فصل: خرس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


خرس

التّعريف

1 - الخرس مصدر خرس، يقال‏:‏ خرس الإنسان خرساً، إذا منع الكلام خلقةً، أي خلق ولا نطق له‏.‏ أو ذهب كلامه عيّاً‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

اعتقال اللّسان‏:‏

2 - الاعتقال‏:‏ الحبس، واعتقل لسانه‏:‏ إذا حبس ومنع الكلام‏.‏

والمعتقل اللّسان وسط بين الأخرس والنّاطق‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالأخرس

إسلام الأخرس

3 - يصير الكافر مسلماً بالإذعان بالقلب والنّطق بالشّهادتين إن كان قادراً على النّطق، فإن كان عاجزًا عن النّطق لخرس، فإنّه يكتفى في إسلامه بالإشارة مع قيام القرائن على أنّه أذعن بقلبه‏.‏ وهذا مذهب المالكيّة والصّحيح عند الشّافعيّة‏.‏ وهو ما استظهره ابن نجيم من الحنفيّة، قال‏:‏ والظّاهر صحّة إسلام الأخرس بالإشارة، ولم أر الآن فيها نقلاً صريحاً‏.‏ ومقابل الصّحيح عند الشّافعيّة اشتراط صلاة الأخرس بعد إسلامه بالإشارة‏.‏

جاء في روضة الطّالبين‏:‏ يصحّ إسلام الأخرس بالإشارة المفهمة، وقيل‏:‏ لا يحكم بإسلامه إلاّ إذا صلّى بعد الإشارة، وهو ظاهر نصّه في الأمّ، والصّحيح المعروف الأوّل، وحمل النّصّ على ما إذا لم تكن الإشارة مفهمةً‏.‏

تكبير الأخرس وقراءته في الصّلاة

4 - تشتمل الصّلاة على أقوال وأفعال، ومن الأقوال ما هو فرض، كتكبيرة الإحرام والقراءة، ومنها ما هو سنّة كالتّكبيرات الأخرى‏.‏

فمن كان عاجزاً عن النّطق لخرس تسقط عنه الأقوال، وهذا باتّفاق الفقهاء‏.‏

واختلفوا في وجوب تحريك لسانه بالتّكبير والقراءة‏.‏ فعند المالكيّة والحنابلة - عدا القاضي - وهو الصّحيح عند الحنفيّة، لا يجب على الأخرس تحريك لسانه، وإنّما يحرم للصّلاة بقلبه، لأنّ تحريك اللّسان عبث، ولم يرد الشّرع به‏.‏

وعند الشّافعيّة يجب على الأخرس تحريك لسانه، وشفتيه، ولهاته بالتّكبير قدر إمكانه، قال في المجموع‏:‏ وهكذا حكم تشهّده، وسلامه، وسائر أذكاره، قال ابن الرّفعة‏:‏ وإن عجز عن ذلك نواه بقلبه كالمريض‏.‏

لكن يظهر أنّ هذا عند الشّافعيّة بالنّسبة للخرس الطّارئ، أمّا الخرس الخلقيّ فلا يجب معه تحريك شيء‏.‏ ونحو ذلك قال القاضي من الحنابلة‏.‏

وقال ابن نجيم‏:‏ إنّ تحريك لسان الأخرس في تكبيرة الافتتاح والتّلبية لازم على القول به، أو على المفتى به، وأمّا بالقراءة فلا على المختار‏.‏

الاقتداء بالأخرس

5 - لا يجوز اقتداء النّاطق بالأخرس ولو كان النّاطق أمّيّ4اً، لأنّ الأخرس أسوأ حالاً من الأمّيّ لقدرة الأمّيّ على التّحريمة، وعجز الأخرس عن الإتيان بالتّحريمة والقراءة، وهذا باتّفاق الفقهاء‏.‏ لكنّهم اختلفوا في اقتداء الأخرس بأخرس مثله‏.‏

فعند الحنفيّة والمالكيّة يجوز اقتداء الأخرس بأخرس مثله لتساويهما في العجز‏.‏

وعند الشّافعيّة والحنابلة لا يجوز اقتداء الأخرس بأخرس مثله لجواز أن يحسن أحدهما ما لا يحسنه الآخر، أو أنّه قد يكون لأحدهما قوّة بحيث لو كان ناطقًا أحسن ما لا يحسنه الآخر‏.‏

إشارة الأخرس في الصّلاة

6 - من المقرّر أنّ الكلام في الصّلاة يبطلها، فهل تعتبر إشارة الأخرس في الصّلاة مثل كلام النّاطق‏؟‏ في قول عند المالكيّة وهو الصّحيح عند الشّافعيّة‏:‏ أنّها لا تبطل بإشارة الأخرس، لأنّ الإشارة في الصّلاة جائزة من النّاطق‏.‏

واعتبر الحنابلة الإشارة فعلاً لا قولاً، فلا تبطل الصّلاة بها إلاّ إذا كثرت عرفًا وتوالت‏.‏

وفي القول الثّاني عند المالكيّة وهو مقابل الصّحيح عند الشّافعيّة‏:‏ إنّ الصّلاة تبطل بإشارة الأخرس، لأنّ إشارته كالكلام‏.‏ وفي قول ثالث عند المالكيّة‏:‏ إن قصد الكلام تبطل صلاته، وإن لم يقصد لم تبطل‏.‏ والّذي يظهر من كلام الحنفيّة أنّ الصّلاة لا تبطل عندهم بالإشارة‏.‏ كما قال الحصكفيّ‏:‏ لا بأس بتكليم المصلّي وإجابته برأسه، كما لو طلب منه شيء أو أري درهماً، وقيل‏:‏ أجيّد‏؟‏ فأومأ بنعم أو لا، أو قيل كم صلّيتم‏؟‏ فأشار بيده أنّهم صلّوا ركعتين‏.‏

ذبح الأخرس وصيده

7 - يختلف الفقهاء في كون التّسمية عند الذّبح والصّيد واجبةً أو سنّةً‏.‏

ولكنّهم يتّفقون على حلّ ذبيحة الأخرس وصيده مع عدم تسميته لعدم قدرته على النّطق‏.‏

إلاّ أنّ الحنابلة قالوا‏:‏ إن كان المذكّي أخرس أومأ برأسه إلى السّماء، ولو أشار إشارةً تدلّ على التّسمية، وعلم أنّه أراد التّسمية، كان فعله كافيًا لقيام إشارته مقام نطقه‏.‏

وقالوا في الصّيد‏:‏ لا تعتبر التّسمية من الأخرس عند إرسال السّهم والجارحة لتعذّرها منه، والظّاهر أنّه لا بدّ من إشارته بها، كما تقدّم في الذّكاة لقيام إشارته مقام نطقه‏.‏

