فصل: عَجْمَاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


عَجْمَاء

التّعريف

1 - العجماء في اللّغة‏:‏ البهيمة، وإنّما سمّيت عجماء لأنّها لا تتكلّم، فكلّ من لا يقدر على الكلام أصلاً فهو أعجم ومستعجم‏.‏

والأعجم أيضاً‏:‏ الّذي لا يفصح ولا يبيّن كلامه وإن كان من العرب، والمرأة عجماء‏.‏ والأعجم أيضاً‏:‏ الّذي في لسانه عجمة وإن أفصح بالعجميّة‏.‏

وتطلق العجماء والمستعجم على كلّ بهيمة، كما ورد في لسان العرب‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ عرّف بعض الفقهاء العجماء بأنّها‏:‏ البهيمة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحيوان‏:‏

2 - الحيوان‏:‏ مأخوذ من الحياة، ويطلق على كلّ ذي روح، ناطقاً كان أو غير ناطق‏.‏ وعرّفه بعضهم‏:‏ بأنّه جسم نام حسّاس متحرّك بالإرادة‏.‏

والحيوان أعمّ من العجماء‏.‏

ب - الدّابّة‏:‏

3 - تطلق الدّابّة على‏:‏ كلّ ما يدبّ على الأرض، فكلّ حيوان في الأرض دابّة‏.‏

والدّابّة أعمّ من العجماء‏.‏

الحكم الإجماليّ

أ - جناية العجماء‏:‏

4 - اتّفق الفقهاء في الجملة على أنّ من كان مع البهيمة ضمن إتلافها نفساً أو مالاً، ليلاً أو نهاراً، سواء أكان مالكاً للبهيمة أم لا، كالمستأجر والمستعير ونحوهما، وسواء أكان راكباً أم سائقاً أم قائداً، واشترط بعضهم التّعدّي، ووضع آخرون قيوداً أخرى، لأنّ البهيمة إذا كانت بيد إنسان فعليه تعهّدها وحفظها، وجنايتها تنسب إليه‏.‏

أمّا إذا لم يكن مع البهيمة شخص يمكن أن تنسب إليه جنايتها، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ما أتلفته ليلاً فعلى صاحبها ضمانه لتقصيره بإرسالها ليلاً، ولا يضمن ما أتلفته نهاراً‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏ضمان ف 102 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - أكل العجماء‏:‏

5 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الأصل في العجماء حلّ الأكل إلاّ ما استثني، وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حيوان ف 5، أطعمة‏:‏ ف 57 وما بعدها‏)‏‏.‏

ج - زكاة العجماء‏:‏

6 - ذهب الفقهاء إلى أنّه تجب الزّكاة في النّعم، وهي البقر والإبل والغنم، واختلفوا في غيرها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة ف 38‏)‏‏.‏

د - الرّفق بالعجماء‏:‏

7 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب على من يملك عجماء إطعامها وسقيها والرّفق بها، لحديث‏:‏ » عذّبت امرأة في هرّة سجنتها حتّى ماتت فدخلت فيها النّار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حيوان ف 5، ورفق ف 10‏)‏‏.‏

وللعجماء أحكام أخرى كبيعها وإجارتها ورهنها وإعارتها واقتنائها ونحو ذلك‏.‏

وينظر تفصيل هذه الأحكام في مصطلحاتها‏.‏

عُجمة

انظر‏:‏ أعجمي ولغة‏.‏

عجوز

التّعريف‏:‏

1 - العجوز لغةً‏:‏ المرأة المسنّة، وقد عجزت تعجز عجزاً، وعجّزت تعجيزاً‏:‏ أي طعنت في السّنّ، وسمّيت عجوزاً لعجزها في كثير من الأمور‏.‏

وفسّر القرطبيّ العجوز بالشّيخة، قال ابن السّكّيت‏:‏ ولا يؤنّث بالهاء، وقال ابن الأنباريّ‏:‏ ويقال أيضاً‏:‏ عجوزة - بالهاء - لتحقيق التّأنيث، وروي عن يونس أنّه قال‏:‏ سمعت العرب تقول عجوزة - بالهاء - والجمع عجائز وعجز‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المتجالّة‏:‏

2 - المتجالّة هي العجوز الفانية الّتي لا أرب للرّجال فيها‏.‏

ب - البرزة‏:‏

3 - البرزة‏:‏ المرأة العفيفة الّتي تبرز للرّجال وتتحدّث معهم وهي الّتي أسنّت وخرجت عن حدّ المحجوبات‏.‏

ج - القاعد‏:‏

4 - القاعد - بغير هاء - هي الّتي قعدت عن التّصرّف من السّنّ وعن الولد والمحيض‏.‏

النّظر إلى العجوز

5 - يباح النّظر من العجوز إلى ما يظهر غالباً عند جمهور الفقهاء لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قال ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ استثناهنّ اللّه من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ‏}‏، ولأنّ ما حرم النّظر لأجله معدوم في جهتها، فأشبهت ذوات المحارم‏.‏ وألحق الحنابلة - على الصّحيح من المذهب - بالعجوز كلّ من لا تشتهى في جواز النّظر إلى الوجه خاصّةً‏.‏

وذهب الغزاليّ - من الشّافعيّة - إلى إلحاق العجوز بالشّابّة، لأنّ الشّهوة لا تنضبط، وهي محلّ الوطء‏.‏

الخلوة بالعجوز

6 - يرى جمهور الفقهاء أنّه لا يجوز أن يخلو رجل بامرأة أجنبيّة، لأنّ الشّيطان يكون ثالثهما، يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحلّ، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ كان ثالثهما الشّيطان « ولفظ الرّجل في الحديث يتناول الشّيخ والشّابّ، كما أنّ لفظ المرأة يتناول الشّابّة والمتجالّة‏.‏

وذهب بعض الحنفيّة إلى جواز الخلوة بالعجوز الشّوهاء، نقل ابن عابدين‏:‏ العجوز الشّوهاء والشّيخ الّذي لا يجامع مثله بمنزلة المحارم‏.‏

وأجاز الشّاذليّ من المالكيّة خلوة الشّيخ الهرم بالمرأة شابّةً أو متجالّةً وخلوة الشّابّ بالمتجالّة‏.‏

وضابط الخلوة اجتماع لا تؤمن معه الرّيبة عادةً، بخلاف ما لو قطع بانتفائها عادةً، فلا يعدّ خلوةً‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ خلوة ف 6‏)‏‏.‏

