فصل: ولاية الفضل بن صالح على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 ولاية الفضل بن صالح على مصر

هو الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو العباس الهاشمي العباسي ولاه المهدي إمرة مصر بعد عزل عسامة بن عمرو على الصلاة والخراج وقبل خروجه مات محمد المهدي في أول المحرم سنة تسع وستين ومائة وولي الخلافة ابنه موسى الهادي فأقر الهادي الفضل هذا على عمل مصر وسفره فسار الفضل حتى دخل إلى مصر في يوم الخميس سلخ المحرم المذكور وكان الفضل استعمل عسامة المعزول عن إمرة مصر على الصلاة إلى أن حضر فلما قدم الفضل استعمل عسامة أيضًا على عادته الأولى قبل أن يلي الإمرة‏.‏

ولما دخل الفضل إلى مصر وجد أمر مصر مضطربا من عصيان أهل جزيرة الحوف بالوجه البحري وأيضًا من خروج دحية الأموي بالصعيد وقد طال أمره على أمراء مصر وكان مع الفضل جيوش الشأم فحال قدومه جهز العساكر لحرب دحية المذكور‏.‏

فقاتله العسكر وهزموه وأسر دحية بعد أمور وحروب وقدموا به إلى الفسطاط فضرب الفضل عنقه وصلب جثته وبعث برأسه إلى الهادي‏.‏

وكان قتل دحية المذكور في جمادى الآخرة سنة تسع وستين ومائة فكان الفضل يقول‏:‏ أنا أولى الناس بولاية مصر لقيامي في أمر دحية وهزيمته وقتله وقد عجز عنه غيري وكاد أمره أن يتم لطول مدته ولاجتماع الناس عليه لولا قيامي في أمره وكان الفضل لما قدم مصر سكن العسكر و ‏"‏ بنى ‏"‏ به الجامع فلم يكن بعد قتله لدحية بمدة يسيرة إلا وقدم عليه البريد بعزله عن إمرة مصر بعلي بن سليمان فلما سمع الفضل خبر عزله ندم على قتل دحية ندمًا عظيمًا فلم يفده ذلك‏.‏

وكان عزل الفضل عن إمرة مصر في أواخر سنة تسع وستين ومائة المذكورة فكانت ولايته على مصر دون السنة‏.‏

وقد ولي الفضل هذا إمرة دمشق مدة‏.‏

ولا أعلم ولايته على دمشق قبل ولايته على مصر أو بعدها‏.‏

وهو الذي عمر أبواب جامع دمشق والقبة التي في الصحن وتعرف بقبة المال في أيام إمرته على دمشق‏.‏

وكانت وفاة الفضل هذا في سنة اثنتين وسبعين ومائة وهو ابن خمسين سنة وكان أميرًا شجاعًا مقدامًا شاعرًا فصيحًا أديبًا صاحب خطب وشعر من ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ السريع ‏"‏ عاش الهوى واستشهد الصبر وعاث في الحزن والضر وسهل التوديع يوم نوى ما كان قد وعره الهجر ولاية علي بن سليمان على مصر هو علي بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو الحسن الهاشمي العباسي ولي إمرة مصر بعد عزل الفضل بن صالح عنها ولاه موسى الهادي على إمرة مصر وجمع له الصلاة والخراج معًا ودخل علي بن سليمان هذا إلى مصر في شوال سنة تسع وستين ومائة وسكن العسكر وجعل على شرطته عبد الرحمن بن موسى اللخمي ثم عزله وولى الحسن بن يزيد الكندي‏.‏

ولما قدم علي المذكور إلى مصر أقام مدة يسيرة وورد عليه الخبر بموت موسى الهادي في نصف شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة وولاية هارون الرشيد الخلافة من بعده وأن الرشيد أخاه أقر عليًا على عمل مصر على عادته‏.‏

