فصل: خدمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


خدمة

التّعريف

1 - الخدمة مصدر خدم وهي المهنة، وقيل‏:‏ وهي بالكسر الاسم، وبالفتح المصدر‏.‏ والخدم والخدّام جمع خادم، والخادم يصدق على الذّكر والأنثى، لأنّه يجري مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال‏.‏ ويقال للأنثى في لغة قليلة خادمة‏.‏

واستخدمه واختدمه جعله خادماً، أو سأله أن يخدمه، وأخدمت فلاناً‏:‏ أي أعطيته خادماً يخدمه‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المهنة‏:‏

2 - المهنة - بفتح الميم وكسرها - الحذق في الخدمة والعمل، ومهن يمهن مهناً إذا عمل في صنعة، ومهنهم خدمهم وامتهنته أي‏:‏ استخدمته وابتذلته‏.‏ والماهن الخادم، والأنثى ماهنة، والجمع مهان، ويقال‏:‏ للأنثى بالخرقاء لا تحسن المهنة، أي لا تحسن الخدمة‏.‏ والمهنة الخدمة والابتذال، والمهين الضّعيف ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ‏}‏ وخرج في ثياب مهنته أي‏:‏ في ثياب خدمته الّتي يلبسها في أشغاله وتصرّفاته‏.‏

فالمهنة أخصّ، لأنّ فيها الحذق، وتطلق على الصّنعة‏.‏

ب - العمل‏:‏

3 - والعمل هو المهنة والفعل، والجمع أعمال‏.‏

والعامل هو الّذي يتولّى أمور الرّجل في ماله، أو ملكه، أو عمله، والجمع عمّال وعاملون‏.‏ والعملة والعمالة، أجر ما عمل، أو رزق العامل الّذي جعل له على ما قلّد من العمل، والعملة هم القوم يعملون بأيديهم ضروباً من العمل في طين أو حفر أو غيره‏.‏

والعلاقة بين العمل والخدمة أنّ العمل أعمّ من الخدمة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالخدمة

خدمة المرأة للرّجل وعكسه

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجوز استئجار الرّجل الأعزب المرأة الأجنبيّة البالغة للخدمة في بيته، مأموناً كان أو غير مأمون وذلك اتّقاء للفتنة، ولأنّ الخلوة بها معصية إلاّ إذا كان الرّجل محرماً لها، أو صغيراً، أو شيخاً هرماً، أو ممسوحاً أو مجبوباً، أو كانت المرأة الخادمة صغيرةً لا تشتهى‏.‏

ولا فرق عند الجمهور بين المرأة الحرّة وبين الأمة، ولا بين الجميلة وبين غيرها‏.‏

وفي وجه عند الشّافعيّة، أو كانت قبيحةً يؤمن من الرّجل الأجنبيّ عليها، فحينئذ لا تحرم خدمتها له في بيته لانتفاء خوف الفتنة‏.‏

والحرمة - عند الجمهور - إذا كانت الخدمة تتطلّب الخلوة، أمّا إذا لم تكن تتطلّب الخلوة فيجوز، وكذا إذا كان الرّجل مريضًا ولم يجد من يخدمه‏.‏

وذهب بعض الفقهاء إلى جواز استخدام المرأة الأجنبيّة الرّجل جميلةً كانت أو غير جميلة متجالّةً أو غير متجالّة، إلاّ أنّ بعض الفقهاء فرّق بين المتجالّة وغير المتجالّة، كما فرّقوا بين الرّجل العزب الّذي لا نساء عنده من قرابات وزوجات، وبين غيره ممّن لديه زوجة أو قريبة‏.‏ قال أحمد‏:‏ يجوز للرّجل أن يستأجر الأمة والحرّة للخدمة، ولكن يصرف وجهه عن النّظر ليست الأمة مثل الحرّة ولا يخلو معها في بيت ولا ينظر إليها متجرّدةً ولا إلى شعرها‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ أكره أن يستأجر الرّجل امرأةً حرّةً يستخدمها ويخلو بها وكذلك الأمة‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ وهو قول أبي يوسف ومحمّد‏:‏ أمّا الخلوة، فلأنّ الخلوة بالمرأة الأجنبيّة معصية‏.‏ وأمّا الاستخدام فلأنّه لا يؤمن معه الاطّلاع عليها والوقوع في المعصية‏.‏

وفي المدوّنة قيل لابن القاسم‏:‏ أرأيت لو أنّ رجلاً استأجر امرأةً حرّةً أو أمةً تخدمه وهو عزب أيجوز هذا أم لا‏؟‏ قال‏:‏ سمعت مالكاً وسئل عن امرأة تعادل الرّجل في المحمل وليس بينهما محرم فكره ذلك، فالّذي يستأجر المرأة تخدمه وليس بينهما محرم، وليس له أهل، وهو يخلو معها أشدّ عندي كراهيةً من الّذي تعادله المرأة في المحمل‏.‏