مصافحة العجوز

7 - لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز مسّ وجه الأجنبيّة وكفّيها وإن كان يأمن الشّهوة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من مسّ كفّ امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفّه جمرة يوم القيامة «‏.‏

ولانعدام الضّرورة إلى مسّ وجهها وكفّيها، لأنّه أبيح النّظر إلى الوجه والكفّ - عند من يقول به - لدفع الحرج، ولا حرج في ترك مسّها، فبقي على أصل القياس‏.‏

هذا إذا كانت الأجنبيّة شابّةً تشتهى‏.‏

أمّا إذا كانت عجوزاً فلا بأس بمصافحتها ومسّ يدها، لانعدام خوف الفتنة‏.‏

بهذا صرّح صاحب الهداية من الحنفيّة، والحنابلة في قول إن أمن على نفسه الفتنة‏.‏ وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى تحريم مسّ الأجنبيّة من غير تفرقة بين الشّابّة والعجوز‏.‏

السّلام على العجوز

8 - يرى الفقهاء - في الجملة - أنّه يجوز السّلام على العجوز الخارجة عن مظنّة الفتنة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏سلام ف 19‏)‏‏.‏

تشميت العجوز

9 - لا يجوز تشميت الأجنبيّة الشّابّة الّتي يخشى منها الفتنة، أمّا العجوز إذا عطست فحمدت اللّه شمّتها الرّجل، وكذلك إذا عطس فشمّتته العجوز ردّ عليها‏.‏

وللتّفصيل ر‏:‏ ‏(‏تشميت ف 8‏)‏‏.‏

مداواة العجائز الجرحى في الغزو

10 - يجوز للمتجالات من النّساء مداواة الجرحى والمرضى الأجانب وما شاكلها ونقل الموتى، وأمّا غير المتجالات فيعالجن بغير مباشرة منهنّ للرّجال، فيصفن الدّواء، ويضعه غيرهنّ على الجرح، وقد يمكن أن يضعنه من غير مسّ شيء من جسده‏.‏

وضع العجوز ثيابها

11 - قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ‏}‏ وإنّما خصّ القواعد بهذا الحكم لانصراف الأنفس عنهنّ، إذ لا مذهب للرّجال فيهنّ، فأبيح لهنّ ما لم يبح لغيرهنّ، وأزيل عنهنّ كلفة التّحفّظ المتعب لهنّ‏.‏ وللعلماء في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثِيَابَهُنَّ‏}‏ قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ تضع خمارها، وذلك في بيتها، ومن وراء سترها من ثوب أو جدار، قال القرطبيّ‏:‏ قال قوم‏:‏ الكبيرة الّتي أيست من النّكاح لو بدا شعرها فلا بأس، فعلى هذا يجوز لها وضع الخمار‏.‏

والثّاني‏:‏ جلبابهنّ وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وابن جبير وغيرهما، يعني به الرّداء أو المقنّعة الّتي فوق الخمار، تضعه عنها إذا سترها ما بعده من الثّياب‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ والصّحيح أنّها كالشّابّة في التّستّر، إلاّ أنّ الكبيرة تضع الجلباب الّذي فوق الدّرع والخمار‏.‏

عدَالَة

التّعريف

1 - العدالة في اللّغة التّوسّط، والاعتدال الاستقامة، والتّعادل التّساوي، والعدالة صفة توجب مراعاتها الاحتراز عمّا يخلّ بالمروءة عادةً ظاهراً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصّغائر‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ العدالة هي استواء أحوال الشّخص في دينه واعتدال أقواله وأفعاله‏.‏

وقد ذكر الفقهاء أحكام العدالة في مواطن منها‏:‏ الإخبار عن نجاسة الماء أو طهارته ودخول وقت الصّلاة، وجهة القبلة، والإمامة في الصّلاة، وشروط عامل الزّكاة، وشروط الشّاهدين لرؤية هلال رمضان، وشروط الوصيّ وناظر الوقف، ووليّ النّكاح والإمامة الكبرى، والقضاء والشّهادة‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏عدل‏)‏‏.‏

عَدَاوة

التّعريف

1 - العداوة في اللّغة‏:‏ الظّلم وتجاوز الحدّ، يقال‏:‏ عدا فلان عدواً وعدوّاً وعدواناً وعداءً أي‏:‏ ظلم ظلماً جاوز فيه القدر، وعدا بنو فلان على بني فلان أي‏:‏ ظلموهم‏.‏

والعادي‏:‏ الظّالم، والعدوّ‏:‏ خلاف الصّديق الموالي، والجمع أعداء‏.‏

وفي التّعريفات ودستور العلماء‏:‏ العداوة هي ما يتمكّن في القلب من قصد الإضرار والانتقام‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّداقة‏:‏

2 - الصّداقة في اللّغة‏:‏ مشتقّة من الصّدق في الودّ والنّصح، يقال‏:‏ صادقته مصادقةً وصداقاً، والاسم الصّداقة‏:‏ أي خاللته‏.‏

وفي الكلّيّات‏:‏ الصّداقة صدق الاعتقاد في المودّة وذلك مختصّ بالإنسان دون غيره‏.‏ فالصّداقة ضدّ العداوة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي اتّفاق الضّمائر على المودّة، فإذا أضمر كلّ واحد من الرّجلين مودّة صاحبه، فصار باطنه فيها كظاهره سمّيا صديقين‏.‏

فالصّداقة ضدّ العداوة‏.‏

ب - الخصومة‏:‏

3 - الخصومة لغةً‏:‏ المنازعة، والجدل، والغلبة بالحجّة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والصّلة بين العداوة والخصومة هي‏:‏ أنّ الخصومة من قبيل القول، والمعاداة من أفعال القلوب‏.‏

ج - الكره‏:‏

4 - الكره في اللّغة‏:‏ القبح والقهر، وهو ضدّ الحبّ، تقول‏:‏ كرهته أكرهه كرهاً فهو مكروه، وأكرهته على الأمر إكراهاً‏:‏ حملته عليه قهراً، وكره الأمر والمنظر كراهةً فهو كريه، مثل قبح قباحةً فهو قبيح وزناً ومعنىً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الحكم الإجمالي

أ - العداوة في الشّهادة‏:‏

5 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من شروط قبول الشّهادة عدم التّهمة في الشّاهد، ومن التّهم الّتي لا تقبل الشّهادة من أجلها‏:‏ العداوة، فلا تقبل شهادة العدوّ على عدوّه، لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل بيته «‏.‏

