فصل: عَسَل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


عَسَل

التّعريف

1 - العسل في اللّغة‏:‏ لعاب النّحل، وقد جعله اللّه تعالى بلطفه شفاءً للنّاس، والعرب تذكّر العسل وتؤنّثه‏.‏

وكنّي عن الجماع بالعسيلة، قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ » حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك « لأنّ العرب تسمّي كلّ ما تستحليه عسلاً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

السّكّر‏:‏

2 - السُّكَّر - بضمّ السّين وتشديد الكاف -‏:‏ مادّة حلوة تستخرج غالباً من عصير القصب أو البنجر، وقصبه يعرف بقصب السّكّر‏.‏

قال ابن زهير‏:‏ العسل ألطف من السّكّر نفوذاً‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعسل

أ - التّداوي بالعسل‏:‏

3 - يجوز التّداوي بالعسل قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ‏}‏‏.‏

قال جمهور العلماء‏:‏ أي في العسل شفاء للنّاس‏.‏

وروي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما والحسن ومجاهد والضّحّاك، والفرّاء، وابن كيسان‏:‏ الضّمير للقرآن، أي‏:‏ في القرآن شفاء‏.‏

وفي الصّحيحين عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه‏:‏ » أنّ رجلاً أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّ أخي يشتكي بطنه - وفي رواية‏:‏ استطلق بطنه - فقال‏:‏ اسقه عسلاً، فذهب ثمّ رجع، فقال‏:‏ سقيته فلم يغن عنه شيئاً وفي لفظ‏:‏ فلم يزده إلاّ استطلاقاً مرّتين أو ثلاثاً، كلّ ذلك يقول له‏:‏ اسقه عسلاً فقال له في الثّالثة أو الرّابعة‏:‏ صدق اللّه، وكذب بطن أخيك «‏.‏

ب - زكاة العسل‏:‏

4 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى وجوب العشر في العسل، قال الأثرم‏:‏ سئل أبو عبد اللّه‏:‏ أنت تذهب إلى أنّ في العسل زكاةً ‏؟‏ قال نعم أذهب إلى أنّ في العسل زكاةً العشر، قد أخذ عمر رضي الله عنه منهم الزّكاة قلت‏:‏ ذلك على أنّهم تطوّعوا به ‏؟‏ قال‏:‏ لا، بل أخذه منهم، ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز، ومكحول والزّهريّ وسليمان بن موسى والأوزاعيّ وإسحاق‏.‏ وحكاه التّرمذيّ عن أكثر أهل العلم‏.‏

واستدلّوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ » كتب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر «‏.‏

وبحديث عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر «‏.‏

وبحديث سعد بن أبي ذباب قال‏:‏ قدمت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثمّ قلت يا رسول اللّه، اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم، ففعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم، ثمّ استعملني أبو بكر رضي الله عنه، قال‏:‏ وكان سعد من أهل السّراة، قال‏:‏ فكلّمت قومي في العسل، فقلت لهم‏:‏ زكّوه، فإنّه لا خير في ثمرة لا تزكّى، فقالوا‏:‏ كم ‏؟‏ قال فقلت العشر، فأخذت منهم العشر، فأتيت عمر بن الخطّاب، فأخبرته بما كان، فقبضه عمر فباعه، ثمّ جعل ثمنه في صدقات المسلمين‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ كون عمر رضي الله عنه قبله منه، ولم ينكره عليه حين أتاه بعين العسل، مع أنّه لم يأت به إلاّ على أنّه زكاة أخذها منهم، يدلّ على أنّه حقّ معهود في الشّرع‏.‏

كما أخرج ابن ماجه وأحمد وأبو داود الطّيالسيّ، وأبو يعلى الموصليّ من حديث أبي سيّارة المتعيّ قال‏:‏ » قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّ لي نحلاً، قال‏:‏ أدّ العشر قلت‏:‏ يا رسول اللّه احمها لي، فحماها لي «‏.‏

وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال‏:‏ » جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي له وادياً يقال له سلبة‏.‏ فحمى له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلمّا ولي عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يسأله عن ذلك، فكتب عمر رضي الله عنه إن أدّى إليك ما كان يؤدّي إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من عشور نحله، فاحم له سلبة، وإلاّ فإنّما هو ذباب غيث يأكله من يشاء «‏.‏ ويشترط الحنفيّة لوجوب الزّكاة في العسل كون النّحل في أرض العشر، أمّا إذا كان في أرض الخراج فلا شيء فيه‏:‏ لا عشر ولا خراج‏.‏

ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّ العسل لا زكاة فيه، وهو قول ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وابن المنذر، والثّوريّ، وحكاه ابن عبد البرّ عن الجمهور، لأنّ العسل مائع خارج من حيوان أشبه اللّبن، قال ابن المنذر‏:‏ ليس في وجوب الصّدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه‏.‏

ج - نصاب العسل‏:‏

5 - يرى الحنابلة والزّهريّ أنّ نصاب العسل عشرة أفراق، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنّ أناساً سألوه، فقالوا‏:‏ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قطع لنا وادياً باليمن فيه خلايا من نحل، وإنّا نجد ناساً يسرقونها، فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ إن أدّيتم صدقتها عن كلّ عشرة أفراق فرقاً حميناها لكم‏.‏

وهذا تقدير من عمر رضي الله عنه فيتعيّن المصير إليه‏.‏

ورجّح ابن قدامة أنّ الفرق ستّة عشر رطلاً بالعراقيّ فيكون نصاب العسل مائةً وستّين رطلاً‏.‏

وأمّا أبو حنيفة فيرى وجوب العشر في قليل العسل وكثيره، لأنّه لا يشترط النّصاب في العشر‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ ليس فيما دون خمسة أوسق من العسل العشر، قال السّرخسيّ‏:‏ مراد أبي يوسف من هذا اللّفظ أن تبلغ قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق، فالحاصل أنّ ما لا يدخل تحت الوسق كالقطن والزّعفران، والسّكّر والعسل، عند أبي يوسف تعتبر القيمة فيه، لأنّ نصب النّصاب بالرّأي لا يكون، ولكن فيما فيه نصّ يعتبر المنصوص، وما لا نصّ فيه المعتبر هو القيمة، كما في عروض التّجارة مع السّوائم في حكم الزّكاة‏.‏

عُسَيْلَة

التّعريف

1 - العسيلة في اللّغة‏:‏ النّطفة، أو ماء الرّجل، أو حلاوة الجماع، تشبيه بالعسل للذّته‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ والعرب تسمّي كلّ شيء تستلذّه عسلاً‏.‏

والعسيلة اصطلاحاً‏:‏ كناية عن الجماع‏.‏

ونقل ابن حجر عن جمهور العلماء‏:‏ ذوق العسيلة كناية عن المجامعة، وهو تغيّب حشفة الرّجل في فرج المرأة‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ المطلّقة ثلاثاً لا تحلّ لمن طلّقها ثلاثاً حتّى تنكح زوجاً غيره، ثمّ يفارقها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ‏}‏‏.‏

ويشترط الفقهاء في اعتبار النّكاح الثّاني الوطء في الفرج لما روى عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ » أنّ رفاعة القرظيّ تزوّج امرأةً ثمّ طلّقها، فتزوّجت آخر، فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنّه لا يأتيها، وأنّه ليس معه إلاّ مثل هدبة، فقال‏:‏ لا، حتّى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك «‏.‏

ولم يشترط سعيد بن المسيّب الوطء، وكان يقول‏:‏ يقول النّاس لا تحلّ للأوّل حتّى يجامعها الثّاني، وأنا أقول إذا تزوّجها تزويجاً صحيحاً لا يريد بذلك إحلالها للأوّل فلا بأس أن يتزوّجها الأوّل‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وفي المنية‏:‏ أنّ سعيداً رجع عنه إلى قول الجمهور، فمن عمل به يسودّ وجهه، ويبعد، ومن أفتى به يعزّر، وذكر في الخلاصة‏:‏ أنّ من أفتى به فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين، فإنّه مخالف الإجماع، ولا ينفذ قضاء القاضي به‏.‏

3 - وأدنى ما يكفي من الوطء حتّى تحلّ لمطلّقها ثلاثاً عند الفقهاء‏:‏ تغييب الحشفة في القبل مع الانتشار، واعتبر كون الوطء في القبل، لأنّ الوطء المعتبر في الزّوجة شرعاً لا يكون في غير القبل، ولأنّ الحلّ متعلّق بذوق العسيلة ولا يحصل بغيره، واعتبر الانتشار لعدم حصول العسيلة إلاّ به، لقول امرأة رفاعة ‏"‏ وأنّه ليس معه إلاّ مثل هدبة ‏"‏‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ أرادت أنّ ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ أن يكون له نوع انتشار يحصل به إيلاج، كي لا يكون بمنزلة إدخال خرقة في المحلّ‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ ولا يشترط كون الانتشار تامّاً‏.‏

قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ فالمعتبر الانتشار بالفعل لا بالقوّة، حتّى لو أدخل السّليم ذكره بأصبعه بلا انتشار لم يحلّ‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّه إن ضعف الانتشار واستعان بأصبعه، أو أصبعها ليحصل ذوق العسيلة كفى‏.‏

