فصل: مَشِيمَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


مَشِيمَة

التّعريف

1 - المشيمة في اللغة غشاء ولد الإنسان‏,‏ ويقال للمشيمة من غير الإنسان السَّلى‏.‏ وأطلق بعض الفقهاء‏,‏ كسليمان الجمل‏,‏ المشيمة على غشاء الولد في الإنسان والحيوان‏.‏ وأطلق آخرون المشيمة على وعاء الإنسان فقط‏.‏

الحكم الإجمالي

أ - طهارة المشيمة‏:‏

2 - اختلف المالكيّة في طهارة المشيمة من الحيوان المأكول المذكّى فقال ابن رشد بطهارتها وجواز أكلها‏,‏ وصوّبه البرزليّ قائلاً‏:‏ وهو ظاهر المدوّنة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ المشيمة الّتي فيها الولد طاهرة من الآدميّ‏,‏ نجسة من غيره‏,‏ وأمّا المنفصل منه بعد موته فله حكم ميتته بلا نزاع‏.‏

ب - حكم الصّلاة على المشيمة‏:‏

3 - نصّ الشّافعيّة على أنّه لو وجد عضو مسلم علم موته يصلّى عليه بعد غسله ومواراته بخرقة بنيّة الصّلاة على جملة الميّت‏,‏ واعتبروا المشيمة المسمّاة بالخلاص كالعضو‏,‏ لأنّها تقطع من الولد فهي جزء منه‏,‏ وأمّا المشيمة الّتي فيها الولد فليست جزءاً من الأمّ ولا من الولد‏.‏

مصابرة

التّعريف

1 - المصابرة في اللغة مصدر صابر يقال‏:‏ صابره مصابرةً‏:‏ غالبه في الصّبر وفي التّنزيل العزيز ‏{‏ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المرابطة‏:‏

2 - المرابطة في اللغة مصدر رابط‏,‏ يقال رابط مرابطةً ورباطاً‏:‏ لازم الثّغر وموضع المخافة‏,‏ وواظب على الأمر ولازمه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والمصابرة أعم من المرابطة‏.‏

ب - المجاهدة‏:‏

3 - المجاهدة في اللغة مفاعلة من الجهد أي الطّاقة‏.‏

وقال الجرجاني‏:‏ المجاهدة في اللغة المحاربة وفي الشّرع‏:‏ محاربة النّفس الأمّارة بالسوء بتحميلها ما يشقّ عليها بما هو مطلوب في الشّرع‏.‏

والعلاقة بين المصابرة والمجاهدة هي العموم والخصوص‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمصابرة

أ - المصابرة على العبادات‏:‏

4 - نقل القرطبي عن الحسن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ ‏}‏‏,‏ قال‏:‏ أي على الصّلوات الخمس‏.‏

قال القرطبي‏:‏ قول الجمهور إنّ معنى المصابرة في الآية مصابرة الأعداء‏.‏

كما تكون المصابرة على غير الصّلاة من العبادات لأنّ النّفس بطبعها تنفر عن العبوديّة‏,‏ ومن العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصّلاة ومنها ما يكره بسبب البخل كالزّكاة ومنها ما يكره بسببهما جميعاً كالحجّ والجهاد‏.‏

ب - المصابرة في الجهاد‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا التقى المسلمون والكفّار في قتال ولم يزد عدد الكفّار على مثلي عدد المسلمين ولم يخافوا الهلاك وجب الثّبات على المسلمين وحرم عليهم الفرار‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ‏}‏‏.‏ وبناءً على ذلك يحرم الفرار من الزّحف عند تلاقي الجيشين إلّا إذا كان الفرار تحرفاً لقتال أو تحيزاً إلى فئة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ تحرف ف / 2‏,‏ وتحيز ف / 3 ‏)‏‏.‏

ويشترط للمصابرة أن لا يزيد عدد الكفّار على مثلي عدد المسلمين فإن زاد عدد الكفّار على مثلي عدد المسلمين فلهم أن يفروا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏}‏‏,‏ لأنّه لمّا أوجب اللّه عزّ وجلّ على المائة مصابرة المائتين دلّ ذلك على أنّه لا يجب عليهم مصابرة ما زاد على المائتين‏,‏ إلّا أنّ الفقهاء قالوا‏:‏ إنّه إذا غلب على ظنّ المسلمين أنّ لهم الغلبة على الكفّار مع كونهم أكثر من مثليهم فالأولى لهم المصابرة‏.‏ وذهب الحنفيّة وبعض المالكيّة وبعض الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الضّابط في ذلك هو أن يكون مع المسلمين من القوّة ما يغلب على الظّنّ أنّهم يقاومون الزّيادة على مثليهم ويرجون الظّفر بهم فالحكم في هذا الباب لغالب الرّأي وأكبر الظّنّ دون العدد فإن غلب على ظنّ الغزاة أنّهم يقاومونهم يلزمهم الثّبات والمصابرة‏,‏ وإن كانوا أقلّ عدداً منهم‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ جهاد ف / 37 وما بعدها وتولّي ف / 3 ‏)‏‏.‏