والغمر‏:‏ الحقد‏.‏

والمراد بالعداوة الّتي لا تقبل الشّهادة من أجلها‏:‏ العداوة الدّنيويّة لا الدّينيّة، لأنّ المعاداة من أجل الدّنيا محرّمة ومنافية لعدالة الشّاهد والّذي يرتكب ذلك لا يؤمن منه أن يشهد في حقّ المشهود عليه كذباً‏.‏

والعداوة الدّنيويّة هي العداوة الّتي تنشأ عن أمور دنيويّة كالمال والجاه، فلذلك لا تقبل شهادة المجروح على الجارح وورثة المقتول على القاتل، والمقذوف على القاذف، والمشتوم على الشّاتم، وللفقهاء تفصيل في ضابطها، فقال الشّلبيّ من الحنفيّة‏:‏ العدوّ من يفرح بحزنه ويحزن بفرحه، وقيل‏:‏ يعرف بالعرف، واقتصر صاحب درر الحكّام على العرف‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ العداوة الّتي تردّ بها الشّهادة‏:‏ أن تبلغ حدّاً يتمنّى زوال نعمته ويفرح لمصيبته ويحزن لمسرّته، وذلك قد يكون من الجانبين، وقد يكون من أحدهما، فيخصّ بردّ شهادته على الآخر‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من سرّه مساءة أحد، أو غمّه فرحه، وطلب له الشّرّ ونحوه، فهو عدوّه، لا تقبل شهادته عليه للتّهمة‏.‏

أمّا العداوة الدّينيّة فلا تمنع قبول الشّهادة، فتقبل شهادة المسلم على الكافر والمتّبع على المبتدع، ولو تجاوز أحد الحدّ بارتكاب المناهي والمعاصي وصار أحد عدوّاً له بسبب ذلك، فتقبل شهادة ذلك العدوّ عليه، إلاّ إذا كانت العداوة الدّينيّة قد سبّبت إفراط الأذى على الفاسق ومرتكب المعاصي، ففي هذه الحالة تمنع العداوة الدّينيّة قبول الشّهادة‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ عقد النّكاح تقبل فيه شهادة العدوّ على عدوّه، سواء أكان الشّاهد عدوّاً للزّوجين أم أحدهما‏.‏

وجمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة - على قبول شهادة العدوّ لعدوّه، إذ لا تهمة، وعند بعض الحنفيّة لا تقبل وهي رواية عن أحمد‏.‏

ب - العداوة في القضاء‏:‏

6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ القاضي لا يقضي على من بينه وبينه عداوة، كالشّهادة عليه، للحوق التّهمة له في ذلك، وصرّح الحنابلة بعدم نفوذ حكمه على عدوّه، وقال المالكيّة بنقضه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

ج - العداوة في النّكاح‏:‏

7 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ من شروط تزويج الأب لابنته بغير إذنها أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة بأن يطّلع عليها أهل محلّها، فإن كان بينه وبينها عداوة ظاهرة فليس له تزويجها إلاّ بإذنها، بخلاف العداوة غير الظّاهرة، لأنّ الوليّ يحتاط لمولّيته لخوف العار وغيره‏.‏

قال الوليّ العراقيّ‏:‏ وينبغي أن يعتبر في الإجبار أيضاً‏:‏ انتفاء العداوة بينها وبين الزّوج، ولا يعتبر هاهنا ظهور العداوة لظهور الفرق بين الزّوج والوليّ المجبر، أمّا مجرّد كراهة المرأة للرّجل من غير ضرر فلا تؤثّر، لكن يكره لوليّها أن يزوّجها منه‏.‏

قال صاحب شرح الرّوض‏:‏ ولا حاجة لاشتراط عدم عداوة الزّوج، لأنّ شفقة الوليّ تدعوه إلى أنّه لا يزوّجها من عدوّها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

عُدّة

التّعريف

1 - العُدّة - بالضّمّ - في اللّغة‏:‏ الاستعداد والتّأهّب وما أعددته من مال أو سلاح‏.‏

وفي الاصطلاح هي‏:‏ جميع ما يتقوّى به في الحرب على العدوّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعدّة

2 - العدّة - أي الاستعداد للحرب - فريضة تلازم فريضة الجهاد، فالحرب بلا عدّة إلقاء للنّفس إلى التّهلكة، والعدّة للحرب في سبيل إعلاء كلمة اللّه بأنواعها فرض على المسلمين‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ‏}‏، والخطاب لكافّة المسلمين، وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ أي بترك الإنفاق في سبيل اللّه، والخطاب أيضاً لكافّتهم، وعدّ سبحانه وتعالى‏:‏ ترك الإنفاق في سبيل اللّه وعدم الاستعداد للحرب باتّخاذ العدّة اللازمة للنّصر تهلكةً للنّفس، وتهلكةً للجماعة، فالدّعوة إلى الجهاد في التّوجيهات القرآنيّة والنّبويّة تلازمها في الأغلب الأعمّ دعوة إلى الإنفاق‏.‏

جاء في تفسير الماورديّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ بأن تتركوا النّفقة في سبيل اللّه فتهلكوا، ثمّ قال‏:‏ هذا قول ابن عبّاس، وقيل‏:‏ لا تقحموا أنفسكم في الحرب بغير نكاية في العدوّ، وقال ابن كثير‏:‏ التّهلكة أن تمسك يدك عن النّفقة في سبيل اللّه‏.‏

والعدّة بما في الطّوق من فروض الكفاية على المسلمين، فإن تركوها أثموا جميعاً، وهي من الأمور المنوطة بالإمام وتلزم عليه، قال الماورديّ‏:‏ من الأمور الواجبة على الإمام‏:‏ تحصين الثّغور بالعدّة المانعة، والقوّة الدّافعة حتّى لا يظفر الأعداء بغرّة ينتهكون فيها محرّماً، أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دماً، وعدّ القرآن ترك العدّة للحرب إعلاءً لكلمة اللّه من علامات النّفاق، فقال تعالى‏:‏ في شأن المنافقين الّذين استأذنوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأعذار واهية في عدم الخروج معه في الجهاد‏:‏ ‏{‏لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ، إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً‏}‏‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏سلاح‏)‏‏.‏

ما تكون به العدّة

3 - بيّن القرآن العدّة‏:‏ بأنّها القوّة، ورباط الخيل، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ‏}‏‏.‏