وانفرد الحسن البصريّ باشتراط الإنزال أيضاً، قال ابن بطّال‏:‏ شذّ الحسن في هذا وخالفه سائر الفقهاء، وقالوا‏:‏ يكفي من ذلك ما يوجب الحدّ، ويحصن الشّخص ويوجب كمال الصّداق، ويفسد الحجّ والصّوم‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تحليل ف 9‏)‏‏.‏

عَشَاء

انظر‏:‏ صلاة العشاء‏.‏

عُشْر

التّعريف

1 - العشر لغةً‏:‏ الجزء من عشرة أجزاء، ويجمع العشر على عشور، وأعشار، وفي الاصطلاح يطلق العشر على معنيين‏:‏

الأوّل‏:‏ عشر التّجارات والبياعات‏.‏

والثّاني‏:‏ عشر الصّدقات، أو زكاة الخارج من الأرض‏.‏

ويقتصر هنا على بحث عشر التّجارة‏.‏

أمّا عشر الخارج من الأرض فمحلّه مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

وعشر التّجارة‏:‏ هو ما يفرض على أموال أهل الذّمّة المعدّة للتّجارة إذا انتقلوا بها من بلد إلى بلد داخل بلاد الإسلام‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الزّكاة‏:‏

2 - الزّكاة لغةً‏:‏ النّماء والرّيع والزّيادة‏.‏

وهي في الاصطلاح‏:‏ تطلق على أداء حقّ يجب في أموال مخصوصة على وجه مخصوص، ويعتبر في وجوبه الحول والنّصاب، وتطلق - أيضاً - على المال المخرّج‏.‏

والزّكاة تجب في مال المسلم سواء أكان للتّجارة أم غيرها، أمّا العشر فلا يجب إلاّ في الأموال التّجاريّة، ويؤخذ من الذّمّيّ‏.‏

ب - الجزية‏:‏

3 - الجزية‏:‏ ما لزم الكافر من مال لأمنه واستقراره، تحت حكم الإسلام وصونه‏.‏

ووجه الصّلة بين العشر والجزية، أنّ كَلاً منهما يجب على أهل الذّمّة وأهل الحرب بأمان، ويصرف في مصارف الفيء‏.‏

والفرق بينهما‏:‏ أنّ الجزية توضع على الرّءوس، أمّا العشر فيوضع على الأموال التّجاريّة الّتي يمرّ بها التّاجر على العاشر‏.‏

ج - الخراج‏:‏

4 – الخراج‏:‏ ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدّى عنها، ووجه الصّلة بين العشر والخراج‏:‏ أنّ كَلاً منهما يجب على غير المسلم، ويصرف في مصارف الفيء، ولذلك أطلق عليه بعض الفقهاء ‏"‏ الجزية العشريّة ‏"‏‏.‏

والفرق بينهما‏:‏ أنّ الخراج يوضع على رقبة الأرض، أمّا العشر فيوضع على الأموال التّجاريّة‏.‏

د - الخمس‏:‏

5 - الخمس‏:‏ اسم للمأخوذ من الغنيمة والرّكاز وغيرهما ممّا يخمّس، والخمس يجب في كلّ مال فاء إلى المسلمين سواء كان عقاراً أو منقولاً، أمّا العشر فلا يجب إلاّ في الأموال التّجاريّة الّتي ينتقل بها التّاجر الذّمّيّ أو المستأمن‏.‏

هـ – الفيء‏:‏

6 – الفيء لغةً‏:‏ الرّجوع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ ما ردّه اللّه تعالى على أهل دينه من أموال من خالفهم في الدّين بلا قتال، إمّا بالجلاء، أو بالمصالحة على جزية، أو غيرها‏.‏

فبين الفيء والعشور عموم وخصوص، فالفيء أعمّ من العشور‏.‏

حكم أخذ العشر

7 - يؤخذ العشر من تجارة غير المسلمين عند دخولهم بها إلى دار الإسلام، وذلك في الجملة، وتفصيل الحكم سيأتي‏.‏

أدلّة مشروعيّة العشر

8 - استدلّ الفقهاء لمشروعيّة العشر على غير المسلم بالسّنّة والإجماع والمعقول‏.‏

أمّا السّنّة، فقوله‏:‏ » إنّما العشور على اليهود والنّصارى، وليس على المسلمين عشور « فالحديث يدلّ على أنّه لا يؤخذ من المسلم مال سوى الزّكاة، ويؤخذ من اليهود والنّصارى عشر التّجارات كما تؤخذ منهم الجزية‏.‏

وأمّا الإجماع فقد بعث عمر بن الخطّاب رضي الله عنه العشّار ليأخذوا العشر بمحضر من الصّحابة رضوان الله عليهم، ولم يخالفه في ذلك أحد، فكان إجماعاً سكوتيّاً‏.‏

وأمّا المعقول فالتّاجر الّذي ينتقل بتجارته من بلد إلى آخر يحتاج إلى الأمان، والحماية من اللّصوص وقطّاع الطّرق، والدّولة الإسلاميّة تتكفّل بتأمين ذلك عبر طرقها وممرّاتها التّجاريّة، فالعشر الّذي يؤخذ من التّاجر هو في مقابل تلك الحماية، والانتفاع بالمرافق العامّة للدّولة الإسلاميّة‏.‏

حكمة مشروعيّة العشر

9 - العشر وسيلة لهداية غير المسلمين من الحربيّين إلى الإسلام، إذ بدخولهم بعد أخذ العشر منهم إلى دار الإسلام للتّجارة يطّلعون على محاسن الإسلام فيحملهم ذلك على الدّخول فيه‏.‏

والعشر مورد ماليّ تستعين به الدّولة الإسلاميّة في الإنفاق على المصالح العامّة‏.‏

والعشر وسيلة لزيادة المال ونمائه، إذ أنّ السّماح لغير المسلمين بدخول دار الإسلام والتّنقّل بتجاراتهم في مقابل العشر يؤدّي إلى تنمية أموالهم وزيادتها، كما قال الدّهلويّ، لأنّ النّموّ لا يتمّ إلاّ بالتّردّد خارج البلاد‏.‏

والعشر وسيلة لزيادة التّبادل التّجاريّ بين الدّولة الإسلاميّة والدّول الأخرى‏.‏

قال السّرخسيّ‏:‏ إنّا إذا عاملناهم بمثل ما يعاملوننا به، كان ذلك أقرب إلى مقصود الأمان واتّصال التّجارات‏.‏

الأشخاص الّذين تعشّر أموالهم

10 - ذهب الفقهاء إلى مشروعيّة أخذ العشر من تجارة غير المسلمين إذا دخلوا بها دار الإسلام على التّفصيل الآتي‏:‏

أوّلاً‏:‏ المستأمنون

11 - المستأمن هو الّذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام‏:‏ رسل، تجّار، ومستجيرون حتّى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، وطالبو حاجة من زيارة وغيرها‏.‏

فمن دخل من هؤلاء بتجارة، فقد ذهب الفقهاء في أخذ العشر منه مذاهب‏:‏

ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا دخل الحربيّ بمال التّجارة إلى دار الإسلام بأمان يؤخذ منه عشر ماله إذا بلغ المال نصاباً، وهذا إذا لم يعلم مقدار ما يأخذون منّا، فإن علم مقدار ما يأخذون منّا أخذ منهم مثله مجازاةً، إلاّ إذا عرف أخذهم الكلّ فلا نأخذ منهم الكلّ بل نترك لهم ما يبلّغهم مأمنهم إبقاءً للأمان، وإن علم أنّهم لا يأخذون منّا لا نأخذ منهم ليستمرّوا عليه، ولأنّنا أحقّ بالمكارم، ولا يؤخذ العشر من مال صبيّ حربيّ إلاّ أن يكونوا يأخذون من أموال صبياننا‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا دخل الحربيّ بمال التّجارة إلى بلاد المسلمين بأمان على شيء يعطيه فإنّه يلزمه ولو أكثر من العشر، ولا يجوز أخذ زائد عليه، وعند عدم تعيين جزء يؤخذ منه العشر، إلاّ أن يؤدّي الإمام اجتهاده إلى أخذ أقلّ فيقتصر عليه على المشهور‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ إن دخلوا بأمان وشرط الإمام عليهم أن يأخذ منهم عشر تجارتهم أو أكثر أو أقلّ أخذ منهم، وإن لم يشرط بل عقد لهم الأمان على دمائهم لم يأخذ من أموالهم شيئاً إن دخلوا بأموالهم، إلاّ بشرط أو طيب أنفسهم، وسواء كان هؤلاء المستأمنون من قوم يعشّرون المسلمين إن دخلوا بلادهم أو يخمّسونهم‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ الحربيّ إذا دخل بلاد الإسلام بأمان واتّجر فإنّه يؤخذ من تجارته العشر دفعةً واحدةً، سواء أكان كبيراً أم صغيراً، وسواء أكان ذكراً أم أنثى، وسواء أعشروا أموال المسلمين إذا دخلت إليهم أم لا، لأنّ عمر رضي الله عنه أخذ من أهل الحرب العشر، واشتهر ولم ينكر، عمل به الخلفاء من بعده، ولا يؤخذ العشر من أقلّ من عشرة دنانير، وذكر الموفّق أنّ للإمام ترك العشر إذا رأى المصلحة في ذلك‏.‏