وكان علي بن سليمان المذكور عادلًا وفيه رفق بالرعية آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر ومنع في أيامه الملاهي والخمور وهدم الكنائس بمصر وأعمالها فتكلم القبط معه في تركها وأن يجعلوا له في مقابلة ذلك خمسين ألف دينار فامتنع من ذلك وهدم الكنائس وكان كثير الصدقة في الليل فمالت الناس إليه فلما رأى ميل الناس إليه أظهر ما في نفسه من أنه يصلح للخلافة وطمع في ذلك وحدثته نفسه بالوثوب فكتب بعض أهل مصر إلى هارون الرشيد وعرفه بذلك فسخط عليه هارون وعاجله بعزله فعزله عن إمرة مصر في يوم الجمعة لأربع بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وسبعين ومائة وولى مصر بعده موسى بن عيسى فكانت ولاية علي بن سليمان هذا على مصر نحو سنة وثلاثة أشهر وقيل أكثر من ذلك‏.‏

وتوجه علي بن سليمان إلى الرشيد فندبه لقتال يحيى بن عبد الله بالديلم وصحبته الفضل بن يحيى البرمكي‏.‏

ويحيى بن عبد الله هو يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم كان خرج بالديلم واشتدت شوكته وكثرت جموعه وأتاه الناس من الأمصار فاغتنم الرشيد لذلك وندب إليه علي بن سليمان هذا بعد عزله وجعل أمر الجيش للفضل بن يحيى و ولاه جرجان وطبرستان والري وغيرها وسيرهما في خمسين ألفًا وحمل معهما الأموال فكاتبا يحيى بن عبد الله وتلطفا به وحذراه المخالفة وأشارا عليه بالطاعة ونزل الفضل بن يحيى بالطالقان بمكان يقال له‏:‏ آشب ووالى كتبه إلى يحيى بن عبد الله العلوي المذكور حتى أجاب يحيى إلى الصلح على أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه يشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجلة بني العباس ومشايخهم منهم عبد الصمد بن علي فأجاب الرشيد إلى ذلك وسر به وعظمت منزلة الفضل عنده وسير الرشيد الأمان إلى يحيى بن عبد الله مع هدايا وتحف فقدم يحيى مع الفضل وعلي بن سليمان إلى بغداد فلقيه الرشيد بما أحب وأمر له بمال كثير ثم بعد مدة قبض عليه وحبسه حتى مات في الحبس وكان الرشيد قد عرض كتاب أمان يحيى بن عبد الله المذكور على الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وعلى أبي البختري القاضي فقال محمد بن الحسن‏:‏ الأمان صحيح فحاجه الرشيد وأغلظ له فلم يرجع حتى حنق منه الرشيد وكاد يسطو عليه‏.‏

وقال أبو البختري‏:‏ هذا أمان منتقض من وجه كذا فمزقه الرشيد‏.‏

واستمر علي بن سليمان معظمًا إلى أن مات‏.‏

وتوفي بعد عزله عن مصر في سنة اثنتين وسبعين ومائة قاله الذهبي وقيل‏:‏ سنة ثمان وسبعين ومائة‏.‏

بن سليمان على مصر وهي سنة سبعين ومائة‏.‏

فيها توفي الخليفة موسى الهادي ابن الخليفة محمد المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس العباسي الهاشمي أمير المؤمنين أبو جعفر وقيل أبو محمد وقيل أبو موسى الرابع من خلفاء بني العباس ببغداد‏.‏

ولد سنة خمس وأربعين ومائة وقيل سنة ست وأربعين ومائة وقيل سنة ثمان وأربعين ومائة وأمه أم ولد تسمى الخيزران وهي أم الرشيد أيضا وكان موته من قرحة أصابته وقيل‏:‏ إن أمه الخيزران سمته لما أجمع على قتل أخيه هارون الرشيد وكانت الخيزران مستبدة بالأمور الكبار حاكمة وكانت المواكب تغدو إلى بابها فزجرهم الهادي ونهاهم عن ذلك وكلمها بكلام فج وقال لها‏:‏ متى وقف ببابك أمير ضربت عنقه أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو سبحة‏!‏ فقامت الخيزران وهي ما تعقل من الغضب وقيل‏:‏ إنه بعث إليها بسم أو طعام مسموم فأطعمت الخيزران منه كلبًا فمات من وقته فعملت - على قتله حتى قتلته‏:‏ وقيل في وفاته غير ذلك وكانت وفاته في نصف شهر ربيع الأول من السنة المذكورة فكانت خلافته سنة واحدة وثلاثة أشهر وقيل سنة وشهرًا وبويع أخوه هارون الرشيد بالخلافة‏.‏