وما قاله الحنابلة هو رأي عند الشّافعيّة‏.‏

جاء في المجموع‏:‏ الأخرس إن كانت له إشارة مفهومة حلّت ذبيحته بالاتّفاق، وإن لم تكن له إشارة مفهومة فطريقان‏:‏ المذهب الحلّ أيضاً، وبه قطع الأكثرون، والرّأي الثّاني أنّه يعتبر كالمجنون، وبهذا الرّأي قطع البغويّ والرّافعيّ‏.‏

تصرّفات الأخرس

8 - إذا كان للأخرس إشارة معلومة مفهومة، فإنّها تقوم مقام عبارته في تصرّفاته العقديّة كالبيع والإجارة، والهبة، والرّهن، والضّمان، والنّكاح، وغير ذلك‏.‏ وكذلك في الحلول كالطّلاق والعتاق والإبراء‏.‏ فالإشارة تعتبر حجّةً في حقّ الأخرس، لأنّ الشّارع تعبّد النّاطقين بالعبارة، فإذا عجز الأخرس عن العبارة أقامت الشّريعة إشارته مقام عبارته‏.‏ وكذلك تقوم الكتابة المستبينة المرسومة - أي الّتي تكتب على النّحو الّذي تعارفه النّاس - مقام عبارته في هذه التّصرّفات، لأنّ الكتابة زيادة بيان‏.‏

وهذا قدر متّفق عليه بين الفقهاء إلاّ أنّ هناك تقييدات تنظر في مصطلح ‏(‏إشارة‏)‏‏.‏

طلاق الأخرس

9 - ذهب الفقهاء إلى أنّ طلاق الأخرس بإشارته المفهمة يقع، وفصّل الشّافعيّة والحنابلة فقالوا‏:‏ إنّ إشارة الأخرس بالطّلاق إن فهم طلاقه بها كلّ أحد، فصريحة، وإن اختصّ بفهم الطّلاق منها بعض النّاس دون بعض فهي كناية تحتاج إلى نيّة‏.‏

لعان الأخرس

10 - يختلف الفقهاء في اعتبار إشارة الأخرس أو كتابته في اللّعان، وقيامها مقام عبارة النّاطق‏.‏ فعند جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة وهو المعتمد في المذهب عند الحنابلة - إن كان للأخرس ‏"‏ زوجاً أو زوجةً ‏"‏ إشارة مفهومة صحّ لعانه بالإشارة، كما يصحّ بالكتابة، ويكرّر الإشارة أو الكتابة كالنّاطق الّذي يكرّر اللّفظ‏.‏

ويترتّب على لعان الأخرس أو الخرساء عند الجمهور، ما يترتّب على لعان النّاطق من أحكام، كسقوط الحدّ، ونفي النّسب وغير ذلك‏.‏ ولو لاعن الأخرس بالإشارة، أو الكتابة ثمّ انطلق لسانه فتكلّم فأنكر اللّعان، أو قال‏:‏ لم أرده فعند الشّافعيّة والحنابلة يقبل قوله فيما عليه فيطالب بالحدّ، ويلحقه النّسب، ولا يقبل قوله فيما له، فلا ترتفع الفرقة والتّحريم المؤبّد، وله أن يلاعن في الحال لإسقاط الحدّ، ولنفي الولد إن لم يفت زمن النّفي‏.‏

وعند المالكيّة لا يقبل إنكاره مطلقاً‏.‏

وذهب الحنفيّة وبعض الحنابلة إلى أنّه لا يصحّ اللّعان من الأخرس أو الخرساء، لا بالإشارة ولا بالكتابة، لأنّ اللّعان لفظ يفتقر إلى الشّهادة فلم يصحّ من الأخرس، لأنّه لا يتأتّى منه لفظ الشّهادة، وسواء أكانا أخرسين أم أحدهما‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لو تلاعن الزّوجان وهما ناطقان، ثمّ زالت أهليّة اللّعان قبل التّفريق بخرسهما، أو خرس أحدهما بطل اللّعان، ولا تفريق، ولا حدّ لدرئه بالشّبهة‏.‏

إقرار الأخرس

11 - تعتبر الإشارة من الأخرس إذا كانت مفهومةً قائمةً مقام العبارة في إقراره، وكذا الكتابة منه، ويؤخذ بذلك في كلّ ما أقرّ به من حقوق العباد بما في ذلك القصاص‏.‏

وهذا باتّفاق الفقهاء إلاّ في قول عند الحنفيّة‏:‏ إنّ القصاص لا يثبت بإقرار الأخرس‏.‏

واختلف في إقرار الأخرس بما يوجب الحدّ كالقذف والزّنى والسّرقة‏.‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو ثور وابن المنذر إلى أنّ الأخرس يؤخذ بإقراره بما يوجب الحدّ، لأنّ من صحّ إقراره بغير ما يوجب الحدّ صحّ إقراره بما يوجبه كالنّاطق‏.‏

وذهب الحنفيّة - وهو احتمال لكلام الخرقيّ من الحنابلة ذكره صاحب المغني - إلى أنّ الأخرس لا تعتبر إشارته أو كتابته في إقراره بما يوجب الحدّ، لأنّ الحدود تدرأ بالشّبهات لكونها حقّ اللّه تعالى‏.‏

وينظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏إقرار ف / 54 / 58، وحدّ، وقصاص‏)‏‏.‏

شهادة الأخرس

12 - ذهب الحنفيّة والحنابلة - وهو الأصحّ عند الشّافعيّة - إلى أنّ شهادة الأخرس لا تقبل، لأنّ مراعاة لفظ الشّهادة شرط صحّة أدائها، ولا عبارة للأخرس أصلاً، فلا تقبل شهادته ولو فهمت إشارته، لأنّ الشّهادة يعتبر فيها اليقين، ولذلك لا يكتفى بإشارة النّاطق‏.‏ لكن قال الحنابلة‏:‏ إذا أدّى الأخرس الشّهادة بخطّه فإنّها تقبل‏.‏

وعند المالكيّة ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة تقبل شهادة الأخرس ويؤدّيها بإشارة مفهمة أو كتابة، فإذا قطع الحاكم بفهم مقصوده من إشارته حكم بها، لأنّ الشّهادة علم يؤدّيه الشّاهد إلى الحاكم، فإذا فهم عنه بطريق يفهم عن مثله قبلت منه، كالنّطق إذا أدّاها بالصّوت‏.‏

قضاء الأخرس وفتياه

13 - النّطق من الصّفات الّتي يجب توافرها فيمن يتولّى القضاء، لأنّ الأخرس لا يمكنه النّطق بالحكم، ولا يفهم جميع النّاس إشارته وهذا باتّفاق عدا وجه مقابل للصّحيح عند الشّافعيّة‏.‏

ويرى الحنفيّة والحنابلة وهو الصّحيح عند الشّافعيّة أنّ صفة النّطق شرط فلا يجوز تولية الأخرس القضاء ولا يصحّ قضاؤه‏.‏

واعتبر المالكيّة صفة النّطق واجباً غير شرط في الابتداء والدّوام، ولذا يجب عزله‏.‏ لكن إن وقع وحكم نفذ حكمه‏.‏