أمّا خادم المرأة فلا يجوز أن يكون رجلًا كبيرًا ممّن لا يحلّ له النّظر إليها، لأنّ الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله، فلا يسلم من النّظر والخلوة المحرّمة إلاّ إذا كان الخادم صبيّاً لم يبلغ الحلم، أو محرماً للمرأة المخدومة، أو عبداً مملوكها، أو ممسوحاً، أو نحوه فيجوز أن يخدمها‏.‏ وهذا في الخدمة الباطنة، أمّا الخدمة الظّاهرة مثل قضاء الحوائج من السّوق، فيجوز أن يتولّاها الرّجل الأجنبيّ‏.‏

قال الحطّاب‏:‏ وسئل عن المرأة العزبة الكبيرة تلجأ إلى الرّجل، فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة، هل ترى له ذلك جائزاً‏؟‏ قال‏:‏ لا بأس به وليدخل معه غيره أحبّ إليّ، ولو تركها النّاس لضاعت، وهذا على ما قال إنّه جائز للرّجل أن يقوم للمرأة الأجنبيّة بحوائجها ويناولها الحاجة إذا غضّ بصره عمّا لا يحلّ له النّظر إليه، ممّا لا يظهر من زينتها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا‏}‏ وذلك الوجه والكفّان على ما قاله أهل التّأويل، فجائز للرّجل أن ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة والضّرورة، فإن اضطرّ إلى الدّخول عليها أدخل غيره معه ليبعد سوء الظّنّ عن نفسه‏.‏

خدمة المسلم للكافر

5 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على المسلم حرّاً كان أو عبداً أن يخدم الكافر، سواء أكان ذلك بإجارة أو إعارة، ولا تصحّ الإجارة ولا الإعارة لذلك، لأنّ في ذلك إهانةً للمسلم وإذلالًا له، وتعظيماً للكافر، واحتجّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً‏}‏ وأمّا إذا أجّر المسلم نفسه للكافر لعمل معيّن في الذّمّة، كخياطة ثوب أو قصارته جاز، لأنّه عقد معاوضة لا يتضمّن إذلالاً ولا استخداماً‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ بغير خلاف نعلمه، لأنّ عليّاً رضي الله عنه أجّر نفسه من يهوديّ يستقي له كلّ دلو بتمرة‏.‏

وكذا إن أجّر نفسه منه لعمل غير الخدمة مدّةً معلومةً جاز أيضاً‏.‏

وكذا إعارة عبد مسلم لكافر لعمل معيّن لا يقتضي الخدمة فهو جائز أيضاً‏.‏

ويشترط فيما جاز من الإجارة والإعارة أن لا يكون العمل ممّا لا يحرم على المسلم، كرعي الخنازير أو حمل الخمر‏.‏

خدمة الوالد للولد وعكسه

6 - إذا قام الوالد بنفسه بخدمة ولده فلا كراهة في ذلك، وتجب عليه الخدمة أو الإخدام لولده الصّغير أو المريض، أو العاجز، إذا كان فقيراً‏.‏

واختلف الفقهاء في حكم استخدام الفرع لأصله‏.‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة إلى عدم جواز ذلك لما فيه من الإهانة والإذلال والاستخفاف الّذي لا يليق بمكانة الأبوّة‏.‏ وعليه فلا يجوز للولد أن يستأجر والده للاستخدام وإن علا، وكذلك والدته سواء أكان هذا الوالد مسلماً أم كافراً، لأنّه مأمور بتعظيم والده وإن اختلف الدّين، وفي الاستخدام استخفاف به فكان حراماً، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً‏}‏ وهذا الأمر ورد في حقّ الأبوين الكافرين، لأنّه معطوف على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا‏}‏ الآية‏.‏

وذهب الحنابلة والشّافعيّة في المعتمد إلى أنّه يكره للولد تنزيهًا استخدام أحد أصوله وإن علا لصيانتهم عن الإذلال‏.‏ أمّا خدمة الولد لوالده، أو استخدام الأب لولده فجائز بلا خلاف، بل إنّ ذلك من البرّ المأمور به شرعاً، ويكون واجباً على الولد خدمة أو إخدام والده عند الحاجة، ولهذا فلا يجوز له أن يأخذ أجرةً عليها، لأنّها مستحقّة عليه ومن قضى حقّاً مستحقّاً عليه لغيره لا يجوز له أخذ الأجرة عليه‏.‏

ما يتعلّق بالخادم من أحكام

أ - إخدام الزّوجة‏:‏

7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب على الزّوج إخدام زوجته الّتي لا يليق بها خدمة نفسها بأن كانت تخدم في بيت أبيها، أو كانت من ذوي الأقدار، لكون هذا من حقّها في المعاشرة بالمعروف المأمور بها في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ولأنّ هذا من كفايتها وممّا يحتاج إليه في الدّوام فأشبه النّفقة‏.‏