وكان الهادي طويلًا جسيمًا أبيض بشفته العليا تقلص وكان أبوه قد وكل به في صغره خادمًا فكلما رآه مفتوح الفم قال‏:‏ موسى أطبق فيضيق على نفسه ويضم شفته‏.‏

حكى مصعب الزبيري عن أبيه قال‏:‏ دخل مروان بن أبي حفصة شاعر وقته على الهادي فأنشد قصيدة فيها‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ تشابه يوما بأسه ونواله فما أحد يدري لأيهما الفضل فقال له الهادي‏:‏ أيما أحب إليك ثلاثون ألفًا معجلة أو مائة ألف درهم تدون في الدواوين قال‏:‏ تعجل الثلاثون وتدون المائة ألف قال‏:‏ بل تعجلان لك‏.‏

وفيها ولد للرشيد ابنه الأمين محمد من بنت عمه زبيدة وابنه المأمون عبد الله وأمه أم ولد - يأتي ذكرها في ترجمته‏.‏

وفيها عزل الرشيد عمر بن عبد العزيز ‏"‏ العمري ‏"‏ عن إمرة المدينة و ولاها لإسحاق بن سليمان بن علي العباسي‏.‏

وفيها فوض الرشيد أمور الخلافة إلى يحيى بن خالد بن برمك وقال له‏:‏ ‏"‏ قد قلدتك أمور الرعية وأخرجتها من عنقي فول من رأيت وافعل ما تراه ‏"‏‏.‏

وسلم إليه خاتم الخلافة وكان الهادي قد حجر على أمه الخيزران فردها الرشيد إلى ما كانت عليه وزادها فكان يحيى بن خالد وفيها فرق الرشيد في أعمامه وأهله أموالًا لم يفرقها أحد من الخلفاء قبله‏.‏

وفيها خرج من الطالبيين إبراهيم بن إسماعيل ويقال له طباطبا وخرج أيضًا على الرشيد علي بن الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن‏.‏

وفيها حج الرشيد ماشيا‏.‏

كان يمشي على اللبود كانت تبسط له من منزلة إلى منزلة وسبب حجه ماشيًا أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقال له‏:‏ ‏"‏ يا هارون إن هذا الأمر صائر إليك فحج ماشيًا واغز ووسع على أهل الحرمين ‏"‏ فأنفق فيهم الرشيد أموالًا عظيمة ولم يحج خليفة قبله ولا بعده ماشيًا رحمه الله ولقد كان من أحاسن الخلفاء‏.‏

وفيها توفيت جوهرة العابدة الزاهدة زوجة أبي عبد الله البراثي الزاهد كان زوجها أبو عبد الله منقطعا بقرية براثى غربي بغداد‏.‏

وفيها توفي فتح بن محمد بن وشاح أبو محمد الأزدي الموصلي الزاهد العابد كان صاحب كرامات وأحوال‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وتوفي إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي وعبد الله بن جعفر المخرمي المدني وجرير بن حازم البصري والربيع بن يونس الحاجب وسعيد بن حسين الأزدي وعبد الله بن المسيب أبو السوار المدني - بمصر يروي عن عكرمة - وعبد الله بن المؤمل المخزومي وعبد الله ابن الخليفة مروان الأموي في السجن وعمرو بن ثابت الكوفي - وفي ‏"‏ التذهيب ‏"‏ قال‏:‏ مات سنة اثنتين وسبعين ومائة - وغطريف بن عطاء متولي اليمن ومحمد بن أبان بن صالح الجعفي ومحمد بن الزبير المعيطي إمام مسجد حران ومحمد بن مسلم أبو سعيد المؤدب بخلف ومحمد بن مهاجر الأنصاري الحمصي ومهدي بن ميمون في قول وموسى الهادي بن المهدي الخليفة وأبو معشر نجيح السندي المدني ويزيد بن حاتم الأزدي متولي إفريقية‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأربعة أصابع‏.‏