وذكر ابن أبي الدّم أنّ في ولاية الأخرس على القضاء قولًا آخر للشّافعيّة بصحّتها إذا فهمت إشارته‏.‏ أمّا بالنّسبة للإفتاء فإنّه تصحّ فتوى الأخرس وذلك حيث فهمت إشارته‏.‏

يمين الأخرس

14 - اختلف الفقهاء في اعتبار إشارة الأخرس في اليمين‏.‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى صحّة الأيمان من الأخرس بالإشارة إذا كان يفهم ويفهم عنه‏.‏ قال الحنفيّة‏:‏ يستحلف الأخرس فيقول له القاضي‏:‏ عليك عهد اللّه إن كان لهذا عليك هذا الحقّ‏؟‏، ويشير الأخرس برأسه‏:‏ أي نعم‏.‏

واختلفت أقوال فقهاء الشّافعيّة بين انعقاد اليمين بالإشارة وعدم انعقادها‏.‏

فالقول بعدم انعقاد اليمين بالإشارة ذكره السّيوطيّ، قال‏:‏ تعتبر إشارة الأخرس في الدّعاوى ولا ينعقد بها الأيمان إلاّ اللّعان‏.‏

وصرّح الزّركشيّ في قواعده بذلك فقال‏:‏ إشارة الأخرس كنطقه إلاّ في مسائل، ومنها‏:‏ حلف بالإشارة لا تنعقد يمينه‏.‏

وأمّا القول بانعقاد يمين الأخرس إذا فهمت إشارته فقد ذكره الزّركشيّ عقب كلامه بعدم الانعقاد فقال‏:‏ وفي البيان في كتاب الأقضية قال الشّافعيّ رحمه الله في الأمّ‏:‏ إن كان قد وجب عليه يمين وهو أخرس لا تفهم إشارته وقف اليمين إلى أن تفهم إشارته، وإن سأل المدّعي أن تردّ عليه اليمين لم تردّ، لأنّه لم يتحقّق نكوله‏.‏

وفي حاشية الجمل قال‏:‏ وقع للزّركشيّ في القواعد عدم انعقاد يمين الأخرس بالإشارة، والّذي يظهر خلافه أخذاً ممّا صرّحوا به في انعقاد لعانه بالإشارة، ومن قولهم‏:‏ إنّ إشارته مثل العبارة إلاّ في ثلاثة مواضع‏:‏ بطلان الصّلاة فلا تبطل بالإشارة، والحنث، والشّهادة‏.‏ قال الجمل‏:‏ ثمّ رأيت محمّداً الرّمليّ اعتمد انعقاد يمينه بالإشارة‏.‏

واختلفت أيضاً أقوال فقهاء الحنابلة‏.‏ ففي مطالب أولي النّهى الحلف بألفاظ مخصوصة‏.‏

فدلّ على عدم انعقاد يمين الأخرس ثمّ قال‏:‏ لكن صرّح في الفروع في باب صلاة الجمعة بانعقاد اليمين منه كالنّيّة‏.‏

وصرّح ابن قدامة في المغني بانعقاد يمين الأخرس فقال‏:‏ إن توجّهت يمين على ورثة وفيهم أخرس مفهوم الإشارة حلف وأعطي حصّته، وإن لم تفهم إشارته وقف حقّه‏.‏

الخرس بسبب الجناية

15 - اللّسان آلة الكلام، والاعتداء على الإنسان بما يفقده النّطق ويجعله أخرس، إمّا أن يكون بقطع اللّسان، أو بضرب يؤدّي إلى ذهاب الكلام مع بقاء اللّسان‏.‏

وذلك إمّا أن يكون عمدًا أو خطأً، وفي موجب ذلك من قصاص أو دية خلاف وتفصيل يرجع إليه في ‏(‏جناية على ما دون النّفس، ودية‏)‏‏.‏

الجناية على لسان الأخرس

16 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو قول عند الحنابلة‏:‏ إلى أنّ في لسان الأخرس حكومة عدل، لأنّه لا قصاص فيه وليس له أرش مقدّر لعدم فوات المنفعة، وإنّما وجبت حكومة عدل تشريفاً للآدميّ، لأنّ اللّسان جزء منه‏.‏

وقيّد الشّافعيّة ذلك بأن لا يذهب بقطعه الذّوق، وإلاّ ففيه الدّية‏.‏

وفي القول الثّاني للحنابلة‏:‏ إنّ فيه ثلث الدّية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضى في العين العوراء السّادّة لمكانها إذا طمست بثلث ديتها، وفي اليد الشّلّاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السّنّ السّوداء إذا نزعت بثلث ديتها»‏.‏ وهذا إذا كانت الجناية خطأً أو كانت عمداً من ناطق‏.‏

فإن كانت الجناية من أخرس على أخرس عمدًا، فقد نصّ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إذا أمنت السّراية على وجوب القصاص للمماثلة والتّكافؤ، وقواعد الشّافعيّة لا تأبى ذلك، أمّا الحنفيّة فلا قصاص عندهم أصلاً في اللّسان‏.‏

خرص

التّعريف

1 - الخرص لغةً‏:‏ القول بالظّنّ، ويطلق على الكذب‏:‏ ومنه قول الحقّ تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏قُتِلَ الخَرَّاصُونَ‏}‏، ويطلق على حزر ما على النّخل والكرم من الثّمار تمراً أو زبيباً‏.‏

وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أمر بالخرص في النّخل والكرم خاصّةً»‏.‏

والاصطلاح الشّرعيّ لا يختلف عن ذلك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - التّخمين، والحدس، والتّحرّي متقاربة المعنى، وهي تحديد الشّيء بالظّنّ والتّقدير، فهي كالخرص في بعض إطلاقاته‏.‏

الحكم التّكليفيّ

أوّلاً‏:‏ الخرص فيما تجب فيه الزّكاة

3 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يستحبّ للإمام خرص الثّمار على رءوس النّخل والكرم خاصّةً بعد بدوّ صلاحها، لتحديد قدرها وقدر الزّكاة فيها‏.‏

فيبعث ساعيه ليخرص الثّمار على رؤوس النّخل والكرم بعد بدوّ صلاحها، ليعلم بالخرص والتّقدير نصاب الزّكاة، والقدر الواجب إخراجه‏.‏

ويشترط المالكيّة لذلك‏:‏ أن يحتاج أصحاب الثّمار إلى التّصرّف فيها، أمّا إذا لم يحتاجوا إلى التّصرّف فيها، فينتظر جفاف ما يجفّ من الثّمار وتخرج زكاته تمراً أو زبيباً، وما لا يجفّ ينتظر جذّه ثمّ يكال البلح، ويوزن العنب، ثمّ يقدّر جفافهما إذا شكّ في بلوغهما النّصاب‏.‏ واستدلّ جمهور الفقهاء لمشروعيّة الخرص‏:‏ بما روى التّرمذيّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمر أن يخرص العنب كما يخرص النّخل، وتؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ صدقة النّخل تمراً»‏.‏