ثانياً‏:‏ أهل الذّمّة

12 - أهل الذّمّة‏:‏ هم غير المسلمين من النّصارى، واليهود، والمجوس الّذين يقيمون في دار الإسلام بموجب عقد الذّمّة‏.‏

وقد اختلف الفقهاء فيما إذا انتقل الذّمّيّ بتجارته إلى غير البلد الّذي أقرّ على المقام فيه، كالشّاميّ ينتقل إلى مصر أو العراق أو الحجاز‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ على الذّمّيّ إن اتّجر نصف العشر في تجارته يؤدّيه في العام مرّةً، كما يؤدّي المسلم زكاة تجارته وهي ربع العشر في كلّ عام، فالمسلم والذّمّيّ سيّان إلاّ في مقدار العشر، وقالوا‏:‏ إنّ ما يدفعه الذّمّيّ هو جزية في ماله، كما يسمّى خراج أرضه جزيةً، فالجزية عندهم أنواع‏:‏ جزية مال، وجزية أرض، وجزية رأس، ولا يلزم من أخذ بعضها سقوط باقيها إلاّ في بني تغلب‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ العشر يؤخذ من الذّمّيّين لهذا الانتقال، لأنّهم عوهدوا على التّجارة وتنمية أموالهم بآفاقهم الّتي استوطنوها، فإذا طلبوا تنمية أموالهم بالتّجارة إلى غير ذلك من آفاق المسلمين كان عليهم في ذلك حقّ غير الجزية الّتي صولحوا عليها، وأنّه يؤخذ منهم نصف العشر في الطّعام الّذي يجلبونه إلى مكّة أو المدينة لحاجة أهل الحرمين وما ألحق بهما إليه‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يجب عليهم شيء سوى الجزية إن اتّجروا فيما سوى الحجاز من بلاد الإسلام إلاّ إذا شرط الإمام عليهم مع الجزية شيئاً من تجارتهم، فإن دخلوا بلاد الحجاز فينظر إن كان لنقل طعام أو نحوه يحتاج إليه أهل الحجاز أذن لهم بغير شيء وإن كان لتجارة لا حاجة بأهل الحجاز إليها كالعطر لم يأذن لهم إلاّ أن يشترط عليهم عوضاً بحسب ما يراه، وكان عمر رضي الله عنه يشترط العشر في بعض الأمتعة كالقطيفة، ونصف العشر في القمح والشّعير على من دخل دار الحجاز من أهل الذّمّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من يجز من أهل الذّمّة إلى غير بلده، أخذ منه نصف العشر في السّنة‏.‏

تعشير تجارة المسلمين

13 - يرى الفقهاء أنّه لا يجوز أخذ شيء من عروض تجارة المسلمين غير الزّكاة الواجبة فيها، وليس عليهم من العشر المقرّر على غير المسلمين شيء، لحديث‏:‏ » إنّما العشور على اليهود والنّصارى، وليس على المسلمين عشور «‏.‏

شروط من يفرض عليهم العشر

14 - اشترط بعض الفقهاء لأخذ العشر من أهل الحرب إذا دخلوا بأمان ومن الذّمّيّين عدّة شروط وهي‏:‏

أ - البلوغ‏:‏

15 - اشترط الحنيفة البلوغ، وذهب الحنابلة إلى عدم اشتراط هذا الشّرط فقالوا‏:‏ يؤخذ العشر من كلّ تاجر، صغيراً كان أو كبيراً، لأنّ الأحاديث في هذا الباب لا تفرّق بين صغير وكبير، وليس هذا بجزية، وإنّما هو حقّ يختصّ بمال التّجارة، لتوسّعه في دار الإسلام وانتفاعه بالتّجارة بها، فيستوي فيه الصّغير والكبير‏.‏

وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فمقتضى إطلاق نصوصهم عدم اشتراط هذا الشّرط، فالعشور عند الشّافعيّة مرجعها إلى الشّرط والاتّفاق، فإذا اشترط الإمام أخذها من التّجّار أخذت منهم، ولو كان مالكها صغيراً، وعلّة أخذ العشور عند المالكيّة الانتفاع ببلاد المسلمين، وهي متحقّقة في أموال الصّغير‏.‏

ب - العقل‏:‏

16 - اشترط الحنفيّة العقل لوجوب العشر، فلا يؤخذ العشر من المجنون، لأنّه ليس أهلاً للوجوب‏.‏

ومقتضى إطلاق نصوص المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة عدم اشتراط هذا الشّرط، فيؤخذ العشر من مال المجنون المعدّ للتّجارة إذا انتقل به، لأنّه حقّ يتعلّق بالمال وليس بالشّخص‏.‏

ج - الذّكورة‏:‏

17 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، وهو مقتضى إطلاق نصوص المالكيّة، إلى عدم اشتراط الذّكورة لحاجة أموال المرأة إلى الحماية، ولأنّ الأحاديث في هذا الباب لا تفرّق بين ذكر وأنثى‏.‏

واشترط أبو يعلى لوجوب العشر في أموال غير المسلمين الذّكورة، فلا يؤخذ العشر من المرأة - ذمّيّةً كانت أو حربيّةً - لأنّها محقونة الدّم، ولها المقام في دار الإسلام بغير جزية، فلم تعشّر تجارتها كالمسلم، إلاّ أن تكون تجارتها بالحجاز فتعشّر كالرّجل، لأنّها ممنوعة من الإقامة بالحجاز‏.‏

الأموال الّتي تخضع للعشر

18 - لا يجب العشر إلاّ في الأموال المعدّة للتّجارة‏:‏ كالأقمشة والزّيت والحبوب والذّهب والفضّة ونحو ذلك، أمّا الأمتعة الشّخصيّة وما ليس معدّاً للتّجارة فلا عشر فيه، روى يحيى بن آدم عن السّائب بن يزيد قال‏:‏ كنت أعشر مع عبد اللّه بن عتبة زمان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وكان يأخذ من أهل الذّمّة عشور أموالهم فيما اتّجروا فيه‏.‏

شروط وجوب العشر في الأموال التّجاريّة

19 - اشترط الفقهاء لوجوب العشر في الأموال التّجاريّة عدّة شروط وهي‏:‏

أ - الانتقال بها‏:‏

20 - ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ العشر لا يجب على الذّمّيّ في أمواله التّجاريّة إلاّ إذا انتقل بها من بلد إلى بلد آخر في بلاد المسلمين‏.‏

ب - أن يكون المال ممّا يبقى في أيدي النّاس حولاً‏:‏

21 - اشترط أبو حنيفة لوجوب العشر في أموال التّجارة أن يكون ممّا يبقى في أيدي النّاس حولاً كالتّمر والزّبيب والأقمشة، وأمّا ما لا يبقى في أيدي النّاس حولاً فلا يجب فيه العشر‏:‏ كالخضراوات والفاكهة ولو كانت قيمتها بالغةً للنّصاب، لأنّ العاشر يأخذ من عين ما يمرّ به عليه‏.‏

وذهب الصّاحبان من الحنفيّة إلى عدم اشتراط هذا الشّرط، فيجب العشر في كلّ ما أعدّ للتّجارة سواء كان يبقى في أيدي النّاس أو لا يبقى‏:‏ كالخضراوات والفواكه، لأنّ هذه الأموال محتاجة إلى الحماية كغيرها من الأموال التّجاريّة، ولأنّ المعتبر في مال التّجارة معناه وهو ماليّته وقيمته لا عينه‏.‏

ج - النّصاب‏:‏

22 - اشترط الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح من المذهب لوجوب العشر في الأموال التّجاريّة الّتي تعشر النّصاب، لأنّ العشر وجب بالشّرع فاعتبر له نصاب، واختلف القائلون باشتراط النّصاب في مقداره‏:‏

فذهب الحنفيّة وأحمد في رواية إلى أنّ مقدار النّصاب عشرون ديناراً من ذهب أو مائتا درهم من فضّة، لأنّ ما يؤخذ من الذّمّيّ ضعف ما يؤخذ من المسلم من الزّكاة، ويؤخذ على شرائط الزّكاة ومنها النّصاب، ومقدار نصاب زكاة عروض التّجارة عشرون ديناراً من ذهب أو مائتا درهم من الفضّة، وأمّا الحربيّ، فلأنّ ما دون المائتين قليل وهو محتاج إليه ليصل إلى مأمنه، واستدلّوا لذلك بقول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه‏:‏ خذ أنت منهم كما يأخذون من تجّار المسلمين، وخذ من أهل الذّمّة نصف العشر ومن المسلمين ربع العشر من كلّ أربعين درهماً درهماً، وليس فيما دون المائتين شيء‏.‏

وذهب الحنابلة في الصّحيح من المذهب إلى أنّ مقدار النّصاب عشرة دنانير من ذهب أو مائة درهم من فضّة، سواء كان التّاجر حربيّاً أو ذمّيّاً، لأنّ ذلك المأخوذ مال يبلغ واجبه نصف دينار فوجب اعتباره كالعشرين في حقّ المسلم‏.‏