ولاية موسى بن عيسى الأولى على مصر هو موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو عيسى العباسي الهاشمي‏.‏

ولاه الخليفة هارون الرشيد إمرة مصر على الصلاة بعد عزل علي بن سليمان عنها فقدم موسى إلى مصر في أحد الربيعين من سنة إحدى وسبعين ومائة وسكن بالعسكر وجعل على شرطته أخاه إسماعيل ثم عزله وولى عسامة بن عمرو ثم وقع من موسى هذا أمور غير مقبولة منها‏:‏ أنه أذن للنصارى في بنيان الكنائس التي كان هدمها علي بن سليمان فبنيت بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة وقالا‏:‏ هي من عمارة البلاد واحتجا بأن الكنائس التي بمصر لم تبن إلا في الإسلام في زمان الصحابة والتابعين‏.‏

وهذا كلام يتأول‏.‏

وكان موسى المذكور عاقلًا جوادًا ممدحًا‏.‏

ولي الحرمين لأبي جعفر المنصور والمهدي مدة طويلة ثم ولي اليمن للمهدي أيضا ثم ولي مصر لهارون الرشيد وكان فيه رفق بالرعية وتواضع‏.‏

قيل‏:‏ إنه دخل إليه ابن السفاك الواعظ وذكره ثم وعظه حتى بكى بكاء شديدًا فقال ابن السماك‏:‏ لتواضعك في شرفك أحب إلينا من شرفك وقيل‏:‏ إنه جلس يومًا بميدان مصر فأطال النظر في النيل ونواحيه فقيل له‏:‏ ما يرى الأمير فقال‏:‏ أرى ميدان رهان وجنان نخل وبستان شجر ومنازل سكنى ودور خيل وجبان أموات ونهرًا عجاجًا وأرض زرع ومرعى ماشية ومرتع خيل ومصايد بحر وقانص وحش وملاح سفينة وحادي إبل ومفازة رملًا وسهلًا وجبلًا في أقل من ميل في ميل‏.‏

قلت‏:‏ لله دره فيما وصف من كلام كثرت معانيه وقل لفظه‏.‏

واستمر موسى بعد ذلك على إمرة مصر إلى أن عزله الرشيد عنها بمسلمة بن يحيى لأربع عشرة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائة‏.‏

فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وخمسة أشهر وخمسة عشر يومًا‏.‏

وتوجه إلى الرشيد فلما قدم عليه ولاه الكوفة مدة ثم صرفه عن الكوفة وولاه دمشق فأقام بها مدة أيضًا وصرف عنها وأعيد إلى إمرة مصر ثانيًا كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى - لما كانت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمانية وهذه الفتنة هي سبب العداوة بين قيس وبين اليمن إلى يومنا هذا وكان أول الفتنة بين المضرية واليمانية‏.‏

وكان رأس المضرية أبو الهيذام واسمه عامر بن عمارة المري أحد فرسان العرب‏.‏

وكان سبب الفتنة أمورًا‏:‏ منها أن أحد غلمان الرشيد بسجستان قتل أخًا لأبي الهيذام فرثى أبو الهيذام أخاه وجمع جمعًا وخرج إلى الشام فاحتال عليه الرشيد بأخ له وأرغبه حتى قبض عليه وكتفه وأتى به إلى الرشيد فمن عليه وأطلقه وقيل‏:‏ إن أول ما هاجت الفتنة بالشام أن رجلًا من القين خرج بطعام له يطحنه في الرحى بالبلقاء فمر بحائط رجل من لخم أو جذام وفيه بطيخ فتناول منه فشتمه صاحبه وتضاربا وسار القشي فجمع صاحب البطيخ قومًا ليضربوه إذا عاد من اليمن فلما عاد ضربوه فقتل رجل من اليمانية فطلبوا بدمه واجتمعوا لذلك فخاف الناس أن يتفاقم ذلك فاجتمع الناس ليصلحوا بينهم فأتوا بني القين فكلموهم فأجابوهم فأتوا اليمانية فقالوا‏:‏ انصرفوا عنا حتى ننظر في أمرنا ثم ساروا وبيتوا للقين فقتلوا منهم ستمائة وقيل ثلثمائة فاستنجدت القين قضاعة وسليحًا فلم ينجدوهم فاستنجدت قيسًا فأجابوهم وساروا معهم ‏"‏ إلى الصواليك من أرض البلقاء ‏"‏ فقتلوا من اليمانية ثمانمائة وكثر القتال بينهم والتقوا غير مرة نحو سنتين ثم آصطلحوا ثم تقاتلوا وتعصب لكل طائفة آخرون ودام ذلك إلى يومنا هذا بسائر بلاد الشام‏.‏

