع وجب القضاء أو لم يجب‏,‏ وعند الفقهاء عبارة عمّا أجزأ وأسقط القضاء‏.‏ والصّلة بين الصّحّة والمشروعية العموم والخصوص‏.‏

ب - الحكم‏:‏

3 - الحكم هو القضاء لغةً‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ إذا قيّد بالشّرعيّ فهو خطاب الشّارع المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً‏.‏

هذا عند علماء الأصول‏,‏ أمّا عند الفقهاء فهو أثر الخطاب وليس عين الخطاب‏.‏

والصّلة بين المشروعيّة والحكم الشّرعيّ أنّ المشروعيّة هي أحد أوصاف الحكم الشّرعيّ‏.‏ ج - الجواز‏:‏

4 - من معاني الجواز في اللغة‏:‏ الصّحّة والنّفاذ‏,‏ ومنه‏:‏ أجزت العقد جعلته جائزاً نافذاً‏.‏ وفي الاصطلاح ما لا منع فيه عن الفعل والتّرك شرعاً‏.‏

أدلّة المشروعيّة

5 - قال القرافي‏:‏ أدلّة مشروعيّة الأحكام محصورة شرعاً تتوقّف على الشّارع وهي نحو العشرين‏,‏ ثمّ قال‏:‏ فأدلّة مشروعيّتها الكتاب والسنّة والقياس والإجماع والبراءة الأصليّة وإجماع أهل المدينة والاستحسان والاستصحاب وفعل الصّحابيّ ونحو ذلك‏.‏

وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

الخلل في التّصرفات وأثره في المشروعيّة

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ العبادات ينبغي أن تؤدّى كما شرعت دون نقصان أو خلل حتّى تكون صحيحةً مجزئةً‏,‏ وكل عبادة تفقد ركناً من أركانها أو شرطاً من شروطها فهي باطلة‏,‏ ولا يترتّب عليها أثرها الشّرعي من الثّواب الأخرويّ وسقوط القضاء في الدنيا‏.‏

وكل ما لا يترتّب عليه أثره الشّرعي فهو فاسد أو باطل‏.‏

ولكنّ الفقهاء اختلفوا في العقود والمعاملات‏.‏

فالجمهور يلحقون المعاملات بالعبادات من حيث إنّ فعلها على غير الصورة المشروعة يلحق بها البطلان والفساد دون تفرقة بين المعنيين‏.‏

وأمّا الحنفيّة فلهم اصطلاح خاصٌّ في التّفرقة بين الفاسد والباطل من المعاملات والعقود‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ الباطل فيها ما لم يكن مشروعاً لا بأصله ولا بوصفه‏,‏ كبيع الميتة والدّم‏.‏

أمّا ما كان مشروعاً بأصله‏,‏ وغير مشروع بوصفه فإنّه فاسد لا باطل كالبيع الرّبويّ مثلاً‏,‏ فإنّه مشروع بأصله من حيث إنّه بيع‏,‏ وغير مشروع بوصفه وهو الفضل‏,‏ فكان فاسداً لملازمته للزّيادة وهي غير مشروعة فلو حذفت الزّيادة لصحّ البيع وعاد إلى أصله من المشروعيّة‏.‏

والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏,‏ ومصطلح ‏(‏ بطلان ف / 10 - 12 ‏)‏‏.‏

دخول المسكوت عنه في المشروعيّة

7 - قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا ‏}‏‏.‏

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « وسكت عن أشياء رحمةً بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها »‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في مشروعيّة فعل شيء مسكوت عنه على أقوال وتفصيلات تنظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

الأسباب المشروعة أسباب للمصالح لا للمفاسد

8 - قال الشّاطبي‏:‏ الأسباب الممنوعة أسباب للمفاسد لا للمصالح‏,‏ كما أنّ الأسباب المشروعة أسباب للمصالح لا للمفاسد‏,‏ مثال ذلك‏:‏ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فإنّه أمر مشروع لأنّه سبب لإقامة الدّين وإظهار شعائر الإسلام وإخماد الباطل على أيّ وجهٍ كان‏,‏ وليس بسبب في الوضع الشّرعيّ لإتلاف مال أو نفس ولا نيل من عرض‏,‏ وإن أدّى إلى ذلك في الطّريق‏,‏ والطّلب بالزّكاة مشروع لإقامة ذلك الركن من أركان الإسلام وإن أدّى إلى القتال كما فعله أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه وأجمع عليه الصّحابة رضي اللّه عنهم‏.‏

المشْعَر الحرام

انظر‏:‏ مزدلفة‏.‏

مَشَقَّة

التّعريف

1 - المشقّة في اللغة‏:‏ بمعنى الجهد والعناء والشّدّة والثّقل‏,‏ يقال‏:‏ شقّ عليه الشّيء يشقّ شقاً ومشقّةً إذا أتعبه‏,‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لَمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ‏}‏ معناه‏:‏ إلّا بجهد الأنفس‏,‏ والشّقّ‏:‏ المشقّة‏,‏ وقال في المصباح المنير‏:‏ وشقّ الأمر علينا يشقّ من باب قتل أيضاً فهو شاق‏,‏ وشقّ عليّ الأمر يشقّ شقاً ومشقّةً أي ثقل عليّ والمشقّة اسم منه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحَرَج‏:‏

2 - الحرج في اللغة‏:‏ بمعنى الضّيق‏,‏ وحرج صدره حرجاً من باب تعب‏:‏ ضاق‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الحرج ما فيه مشقّة فوق المعتاد‏.‏

والصّلة بين المشقّة والحرج هي‏:‏ أنّ الحرج أخص من المشقّة‏.‏

ب - الرخصة‏:‏

3 - الرخصة في اللغة‏:‏ اليسر والسهولة يقال‏:‏ رخص السّعر إذا تراجع وسَهل الشّراء‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ عبارة عمّا وسِّع للمكلّف في فعله لعذر وعجز عنه مع قيام السّبب المحرّم‏:‏ كتناول الميتة عند الاضطرار‏,‏ وجواز الفطر في رمضان للمسافر‏.‏

والصّلة بين المشقّة والرخصة‏:‏ هي أنّ المشقّة سبب للرخصة‏.‏

ج - الضّرورة‏:‏

4 - الضّرورة اسم من الاضطرار‏.‏

وفي الشّرع‏:‏ بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب‏.‏

والصّلة هي أنّ المشقّة أعم من الضّرورة‏.‏

د - الحاجة‏:‏

5 - الحاجة تطلق على الافتقار‏,‏ وعلى ما يفتقر إليه مع محبّته‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ ما يفتقر إليها من حيث التّوسعة ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب إلى الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المطلوب‏.‏

والفرق بين المشقّة والحاجة أنّ الحاجة وإن كانت حالة جهد فهي دون المشقّة ومرتبتها أدنى منها‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمشقّة

أوّلاً‏:‏ أوجه المشقّة

6 - يترتّب على المشقّة أحكام شرعيّة ورخصٌ متعدّدة‏,‏ تعتمد على نوع المشقّة ودرجتها‏.‏ ولا تخلو جميع التّكاليف في الشّريعة الإسلاميّة من جنس المشقّة أصلاً‏,‏ بل إنّ التّكليف ما سمّي بهذا إلّا لأنّه طلب ما فيه كلفة ومشقّة‏,‏ فلا يخلو شيء من التّكاليف من المشقّة وبيان ذلك في أنّ أوجه المشقّة أربعة‏.‏

الوجه الأوّل‏:‏ مشقّة ما لا يطاق‏:‏

7 - وهي المشقّة الّتي لا يقدر العبد على حملها أصلاً‏,‏ فهذا النّوع لم يرد التّكليف به في الشّرع أصلاً‏,‏ إذ لا قدرة للمكلّف عليه في العادة فلا يقع التّكليف به شرعاً‏,‏ وإن جاز عقلاً‏,‏ فتكليف ما لا يطاق يسمّى مشقّةً من حيث كان تكلف الإنسان نفسه بحمله موقعاً في عناء وتعب لا يجدي‏,‏ كالمقعد إذا تكلّف القيام‏,‏ والإنسان إذا تكلّف الطّيران في الهواء‏,‏ وما أشبه ذلك فحين اجتمع مع المقدور عليه الشّاقّ الحمل إذا تحمّل في نفس المشقّة سمّي العمل شاقاً والتّعب في تكلف حمله مشقّة‏.‏

الوجه الثّاني‏:‏ المشقّة الّتي تطاق لكن فيها شدّة‏:‏

8 - المشقّة الّتي تطاق ويمكن احتمالها‏,‏ لكن فيها شدّة‏,‏ وهذا الوجه يكون خاصّاً بالمقدور عليه إلّا أنّه خارج عن المعتاد في الأعمال العادية‏,‏ بحيث يشوّش على النّفوس في تصرفها ويقلقها في القيام بما فيه تلك المشقّة‏.‏

إلّا أنّ هذا الوجه على ضربين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن تكون المشقّة مختصّةً بأعيان الأفعال المكلّف بها‏,‏ بحيث لو وقعت مرّةً واحدةً لوجدت فيها‏,‏ وهذا هو الموضع الّذي وضعت له الرخص المشهورة في اصطلاح الفقهاء‏,‏ كالصّوم في المرض والسّفر‏,‏ والإتمام في السّفر وما أشبه ذلك‏.‏

والثّاني‏:‏ أن لا تكون مختصّةً ولكن إذا نظر إلى كلّيّات الأعمال والدّوام عليها صارت شاقّةً ولحقت المشقّة العامل بها‏,‏ ويوجد هذا في النّوافل وحدها إذا تحمّل الإنسان منها فوق ما يحتمله على وجهٍ ما إلّا أنّه في الدّوام يتعبه‏.‏

ولذلك فإنّ الشّارع لم يقصد إلى التّكليف بالشّاقّ والإعنات فيه‏,‏ والدّليل على ذلك النصوص الدّالّة على ذلك كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ‏}‏‏,‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ‏}‏‏,‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ‏}‏‏,‏ وجاء في الحديث عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما خيّر بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً » وإنّما قالت‏:‏ « ما لم يكن إثماً » لأنّ ترك الإثم لا مشقّة فيه من حيث كان مجرّد تركٍ إلى أشباه ذلك ممّا في هذا المعنى ولو كان قاصداً للمشقّة لما كان مريداً لليسر ولا للتّخفيف ولكان مريداً للحرج والعسر وذلك باطل‏.‏

كما يستدل على ذلك بما ثبت أيضاً من مشروعيّة الرخص‏,‏ وهو أمر مقطوع به وممّا علم منه دين الأمّة بالضّرورة‏:‏ كرخص السّفر‏,‏ والفطر‏,‏ والجمع‏,‏ وتناول المحرّمات في الاضطرار‏,‏ فإنّ هذا نمط يدل قطعاً على مطلق رفع الحرج والمشقّة‏,‏ وكذلك بما جاء في النّهي عن التّعمق والتّكلف والتّسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال‏,‏ ولو كان الشّارع قاصداً للمشقّة في التّكليف لما كان ثمّ ترخيصٌ ولا تخفيف وهو يدل على عدم قصد الشّارع إليه‏,‏ فإنّه لا ينازع في أنّ الشّارع قاصد للتّكليف بما يلزم فيه كلفة ومشقّة ما‏,‏ ولكن لا تسمّى في العادة المستمرّة مشقّةً كما لا يسمّى في العادة مشقّةً طلب المعاش بالتّحرف وسائر الصّنائع‏,‏ لأنّه ممكن معتاد لا يقطع ما فيه من الكلفة عن العمل في الغالب المعتاد‏,‏ وإلى هذا المعنى يرجع الفرق بين المشقّة الّتي لا تعد مشقّةً عادةً‏,‏ والّتي تعد مشقّةً‏,‏ وهو أنّه إن كان العمل يؤدّي الدّوام عليه إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه وإلى وقوع خلل في صاحبه في نفسه أو مال‏,‏ أو حال من أحواله فالمشقّة هنا خارجة عن المعتاد‏,‏ وإن لم يكن فيها شيء من ذلك في الغالب فلا يعد في العادة مشقّةً وإن سمّيت كلفةً‏.‏

فما تضمّن التّكليف الثّابت على العباد من المشقّة المعتادة أيضاً ليس بمقصود الطّلب للشّارع من جهة نفس المشقّة‏,‏ بل من جهة ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلّف‏.‏

الوجه الثّالث‏:‏ الزّيادة في الفعل على ما جرت به العادة‏:‏

9 - وهو إذا كان الفعل خاصّاً بالمقدور عليه‏,‏ وليس فيه من التّأثير في تعب النّفس خروج عن المعتاد في الأعمال العاديّة‏,‏ ولكن نفس التّكليف به زيادة على ما جرت به العادات قبل التّكليف شاقٌ على النّفس‏,‏ ولذلك أطلق عليه لفظ التّكليف‏,‏ وهو في اللغة يقتضي معنى المشقّة لأنّ العرب تقول‏:‏ كلّفته تكليفاً إذا حمّلته أمراً يشقّ عليه وأمرته به‏,‏ وتكلّفت الشّيء‏:‏ إذا تحمّلته على مشقّة‏,‏ وحملت الشّيء تكلّفته‏:‏ إذا لم تطقه إلّا تكلفاً‏,‏ فمثل هذا يسمّى مشقّةً بهذا الاعتبار‏,‏ لأنّه إلقاء بالمقاليد ودخول أعمال زائدة على ما اقتضته حياة الدنيا‏.‏

الوجه الرّابع‏:‏ أن يكون ملزماً بما قبله‏:‏

10 - وهو أن يكون التّكليف خاصّاً بما يلزم ما قبله‏,‏ فإنّ التّكليف إخراج المكلّف عن هوى نفسه‏,‏ ومخالفة الهوى شاقّة على صاحب الهوى مطلقاً‏,‏ ويلحق الإنسان بسببها تعب وعناء‏,‏ وذلك معلوم في العادات الجارية في الخلق‏,‏ وذلك أنّ مخالفة ما تهوى الأنفس شاق عليها‏,‏ والشّارع إنّما قصد بوضع شريعة إخراج المكلّف عن اتّباع هواه حتّى يكون عبداً للّه‏,‏ فإذاً مخالفة الهوى ليست من المشقّات المعتبرة في التّكليف‏.‏

ثانياً‏:‏ القواعد الفقهيّة المنظّمة لأحكام المشقّة

11 - وضع الفقهاء مجموعةً من القواعد الفقهيّة لضبط أحكام المشقّة‏,‏ ومن هذه القواعد ‏"‏ المشقّة تجلب التّيسير ‏"‏ يعني أنّ الصعوبة تصير سبباً للتّسهيل‏,‏ ويلزم التّوسيع في وقت المضايقة‏.‏

ويتفرّع على هذا الأصل كثير من الأحكام الفقهيّة كالقرض والحوالة والحجر وغير ذلك‏,‏ وما جوّزه الفقهاء من الرخص والتّخفيفات في الأحكام الشّرعيّة مستنبط من هذه القاعدة‏:‏ وتعتبر المشقّة سبباً هاماً من أسباب الرخص‏,‏ وهي تختلف بالقوّة والضّعف‏,‏ بحسب الأحوال‏,‏ وبحسب قوّة العزائم وضعفها‏,‏ وبحسب الأعمال‏,‏ فليس للمشقّة المعتبرة في التّخفيفات ضابط مخصوصٌ‏,‏ ولا حد محدود يطّرد في جميع النّاس‏,‏ ولذلك أقام الشّرع السّبب مقام العلّة واعتبر السّفر لأنّه أقرب مظَانّ وجود المشقّة‏.‏‏.‏ وليست أسباب الرخص بداخلة تحت قانون أصليٍّ‏,‏ ولا ضابطٍ مأخوذ باليد‏,‏ بل هي إضافيّة بالنّسبة إلى كلّ مخاطب في نفسه‏.‏

والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ‏}‏ ‏,‏ وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏

« بعثت بالحنيفيّة السّمحاء »‏,‏ وفي لفظ آخر‏:‏ « أحب الأديان إلى اللّه الحنيفيّة السّمحة »‏.‏ وروى أبو هريرة رضي اللّه عنه وغيره قوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « إنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين »‏.‏

وقالت عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ « ما خيّر رسول اللّه بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً »‏.‏

ويتخرّج على هذه القاعدة جميع رخص الشّرع وتخفيفاته‏.‏

هذا وقد خرج عن هذه القاعدة ما نصّ عليه وإن كان فيه مشقّة وعمّت به البلوى‏,‏ قال ابن نجيم‏:‏ المشقّة والحرج إنّما يعتبران في موضع لا نصّ فيه وأمّا مع النّصّ بخلافه فلا‏.‏ وبمعنى قاعدة‏:‏ المشقّة تجلب التّيسير قول الشّافعيّ رحمه اللّه‏:‏ ‏"‏ إذا ضاق الأمر اتّسع ‏"‏ ومعناها‏:‏ إذا ظهرت مشقّة في أمر يرخّص فيه ويوسّع‏,‏ فعكس هذه القاعدة ‏"‏ إذا اتّسع الأمر ضاق ‏"‏‏,‏ ومن فروع هذه القاعدة شهادة النّساء والصّبيان في الحمّامات والمواضع الّتي لا يحضرها الرّجال دفعاً لحرج ضياع الحقوق‏.‏

ومنها قبول شهادة القابلة

المشاقّ الموجبة للتّخفيفات الشّرعيّة

قال العز بن عبد السّلام‏:‏ المشاقّ ضربان‏:‏

12 - أحدهما‏:‏ مشقّة لا تنفك العبادة عنها كمشقّة الوضوء والغسل في شدّة البرد‏,‏ وكمشقّة إقامة الصّلاة في الحرّ والبرد ولا سيّما في صلاة الفجر‏,‏ وكمشقّة الصّوم في شدّة الحرّ وطول النّهار‏,‏ وكمشقّة السّفر والحجّ والجهاد الّتي لا انفكاك عنها غالباً‏,‏ وكمشقّة الاجتهاد في طلب العلم والرّحلة فيه‏,‏ وكذلك المشقّة في رجم الزناة وإقامة الحدود على الجناة ولا سيّما في حقّ الآباء والأمّهات والبنين والبنات‏,‏ فإنّ في ذلك مشقّةً عظيمةً على مقيم هذه العقوبات بما يجده من الرّقّة والمرحمة بها للسرّاق والزناة والجناة من الأجانب والأقارب البنين والبنات‏,‏ ولمثل هذا قال تعالى‏:‏ « ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه »‏,‏ وقال عليه الصّلاة والسّلام‏:‏ « لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها » وهو صلّى اللّه عليه وسلّم أولى بتحمل هذه المشاقّ من غيره ‏;‏ لأنّ اللّه سبحانه وتعالى وصفه في كتابه العزيز بقوله‏:‏ ‏{‏ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ‏}‏ فهذه المشاقّ كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطّاعات‏.‏

13 - الضّرب الثّاني‏:‏ مشقّة تنفك عنها العبادات غالباً وهي أنواع‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ مشقّة عظيمة فادحة كمشقّة الخوف على النّفوس والأطراف ومنافع الأطراف‏,‏ فهذه مشقّة موجبة للتّخفيف والتّرخيص لأنّ حفظ المهج والأطراف لإقامة مصالح الدّارين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات ثمّ تفوت أمثالها‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ مشقّة خفيفة كأدنى وجع في إصبع أو أدنى صداع أو سوء مزاج خفيف‏,‏ فهذا لا أثر له ولا التفات إليه لأنّ تحصيل مصالح العبادة أولى من دفع هذه المشقّة الّتي لا أثر لها‏.‏

النّوع الثّالث‏:‏ مشاقّ واقعة بين هاتين المشقّتين مختلفة في الخفّة والشّدّة فما دنا منها من المشقّة العليا أوجب التّخفيف‏,‏ وما دنا منها من المشقّة الدنيا لم يوجب التّخفيف‏.‏

كمريض في رمضان يخاف من الصّوم زيادة مرض أو بطءَ البرء‏,‏ فيجوز له الفطر‏,‏ وهكذا في المرض المبيح للتّيمم والحمّى الخفيفة ووجع الضروس اليسير وما وقع بين هاتين الرتبتين مختلف فيه‏,‏ منهم من يلحقه بالعليا ومنهم من يلحقه بالدنيا‏,‏ وتضبط مشقّة كلّ عبادة بأدنى المشاقّ المعتبرة في تخفيف تلك العبادة فإن كانت مثلها أو أزيد ثبتت الرخصة ولذلك أعتبر في مشقّة المرض المبيح للفطر في الصّوم أن يكون كزيادة مشقّة الصّوم في السّفر عليه في الحضر‏.‏

وكذلك المشاقّ في الحجّ وفي إباحة محظورات الإحرام‏:‏ أن يحصل بتركها مثل مشقّة القمل الوارد فيه الرخصة‏,‏ وأمّا أصل الحجّ فلا يكتفى بتركه بذلك‏,‏ بل لا بدّ من مشقّة لا يحتمل مثلها كالخوف على النّفس والمال‏,‏ وعدم الزّاد والرّاحلة‏,‏ وفي إباحة ترك القيام إلى القعود‏:‏ أن يحصل به ما يشوّش الخشوع وإلى الاضطجاع أشقّ‏,‏ لأنّه مناف لتعظيم العبادات‏.‏ والمشاقّ في الحجّ ثلاثة أقسام‏:‏ منها ما يعظم فيمنع وجوب الحجّ‏,‏ ومنها ما يخف ولا يمنع الوجوب‏,‏ ومنها ما يتوسّط فيردّد فيه‏,‏ وما قرب منه إلى المشقّة العليا كان أولى بمنع الوجوب‏,‏ وما قرب منه إلى المشقّة الدنيا كان أولى بأن لا يمنع الوجوب‏.‏

وتختلف المشاقّ باختلاف العبادات في اهتمام الشّرع‏,‏ فما اشتدّ اهتمامه به شرط في تخفيفه المشاقّ الشّديدة أو العامّة‏,‏ وما لم يهتمّ به خفّفه بالمشاقّ الخفيفة‏,‏ وقد تخفّف مشاقّه مع شرفه وعلوّ مرتبته لتكرر مشاقّه‏,‏ كيلا يؤدّي إلى المشاقّ العامّة الكثيرة الوقوع‏.‏ مثاله‏:‏ ترخيص الشّرع في الصّلاة الّتي هي من أفضل الأعمال تقام مع الخبث الّذي يشقّ الاحتراز منه ومع الحدث في حقّ المتيمّم والمستحاضة‏,‏ ومن كان عذره كعذر المستحاضة‏.‏ أمّا الصّلاة فينتقل فيها القائم إلى القعود بالمرض الّذي يشوّش عليه الخشوع والأذكار‏,‏ ولا يشترط فيها الضّرورة ولا العجز عن تصوير القيام اتّفاقاً‏,‏ ويشترط في الانتقال من القعود إلى الاضطجاع عذراً أشقّ من عذر الانتقال من القيام إلى القعود‏,‏ لأنّ الاضطجاع مناف لتعظيم العبادات ولا سيّما والمصلّي مناج ربّه‏.‏

وأمّا الأعذار في ترك الجماعات والجمعات فخفيفة‏,‏ لأنّ الجماعات سنّة عند من يقول بذلك‏,‏ والجمعات بدل‏.‏

وأمّا الصّوم فالأعذار فيه خفيفة كالسّفر والمرض الّذي يشقّ الصّوم معه لمشقّة الصّوم على المسافر‏,‏ وهذان عذران خفيفان‏,‏ وما كان أشدّ منهما كالخوف على الأطراف والأرواح كان أولى بجواز الفطر‏.‏

وأمّا التّيمم‏:‏ فقد جوّزه الشّافعي رحمه اللّه تارةً بأعذار خفيفة‏,‏ ومنعه تارةً على قول بأعذار أثقل منها‏,‏ والأعذار عنده رتب متفاوتة في المشقّة‏.‏

الرتبة الأولى‏:‏ مشقّة فادحة كالخوف على النّفوس والأعضاء‏,‏ ومنافع الأعضاء فيباح بها التّيمم‏.‏

الرتبة الثّانية‏:‏ مشقّة دون هذه المشقّة في الرتبة كالخوف من حدوث المرض المخوف فهذا ملحق بالرتبة العليا على الأصحّ‏.‏

الرتبة الثّالثة‏:‏ خوف إبطاء البرء وشدّة الضّنى ففي إلحاقه بالرتبة الثّانية خلاف والأصح الإلحاق‏.‏

الرتبة الرّابعة‏:‏ خوف الشّين إن كان باطناً لم يكن عذراً‏,‏ وإن كان ظاهراً ففيه خلاف والمختار الإباحة‏,‏ وقد جوّز الشّافعي التّيمم بمشاقّ خفيفة دون هذه المشاقّ‏.‏

14 - ولا تختص المشاقّ بالعبادات بل تجري في المعاملات مثاله‏:‏ الغرر في البيوع وهو أيضاً ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ ما يعسر اجتنابه كبيع الفستق والبندق والرمّان والبطّيخ في قشورها فيعفى عنه‏.‏ القسم الثّاني‏:‏ ما لا يعسر اجتنابه فلا يعفى عنه‏.‏

القسم الثّالث‏:‏ ما يقع بين الرتبتين وفيه اختلاف‏,‏ منهم من يلحقه بما عظمت مشقّته لارتفاعه عمّا خفّت مشقّته‏,‏ ومنهم من يلحقه بما خفّت مشقّته لانحطاطه عمّا عظمت مشقّته‏,‏ إلّا أنّه تارةً يعظم الغرر فيه فلا يعفى عنه على الأصحّ كبيع الجوز الأخضر في قشرته‏.‏ 15 - وإذا كانت المشاقّ تنقسم إلى ما هو في أعلى مراتب الشّدّة وإلى ما هو في أدناها‏,‏ وإلى ما يتوسّط بينهما‏,‏ فكيف تعرف المشاقّ المتوسّطة المبيحة الّتي لا ضابط لها‏,‏ مع أنّ الشّرع قد ربط التّخفيفات بالشّديد والأشدّ والشّاقّ والأشقّ‏,‏ مع أنّ معرفة الشّديد والشّاقّ متعذّرة لعدم الضّابط‏؟‏ وأجاب العز بن عبد السّلام بقوله‏:‏ لا وجه لضبط هذا وأمثاله إلّا بالتّقريب‏,‏ فإنّ ما لا يحد ضابطه لا يجوز تعطيله ويجب تقريبه‏,‏ فالأولى في ضابط مشاقّ العبادات أن تضبط مشقّة كلّ عبادة بأدنى المشاقّ المعتبرة في تلك العبادة‏,‏ فإن كانت مثلها أو أزيد ثبتت الرخصة بها‏,‏ ولن يعلم التّماثل إلّا بالزّيادة‏,‏ إذ ليس في قدرة البشر الوقوف على تساوي المشاقّ‏,‏ فإذا زادت إحدى المشقّتين على الأخرى علما أنّهما قد استوتا‏,‏ فما اشتملت عليه المشقّة الدنيا منهما كان ثبوت التّخفيف والتّرخيص بسبب الزّيادة‏,‏ وأمثال ذلك أنّ التّأذّي بالقمل مبيح للحلق في حقّ النّاسك فينبغي أن يعتبر تأذّيه بالأمراض بمثل مشقّة القمل‏.‏

كذلك سائر المشاقّ المبيحة للبس والطّيب والدهن وغير ذلك من المحظورات‏,‏ وكذلك ينبغي أن تقرّب المشاقّ المبيحة للتّيمم بأدنى مشقّة أبيح بمثلها التّيمم‏,‏ وفي هذا إشكال‏,‏ فإنّ مشقّة الزّيادة اليسيرة على ثمن المثل ومشقّة الانقطاع من سفر النزهة خفيفة لا ينبغي أن يعتبر بها الأمراض‏,‏ وأمّا المبيح للفطر فينبغي أن تقرّب مشقّته بمشقّة الصّيام في الحضر‏,‏ فإذا شقّ الصّوم مشقّةً تربي على مشقّة الصّوم في الحضر فليجز الإفطار بذلك‏.‏

ولهذا نظائر كثيرة‏:‏ منها مقادير الإغرار في المعاملات‏,‏ ومنها توقان الجائع إلى الطّعام وقد حضرت الصّلاة‏,‏ ومنها التّأذّي بالرّياح الباردة في اللّيلة المظلمة‏,‏ كذلك التّأذّي بالمشي في الوحل‏.‏

ضابط المشقّة

16 - يشترط أن تكون المشقّة عامّةً‏,‏ ووقوعها كثيراً‏,‏ فلو كان وقوعها نادراً لم تراع المشقّة‏,‏ والمشقّة يختلف ضابطها باختلاف أعذارها‏,‏ كما في التّيمم‏,‏ إذ يعدل عن الماء إذا خيف إتلاف عضوٍ أو بطء البرء أو شين فاحشٌ‏.‏

قال العز بن عبد السّلام‏:‏ إن قيل ما ضابط الفعل الشّاقّ الّذي يؤجر عليه أكثر ممّا يؤجر على الخفيف‏؟‏ قلت‏:‏ إذا اتّحد الفعلان في الشّرف والشّرائط والسنن والأركان - وكان أحدهما - شاقاً فقد استويا في أجرهما لتساويهما في جميع الوظائف وانفرد أحدهما بتحمل المشقّة لأجل اللّه سبحانه وتعالى‏,‏ فأثيب على تحمل المشقّة لا على عين المشاقّ‏,‏ إذ لا يصح التّقرب بالمشاقّ لأنّ القرب كلّها تعظيم للرّبّ سبحانه وتعالى وليس عين المشاقّ تعظيماً ولا توقيراً‏,‏ ويدل على ذلك أنّ من تحمّل مشقّةً في خدمة إنسان فإنّه يرى ذلك له لأجل كونه شقّ عليه‏,‏ وإنّما يراه له بسبب تحمل مشقّة الخدمة لأجله‏.‏‏.‏‏.‏ ويختلف أجر تحمل المشاقّ بشدّة المشاقّ وخفّتها‏.‏

وقال الشّاطبي‏:‏ كما أنّ المشقّة تكون دنيويّةً‏,‏ كذلك تكون أخرويّةً‏,‏ فإنّ الأعمال إذا كان الدخول فيها يؤدّي إلى تعطيل واجب أو فعل محرّم فهو أشد مشقّةً - باعتبار الشّرع - من المشقّة الدنيويّة الّتي هي غير مخلّة بدين‏,‏ واعتبار الدّين مقدّم على اعتبار النّفس والأعضاء وغيرها في نظر الشّارع‏,‏ فالمشقّة الدّينيّة مقدّمة في الاعتبار على الدنيويّة‏,‏ فإذا كان كذلك فليس للشّارع قصد في إدخال المشقّة من هذه الجهة‏.‏