كما اتّفقوا على أنّ الإخدام يجب على الزّوج للزّوجة المريضة، والمصابة بعاهة لا تستطيع معها خدمة نفسها، وإن كانت ممّن لا يخدم مثلها، لأنّ مثل هذه لا تستغني عن الخدمة‏.‏ والمالكيّة أيضاً يرون وجوب إخدام الزّوج زوجته، لكن قالوا‏:‏ يجب عليه ذلك إن كان الزّوج ذا سعة وهي ذات قدر ليس شأنها الخدمة،أو كان هو ذا قدر تزري خدمة زوجته به‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ إذا امتنعت المرأة عن الطّحن والخبز، إن كانت ممّن لا يخدم، أو كان بها علّة فعليه أن يأتيها بطعام مهيّأ، وإلاّ بأن كانت ممّن تخدم نفسها وتقدر على ذلك لا يجب عليه، ولا يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك، لوجوبه عليها ديانةً ولو شريفةً، لأنّه عليه الصلاة والسلام «قسّم الأعمال بين عليّ وفاطمة، فجعل أعمال الخارج على عليّ رضي الله عنه والدّاخل على فاطمة رضي الله عنها» مع أنّها سيّدة نساء العالمين فإن كان لها خادم فعلى الزّوج نفقته‏.‏

ب - الإخدام بأكثر من خادم‏:‏

8 - اختلف الفقهاء في إلزام الزّوج بأكثر من خادم‏.‏

فذهب جمهور العلماء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يلزمه أكثر من خادم واحد، لأنّ المستحقّ خدمتها في نفسها ويحصل ذلك بخادم واحد‏.‏

وذهب المالكيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه إذا كان حالها ومنصبها يقتضي، خادمين أو أكثر فلها ذلك‏.‏

قال أبو يوسف من الحنفيّة‏:‏ إنّ المرأة إذا كانت غنيّةً وزفّت إليه بخدم كثير استحقّت نفقة الجميع، وكذلك إذا كانت ممّن يجلّ مقدارها عن خدمة خادم واحد، فعلى الزّوج أن ينفق على من لا بدّ منه من الخدم ممّن هو أكثر من الخادم الواحد، أو الاثنين أو أكثر من ذلك‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ الحاصل‏:‏ أنّ المذهب الاقتصار على الواحد مطلقاً، والمأخوذ به عند المشايخ قول أبي يوسف‏.‏

فإن كانت المرأة لا يخدم في بيت أبيها مثلاً، فلا يجب عليه الإخدام، بل يلزمها أن تقوم بخدمة نفسها الباطنة ‏"‏ أي في داخل المنزل ‏"‏ من عجن وطبخ، وكنس، وفرش، واستقاء ماء إذا كان معها في البيت، وليس عليها غزل، ولا نسج، وعليه أن يشتري لها من السّوق ما تحتاجه، لأنّ هذا من تمّام الكفاية‏.‏

ج - تبديل الخادم‏:‏

9 - اختلف الفقهاء في جواز تبديل الزّوج خادمها الّذي حملته معها، أو أخدمها إيّاه هو ‏"‏ وألفته ‏"‏‏.‏

فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والحنفيّة والشّافعيّة إلى عدم جواز ذلك له لتضرّرها بقطع المألوف، ولأنّها قد لا تتهيّأ لها الخدمة بالخادم الّذي يجيء به الزّوج بدل خادمها إلاّ إن ظهرت منه ريبة، أو خيانة، أو تضرّر بوجوده‏.‏

أمّا إذا ظهرت منه ريبة، أو خيانة، أو تضرّر منه بأن كان يختلس من ثمن ما يشتريه أو أمتعة بيته فله الإبدال، والإتيان بخادم أمين، ولا يتوقّف هذا على رضاها إلاّ أنّ الحنفيّة يرون أنّ هذا إذا لم تستبدل غيره به‏.‏

أمّا الحنابلة فذهبوا إلى أنّ للزّوج إبدال خادم آخر بخادمها إذا أتاها بمن يصلح للخدمة لأنّ تعيين الخادم إليه وليس إليها‏.‏

د - إخراج الخادم من البيت‏:‏

10 - اختلف الفقهاء في جواز إخراج الزّوج لخدم المرأة الزّائد عن الواحد، أو الزّائد عن الحاجة من بيته‏.‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ له إخراج الزّائد عن الحاجة ومنعه من دخول البيت‏.‏ وخالفهم في ذلك أبو يوسف من الحنفيّة وقال‏:‏ لا يجوز له ذلك‏.‏

هـ - إخدام المعسر‏:‏

11 - اختلف الفقهاء في وجوب الإخدام على المعسر للزّوجة الّتي تستحقّ الخدمة، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ وجوب الإخدام على الزّوج الموسر فقط‏.‏ أمّا إذا كان الزّوج معسراً فلا يجب عليه الإخدام لأنّ الضّرر لا يزال بالضّرر‏.‏