واختلف المفسّرون في المراد من القوّة‏:‏ وقال الماورديّ فيه خمسة أقوال‏:‏

أ - القوّة‏:‏ ذكور الخيل، ورباط الخيل إناثها‏.‏

ب - القوّة‏:‏ السّلاح، قاله الكلبيّ‏.‏

ج - التّصافي، واتّفاق الكلمة‏.‏

د - الثّقة باللّه‏.‏

هـ – الرّمي‏.‏

وقال صاحب تفسير الخازن بعد أن ذكر أقوالاً في معنى القوّة‏:‏

القول الرّابع‏:‏ إنّ المراد بالقوّة جميع ما يتقوّى به في الحرب على العدوّ، فكلّ ما هو آلة يستعان بها في الجهاد فهو من جملة القوّة المأمور بإعدادها، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ألا إنّ القوّة الرّمي « لا ينفي كون غير الرّمي من القوّة المأمور بإعدادها فهو كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الحجّ عرفة « وكقوله‏:‏ » النّدم توبة « فهذا لا ينفي اعتبار غيره، بل يدلّ على أنّ المذكور هو من أجلّ المقصود، ولأنّ الرّمي كان من أنجع وسائل الحرب نكايةً في العدوّ في زمنه صلى الله عليه وسلم فهكذا هنا يحمل معنى الآية على الاستعداد للقتال في الجهاد بجميع ما يمكن من الآلات، كالرّمي بالنّبل، والنّشاب، والسّيف، وتعلّم الفروسيّة، والتّصافي، واتّفاق الكلمة، والثّقة باللّه وكلّ ذلك مأمور به، وقال الشّهاب‏:‏ إنّما ذكر هذا هنا، لأنّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لم يكن له استعداد تامّ في بدر، فنبّهوا على أنّ النّصر بدون استعداد لا يتأتّى في كلّ زمان، ودلّت الآية على وجود القوّة الحربيّة اتّقاء بأس العدوّ‏.‏

وخصّ رباط الخيل بالذّكر - مع أنّ الأمر بإعداد القوّة في الآية يتناول جميع ما يتقوّى به للحرب على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها - لأنّها الأداة الّتي كانت بارزةً عند من كان يخاطبهم القرآن أوّل مرّة، ولو أمرهم بأسباب غير معروفة لديهم، ولا يطيقون إعدادها لكان تكليفاً بما لا يطاق‏.‏

عِدّة

التّعريف

1 - العدّة لغةً‏:‏ مأخوذة من العدّ والحساب، والعدّ في اللّغة‏:‏ الإحصاء، وسمّيت بذلك لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر غالباً، فعدّة المرأة المطلّقة والمتوفّى عنها زوجها هي ما تعدّه من أيّام أقرائها، أو أيّام حملها، أو أربعة أشهر وعشر ليال، وقيل‏:‏ تربّصها المدّة الواجبة عليها، وجمع العدّة‏:‏ عدد، كسدرة، وسدر‏.‏

والعُدّة بضمّ العين‏:‏ الاستعداد أو ما أعددته من مال وسلاح، والجمع عدد، مثل غرفة وغرف‏.‏

والعِدّ‏:‏ الماء الّذي لا ينقطع، كماء العين وماء البئر‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي اسم لمدّة تتربّص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتّعبّد أو لتفجّعها على زوجها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاستبراء‏:‏

2 - الاستبراء لغةً‏:‏ طلب البراءة أي التّخلّص، أو التّنزّه والتّباعد أو الإعذار والإنذار أو طلب براءة المرأة من الحبل، أو هو الاستقصاء والبحث عن كلّ أمر غامض‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ يطلق على معنيين‏:‏

المعنى الأوّل‏:‏ الاستبراء في الطّهارة‏:‏ وهو إزالة ما بالمخرجين من الأذى‏.‏

المعنى الثّاني‏:‏ الاستبراء في النّسب‏:‏ وهو تربّص الأمة مدّةً بسبب ملك اليمين حدوثاً أو زوالاً لمعرفة براءة الرّحم أو للتّعبّد‏.‏

فالاستبراء يشترك مع العدّة في أنّ كلاً منهما مدّة تتربّص فيها المرأة لتحلّ للاستمتاع بها، ويفترقان في عدّة أمور ذكرها القرافيّ منها‏:‏

أنّ العدّة واجبة على كلّ حال، حتّى ولو تيقّن براءة الرّحم، لتغليب جانب التّعبّد فيها، بخلاف الاستبراء‏.‏

وأنّه يكفي القرء الواحد في الاستبراء لا في العدّة‏.‏

ب - الإحداد‏:‏

3 - الإحداد لغةً‏:‏ المنع، ومنه‏:‏ امتناع المرأة عن الزّينة وما في معناها إظهاراً للحزن والأسف‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو امتناع المرأة عن الزّينة وما في معناها مدّةً مخصوصةً في أحوال مخصوصة ومنه امتناع المرأة من البيتوتة في غير منزلها‏.‏

والعلاقة بين العدّة والإحداد‏:‏ أنّ العدّة ظرف للإحداد، ففي العدّة تترك المرأة زينتها لموت زوجها‏.‏

ج - التّربّص‏:‏

4 - التّربّص لغةً‏:‏ الانتظار، يقال‏:‏ تربّصت الأمر تربّصاً انتظرته، وتربّصت الأمر بفلان توقّعت نزوله به‏.‏

واصطلاحاً هو التّثبّت والانتظار قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ‏}‏‏.‏

والعلاقة بين التّربّص والعدّة أنّ التّربّص ظرف للعدّة فإذا انتهت العدّة انتهى التّربّص، وأنّه يوجد في العدّة وفي غيرها كالآجال في باب الدّيون، فهو أعمّ من العدّة، فكلّ عدّة تربّص، وليس كلّ تربّص عدّة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

مشروعيّة العدّة والدّليل عليها

5 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة العدّة ووجوبها على المرأة عند وجود سببها واستدلّوا على ذلك بالكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏

أ - أمّا الكتاب فمنه قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏}‏‏.‏

ب - وأمّا السّنّة فمنها ما ورد عن أمّ عطيّة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا تحدّ امرأة على ميّت فوق ثلاث إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً «‏.‏

وما ورد أنّه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس‏:‏ » اعتدّي في بيت ابن أمّ مكتوم « وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ » أمرت بريرة أن تعتدّ بثلاث حيض «‏.‏

ج - الإجماع‏:‏ أجمعت الأمّة على مشروعيّة العدّة ووجوبها من عصر الرّسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا دون نكير من أحد‏.‏