فالمشقّة من حيث إنّها غير مقصودة للشّارع تكون غير مطلوبة ولا العمل المؤدّي إلى المشقّة الخارجة عن المعتاد مطلوباً‏,‏ فقد نشأ هنا نظر في تعارض مشقّتين‏,‏ فإنّ المكلّف إن لزم من اشتغاله بنفسه فساد ومشقّة لغيره فيلزم أيضاً من الاشتغال بغيره فساد ومشقّة في نفسه‏,‏ وإذا كان كذلك تصدّى النّظر في وجه اجتماع المصلحتين مع انتفاء المشقّتين إن أمكن ذلك‏,‏ وإن لم يمكن فلا بدّ من التّرجيح‏,‏ فإذا كانت المشقّة العامّة أعظم أعتبر جانبها وأهمل جانب الخاصّة‏.‏

ثمّ إنّ المشقّة في الأعمال المعتادة مختلفة باختلاف تلك الأعمال فليست المشقّة في صلاة ركعتي الفجر كالمشقّة في ركعتي الصبح‏,‏ ولا المشقّة في الصّلاة كالمشقّة في الصّيام ولا المشقّة في الصّيام كالمشقّة في الحجّ‏,‏ ولا المشقّة في ذلك كلّه كالمشقّة في الجهاد‏,‏ إلى غير ذلك من أعمال التّكليف ولكن كل عمل في نفسه له مشقّة معتادة فيه‏,‏ توازي مشقّة مثله من الأعمال العاديّة‏.‏

المواطن الّتي تظن فيها المشقّة والأحكام المنوطة بها

17 - شرع الإسلام أنواعاً من الرخص لظروف توجد للمكلّف نوعةً من المشقّة الّتي تثقل كاهله وقد ذكر العلماء أسباب التّخفيف في العبادات وغيرها الّتي بنيت على الأعذار وقد رخّص الشّارع لأصحابها بالتّخفيف عنهم في العبادات والمعاملات والحدود وغيرها‏,‏ فكل ما تعسّر أمره وشقّ على المكلّف وضعه خفّفته الشّريعة ومن أهمّ هذه الأعذار الّتي جعلت سبباً للتّخفيف عن العباد والمواطن الّتي تظن فيها المشقّة هي‏:‏ السّفر - المرض - الحمل - الإرضاع - الشّيخوخة والهرم - الإكراه - النّسيان - الجهل - العسر وعموم البلوى - النّقص‏.‏

أ - السّفر‏:‏

18 - السّفر سبب للتّخفيف‏,‏ لما فيه من مشقّة‏,‏ ولحاجة المسافر إلى التّقلب في حاجاته‏,‏ ويعتبر السّفر من أسباب المشقّة في الغالب فلذلك أعتبر نفس السّفر سبباً للرخص وأقيم مقام المشقّة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ سفر ف / 5 وما بعدها ‏)‏‏,‏ ومصطلحات‏:‏ ‏(‏ صلاة المسافر‏,‏ وصوم‏,‏ وتطوع‏,‏ وتيمم ‏)‏‏.‏

ب - المرض‏:‏

19 - قال القرطبي‏:‏ المريض هو الّذي خرج بدنه عن حدّ الاعتدال والاعتياد فيضعف عن القيام بالمطلوب‏.‏

وقد خصّت الشّريعة المريض بحظّ وافر من التّخفيف لأنّ المرض مظنّة للعجز فخفّف عنه الشّارع‏.‏

وللمريض رخصٌ كثيرة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ تيسير ف / 32 ‏)‏‏.‏

ج - الشّيخوخة والهرم‏:‏

20 - لقد خفّف الشّارع عن الشّيخ الهرم‏,‏ فخصّه بجواز إخراج الفدية بدلاً عن الصّيام الّذي عجز عن أدائه لما يلحقه من المشقّة‏,‏ ولا خلاف بين الفقهاء أنّه لا يلزمه الصّوم‏,‏ ونقل ابن المنذر الإجماع عليه وأنّ له أن يفطر إذا كان الصّوم يجهده ويشقّ عليه مشقّةً شديدةً‏.‏

د- جواز الفطر للحامل والمرضع في رمضان‏:‏

21 - اتّفق الفقهاء على أنّ الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته أو الضّرر أو الهلاك والمشقّة‏.‏

ونصّ الحنابلة على كراهة صومهما كالمريض‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّ الحمل مرض حقيقةً‏,‏ والرّضاع في حكم المرض وليس مرضاً حقيقةً‏.‏

هـ - الإكراه‏:‏

22 - الإكراه هو حمل الغير على أمر لا يرضاه‏,‏ وذلك بتهديده بالقتل أو بقطع طرف أو نحوهما إن لم يفعل ما يطلب منه‏.‏

وقد عدّ الشّارع الإكراه بغير حقٍّ عذراً من الأعذار المخفّفة الّتي تسقط بها المؤاخذة في الدنيا والآخرة‏,‏ فتخفّف عن المكره ما ينتج عمّا أكره عليه من آثار دنيويّة أو أخرويّة بحدوده‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ إكراهٌ ف / 6 و 12 ‏)‏‏.‏

ونصّ السيوطيّ على أنّ الفطر في رمضان مباح بالإكراه بل يجب على الصّحيح‏.‏

و - النّسيان‏:‏

23 - النّسيان هو جهل ضروري بما كان يعلمه‏,‏ لا بآفة مع علمه بأمور كثيرة‏.‏

وقد جعلته الشّريعة عذراً وسبباً مخفّفاً في حقوق اللّه تعالى من بعض الوجوه‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ‏}‏ فاللّه سبحانه وتعالى رفع عنّا إثم الغفلة والنّسيان والخطأ غير المقصود‏,‏ ففي أحكام الآخرة يعذر النّاس ويرفع عنهم الإثم مطلقاً‏,‏ فالنّسيان كما نصّ عليه السيوطيّ‏:‏ مسقط للإثم مطلقاً وذلك تخفيف من اللّه سبحانه وتعالى‏,‏ ويقول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « تجاوز اللّه عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما أستكرهوا عليه »‏.‏

أمّا النّسيان فيما يتعلّق بحقوق العباد فلا يعد عذراً مخفّفاً‏,‏ لأنّ حقّ اللّه مبناه على المسامحة‏,‏ وحقوق العباد مبناها على المشاحّة والمطالبة‏,‏ فلا يكون النّسيان عذراً فيها‏.‏ وللتّفصيل انظر مصطلح ‏(‏ نسيان ‏)‏‏.‏

ز - الجهل‏:‏

24 - الجهل هو‏:‏ عدم العلم بالأحكام الشّرعيّة أو بأسبابها‏.‏

ويعتبر الجهل عذراً مخفّفاً في أحكام الآخرة‏,‏ فلا إثم على من فعل المحرّم أو ترك الواجب جاهلاً‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ‏}‏‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ جهل ف / 5 ‏)‏‏.‏

ح - العسر وعموم البلوى‏:‏

25 - يدخل في العسر الأعذار الغالبة الّتي تكثر البلوى بها وتعم في النّاس دون ما كان منها نادراً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ تيسير ف / 38 ‏)‏‏.‏

ط - النّقص‏:‏

26 - النّقص نوع من المشقّة‏,‏ إذ النّفوس مجبولة على حبّ الكمال ويناسب النّقص التّخفيف في التّكليفات‏,‏ فمن ذلك عدم تكليف الصّبيّ والمجنون‏,‏ ففوّض أمر أحوالهما إلى الوليّ وتربيته‏,‏ وحضانته إلى النّساء رحمةً به ولم يجبرهنّ على الحضانة‏,‏ ومنه عدم تكليف النّساء بكثير ممّا وجب على الرّجال كالجماعة والجمعة والشّهادة والجزية وتحمل العقل وإباحة لبس الحرير وحليّ الذّهب‏,‏ وعدم تكليف العبيد بكثير ممّا وجب على الأحرار لكونه على النّصف من الحرّ في الحدود والعدد‏.‏

مُشْكِل

التّعريف

1 - المشكل لغةً‏:‏ المختلط والملتبس‏,‏ يقال‏:‏ أشكل الأمر‏:‏ التبس واختلط‏,‏ وكل مختلطٍ مشكل‏,‏ والإشكال‏:‏ الأمر الّذي يوجب التباساً في الفهم‏,‏ والشّكل‏:‏ المثل‏.‏

والمشكل عند الأصوليّين هو‏:‏ اسم لما يشتبه المراد منه بدخوله في أشكاله على وجهٍ لا يعرف المراد إلّا بدليل يتميّز به من بين سائر الأشكال‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المتشابه‏:‏

2 - المتشابه لغةً‏:‏ مأخوذ من اشتبهت الأمور وتشابهت‏:‏ إذا التبست فلم تتميّز ولم تظهر‏.‏ وفي الاصطلاح قال الجرجاني‏:‏ المتشابه ما خفي بنفس اللّفظ ولا يرجى دركه أصلاً كالمقطّعات في أوائل السور‏.‏

والصّلة بينهما أنّ كلاً من المشكل والمتشابه يخفى معناه ابتداءً‏.‏

ب - المجمل‏:‏

3 - المجمل هو ما خفي المراد منه بحيث لا يدرك بنفس اللّفظ إلّا ببيان من المجمل‏,‏ سواء كان ذلك لتزاحم المعاني المتساوية‏,‏ أو لغرابة اللّفظ‏,‏ أو لانتقاله من معناه الظّاهر إلى ما هو غير معلوم‏.‏

والصّلة بين المشكل والمجمل أنّ في كل منهما نوع خفاء يحتاج إلى بيان‏.‏

الحكم الإجمالي

4 - حكم المشكل بمعناه الأصوليّ‏:‏ اعتقاد الحقّيّة فيما هو المراد ثمّ الإقبال على الطّلب والتّعامل فيه إلى أن يبيّن المراد فيعمل به‏.‏

والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏.‏

مَشْهُور

التّعريف

1 - المشهور في اللغة اسم مفعول لفعل شهر‏,‏ ومن معاني هذه المادّة‏:‏ الإبراز‏:‏ يقال شهرت الرّجل بين النّاس‏:‏ أبرزته حتّى صار مشهوراً‏,‏ ومن معانيه أيضاً الإفشاء‏,‏ يقال‏:‏ شهرت الحديث شهراً وشُهْرةً‏:‏ أفشيته‏.‏

وفي اصطلاح الأصوليّين‏:‏ المشهور من الحديث هو ما كان رواته بعد القرن الأوّل في كلّ عهد قوماً لا يحصى عددهم‏,‏ ولا يمكن تواطؤُهم على الكذب لكثرتهم وعدالتهم وتباين أماكنهم‏.‏

وفي اصطلاح المحدّثين‏:‏ هو ما لم يجمع شروط المتواتر وله طرق محصورة بأكثر من اثنين‏.‏

أمّا المشهور عند الفقهاء فللمالكيّة فيه قولان‏:‏

أشهرهما‏:‏ ما قوي دليله‏,‏ فالدّليل هو المراعى عند الإمام مالكٍ لا كثرة القائل‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ المشهور هو ما كثر قائله ولا بدّ أن تزيد نقلته عليّ ثلاثة‏.‏

والمشهور عند الشّافعيّة ما كان من القولين أو الأقوال للشّافعيّ وهو المشعر بغرابة مقابله لضعف مدركه، قال الفيوميّ‏:‏ ومدارك الشّرع مواضع طلب الأحكام وهي حيث يستدل بالنصوص والاجتهاد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المتواتر

2 - التّواتر في اللغة التّتابع أو مع فترات‏,‏ والمتواتر هو اسم الفاعل‏.‏

وفي اصطلاح الأصوليّين هو‏:‏ خبر أقوام بلغوا في الكثرة إلى حيث حصل العلم بقولهم‏,‏ وله عندهم تعريفات أخرى‏.‏

والعلاقة بين المشهور والمتواتر عموم وخصوصٌ‏.‏

ب - خبر الآحاد‏:‏

3 - هو ما لم يجمع شروط التّواتر‏.‏

والعلاقة بين المشهور والآحاد أنّ خبر الآحاد أعم من المشهور‏.‏

ما يتعلّق بالمشهور من أحكام‏:‏

أوّلاً‏:‏ دلالة الحديث المشهور عند الأصوليّين

4 - قال صدر الشّريعة عبيد اللّه بن مسعود المحبوبيّ‏:‏ الحديث المشهور يوجب علم طمأنينة وهو علم تطمئن به النّفس وتظنه يقيناً‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

ثانياً‏:‏ القول المشهور عند الفقهاء

5 - قال القرافي‏:‏ إنّ الحاكم إذا كان مجتهداً فلا يجوز له أن يحكم ويفتي إلّا بالرّاجح عنده‏,‏ وإن كان مقلّداً جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه وأن يحكم به وإن لم يكن راجحاً عنده مقلّداً في رجحان القول المحكوم به إمامه الّذي يقلّده‏,‏ كما يقلّده في الفتيا‏,‏ وأمّا اتّباع الهوى في الحكم أو الفتيا فحرام إجماعاً‏.‏

وقال النّووي‏:‏ ليس للمفتي ولا للعامل المنتسب إلى مذهب الشّافعيّ في مسألة القولين أنّ يعمل بما شاء منهما بغير نظر بل عليه في القولين العمل بآخرهما إن علمه وإلّا فبالّذي رجّحه الشّافعي‏,‏ فإن قالهما في حالة ولم يرجّح واحداً منهما ولم يعلم أقالهما في وقت أم في وقتين‏,‏ وجهلنا السّابق وجب البحث عن أرجحهما فيعمل به‏.‏

مَشُورة

انظر‏:‏ شورى‏.‏

مَشْي

التّعريف

1 - المشي لغةً السّير على القدم‏,‏ سريعاً كان أو غير سريع‏,‏ يقال‏:‏ مشى يمشي مشياً‏:‏ إذا كان على رجليه‏,‏ سريعاً كان أو بطيئاً‏,‏ فهو ماشٍ‏,‏ والجمع مشاة‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - السّعي‏:‏

2 - من معاني السّعي في اللغة الإسراع في المشي‏.‏

والسّعي في الاصطلاح يطلق على معان منها‏:‏ قطع المسافة الكائنة بين الصّفا والمروة سبع مرّات ذهاباً وإياباً‏,‏ ومنها‏:‏ الإسراع في المشي‏.‏

قال الرّاغب الأصفهاني‏:‏ السّعي‏:‏ المشي السّريع وهو دون العدو‏.‏

والصّلة بينهما هي أنّ المشي أعم من السّعي‏.‏

ب - الرَّمَل‏:‏

3 - الرَّمَل - بفتح الميم - في اللغة الهرولة‏,‏ قال صاحب النّهاية‏:‏ رمل يرمل رملاً ورمَلاناً‏:‏ إذا أسرع في المشي وهزّ منكبيه‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللغويّ‏,‏ لكنّ النّوويّ قال‏:‏ الرّمل - بفتح الرّاء - هو إسراع المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو‏.‏

والصّلة بينهما هي أنّ الرّمل أخص من المشي‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمشي

تتعلّق بالمشي أحكام منها‏:‏

إمكانيّة متابعة المشي في الخفّ لجواز المسح عليه

4 - يشترط الفقهاء لجواز المسح على الخفّين شروطاً منها‏:‏ أن يكون الخف ممّا يمكن متابعة المشي فيه‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ ر‏:‏ مسح على الخفّين ‏)‏‏.‏