ويجب على الزّوجة في هذه الحالة أن تخدم نفسها الخدمة الدّاخليّة، وعلى الزّوج أن يكفيها الأعمال الخارجيّة، لما روي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قسّم الأعمال بين عليّ رضي الله عنه، وبين فاطمة رضي الله عنهما، فجعل أعمال الخارج على عليّ رضي الله عنه، وأعمال الدّاخل على فاطمة رضي الله عنها» إلاّ أنّ محمّداً من الحنفيّة، يرى أنّه إن كان للزّوجة خادم فعليه نفقته، وإن كان معسراً، لأنّه لمّا كان لها خادم علم أنّها لا ترضى بالخدمة بنفسها فكان على الزّوج نفقة خادمها، وإن لم يكن لها خادم، فلا يجب عليه ذلك‏.‏ ويرى الشّافعيّة أنّ وجوب الإخدام للزّوجة يستوي فيه الموسر، والمتوسّط، والمعسر، والحرّ، والعبد، لأنّ ذلك من المعاشرة بالمعروف المأمور بها ولأنّ الخدمة واجب من الواجبات كسائر المؤن‏.‏

و - صفة الخادم‏:‏

12 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب أن يكون الخادم إمّا امرأة مسلمة حرّةً كانت أو أمةً، أو صبيّاً مميّزاً لم يبلغ الحلم، أو محرماً للزّوجة المخدومة، أو ممسوحاً فلا يجوز أن يكون رجلاً كبيراً ممّن لا يحلّ له النّظر إليها، لأنّ الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فلا يسلم من النّظر‏.‏

الخادمة الذّمّيّة

13 - اختلف الفقهاء في المرأة الذّمّيّة هل يجوز أن تكون خادماً لامرأة مسلمة‏؟‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في أحد الوجهين إلى عدم جواز ذلك، لأنّه لا تؤمن عداوتها الدّينيّة، ولأنّ نظر الذّمّيّة إلى المسلمة حرام، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ‏}‏ إلى أن قال‏:‏ ‏{‏أَوْ نِسَائِهِنَّ‏}‏ وصحّ عن عمر رضي الله عنه‏:‏ أنّه منع الكتابيّات دخول الحمّام مع المسلمات، لأنّها ربّما تحكيها للكافر‏.‏

وأيضاً فإنّ الذّمّيّة لا تتعفّف من النّجاسة‏.‏ والوجه الآخر عند الحنابلة، يجيز أن تخدم الذّمّيّة المرأة المسلمة، لأنّ نظرها إلى المسلمة عندهم جائزاً‏.‏ وهذا في الخدمة الباطنة‏.‏

أمّا الظّاهرة مثل قضاء الحوائج من السّوق فيجوز أن يتولّاها الرّجال وغيرهم‏.‏

ويفهم من قول المالكيّة ويخدم المرأة بأنثى أو بذكر لا يتأتّى منه الاستمتاع‏:‏ أنّهم يجيزون إخدام المسلمة بذمّيّة حيث أطلقوا الأنثى ولم يقيّدوها بمسلمة‏:‏

ولا سيّما وأنّ نظر الكافرة إلى المسلمة جائز عندهم‏.‏

ز - نفقة الخادم‏:‏

14 - نفقة الخادم تشمل عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة الطّعام والمسكن والملبس إلاّ أنّ الحنفيّة يرون أنّ نفقة الخادم لا تقدّر بالدّراهم كنفقة المرأة بل يفرض له ما يكفيه بالمعروف، على أن لا تبلغ نفقته نفقة المرأة لأنّه تبع لها‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّ جنس طعام الخادم هو جنس طعام المخدومة، وكذلك للخادمة كسوة تليق بحالها صيفاً وشتاءً‏.‏

ويرى الحنابلة أنّ نفقة الخادم، ومؤنته، وكسوته تكون مثل ما لامرأة المعسر‏.‏

ح - طلب الزّوجة أجرة الخادم‏:‏

15 - لو قالت المرأة لزوجها أنا أخدم نفسي وطلبت الأجرة أو نفقة الخادم لا يلزمه قبول ذلك عند الشّافعيّة والحنابلة، لأنّ في إخدامها توفيرها على حقوقه وترفيهها، وذلك يفوت بخدمتها لنفسها‏.‏ ويرى الحنفيّة أنّه لا يجوز لها أخذ الأجرة على خدمتها لزوجها أو لنفسها، لأنّها لو أخذت الأجرة على ذلك لأخذتها على عمل واجب عليها فكان في معنى الرّشوة‏.‏ وذكر الفقيه أبو اللّيث أنّ هذا إذا كان بها علّة لا تقدر على الطّبخ والخبز، أو كانت من بنات الأشراف‏.‏ فأمّا إذا كانت تقدر على ذلك وهي ممّن تخدم نفسها تجبر على ذلك‏.‏

واختلفوا فيما لو قال الزّوج أنا أخدمك بنفسي ليسقط مؤنة الخادم‏:‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ عندهم والحنابلة في الرّاجح عندهم إلى أنّه ليس له ذلك ولم يلزمها قبول ذلك‏.‏ لأنّ في هذا غضاضةً عليها لكون زوجها خادماً لها وتعيّر به‏.‏

وذهب المالكيّة وهو أحد الأقوال المرجوحة عند الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ للرّجل أن يخدم زوجته بنفسه ويلزمها الرّضا به، لأنّ الكفاية تحصل بهذا‏.‏