مُصَادَرة

التّعريف

1 - المصادرة لغةً‏:‏ المطالبة بشيء بإلحاح‏,‏ ويقال‏:‏ صادرت الدّولة المال‏:‏ إذا استولت عليه عقوبةً لمالكه‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ الاستيلاء على مال المحكوم عليه أخذاً‏,‏ أو إتلافاً‏,‏ أو إخراجاً عن ملكه بالبيع عقوبةً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الغرامة‏:‏

2 - الغرامة والغرم والمغرم ما يلزم أداؤُه من المال وما يعطى من المال على كرهٍ‏.‏ والعلاقة‏:‏ أنّ كلاً منهما يؤخذ على كرهٍ‏.‏

ب - المكس‏:‏

3 - المكس لغةً النّقص والظلم‏,‏ ودراهم كانت تؤخذ من بائع السّلع في الأسواق في الجاهليّة‏,‏ وقد غلب تسميته فيما يأخذه أعوان السلطان ظلماً عند البيع والشّراء‏.‏

والعلاقة‏:‏ الأخذ على كرهٍ في كل منهما‏.‏

الحكم التّكليفي للمصادرة

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجوز أخذ مال المسلم أو إتلافه أو إخراجه عن ملكه بالبيع عقوبةً بلا سبب شرعيٍّ‏,‏ لأنّ الشّرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدى به‏,‏ ولأنّ المقصود بالعقوبة التّأديب‏,‏ والأدب لا يكون بالإتلاف‏.‏

أما النصوص الواردة في العقوبة بالمال‏:‏ إنّما كان في أوّل الإسلام ثمّ نسخ‏,‏ من ذلك‏:‏ ما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ في مانع الزّكاة بخلاً لا إنكاراً لوجوبها‏:‏ « إنّا آخذوها وشطر إبله عزمةً من عزمات ربّنا لا يحل لآل محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم منها شيء »‏,‏ وقوله عليه الصّلاة والسّلام في سارق جرين الجبل‏:‏ « فيه غرامة مثليه وجلدات نكال »‏,‏ « وقضاؤُه عليه الصّلاة والسّلام أنَّ سَلَبَ من أُخِذَ وهو يصيد في حرم المدينة لمن أخذه »‏.‏

كان هذا كله في أوّل الإسلام ثمّ نسخ‏,‏ ثمّ انعقد الإجماع على أنّ ذلك لا يجوز‏,‏ وعادت العقوبات على الجرائم في الأبدان‏.‏

وروي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ليس في المال حق سوى الزّكاة »‏,‏ وقال بعض مشائخ الحنفيّة‏:‏ إنّ ما روي عن أبي يوسف من جواز التّعزير بمصادرة الأموال فمعناه‏:‏ إمساك شيء من ماله عنه مدّةً لينزجر‏,‏ ثمّ يعيده له الحاكم‏,‏ لا أن يأخذه الحاكم لنفسه‏,‏ أو لبيت المال كما يتوهّمه الظّلمة‏,‏ إذ لا يجوز لأحد من المسلمين أخذ مال أحد من المسلمين بغير سبب شرعيٍّ‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ أرى أن يأخذها الحاكم فيمسكها‏,‏ فإن يئس من توبته يصرفها على ما يراه وقال‏:‏ والحاصل أنّ المذهب عدم التّعزير بأخذ المال‏.‏

وقال‏:‏ وذكر الطّرسوسيّ في مؤلّف له‏:‏ أنّ مصادرة السلطان لأرباب الأموال لا تجوز إلّا لعمّال بيت المال مستدلاً بأنّ عمر رضي اللّه عنه صادر أبا هريرة رضي اللّه عنه حين استعمله على البحرين‏,‏ وعزله‏,‏ وأخذ منه اثني عشر ألفاً ثمّ دعاه للعمل فأبى‏,‏ قال‏:‏ وأراد بعمّال بيت المال‏:‏ خدمته الّذين يجبون أمواله‏,‏ ومنهم كتبته إذا توسّعوا في الأموال‏,‏ لأنّ ذلك دليل على خيانتهم ويلحق بهم كتبة الأوقاف ونظّارها‏,‏ إذا توسّعوا في الأموال وتعاطوا أنواع اللّهو‏,‏ وبناء الأماكن‏,‏ فللحاكم في هذا الحال‏:‏ أخذ الأموال منهم‏,‏ وعزلهم‏,‏ فإن عرف خيانتهم في وقف معيّن ردّ المال إليه‏,‏ وإلّا وضعه في بيت المال‏.‏

وقال أبو يوسف وابن تيميّة وابن القيّم وبعض المالكيّة‏:‏ إنّ العقوبة بالمال سائغة‏,‏ وهو القول القديم للإمام الشّافعيّ رضي اللّه عنه‏.‏

وللفقهاء تفصيل في التّعزير بأخذ المال ينظر في مصطلح ‏(‏ تعزير ف / 20 ‏)‏‏.‏

مُصَادَقَة

انظر‏:‏ تصادق‏.‏

مَصَارِف

انظر‏:‏ زكاة‏.‏

مُصَارَفة

انظر‏:‏ صرف‏.‏

مُصَافَحة

التّعريف

1 - المصافحة في اللغة الأخذ باليد كالتّصافح‏,‏ قال في تاج العروس‏:‏ الرّجل يصافح الرّجل إذا وضع صفح كفّه في صفح كفّه‏,‏ وصفحا كفّيهما‏:‏ وجّهاهما‏,‏ وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكفّ بالكفّ وإقبال الوجه على الوجه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اللّمس‏:‏