المشي في الصّلاة

5 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ المأموم إذا مشى في صلاته إلى جهة القبلة مشياً غير متداركٍ بأن مشى قدر صف‏,‏ ثمّ وقف قدر ركن‏,‏ ثمّ مشى قدر صف آخر‏,‏ وهكذا إلى أن مشى قدر صفوف كثيرة لا تفسد صلاته‏,‏ إلّا إن خرج من المسجد فيما إذا كانت الصّلاة فيه‏,‏ أو تجاوز الصفوف فيما إذا كانت الصّلاة في الصّحراء‏,‏ فإن مشى مشياً متلاحقاً بأن مشى قدر صفّين دفعةً واحدةً‏,‏ أو خرج من المسجد‏,‏ أو تجاوز الصفوف في الصّحراء فسدت صلاته‏,‏ وهذا بناءً على أنّ الفعل القليل غير مفسد ما لم يتكرّر متوالياً‏,‏ وعلى أنّ الاختلاف في المكان مبطل للصّلاة ما لم يكن لإصلاحها‏,‏ والمسجد مكان واحد حكماً‏,‏ وموضع الصفوف في الصّحراء كالمسجد‏,‏ هذا إذا كان قدّامه صفوف‏.‏

أمّا لو كان إماماً فمشى حتّى جاوز موضع سجوده فإن كان ذلك مقدار ما بينه وبين الصّفّ الّذي يليه لا تفسد‏,‏ وإن كان أكثر فسدت‏,‏ وإن كان منفرداً فالمعتبر موضع سجوده‏,‏ إن جاوزه فسدت وإلّا فلا‏.‏

وهذا التّفصيل كله إذا لم يكن الماشي في الصّلاة مستدبر القبلة‏,‏ بأن مشى قدّامه أو يميناً أو يساراً أو إلى ورائه من غير تحويل أو استدبار‏,‏ وأمّا إذا استدبر القبلة فقد فسدت صلاته سواء مشى قليلاً أو كثيراً أو لم يمش‏,‏ لأنّ استدبار القبلة لغير إصلاح الصّلاة وحده مفسد‏.‏ وقال بعض مشايخ الحنفيّة في رجل رأى فرجةً في الصّفّ الّذي أمامه مباشرةً فمشى إلى تلك الفرجة فسدّها لا تفسد صلاته‏,‏ ولو مشى إلى صف غير الّذي أمامه مباشرةً فسدّ فرجةً فيه تفسد صلاته‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الصّلاة لا تبطل بمشي المصلّي صفّين لسترة يقرب إليها‏,‏ أو دفع مار أو لذهاب دابّة أو لسدّ فرجة في صف‏,‏ حتّى لو كان المشي بجنب أو قهقرى‏:‏ بأن يرجع على ظهره‏,‏ بشرط ألا يستدبر القبلة‏,‏ فيما عدا مسألة الدّابّة فإنّه يعذر إن استدبر القبلة‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المشي أكثر من خطوتين متوسّطتين مبطل للصّلاة إن توالت لا إن تفرّقت‏,‏ أما المشي خطوتين فلا يبطل الصّلاة وإن اتّسعت‏,‏ كما تبطل بالوثبة الفاحشة مطلقاً‏.‏

واختلفوا في مسمّى الخطوة هل هو نقل رجل واحدة فقط أو نقل الرّجل الأخرى إلى محاذاتها‏,‏ قال ابن أبي الشّريف‏:‏ كل منهما محتمل‏,‏ والثّاني أقرب‏.‏

والّذي يستفاد من مذهب الحنابلة أنّ المشي الّذي تقتضيه صحّة صلاة المأموم مع إمامه جائز‏,‏ كما إذا كبَّر فذّاً خلف الإمام‏,‏ ثمّ تقدّم عن يمينه‏,‏ أو تقدّم المأموم إلى صف بين يديه‏,‏ أو كانا اثنين وراء الإمام‏,‏ فخرج أحدهما من الصّلاة فمشى المأموم حتّى وقف عن يمين الإمام‏,‏ أو كان المأموم واحداً فكبّر آخر عن يسار الإمام أداره الإمام عن يمينه‏.‏ والعبرة عندهم في ذلك أنّ المشي الكثير إن كان لضرورة كخوف أو هرب من عدوٍّ ونحوه لم تبطل صلاته‏,‏ وإن لم يكن لضرورة بطلت صلاته‏.‏

التّنفل ماشياً

6 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة في الجملة إلى جواز التّنفل ماشياً ولكلّ من المذهبين في المسألة تفصيل‏:‏

فقال الشّافعيّة‏:‏ يجوز التّنفل ماشياً‏,‏ وعلى الرّاحلة سائرةً إلى جهة مقصده في السّفر الطّويل‏,‏ وكذا القصير على المذهب‏,‏ ولا يجوز في الحضر على الصّحيح بل لها فيه حكم الفريضة في كلّ شيء إلّا القيام‏,‏ وقال الإصطخريّ‏:‏ يجوز للرّاكب والماشي في الحضر متردّداً في جهة مقصده‏,‏ واختار القفّال الجواز بشرط الاستقبال في جميع الصّلاة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تصح الصّلاة بدون الاستقبال لمتنفّل راكب وماشٍ في سفر غير محرّم ولا مكروهٍ‏,‏ ولو كان السّفر قصيراً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ‏}‏‏,‏ قال ابن عمر رضي اللّه عنهما‏:‏ نزلت في التّطوع خاصّةً‏,‏ ولما ورد « أنّ ابن عمر كان يصلّي في السّفر على راحلته أينما توجّهت يومئ‏,‏ وذكر عبد اللّه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يفعله »‏,‏ وكان ابن عمر رضي اللّه عنهما يفعله‏,‏ ولم يفرّق بين طويل السّفر وقصيره‏,‏ وألحق الماشي بالرّاكب لأنّ الصّلاة أبيحت للرّاكب لئلّا ينقطع عن القافلة في السّفر وهو موجود في الماشي‏.‏

ولا تجوز صلاة الماشي عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

آداب المشي إلى صلاة الجماعة

7 - ذهب الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في الأصحّ إلى أنّه يستحب لقاصد الجماعة أنّ يمشي إلى الصّلاة بسكينة ووقار‏,‏ وإن سمع الإقامة لم يسع إليها‏,‏ سواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا‏,‏ لما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال‏:‏ « إذا أقيمت الصّلاة فلا تأتوها تسعون ائتوها تمشون وعليكم السّكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا »‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّه يجوز الإسراع لإدراك الصّلاة مع الجماعة بلا هرولة وهي ما دون الجري‏,‏ وتكره الهرولة لأنّها تذهب الخشوع‏,‏ إلّا أنّ يخاف فوات الوقت فتجب‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في ‏(‏ صلاة الجماعة ف / 22 ‏)‏‏.‏

المفاضلة بين المشي والركوب لقاصد الجمعة

8 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يستحب لمريد حضور الجمعة المشي في ذهابه لخبر‏:‏ « من غسّل يوم الجمعة واغتسل ثمّ بكّر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكلّ خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها »‏,‏ ولما فيه من التّواضع للّه عزّ وجلّ‏,‏ لأنّه عبد ذاهب لمولاه‏,‏ فيطلب منه التّواضع له فيكون ذلك سبباً في إقباله عليه‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ هذا إذا لم يكن له عذر‏,‏ فإن كان له عذر فلا بأس بركوبه ذهاباً وإياباً‏,‏ لكنّ الإياب لا بأس به ولو لغير عذر‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّه لا يندب المشي في الرجوع لأنّ العبادة قد انقضت‏.‏

وقال الرّملي من الشّافعيّة‏:‏ من ركب لعذر أو غيره سيّر دابّته بسكون كالماشي ما لم يضق الوقت‏,‏ ويشبه أنّ الركوب أفضل لمن يجهده المشي لهرم أو ضعف أو بعد منزله‏,‏ بحيث يمنعه ما يناله من التّعب الخشوع والخضوع في الصّلاة عاجلاً‏.‏

اشتراط القدرة على المشي لوجوب الجمعة

9 - صرّح الحنفيّة بأنّ من شرائط وجوب الجمعة القدرة على المشي‏,‏ فلا تجب على المريض ولا على المقعد وإن وجد من يحمله ولا على الأعمى وإن وجد قائداً‏,‏ وقالوا‏:‏ الشّيخ الكبير ملحق بالمريض فلا تجب عليه‏,‏ والمطر الشّديد مسقط للجمعة عندهم‏.‏

ولم ينصّ المالكيّة على هذا الشّرط بهذا اللّفظ وإنّما عبّروا عنه بالتّمكن من أداء الجمعة‏,‏ قال ابن شاس‏:‏ ويلتحق بعذر المرض المطر الشّديد على أحد القولين فيهما‏.‏

واعتبر الشّافعيّة والحنابلة المرض من أعذار ترك الجمعة في الجملة‏,‏ وقالوا‏:‏ إن لم يتضرّر المريض بإتيان المسجد راكباً أو محمولاً‏,‏ أو تبرّع أحد بأن يركبه أو يحمله‏,‏ أو يتبرّع بقود أعمىً لزمته الجمعة‏.‏

وعند الشّافعيّة تجب الجمعة على الأعمى إذا وجد قائداً ولو بأجرة وله مال وإلّا فقد أطلق الأكثرون منهم أنّها لا تجب عليه‏,‏ وقال القاضي حسين‏:‏ إن كان الأعمى يحسن المشي بالعصا من غير قائد لزمه‏.‏

وفي الوحل الشّديد للشّافعيّة ثلاثة أوجهٍ‏:‏ الصّحيح أنّه عذر في ترك الجمعة والجماعة‏.‏ وعند الحنابلة قال ابن قدامة‏:‏ لا تجب الجمعة على من في طريقه إليها مطر يبل الثّياب‏,‏ أو وحل يشقّ المشي إليها فيه

المشي لقاصد صلاة العيد

10 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يستحب لقاصد العيد المشي إن قدر‏,‏ لما روى الحارث عن عليٍّ رضي اللّه عنه‏:‏ « من السنّة أن تخرج إلى العيد ماشياً »‏,‏ ولأنّه أقرب للتّواضع‏,‏ فإن ضعف لكبر أو مرض فله الركوب‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ صلاة العيدين ف / 13 ‏)‏‏.‏

المشي في تشييع الجنازة

11 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يسن اتّباع الجنازة ماشياً‏,‏ والمشي أفضل من الركوب‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ جنائز ف / 14 ‏)‏‏.‏

المشي في المقابر

12 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يكره المشي في المقابر بنعلين‏.‏

وقال الحصكفيّ‏:‏ يكره وطء القبر والمشي في طريقٍ ظنّ أنّه محدث حتّى إذا لم يصل إلى قبر قريبه إلّا بوطء قبر تركه‏.‏

وقال ابن عابدين نقلاً عن خزانة الفتاوى‏:‏ وعن أبي حنيفة لا يوطأ القبر إلّا لضرورة‏,‏ وقال بعضهم‏:‏ لا بأس بأن يطأ القبر وهو يقرأ أو يسبّح أو يدعو لهم‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ القبر محرّم فلا ينبغي أن يمشي عليه إذا كان مسنّماً والطّريق دونه‏,‏ فأمّا إذا عفا فواسع‏.‏

وقال صاحب التّهذيب من الشّافعيّة إنّه لا بأس بالمشي بالنّعل بين القبور‏,‏ وقالوا‏:‏ القبر محرّم توقيراً للميّت فيكره في المشهور عندهم الجلوس عليه والاتّكاء ووطؤُه إلّا لحاجة بأن لا يصل إلى قبر ميّته إلّا بوطئه‏.‏

وقال النّووي‏:‏ يحرم ذلك أخذاً بظاهر الحديث‏:‏ « لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر »‏.‏

وقال الحنابلة بكراهة وطء القبور والمشي بينها بنعل لخبر « حتّى بالتمشك » - نوع من النّعال - وقالوا‏:‏ لا يكره المشي بينها بخفّ لمشقّة نزعه‏,‏ لأنّه ليس بنعل‏,‏ ويسن خلع النّعل إذا دخل المقبرة لحديث بشير بن الخصاصية قال‏:‏ « بينما أنا أماشي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال يا صاحب السّبتيّتين ويحك ألق سبتيّتيك فنظر الرّجل فلمّا عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خلعهما فرمى بهما »‏,‏ واحتراماً لأموات المسلمين إلّا خوف نجاسة وشوكٍ وحرارة أرض وبرودتها فلا يكره - المشي بنعل بين القبور - للعذر‏.‏

المشي في الطّواف والسّعي

13 - ذهب الحنفيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّ المشي في الطّواف والسّعي للقادر عليهما واجب مطلقاً‏.‏

وعند المالكيّة واجب في الطّواف والسّعي الواجبين‏,‏ وأمّا الطّواف والسّعي غير الواجبين فالمشي فيهما سنّة عندهم‏.‏

وذهب الشّافعيّة وهو رواية عند الحنابلة إلى أنّ المشي في الطّواف سنّة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ طواف ف / 25‏,‏ سعي ف / 14 ‏)‏‏.‏

نذر المشي إلى بيت اللّه الحرام

14 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ من قال - وهو في الكعبة أو في غيرها - عليّ المشي إلى بيت اللّه تعالى أو إلى الكعبة فعليه حجّة أو عمرة ماشياً وإن شاء ركب وأهرق دماً‏,‏ وقالوا‏:‏ مذهبنا مأثور عن عليٍّ رضي اللّه عنه‏,‏ ولأنّ النّاس تعارفوا إيجاب الحجّ والعمرة بهذا اللّفظ فصار كما إذا قال‏:‏ عليّ زيارة البيت ماشياً فيلزمه ماشياً وإن شاء ركب وأهرق دماً‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ من نذر المشي إلى بيت اللّه الحرام أو إلى جزء منه كالركن والحجر والحطيم يلزمه المشي إن نوى نسكاً فإن لم ينو النسك لم يلزمه شيء‏.‏

وإذا لزمه المشي مشى من حيث نوى المشي منه‏,‏ وإن لم ينو محلاً مخصوصاً فمن حيث حلف أو نذر وأجزأ المشي من مثله في المسافة‏,‏ ويستمر ماشياً لتمام طواف الإفاضة أو تمام السّعي إن كان سعيه بعد الإفاضة‏,‏ ولزم الرجوع في عام قابل لمن ركب في العام الّذي نذر فيه المشي فيمشي ما ركب فيه إن علمه وإن لم يعلمه فيجب مشي جميع المسافة‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا نذر المشي إلى بيت اللّه تعالى ناوياً الكعبة أو إتيانه فالمذهب وجوب إتيانه بحجّ أو عمرة‏,‏ وفي قول من طريقٍ لا يجب‏.‏

وإن لم ينو الكعبة فالأصح أنّه لا يصح نذره وقيل‏:‏ يحمل عليها‏.‏

فإن نذر الإتيان لم يلزمه مشي وله الركوب‏.‏

وإن نذر المشي أو أن يحجّ أو يعتمر ماشياً فالأظهر وجوب المشي‏,‏ والثّاني‏:‏ له الركوب وإن قال‏:‏ أمشي إلى بيت اللّه تعالى فيمشي من دويرة أهله في الأصحّ‏,‏ والثّاني‏:‏ يمشي من حيث يُحرم‏.‏

وإذا وجب المشي فركب لعذر أجزأه وعليه دم في الأظهر لتركه الواجب‏,‏ والثّاني‏:‏ لا دم عليه كما لو نذر الصّلاة قائماً فصلّى قاعداً لعجزه فلا شيء عليه‏.‏