ويرى بعض فقهاء الشّافعيّة ومنهم القفّال أنّ للزّوج أن يخدم زوجته فيما لا يستحي منه، كغسل الثّوب، واستقاء الماء، وكنس البيت والطّبخ دون ما يرجع إلى خدمة نفسها كصبّ الماء على يدها، وحمله إلى المستحمّ ونحوهما‏.‏

ط - إعسار الزّوج بنفقة الخادمة‏:‏

16 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا تطلق الزّوجة على زوجها بسبب إعساره بنفقة الخادم لأنّه يمكنها الصّبر عنها‏.‏ ولكنّ هذه النّفقة تثبت في ذمّته عند الشّافعيّة والحنابلة، لأنّها نفقة تجب على سبيل العوض، فتثبت في الذّمّة كالنّفقة الواجبة للمرأة‏.‏

إلاّ أنّ الأذرعيّ من الشّافعيّة يرى أنّ هذا إذا كانت المرأة استحقّت الخدمة لرتبتها وقدرها، أمّا إذا كانت قد استحقّت الخدمة لمرضها ونحوه فالوجه عدم ثبوت النّفقة في الذّمّة وتسقط نفقة الخادم عن الزّوج بإعساره عند الحنفيّة والمالكيّة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا‏}‏ وهذا معسر لم يؤته شيئاً فلا يكلّف بشيء‏.‏

ي - زكاة فطر الخادم‏:‏

17 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إن كان لامرأته من يخدمها بأجرة فليس على الزّوج فطرته، لأنّ الإجارة لا تقتضي النّفقة، والفطرة تابعة للنّفقة ولا فرق في هذا بين الحرّ وغيره‏.‏ وإن كان الخادم مملوكًا لها نظر، فإن كانت ممّن لا يجب لها خادم فليس على الزّوج فطرته كذلك‏.‏

وإن كانت ممّن يخدم مثلها واتّفقا على أن يخدمها بخادمها فعليه فطرته، لأنّ الفطرة تابعة للنّفقة إلاّ أنّ إمام الحرمين من الشّافعيّة يرى وجوبها على الزّوجة‏.‏ أمّا إن أخدمها بعبده أو أمته فيجب عليه إخراج زكاة الفطر عنه بسبب ملكه له لا بسبب خدمته للزّوجة‏.‏

وقد اختلفت أقوال الشّافعيّة في حكم زكاة الفطر عن المرأة الّتي صحبت الزّوجة لتخدمها بنفقتها بإذنه، فالرّاجح عندهم عدم لزوم فطرتها عليه، لأنّها في معنى المستأجرة‏.‏

وذهب الإمام الرّافعيّ إلى وجوب فطرتها، لأنّها تابعة للنّفقة‏.‏

خدمة الزّوجة لزوجها وعكسه

18 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الزّوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت، سواء أكانت ممّن تخدم نفسها أو ممّن لا تخدم نفسها‏.‏ إلاّ أنّهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة‏.‏ فذهب الجمهور الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة ‏"‏ إلى أنّ خدمة الزّوج لا تجب عليها لكنّ الأولى لها فعل ما جرت العادة به‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديانةً لا قضاءً، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم قسّم الأعمال بين عليّ وفاطمة رضي الله عنهما، فجعل عمل الدّاخل على فاطمة، وعمل الخارج على عليّ»‏.‏

ولهذا فلا يجوز للزّوجة - عندهم - أن تأخذ من زوجها أجراً من أجل خدمتها له‏.‏

وذهب جمهور المالكيّة وأبو ثور، وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجانيّ، إلى أنّ على المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة الّتي جرت العادة بقيام الزّوجة بمثلها، لقصّة عليّ وفاطمة رضي الله عنها، حيث «إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وعلى عليّ بما كان خارج البيت من الأعمال» ولحديث‏:‏ «لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أنّ رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها أن تفعل»‏.‏

قال الجوزجانيّ‏:‏ فهذه طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه‏؟‏

ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «كان يأمر نساءه بخدمته فيقول‏:‏ يا عائشة أطعمينا، يا عائشة هلمّي المدية واشحذيها بحجر»‏.‏

وقال الطّبريّ‏:‏ إنّ كلّ من كانت لها طاقة من النّساء على خدمة بيتها في خبز، أو طحن، أو غير ذلك أنّ ذلك لا يلزم الزّوج، إذا كان معروفاً أنّ مثلها يلي ذلك بنفسه‏.‏

19 - وبالنّسبة لخدمة الزّوج زوجته، فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز خدمة الرّجل الحرّ لزوجته ولها أن تقبل منه ذلك‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه يحرم على الزّوجة استخدام زوجها الحرّ بجعله خدمته لها مهراً، أمّا لو تزوّجها على أن يرعى غنمها سنةً أو يزرع أرضها فتسمية المهر صحيحة‏.‏