وعند الشّافعيّة قول بوجوب الخرص لظاهر الحديث‏.‏

وقال الخطّابيّ‏:‏ أثبت الحديث النّبويّ الخرص والعمل به، وهو قول عامّة أهل العلم إلاّ ما روي عن الشّعبيّ أنّه قال‏:‏ الخرص بدعة، وأنكر أصحاب الرّأي - يعني الحنفيّة - الخرص، وقال بعضهم‏:‏ إنّما كان ذلك الخرص تخويفًا للأكرة لئلاّ يخونوا، فأمّا أن يلزم به حكم فلا، وذلك أنّه ظنّ وتخمين وفيه غرر، وإنّما كان جوازه قبل تحريم الرّبا والقمار‏.‏

وقت الخرص

4 - لا خلاف بين من يرى مشروعيّة الخرص في أنّه يكون حين يطيب الثّمر ويبدو صلاحه، لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ «إنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد اللّه بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص عليهم النّخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه»‏.‏

ولأنّ المقصود من الخرص معرفة قدر الزّكاة، وإطلاق تصرّف أرباب الثّمار في التّصرّف فيها، ممّا تدعو إليه الحاجة‏.‏

ما شرع فيه الخرص

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الخرص لا يكون في غير النّخل والكرم، لورود الأثر فيهما، فلا يخرص الحبّ في سنبله، ولا الزّيتون لأنّه لم يرد فيهما أثر، وليسا في معنى المنصوص حتّى يقاسا عليه، والحبّ مستور في سنبله، وحبّ الزّيتون متفرّق في شجره لا يجمعه عنقود فيصعب خرصه، ولا حاجة بأهله إلى أكله غالباً، بخلاف التّمر والعنب، فإنّهما يؤكلان رطباً، فيخرص على أهله للتّوسعة عليهم ليخلّى بينهم، وبين أكل الثّمرة، والتّصرّف فيه، ثمّ يؤدّون الزّكاة منها على ما خرص‏.‏

ولأنّ ثمرة الكرم، والنّخل ظاهرة مجتمعة، فخرصها أسهل، من خرص غيرها‏.‏

وعند المالكيّة قول‏:‏ بجواز خرص غير التّمر، والعنب إذا احتاج أهله، أو كانوا غير أمناء‏.‏ وقال الزّهريّ والأوزاعيّ واللّيث‏:‏ يخرص الزّيتون ونحوه، لأنّه ثمر تجب فيه الزّكاة فيخرص كالرّطب والعنب‏.‏

حكم التّصرّف في الثّمار قبل الخرص، وبعده

6 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّه يحرم التّصرّف بالأكل أو البيع، أو الهبة في شيء من الثّمار قبل الخرص، أو التّضمين والقبول لتعلّق حقّ الفقراء بها، ولكن إن تصرّف في الكلّ، أو البعض شائعاً صحّ فيما عدا نصيب المستحقّين‏.‏ أمّا بعد الخرص والتّضمين، وقبول المالك التّضمين فلا تحريم، لانتقال الحقّ من العين إلى الذّمّة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى جواز التّصرّف في الثّمار قبل الخرص وبعده بالبيع، والهبة وغيرهما، فإن باع، أو وهب بعد بدوّ الصّلاح، فالزّكاة على البائع والواهب إلاّ أن يشترطها على المبتاع، وإنّما وجبت على البائع، لأنّها كانت واجبةً عليه قبل البيع، فبقي على ما كان عليه، ويفهم من كلام المالكيّة نحو كلام الحنابلة‏.‏

شروط الخارص

7 - يكفي في الخرص خارص واحد باتّفاق من يرى مشروعيّة الخرص وهم الشّافعيّة والمالكيّة، والحنابلة‏.‏ لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصًا أوّل ما تطيب الثّمار» ولأنّه كالحاكم، ويعمل باجتهاده‏.‏

وعند الشّافعيّة قول‏:‏ باشتراط تعدّد الخارص، لأنّ الخرص كالتّقويم والشّهادة، وكلاهما يشترط فيه التّعدّد‏.‏

ويشترط أن يكون الخارص أميناً غير متّهم، عدلاً، عارفاً بالخرص، وتشترط الذّكورة والحرّيّة عند الشّافعيّة، في الأصحّ، لأنّ الخرص ولاية، وليس الرّقيق، والمرأة من أهلها‏.‏

صفة الخرص

8 - تختلف صفة الخرص باختلاف الثّمر، فإن كان نوعاً واحداً، فإنّ الخارص يشاهد كلّ واحدة من الأشجار وينظر، كم في الجميع رطباً أو عنباً، ثمّ يقدّر ما يجيء منها تمراً وزبيباً، وإن كان أنواعاً خرص كلّ نوع على حدة، لأنّ الأنواع تختلف، ولأنّه يحتاج إلى معرفة قدر كلّ نوع حتّى يخرج عشره‏.‏

هل يترك الخارص شيئًا للمالك عند الخرص‏؟‏

9 - ذهب الحنابلة إلى أنّه يجب على الخارص أن يترك في الخرص الثّلث، أو الرّبع على حسب الحاجة، توسعةً على أرباب الأموال، لأنّهم يحتاجون إلى الأكل، هم، وضيوفهم، ويطعمون جيرانهم، ونحوه للشّافعيّة بأنّه يترك للمالك ثمر نخلة أو نخلات، وقال ابن حبيب من المالكيّة‏:‏ يخفّف عن أهل الشّجر في الخرص‏.‏ واستدلّوا بحديث‏:‏ «إذا خرصتم فجذّوا ودعوا الثّلث، فإن لم تدعوا أو تجذّوا الثّلث فدعوا الرّبع» ولأنّه صلى الله عليه وسلم «كان يأمر بالتّخفيف للواطئة والسّاقطة واللّاقطة وما ينال العيال»‏.‏

ومذهب المالكيّة وهو المشهور عند الشّافعيّة عدم ترك شيء في الخرص لعموم الأدلّة، المقتضية لوجوب العشر، أو نصفه من غير استثناء‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يجمع الخارص الحائط ‏"‏ البستان ‏"‏ في الحزر، ولا يجزئه أرباعاً أو أثلاثاً، وكذا لا يجمع ما زاد على شجرة كالثّنتين والثّلاث ولو علم ما بها جملةً، هذا إذا اختلفت في الجفاف ولو كانت من صنف واحد‏.‏ فإن اتّحدت في الجفاف، جاز جمعها في الخرص‏.‏ وحملوا الحديث على الزّكاة، فيترك للمالك منها ذلك ليفرّقه على فقراء أهله، وجيرانه، لا من المخروص‏.‏