وإذا ركب بلا عذر أجزأه على المشهور لأنّه لم يترك إلّا هيئةً التزمها وعليه دم لترفهه بتركها‏,‏ والثّاني‏:‏ لا يجزئه لأنّه لم يأت بما التزمه بالصّفة مع قدرته عليها‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ من نذر المشي إلى بيت اللّه الحرام وأطلق فلم يقل في حج ولا عمرة ولا غيره أو قال غير حاج ولا معتمر لزمه المشي في حج أو في عمرة حملاً له على المعهود الشّرعيّ وإلغاءً لإرادته غيره‏,‏ ويلزمه المشي من مكان النّذر أي دويرة أهله كما في حجّ الفرض إلى أن يتحلّل‏,‏ ولا يلزمه إحرام قبل ميقاته ما لم ينو مكاناً بعينه للمشي منه أو الإحرام فيلزمه لعموم حديث‏:‏ « من نذر أن يطيع اللّه فليطعه »‏,‏ ومن نوى بنذره المشي إلى بيت اللّه الحرام إتيانه لا حقيقة المشي فيلزمه الإتيان ويخيّر بين المشي والركوب لحصوله بكلّ منهما‏.‏

وإن ركب ناذر المشي إلى بيت اللّه الحرام لعجز أو غيره كفّر كفّارة يمين‏.‏

وللتّفصيل في أحكام نذر المشي إلى أحد المشاعر‏,‏ ونذر المشي إلى المدينة المنوّرة أو بيت المقدس أو أحد المساجد ينظر مصطلح ‏(‏ نذر ‏)‏‏.‏

الواجب في إزالة منفعة المشي

15 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الواجب في إزالة منفعة المشي كمال الدّية‏,‏ فلو ضرب صلبه فبطل مشيه ورجله سليمة وجبت الدّية‏,‏ وفصّل الشّافعيّة فقالوا‏:‏ ولا تؤخذ الدّية حتّى تندمل فإن انجبر وعاد مشيه فلا دية وتجب الحكومة إن بقي أثر‏,‏ وكذا إن نقص مشيه بأن احتاج إلى عصاً‏,‏ أو صار يمشي محدودباً‏,‏ ولو كسر صلبه وشلّت رجله قال المتولّي من الشّافعيّة‏:‏ يلزمه دية لفوات المشي‏,‏ وحكومة لكسر الظّهر‏,‏ بخلاف ما إذا كانت الرّجل سليمةً لا يجب مع الدّية حكومة ‏;‏ لأنّ المشي منفعة في الرّجل فإذا شلّت الرّجل ففوات المنفعة لشلل الرّجل فأفرد كسر الصلب بحكومة‏,‏ أمّا إذا كانت سليمةً ففوات المشي لخلل الصلب فلا يفرد بحكومة‏.‏

قال النّووي‏:‏ إنّ مجرّد الكسر لا يوجب الدّية وإنّما تجب الدّية إذا فات به المشي‏.‏

ولو أذهب كسر الصلب مشيه ومنيّه‏,‏ أو منيّه وجماعه وجبت ديتان على الأصحّ عند الشّافعيّة وقيل‏:‏ دية‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّ دية ذهاب منفعة المشي تجب حتّى لو انجبر كسر الصلب‏.‏

المشي في نعل واحدة

16 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى كراهة المشي في نعل واحدة بغير عذر‏,‏ وقال الحنابلة‏:‏ ولو يسيراً سواء كان في إصلاح الأخرى أو لا‏,‏ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « لا يمشي أحدكم في نعل واحدة »‏,‏ وقوله عليه الصّلاة والسّلام‏:‏ « إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتّى يصلحها »‏,‏ وقال أبو يحيى زكريّا الأنصاري‏:‏ والمعنى فيه أنّ مشيه يختل بذلك‏.‏

وقال الخطّابيّ‏:‏ الحكمة في النّهي أنّ النّعل شرعت لوقاية الرّجل عمّا يكون في الأرض من شوكٍ أو نحوه فإذا انفردت إحدى الرّجلين احتاج الماشي أن يتوقّى لإحدى رجليه ما لا يتوقّى للأخرى فيخرج بذلك من سجيّة مشيه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يمشي أحد في نعل واحدة ولا يقف فيه إلّا أن يكون الشّيء الخفيف‏,‏ في حال كونه متشاغلاً بإصلاح الأخرى‏,‏ وليلبسهما جميعاً أو فلينزعهما جميعاً‏.‏

تسليم الرّاكب على الماشي

17 - يسن تسليم الرّاكب على الماشي والماشي على القاعد‏,‏ والقليل على الكثير‏,‏ والصّغير على الكبير‏,‏ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « يسلّم الرّاكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير »‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ ر‏:‏ سلام ف / 23 ‏)‏‏.‏

آداب المشي مع النّاس

18 - قال ابن عقيل من الحنابلة‏:‏ من مشى مع إنسان فإن كان أكبر منه وأعلم مشى عن يمينه يقيمه مقام الإمام في الصّلاة‏.‏

قال ابن مفلح مقتضى كلام ابن عقيل‏:‏ استحباب مشي الجماعة خلف الكبير وإن مشوا عن جانبيه فلا بأس كالإمام في الصّلاة‏,‏ وفي مسلم قول يحيى بن يعمر أنّه هو وحميد بن عبد الرّحمن مشياً على جانبي ابن عمر‏,‏ قال في شرح مسلم‏:‏ فيه تنبيهٌ على مشي الجماعة مع فاضلهم وهو أنّهم يكتنفونه ويحفون به‏.‏

قال الحصكفيّ وابن عابدين‏:‏ وللشّابّ العالم أن يتقدّم على الشّيخ الجاهل‏,‏ لأنّه أفضل منه‏,‏ ولهذا يقدّم في الصّلاة وهي إحدى أركان الإسلام وهي تالية الإيمان‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ وصرّح الرّملي في فتاواه بحرمة تقدم الجاهل على العالم حيث يشعر بنزول درجته عند العامّة لمخالفته لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ‏}‏ وهذا مجمع عليه‏,‏ فالمتقدّم ارتكب معصيةً فيعزّر‏.‏

مَشِيئَة

التّعريف

1 - المشيئة في اللغة الإرادة يقال شاء زيد الأمر يشاؤُه شيئاً‏:‏ أراده‏,‏ والمشيئة اسم منه‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء للمشيئة عن المعنى اللغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمشيئة

أوّلاً‏:‏ تعليق الطّلاق بالمشيئة

أ - تعليقه بمشيئة اللّه أو الملائكة أو الجنّ‏:‏

2 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية إلى أنّ الطّلاق المعلّق على مشيئة اللّه وعلى مشيئة من لا يعلم مشيئته من الملائكة والجنّ لا يقع‏,‏ كما لو قال الزّوج لزوجته‏:‏ أنت طالق إن شاء اللّه تعالى فهذا الطّلاق لا يقع‏,‏ لأنّ مشيئة اللّه تعالى لا يطّلع عليها أحد‏,‏ فكان هذا التّعليق كالتّعليق على شرطٍ مستحيل فيكون نفياً للطّلاق‏,‏ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « من حلف على يمين فقال إن شاء اللّه فقد استثنى فلا حنث عليه» وقيّد الشّافعيّة هذا الحكم بقصد التّعليق حقيقةً‏,‏ وأمّا لو سبقت كلمة المشيئة إلى لسانه لتعوده لها كما هو الأدب‏,‏ أو قصد التّبرك بذكر اللّه تعالى‏,‏ أو الإشارة إلى أنّ الأمور كلّها بمشيئة اللّه تعالى‏,‏ ولم يقصد تعليقاً محقّقاً لم يؤثّر ذلك ويقع الطّلاق‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ من علّق بمشيئة اللّه تعالى فقال‏:‏ أنت طالق إن شاء اللّه تعالى يقع الطّلاق‏,‏ لما روى أبو حمزة قال‏:‏ سمعت ابن عبّاس رضي اللّه عنهما يقول‏:‏

‏"‏ إذا قال الرّجل لامرأته أنت طالق إن شاء اللّه تعالى فهي طالق ‏"‏‏.‏

وقال عبد اللّه بن عمر وأبو سعيد رضي اللّه عنهم‏:‏ كنّا معاشر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نرى الاستثناء جائزاً في كلّ شيء إلّا في العتاق والطّلاق‏,‏ ولأنّه استثناء حكم في محل فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنّكاح‏,‏ ولأنّه إزالة ملكٍ فلم يصحّ تعليقه على مشيئة اللّه كما لو قال‏:‏ أبرأتك إن شاء اللّه أو تعليقاً على ما لا سبيل إلى علمه فأشبه تعليقه على المستحيلات‏.‏

وقال الصّاوي من المالكيّة‏:‏ هذا‏,‏ لو صرف المشيئة على المعلّق‏,‏ أما لو صرف المشيئة أي مشيئة اللّه أو الملائكة أو الجنّ لمعلّق عليه كقوله‏:‏ أنت طالق إن دخلت الدّار إن شاء اللّه وصرف المشيئة للدخول أي إن دخلت بمشيئة اللّه فينجّز عليه إن وجد الدخول عند ابن القاسم‏,‏ وقال أشهب وابن الماجشون‏:‏ لا ينجّز ولو حصل المعلّق عليه‏,‏ وأمّا إن صرفها للمعلّق وهو الطّلاق أو لهما أو لم تكن له نيّة فينجّز إن وجد الدخول اتّفاقاً‏.‏

ب - تعليقه بمشيئة إنسان‏:‏

3 - ذهب المالكيّة والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أنّ الرّجل لو علّق الطّلاق بمشيئة زوجته بأن قال لها‏:‏ أنت طالق إن شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو كلّما شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو أنّى شئت لم تطلّق حتّى تشاء وتنطق بالمشيئة بلسانها فتقول‏:‏ قد شئت‏,‏ لأنّ ما في القلب لا يعلم حتّى يعبّر عنه اللّسان فيتعلّق الحكم بما يتعلّق به دون ما في القلب‏,‏ فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم يقع الطّلاق‏,‏ ولو قالت قد شئت بلسانها وهي كارهة لوقع الطّلاق اعتباراً بالنطق‏,‏ ويقع الطّلاق سواء كان على الفور أو على التّراخي‏,‏ لأنّه أضاف الطّلاق إلى مشيئتها فأشبه به ما لو قال حيث شئت‏,‏ ولأنّ هذه الحروف صريحة في التّراخي فحملت على مقتضاها‏,‏ ولأنّه تعليق للطّلاق على شرطٍ فكان على التّراخي كسائر التّعليق‏,‏ ولأنّه إزالة ملكٍ معلّقٍ على المشيئة فكان على التّراضي كالعتق‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ لو قال لزوجته مخاطبةً‏:‏ أنت طالق إن شئت اشترط مشيئتها في مجلس التّواجب فإن تأخّرت لم تقع‏,‏ لأنّ هذا تمليك للطّلاق فكان على الفور كقوله اختاري‏,‏ وهذا في التّعليق بغير نحو متى وأيّ وقت أمّا فيه فلا يشترط الفور فإن قال متى شئت طلقت متى شاءت وإن فارقت المجلس‏.‏

ولو قال لأجنبيّ‏:‏ إن شئت فزوجتي طالق فالأصح أنّه لا يشترط مشيئته على الفور‏,‏ وقيل‏:‏ كالزّوجة‏,‏ ورجّحه المتولّي ولو علّق بمشيئتها لا مخاطبةً‏,‏ فقال‏:‏ زوجتي طالق إن شاءت لم تشترط المشيئة‏,‏ على الفور على الأصحّ‏,‏ وقيل‏:‏ يشترط قولها‏:‏ شئت في الحال إن كانت حاضرةً وإن كانت غائبةً فتبادر بها إذا بلغها الخبر‏,‏ ولو قال‏:‏ امرأتي طالق إذا شاء زيد لم يشترط على الفور باتّفاق الشّافعيّة‏,‏ ولو قال‏:‏ إن شئت وشاء فلان فأنت طالق أشترط مشيئتها على الفور‏.‏

ويرى أبو حنيفة في حكم ما لو قال لها‏:‏ أنت طالق كيف شئت لا يتعلّق أصل الطّلاق بمشيئتها بل تقع طلقةً واحدةً بائنةً ولا مشيئة لها إن لم يدخل بها‏,‏ وإن دخل بها وقعت تطليقةً رجعيّةً بمجرّد قوله ذلك شاءت أو لا‏,‏ ثمّ إن قالت شئت بائنةً أو ثلاثاً وقد نوى الزّوج ذلك تصير كذلك للمطابقة‏,‏ وإن اختلفا بأن شاءت بائنةً والزّوج ثلاثاً أو العكس فهي رجعيّة لأنّه لغت مشيئتها لعدم الموافقة فبقي إيقاع الزّوج بالصّريح وهو رجعي‏,‏ وإذا لم ينو الزّوج شيئاً فالقول كما شاءت هي‏.‏

4 - وإذا قال الزّوج لزوجته‏:‏ أنت طالق إنّ شئت‏,‏ فقالت‏:‏ شئت إن شئت فقال الزّوج شئته ينوي الطّلاق لم يقع الطّلاق عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏,‏ وبه قال أيضاً إسحاق وأبو ثور وابن المنذر‏,‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الرّجل إذا قال لزوجته‏:‏ أنت طالق إن شئت فقالت‏:‏ قد شئت إن شاء فلان أنّها قد ردّت الأمر‏,‏ ولا يلزمها الطّلاق وإن شاء فلان‏,‏ وذلك لأنّه لم توجد منها وإنّما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط‏,‏ ولأنّه علّق طلاقها بالمشيئة المرسلة وهي أنت بالمعلّقة فلم يوجد الشّرط وهو اشتغال بما لا يعنيها‏,‏ فخرج الأمر من يدها‏,‏ ولا يقع الطّلاق بقوله شئت وإن نوى الطّلاق لأنّه ليس في كلام المرأة ذكر الطّلاق ليصير الزّوج شائياً طلاقها‏,‏ والنّيّة لا تعمل في غير المذكور حتّى لو قال‏:‏ شئت طلاقك يقع إذا نوى لأنّه إيقاع مبتدأٌ إذ المشيئة تنبئ عن الوجود‏.‏

وفي وجهٍ عند الشّافعيّة‏:‏ يقع الطّلاق لحصول مشيئتها بمشيئة الزّوج‏.‏

5 - وإن قال‏:‏ أنت طالق واحدةً إلّا أن تشائي ثلاثاً فلم تشأ أو شاءت أقلّ من ثلاثٍ طلقت واحدةً‏,‏ وإن قالت قد شئت ثلاثاً‏,‏ فقال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ لا تطلق إذا شاءت ثلاثاً‏,‏ لأنّ الاستثناء من الإثبات نفي فتقديره أنت طالق واحدةً إلّا أن تشائي ثلاثاً فلا تطلقي‏,‏ ولأنّه لو لم يقل ثلاثاً لما طلقت بمشيئتها ثلاثاً‏,‏ فكذلك إذا قال ثلاثاً لأنّه إنّما ذكر الثّلاث صفةً لمشيئتها الرّافعة لطلاق الواحدة‏,‏ فيصير كما لو قال‏:‏ أنت طالق إلّا أن تكرّري بمشيئتك ثلاثاً‏,‏ وقال أبو بكر من الحنابلة‏:‏ تطلق ثلاثاً‏.‏

ولو قال‏:‏ أنت طالق ثلاثاً إلّا أن تشائي واحدةً فقالت‏:‏ قد شئت واحدةً طلقت واحدةً على قول أبي يوسف من الحنفيّة وأبي بكر من الحنابلة‏,‏ وعلى قول الجمهور ومحمّد من الحنفيّة لا تطلق شيئاً‏.‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق لمشيئة فلان أو لرضاه أو له طلقت في الحال‏,‏ لأنّ معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه أو ليرضى به‏.‏

ثانياً‏:‏ تعليق الظّهار بالمشيئة

6 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لو علّق الظّهار بمشيئة المظاهر منها أو مشيئة غيرها كزيد‏,‏ وقال‏:‏ أنت عليّ كظهر أمّي إن شاء فلان‏,‏ أو قال‏:‏ أنت عليّ كظهر أمّي إن شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو مهما شئت فهو معلّق على المشيئة‏,‏ وقيّده الحنفيّة في المجلس‏,‏ وكذلك الشّافعيّة بالنّسبة لمشيئتها‏.‏