2 - من معاني اللّمس في اللغة المس باليد‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

واللّمس أعم من المصافحة ‏;‏ لأنّه قد يكون باليد أو بغيرها‏,‏ والملموس قد يكون يداً أو غيرها‏,‏ والمصافحة لمس اليد باليد بأسلوب خاصٍّ هو وضع صفحتها على صفحتها‏.‏

ب - المباشرة‏:‏

3 - المباشرة في اللغة مصدر باشر‏,‏ يقال‏:‏ باشر الأمر‏:‏ وليه بنفسه‏,‏ وباشر المرأة‏:‏ جامعها أو صارا في ثوب واحد فباشرت بشرته بشرتها‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والمباشرة أعم من المصافحة‏.‏

الحكم التّكليفي

يختلف حكم المصافحة باختلاف طرفيها‏,‏ وذلك على النّحو التّالي‏:‏

أوّلاً‏:‏ مصافحة الرّجل للرّجل

4 - مصافحة الرّجل للرّجل مستحبّة عند عامّة العلماء‏,‏ قال النّووي‏:‏ اعلم أنّها سنّة مجمع عليها عند التّلاقي‏,‏ وقال ابن بطّال‏:‏ أصل المصافحة حسنة عند عامّة العلماء‏.‏

وقد نصّ على استحباب المصافحة بين الرّجال كثير من فقهاء المذاهب‏,‏ واستدلوا عليه بجملة من الأخبار الصّحيحة والحسنة‏,‏ من ذلك ما روى كعب بن مالكٍ رضي اللّه عنه قال‏:‏ « دخلت المسجد فإذا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقام إليّ طلحة بن عبيد اللّه يهرول حتّى صافحني وهنّأني »‏,‏ وما روى البخاري عن قتادة قال‏:‏ « قلت لأنس رضي اللّه عنه أكانت المصافحة في أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏؟‏ قال‏:‏ نعم »‏.‏

وما روي عن عطاء بن أبي مسلم عبد اللّه الخراسانيّ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشّحناء »‏.‏

وروي عن مالكٍ أنّه كره المصافحة‏,‏ وهو قول سحنون وبعض علماء المالكيّة‏,‏ واستدلّ لهذه الرّواية بقوله عزّ وجلّ في وصف تحيّة الملائكة لسيّدنا إبراهيم عليه السّلام‏:‏ ‏{‏ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ‏}‏‏,‏ حيث حيّوه بإلقاء السّلام‏,‏ ولم يتبعوه بالمصافحة‏,‏ لكنّ المشهور عن مالكٍ استحباب المصافحة‏,‏ ويؤيّد ذلك ما روي عنه أنّه دخل عليه سفيان بن عيينة فصافحه وقال‏:‏ لولا أنّها بدعة لعانقتك‏,‏ فقال سفيان‏:‏ عانق من هو خير منّي ومنك النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم لجعفر حين قدم من أرض الحبشة‏,‏ قال مالك‏:‏ ذلك خاصٌّ‏,‏ قال سفيان‏:‏ بل هو عام ما يخص جعفراً يخصنا‏,‏ وما يعمه يعمنا إذا كنّا صالحين‏.‏

ثانياً‏:‏ مصافحة المرأة للمرأة

5 - أطلق الفقهاء القول بسنّيّة المصافحة‏,‏ ولم يقصروا ذلك على ما يقع منها بين الرّجال‏,‏ وإنّما استثنوا مصافحة الرّجل للمرأة الأجنبيّة فقالوا بتحريمها‏,‏ ولم يستثنوا مصافحة المرأة للمرأة من السنّيّة‏,‏ فيشملها هذا الحكم‏,‏ وقد صرّح بذلك الشّربيني الخطيب فقال‏:‏ وتسن مصافحة الرّجلين والمرأتين‏,‏ وقال النّفراويّ‏:‏ وإنّما تسن المصافحة بين رجلين أو بين امرأتين‏,‏ لا بين رجل وامرأة‏,‏ وإن كانت متجالّةً‏.‏

واستدلّ لذلك بأنّه المستفاد من عموم الأحاديث الشّريفة في الحثّ على المصافحة‏,‏ مثل قول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غفر لهما قبل أن يتفرّقا »‏.‏ وقوله‏:‏ « تصافحوا يذهب الغل »‏.‏

وما روي عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « إنّ المؤمن إذا لقي المؤمن فسلّم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشّجر »‏.‏

فهذه الأحاديث وغيرها عامّة في كلّ مسلمين يلتقيان‏,‏ وتشمل بعمومها المرأة تلاقي المرأة فتصافحها‏,‏ ولأنّه يحل لها أن تنظر وتمسّ من المرأة ما يحل للرّجل أن ينظر إليه ويمسه من الرّجل‏,‏ وهو سائر الجسد سوى ما بين السرّة والركبة‏,‏ لأنّ ذلك ليس فيه خوف الشّهوة‏,‏ حتّى لو خيفت الشّهوة كان ذلك محرّماً‏.‏

ثالثاً‏:‏ المصافحة بين الرّجل والمرأة

يختلف حكم المصافحة الّتي تقع بين الرّجل والمرأة بحسب كونهما من المحارم أو من غيرهم‏:‏