حقّ الفقراء بعد الخرص

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ حقّ الفقراء ينتقل من عين الثّمار إلى ذمّة المالك بعد الخرص، فيجوز للمالك التّصرّف في جميع الثّمار، ويكون حقّ الفقراء في ذمّته، فيخرجه في وقته تمراً أو زبيباً، ويشترط الشّافعيّة على المذهب عندهم لانتقال حقّ الفقراء إلى ذمّة المالك تضمين السّاعي عليه، وقبول المالك، كأن يقول له بعد الخرص‏:‏ ضمّنتك نصيب المستحقّين من الرّطب أو العنب بكذا تمراً أو زبيباً‏.‏

ويقبل المالك التّضمين، لأنّ الحقّ ينتقل من العين إلى الذّمّة، فلا بدّ من رضاهما، كالبائع، والمشتري، فإن لم يضمّنه أو ضمّنه ولم يقبل المالك، بقي حقّ الفقراء كما كان، متعلّقاً بعين الثّمار، وعندهم قول‏:‏ بانقطاع حقّ الفقراء، بنفس الخرص‏.‏ لأنّ التّضمين لم يرد في الحديث، وليس على حقيقة الضّمان، بدليل أنّه لو تلف بآفة سماويّة، أو سرق قبل الجفاف بلا تفريط من المالك، فلا شيء عليه قطعاً، وهو مذهب مالك وأحمد‏.‏

وذهب إمام الحرمين من الشّافعيّة إلى أنّه يكفي تضمين الخارص، ولا حاجة إلى قبول المالك‏.‏

تلف المخروص قبل إخراج الزّكاة

11 - ذهب الفقهاء القائلون بالخرص إلى أنّه إذا هلك المخروص بلا تفريط من المالك، قبل إخراج الزّكاة فلا شيء عليه إن لم يتمكّن من إخراجها، أمّا إذا تمكّن من الإخراج، وأخّره بدون عذر أو قصّر في الحفظ، فإنّه يضمن نصيب الفقراء بالخرص‏.‏

ادّعاء تلف المخروص

12 - إن ادّعى المالك تلف المخروص بغير تفريطه فالقول قوله، بغير يمين، سواء أكان قبل الخرص أم بعده، لأنّه من حقّ اللّه تعالى فلا يستحلف فيه كالصّلاة، والحدّ، هذا رأي مالك وأحمد‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن ادّعى هلاك المخروص بسبب خفيّ، كسرقة، أو بسبب ظاهر عرف حدوثه كحريق صدّق بيمينه، فإن لم يعلم حدوث السّبب الظّاهر طولب ببيّنة على القول الصّحيح عندهم، ثمّ يحلف على أنّها هلكت فيه لاحتمال سلامة ماله‏.‏ أمّا إذا ادّعى غلط الخارص أو حيفه وكان ما ادّعاه محتملاً قبل قوله، وإن لم يكن محتملًا لم يقبل منه‏.‏

ثانياً‏:‏ فرز أنصبة الشّركاء من الثّمار على الشّجر بالخرص

13 - ذهب المالكيّة - وهو الرّاجح عند الشّافعيّة إلى أنّه يجوز قسمة الثّمار على رءوس أشجار النّخيل، والكرم بالخرص، إذا طابت الثّمار وحلّ بيعها، واختلفت حاجة أهلها بأن احتاج بعضهم للأكل، والبعض الآخر للبيع، وذلك للضّرورة وسهولة حزرهما بخلاف غيرهما من الزّرع والثّمار، فلا يجوز الفرز بالخرص، كما تقدّم‏.‏

واستدلّوا بحديث عبد اللّه بن رواحة في الخرص على يهود خيبر المتقدّم ‏(‏ف / 4‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ البيع بالمجازفة

14 - لا خلاف بين الفقهاء في الجملة في جواز بيع الصّبرة جزافًا، وهو البيع بلا كيل ولا وزن، بالحدس والظّنّ، والتّخمين، اكتفاءً بالمشاهدة عن الكيل أو الوزن‏.‏

وشروط ذلك وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏جزاف، وعرايا، ومزابنة‏)‏‏.‏

خروج

التّعريف

1 - الخروج في اللّغة مصدر خرج يخرج خروجاً ومخرجاً، نقيض الدّخول‏.‏

والفقهاء يستعملون الخروج بمعناه اللّغويّ، ويستعملونه أيضاً بمعنى البغي، أي الخروج على الأئمّة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالخروج

للخروج أحكام تختلف باختلاف الخارج، وباختلاف ما يتعلّق به الخروج، أهمّها ما يلي‏:‏

الخارج من السّبيلين وغيرهما

2 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الخارج من السّبيلين إذا كان منيّاً خرج على وجه الدّفق والشّهوة، أو دم حيض أو نفاس، فإنّه موجب للغسل، وعلى أنّ غير المنيّ إذا كان معتاداً كالبول، أو الغائط، والرّيح، ينقض الوضوء، واختلفوا في غير المعتاد، فذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن عبد الحكم من المالكيّة ‏"‏ إلى أنّه ينقض الوضوء‏.‏ ويرى جمهور المالكيّة أنّ غير المعتاد كالدّود والحصى لا ينقض الوضوء‏.‏

وفي الخارج من غير السّبيلين خلاف وتفصيل ينظر في مواطنه من كتب الفقه‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

خروج القدم أو بعضها من الخفّ

3 - صرّح جمهور الفقهاء بأنّه يثبت حكم نزع الخفّ - وهو بطلان الوضوء أو المسح على خلاف فيه - بخروج القدم إلى ساق الخفّ، وكذا بخروج أكثر القدم في الصّحيح من مذهب الحنفيّة، والمالكيّة، لأنّ الاحتراز عن خروج القليل متعذّر، لأنّه ربّما يحصل بدون القصد، بخلاف الكثير، فإنّ الاحتراز عنه ليس بمتعذّر‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّه لو أخرجها من قدم الخفّ إلى السّاق لم يؤثّر إلاّ إذا كان الخفّ طويلاً خارجاً عن العادة، فأخرج رجله إلى موضع لو كان الخفّ معتاداً لظهر شيء من محلّ الفرض بطل مسحه بلا خلاف‏.‏

وعند الحنابلة للبعض حكم الكلّ فيبطل الوضوء بخروج القدم، أو بعضها إلى ساق خفّه‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏مسح الخفّ‏)‏‏.‏

الخروج من المسجد بعد الأذان

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر، أو نيّة رجوع إلى المسجد، إلاّ أن يكون التّأذين للفجر قبل الوقت، فلا يكره الخروج‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يحرم، قال أبو الشّعثاء‏:‏ «كنّا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة، فأذّن المؤذّن،فقام رجل في المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتّى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة‏:‏ أمّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم»، والموقوف في مثله كالمرفوع‏.‏ وتفصيل ذلك في كتب الفقه و ر‏:‏ مصطلح ‏(‏مسجد‏)‏‏.‏