وذهب أحمد في رواية إلى أنّ مقدار النّصاب بالنّسبة للتّاجر الذّمّيّ عشرون ديناراً من ذهب، وبالنّسبة للحربيّ عشرة دنانير‏.‏

وذهب أبو الحسين الحنبليّ إلى أنّ مقدار النّصاب بالنّسبة للتّاجر الذّمّيّ عشرة دنانير من ذهب، وبالنّسبة للحربيّ خمسة دنانير، لأنّ المأخوذ مال يبلغ نصف دينار فوجب اعتباره كالعشرين في حقّ المسلم‏.‏

وذهب المالكيّة وابن حامد من الحنابلة إلى عدم اشتراط النّصاب لوجوب العشر في الأموال التّجاريّة الّتي يمرّ بها الذّمّيّ أو الحربيّ، فيجب العشر في قليل الأموال وكثيرها، واستدلّوا بما روى أبو عبيد بسنده عن أنس بن سيرين قال‏:‏ سنّة عمر رضي الله عنه أن يؤخذ من أهل الذّمّة من كلّ عشرين درهماً درهم، وممّن لا ذمّة له كلّ عشرة دراهم درهم، كما استدلّوا بأنّ العشر حقّ على الذّمّيّ أو الحربيّ، فوجب في قليله وكثيره كنصيب المالك في أرضه الّتي عامله عليها، وبأنّ العشر الّذي يؤخذ فيء بمنزلة الجزية الّتي تؤخذ من أهل الذّمّة‏.‏

د - الفراغ من الدّين‏:‏

23 - اشترط الحنفيّة والحنابلة وأبو عبيد القاسم بن سَلام لأخذ العشر من التّاجر الذّمّيّ ألاّ تكون أمواله مشغولةً بدين ثبت عليه، لأنّه حقّ يعتبر له النّصاب والحول فيمنعه الدّين كالزّكاة‏.‏

واختلفوا في قبول قول الذّمّيّ إذا ادّعى أنّ عليه ديناً‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّه يحلف ويصدّق فلا يؤخذ منه شيء، لأنّه من أهل دارنا فيصدّق بالحلف كما يصدّق المسلم‏.‏

وذهب أحمد وأبو عبيد إلى أنّه لا يقبل قوله إلاّ ببيّنة من المسلمين، لأنّ الأصل براءة ذمّته منه‏.‏

وأمّا التّاجر الحربيّ فلا يشترط لتعشير أمواله التّجاريّة هذا الشّرط، لأنّ الدّين يوجب نقصاً في الملك وملك الحربيّ ناقص ولأنّ دينه لا مطالب له في دارنا‏.‏

مقدار العشر

24 - يختلف مقدار ما يؤخذ من العشر باختلاف الأشخاص الّذين يخضعون له، فهو على الذّمّيّ يخالف ما على الحربيّ‏.‏

أوّلاً‏:‏ المقدار الواجب في تجارة الذّمّيّ

25 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ الواجب في مال الذّمّيّ هو نصف العشر، لقول عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه‏:‏ يؤخذ ممّا يمرّ به الذّمّيّ نصف العشر وكان ذلك بمحضر من الصّحابة من غير نكير، وذهب المالكيّة إلى أنّه يجب في مال الذّمّيّ العشر كاملاً، ويستثنى من ذلك ما يجلبه من طعام إلى المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة، فيؤخذ منه نصف العشر، واستدلّوا لذلك بما روى مالك عن السّائب بن يزيد أنّه قال‏:‏ كنت غلاماً عاملاً مع عبد اللّه ابن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فكنّا نأخذ من النّبط العشر‏.‏

واختلف المالكيّة في المراد بالطّعام الّذي يخضع لهذا التّخفيف، فقيل‏:‏ الحنطة والزّيت، ولكنّ المقرّر في المذهب أنّه جميع المقتات أو ما يجري مجراه كالحبوب والأدهان‏.‏

وذهب الشّافعيّة، وهو قول ابن نافع وابن القاسم من المالكيّة، إلى أنّ قدر المشروط على أهل الذّمّة من العشور منوط برأي الإمام‏.‏

ثانياً‏:‏ المقدار الواجب في تجارة الحربيّ

26 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يؤخذ من الحربيّ مثل ما يأخذه الحربيّون من تجّار المسلمين فإن علمنا أنّهم يأخذون منّا العشر أخذنا من تجّارهم العشر، وإن أخذوا نصف العشر أخذنا من تجّارهم مثل ذلك، واستدلّوا لذلك بقول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعريّ‏:‏ خذ أنت منهم كما يأخذون من تجّارنا، ولأنّ ذلك أدعى لهم إلى المخالطة بدار الإسلام فيروا محاسن الإسلام فيدعوهم ذلك إلى الإسلام، وفي حالة عدم العلم بمقدار ما يأخذونه من تجّار المسلمين يؤخذ من تجّارهم العشر‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه لا فرق بين تجّار أهل الحرب وأهل الذّمّة في المقدار الواجب عليهم إذا مرّوا بتجارة على العاشر، فيؤخذ منهم العشر من غير الطّعام ونصف العشر إذا جلبوا الطّعام وما في معناه إلى مكّة والمدينة، لكنّهم أجازوا بالنّسبة لتجّار أهل الحرب أن يؤخذ منهم أكثر من العشر إن اشترط ذلك عليهم‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الأصحّ وهو قول ابن نافع وابن القاسم من المالكيّة إلى أنّ تقدير العشور الّتي تؤخذ من التّاجر الحربيّ متروك إلى اجتهاد الإمام حسب ما تقضي به المصلحة العامّة، فيجوز له أن يشترط أخذ العشر أو أكثر منه أو دونه، ويجوز له عدم أخذ شيء إذا جلب الحربيّ بضاعةً يحتاج إليها المسلمون‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يجب على الحربيّ العشر دفعةً واحدةً، سواء عشّروا أموال المسلمين إذا دخلت إليهم أم لا، لأنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أخذ من أهل الحرب العشر واشتهر ذلك عنه ولم ينكر وعمل به الخلفاء الرّاشدون بعده‏.‏

المدّة الّتي يجزئ عنها العشر

27 - تختلف المدّة الّتي يجزئ عنها العشر باختلاف الأشخاص الّذين يخضعون له‏.‏

أوّلاً‏:‏ الذّمّيّ

28 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ العشر لا يؤخذ من تجّار أهل الذّمّة في السّنة إلاّ مرّةً واحدةً، واستدلّوا بالقياس على الجزية فهي لا تؤخذ من الذّمّيّ في السّنة إلاّ مرّةً واحدةً، ولأنّ الأخذ منهم أكثر من مرّة قد يؤدّي إلى استئصال المال‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ العشر يؤخذ من تجّار أهل الذّمّة كلّما اختلفوا إلى آفاق المسلمين، ولو تكرّر ذلك منهم في السّنة مراراً إذا كان اختلافه من قطاع إلى آخر، لأنّ علّة الأخذ منهم الانتفاع والحماية وهي متحقّقة في كلّ حال يختلفون به‏.‏

ثانياً‏:‏ الحربيّ

29 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الحربيّ إذا دخل دار الإسلام بعقد أمان ودفع عشر تجارته فلا يؤخذ منه العشر مرّةً ثانيةً في أثناء مدّة الأمان الّتي تقلّ عن سنة، لأنّ بلاد الإسلام كالبلد الواحد بالنّسبة للحربيّ‏.‏

كما ذهبوا إلى أنّه إذا عاد في السّنة بمال آخر غير الّذي عشره أخذ منه العشر‏.‏

واختلفوا فيما إذا لم تنفق تجارته الّتي عشرها ثمّ رجع بها إلى دار الحرب ثمّ عاد مرّةً أخرى بها، هل تعشر مرّةً ثانيةً أم لا ‏؟‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة وأبو عبيد وهو وجه عند الشّافعيّة إلى أنّ العشر يؤخذ منه كلّما دخل دار الإسلام، سواء عاد بنفس المال أو بمال آخر سواه، لأنّ الأمان الأوّل قد انتهى بدخوله دار الحرب وقد رجع بأمان جديد فلا بدّ من تجديد العشر، ولأنّ الأخذ منهم بعد دخول دار الحرب لا يفضي إلى استئصال المال‏.‏

وذهب الحنابلة والشّافعيّة في أصحّ الوجهين، وهو ظاهر نصّ الإمام الشّافعيّ، إلى أنّ العشر لا يؤخذ من التّاجر الحربيّ سوى مرّة واحدة في السّنة ولو تردّد إلى دار الإسلام عدّة مرّات كالذّمّيّ، لأنّه حقّ يؤخذ من التّجارة فلا يؤخذ أكثر من مرّة في السّنة كالزّكاة ونصف العشر من الذّمّيّ وجزية الرّءوس‏.‏

وقت استيفاء العشر

30 - يرى الحنفيّة والحنابلة، وابن حبيب من المالكيّة، أنّ وقت استيفاء العشر بالنّسبة للحربيّ عند دخوله دار الإسلام، وبالنّسبة للذّمّيّ عند مروره بعاشر الإقليم المنتقل إليه، سواء باع ما في يده من بضاعة أو لم يبع، لأنّ المأخوذ منهم له حقّ الوصول والحماية من اللّصوص وقطّاع الطّريق‏.‏