6 - فأمّا مصافحة المحارم فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في المعتمد عندهم إلى جوازها‏,‏ وهو ما ذهب إليه الحنابلة في الوالدين مع الأبناء روايةً واحدةً وفي غيرهم في رواية بناءً على قولهم بجواز لمس المحارم في غير محلّ العورة بشرط الأمن من الفتنة وعدم خوف الشّهوة‏,‏ لما روي « أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقبّل فاطمة رضي اللّه عنها إذا دخلت عليه‏,‏ وتقبّله إذا دخل عليها »‏,‏ وكذلك صحّ عن أبي بكر رضي اللّه عنه أنّه قبّل ابنته عائشة رضي اللّه عنها‏,‏ ولأنّ مسّ المحارم في غير عورة يغلب فيه الصّلة والرّحمة والشّفقة‏,‏ ويندر اقترانه بالشّهوة‏.‏

وإذا كان لمس المحارم على النّحو المذكور مباحاً فإنّ المصافحة نوع من اللّمس‏,‏ فتكون مشروعةً في حقّ المحارم‏,‏ ويشملها حكم الاستحباب الّذي أستفيد من الأحاديث المتقدّمة‏.‏ وذهب الشّافعيّة في قول والحنابلة في غير الوالدين مع الأبناء في رواية إلى عدم جواز مصافحة المحارم بناءً على القول بعد جواز مسّهم‏,‏ ولكنّ المعتمد في المذهبين كقول الجمهور المتقدّم‏,‏ وهو جواز لمس المحارم في غير عورة إذا انتفت الشّهوة ولو كان ذلك بغير حاجة ولا شفقة‏.‏

7 - وأمّا المصافحة الّتي تقع بين الرّجل والمرأة من غير المحارم فقد اختلف قول الفقهاء في حكمها وفرّقوا بين مصافحة العجائز ومصافحة غيرهم‏:‏

فمصافحة الرّجل للمرأة العجوز الّتي لا تشتهي ولا تشتهى‏,‏ وكذلك مصافحة المرأة للرّجل العجوز الّذي لا يشتهي ولا يشتهى‏,‏ ومصافحة الرّجل العجوز للمرأة العجوز‏,‏ جائز عند الحنفيّة والحنابلة ما دامت الشّهوة مأمونةً من كلا الطّرفين‏,‏ واستدلوا بما روي « أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ كان يصافح العجائز »‏,‏ ولأنّ الحرمة لخوف الفتنة‏,‏ فإذا كان أحد المتصافحين ممّن لا يشتهي ولا يشتهى فخوف الفتنة معدوم أو نادر‏.‏

ونصّ المالكيّة على تحريم مصافحة المرأة الأجنبيّة وإن كانت متجالّةً‏,‏ وهي العجوز الفانية الّتي لا إرب للرّجال فيها‏,‏ أخذاً بعموم الأدلّة المثبتة للتّحريم‏.‏

وعمّم الشّافعيّة القول بتحريم لمس المرأة الأجنبيّة ولم يستثنوا العجوز‏,‏ فدلّ ذلك على اعتبارهم التّحريم في حقّ مصافحتها‏,‏ وعدم التّفرقة بينها وبين الشّابّة في ذلك‏.‏

وأمّا مصافحة الرّجل للمرأة الأجنبيّة الشّابّة فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الرّواية المختارة‏,‏ وابن تيميّة إلى تحريمها‏,‏ وقيّد الحنفيّة التّحريم بأن تكون الشّابّة مشتهاةً‏,‏ وقال الحنابلة‏:‏ وسواء أكانت من وراء حائل كثوب ونحوه أم لا‏.‏

واستدلّ الفقهاء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبيّة الشّابّة بحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ « كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمتحنّ بقول اللّه عزّ وجلّ ‏{‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ ‏}‏ الآية قالت عائشة فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة‏,‏ وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقررن بذلك من قولهنّ قال لهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ انطلقن فقد بايعتكنّ‏,‏ ولا واللّه ما مسّت يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يد امرأة قط غير أنّه يبايعهنّ بالكلام‏,‏ قالت عائشة‏:‏ واللّه ما أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّساء قط إلّا بما أمره اللّه تعالى وما مسّت كف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كفّ امرأة قط وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ قد بايعتكنّ كلاماً »‏.‏

وقد فسّر ابن عبّاس رضي اللّه عنهما المحنة بقوله‏:‏ ‏"‏ وكانت المحنة أن تستحلف باللّه أنّها ما خرجت من بغض زوجها ولا رغبةً من أرض إلى أرض ولا التماس دنيا ولا عشقاً لرجل منّا بل حباً للّه ولرسوله ‏"‏‏.‏

وبما روي عن معقل بن يسار أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ « لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأةً لا تحل له » ووجه دلالة الحديث على التّحريم ما فيه من الوعيد الشّديد لمن يمس امرأةً لا تحل له ولا شكّ في أنّ المصافحة من المسّ‏.‏