خروج الإمام للخطبة

5 - إذا خرج الإمام وقام للخطبة استقبله النّاس، لأنّه به جرى التّوارث، ويحرم الكلام والإمام يخطب عند جمهور الفقهاء‏.‏

وأمّا الكلام بمجرّد خروجه وقبل أن يبدأ بالخطبة، فإنّه لا بأس به عند جمهور الفقهاء، وبه قال عطاء وطاوس والزّهريّ، والنّخعيّ، وروي ذلك عن ابن عمر، لأنّ المنع للإخلال بغرض الاستماع، ولا استماع هنا، وكرهه الحكم، وقال ابن عبد البرّ‏:‏ إنّ عمر وابن عبّاس كانا يكرهان الكلام، والصّلاة بعد خروج الإمام، ويحرم الكلام عند أبي حنيفة بمجرّد خروج الإمام‏.‏

وأمّا ترك الصّلاة فذهب الحنفيّة، والمالكيّة إلى أنّه لا تطوّع بعد خروج الإمام للخطبة، وبه قال شريح، وابن سيرين، والنّخعيّ، وقتادة، والثّوريّ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم

«قال للّذي يتخطّى رقاب النّاس‏:‏ اجلس، فقد آذيت وآنيت»‏.‏

ولأنّ الصّلاة تشغله عن استماع الخطبة فكره، كصلاة الدّاخل‏.‏

ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ينقطع التّطوّع بجلوس الإمام على المنبر، فلا يصلّي أحد غير الدّاخل، فمن دخل أثناء الخطبة استحبّ له أن يصلّي التّحيّة يخفّفها، إلاّ إذا كان الإمام في آخرها، فلا يصلّي لئلاّ يفوته أوّل الجمعة مع الإمام‏.‏

خروج المعتكف من المسجد

6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلاّ لحاجة الإنسان أو الجمعة، والدّليل على جواز ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يخرج من معتكفه إلاّ لحاجة الإنسان»‏.‏ وقالت رضي الله عنها‏:‏ «السّنّة للمعتكف ألاّ يخرج إلاّ لما لا بدّ منه»‏.‏

إلاّ أنّ الشّافعيّة قالوا‏:‏ يجب الخروج للجمعة ولكنّه يبطل به الاعتكاف، لإمكان الاعتكاف في الجامع، وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏اعتكاف‏)‏‏.‏

الخروج للاستسقاء

7 - اتّفق الفقهاء على أنّه يخرج الشّباب والشّيوخ والضّعفاء، والعجزة، وغير ذات الهيئة من النّساء، ويستحبّ أن يخرجوا مشاةً بتواضع وخشوع في ثياب خلقان، وأن يقدّموا الصّدقة كلّ يوم، وأن يكون ذلك بعد التّوبة إلى اللّه تعالى‏.‏

واختلفوا في خروج الكفّار وأهل الذّمّة على أقوال ينظر تفصيلها في مصطلح ‏(‏استسقاء‏)‏‏.‏

خروج المرأة من المنزل

8 - الأصل أنّ النّساء مأمورات بلزوم البيت منهيّات عن الخروج‏.‏

ذكر الكاسانيّ عند الكلام عن أحكام النّكاح الصّحيح‏:‏ أنّ منها‏:‏ ملك الاحتباس وهو صيرورتها ‏(‏الزّوجة‏)‏ ممنوعةً من الخروج والبروز لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَسْكِنُوهُنَّ‏}‏، والأمر بالإسكان نهي عن الخروج، والبروز، والإخراج، إذ الأمر بالفعل نهي عن ضدّه، وقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ‏}‏ وقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ‏}‏ ولأنّها لو لم تكن ممنوعةً عن الخروج والبروز لاختلّ السّكن والنّسب، لأنّ ذلك ممّا يريب الزّوج ويحمله على نفي النّسب‏.‏

قال القرطبيّ عند تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقد دخل فيه غيرهنّ بالمعنى‏.‏ هذا لو لم يرد دليل يخصّ جميع النّساء، فكيف والشّريعة طافحة بلزوم النّساء بيوتهنّ والانكفاف عن الخروج منها إلاّ لضرورة‏.‏

فقد أخرج البزّار من حديث أبي الأحوص عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشّيطان، وأقرب ما تكون بروحة ربّها وهي في قعر بيتها»‏.‏

كما أخرج من حديث أنس رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «جئن النّساء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلن‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ ذهب الرّجال بالفضل والجهاد في سبيل اللّه تعالى فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل اللّه‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قعدت - أو كلمةً نحوها - منكنّ في بيتها، فإنّها تدرك عمل المجاهدين في سبيل اللّه»‏.‏ وعند الحاجة كزيارة الآباء، والأمّهات، وذوي المحارم، وشهود موت من ذكر، وحضور عرسه وقضاء حاجة لا غناء للمرأة عنها ولا تجد من يقوم بها يجوز لها الخروج‏.‏

إلاّ أنّ الفقهاء يقيّدون جواز خروج المرأة في هذه الحالات بقيود أهمّها‏:‏

أ - أن تكون المرأة غير مخشيّة الفتنة، أمّا الّتي يخشى الافتتان بها فلا تخرج أصلاً‏.‏

ب - أن تكون الطّريق مأمونةً من توقّع المفسدة وإلاّ حرم خروجها‏.‏

ج - أن يكون خروجها في زمن أمن الرّجال ولا يفضي إلى اختلاطها بهم، لأنّ تمكين النّساء من اختلاطهنّ بالرّجال أصل كلّ بليّة وشرّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامّة، كما أنّه من أسباب فساد أمور العامّة والخاصّة، واختلاط الرّجال بالنّساء سبب لكثرة الفواحش والزّنى، وهو من أسباب الموت العامّ، فيجب على وليّ الأمر أن يمنع من اختلاط الرّجال بالنّساء في الأسواق، والفرج، ومجامع الرّجال، وإقرار النّساء على ذلك إعانة لهنّ على الإثم والمعصية، وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه النّساء من المشي في طريق الرّجال والاختلاط بهم في الطّريق‏.‏

د - أن يكون خروجها على تبذّل وتستّر تامّ‏.‏ قال العينيّ‏:‏ يجوز الخروج لما تحتاج إليه المرأة من أمورها الجائزة بشرط أن تكون بذّة الهيئة، خشنة الملبس، تفلة الرّيح، مستورة الأعضاء غير متبرّجة بزينة ولا رافعةً صوتها‏.‏

قال ابن قيّم الجوزيّة‏:‏ يجب على وليّ الأمر منع النّساء من الخروج متزيّنات متجمّلات، ومنعهنّ من الثّياب الّتي يكنّ بها كاسيات عاريّات، كالثّياب الواسعة والرّقاق، وإن رأى وليّ الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجمّلت وخرجت - ثيابها بحبر ونحوه، فقد رخّص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب‏.‏ وهذا من أدنى عقوبتهنّ الماليّة‏.‏

فقد أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّ المرأة إذا تطيّبت وخرجت من بيتها فهي زانية»‏.‏