سبب وجوب العدّة

6 - تجب العدّة على المرأة بالفرقة بين الزّوجين بعد الدّخول بسبب الطّلاق أو الموت أو الفسخ أو اللّعان، كما تجب بالموت قبل الدّخول وبعد عقد النّكاح الصّحيح‏.‏

وأمّا الخلوة فقد اختلف الفقهاء في وجوب العدّة بها‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه تجب العدّة على المطلّقة بالخلوة الصّحيحة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد، فلا تجب في الفاسد إلاّ بالدّخول، وذهب الشّافعيّة إلى أنّ العدّة لا تجب بالخلوة المجرّدة عن الوطء‏.‏

والتّفصيل ينظر‏:‏ ‏(‏بطلان ف 30 وخلوة ف 19‏)‏‏.‏

انتظار الرّجل مدّة العدّة

7 - ذهب الفقهاء إلى أنّ العدّة لا تجب على الرّجل حيث يجوز له بعد فراق زوجته أن يتزوّج غيرها دون انتظار مضيّ مدّة عدّتها إلاّ إذا كان هناك مانع يمنعه من ذلك، كما لو أراد الزّواج بعمّتها أو خالتها أو أختها أو غيرها ممّن لا يحلّ له الجمع بينهما، أو طلّق رابعةً ويريد الزّواج بأخرى، فيجب عليه الانتظار في عدّة الطّلاق الرّجعيّ بالاتّفاق، أو البائن عند الحنفيّة، خلافاً لجمهور الفقهاء فإنّه لا يجب عليه الانتظار‏.‏

ومنع الرّجل من الزّواج هنا لا يطلق عليه عدّة، لا بالمعنى اللّغويّ ولا بالمعنى الاصطلاحيّ، وإن كان يحمل معنى العدّة، قال النّفراويّ‏:‏ المراد من حقيقة العدّة منع المرأة لأنّ مدّة منع من طلّق رابعةً من نكاح غيرها لا يقال له عدّة، لا لغةً، ولا شرعاً، لأنّه لا يمكّن من النّكاح في مواطن كثيرة، كزمن الإحرام أو المرض ولا يقال فيه أنّه معتدّ‏.‏

حكمة تشريع العدّة

8 - شرعت العدّة لمعان وحكم اعتبرها الشّارع منها‏:‏ العلم ببراءة الرّحم، وأن لا يجتمع ماء الواطئين فأكثر في رحم واحد فتختلط الأنساب وتفسد، ومنها‏:‏ تعظيم خطر الزّواج ورفع قدره وإظهار شرفه، ومنها‏:‏ تطويل زمان الرّجعة للمطلّق لعلّه يندم ويفيء فيصادف زمناً يتمكّن فيه من الرّجعة، ومنها قضاء حقّ الزّوج وإظهار تأثير فقده في المنع من التّزيّن والتّجمّل، ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد، ومنها‏:‏ الاحتياط لحقّ الزّوج، ومصلحة الزّوجة، وحقّ الولد، والقيام بحقّ اللّه الّذي أوجبه، ففي العدّة أربعة حقوق، وقد أقام الشّارع الموت مقام الدّخول في استيفاء المعقود عليه، فليس المقصود من العدّة مجرّد براءة الرّحم، بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها‏.‏

أنواع العدّة

9 - ذهب الفقهاء إلى أنّ أنواع العدد في الشّرع ثلاثة‏:‏

أ - عدّة القروء‏.‏

ب - عدّة الأشهر‏.‏

ج - عدّة وضع الحمل‏.‏

أوّلاً‏:‏ العدّة بالقروء

10 - قال الفيّوميّ‏:‏ القرء فيه لغتان‏:‏ الفتح وجمعه قروء وأقرؤ، مثل فلس وفلوس وأفلس، والضّمّ ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال، قال أئمّة اللّغة‏:‏ ويطلق على الطّهر والحيض‏.‏

11 - واختلف الفقهاء في معنى القرء اصطلاحاً على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ وهو قول كثير من الصّحابة رضوان الله عليهم، وفقهاء المدينة، ومالك والشّافعيّ وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه‏:‏ أنّ المراد بالأقراء في العدّة‏:‏ الأطهار،، والطّهر عندهم هو المحتوش بين دمين - وهو الأظهر عند الشّافعيّة - لا مجرّد الانتقال إلى الحيض، واستدلّوا على قولهم بما يلي‏:‏

أ - بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ أي في عدّتهنّ أو في الزّمان الّذي يصلح لعدّتهنّ، فاللام بمعنى في، ووجه الدّلالة‏:‏ أنّ اللّه عزّ وجلّ أمر بالطّلاق في الطّهر، لا في الحيض لحرمته بالإجماع، فيصرف الإذن إلى زمن الطّهر، ففيه دليل على أنّ القرء هو الطّهر الّذي يسمّى عدّةً، وتطلق فيه النّساء‏.‏

ب - وبقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » مره فليراجعها، ثمّ ليتركها حتّى تطهر، ثمّ تحيض ثمّ تطهر، ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ، فتلك العدّة الّتي أمر اللّه عزّ وجلّ أن يطلّق لها النّساء «‏.‏

فالرّسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى الطّهر وأخبر أنّه العدّة الّتي أمر اللّه تعالى أن تطلق لها النّساء، فصحّ أنّ القرء هو الطّهر‏.‏

كما أنّ العدّة واجبة فرضاً إثر الطّلاق بلا مهلة فصحّ أنّها الطّهر المتّصل بالطّلاق لا الحيض الّذي لا يتّصل بالطّلاق، ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على أصلهم فيمن طلّق حائضاً أن تعتدّ بتلك الحيضة قرءاً، ولكن لا يعتدّ بها‏.‏

ج - وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ » إنّما الأقراء الأطهار «‏.‏

د - ولأنّ القرء مشتقّ من الجمع، فيقال‏:‏ قرأت كذا في كذا إذا جمعته فيه، وإذا كان الأمر كذلك كان بالطّهر أحقّ من الحيض، لأنّ الطّهر اجتماع الدّم في الرّحم، والحيض خروجه منه، وما وافق الاشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته، ويجمع على أقراء وقروء وأقرؤ‏.‏

القول الثّاني‏:‏ المراد بالقرء‏:‏ الحيض، وهو ما ذهب إليه جماعة من السّلف كالخلفاء الأربعة وابن مسعود رضي الله عنهم وطائفة كثيرة من الصّحابة والتّابعين وبه قال أئمّة الحديث والحنفيّة وأحمد في رواية أخرى حيث نقل عنه أنّه قال‏:‏ كنت أقول‏:‏ إنّها الأطهار، وأنا اليوم أذهب إلى أنّها الحيض‏.‏