واستدلوا أيضاً بالقياس على النّظر إلى المرأة الأجنبيّة‏,‏ فإنّه حرام باتّفاق الفقهاء إذا كان متعمّداً وكان بغير سبب مشروع‏,‏ لما ورد في النّهي عنه من الأحاديث الصّحيحة‏,‏ ووجه القياس أنّ تحريم النّظر لكونه سبباً داعياً إلى الفتنة‏,‏ واللّمس الّذي فيه المصافحة أعظم أثراً في النّفس‏,‏ وأكثر إثارةً للشّهوة من مجرّد النّظر بالعين‏,‏ قال النّووي‏:‏ وقد قال أصحابنا كل من حرّم النّظر إليه حرّم مسّه‏,‏ بل المس أشد‏,‏ فإنّه يحل النّظر إلى أجنبيّة إذا أراد أن يتزوّجها‏,‏ ولا يجوز مسها‏.‏

رابعاً‏:‏ مصافحة الصّغار

8 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ لمس الصّغار بشهوة حرام‏,‏ سواء في حالة اتّحاد الجنس أم في حالة اختلافه‏,‏ وسواء أبلغ الصّغار حدّ الشّهوة أم لم يبلغوها‏,‏ ومن اللّمس المصافحة‏,‏ ومن شروط مشروعيّة المصافحة عدم خوف الفتنة‏.‏

فإن كان اللّمس بغير شهوة وكان الصّغير أو الصّغيرة ممّن لا يشتهى جاز لمسه عند الحنفيّة والحنابلة‏,‏ سواء اتّحد الجنس أم اختلف‏,‏ لعدم خوف الفتنة في هذه الحال‏,‏ وهو الأصح عند الشّافعيّة‏,‏ وبناءً عليه تحل مصافحته ما دامت الشّهوة منعدمةً‏,‏ لأنّها نوع من اللّمس فتأخذ حكمه‏,‏ وقد صرّح في الهداية بجواز مصافحة الصّغيرة الّتي لا تشتهى‏.‏

وأمّا إذا بلغ الصّغير أو الصّغيرة حدّ الشّهوة فحكمه من حيث اللّمس كحكم الكبار‏.‏

والمصافحة مثله‏,‏ فيفرّق فيها بين حالة اتّحاد الجنس وحالة اختلافه كما تقدّم بيانه‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الصّغير ابن ثمان سنوات فأقل يجوز مسه وإن اختلف الجنس‏,‏ فإن زاد عن هذه السّنّ أخذ حكم الرّجال في المسّ‏,‏ وأمّا الصّغيرة فإن لم تتجاوز سنّ الرّضاع جاز مسها‏,‏ وإن جاوزت سنّ الرّضاع وكانت مطيقةً ‏"‏ أيّ مشتهاةً ‏"‏ حرم مسها‏,‏ وإن لم تكن مطيقةً فقد أختلف فيها‏,‏ ومذهب المدوّنة المنع‏.‏

وبناءً عليه يعرف حكم مصافحة الصّغار عندهم‏,‏ لأنّها نوع من اللّمس‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ ر‏:‏ عورة ‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ مصافحة الأمرد

9 - اختلف الفقهاء في حكم مصافحة الأمرد‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ أمرد ف / 5 ‏)‏‏.‏

سادساً‏:‏ مصافحة الكافر

10 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى القول بكراهة مصافحة المسلم للكافر إلّا أنّ الحنفيّة استثنوا مصافحة المسلم جاره النّصرانيّ إذا رجع بعد الغيبة وكان يتأذّى بترك المصافحة‏,‏ وأمّا الحنابلة فقد أطلقوا القول بالكراهة‏,‏ بناءً على ما روي أنّ الإمام أحمد سئل عن مصافحة أهل الذّمّة فقال‏:‏ لا يعجبني‏.‏

وذهب المالكيّة إلى عدم جواز مصافحة المسلم الكافر ولا المبتاع‏,‏ لأنّ الشّارع طلب هجرهما ومجانبتهما‏,‏ وفي المصافحة وصل مناف لما طلبه الشّارع‏.‏

الحالات الّتي تسن فيها المصافحة

حين تشرع المصافحة فإنّها تستحب في مواطن منها‏:‏

11 - عند التّلاقي سواء من سفر أو غيره‏,‏ كما سبق بيانه ‏(‏ ف / 4 ‏)‏‏.‏

12 - كذلك تسن عند مبايعة الإمام المسلم ومن في حكمه حيث كانت البيعة على عهد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وخلفائه الرّاشدين بالمصافحة‏,‏ وفي مبايعة أبي بكر رضي اللّه عنه ورد أنّ عمر رضي اللّه عنه قال له في السّقيفة أبسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعه ثمّ بايعه المهاجرون والأنصار‏,‏ وهذا خاصٌّ بالرّجال كما تقدّم‏.‏

‏(‏ ر‏:‏ بيعة ف / 12 ‏)‏‏.‏

13 - وقد اختلف فقهاء المذاهب في حكم المصافحة عقب الصّلوات وبخاصّة صلاتي العصر والصبح ويظهر من عباراتهم أنّ فيها ثلاثة أقوال‏:‏ قول بالاستحباب‏,‏ وآخر بالإباحة‏,‏ وثالث بالكراهة‏.‏