وتجوز خدمته لها تطوّعاً‏:‏ وقال الكاسانيّ‏:‏ لو استأجرت المرأة زوجها ليخدمها في البيت بأجر مسمّىً فهو جائز، لأنّ خدمة البيت غير واجبة على الزّوج، فكان هذا استئجاراً على أمر غير واجب على الأجير‏.‏

خدمة الكافر للمسلم

20 - اتّفق الفقهاء على جواز خدمة الكافر للمسلم‏.‏

واتّفقوا كذلك على جواز أن يؤجّر المسلم نفسه للكافر في عمل معيّن في الذّمّة، كخياطة ثوب وبناء دار، وزراعة أرض وغير ذلك، لأنّ عليّاً رضي الله عنه أجّر نفسه من يهوديّ يسقي له كلّ دلو بتمرة، وأخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره‏.‏

ولأنّ الأجير في الذّمّة يمكنه تحصيل العمل بغيره‏.‏

كما اتّفقوا على أنّه لا يجوز للمسلم أن يؤجّر نفسه للكافر لعمل لا يجوز له فعله، كعصر الخمر ورعي الخنازير وما أشبه ذلك‏.‏

واختلفوا في حكم خدمة المسلم للكافر بإجارة، أو إعارة أو غير ذلك‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى جواز ذلك، لأنّه عقد معاوضة فيجوز كالبيع، ولكن يكره للمسلم خدمة الكافر، لأنّ الاستخدام استذلال، فكان إجارة المسلم نفسه منه إذلالاً لنفسه، وليس للمسلم أن يذلّ نفسه بخدمة الكافر‏.‏

وأمّا المالكيّة فقد ذكر ابن رشد‏:‏ أنّ إجارة المسلم نفسه من النّصرانيّ واليهوديّ على أربعة أقسام‏:‏ جائزة، ومكروهة، ومحظورة، وحرام‏.‏

فالجائزة - هي - أن يعمل المسلم للكافر عملاً في بيت نفسه، كالصّانع الّذي يصنع للنّاس‏.‏

والمكروهة‏:‏ أن يستبدّ الكافر بجميع عمل المسلم من غير أن يكون تحت يده مثل أن يكون مقارضاً له، أو مساقياً، والمحظورة‏:‏ أن يؤجّر المسلم نفسه للكافر في عمل يكون فيه تحت يده كأجير الخدمة في بيته، وإجارة المرأة لترضع له ابنه وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها، فإن فاتت مضت، وكان له الأجرة‏.‏

والحرام‏:‏ أن يؤجّر نفسه منه فيما لا يحلّ من عمل الخمر، أو رعي الخنازير، فهذه تفسخ قبل العمل، فإن فاتت تصدق بالأجرة على المساكين‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى حرمة خدمة المسلم للكافر خدمةً مباشرةً، كصبّ الماء على يديه، وتقديم نعل له، وإزالة قاذوراته أو غير مباشرة كإرساله في حوائجه، سواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً‏}‏ ولصيانة المسلم عن الإذلال والامتهان‏.‏ ولكن يجوز إعارة المسلم أو إجارته للكافر مع الكراهة‏.‏

وفي إجارة المسلم للكافر يؤمر بإزالة يده عنه بأن يؤجّره لغيره ولا يمكّن من استخدامه وقيل‏:‏ بحرمة إجارة المسلم، أو إعارته للكافر واختاره السّبكيّ‏.‏

وذهب الحنابلة على الرّواية الصّحيحة إلى حرمة إجارة المسلم، أو إعارته للكافر لأجل الخدمة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً‏}‏‏.‏

ولأنّه عقد يتضمّن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله له‏.‏

وفي الرّواية الأخرى يجوز ذلك قيل‏:‏ مع الكراهة وقيل‏:‏ بدونها‏.‏

خذف

التّعريف

1 - الخذف لغةً‏:‏ رميك بحصاة، أو نواة تأخذها بين سبّابتيك، أو تجعل مخذفةً من خشب ترمي بها بين الإبهام والسّبّابة‏.‏

قال الأزهريّ‏:‏ الخذف‏:‏ الرّمي بالحصى الصّغار بأطراف الأصابع، وقال مثله الجوهريّ، وقال المطرّزيّ، وقيل‏:‏ أن تضع طرف الإبهام على طرف السّبّابة‏.‏ وخصّ بعضهم به الحصى، ويطلق على المقلاع أيضاً، وقال ابن سيده‏:‏ خذف الشّيء يخذف، فارسيّ‏.‏ ورمي الجمار يكون بمثل حصى الخذف، وهي صغار، وفي حديث رمي الجمار‏:‏ «عليكم بمثل حصى الخذف»، وحصى الخذف الصّغار مثل النّوى‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الحذف - الطّرح - القذف - الإلقاء‏:‏

2 - من معاني هذه الألفاظ الرّمي فهي تلتقي مع الخذف في هذا المعنى، إلاّ أنّ الخذف رمي بكيفيّة خاصّة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