وقال ابن القيّم‏:‏ إنّه رجع إلى هذا، واستقرّ مذهبه عليه فليس له مذهب سواه‏.‏

واستدلّوا على قولهم بالكتاب والسّنّة والمعقول‏.‏

أ - أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏ فقد أمر اللّه تعالى بالاعتداد بثلاثة قروء، ولو حمل القرء على الطّهر لكان الاعتداد بطهرين وبعض الثّالث، لأنّ بقيّة الطّهر الّذي صادفه الطّلاق محسوب من الأقراء عند القول الأوّل، والثّلاثة اسم لعدد مخصوص، والاسم الموضوع لعدد لا يقع على ما دونه، فيكون ترك العمل بالكتاب، ولو حمل على الحيض يكون الاعتداد بثلاث حيض كوامل، لأنّ ما بقي من الطّهر غير محسوب من العدّة عندهم فيكون عملاً بالكتاب، فكان الحمل على ذلك أولى لموافقته لظاهر النّصّ وهو أولى من مخالفته‏.‏

ب - وأمّا السّنّة فما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » طلاق الأمة اثنتان، وعدّتها حيضتان « ومعلوم أنّه لا تفاوت بين الحرّة والأمة في العدّة فيما يقع به الانقضاء، إذ الرّقّ أثره في تنقيص العدّة الّتي تكون في حقّ الحرّة لا في تغيير أصل العدّة، فدلّ على أنّ أصل ما تنقضي به العدّة هو الحيض‏.‏

ج - ولأنّ المعهود في لسان الشّرع استعمال القرء بمعنى الحيض، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » تدع الصّلاة أيّام أقرائها «‏.‏

وقال لفاطمة بنت أبي حبيش‏:‏ » انظري إذا أتى قرؤك فلا تصلّي، فإذا مرّ قرؤك فتطهّري ثمّ صلّي ما بين القرء إلى القرء « فهذا دليل على أنّه لم يعهد في لسان الشّرع استعماله بمعنى الطّهر في موضع، فوجب أن يحمل كلامه على المعهود في لسانه‏.‏

د - وأمّا المعقول‏:‏ فهو أنّ هذه العدّة وجبت للتّعرّف على براءة الرّحم، والعلم ببراءة الرّحم يحصل بالحيض لا بالطّهر، فكان الاعتداد بالحيض لا بالطّهر‏.‏

عدّة الحرّة ذات الأقراء في الطّلاق أو الفسخ

12 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عدّة المرأة الحرّة ذات الأقراء وهي من لها حيض وطهر صحيحان ثلاثة قروء، فتعتدّ بالأقراء وإن تباعد حيضها وطال طهرها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏ وذلك في المدخول بها في النّكاح الصّحيح أو الفاسد عند جمهور الفقهاء خلافاً للشّافعيّة في الجديد‏.‏

‏(‏ر‏:‏ خلوة‏)‏‏.‏

وقد سبق بيان اختلاف الفقهاء في معنى القرء، وقول بعضهم‏:‏ إنّه الطّهر، وقول غيره‏:‏ إنّه الحيض، ويترتّب على هذا اختلاف في حساب العدّة، وبيان ذلك فيما يأتي‏:‏

أ - العدّة على القول بأنّ القرء هو الطّهر‏:‏

13 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية إلى أنّ المرأة لو طلقت طاهراً، وبقي من زمن طهرها شيء ولو لحظةً حسبت قرءاً، لأنّ بعض الطّهر وإن قلّ يصدق عليه اسم قرء، فتنزّل منزلة طهر كامل، لأنّ الجمع قد أطلق في كلامه تعالى على معظم المدّة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ‏}‏ مع أنّه في شهرين وعشر ليال، ولذلك تنقضي عدّتها في هذه الحالة برؤية الدّم من الحيضة الثّالثة وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة‏.‏

وعلى الرّواية عن أحمد - بأنّ القرء هو الطّهر - لا تنقضي عدّتها برؤية الدّم من الحيضة الثّالثة، وإنّما تنقضي بانقطاع دم تلك الحيضة واغتسالها في المعتمد من المذهب، ومقابل المعتمد‏:‏ أنّه لا يشترط الغسل لانقضاء العدّة، بل يكفي انقطاع دم الحيضة الثّالثة‏.‏

ولم يخالف في ذلك - كما قال ابن قدامة - إلاّ الزّهريّ حيث قال‏:‏ تعتدّ بثلاثة قروء سوى الطّهر الّذي طلّقها فيه، وحكي عن أبي عبيد أنّه إن كان جامعها في الطّهر لم يحتسب ببقيّته، لأنّه زمن حرم فيه الطّلاق، فلم يحتسب به من العدّة كزمن الحيض‏.‏

وإن طلّقها حائضاً انقضت عدّتها برؤية الدّم من الحيضة الرّابعة وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه وأبان بن عثمان وأبي ثور لئلاّ تزيد العدّة على ثلاثة أشهر‏.‏

ب - العدّة على القول بأنّ القرء هو الحيض‏:‏

14 - ذهب الحنفيّة، وهو المذهب عند الحنابلة، إلى أنّ العدّة لا تنقضي ما لم تحض المرأة ثلاث حيض كوامل تالية للطّلاق، فلو طلّقها في طهر فلا يحتسب ذلك الطّهر من العدّة عندهم، أو طلّقها في حيضها فإنّها لا تحسب من عدّتها بغير خلاف بين أهل العلم، لحرمة الطّلاق في الحيض لما فيه من تطويل العدّة عليها، ولأنّ اللّه تعالى أمر بثلاثة قروء كاملة، فلا تعتدّ بالحيضة الّتي طلّق فيها‏.‏

يقول الكاسانيّ‏:‏ وفائدة الاختلاف أنّ من طلّق امرأته في حالة الطّهر لا يحتسب بذلك الطّهر من العدّة عندنا، حتّى لا تنقضي عدّتها ما لم تحض ثلاث حيض بعده‏.‏

15 - ولكن هل العدّة تنقضي بالغسل من الحيضة الثّالثة، أم بانقطاع الدّم منها ‏؟‏

ذهب الحنفيّة والثّوريّ إلى أنّ العدّة تنقضي بانقطاع الدّم من الحيضة الثّالثة دون اغتسال، إن كانت أيّامها في الحيض عشرةً، لانقطاع الدّم بيقين، إذ لا مزيد للحيض على عشرة، لأنّها إذا رأت أكثر من عشرة لم يكن الزّائد على العشرة حيضاً بانقضاء العدّة، لعدم احتمال عود دم الحيض بعد العشرة أيّام، فيزول الحيض ضرورةً ويثبت الطّهر‏.‏