أما القول بالاستحباب فقد استنبطه بعض شرّاح الحنفيّة من إطلاق عبارات أصحاب المتون‏,‏ وعمّ نصهم على استثناء المصافحة بعد الصّلوات‏,‏ قال الحصكفيّ‏:‏ وإطلاق المصنّف - التمرتاشيّ - تبعاً للدرر والكنز والوقاية والنقاية والمجمع والملتقى وغيرها يفيد جوازها مطلقاً ولو بعد العصر‏,‏ وقولهم‏:‏ إنّه بدعة‏,‏ أي مباحة حسنة كما أفاده النّووي في أذكاره‏,‏ وعقّب ابن عابدين على ذلك بعد أن ذكر بعض من قال باستحبابها مطلقاً من علماء الحنفيّة بقوله‏:‏ وهو الموافق لما ذكره الشّارح من إطلاق المتون‏,‏ واستدلّ لهذا القول بعموم النصوص الواردة في مشروعيّة المصافحة‏.‏

وممّن ذهب إلى هذا القول من الشّافعيّة المحب الطّبريّ وحمزة النّاشريّ وغيرهما‏,‏ وقالوا باستحباب المصافحة عقب الصّلوات مطلقاً‏,‏ واستأنس الطّبريّ بما رواه أحمد والبخاري عن أبي حنيفة رضي اللّه عنه قال‏:‏ « خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضّأ ثمّ صلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة تمر من ورائها المرأة وقام النّاس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم قال أبو جحيفة فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثّلج وأطيب رائحةً من المسك »‏,‏ قال المحب الطّبريّ‏:‏ ويستأنس بذلك لما تطابق عليه النّاس من المصافحة بعد الصّلوات في الجماعات لا سيّما في العصر والمغرب إذا اقترن به قصد صالح من تبركٍ أو تودد أو نحوه‏.‏

وأمّا القول بالإباحة فقد ذهب إليه العز بن عبد السّلام من الشّافعيّة‏,‏ حيث قسّم البدع إلى خمسة أقسام‏:‏ واجبة ومحرّمة ومكروهة ومستحبّة ومباحة‏,‏ ثمّ قال‏:‏ وللبدع المباحة أمثلة منها المصافحة عقيب الصبح والعصر‏.‏

ونقل ابن علّان عن المرقاة أنّه مع كونها من البدع فإذا مدّ مسلم يده إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد لما يترتّب عليه من أذًى يزيد على مراعاة الأدب‏,‏ وإن كان يقال إنّ فيه نوع إعانة على البدعة وذلك لما فيه من المجابرة‏.‏

واستحسن النّووي في المجموع - كما نقله ابن علّان - كلام ابن عبد السّلام واختار أنّ مصافحة من كان معه قبل الصّلاة مباحة ومن لم يكن معه قبل الصّلاة سنّة‏,‏ وقال في الأذكار‏:‏ واعلم أنّ هذه المصافحة مستحبّة عند كلّ لقاء‏,‏ وأمّا ما اعتاده النّاس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشّرع على هذا الوجه‏,‏ ولكن لا بأس به‏,‏ فإنّ أصل المصافحة سنّة‏,‏ وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة الّتي ورد الشّرع بأصلها‏.‏

وأمّا القول بالكراهة فقد نقله ابن عابدين عن بعض علماء المذهب‏,‏ وقال‏:‏ قد يقال‏:‏ إنّ المواظبة عليها بعد الصّلوات خاصّةً قد يؤدّي بالجهلة إلى اعتقاد سنّيّتها في خصوص هذه المواضع‏,‏ وأنّ لها خصوصيّةً زائدةً على غيرها‏,‏ مع أنّ ظاهر كلامهم أنّه لم يفعلها أحد من السّلف في هذه المواضع‏,‏ وذكر أنّ منهم من كرهها لأنّها من سنن الرّوافض‏.‏

واعتبر ابن الحاجّ هذه المصافحة من البدع الّتي ينبغي أن تمنع في المساجد‏,‏ لأنّ موضع المصافحة في الشّرع إنّما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصّلوات الخمس‏,‏ فحيث وضعها الشّرع توضع‏,‏ فينهى عن ذلك ويزجر فاعله‏,‏ لما أتى من خلاف السنّة‏.‏

كيفيّة المصافحة المستحبّة وآدابها

14 - تقع المصافحة في الأصل بأن يضع الرّجل صفح كفّه في صفح كفّ صاحبه‏.‏ واختلفوا في كون المصافحة المستحبّة بكلتا اليدين أم بيد واحدة‏,‏ فذهب الحنفيّة وبعض المالكيّة إلى أنّ السنّة في المصافحة أن تكون بكلتا اليدين‏,‏ وذلك بأن يلصق كل من المتصافحين بطن كفّ يمينه ببطن كفّ يمين الآخر‏,‏ ويجعل بطن كفّ يساره على ظهر كفّ يمين الآخر‏,‏ واستدلوا بأنّ هذا هو المعروف عن الصّحابة والتّابعين‏,‏ وبما ورد من قول ابن مسعود رضي اللّه عنه « علّمني النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم التّشهد وكفي بين كفّيه » وبما ذكره البخاري في باب الأخذ باليدين من قوله‏:‏ صافح حمّاد بن زيد بن المبارك بيديه‏,‏ إشارةً إلى أنّ ذلك هو المعروف بين الصّحابة والتّابعين‏,‏ واستدلوا أيضاً بما ورد عن عبد الرّحمن بن رزين قال‏:‏ « مررنا بالرّبذة فقيل لنا هاهنا سلمة بن الأكوع رضي اللّه عنه فأتيته فسلّمنا عليه فأخرج يديه فقال بايعت بهاتين نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم »‏.‏