السنة الأولى من ولاية موسى بن عيسى الأولى على مصر وهي سنة إحدى وسبعين ومائة‏.‏

فيها أخرج الرشيد من كان ببغداد من العلويين إلى المدينة‏.‏

وفيها في شهر رمضان حجت الخيزران أم الرشيد وكان أمير الموسم عبد الصمد بن علي العباسي وأقامت بمكة شهرًا وتصدقت بأموال كثيرة‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن محمد بن زيد بن ربيعة أبو هاشم ويلقب بالسيد الحميري كان شاعرًا مجيدًا وله ديوان شعر‏.‏

وفيها توفي عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب أبو الوليد التيمي المدني كان راوية العرب وافر وفيها توفي المفضل بن محمد بن يعلى الضبي كان أحد الأئمة الفضلاء الثقات وكان علامة في النسب وأيام العرب‏.‏

قال جحظة‏:‏ اجتمعنا عند الرشيد فقال للمفضل‏:‏ أخبرني بأحسن ما قالت العرب في الذئب ولك هذا الخاتم وشراؤه ألف وستمائة دينار فقال‏:‏ أحسن ما قيل فيه‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان نائم فقال الرشيد‏:‏ ما ألقى الله هذا على لسانك إلا لذهاب الخاتم ورمى به إليه فبلغ زبيدة فبعثت إلى المفضل بألف وستمائة دينار وأخذت الخاتم منه وبعثت به إلى الرشيد وقالت‏:‏ كنت أراك تعجب به فألقاه إلى المفضل ثانيًا وقال له‏:‏ خذه وخذ الدنانير‏.‏

ما كنت لأهب شيئًا وأرجع فيه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم على اختلاف في وفاتهم قال‏:‏ وفيها توفي إبراهيم بن سويد المدني وحيان بن علي بخلف وحديج بن معاوية فيها أو بعدها وأبو المنفر سلام القارىء وعبد الله بن عمر العمري المديني وعبد الرحمن بن الغسيل وله مائة وست سنين وعدي بن الفضل البصري وعمر بن ميمون بن الرماح ومهدي بن ميمون البصري بخلف ويزيد بن حاتم المهلبي في قول وأبو الشهاب الحناط عبد ربه بن نافع فيها أوفي الآتية‏.‏

الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الثانية من ولاية موسى بن عيسى الأولى على مصر وهي سنة اثنتين وسبعين ومائة‏.‏

وفيها حج بالناس يعقوب بن المنصور‏.‏

وفيها عزل الرشيد عن أرمينية يزيد بن مزيد الشيباني وولى أخاه عبيد الله بن المهدي‏.‏

وفيها زوج الرشيد أخته العباسة بنت المهدي بمحمد بن سليمان العباسي الهاشمي أمير البصرة‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو المطرف الأموي المعروف بالداخل مولده بدير حنين من عمل دمشق في سنة ثلاث عشرة ومائة ونشأ بالشام فلما زال ملك بني أمية وقتلوا وتفرقوا فر عبد الرحمن هذا إلى المغرب بحواشيه وملك جزيرة الأندلس وتم أمره بها غير أنه لم يلقب بأمير المؤمنين وقيل‏:‏ إنه لقب به والأول أصح لأن جماعة كثيرة ملكوا الأندلس من ذريته وليس فيهم من لقب بأمير المؤمنين يأتي ذكرهم الجميع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وولادة بنت المستكفي صاحبة ابن زيدون الشاعر هي من ذريته أيضًا‏.‏