3 - الأصل في بيان حكم الخذف، ما روي عن عبد اللّه بن مغفّل المزنيّ قال‏:‏ «نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الخذف، قال‏:‏ إنّه لا يقتل الصّيد، ولا ينكأ العدوّ، وإنّه يفقأ العين ويكسر السّنّ»‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في حكم الخذف فمنهم من ذهب إلى أنّ الخذف محرّم على الإطلاق، قال القاضي عياض‏:‏ نهى عن الخذف، لأنّه ليس من آلات الحرب الّتي يتحرّز بها، ولا من آلات الصّيد لأنّها ترضّ، وقتيلها وقيذ، ولا ممّا يجوز اللّهو به مع ما فيه من فقء العين وكسر السّنّ‏.‏ ومنهم من نظر إلى ما يمكن أن يكون فيه من مصلحة - قال النّوويّ -‏:‏ في هذا الحديث النّهي عن الخذف، لأنّه لا مصلحة فيه، ويخاف مفسدته، ويلتحق به كلّ ما شاركه في هذا، ثمّ قال‏:‏ وفيه أنّ ما كان فيه مصلحة أو حاجة في قتال العدوّ، وتحصيل الصّيد فهو جائز، ومن ذلك رمي الطّيور الكبار بالبندق إذا كان لا يقتلها غالباً بل تدرك حيّةً وتذكّى فهو جائز‏.‏

وقال ابن حجر‏:‏ صرّح مجلّي في الذّخائر بمنع الرّمي بالبندقيّة، وبه أفتى ابن عبد السّلام، وجزم النّوويّ بحلّه، لأنّه طريق إلى الاصطياد، قال ابن حجر‏:‏ والتّحقيق التّفضيل، فإن كان الأغلب من حال الرّمي ما ذكر من الحديث امتنع، وإن كان عكسه جاز، ولا سيّما إن كان الرّمي ممّا لا يصل إليه الرّمي إلاّ بذلك ثمّ لا يقتله غالباً‏.‏

وفي شرح منتهى الإرادات‏:‏ كره الشّيخ تقيّ الدّين الرّمي ببندق مطلقاً لنهي عثمان، قال ابن منصور وغيره‏:‏ لا بأس ببيع البندق يرمى بها الصّيد لا للّعب‏.‏

هذا وقد ذكر الفقهاء ما يدلّ على جواز الرّمي بالأحجار في حال القتال، أو في حال التّدريب، أو المسابقة بغير عوض‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالخذف

أوّلاً‏:‏ في رمي الجمار

4 - رمي الجمار بالحصى من شعائر الحجّ‏.‏ والأصل في ذلك ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم من حديث الفضل بن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ «عليكم بحصى الخذف الّذي يرمى به الجمرة» «وقوله لعبد اللّه بن العبّاس غداة العقبة وهو على راحلته‏:‏ هات القط لي فلقطت له حصيات هي حصى الخذف، فلمّا وضعتهنّ في يده قال‏:‏ بأمثال هؤلاء، وإيّاكم والغلوّ في الدّين، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين»‏.‏

وعن عبد الرّحمن بن معاذ رضي الله تعالى عنه أنّه قال‏:‏ «خطبنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونحن بمنىً ففتحت أسماعنا، حتّى كنّا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلّمهم مناسكهم حتّى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السّبّابتين، ثمّ قال‏:‏ بحصى الخذف»‏.‏ وقد اختلف الفقهاء في المقصود بالخذف في هذه الأحاديث‏.‏ هل هو بيان قدر الحصاة، أو هو بيان كيفيّة الرّمي، أو هما معاً‏؟‏‏.‏

5 - أمّا بالنّسبة لبيان الكيفيّة فقد ذهب الفقهاء في الجملة إلى أنّ الرّمي يصحّ بطريقة الخذف لكنّ الأصحّ والأيسر أن يضع الحصاة بين طرفي السّبّابة والإبهام من اليد اليمنى ويرمي‏.‏ وأورد الحنفيّة الكيفيّات التّالية‏:‏

أ - أن يضع الإنسان طرف إبهامه اليمنى على وسط السّبّابة، ويضع الحصاة على ظهر الإبهام كأنّه عاقد سبعين فيرمي الجمرة‏.‏

ب - أن يحلّق سبّابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنّه عاقد عشرةً‏.‏

قال في فتح القدير إنّ هذه الصّورة‏:‏ وهذا في التّمكّن من الرّمي به مع الزّحمة عسر‏.‏

ج - أن يأخذ الحصاة بطرفي إبهامه وسبّابته‏.‏

قال الحنفيّة عن هذه الصّورة الأخيرة‏:‏ هذا هو الأصل والأصحّ والأيسر المعتاد، قالوا‏:‏ ولم يقم دليل على أولويّة تلك الكيفيّة ‏"‏ أي الّتي فيها خذف ‏"‏ سوى قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏

«ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف»