كما استدلوا بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلّا كان حقّاً على اللّه عزّ وجلّ أن يحضر دعاءهما ولا يفرّق بين أيديهما حتّى يغفر لهما »‏,‏ قالوا‏:‏ وردت الرّوايات في هذا الحديث وغيره بلفظ الجمع‏,‏ ولا يصدق إلّا على المصافحة الّتي تكون بكلتا اليدين لا بيد واحدة‏.‏

وذهب آخرون إلى أنّ كيفيّة المصافحة المشروعة لا تتعدّى المعنى الّذي تدل عليه في اللغة‏,‏ ويتحقّق بمجرّد إلصاق صفح الكفّ بالكفّ‏.‏

واستدلّ لهذا الرّأي بقول عبيد اللّه بن بسر رضي اللّه عنه‏:‏ « ترون كفّي هذه فأشهد أنّني وضعتها على كفّ محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم‏.‏‏.‏‏.‏ وذكر الحديث »‏.‏

ويستحب في المصافحة أن تكون إثر التّلاقي مباشرةً من غير توان ولا تراخٍ وأن لا يفصل بينها وبين اللّقاء سوى البدء بالسّلام‏,‏ لقول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غفر لهما قبل أن يفترقا »‏,‏ حيث عطف المصافحة على التّلاقي بالفاء‏,‏ وهي تفيد التّرتيب والتّعقيب والفوريّة‏,‏ فدلّ ذلك على أنّ الوقت المستحبّ للمصافحة هو أوّل اللّقاء‏,‏ وأمّا أنّ البدء بالسّلام يسبقها‏.‏ فقد دلّ عليه ما ورد عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول‏:‏ « ما من مسلمين يلتقيان فيسلّم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده لا يأخذه إلّا للّه عزّ وجلّ ولا يتفرّقان حتّى يغفر لهما »‏.‏

كذلك يستحب أنّ تدوم ملازمة الكفّين فيها قدر ما يفرغ من الكلام والسّلام والسؤال عن الغرض‏,‏ ويكره نزع المصافح يده من يد الّذي يصافحه سريعاً لما روي عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ « ما رأيت رجلاً التقم أذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو ينحّي رأسه وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده »‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ « كان النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا لقي الرّجل لا ينزع يده حتّى يكون هو الّذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه حتّى يكون هو الّذي يصرفه »‏,‏ وقال بعض الحنابلة‏:‏ يكره للمصافح أن ينزع يده من يد من يصافحه قبل نزعه هو إلّا مع حياء أو مضرّة التّأخير‏,‏ وقصر بعضهم كراهة السّبق بالنّزع على غير المبادر بالمصافحة حتّى ينزعها ذلك المبادر‏,‏ وقال ابن تيميّة‏:‏ الضّابط أنّ من غلب على ظنّه أنّ الآخر سينزع أمسك وإلّا فلو أستحبّ الإمساك لكلّ منهما أفضى إلى دوام المعاقدة‏,‏ ثمّ استحسن قول من جعل النّزع للمبتدئ بالمصافحة‏.‏

ومن سنن المصافحة أن يأخذ المصافح إبهام الطّرف الآخر وأمّا شد كلّ واحد منهما يده على يد الآخر فقد ذكر بعض المالكيّة قولين في المذهب‏:‏ قول باستحبابه‏,‏ لأنّه أبلغ في التّودد‏,‏ وقول بعدم استحبابه‏,‏ وكذلك تقبيل المصافح يد نفسه بعد المصافحة فيه قولان عندهم‏,‏ لكن قال الجزوليّ‏:‏ صفة المصافحة أن يلصق كل واحد منهما راحته براحة الآخر‏,‏ ولا يشد ولا يقبّل أحدهما يده ولا يد الآخر‏,‏ فذلك مكروهٌ‏.‏

ويُستحب السّبق في الشروع بالمصافحة لما روي عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه أنّه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ « إذا التقى الرّجلان المسلمان فسلّم أحدهما على صاحبه فإنّ أحبّهما إلى اللّه أحسنهما بشراً لصاحبه فإذا تصافحا نزلت عليهما مائة رحمة للبادي منهما تسعون وللمصافح عشرة »‏.‏

ومن آداب المصافحة أن يقرنها المصافح بحمد اللّه تعالى والاستغفار بأن يقول‏:‏ يغفر اللّه لنا ولكم‏,‏ وبالصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبالدعاء‏:‏ ‏{‏ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ‏}‏ وبالبشاشة وطلاقة الوجه مع التّبسم وحسن الإقبال واللطف في المسألة وينبغي أن يصدق فيها‏,‏ بأن لا يحمله عليها سوى الحبّ في اللّه عزّ وجلّ‏,‏ لما روي عن البراء بن عازب رضي اللّه تعالى عنه قال‏:‏ « لقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذ بيدي فقلت يا رسول اللّه إن كنت لأحسب أنّ المصافحة للأعاجم فقال نحن أحقّ بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودّةً بينهما ونصيحةً إلّا ألقيت ذنوبهما بينهما »‏.‏