وذهب ابن القاسم من المالكيّة إلى أنّ وقت استيفاء العشر بالنّسبة للذّمّيّ الّذي ينتقل ببضاعته من أفق إلى آخر عند بيع ما بيده من بضاعة، فإذا لم يبع شيئاً لم يؤخذ منه شيء، لأنّ المأخوذ منه لحقّ الانتفاع، أمّا الحربيّ فيؤخذ منه العشر عند دخوله دار الإسلام‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ تحديد وقت استيفاء العشر يختلف باختلاف شرط الإمام، فإن اشترط أن يأخذ من البضاعة، أو عند الدّخول كان الوقت بالنّسبة للحربيّ عند دخول دار الإسلام وبالنّسبة للذّمّيّ عند مروره بالعاشر سواء باع أو لم يبع، وإن اشترط أن يأخذ من ثمن ما باعوه كان وقت الاستيفاء بعد أن يبيعوا البضاعة فإن كسدت ولم يبيعوا لم يؤخذ منهم شيء، لأنّه لم يحصل الثّمن‏.‏

من له حقّ استيفاء العشر

31 - ذهب الفقهاء إلى أنّ العشر من الأموال العامّة الّتي يتولّى أمرها الأئمّة والولاة، لأنّ أمن الطّريق بالإمام والولاة، فصار هذا المال آمناً برعايتهم وحمايتهم، فثبت حقّ أخذ العشر لهم‏.‏

طرق استيفاء العشر

32 - إذا كان الإمام أو الوالي هو صاحب الحقّ في استيفاء العشر فلا يعني ذلك أنّ كَلاً منهما سيباشر ذلك بنفسه، وإنّما له أن يوكّل غيره في استيفائها، ومن الطّرق المتّبعة في استيفاء العشور العمالة على العشور، والقبالة - التّضمين -‏.‏

الطّريقة الأولى‏:‏ العمالة على العشر

33 - العمالة على العشر ولاية من الولايات الشّرعيّة الصّادرة عن الإمام يتمّ بمقتضاها استيفاء العشر وقبضه، ويطلق على عامل العشر العاشر وهو‏:‏ من ينصّبه الإمام على الطّريق ليأخذ العشر الشّامل لربعه ونصفه‏.‏

وللعاشر وظيفتان هما‏:‏ الجباية والحماية، فهو يجبي العشر سواء كان المأخوذ عشراً لغويّاً أو ربعه أو نصفه، وهو يحمي التّجّار من اللّصوص وقطّاع الطّريق‏.‏

حكم العمل على العشور

34 - العمل على العشر من الأعمال المشروعة الّتي عمل بها الصّحابة والتّابعون والسّلف الصّالح، وإن كان قد تحرّج منها بعض الصّحابة والتّابعين، فقد روي أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أراد أن يستعمل أنس بن مالك رضي الله عنه على هذا العمل، فقال له‏:‏ أتستعملني على المكس من عملك ‏؟‏ فقال‏:‏ ألا ترضى أن أقلّدك ما قلّدنيه رسول اللّه ‏؟‏ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان أوّل عاشر في الإسلام زياد بن حدير الأسديّ الّذي بعثه عمر رضي الله عنه على عشور العراق والشّام، وأمره أن يأخذ من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذّمّة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر، فصار ذلك سنّةً في المرور بأموال التّجارة خاصّةً‏.‏

شروط العاشر

35 - كانت مهمّة العاشر لا تقتصر على جباية العشر من تجّار أهل الحرب، وأهل الذّمّة، وإنّما تشتمل فضلاً عن ذلك على جباية الزّكاة وحماية التّجّار من اللّصوص وقطّاع الطّريق، فيشترط فيه من الشّروط ما يؤهّله للقيام بهذا العمل، ومن ذلك‏:‏ الإسلام، والحرّيّة، والعلم بأحكام العشر، والقدرة على حماية التّجّار من اللّصوص وقطّاع الطّرق، لأنّ الجباية بالحماية‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏عامل ف 6‏)‏‏.‏

ما يراعيه العاشر في جباية العشور

36 - على العاشر أن يراعي عند أخذه العشر الأمور التّالية‏:‏

أ - أن لا يتعدّى على النّاس فيما يعاملهم به، فلا يأخذ منهم أكثر ممّا يجب عليهم، ويجب عليه أن يمتثل ما أمره به الحاكم‏.‏

ب - أن لا يكرّر أخذ العشر‏.‏

فعن زياد بن حدير أنّه مدّ حبلاً على الفرات، فمرّ به رجل نصرانيّ فأخذ منه، ثمّ انطلق فباع سلعته فلمّا رجع مرّ عليه فأراد أن يأخذ منه، فقال‏:‏ كلّما مررت عليك تأخذ منّي ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فرحل الرّجل إلى عمر بن الخطّاب فوجده بمكّة يخطب النّاس، قال فقلت له‏:‏ يا أمير المؤمنين، إنّي رجل نصرانيّ مررت على زياد بن حدير فأخذ منّي، ثمّ انطلقت فبعت سلعتي، ثمّ أراد أن يأخذ منّي، قال‏:‏ ليس له ذلك، ليس له عليك في مالك في السّنة إلاّ مرّةً واحدةً، ثمّ نزل، فكتب إليه في، ومكثت أيّاماً ثمّ أتيته، فقلت‏:‏ أنا الشّيخ النّصرانيّ الّذي كلّمتك في زياد، فقال‏:‏ وأنا الشّيخ الحنيفيّ قد قضيت حاجتك‏.‏

ج - أن يكتب العاشر كتاباً لمن يأخذ منه العشر، فقد روى أبو يوسف في كتابه الخراج أنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى رزيق بن حيّان - وكان على مكس مصر - يأمره بأن يكتب كتاباً لمن يأخذ منه بما أخذ منهم إلى مثلها في الحول‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ العاشر لا يكتب براءةً بما يأخذ من تجّار أهل الحرب وأهل الذّمّة كما يكتب إلى تجّار المسلمين، لأنّ أخذ العشر من غير المسلمين يتكرّر بتكرّر دخول الحربيّ دار الإسلام واختلاف الذّمّيّ بتجارته على العاشر‏.‏

الرّفق بأهل العشر

37 - ينبغي للعاشر أن يكون رفيقاً بأهل العشر عند استيفائها منهم، فلا يؤخّرهم ولا يظلمهم ولا يتلف بضائعهم عند معاينتها أو تفتيشها، ويقبل منهم ما تيسّر من العين أو القيمة‏.‏

فإذا أراد العاشر استيفاء العشر من الأموال التّجاريّة الّتي يمرّ بها غير المسلم فلا يتعيّن الاستيفاء من العين، أو من القيمة عند جمهور الفقهاء على التّفصيل التّالي‏:‏

قال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ يؤخذ من عين السّلعة الواردة، فإن كانت متاعاً أخذ منه وإن كان نقداً أخذ منه، وأضاف الحنفيّة أنّ الخمر يؤخذ من قيمتها‏.‏

وذهب بعض فقهاء المالكيّة إلى أنّه يفرّق بين ما ينقسم وما لا ينقسم، فيؤخذ من أهل الذّمّة عشر ما ينقسم، قياساً على زكاة الزّروع والثّمار، وأمّا ما لا ينقسم فيؤخذ عشر القيمة، وذهب آخرون منهم إلى أنّ العاشر يأخذ القيمة على كلّ حال، سواء كان المال ممّا ينقسم أو ممّا يكال أو يوزن، لأنّ الأسواق تحوّل وتختلف فيجب أن يأخذ مالاً تحيله الأسواق‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الأصل في استيفاء العشر العين، فيؤخذ من نفس المتاع، بدليل فعل عمر رضي الله عنه إلاّ أن يشترط الإمام على أهل العشور الأخذ من الثّمن‏.‏

الطّريقة الثّانية لاستيفاء العشور‏:‏

القبالة - التّضمين

38 - القبالة لغةً‏:‏ مصدر قبَل - بفتح الباء - قال الزّمخشريّ‏:‏ كلّ من تقبّل بشيء مقاطعةً، وكتب عليه بذلك الكتاب، فعمله القبالة - بالكسر -، وكتابه المكتوب عليه هو القبالة - بالفتح -‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ أن يدفع السّلطان أو نائبه صقعاً أو بلدةً إلى رجل مدّة سنة مقاطعةً بمال يؤدّيه إليه عن عشور أموال التّجارة، ويكتب عليه بذلك كتاباً، وهي تسمّى بالتّضمين أو الالتزام‏.‏

وقد يقع في جباية العشور بهذه الطّريقة ظلم لأهل العشور أو غبن لبيت المال، ولذلك مال بعض الفقهاء ومنهم ابن عابدين إلى منعها‏.‏

مسقطات العشر

39 - يسقط العشر المستحقّ على أموال التّجارة لغير المسلمين بالأمور التّالية‏:‏

أ - الإسلام‏:‏

40 - ذهب الفقهاء إلى أنّ العشر الخاصّ بتجارة غير المسلمين يسقط عمّن أسلم منهم، لأنّ ذلك إنّما كان لكونهم كفّاراً، فإذا دخلوا في الإسلام سقط ذلك عنهم فلم يبق الموجب للأخذ‏.‏