وهذا لا يدلّ ولا يستلزم كون كيفيّة الرّمي المطلوبة كيفيّة الخذف، وإنّما الحديث يدلّ على تعيين ضابط مقدار الحصاة إذ كان مقدار ما يخذف به معلوماً لهم، وأمّا ما زاد في رواية صحيح مسلم بعد قوله‏:‏ عليكم بحصى الخذف من قوله‏:‏ ويشير بيده كما يخذف الإنسان، يعني عندما نطق بقوله‏:‏ عليكم بحصى الخذف أشار بصورة الخذف بيده، فليس يستلزم طلب كون الرّمي بصورة الخذف، لجواز كونه يؤكّد كون المطلوب حصى الخذف، كأنّه قال‏:‏ خذوا حصى الخذف الّذي هو هكذا، ليشير أنّه لا تجوز في كونه حصى الخذف، وهذا لأنّه لا يعقل في خصوص وضع الحصاة في اليد على هذه الهيئة وجه قربة، فالظّاهر أنّه لا يتعلّق به غرض شرعيّ، بل بمجرّد صغر الحصاة، ولو أمكن أن يقال‏:‏ فيه إشارة إلى كون الرّمي خذفاً، عارضه كونه وضعًا غير متمكّن، واليوم يوم زحمة يوجب نفي غير المتمكّن‏.‏

أمّا المالكيّة فقد ذكروا التّعريف اللّغويّ للخذف، وهو كما قالوا‏:‏ كانت العرب ترمي بالحصى في الصّغر على وجه اللّعب تجعلها بين السّبّابة والإبهام من اليسرى ثمّ تقذفها بسبّابة اليمنى أو تجعلها بين سبّابتيها‏.‏

ثمّ قال الصّاويّ‏:‏ وليست هذه الهيئة مطلوبةً في الرّمي، وإنّما المطلوب أخذ الحصاة بسبّابته وإبهامه من اليد اليمنى ورميها‏.‏ وهم بذلك يوافقون الحنفيّة في الكيفيّة‏.‏

واختلفت الأقوال عند الشّافعيّة، فقد ذكروا هيئة الخذف وهي‏:‏ وضع الحصى على بطن الإبهام ورميه برأس السّبّابة، ثمّ قالوا‏:‏ إنّها مكروهة وهذا ما جاء في نهاية المحتاج، وحاشية الجمل، وحواشي تحفة المحتاج، ومغني المحتاج، واستدلّوا للكراهة بالنّهي الصّحيح عن الخذف، وهذا يشمل الحجّ وغيره، قالوا‏:‏ والأصحّ كما في الرّوضة والمجموع أن يرمي الحصى على غير هيئة الخذف‏.‏ لكن يظهر أنّ مقابل الأصحّ هو ما ذكروه عن الرّافعيّ، فقد قالوا‏:‏ وصحّح الرّافعيّ ندب هيئة الخذف‏.‏

أمّا الحنابلة فلم يذكروا للرّمي كيفيّةً خاصّةً‏.‏ هذا بالنّسبة للكيفيّة‏:‏

6 - أمّا بالنّسبة لمقدار الحصاة الّتي ترمى بها الجمار، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ حديث‏:‏

«ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف»‏.‏ ونحوه من الأحاديث بيّنت قدر الحصاة بأن تكون صغيرةً كالّتي يخذفها بها، ولكنّهم اختلفوا في تقدير الصّغر، والمختار عند الحنفيّة أنّها مقدار الباقلاّ، أي قدر الفولة، وقيل‏:‏ قدر الحمّصة، أو النّواة، أو الأنملة‏.‏

قال في النّهر‏:‏ وهذا بيان المندوب، وأمّا الجواز فيكون ولو بالأكبر مع الكراهة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ قدر الفول، أو النّواة، أو دون الأنملة، ولا يجزئ الصّغير جدّاً كالحمّصة، ويكره الكبير خوف الأذيّة ولمخالفته السّنّة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ حصاة الرّمي دون الأنملة طولاً وعرضاً في قدر حبّة الباقلاّ - ويجزئ عندهم الرّمي بأصغر أو أكبر مع الكراهة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ ما كان أكبر من الحمّص ودون البندق، وإن رمى بحجر أكبر، فقد روي عن أحمد أنّه قال‏:‏ لا يجزئه حتّى يأتي بالحصى على ما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بهذا المقدار في قوله‏:‏ «بأمثال هؤلاء‏.‏‏.‏‏.‏» ونهى عن تجاوزه، والأمر يقتضي الوجوب، والنّهي يقتضي فساد المنهيّ عنه، ولأنّ الرّمي بالكبير من الحصى ربّما آذى من يصيبه‏.‏ قال في المغني‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ تجزئه مع تركه للسّنّة، لأنّه قد رمى بالحجر‏.‏ وكذلك الحكم في الصّغير‏.‏ وفي كشّاف القناع وشرح منتهى الإرادات‏:‏ لا تجزئ حصاة صغيرة جدّاً، أو كبيرة لظاهر الخبر‏.‏

كما اختلف الفقهاء في نوع الحصى وفي ذلك تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏رمي - جمار - حجّ‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ في الصّيد

7 - لا يحلّ الصّيد بحصى الخذف لأنّه وقيذ، وفي رمي الصّيد بغيره خلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صيد‏)‏‏.‏