أثر المصافحة على وضوء المتصافحين

15 - لمّا كانت المصافحة صورةً من صور اللّمس‏,‏ فإنّه يجري في أثرها على وضوء المتصافحين الاختلاف الّذي وقع بين الفقهاء في أثر اللّمس عليه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ لمس ‏)‏‏.‏

مُصَاهَرة

التّعريف

1 - المصاهرة في اللغة مصدر صاهر‏,‏ يقال‏:‏ صاهرت القوم إذا تزوّجت منهم‏.‏

وقال الخليل‏:‏ الصّهر أهل بيت المرأة‏,‏ قال‏:‏ ومن العرب من يجعل الأحماء والأختان جميعاً أصهاراً‏,‏ وقال الأزهري‏:‏ الصّهر يشتمل على قرابات النّساء ذوي المحارم وذوات المحارم‏,‏ كالأبوين‏,‏ والإخوة وأولادهم‏,‏ والأعمام‏,‏ والأخوال‏,‏ والخالات‏,‏ فهؤُلاء أصهار زوج المرأة ومن كان من قبل الزّوج من ذوي قرابته المحارم فهم أصهار المرأة أيضاً‏.‏

وقال ابن السّكّيت‏:‏ كل من كان من قبل الزّوج من أبيه أو أخيه أو عمّه‏.‏‏.‏‏.‏ فهم الأحماء‏,‏ ومن كان من قبل المرأة فهم الأختان‏,‏ ويجمع الصّنفين الأصهار‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي حرمة الختونة‏.‏

وقال الحصكفيّ في تعريف الصّهر والصّهر كل ذي رحم محرّم من عرسه كآبائها وأعمامها وأخوالها وأخواتها وغيرهم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الختن‏:‏

2 - الخَتَن بفتحتين في اللغة‏:‏ كل من كان من قبل المرأة‏,‏ مثل الأب والأخ وهذا عند العرب‏,‏ وعند العامّة‏:‏ ختن الرّجل زوج ابنته‏,‏ وعن اللّيث‏:‏ الخَتَن الصّهر‏,‏ وهو الرّجل المتزوّج في القوم‏.‏

والخَتَن في اصطلاح الفقهاء كما ذكر الحصكفيّ‏:‏ زوج كلّ ذي رحم محرّم منه‏,‏ كأزواج بناته وعمّاته‏,‏ وكذا كل ذي رحم من أزواجهنّ‏,‏ وقيل الصّهر أبو المرأة وأمها‏,‏ والخَتَن زوج المحرم فقط‏.‏

ب - الحمو‏:‏

3 - الحمو في اللغة قال الفيروز آبادى‏:‏ الحمو والحمُ أبو زوج المرأة‏,‏ والواحد من أقارب الزّوج والزّوجة‏.‏

وقال ابن منظور‏:‏ حَمْوُ المرأة وحمُها وحماها‏:‏ أبو زوجها وأخو زوجها وكذلك من كان من قبل الزّوج‏,‏ وفي الحمو لغات حما مثل قفا وحمو مثل أبو وحمّ مثل أب وَحَمْءٌ ساكنة الميم مهموزة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة أنّ الحمو من الأصهار‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمصاهرة

تتعلّق بالمصاهرة أحكام منها‏:‏

التّحريم بالمصاهرة

4 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم بالمصاهرة على التّأبيد أربعة أنواع‏:‏

أ - زوجة الأصل وهو الأب وإن علا‏,‏ لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ‏}‏‏.‏

ب - أصل الزّوجة وهي أمها وأم أمّها وأم أبيها وإن علت لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ‏}‏‏,‏ عطفاً على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ‏}‏‏.‏

ج - فروع الزّوجة وهنّ بناتها وبنات بناتها وبنات أبنائها وإن نزلن بشرط الدخول بالزّوجة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ‏}‏‏.‏

د - زوجة الفرع أي زوجة ابنه أو ابن ابنه أو ابن بنته مهما بعدت الدّرجة لقوله تعالى‏:‏

‏{‏ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ‏}‏‏.‏

وفي ذلك كلّه تفصيل ينظر في ‏(‏ محرّمات النّكاح ف / 9 وما بعدها ‏)‏‏.‏

وذهب الفقهاء إلى أنّه يحرم بالمصاهرة على التّأقيت الجمع بين الأختين ومن في حكمهما ممّن بينهما قرابة محرّمة بحيث لو فرضت إحداهما ذكراً حرّمت الأخرى لقوله تعالى في آية المحرّمات‏:‏ ‏{‏ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ‏}‏، ولحديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ « أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن تنكح المرأة على عمّتها أو العمّة على ابنة أخيها أو المرأة على خالتها أو الخالة على بنت أختها »‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ محرّمات النّكاح ف / 23 ‏)‏‏.‏

ما تثبت به المصاهرة

5 - تثبت المصاهرة بأسباب‏:‏ منها‏:‏ العقد الصّحيح‏.‏

فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ العقد الصّحيح مثبت لحرمة المصاهرة فيما سوى بنت الزّوجة وهي الرّبيبة وفروعها وإن نزلت فإنّهنّ لا يحرمن إلّا بالدخول بالزّوجة‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏ محرّمات النّكاح ف / 10‏,‏ 11 ‏)‏‏.‏

نهاية الموسوعة الفقهية الجزء السابع والثلاثون