ب - إسقاط الإمام لها‏:‏

41 - ذهب الفقهاء إلى أنّه‏:‏ يجوز للإمام إسقاط العشور عن بعض التّجّار الّذين يجلبون بضائع يحتاج إليها المسلمون‏:‏ كالطّعام والزّيت وغير ذلك‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا نأخذ من الحربيّ شيئاً إذا كان من قوم لا يأخذون من تجّارنا شيئاً، عملاً بمبدأ المجازاة أو المعاملة بالمثل‏.‏

وصرّح الحنابلة بأنّ للإمام إسقاط العشر إذا رأى المصلحة في ذلك‏.‏

ج - انقطاع حقّ الولاية بالنّسبة للحربيّ‏:‏

42 - نصّ الحنفيّة على‏:‏ أنّ الحربيّ إذا دخل دار الإسلام ومرّ بالعاشر ولم يعلم به حتّى خرج وعاد إلى دار الحرب ثمّ رجع مرّةً ثانيةً فعلم به لم يعشره لما مضى، لانقطاع حقّ الولاية عنه بالرّجوع إلى دار الحرب، بخلاف الذّمّيّ فإنّ العشر لا يسقط عنه بعدم علم العاشر به عند المرور‏.‏

مصارف العشر

43 - ذهب الفقهاء إلى‏:‏ أنّ العشر المأخوذ من تجّار أهل الحرب وأهل الذّمّة يصرف في مصارف الفيء‏.‏

وتفصيل مصارف الفيء ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏فيء‏)‏‏.‏

العشر الأواخر من رمضان

التّعريف

1 - العشر الأواخر من رمضان في اصطلاح الفقهاء‏:‏ تبدأ من بداية ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان، وتنتهي بخروج رمضان، تامّاً كان أو ناقصاً، فإذا نقص فهي تسع، وعليه فإطلاق العشر الأواخر عليها بطريق التّغليب للتّمام، لأصالته، لأنّ العشر عبارة عمّا بين العشرين إلى آخر الشّهر، وهي اسم للّيالي مع الأيّام، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيَالٍ عَشْرٍ ‏}‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - اتّفق الفقهاء على استحباب مضاعفة الجهد في الطّاعات في العشر الأواخر من رمضان، بالقيام في لياليها، والإكثار من الصّدقات وتلاوة القرآن الكريم ومدارسته، بأن يقرأ عليه أو يقرأ هو على غيره، وزيادة فعل المعروف وعمل الخير، وذلك تأسّياً بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم لما روي عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ » كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا اللّيل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر «‏.‏

وفي رواية‏:‏ » كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره «‏.‏

قال العلماء‏:‏ ويستحبّ للرّجل أن يوسّع على عياله، وأن يحسن إلى أرحامه وإلى جيرانه في شهر رمضان، ولا سيّما في العشر الأواخر منه‏.‏

3 - كما اتّفق الفقهاء على أنّ الاعتكاف يتأكّد استحبابه في العشر الأواخر من رمضان، وأنّه يستحبّ لمن يريد الاعتكاف في العشر الأواخر أن يدخل المسجد قبل غروب الشّمس من ليلة الحادي والعشرين من رمضان، ثمّ يبيت ليلة العيد فيغدو كما هو إلى مصلّى العيد، لفعله صلى الله عليه وسلم، قال إبراهيم النّخعيّ‏:‏ كانوا يحبّون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد، ثمّ يغدو إلى المصلّى من المسجد، لئلاّ يفوته شيء من العشر الأواخر، تمّ الشّهر أو نقص، ولما ثبت‏:‏ » أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتّى توفّاه اللّه تعالى، ثمّ اعتكف أزواجه من بعده «‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏اعتكاف، مسجد‏)‏‏.‏

4 - كما ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة ولم ترفع، وأنّها في شهر رمضان وفي العشر الأواخر منه، وأنّ أرجاها ليالي الأوتار من العشر الأواخر لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى «‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏ليلة القدر‏)‏‏.‏

عشر ذي الحجّة

التّعريف

1 - عشر ذي الحجّة‏:‏ اسم للعدد الّذي يبتدئ من أوّل الشّهر إلى العاشر منه‏.‏

الأحكام المتعلّقة بعشر ذي الحجّة

مضاعفة العمل فيها

2 - ذهب الفقهاء إلى‏:‏ أنّ أيّام عشر ذي الحجّة ولياليها أيّام شريفة ومفضّلة، يضاعف العمل فيها، ويستحبّ الاجتهاد في العبادة فيها، وزيادة عمل الخير والبرّ بشتّى أنواعه فيها، ولعظم شأنها أقسم اللّه سبحانه بها بقوله‏:‏ ‏{‏وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ ‏}‏ حيث يرى جمهور المفسّرين أنّ المقصود من الآية هي عشر ذي الحجّة‏.‏

وهي أفضل أيّام السّنة لما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما من أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى اللّه من هذه الأيّام، يعني أيّام العشر قالوا‏:‏ يا رسول اللّه ولا الجهاد في سبيل اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ ولا الجهاد في سبيل اللّه، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء «‏.‏

ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » ما من أيّام أحبّ إلى اللّه أن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجّة، يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة، وقيام كلّ ليلة منها بقيام ليلة القدر «‏.‏

استحباب الصّوم في عشر ذي الحجّة

3 - قال الفقهاء‏:‏ يستحبّ الصّوم في العشر الأول من ذي الحجّة ما عدا العاشر منه، وهو يوم النّحر الّذي هو يوم عيد الأضحى المبارك، فلا يجوز الصّيام فيه باتّفاق، فالمراد ما عداه من باقي العشر‏.‏

واستدلّوا لذلك بالأحاديث السّابقة‏.‏

أمّا صوم يوم عرفة وفضله فقد اتّفق الفقهاء على استحبابه إلاّ للحاجّ، لما ثبت عن أبي قتادة رضي الله عنه قال‏:‏ » سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال‏:‏ يكفّر السّنة الماضية والباقية «‏.‏

وفي معنى تكفير السّنة الماضية والمستقبلة قال بعض الفقهاء‏:‏ إنّ اللّه سبحانه يغفر للصّائم ذنوب سنتين، وقال آخرون‏:‏ يغفر له ذنوب السّنة الماضية، ويعصمه عن الذّنوب في السّنة المستقبلة‏.‏

أمّا فيما يغفر من الذّنوب بصيام يوم عرفة فقال جمهور الفقهاء‏:‏ المراد صغائر الذّنوب دون الكبائر، لقولـه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الصّلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهنّ من الذّنوب إذا اجتنب الكبائر «‏.‏

وقال آخرون‏:‏ إنّ هذا لفظ عامّ وفضل اللّه واسع لا يحجر، فيرجى أن يغفر اللّه له ذنوبه صغيرها وكبيرها‏.‏

وتفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏صغائر ف 4، يوم عرفة‏)‏‏.‏

عِشْرة

التّعريف

1 - العشرة في اللّغة‏:‏ اسم من المعاشرة والتّعاشر، وهي المخالطة‏.‏

والعشير‏:‏ القريب، والصّديق‏.‏

وعشير المرأة‏:‏ زوجها، لأنّه يعاشرها وتعاشره، وفي الحديث‏:‏ » إنّي أريتكنّ أكثر أهل النّار، فقيل‏:‏ لم يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ تكثرن اللّعن وتكفرن العشير «‏.‏

والعشرة اصطلاحاً‏:‏ هي ما يكون بين الزّوجين من الألفة والانضمام‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

النّشوز‏:‏

2 - أصل النّشوز في اللّغة الارتفاع، ومن معانيه‏:‏ عصيان المرأة زوجها، وترك الرّجل زوجته‏.‏

وفي اصطلاح جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -‏:‏ هو خروج الزّوجة عن طاعة زوجها‏.‏

حكم العشرة بالمعروف

3 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ العشرة بالمعروف بين الزّوجين مندوبة ومستحبّة، قال الكاسانيّ‏:‏ من أحكام النّكاح الصّحيح المعاشرة بالمعروف، وأنّه مندوب إليه ومستحبّ‏.‏‏.‏ وكذلك من جانبها هي مندوبة إلى المعاشرة الجميلة مع زوجها‏.‏

وقال البهوتيّ‏:‏ ويسنّ لكلّ منهما تحسين الخلق لصاحبه، والرّفق به، واحتمال أذاه‏.‏ وذهب المالكيّة إلى‏:‏ وجوب العشرة بالمعروف ديانةً لا قضاءً‏.‏

قال ابن العربيّ‏:‏ هذا - أي العشرة بالمعروف - واجب على الزّوج ولا يلزمه ذلك في القضاء إلاّ أن يجري النّاس في ذلك على سوء عادتهم، فيشترطونه ويربطونه بيمين‏.‏

الحثّ على العشرة بالمعروف

4 - حثّ الشّارع على العشرة بين الزّوجين بالمعروف، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ يتّقون اللّه فيهنّ كما عليهنّ أن يتّقين اللّه فيهم، وقال الضّحّاك في تفسير هذه الآية‏:‏ إذا أطعن اللّه وأطعن أزواجهنّ فعليه أن يحسن صحبتها، ويكفّ عنها أذاه، وينفق عليها من سعته‏.‏

وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » استوصوا بالنّساء خيراً فإنّهنّ عندكم عوان «‏.‏

معنى العشرة بالمعروف

5 - معنى العشرة بالمعروف الّتي أمر اللّه تعالى بها الأزواج في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ هو‏:‏ أداء الحقوق كاملةً للمرأة مع حسن الخلق في المصاحبة‏.‏ وقال الجصّاص‏:‏ ومن المعروف أن يوفّيها حقّها من المهر والنّفقة والقسم، وترك أذّاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ قال بعض أهل العلم في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏‏:‏ التّماثل هاهنا في تأدية كلّ واحد منهما ما عليه من الحقّ لصاحبه، ولا يمطله به، ولا يظهر الكراهة، بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذىً ولا منّةً، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ وهذا من المعروف، ويستحبّ لكلّ واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرّفق به واحتمال أذاه‏.‏

تحقّق العشرة بالمعروف بين الزّوجين

6 - سبق أنّ معنى العشرة بالمعروف هو أداء الحقوق كاملةً مع حسن الخلق في المصاحبة وهذه الحقوق إمّا أن تكون للزّوج أو للزّوجة أو مشتركةً بينهما‏.‏

وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

حقوق الزّوج

7 - حقّ الزّوج على الزّوجة من أعظم الحقوق، بل إنّ حقّه عليها أعظم من حقّها عليه لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ‏}‏‏.‏

قال الجصّاص‏:‏ أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّ لكلّ واحد من الزّوجين على صاحبه حقّاً، وأنّ الزّوج مختصّ بحقّ له عليها ليس لها عليه‏.‏

وقال ابن العربيّ‏:‏ هذا نصّ في أنّه مفضّل عليها مقدّم في حقوق النّكاح فوقها‏.‏

ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها «‏.‏

ومن حقوق الزّوج

أ - تسليم المرأة نفسها‏:‏

8 - إذا استوفى عقد النّكاح شروطه ووقع صحيحاً فإنّه يجب على المرأة تسليم نفسها إلى الزّوج وتمكينه من الاستمتاع بها، لأنّه بالعقد يستحقّ الزّوج تسليم العوض وهو الاستمتاع بها كما تستحقّ المرأة العوض وهو المهر‏.‏

وللمرأة إن طلبها الزّوج أن تسأل الإنظار مدّةً جرت العادة أن تصلح أمرها فيها كاليومين والثّلاثة، لأنّ ذلك يسير جرت العادة بمثله‏.‏

قال الخرشيّ‏:‏ الزّوجة تمهل زمناً بقدر ما يتجهّز فيه مثلها بحسب العادة، وهذا يختلف باختلاف النّاس من غنىً وفقر، ويمنع الزّوج من الدّخول قبل مضيّ ذلك الزّمن المقدّر بالعادة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو استمهلت لتنظيف ونحوه أمهلت ما يراه قاض كيوم أو يومين، ولا يجاوز ثلاثة أيّام، وهذا الإمهال واجب، وقيل مستحبّ‏.‏

وصرّح الحنابلة بأنّها لا تمهل لعمل جهاز، قال البهوتيّ‏:‏ وفي الغنية إن استمهلت هي أو أهلها استحبّ له إجابتهم‏.‏

موانع التّسليم

يجوز للمرأة أن تمتنع عن تسليم نفسها في الحالات الآتية‏:‏

1 - عدم استيفائها للمهر المعجّل‏:‏

9 - للزّوجة أن تمتنع عن تسليم نفسها إلى أن يدفع لها الزّوج صداقها المعجّل‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تسليم ف 19‏)‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏مهر‏)‏‏.‏

2 - الصّغر‏:‏

10 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من موانع التّسليم الصّغر، فلا تسلّم صغيرة لا تحتمل الوطء إلى زوجها حتّى تكبر ويزول هذا المانع، لأنّه قد يحمله فرط الشّهوة على الجماع فتتضرّر به‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى زوال مانع الصّغر بتحمّلها للوطء‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ ولو قال الزّوج‏:‏ سلّموها لي ولا أطؤها حتّى تحتمله، فإنّه لا تسلّم له وإن كان ثقةً، إذ لا يؤمن من هيجان الشّهوة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا بلغت الصّغيرة تسع سنين دفعت إلى الزّوج، وليس لهم أن يحبسوها بعد التّسع ولو كانت مهزولة الجسم، وقد نصّ أحمد على ذلك، لما ثبت‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين « لكن قال القاضي‏:‏ ليس هذا عندي على طريقة التّحديد وإنّما ذكره، لأنّ الغالب أنّ ابنة تسع يتمكّن من الاستمتاع بها‏.‏

وإذا سلّمت بنت تسع سنين إليه وخافت على نفسها الإفضاء من عظمه فلها منعه من جماعها ويستمتع بها كما يستمتع من الحائض‏.‏

3 - المرض‏:‏

11 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من موانع تسليم المرأة إلى زوجها المرض، والمقصود بالمرض هنا المرض الّذي يمنع من الجماع، وحينئذ تمهل المرأة إلى زوال مرضها، وألحق الشّافعيّة بالمريضة من بها هزال تتضرّر بالوطء معه‏.‏

ب - الطّاعة‏:‏

12 - يجب على المرأة طاعة زوجها، فعن أنس‏:‏ » أنّ رجلاً انطلق غازياً وأوصى امرأته أن لا تنزل من فوق البيت، وكان والدها في أسفل البيت، فاشتكى أبوها، فأرسلت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تخبره وتستأمره فأرسل إليها‏:‏ اتّقي اللّه وأطيعي زوجك، ثمّ إنّ والدها توفّي فأرسلت إليه تستأمره، فأرسل إليها مثل ذلك، وخرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأرسل إليها‏:‏ إنّ اللّه قد غفر لك بطواعيتك لزوجك «‏.‏

وقال أحمد في امرأة لها زوج وأمّ مريضة‏:‏ طاعة زوجها أوجب عليها من أمّها إلاّ أن يأذن لها‏.‏

وقد رتّب الشّارع الثّواب الجزيل على طاعة الزّوج، كما رتّب الإثم العظيم على مخالفة أمر الزّوج، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » إذا دعا الرّجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتّى تصبح «‏.‏

ثمّ إنّ وجوب طاعة الزّوج مقيّد بأن لا يكون في معصية، فلا يجوز للمرأة أن تطيعه فيما لا يحلّ، مثل أن يطلب منها الوطء في زمان الحيض أو في غير محلّ الحرث، أو غير ذلك من المعاصي، فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏.‏

ج - الاستمتاع بالزّوجة‏:‏

13 - من حقّ الزّوج على زوجته الاستمتاع بها، إذ عقد النّكاح موضوع لذلك‏.‏

وقد ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز للرّجل أن ينظر إلى جميع بدن زوجته حتّى إلى فرجها‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ من أحكام النّكاح الصّحيح حلّ النّظر والمسّ من رأسها إلى قدميها حالة الحياة، لأنّ الوطء فوق النّظر والمسّ، فكان إحلاله إحلالاً للمسّ والنّظر من طريق الأولى‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن الرّجل يمسّ فرج امرأته وهي تمسّ فرجه ليتحرّك عليها هل ترى بذلك بأساً ‏؟‏ قال‏:‏ لا، وأرجو أن يعظم الأجر‏.‏

كما ذهب الفقهاء إلى أنّ للزّوج الاستمتاع بزوجته كلّ وقت على أيّ صفة كانت إذا كان الاستمتاع في القبل، ولو كان الاستمتاع في القبل من جهة عجيزتها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ‏}‏‏.‏

منع الزّوج زوجته من كلّ ما يمنع من الاستمتاع أو كماله

14 - لمّا كان من مقاصد عقد النّكاح الصّحيح هو استمتاع الزّوج بزوجته، كان للزّوج أن يمنع زوجته من كلّ ما يمنع من الاستمتاع أو كماله‏.‏

ومن ثمّ فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ للزّوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنّفاس، لأنّ ذلك يمنع الاستمتاع الّذي هو حقّ له، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقّه‏.‏

وصرّح الفقهاء بأنّ للزّوج أن يمنع زوجته من كلّ ما يمنع من كمال الاستمتاع، قال الكمال بن الهمام‏:‏ وله أن يمنعها من أكل ما يتأذّى من رائحته، ومن الغزل‏.‏

وعلى هذا له أن يمنعها من التّزيّن بما يتأذّى بريحه، كأن يتأذّى برائحة الحنّاء المخضرّ ونحوه، وله ضربها بترك الزّينة إذا كان يريدها‏.‏

وفي الفتاوى الهنديّة‏:‏ وله جبرها على التّطييب والاستحداد‏.‏

وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ للزّوج أن يجبر زوجته على غسل ما تنجّس من أعضائها ليتمكّن من الاستمتاع بها، وله منعها من لبس ما كان نجساً، ولبس ما له رائحة كريهة، وله إجبارها على التّنظيف بالاستحداد وقلم الأظافر وإزالة شعر الإبط والأوساخ سواء تفاحش أو لم يتفاحش، وله منعها من أكل ما يتأذّى من رائحته كبصل وثوم ومن أكل ما يخاف منه حدوث مرض‏.‏