ونقل عن السيوريّ من المالكيّة قوله‏:‏ لا يختلف في إذا شئت أو متى شئت أنّ لها ذلك في المجلس ما لم توطأ أو توقف - قال الآبيّ‏:‏ أي على يد حاكم أو جماعة من المسلمين - بخلاف إن شئت فقيل كذلك وقيل ما لم يفترقا‏.‏

وإذا علّق الظّهار بمشيئة اللّه تعالى حيث قال‏:‏ أنت عليّ كظهر أمّي إن شاء اللّه تعالى بطل عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏,‏ ولا ينعقد ظهاره‏,‏ لأنّها يمين مكفّرة‏,‏ وكذا لو قال‏:‏ أنت عليّ حرام إن شاء اللّه تعالى أو إن شاء اللّه تعالى وشاء زيد‏,‏ فشاء زيد‏,‏ لا ينعقد ظهاره لأنّه علّقه على شيئين فلا يحصل بأحدهما‏.‏

ثالثاً‏:‏ تعليق الإيلاء بالمشيئة

7 - قال الحنابلة‏:‏ لو قال رجل لزوجته‏:‏ واللّه لا وطئتك إن شئت فشاءت ولو تراخياً فيعتبر مشيئتها ويكون مولياً‏,‏ لأنّه علّق الإيلاء بشرط وقد وجد‏,‏ وإن قال‏:‏ واللّه لا وطئتك إلّا أن تشائي أو إلّا أن يشاء أبوك أو إلّا باختيارك فلا يعتبر مولياً لأنّه علّقه بفعل يمكن وجوده في ثلث سنة إمكاناً غير بعيد وليس بمحرّم ولا فيه مضرّة فأشبه ما لو علّقه على دخولها الدّار‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّه لو قال مخاطباً‏:‏ واللّه لا أجامعك إن شئت وأراد تعليق الإيلاء بمشيئتها أشترط في كونه مولياً مشيئتها وتعتبر مشيئتها على الفور على الأصحّ‏,‏ كما يعتبر في الطّلاق على الفور‏,‏ ولو علّق لا على سبيل خطابها بأن قال‏:‏ واللّه لا أجامع زوجتي إن شاءت‏,‏ أو قال لأجنبيّ‏:‏ واللّه لا أجامع زوجتي إن شئت لم يعتبر على الفور على الأصحّ‏.‏ ولو قال إن شاء فلان‏,‏ أو قال لها‏:‏ متى شئت لم يعتبر الفور مطلقاً‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لو قال إن شئت فواللّه لا أقربك فإن شاءت في المجلس صار مولياً وكذا إن شاء فلان فهو على مجلسه‏.‏

رابعاً‏:‏ تعليق الإقرار على المشيئة

8 - تعليق الإقرار على المشيئة قرينة مغيّرة قد تدخل على أصل الإقرار وتكون متّصلةً به‏,‏ والتّعليق على المشيئة إمّا أن يكون على مشيئة اللّه تعالى أو على مشيئة فلان مثلاً‏,‏ وفي كل تفصيل واختلاف ينظر ‏(‏ إقرار ف / 43 ‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ تعليق النّيّة على المشيئة

9 - قال الحلواني من الحنفيّة‏:‏ لو قال نويت صوم غد إنّ شاء الله تعالى يجوز استحساناً‏,‏ لأن المشيئة إنما تبطل اللفظ‏,‏ والنية فعل القلب‏.‏

وقال ابن نجيم‏:‏ لو عقب النية بالمشيئة فإن كان ممّا يتعلّق بالنّيّات كالصّوم والصّلاة لم تبطل وإن كان ممّا يتعلّق بالأقوال كالطّلاق والعتاق بطل‏.‏

وعند المالكيّة الاستثناء بالمشيئة يفيد في اليمين باللّه إن قصد الاستثناء واتّصل الاستثناء بالمستثنى منه ونطق به وإن سراً وكان اليمين في غير توثقٍ بحقّ‏,‏ فلا كفّارة عليه إن حنث‏,‏ فإن لم يقصد الاستثناء كأن جرى على لسانه بلا قصد أو قصد التّبرك فلا يفيد الاستثناء وعليه الكفّارة إن حنث‏.‏

أما الاستثناء في غير اليمين كالطّلاق فلا يقيّده الاستثناء فإن حنث لزمه الطّلاق سواء قصد الاستثناء أو لم يقصد‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو عقّب نيّة الصّوم بقوله‏:‏ إن شاء اللّه بقلبه أو بلسانه فإن قصد التّبرك أو وقوع الصّوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة اللّه تعالى لم يضرّه‏,‏ وإن قصد تعليقه والشّكّ لم يصحّ صومه‏,‏ هذا هو المذهب وبه قال المتولّي والرّافعي‏.‏

وقال الماورديّ‏:‏ إن قال‏:‏ أصوم غداً إن شاء زيد لم يصحّ صومه وإن شاء زيد‏,‏ لأنّه لم يجزم النّيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من قال‏:‏ أنا صائم غداً إن شاء اللّه فإن قصد بالمشيئة الشّكّ والتّردد في العزم والقصد فسدت نيّته لعدم الجزم بها‏,‏ وإن نوى بالمشيئة التّبرك أو لم ينو شيئاً لم تفسد نيّته‏,‏ إذ قصده أنّ فعله للصّوم بمشيئة اللّه وتوفيقه وتيسيره‏.‏

قال القاضي‏:‏ وكذا نقول في سائر العبادات لا تفسد بذكر المشيئة في نيّتها‏.‏

مَشِيمَة

التّعريف

1 - المشيمة في اللغة غشاء ولد الإنسان‏,‏ ويقال للمشيمة من غير الإنسان السَّلى‏.‏ وأطلق بعض الفقهاء‏,‏ كسليمان الجمل‏,‏ المشيمة على غشاء الولد في الإنسان والحيوان‏.‏ وأطلق آخرون المشيمة على وعاء الإنسان فقط‏.‏

الحكم الإجمالي

أ - طهارة المشيمة‏:‏

2 - اختلف المالكيّة في طهارة المشيمة من الحيوان المأكول المذكّى فقال ابن رشد بطهارتها وجواز أكلها‏,‏ وصوّبه البرزليّ قائلاً‏:‏ وهو ظاهر المدوّنة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ المشيمة الّتي فيها الولد طاهرة من الآدميّ‏,‏ نجسة من غيره‏,‏ وأمّا المنفصل منه بعد موته فله حكم ميتته بلا نزاع‏.‏

ب - حكم الصّلاة على المشيمة‏:‏

3 - نصّ الشّافعيّة على أنّه لو وجد عضو مسلم علم موته يصلّى عليه بعد غسله ومواراته بخرقة بنيّة الصّلاة على جملة الميّت‏,‏ واعتبروا المشيمة المسمّاة بالخلاص كالعضو‏,‏ لأنّها تقطع من الولد فهي جزء منه‏,‏ وأمّا المشيمة الّتي فيها الولد فليست جزءاً من الأمّ ولا من الولد‏.‏

مصابرة

التّعريف

1 - المصابرة في اللغة مصدر صابر يقال‏:‏ صابره مصابرةً‏:‏ غالبه في الصّبر وفي التّنزيل العزيز ‏{‏ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المرابطة‏:‏

2 - المرابطة في اللغة مصدر رابط‏,‏ يقال رابط مرابطةً ورباطاً‏:‏ لازم الثّغر وموضع المخافة‏,‏ وواظب على الأمر ولازمه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والمصابرة أعم من المرابطة‏.‏

ب - المجاهدة‏:‏

3 - المجاهدة في اللغة مفاعلة من الجهد أي الطّاقة‏.‏

وقال الجرجاني‏:‏ المجاهدة في اللغة المحاربة وفي الشّرع‏:‏ محاربة النّفس الأمّارة بالسوء بتحميلها ما يشقّ عليها بما هو مطلوب في الشّرع‏.‏

والعلاقة بين المصابرة والمجاهدة هي العموم والخصوص‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمصابرة

أ - المصابرة على العبادات‏:‏

4 - نقل القرطبي عن الحسن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ ‏}‏‏,‏ قال‏:‏ أي على الصّلوات الخمس‏.‏

قال القرطبي‏:‏ قول الجمهور إنّ معنى المصابرة في الآية مصابرة الأعداء‏.‏

كما تكون المصابرة على غير الصّلاة من العبادات لأنّ النّفس بطبعها تنفر عن العبوديّة‏,‏ ومن العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصّلاة ومنها ما يكره بسبب البخل كالزّكاة ومنها ما يكره بسببهما جميعاً كالحجّ والجهاد‏.‏

ب - المصابرة في الجهاد‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا التقى المسلمون والكفّار في قتال ولم يزد عدد الكفّار على مثلي عدد المسلمين ولم يخافوا الهلاك وجب الثّبات على المسلمين وحرم عليهم الفرار‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ‏}‏‏.‏ وبناءً على ذلك يحرم الفرار من الزّحف عند تلاقي الجيشين إلّا إذا كان الفرار تحرفاً لقتال أو تحيزاً إلى فئة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ تحرف ف / 2‏,‏ وتحيز ف / 3 ‏)‏‏.‏

ويشترط للمصابرة أن لا يزيد عدد الكفّار على مثلي عدد المسلمين فإن زاد عدد الكفّار على مثلي عدد المسلمين فلهم أن يفروا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏}‏‏,‏ لأنّه لمّا أوجب اللّه عزّ وجلّ على المائة مصابرة المائتين دلّ ذلك على أنّه لا يجب عليهم مصابرة ما زاد على المائتين‏,‏ إلّا أنّ الفقهاء قالوا‏:‏ إنّه إذا غلب على ظنّ المسلمين أنّ لهم الغلبة على الكفّار مع كونهم أكثر من مثليهم فالأولى لهم المصابرة‏.‏ وذهب الحنفيّة وبعض المالكيّة وبعض الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الضّابط في ذلك هو أن يكون مع المسلمين من القوّة ما يغلب على الظّنّ أنّهم يقاومون الزّيادة على مثليهم ويرجون الظّفر بهم فالحكم في هذا الباب لغالب الرّأي وأكبر الظّنّ دون العدد فإن غلب على ظنّ الغزاة أنّهم يقاومونهم يلزمهم الثّبات والمصابرة‏,‏ وإن كانوا أقلّ عدداً منهم‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ جهاد ف / 37 وما بعدها وتولّي ف / 3 ‏)‏‏.‏

مُصَادَرة

التّعريف

1 - المصادرة لغةً‏:‏ المطالبة بشيء بإلحاح‏,‏ ويقال‏:‏ صادرت الدّولة المال‏:‏ إذا استولت عليه عقوبةً لمالكه‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ الاستيلاء على مال المحكوم عليه أخذاً‏,‏ أو إتلافاً‏,‏ أو إخراجاً عن ملكه بالبيع عقوبةً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الغرامة‏:‏

2 - الغرامة والغرم والمغرم ما يلزم أداؤُه من المال وما يعطى من المال على كرهٍ‏.‏ والعلاقة‏:‏ أنّ كلاً منهما يؤخذ على كرهٍ‏.‏

ب - المكس‏:‏

3 - المكس لغةً النّقص والظلم‏,‏ ودراهم كانت تؤخذ من بائع السّلع في الأسواق في الجاهليّة‏,‏ وقد غلب تسميته فيما يأخذه أعوان السلطان ظلماً عند البيع والشّراء‏.‏

والعلاقة‏:‏ الأخذ على كرهٍ في كل منهما‏.‏

الحكم التّكليفي للمصادرة

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجوز أخذ مال المسلم أو إتلافه أو إخراجه عن ملكه بالبيع عقوبةً بلا سبب شرعيٍّ‏,‏ لأنّ الشّرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدى به‏,‏ ولأنّ المقصود بالعقوبة التّأديب‏,‏ والأدب لا يكون بالإتلاف‏.‏

أما النصوص الواردة في العقوبة بالمال‏:‏ إنّما كان في أوّل الإسلام ثمّ نسخ‏,‏ من ذلك‏:‏ ما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ في مانع الزّكاة بخلاً لا إنكاراً لوجوبها‏:‏ « إنّا آخذوها وشطر إبله عزمةً من عزمات ربّنا لا يحل لآل محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم منها شيء »‏,‏ وقوله عليه الصّلاة والسّلام في سارق جرين الجبل‏:‏ « فيه غرامة مثليه وجلدات نكال »‏,‏ « وقضاؤُه عليه الصّلاة والسّلام أنَّ سَلَبَ من أُخِذَ وهو يصيد في حرم المدينة لمن أخذه »‏.‏

كان هذا كله في أوّل الإسلام ثمّ نسخ‏,‏ ثمّ انعقد الإجماع على أنّ ذلك لا يجوز‏,‏ وعادت العقوبات على الجرائم في الأبدان‏.‏

وروي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ليس في المال حق سوى الزّكاة »‏,‏ وقال بعض مشائخ الحنفيّة‏:‏ إنّ ما روي عن أبي يوسف من جواز التّعزير بمصادرة الأموال فمعناه‏:‏ إمساك شيء من ماله عنه مدّةً لينزجر‏,‏ ثمّ يعيده له الحاكم‏,‏ لا أن يأخذه الحاكم لنفسه‏,‏ أو لبيت المال كما يتوهّمه الظّلمة‏,‏ إذ لا يجوز لأحد من المسلمين أخذ مال أحد من المسلمين بغير سبب شرعيٍّ‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ أرى أن يأخذها الحاكم فيمسكها‏,‏ فإن يئس من توبته يصرفها على ما يراه وقال‏:‏ والحاصل أنّ المذهب عدم التّعزير بأخذ المال‏.‏

وقال‏:‏ وذكر الطّرسوسيّ في مؤلّف له‏:‏ أنّ مصادرة السلطان لأرباب الأموال لا تجوز إلّا لعمّال بيت المال مستدلاً بأنّ عمر رضي اللّه عنه صادر أبا هريرة رضي اللّه عنه حين استعمله على البحرين‏,‏ وعزله‏,‏ وأخذ منه اثني عشر ألفاً ثمّ دعاه للعمل فأبى‏,‏ قال‏:‏ وأراد بعمّال بيت المال‏:‏ خدمته الّذين يجبون أمواله‏,‏ ومنهم كتبته إذا توسّعوا في الأموال‏,‏ لأنّ ذلك دليل على خيانتهم ويلحق بهم كتبة الأوقاف ونظّارها‏,‏ إذا توسّعوا في الأموال وتعاطوا أنواع اللّهو‏,‏ وبناء الأماكن‏,‏ فللحاكم في هذا الحال‏:‏ أخذ الأموال منهم‏,‏ وعزلهم‏,‏ فإن عرف خيانتهم في وقف معيّن ردّ المال إليه‏,‏ وإلّا وضعه في بيت المال‏.‏

وقال أبو يوسف وابن تيميّة وابن القيّم وبعض المالكيّة‏:‏ إنّ العقوبة بالمال سائغة‏,‏ وهو القول القديم للإمام الشّافعيّ رضي اللّه عنه‏.‏