وعلى ذلك فلا يجوز رجعتها وتحلّ للأزواج بانقضاء الحيضة الثّالثة‏.‏

أمّا إذا كانت أيّام حيضها دون العشرة، فإنّها في العدّة ما لم تغتسل، فيباح لزوجها ارتجاعها، ولا يحلّ لغيره نكاحها، بشرط أن تجد ماءً فلم تغتسل ولا تيمّمت وصلّت به ولا مضى عليها وقت كامل من أوقات أدنى الصّلوات إليها‏.‏

واستدلّوا بالكتاب والسّنّة والإجماع والمعقول‏:‏

أمّا الكتاب فقوله تعالى ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ‏}‏ أي يغتسلن‏.‏

وأمّا السّنّة‏:‏ فما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » تحلّ لزوجها الرّجعة عليها حتّى تغتسل من الحيضة الثّالثة «‏.‏

وأمّا الإجماع فقد أجمع الصّحابة رضوان الله عليهم على اعتبار الغسل شرطاً لانقضاء العدّة حيث روى علقمة عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ كنت عند عمر رضي الله عنه فجاء رجل وامرأة، فقال الرّجل‏:‏ زوجتي طلّقتها وراجعتها، فقالت‏:‏ ما يمنعني ما صنع أن أقول ما كان، إنّه طلّقني وتركني حتّى حضت الحيضة الثّالثة وانقطع الدّم، وغلّقت بابي، ووضعت غسلي، وخلعت ثيابي، فطرق الباب فقال‏:‏ قد راجعتك، فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ قل فيها يا ابن أمّ عبد، فقلت‏:‏ أرى الرّجعة قد صحّت ما لم تحلّ لها الصّلاة، فقال عمر‏:‏ لو قلت غير هذا لم أره صواباً‏.‏

وروي عن مكحول أنّ أبا بكر وعمر وعليّاً وابن مسعود وأبا الدّرداء وعبادة بن الصّامت وعبد اللّه بن قيس الأشعريّ رضي الله عنهم كانوا يقولون في الرّجل يطلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين‏:‏ إنّه أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة، ترثه ويرثها ما دامت في العدّة، فاتّفقت كلمة الصّحابة رضي الله عنهم على اعتبار الغسل‏.‏

وأمّا المعقول فلأنّ أيّامها إذا كانت أقلّ من عشرة لم تستيقن بانقطاع دم الحيض، لاحتمال المعاودة في أيّام الحيض، إذ الدّم لا يدرّ درّاً واحداً، ولكنّه يدرّ مرّةً وينقطع أخرى فكان احتمال العود قائماً، والعائد يكون دم حيض إلى العشرة، فلم يوجد انقطاع دم الحيض بيقين، فلا يثبت الطّهر بيقين، فتبقى العدّة لأنّها كانت ثابتةً بيقين، والثّابت بيقين لا يزول بالشّكّ‏.‏

وعلى هذا إذا اغتسلت انقطعت الرّجعة، لأنّه ثبت لها حكم من أحكام الطّاهرات وهو إباحة أداء الصّلاة، إذ لا يباح أداؤها للحائض، فتقرّر الانقطاع بقرينة الاغتسال فتنقطع الرّجعة لانتهاء العدّة به‏.‏

وكذا إذا لم تغتسل، لكن مضى عليها وقت الصّلاة، أو إذا لم تجد الماء، بأن كانت مسافرةً فتيمّمت وصلّت‏.‏

أمّا إذا تيمّمت ولم تصلّ فهل تنتهي العدّة وتنقطع الرّجعة ‏؟‏

قال أبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ لا تنقضي العدّة ولا تنقطع الرّجعة للعلّة السّابقة، وقال محمّد‏:‏ تنتهي العدّة وتنقطع الرّجعة، لأنّها لمّا تيمّمت ثبت لها حكم من أحكام الطّاهرات وهو إباحة الصّلاة فلا يبقى الحيض ضرورةً‏.‏

وللحنابلة في انقضاء العدّة وإباحة المعتدّة للأزواج بالغسل من الحيضة الثّالثة بناءً على القول بأنّ القرء هو الحيض قولان‏:‏

القول الأوّل‏:‏ أنّها في العدّة ما لم تغتسل، فيباح لزوجها ارتجاعها، ولا يحلّ لغيره نكاحها لأنّها ممنوعة من الصّلاة بحكم حدث الحيض فأشبهت الحائض‏.‏

القول الثّاني‏:‏ أنّ العدّة تنقضي بطهرها من الحيضة الثّالثة وانقطاع دمها، اختاره أبو الخطّاب لأنّ اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏ وقد كملت القروء، بدليل وجوب الغسل عليها ووجوب الصّلاة وفعل الصّيام وصحّته منها، ولأنّه لم يبق حكم العدّة في الميراث ووقوع الطّلاق فيها واللّعان والنّفقة، قال القاضي‏:‏ إذا شرطنا الغسل أفاد عدمه إباحة الرّجعة وتحريمها على الأزواج، فأمّا سائر الأحكام فإنّها تنقطع بانقطاع دمها‏.‏

عدّة الأمة

16 - عدّة الأمة تختلف باختلاف نوع الفرقة الّتي تعتدّ منها، وباختلاف حالها باعتبارها من ذوات الحمل أو الأقراء أو الأشهر‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏رقّ ف 99‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ العدّة بالأشهر

17 - ذهب الفقهاء إلى أنّ العدّة بالأشهر تجب في حالتين‏:‏

الحالة الأولى‏:‏ وهي ما تجب بدلاً عن الحيض في المرأة المطلّقة أو ما في معناها الّتي لم تر دماً ليأس أو صغر، أو بلغت سنّ الحيض، أو جاوزته ولم تحض، فعدّتها ثلاثة أشهر بنصّ القرآن، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏ أي فعدّتهنّ كذلك، ولأنّ الأشهر هنا بدل عن الأقراء، والأصل مقدّر بثلاثة فكذلك البدل‏.‏

واشترط المالكيّة في الصّغيرة الّتي لم تحض أن تكون مطيقةً للوطء، وفي الكبيرة الآيسة من المحيض أن تكون قد جاوزت السّبعين سنةً‏.‏

وسنّ اليأس محلّ خلاف بين الفقهاء انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إياس ف 6‏)‏‏.‏