د - التّأديب عند النّشوز‏:‏

15 - من حقّ الزّوج على زوجته تأديبها عند النّشوز والخروج على طاعته، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ‏}‏‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تأديب ف 8‏)‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏نشوز‏)‏‏.‏

هـ – عدم الإذن لمن يكره الزّوج دخوله‏:‏

16 – من حقّ الزّوج على زوجته ألاّ تأذن في بيته لأحد إلاّ بإذنه، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلاّ بإذنه، ولا تأذن في بيته إلاّ بإذنه «‏.‏

ونقل ابن حجر عن النّوويّ قوله‏:‏ في هذا الحديث إشارة إلى أنّه لا يفتات على الزّوج بالإذن في بيته إلاّ بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزّوج به، أمّا لو علمت رضا الزّوج بذلك فلا حرج عليها، كمن جرت عادته بإدخال الضّيفان موضعاً معدّاً لهم سواء كان حاضراً أم غائباً فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاصّ لذلك‏.‏

وحاصله أنّه لا بدّ من اعتبار إذنه تفصيلاً أو إجمالاً‏.‏

و - عدم الخروج من البيت إلاّ بإذن الزّوج‏:‏

17 - من حقّ الزّوج على زوجته ألاّ تخرج من البيت إلاّ بإذنه لما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ » أنّ امرأةً أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول اللّه ما حقّ الزّوج على زوجته ‏؟‏ فقال‏:‏ حقّه عليها ألاّ تخرج من بيتها إلاّ بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة السّماء وملائكة الرّحمة وملائكة العذاب حتّى ترجع «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏زوج ف 5، 6‏)‏‏.‏

ز - الخدمة‏:‏

18 - اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزّوجة لزوجها‏:‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة إلى أنّه لا يجب على الزّوجة خدمة زوجها، والأولى لها فعل ما جرت العادة به‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديانةً لا قضاءً‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه يجب على المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة الّتي جرت العادة بقيام الزّوجة بمثلها إلاّ أن تكون من أشراف النّاس فلا تجب عليها الخدمة، إلاّ أن يكون زوجها فقير الحال‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏خدمة ف 18‏)‏‏.‏

ح - السّفر بالزّوجة‏:‏

19 - من حقّ الزّوج على زوجته السّفر والانتقال بها من بلد إلى بلد، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم‏.‏

واشترط الحنفيّة للسّفر بالزّوجة أن يكون الزّوج مأموناً عليها‏.‏

حقوق الزّوجة

أ - المهر‏:‏

20 - من حقوق المرأة على زوجها المهر، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ‏}‏‏.‏

قال الكيا الهرّاسيّ‏:‏ والنّحلة هاهنا الفريضة، وهو مثل ما ذكره اللّه تعالى عقب ذكر المواريث‏:‏ ‏{‏فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ ‏}‏‏.‏

كما أنّه لا يحلّ للزّوج أن يأخذ من مهر زوجته شيئاً إلاّ برضاها وطيب نفسها‏.‏

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ‏}‏‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏مهر‏)‏‏.‏

ب - النّفقة‏:‏

21 - من حقوق المرأة على زوجها النّفقة‏.‏

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ‏}‏‏.‏

ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فاتّقوا اللّه في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان اللّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه‏.‏‏.‏‏.‏، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف «‏.‏

قال ابن هبيرة‏:‏ اتّفقوا على وجوب نفقة الرّجل على من تلزمه نفقته كالزّوجة والولد الصّغير والأب‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

ج - إعفاف الزّوجة‏:‏

22 - من حقّ الزّوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها، وذلك بأن يطأها‏.‏

وقد ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى أنّه يجب على الزّوج أن يطأ زوجته‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى عدم وجوب الوطء على الزّوج وإنّما هو سنّة في حقّه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وطء‏)‏‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجوز للزّوج أن يعزل عن زوجته الحرّة بلا إذنها، لما روي عن عمر قال‏:‏ » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن عزل الحرّة إلاّ بإذنها «، ولأنّ لها في الولد حقّاً وعليها في العزل ضرراً فلم يجز إلاّ بإذنها‏.‏

لكن أجاز بعض الحنفيّة العزل بغير رضا الزّوجة إن خاف الزّوج من الولد السّوء لفساد الزّمان‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏عزل، ووطء‏)‏‏.‏

د - البيات عند الزّوجة‏:‏

23 - اختلف الفقهاء في وجوب بيات الزّوج عند زوجته‏:‏

فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يجب على الزّوج أن يبيت عند زوجته، واختلفوا في تقديره، فذهب الحنفيّة إلى عدم تقديره وإنّما يجب على الزّوج البيات عند زوجته أحياناً من غير توقيت‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وإذا تشاغل الزّوج عن زوجته بالعبادة أو غيرها فظاهر المذهب أنّه لا يتعيّن مقدار بل يؤمر أن يبيت معها ويصحبها أحياناً من غير توقيت، واختار الطّحاويّ أنّ لها يوماً وليلةً من كلّ أربع ليال وباقيها له، لأنّ له أن يسقط حقّها في الثّلاث بتزوّج ثلاث حرائر، وإن كانت الزّوجة أمةً فلها يوم وليلة من كلّ سبع، وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يجب على الزّوج أن يبيت في مضجع زوجته الحرّة ليلةً من كلّ أربع ليال، لما روى كعب بن سوّار أنّه كان جالساً عند عمر بن الخطّاب فجاءت امرأة فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قطّ أفضل من زوجي، واللّه إنّه ليبيت ليله قائماً ويظلّ نهاره صائماً، فاستغفر لها وأثنى عليها، واستحيت المرأة وقامت راجعةً، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين هلاّ أعديت المرأة على زوجها ‏؟‏ فقال‏:‏ ما ذاك ‏؟‏ فقال‏:‏ إنّها جاءت تشكوه إذا كان هذا حاله في العبادة متى يتفرّغ لها ‏؟‏ فبعث عمر إلى زوجها وقال لكعب اقض بينهما فإنّك فهمت من أمرهما ما لم أفهمه، قال‏:‏ فإنّي أرى أنّها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهنّ فاقض له بثلاثة أيّام ولياليهنّ يتعبّد فيهنّ ولها يوم وليلة، وهذه قضيّة اشتهرت ولم تنكر فكانت كالإجماع، يؤيّده قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد اللّه بن عمرو بن العاص‏:‏ » إنّ لجسدك عليك حقّاً، وإن لعينك عليك حقّاً، وإن لزوجك عليك حقّاً «‏.‏

وقال القاضي وابن عقيل‏:‏ يلزمه من البيتوتة ما يزول معه ضرّ الوحشة، ويحصل منه الأنس المقصود بالزّوجيّة بلا توقيت فيجتهد الحاكم، وصوّب المرداويّ هذا القول، ومحلّ الوجوب إذا طلبت الزّوجة منه ذلك، لأنّ الحقّ لها فلا يجب بدون الطّلب‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا يجب على الزّوج البيات عند زوجته، وإنّما يسنّ له ذلك‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّ أدنى درجات السّنّة في البيات ليلة في كلّ أربع ليال، اعتباراً بمن له أربع زوجات‏.‏

واستظهر ابن عرفة من المالكيّة وجوب البيات عندها، أو يحضر لها مؤنسةً، لأنّ تركها وحدها ضرر بها لا سيّما إذا كان المحلّ يتوقّع منه الفساد والخوف من اللّصوص‏.‏

هـ – إخدام الزّوجة‏:‏

24 – من حقّ الزّوجة على زوجها إخدامها، لأنّه من المعاشرة بالمعروف، ولأنّه ممّا يحتاج إليه على الدّوام‏.‏

وفي تفصيل ذلك ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏خدمة ف 7 وما بعدها‏)‏‏.‏

و - القسم‏:‏

25 - من حقّ الزّوجة على زوجها القسم، وذلك فيما إذا كان الزّوج متزوّجاً بأكثر من واحدة‏.‏

فعن عائشة قالت‏:‏ » كان رسول اللّه يقسم فيعدل، ويقول‏:‏ اللّهمّ هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏قسم‏)‏‏.‏

الحقوق المشتركة بين الزّوجين

أ - المعاشرة بالمعروف‏:‏

26 - المعاشرة بالمعروف من الحقوق المشتركة بين الزّوجين، فيجب على كلّ واحد منهما أن يعاشر صاحبه بالمعروف‏.‏

وقد سبق تفصيل ذلك‏:‏ ‏(‏ف 3‏)‏‏.‏

ب - الاستمتاع‏:‏

27 - من الحقوق المشتركة بين الزّوجين استمتاع كلّ منهما بالآخر، وهذا الحقّ وإن كان مشتركاً لكنّه في جانب الرّجل أقوى منه في جانب المرأة‏.‏

وقد سبق تفصيل ذلك‏:‏ ‏(‏ف 13‏)‏‏.‏

ج - الإرث‏:‏

28 - من الحقوق المشتركة بين الزّوجين الإرث، فيرث الزّوج زوجته عند وفاتها، كما ترث الزّوجة زوجها عند وفاته لقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ‏}‏‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث ف 36، 37، 38‏)‏‏.‏

عَشِيرَة

انظر‏:‏ عاقلة‏.‏