وللفقهاء تفصيل في التّعزير بأخذ المال ينظر في مصطلح ‏(‏ تعزير ف / 20 ‏)‏‏.‏

مُصَادَقَة

انظر‏:‏ تصادق‏.‏

مَصَارِف

انظر‏:‏ زكاة‏.‏

مُصَارَفة

انظر‏:‏ صرف‏.‏

مُصَافَحة

التّعريف

1 - المصافحة في اللغة الأخذ باليد كالتّصافح‏,‏ قال في تاج العروس‏:‏ الرّجل يصافح الرّجل إذا وضع صفح كفّه في صفح كفّه‏,‏ وصفحا كفّيهما‏:‏ وجّهاهما‏,‏ وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكفّ بالكفّ وإقبال الوجه على الوجه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اللّمس‏:‏

2 - من معاني اللّمس في اللغة المس باليد‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

واللّمس أعم من المصافحة ‏;‏ لأنّه قد يكون باليد أو بغيرها‏,‏ والملموس قد يكون يداً أو غيرها‏,‏ والمصافحة لمس اليد باليد بأسلوب خاصٍّ هو وضع صفحتها على صفحتها‏.‏

ب - المباشرة‏:‏

3 - المباشرة في اللغة مصدر باشر‏,‏ يقال‏:‏ باشر الأمر‏:‏ وليه بنفسه‏,‏ وباشر المرأة‏:‏ جامعها أو صارا في ثوب واحد فباشرت بشرته بشرتها‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والمباشرة أعم من المصافحة‏.‏

الحكم التّكليفي

يختلف حكم المصافحة باختلاف طرفيها‏,‏ وذلك على النّحو التّالي‏:‏

أوّلاً‏:‏ مصافحة الرّجل للرّجل

4 - مصافحة الرّجل للرّجل مستحبّة عند عامّة العلماء‏,‏ قال النّووي‏:‏ اعلم أنّها سنّة مجمع عليها عند التّلاقي‏,‏ وقال ابن بطّال‏:‏ أصل المصافحة حسنة عند عامّة العلماء‏.‏

وقد نصّ على استحباب المصافحة بين الرّجال كثير من فقهاء المذاهب‏,‏ واستدلوا عليه بجملة من الأخبار الصّحيحة والحسنة‏,‏ من ذلك ما روى كعب بن مالكٍ رضي اللّه عنه قال‏:‏ « دخلت المسجد فإذا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقام إليّ طلحة بن عبيد اللّه يهرول حتّى صافحني وهنّأني »‏,‏ وما روى البخاري عن قتادة قال‏:‏ « قلت لأنس رضي اللّه عنه أكانت المصافحة في أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏؟‏ قال‏:‏ نعم »‏.‏

وما روي عن عطاء بن أبي مسلم عبد اللّه الخراسانيّ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشّحناء »‏.‏

وروي عن مالكٍ أنّه كره المصافحة‏,‏ وهو قول سحنون وبعض علماء المالكيّة‏,‏ واستدلّ لهذه الرّواية بقوله عزّ وجلّ في وصف تحيّة الملائكة لسيّدنا إبراهيم عليه السّلام‏:‏ ‏{‏ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ‏}‏‏,‏ حيث حيّوه بإلقاء السّلام‏,‏ ولم يتبعوه بالمصافحة‏,‏ لكنّ المشهور عن مالكٍ استحباب المصافحة‏,‏ ويؤيّد ذلك ما روي عنه أنّه دخل عليه سفيان بن عيينة فصافحه وقال‏:‏ لولا أنّها بدعة لعانقتك‏,‏ فقال سفيان‏:‏ عانق من هو خير منّي ومنك النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم لجعفر حين قدم من أرض الحبشة‏,‏ قال مالك‏:‏ ذلك خاصٌّ‏,‏ قال سفيان‏:‏ بل هو عام ما يخص جعفراً يخصنا‏,‏ وما يعمه يعمنا إذا كنّا صالحين‏.‏

ثانياً‏:‏ مصافحة المرأة للمرأة

5 - أطلق الفقهاء القول بسنّيّة المصافحة‏,‏ ولم يقصروا ذلك على ما يقع منها بين الرّجال‏,‏ وإنّما استثنوا مصافحة الرّجل للمرأة الأجنبيّة فقالوا بتحريمها‏,‏ ولم يستثنوا مصافحة المرأة للمرأة من السنّيّة‏,‏ فيشملها هذا الحكم‏,‏ وقد صرّح بذلك الشّربيني الخطيب فقال‏:‏ وتسن مصافحة الرّجلين والمرأتين‏,‏ وقال النّفراويّ‏:‏ وإنّما تسن المصافحة بين رجلين أو بين امرأتين‏,‏ لا بين رجل وامرأة‏,‏ وإن كانت متجالّةً‏.‏

واستدلّ لذلك بأنّه المستفاد من عموم الأحاديث الشّريفة في الحثّ على المصافحة‏,‏ مثل قول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غفر لهما قبل أن يتفرّقا »‏.‏ وقوله‏:‏ « تصافحوا يذهب الغل »‏.‏

وما روي عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « إنّ المؤمن إذا لقي المؤمن فسلّم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشّجر »‏.‏

فهذه الأحاديث وغيرها عامّة في كلّ مسلمين يلتقيان‏,‏ وتشمل بعمومها المرأة تلاقي المرأة فتصافحها‏,‏ ولأنّه يحل لها أن تنظر وتمسّ من المرأة ما يحل للرّجل أن ينظر إليه ويمسه من الرّجل‏,‏ وهو سائر الجسد سوى ما بين السرّة والركبة‏,‏ لأنّ ذلك ليس فيه خوف الشّهوة‏,‏ حتّى لو خيفت الشّهوة كان ذلك محرّماً‏.‏

ثالثاً‏:‏ المصافحة بين الرّجل والمرأة

يختلف حكم المصافحة الّتي تقع بين الرّجل والمرأة بحسب كونهما من المحارم أو من غيرهم‏:‏

6 - فأمّا مصافحة المحارم فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في المعتمد عندهم إلى جوازها‏,‏ وهو ما ذهب إليه الحنابلة في الوالدين مع الأبناء روايةً واحدةً وفي غيرهم في رواية بناءً على قولهم بجواز لمس المحارم في غير محلّ العورة بشرط الأمن من الفتنة وعدم خوف الشّهوة‏,‏ لما روي « أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقبّل فاطمة رضي اللّه عنها إذا دخلت عليه‏,‏ وتقبّله إذا دخل عليها »‏,‏ وكذلك صحّ عن أبي بكر رضي اللّه عنه أنّه قبّل ابنته عائشة رضي اللّه عنها‏,‏ ولأنّ مسّ المحارم في غير عورة يغلب فيه الصّلة والرّحمة والشّفقة‏,‏ ويندر اقترانه بالشّهوة‏.‏

وإذا كان لمس المحارم على النّحو المذكور مباحاً فإنّ المصافحة نوع من اللّمس‏,‏ فتكون مشروعةً في حقّ المحارم‏,‏ ويشملها حكم الاستحباب الّذي أستفيد من الأحاديث المتقدّمة‏.‏ وذهب الشّافعيّة في قول والحنابلة في غير الوالدين مع الأبناء في رواية إلى عدم جواز مصافحة المحارم بناءً على القول بعد جواز مسّهم‏,‏ ولكنّ المعتمد في المذهبين كقول الجمهور المتقدّم‏,‏ وهو جواز لمس المحارم في غير عورة إذا انتفت الشّهوة ولو كان ذلك بغير حاجة ولا شفقة‏.‏

7 - وأمّا المصافحة الّتي تقع بين الرّجل والمرأة من غير المحارم فقد اختلف قول الفقهاء في حكمها وفرّقوا بين مصافحة العجائز ومصافحة غيرهم‏:‏

فمصافحة الرّجل للمرأة العجوز الّتي لا تشتهي ولا تشتهى‏,‏ وكذلك مصافحة المرأة للرّجل العجوز الّذي لا يشتهي ولا يشتهى‏,‏ ومصافحة الرّجل العجوز للمرأة العجوز‏,‏ جائز عند الحنفيّة والحنابلة ما دامت الشّهوة مأمونةً من كلا الطّرفين‏,‏ واستدلوا بما روي « أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ كان يصافح العجائز »‏,‏ ولأنّ الحرمة لخوف الفتنة‏,‏ فإذا كان أحد المتصافحين ممّن لا يشتهي ولا يشتهى فخوف الفتنة معدوم أو نادر‏.‏

ونصّ المالكيّة على تحريم مصافحة المرأة الأجنبيّة وإن كانت متجالّةً‏,‏ وهي العجوز الفانية الّتي لا إرب للرّجال فيها‏,‏ أخذاً بعموم الأدلّة المثبتة للتّحريم‏.‏

وعمّم الشّافعيّة القول بتحريم لمس المرأة الأجنبيّة ولم يستثنوا العجوز‏,‏ فدلّ ذلك على اعتبارهم التّحريم في حقّ مصافحتها‏,‏ وعدم التّفرقة بينها وبين الشّابّة في ذلك‏.‏

وأمّا مصافحة الرّجل للمرأة الأجنبيّة الشّابّة فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الرّواية المختارة‏,‏ وابن تيميّة إلى تحريمها‏,‏ وقيّد الحنفيّة التّحريم بأن تكون الشّابّة مشتهاةً‏,‏ وقال الحنابلة‏:‏ وسواء أكانت من وراء حائل كثوب ونحوه أم لا‏.‏

واستدلّ الفقهاء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبيّة الشّابّة بحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ « كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمتحنّ بقول اللّه عزّ وجلّ ‏{‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ ‏}‏ الآية قالت عائشة فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة‏,‏ وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقررن بذلك من قولهنّ قال لهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ انطلقن فقد بايعتكنّ‏,‏ ولا واللّه ما مسّت يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يد امرأة قط غير أنّه يبايعهنّ بالكلام‏,‏ قالت عائشة‏:‏ واللّه ما أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّساء قط إلّا بما أمره اللّه تعالى وما مسّت كف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كفّ امرأة قط وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ قد بايعتكنّ كلاماً »‏.‏

وقد فسّر ابن عبّاس رضي اللّه عنهما المحنة بقوله‏:‏ ‏"‏ وكانت المحنة أن تستحلف باللّه أنّها ما خرجت من بغض زوجها ولا رغبةً من أرض إلى أرض ولا التماس دنيا ولا عشقاً لرجل منّا بل حباً للّه ولرسوله ‏"‏‏.‏

وبما روي عن معقل بن يسار أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأةً لا تحل له » ووجه دلالة الحديث على التّحريم ما فيه من الوعيد الشّديد لمن يمس امرأةً لا تحل له ولا شكّ في أنّ المصافحة من المسّ‏.‏

واستدلوا أيضاً بالقياس على النّظر إلى المرأة الأجنبيّة‏,‏ فإنّه حرام باتّفاق الفقهاء إذا كان متعمّداً وكان بغير سبب مشروع‏,‏ لما ورد في النّهي عنه من الأحاديث الصّحيحة‏,‏ ووجه القياس أنّ تحريم النّظر لكونه سبباً داعياً إلى الفتنة‏,‏ واللّمس الّذي فيه المصافحة أعظم أثراً في النّفس‏,‏ وأكثر إثارةً للشّهوة من مجرّد النّظر بالعين‏,‏ قال النّووي‏:‏ وقد قال أصحابنا كل من حرّم النّظر إليه حرّم مسّه‏,‏ بل المس أشد‏,‏ فإنّه يحل النّظر إلى أجنبيّة إذا أراد أن يتزوّجها‏,‏ ولا يجوز مسها‏.‏

رابعاً‏:‏ مصافحة الصّغار

8 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ لمس الصّغار بشهوة حرام‏,‏ سواء في حالة اتّحاد الجنس أم في حالة اختلافه‏,‏ وسواء أبلغ الصّغار حدّ الشّهوة أم لم يبلغوها‏,‏ ومن اللّمس المصافحة‏,‏ ومن شروط مشروعيّة المصافحة عدم خوف الفتنة‏.‏

فإن كان اللّمس بغير شهوة وكان الصّغير أو الصّغيرة ممّن لا يشتهى جاز لمسه عند الحنفيّة والحنابلة‏,‏ سواء اتّحد الجنس أم اختلف‏,‏ لعدم خوف الفتنة في هذه الحال‏,‏ وهو الأصح عند الشّافعيّة‏,‏ وبناءً عليه تحل مصافحته ما دامت الشّهوة منعدمةً‏,‏ لأنّها نوع من اللّمس فتأخذ حكمه‏,‏ وقد صرّح في الهداية بجواز مصافحة الصّغيرة الّتي لا تشتهى‏.‏

وأمّا إذا بلغ الصّغير أو الصّغيرة حدّ الشّهوة فحكمه من حيث اللّمس كحكم الكبار‏.‏

والمصافحة مثله‏,‏ فيفرّق فيها بين حالة اتّحاد الجنس وحالة اختلافه كما تقدّم بيانه‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الصّغير ابن ثمان سنوات فأقل يجوز مسه وإن اختلف الجنس‏,‏ فإن زاد عن هذه السّنّ أخذ حكم الرّجال في المسّ‏,‏ وأمّا الصّغيرة فإن لم تتجاوز سنّ الرّضاع جاز مسها‏,‏ وإن جاوزت سنّ الرّضاع وكانت مطيقةً ‏"‏ أيّ مشتهاةً ‏"‏ حرم مسها‏,‏ وإن لم تكن مطيقةً فقد أختلف فيها‏,‏ ومذهب المدوّنة المنع‏.‏

وبناءً عليه يعرف حكم مصافحة الصّغار عندهم‏,‏ لأنّها نوع من اللّمس‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ ر‏:‏ عورة ‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ مصافحة الأمرد

9 - اختلف الفقهاء في حكم مصافحة الأمرد‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ أمرد ف / 5 ‏)‏‏.‏

سادساً‏:‏ مصافحة الكافر

10 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى القول بكراهة مصافحة المسلم للكافر إلّا أنّ الحنفيّة استثنوا مصافحة المسلم جاره النّصرانيّ إذا رجع بعد الغيبة وكان يتأذّى بترك المصافحة‏,‏ وأمّا الحنابلة فقد أطلقوا القول بالكراهة‏,‏ بناءً على ما روي أنّ الإمام أحمد سئل عن مصافحة أهل الذّمّة فقال‏:‏ لا يعجبني‏.‏

وذهب المالكيّة إلى عدم جواز مصافحة المسلم الكافر ولا المبتاع‏,‏ لأنّ الشّارع طلب هجرهما ومجانبتهما‏,‏ وفي المصافحة وصل مناف لما طلبه الشّارع‏.‏

الحالات الّتي تسن فيها المصافحة

حين تشرع المصافحة فإنّها تستحب في مواطن منها‏:‏

11 - عند التّلاقي سواء من سفر أو غيره‏,‏ كما سبق بيانه ‏(‏ ف / 4 ‏)‏‏.‏

12 - كذلك تسن عند مبايعة الإمام المسلم ومن في حكمه حيث كانت البيعة على عهد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وخلفائه الرّاشدين بالمصافحة‏,‏ وفي مبايعة أبي بكر رضي اللّه عنه ورد أنّ عمر رضي اللّه عنه قال له في السّقيفة أبسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعه ثمّ بايعه المهاجرون والأنصار‏,‏ وهذا خاصٌّ بالرّجال كما تقدّم‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ بيعة ف / 12 ‏)‏‏.‏

13 - وقد اختلف فقهاء المذاهب في حكم المصافحة عقب الصّلوات وبخاصّة صلاتي العصر والصبح ويظهر من عباراتهم أنّ فيها ثلاثة أقوال‏:‏ قول بالاستحباب‏,‏ وآخر بالإباحة‏,‏ وثالث بالكراهة‏.‏