هـ - أن يكون الخروج بإذن الزّوج، فلا يجوز لها الخروج إلاّ بإذنه‏.‏

قال ابن حجر الهيتميّ‏:‏ وإذا اضطرّت امرأة للخروج لزيارة والد خرجت بإذن زوجها غير متبرّجة‏.‏ ونقل ابن حجر العسقلانيّ عن النّوويّ عند التّعليق على حديث‏:‏ «إذا استأذنكم نساؤكم باللّيل إلى المسجد فأذنوا لهنّ» أنّه قال‏:‏ استدلّ به على أنّ المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلاّ بإذنه لتوجّه الأمر إلى الأزواج بالإذن‏.‏

وللزّوج منع زوجته من الخروج من منزله إلى ما لها منه بدّ، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما‏.‏ قال أحمد في امرأة لها زوج وأمّ مريضة‏:‏ طاعة زوجها أوجب عليها من أمّها إلاّ أن يأذن لها، وقد روى ابن بطّة في أحكام النّساء عن أنس «أنّ رجلاً سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها، فاستأذنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اتّقي اللّه ولا تخالفي زوجك فأوحى اللّه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّي قد غفرت لها بطاعة زوجها»

ولأنّ طاعة الزّوج واجبة، والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب‏.‏

ولا ينبغي للزّوج منع زوجته من عيادة والديها، وزيارتهما لأنّ في منعها من ذلك قطيعةً لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر اللّه تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف‏.‏

وينبغي التّنويه إلى أنّ المفتى به عند الحنفيّة أنّها تخرج للوالدين في كلّ جمعة بإذن الزّوج وبدونه، وللمحارم في كلّ سنة مرّةً بإذنه وبدونه‏.‏

وفي مجمع النّوازل، فإن كانت الزّوجة قابلةً، أو غسّالةً، أو كان لها حقّ على آخر أو لآخر عليه حقّ، تخرج بالإذن وبغير الإذن، والحجّ على هذا‏.‏

وقال ابن عابدين بعد أن نقل ما في النّوازل‏:‏ وفي البحر عن الخانيّة تقييد خروجها بإذن الزّوج‏.‏ هذا ويجوز للزّوجة الخروج بغير إذن الزّوج لما لا غناء لها عنه، كإتيان بنحو مأكل والذّهاب إلى القاضي لطلب الحقّ، واكتساب النّفقة إذا أعسر بها الزّوج، والاستفتاء إذا لم يكن زوجها فقيهاً‏.‏وكذلك لها أن تخرج إذا كان المنزل الّذي تسكنه مشرفاً على انهدام‏.‏ وأخذ الرّافعيّ وغيره من كلام إمام الحرمين أنّ للزّوجة اعتماد العرف الدّالّ على رضا أمثال الزّوج بمثل الخروج الّذي تريده، نعم لو علم مخالفته لأمثاله في ذلك فلا تخرج‏.‏

خروج النّساء إلى المسجد

9 - ذهب الشّافعيّة وصاحبا أبي حنيفة إلى أنّ المرأة إذا أرادت حضور المسجد للصّلاة، إن كانت شابّةً أو كبيرةً تشتهى كره لها، وكره لزوجها ووليّها تمكينها منه، وإن كانت عجوزًا لا تشتهى فلها الخروج بإذن الزّوج إلى الجماعات في جميع الصّلوات دون كراهة‏.‏

ومثله مذهب أبي حنيفة بالنّسبة للشّابّة، أمّا العجوز فإنّها تخرج عنده في العيدين والعشاء والفجر فقط، ولا تخرج في الجمعة والظّهر والعصر والمغرب‏.‏

وكره متأخّرو الحنفيّة خروجها مطلقًا لفساد الزّمن‏.‏

أمّا المالكيّة فالنّساء عندهم على أربعة أقسام‏:‏ عجوز انقطعت حاجة الرّجال عنها، فهذه تخرج للمسجد، وللفرض، ولمجالس العلم والذّكر، وتخرج للصّحراء في العيد والاستسقاء، ولجنازة أهلها وأقاربها، ولقضاء حوائجها، ومتجالّة ‏(‏مسنّة‏)‏ لم تنقطع حاجة الرّجال منها بالجملة، فهذه تخرج للمسجد للفرائض، ومجالس العلم والذّكر، ولا تكثر التّردّد في قضاء حوائجها أي يكره لها ذلك، وشابّة غير فارهة في الشّباب والنّجابة، تخرج للمسجد لصلاة الفرض جماعةً، وفي جنائز أهلها وأقاربها، ولا تخرج لعيد ولا استسقاء ولا لمجالس ذكر أو علم‏.‏ وشابّة فارهة في الشّباب والنّجابة، فهذه الاختيار لها أن لا تخرج أصلاً‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يباح للنّساء حضور الجماعة مع الرّجال لأنّهنّ كنّ يصلّين مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ «كان النّساء يصلّين مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمّ ينصرفن متلفّعات بمروطهنّ ما يعرفن من الغلس»‏.‏

وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه وليخرجن تفلات» يعني غير متطيّبات‏.‏ وتجدر الإشارة إلى أنّ جواز خروج النّساء إلى المسجد - عند من يجيزه - مقيّد بالقيود السّابقة‏.‏ ولا يقضى على زوج الشّابّة ومن في حكمها بالخروج لنحو صلاة الفرض ولو شرط لها في صلب عقدها‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ يستحبّ للزّوج أن يأذن لها إذا استأذنته إلى المسجد للصّلاة إذا كانت عجوزاً لا تشتهى، وأمن المفسدة عليها وعلى غيرها، فإن منعها لم يحرم عليه، هذا مذهبنا‏.‏ قال البيهقيّ‏:‏ وبه قال عامّة العلماء‏.‏

خروج المرأة في السّفر بغير محرم

10 - قال النّوويّ نقلاً عن القاضي‏:‏ اتّفق العلماء على أنّه ليس للمرأة أن تخرج في غير الحجّ والعمرة إلاّ مع ذي محرم إلاّ الهجرة من دار الحرب، فاتّفقوا على أنّ عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم‏.‏

وللتّفصيل في أحكام خروج المرأة للحجّ والعمرة وسفر الزّيارات والتّجارة ونحو ذلك في الأسفار ينظر مصطلحات‏:‏ ‏(‏حجّ، سفر، عمرة، هجرة‏)‏‏.‏

الخروج من المسجد

11 - صرّح الفقهاء بأنّه يستحبّ عند الخروج من المسجد أن يقدّم رجله اليسرى، ويستحبّ أن يقال عند الخروج‏:‏ ‏"‏ اللّهمّ إنّي أسألك من فضلك ‏"‏ أو يقول‏:‏ ‏"‏ ربّ اغفر لي، وافتح لي أبواب فضلك ‏"‏، وذلك بعد الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