وإذ اعتدّت المرأة بالأشهر ثمّ حاضت بعد فراغها فقد انقضت العدّة ولا تلزمها العدّة بالأقراء‏.‏

ولو حاضت في أثناء الأشهر انتقلت إلى الأقراء ولا يحسب ما مضى قرءاً عند جمهور الفقهاء لقدرتها على الأصل قبل الفراغ من البدل، كالمتيمّم يجد الماء أثناء تيمّمه‏.‏

الحالة الثّانية‏:‏ عدّة الوفاة الّتي وجبت أصلاً بنفسها، وسبب وجوبها الوفاة بعد زواج صحيح سواء أكانت الوفاة قبل الدّخول أم بعده، وسواء أكانت ممّن تحيض أم لا، بشرط ألاّ تكون حاملاً ومدّتها أربعة أشهر وعشر لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏}‏‏.‏

وقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال، إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً «‏.‏

وقدّرت عدّة الوفاة بهذه المدّة، لأنّ الولد يكون في بطن أمّه أربعين يوماً نطفةً، ثمّ أربعين يوماً علقةً، ثمّ أربعين يوماً مضغةً، ثمّ ينفخ فيه الرّوح في العشر، فأمرت بتربّص هذه المدّة ليستبين الحمل إن كان بها حمل‏.‏

وصرّح المالكيّة خلافاً لجمهور الفقهاء بأنّ العدّة من الوفاة واجبة من النّكاح الفاسد المختلف فيه دون النّكاح المتّفق على فساده كخامسة فلا عدّة إلاّ إن كان الزّوج البالغ قد دخل بها وهي مطيقة فتعتدّ كالمطلّقة‏.‏

كيفيّة حساب أشهر العدّة

18 - إنّ حساب أشهر العدّة في الطّلاق أو الفسخ أو الوفاة يكون بالشّهور القمريّة لا الشّمسيّة، فإذا كان الطّلاق أو الوفاة في أوّل الهلال اعتبرت الأشهر بالأهلّة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏ حتّى ولو نقص عدد الأيّام، لأنّ اللّه أمرنا بالعدّة بالأشهر، فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏}‏ فلزم اعتبار الأشهر، سواء أكانت ثلاثين يوماً أو أقلّ، ولما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » الشّهر هكذا وهكذا وهكذا « وأشار بأصابعه العشر مرّتين وهكذا في الثّالثة وأشار بأصابعه كلّها وحبس أو خنس إبهامه وهذا عند جمهور الفقهاء‏.‏

وإن كانت الفرقة في أثناء الشّهر، فإنّ الفقهاء قد اختلفوا في ذلك على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو رواية عن أبي يوسف إلى أنّها لو طلقت أو حدثت الوفاة في أثناء الشّهر ولو في أثناء أوّل يوم أو ليلة منه اعتبر شهران بالهلال، ويكمل المنكسر ثلاثين يوماً من الشّهر الرّابع، ولو كان المنكسر ناقصاً‏.‏

وكذلك في عدّة الوفاة بالأشهر، فإنّها تعتدّ بقيّة الشّهر المنكسر بالأيّام وباقي الشّهور بالأهلّة، ويكمل الشّهر الأوّل من الشّهر الأخير‏.‏

واستدلّوا بأنّ المأمور به هو الاعتداد بالشّهر، والأشهر اسم الأهلّة، فكان الأصل في الاعتداد هو الأهلّة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏، جعل الهلال لمعرفة المواقيت، وإنّما يعدل إلى الأيّام عند تعذّر اعتبار الأهلّة، وقد تعذّر اعتبار الهلال في الشّهر الأوّل فعدلنا عنه إلى الأيّام، ولا تعذّر في بقيّة الأشهر فلزم اعتبارها بالأهلّة‏.‏

القول الثّاني‏:‏ ذهب أبو حنيفة ورواية عن أبي يوسف وابن بنت الشّافعيّ إلى أنّ العدّة تحتسب بالأيّام، فتعتدّ من الطّلاق وغيره تسعين يوماً، ومن الوفاة مائةً وثلاثين يوماً، لأنّه إذا انكسر شهر انكسر جميع الأشهر، قياساً على صوم الشّهرين المتتابعين إذا ابتدأ الصّوم في نصف الشّهر‏.‏

ولأنّ العدّة يراعى فيها الاحتياط، فلو اعتبرناها في الأيّام لزادت على الشّهور ولو اعتبرناها بالأهلّة لنقصت عن الأيّام، فكان إيجاب الزّيادة أولى احتياطاً‏.‏

بدء حساب أشهر العدّة

19 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ عدّة الأشهر تبدأ من السّاعة الّتي فارقها زوجها فيها، فلو فارقها في أثناء اللّيل أو النّهار ابتدئ حساب الشّهر من حينئذ، واعتدّت من ذلك الوقت إلى مثله، واستدلّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏ فلا تجوز الزّيادة عليها بغير دليل، وحساب السّاعات ممكن‏:‏ إمّا يقيناً وإمّا استظهاراً، فلا وجه للزّيادة على ما أوجبه اللّه تعالى‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يحسب يوم الطّلاق إن طلقت بعد فجره، ولا يوم الوفاة‏.‏

العشر المعتبرة في عدّة الوفاة بالأشهر

20 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العشر المعتبرة في عدّة الوفاة هي عشر ليال بأيّامها فتجب عشرة أيّام مع اللّيل، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏}‏ فالعرب تغلّب صيغة التّأنيث في العدد خاصّةً على المذكّر فتطلق لفظ اللّيالي وتريد اللّيالي بأيّامها كقوله تعالى لسيّدنا زكريّا عليه السلام‏:‏ ‏{‏آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً‏}‏ يريد بأيّامها بدليل أنّ اللّه تعالى قال في آية أخرى‏:‏ ‏{‏آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً‏}‏ يريد بلياليها ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه اللّيالي والأيّام وبهذا قال أبو عبيد وابن المنذر خلافاً للأوزاعيّ والأصمّ اللّذين قالا‏:‏ تعتدّ بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيّام، لأنّ العشر تستعمل في اللّيالي دون الأيّام، وإنّما دخلت الأيّام اللاتي في أثناء اللّيالي تبعاً، وعلى ذلك فلو تزوّجت في اليوم العاشر جاز، أخذاً من تذكير العدد - العشر - في الكتاب والسّنّة، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاثة أيّام إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً « فيجب كون المعدود اللّيالي وإلاّ لأنّثه‏.‏