أما القول بالاستحباب فقد استنبطه بعض شرّاح الحنفيّة من إطلاق عبارات أصحاب المتون‏,‏ وعمّ نصهم على استثناء المصافحة بعد الصّلوات‏,‏ قال الحصكفيّ‏:‏ وإطلاق المصنّف - التمرتاشيّ - تبعاً للدرر والكنز والوقاية والنقاية والمجمع والملتقى وغيرها يفيد جوازها مطلقاً ولو بعد العصر‏,‏ وقولهم‏:‏ إنّه بدعة‏,‏ أي مباحة حسنة كما أفاده النّووي في أذكاره‏,‏ وعقّب ابن عابدين على ذلك بعد أن ذكر بعض من قال باستحبابها مطلقاً من علماء الحنفيّة بقوله‏:‏ وهو الموافق لما ذكره الشّارح من إطلاق المتون‏,‏ واستدلّ لهذا القول بعموم النصوص الواردة في مشروعيّة المصافحة‏.‏

وممّن ذهب إلى هذا القول من الشّافعيّة المحب الطّبريّ وحمزة النّاشريّ وغيرهما‏,‏ وقالوا باستحباب المصافحة عقب الصّلوات مطلقاً‏,‏ واستأنس الطّبريّ بما رواه أحمد والبخاري عن أبي حنيفة رضي اللّه عنه قال‏:‏ « خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضّأ ثمّ صلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة تمر من ورائها المرأة وقام النّاس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم قال أبو جحيفة فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثّلج وأطيب رائحةً من المسك »‏,‏ قال المحب الطّبريّ‏:‏ ويستأنس بذلك لما تطابق عليه النّاس من المصافحة بعد الصّلوات في الجماعات لا سيّما في العصر والمغرب إذا اقترن به قصد صالح من تبركٍ أو تودد أو نحوه‏.‏

وأمّا القول بالإباحة فقد ذهب إليه العز بن عبد السّلام من الشّافعيّة‏,‏ حيث قسّم البدع إلى خمسة أقسام‏:‏ واجبة ومحرّمة ومكروهة ومستحبّة ومباحة‏,‏ ثمّ قال‏:‏ وللبدع المباحة أمثلة منها المصافحة عقيب الصبح والعصر‏.‏

ونقل ابن علّان عن المرقاة أنّه مع كونها من البدع فإذا مدّ مسلم يده إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد لما يترتّب عليه من أذًى يزيد على مراعاة الأدب‏,‏ وإن كان يقال إنّ فيه نوع إعانة على البدعة وذلك لما فيه من المجابرة‏.‏

واستحسن النّووي في المجموع - كما نقله ابن علّان - كلام ابن عبد السّلام واختار أنّ مصافحة من كان معه قبل الصّلاة مباحة ومن لم يكن معه قبل الصّلاة سنّة‏,‏ وقال في الأذكار‏:‏ واعلم أنّ هذه المصافحة مستحبّة عند كلّ لقاء‏,‏ وأمّا ما اعتاده النّاس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشّرع على هذا الوجه‏,‏ ولكن لا بأس به‏,‏ فإنّ أصل المصافحة سنّة‏,‏ وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة الّتي ورد الشّرع بأصلها‏.‏

وأمّا القول بالكراهة فقد نقله ابن عابدين عن بعض علماء المذهب‏,‏ وقال‏:‏ قد يقال‏:‏ إنّ المواظبة عليها بعد الصّلوات خاصّةً قد يؤدّي بالجهلة إلى اعتقاد سنّيّتها في خصوص هذه المواضع‏,‏ وأنّ لها خصوصيّةً زائدةً على غيرها‏,‏ مع أنّ ظاهر كلامهم أنّه لم يفعلها أحد من السّلف في هذه المواضع‏,‏ وذكر أنّ منهم من كرهها لأنّها من سنن الرّوافض‏.‏

واعتبر ابن الحاجّ هذه المصافحة من البدع الّتي ينبغي أن تمنع في المساجد‏,‏ لأنّ موضع المصافحة في الشّرع إنّما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصّلوات الخمس‏,‏ فحيث وضعها الشّرع توضع‏,‏ فينهى عن ذلك ويزجر فاعله‏,‏ لما أتى من خلاف السنّة‏.‏

كيفيّة المصافحة المستحبّة وآدابها

14 - تقع المصافحة في الأصل بأن يضع الرّجل صفح كفّه في صفح كفّ صاحبه‏.‏ واختلفوا في كون المصافحة المستحبّة بكلتا اليدين أم بيد واحدة‏,‏ فذهب الحنفيّة وبعض المالكيّة إلى أنّ السنّة في المصافحة أن تكون بكلتا اليدين‏,‏ وذلك بأن يلصق كل من المتصافحين بطن كفّ يمينه ببطن كفّ يمين الآخر‏,‏ ويجعل بطن كفّ يساره على ظهر كفّ يمين الآخر‏,‏ واستدلوا بأنّ هذا هو المعروف عن الصّحابة والتّابعين‏,‏ وبما ورد من قول ابن مسعود رضي اللّه عنه « علّمني النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم التّشهد وكفي بين كفّيه » وبما ذكره البخاري في باب الأخذ باليدين من قوله‏:‏ صافح حمّاد بن زيد بن المبارك بيديه‏,‏ إشارةً إلى أنّ ذلك هو المعروف بين الصّحابة والتّابعين‏,‏ واستدلوا أيضاً بما ورد عن عبد الرّحمن بن رزين قال‏:‏ « مررنا بالرّبذة فقيل لنا هاهنا سلمة بن الأكوع رضي اللّه عنه فأتيته فسلّمنا عليه فأخرج يديه فقال بايعت بهاتين نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم »‏.‏

كما استدلوا بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلّا كان حقّاً على اللّه عزّ وجلّ أن يحضر دعاءهما ولا يفرّق بين أيديهما حتّى يغفر لهما »‏,‏ قالوا‏:‏ وردت الرّوايات في هذا الحديث وغيره بلفظ الجمع‏,‏ ولا يصدق إلّا على المصافحة الّتي تكون بكلتا اليدين لا بيد واحدة‏.‏

وذهب آخرون إلى أنّ كيفيّة المصافحة المشروعة لا تتعدّى المعنى الّذي تدل عليه في اللغة‏,‏ ويتحقّق بمجرّد إلصاق صفح الكفّ بالكفّ‏.‏

واستدلّ لهذا الرّأي بقول عبيد اللّه بن بسر رضي اللّه عنه‏:‏ « ترون كفّي هذه فأشهد أنّني وضعتها على كفّ محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم‏.‏‏.‏‏.‏ وذكر الحديث »‏.‏

ويستحب في المصافحة أن تكون إثر التّلاقي مباشرةً من غير توان ولا تراخٍ وأن لا يفصل بينها وبين اللّقاء سوى البدء بالسّلام‏,‏ لقول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غفر لهما قبل أن يفترقا »‏,‏ حيث عطف المصافحة على التّلاقي بالفاء‏,‏ وهي تفيد التّرتيب والتّعقيب والفوريّة‏,‏ فدلّ ذلك على أنّ الوقت المستحبّ للمصافحة هو أوّل اللّقاء‏,‏ وأمّا أنّ البدء بالسّلام يسبقها‏.‏ فقد دلّ عليه ما ورد عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول‏:‏ « ما من مسلمين يلتقيان فيسلّم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده لا يأخذه إلّا للّه عزّ وجلّ ولا يتفرّقان حتّى يغفر لهما »‏.‏

كذلك يستحب أنّ تدوم ملازمة الكفّين فيها قدر ما يفرغ من الكلام والسّلام والسؤال عن الغرض‏,‏ ويكره نزع المصافح يده من يد الّذي يصافحه سريعاً لما روي عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ « ما رأيت رجلاً التقم أذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو ينحّي رأسه وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده »‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ « كان النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا لقي الرّجل لا ينزع يده حتّى يكون هو الّذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه حتّى يكون هو الّذي يصرفه »‏,‏ وقال بعض الحنابلة‏:‏ يكره للمصافح أن ينزع يده من يد من يصافحه قبل نزعه هو إلّا مع حياء أو مضرّة التّأخير‏,‏ وقصر بعضهم كراهة السّبق بالنّزع على غير المبادر بالمصافحة حتّى ينزعها ذلك المبادر‏,‏ وقال ابن تيميّة‏:‏ الضّابط أنّ من غلب على ظنّه أنّ الآخر سينزع أمسك وإلّا فلو أستحبّ الإمساك لكلّ منهما أفضى إلى دوام المعاقدة‏,‏ ثمّ استحسن قول من جعل النّزع للمبتدئ بالمصافحة‏.‏

ومن سنن المصافحة أن يأخذ المصافح إبهام الطّرف الآخر وأمّا شد كلّ واحد منهما يده على يد الآخر فقد ذكر بعض المالكيّة قولين في المذهب‏:‏ قول باستحبابه‏,‏ لأنّه أبلغ في التّودد‏,‏ وقول بعدم استحبابه‏,‏ وكذلك تقبيل المصافح يد نفسه بعد المصافحة فيه قولان عندهم‏,‏ لكن قال الجزوليّ‏:‏ صفة المصافحة أن يلصق كل واحد منهما راحته براحة الآخر‏,‏ ولا يشد ولا يقبّل أحدهما يده ولا يد الآخر‏,‏ فذلك مكروهٌ‏.‏

ويُستحب السّبق في الشروع بالمصافحة لما روي عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه أنّه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « إذا التقى الرّجلان المسلمان فسلّم أحدهما على صاحبه فإنّ أحبّهما إلى اللّه أحسنهما بشراً لصاحبه فإذا تصافحا نزلت عليهما مائة رحمة للبادي منهما تسعون وللمصافح عشرة »‏.‏

ومن آداب المصافحة أن يقرنها المصافح بحمد اللّه تعالى والاستغفار بأن يقول‏:‏ يغفر اللّه لنا ولكم‏,‏ وبالصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبالدعاء‏:‏ ‏{‏ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ‏}‏ وبالبشاشة وطلاقة الوجه مع التّبسم وحسن الإقبال واللطف في المسألة وينبغي أن يصدق فيها‏,‏ بأن لا يحمله عليها سوى الحبّ في اللّه عزّ وجلّ‏,‏ لما روي عن البراء بن عازب رضي اللّه تعالى عنه قال‏:‏ « لقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذ بيدي فقلت يا رسول اللّه إن كنت لأحسب أنّ المصافحة للأعاجم فقال نحن أحقّ بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودّةً بينهما ونصيحةً إلّا ألقيت ذنوبهما بينهما »‏.‏

أثر المصافحة على وضوء المتصافحين

15 - لمّا كانت المصافحة صورةً من صور اللّمس‏,‏ فإنّه يجري في أثرها على وضوء المتصافحين الاختلاف الّذي وقع بين الفقهاء في أثر اللّمس عليه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ لمس ‏)‏‏.‏

مُصَاهَرة

التّعريف

1 - المصاهرة في اللغة مصدر صاهر‏,‏ يقال‏:‏ صاهرت القوم إذا تزوّجت منهم‏.‏

وقال الخليل‏:‏ الصّهر أهل بيت المرأة‏,‏ قال‏:‏ ومن العرب من يجعل الأحماء والأختان جميعاً أصهاراً‏,‏ وقال الأزهري‏:‏ الصّهر يشتمل على قرابات النّساء ذوي المحارم وذوات المحارم‏,‏ كالأبوين‏,‏ والإخوة وأولادهم‏,‏ والأعمام‏,‏ والأخوال‏,‏ والخالات‏,‏ فهؤُلاء أصهار زوج المرأة ومن كان من قبل الزّوج من ذوي قرابته المحارم فهم أصهار المرأة أيضاً‏.‏

وقال ابن السّكّيت‏:‏ كل من كان من قبل الزّوج من أبيه أو أخيه أو عمّه‏.‏‏.‏‏.‏ فهم الأحماء‏,‏ ومن كان من قبل المرأة فهم الأختان‏,‏ ويجمع الصّنفين الأصهار‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي حرمة الختونة‏.‏

وقال الحصكفيّ في تعريف الصّهر والصّهر كل ذي رحم محرّم من عرسه كآبائها وأعمامها وأخوالها وأخواتها وغيرهم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الختن‏:‏

2 - الخَتَن بفتحتين في اللغة‏:‏ كل من كان من قبل المرأة‏,‏ مثل الأب والأخ وهذا عند العرب‏,‏ وعند العامّة‏:‏ ختن الرّجل زوج ابنته‏,‏ وعن اللّيث‏:‏ الخَتَن الصّهر‏,‏ وهو الرّجل المتزوّج في القوم‏.‏

والخَتَن في اصطلاح الفقهاء كما ذكر الحصكفيّ‏:‏ زوج كلّ ذي رحم محرّم منه‏,‏ كأزواج بناته وعمّاته‏,‏ وكذا كل ذي رحم من أزواجهنّ‏,‏ وقيل الصّهر أبو المرأة وأمها‏,‏ والخَتَن زوج المحرم فقط‏.‏

ب - الحمو‏:‏

3 - الحمو في اللغة قال الفيروز آبادى‏:‏ الحمو والحمُ أبو زوج المرأة‏,‏ والواحد من أقارب الزّوج والزّوجة‏.‏

وقال ابن منظور‏:‏ حَمْوُ المرأة وحمُها وحماها‏:‏ أبو زوجها وأخو زوجها وكذلك من كان من قبل الزّوج‏,‏ وفي الحمو لغات حما مثل قفا وحمو مثل أبو وحمّ مثل أب وَحَمْءٌ ساكنة الميم مهموزة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة أنّ الحمو من الأصهار‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمصاهرة

تتعلّق بالمصاهرة أحكام منها‏:‏

التّحريم بالمصاهرة

4 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم بالمصاهرة على التّأبيد أربعة أنواع‏:‏

أ - زوجة الأصل وهو الأب وإن علا‏,‏ لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ‏}‏‏.‏

ب - أصل الزّوجة وهي أمها وأم أمّها وأم أبيها وإن علت لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ‏}‏‏,‏ عطفاً على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ‏}‏‏.‏

ج - فروع الزّوجة وهنّ بناتها وبنات بناتها وبنات أبنائها وإن نزلن بشرط الدخول بالزّوجة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ‏}‏‏.‏

د - زوجة الفرع أي زوجة ابنه أو ابن ابنه أو ابن بنته مهما بعدت الدّرجة لقوله تعالى‏:‏

‏{‏ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ‏}‏‏.‏

وفي ذلك كلّه تفصيل ينظر في ‏(‏ محرّمات النّكاح ف / 9 وما بعدها ‏)‏‏.‏

وذهب الفقهاء إلى أنّه يحرم بالمصاهرة على التّأقيت الجمع بين الأختين ومن في حكمهما ممّن بينهما قرابة محرّمة بحيث لو فرضت إحداهما ذكراً حرّمت الأخرى لقوله تعالى في آية المحرّمات‏:‏ ‏{‏ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ‏}‏، ولحديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ « أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن تنكح المرأة على عمّتها أو العمّة على ابنة أخيها أو المرأة على خالتها أو الخالة على بنت أختها »‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ محرّمات النّكاح ف / 23 ‏)‏‏.‏

ما تثبت به المصاهرة

5 - تثبت المصاهرة بأسباب‏:‏ منها‏:‏ العقد الصّحيح‏.‏

فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ العقد الصّحيح مثبت لحرمة المصاهرة فيما سوى بنت الزّوجة وهي الرّبيبة وفروعها وإن نزلت فإنّهنّ لا يحرمن إلّا بالدخول بالزّوجة‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏ محرّمات النّكاح ف / 10‏,‏ 11 ‏)‏‏.‏

نهاية الموسوعة الفقهية الجزء السابع والثلاثون