الخروج من البيت

12 - يستحبّ في الخروج من البيت أن يقول ما كان يقوله النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين خروجه من بيته وذلك فيما روته أمّ سلمة رضي الله عنها‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال‏:‏ بسم اللّه توكّلت على اللّه، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من أن أضلّ أو أضلّ، أو أزلّ أو أزلّ، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ»‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من قال - يعني إذا خرج من بيته - بسم اللّه توكّلت على اللّه، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه يقال له‏:‏ كفيت ووقيت وهديت وتنحّى عنه الشّيطان»‏.‏

الخروج من الخلاء

13 - يستحبّ عند الخروج من الخلاء أن يقدّم رجله اليمنى ويقول‏:‏ غفرانك، أو‏:‏ الحمد للّه الّذي أذهب عنّي الأذى وعافاني‏.‏ لما روى أنس رضي الله عنه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال‏:‏ الحمد للّه الّذي أذهب عنّي الأذى وعافاني»‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء الحاجة‏)‏‏.‏

خروج المعتدّة من البيت

14 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب على المعتدّة ملازمة السّكن، فلا تخرج إلاّ لحاجة أو عذر، فإن خرجت أثمت، وللزّوج منعها، وكذا لوارثه عند موته‏.‏

وتعذر في الخروج في مواضع تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏عدّة‏)‏‏.‏

من لا يجوز خروجه مع الجيش في الجهاد

15 - لا يستصحب أمير الجيش معه مخذّلاً، ولا مرجفاً، ولا جاسوساً، ولا من يوقع العداوة بين المسلمين، ويسعى بالفساد، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ، لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ وإن خرج هؤلاء فلا يسهم لهم ولا يرضخ، وإن أظهروا عون المسلمين‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏جهاد، وغنيمة‏)‏‏.‏

الخروج على الإمام

16 - أجمع العلماء على أنّ الإمام إذا كان عدلاً تجب طاعته، ومحرّم الخروج عليه، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ‏}‏ وأمّا الخروج على الإمام الجائر فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال ينظر تفصيلها في مصطلحي‏:‏ ‏(‏الإمامة الكبرى، وبغاة‏)‏‏.‏

خروج المحبوس

17 - صرّح جمهور الفقهاء بأنّ المحبوس لأجل قضاء الدّين يمنع عن الخروج إلى أشغاله ومهمّاته، وإلى الجمع والأعياد، وتشييع الجنازة، وعيادة المرضى والزّيارة، والضّيافة، وأمثال ذلك‏.‏ لأنّ الحبس للتّوصّل إلى قضاء الدّين،فإذا منع عن ذلك سارع إلى قضاء الدّين‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ حبس‏)‏‏.‏

خزّ

التّعريف

1 - الخزّ من الثّياب ما ينسج من صوف وإبريسم ‏(‏حرير‏)‏ أو إبريسم وحده‏.‏

وهو في الأصل من الخزز وهو ولد الأرنب أو الأرنب الذّكر، لنعومة وبره‏.‏

وأطلقه الفقهاء على ما سداه حرير ولحمته من غيره أو عكسه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القزّ‏:‏

2 - القزّ معرّب، وهو ما يعمل منه الإبريسم ‏(‏الحرير‏)‏ ولهذا قالوا‏:‏ القزّ والإبريسم مثل الحنطة والدّقيق‏.‏ فالفرق بينه وبين الخزّ، هو أنّ القزّ أصل الحرير، والخزّ يكون مركّبًا من الحرير وغيره، كالصّوف، والقطن ونحوهما‏.‏

ب - الدّيباج‏:‏

3 - الدّيباج هو ما سداه إبريسم ولحمته إبريسم، فيحرم لبسه للرّجال من غير ضرورة اتّفاقًا‏.‏ ولا بأس باستعماله بسائر الوجوه غير اللّبس عند بعض الفقهاء كالحنفيّة، وفيه عند غيرهم تفصيل وينظر أحكامه في مصطلح‏:‏ ‏(‏حرير، ألبسة‏)‏‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالخزّ

4 - الخزّ إذا كان سداه ولحمته كلاهما من الحرير فلا يجوز لبسه للرّجال في غير حالة الحرب بغير ضرورة اتّفاقاً، ويجوز للنّساء مطلقاً، لما روى حذيفة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تلبسوا الحرير ولا الدّيباج» وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أحلّ الذّهب والحرير لإناث أمّتي وحرّم على ذكورها» ‏(‏ر‏:‏ حرير‏)‏‏.‏

أمّا إذا كان منسوجاً من الحرير وغيره، كما إذا كان سداه من إبريسم ولحمته من الصّوف أو القطن فجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، وهو قول عند المالكيّة على جواز لبسه للرّجال‏.‏ قال الشّافعيّة‏:‏ ولو كانت نفيسةً وغاليةً‏.‏ وقال أحمد‏:‏ أمّا الخزّ فقد لبسه أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وروي عن عبد الرّحمن بن عوف والحسين بن عليّ وعبد اللّه بن الحارث بن أبي ربيعة، والقاسم بن محمّد أنّهم لبسوا جباب الخزّ‏.‏ وروي عن معتمر قال سمعت أبي قال‏:‏ ‏"‏ رأيت على أنس برنساً أصفر من خزّ ‏"‏ كما روي عن عمران بن حصين، وأبي هريرة، وابن عبّاس، وأبي قتادة أنّهم كانوا يلبسون الخزّ‏.‏ وعند المالكيّة لبسه مكروه يؤجر على تركه ولا يأثم في فعله، لأنّه من المشتبهات المتكافئة أدلّة حلّها وحرمتها الّتي قال فيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «فمن اتّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»‏.‏

5 - وقد فصّل الشّافعيّة في الأصحّ وهو قول عند الحنفيّة وروايةً عند الحنابلة بين القليل والكثير من الحرير في النّسيج، فقالوا‏:‏ المركّب من الحرير وغيره، إن زاد وزن الحرير يحرم لبسه، ويحلّ إذا كان الأكثر غير الحرير، وكذا إن استويا، لما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «إنّما نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الثّوب المصمت من قزّ»‏.‏ والمصمت الخالص‏.‏

والقول الثّاني عند الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة، قال ابن عقيل هو الأشبه‏:‏ التّحريم إن استويا‏.‏ والصّحيح عند الحنفيّة جواز لبسه إذا كانت لحمته غير الحرير، سواء أكان مغلوباً، أم غالباً، أم مساوياً، لأنّ الثّوب إنّما يصير ثوباً بالنّسج، والنّسج باللّحمة فكانت هي المعتبرة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ حرير‏)‏‏.‏

مواطن البحث

6 - ذكر الفقهاء أحكام الخزّ في كتاب الحظر والإباحة وباب اللّبس، وبعضهم في بحث العدّة، وإحداد المرأة، وفي تكفين الميّت وغيرها‏.‏ ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏حرير‏)‏‏.‏

خسوف

انظر‏:‏ صلاة الكسوف‏.‏