الذين ذكرهم الذهبي في الوفيات قال‏:‏ وفيها توفي الحسن بن عياش أخو أبي بكر بن عياش بالكوفة وروح بن مسافر البصري وسليمان بن بلال وصالح المري بخلف وصاحب الأندلس عبد الرحمن الداخل الأموي وابن عم المنصور علي بن سليمان بن علي وابن عمه الآخر الفضل بن صالح بن علي والوليد بن أبي ثور والوليد بن المغيرة المصري ويحيى بن سلمة بن كهيل بخلف‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وإصبعان ونصف‏.‏

M0لية مسلمة بن يحيى على مصر هو مسلمة بن يحيى بن قرة بن عبيد الله بن عتبة البجلي الخراساني أمير مصر‏.‏

أصله من أهل خراسان وقيل من جرجان وخدم بني العباس وكان من أكابر القواد ولاه هارون الرشيد على إمرة مصر على الصلاة والخراج معًا بعد عزل موسى بن عيسى العباسي في سنة اثنتين وسبعين ومائة وقدم إلى مصر في شهر رمضان من السنة المذكورة في عشرة آلاف من الجند وسكن العسكر على عادة أمراء بني العباس وجعل على الشرطة ابنه عبد الرحمن فلم تطل مدته على مصر ووقع في ولايته على مصر أمور وفتن حتى عزله الخليفة هارون الرشيد في شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائة بمحمد بن زهير الأزدي فكانت ولايته على إمرة مصر أحد عشر شهرًا وكانت أيامه مع قصرها كثيرة الفتن ووقع له أمور مع أهل الحوف ثم أخرج العساكر لحفظ البحيرة من الفتن التي كانت بالمغرب‏:‏ منها خروج سعيد بن الحسين بن يحيى الأنصاري بالأندلس وتغلبه على أقاليم طرطوشة في شرق الأندلس وكان قد التجأ إليها حين قتل أبوه الحسين ودعا إلى اليمانية وتعصب لهم فاجتمع له خلق كثير وملك مدينة طرطوشة وأخرج عاملها يوسف القيسي فعارضه موسى بن فرتون وقام بدعوة هشام الأموي ووافقته جماعة وخرج أيضًا مطروح بن سليمان بن يقظان بمدينة برشلونة وخرج معه جمع كبير فملك مدينة سرقسطة ومدينة وشقة وتغلب على تلك الناحية وقوي أمره‏.‏

وكان هشام مشغولًا بمحاربة أخويه سليمان وعبد الله ولم تزل الحرب قائمة بالغرب وأمير مصر يتخوف من هجوم بعضهم إلى أن عزل مسلمة عن مصر‏.‏

بن يحيى على مصر وهي سنة ثلاث وسبعين ومائة‏.‏

فيها عزل الرشيد عن إمرة خراسان جعفر بن محمد بن الأشعث وولى عوضه ولده العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث‏.‏

وفيها حج الرشيد بالناس ولما عاد أخذ معه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وحبسه إلى أن مات‏.‏

وفيها توفيت الخيزران جارية المهدي وأم ولديه موسى الهادي وهارون الرشيد كان اشتراها المهدي وأعتقها وتزوجها ذكرنا ذلك في وقته من هذا الكتاب في محله وكانت عاقلة لبيبة دينة كان دخلها في السنة ستة آلاف وستين ألف ألف درهم فكانت تنفقها في الصدقات وأبواب البر وماتت ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة ومشى ابنها الرشيد في جنازتها وعليه طيلسان أزرق وقد شد وسطه وأخذ بقائمة التابوت حافيًا يخوض في الطين والوحل من المطر الذي كان في ذلك اليوم حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه وصلى عليها ودخل قبرها ثم خرج وتمثل بقول متمم ‏"‏ بن نويرة ‏"‏ الأبيات المشهورة التي أولها‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا ثم تصدق عنها بمال عظيم ولم يغير على جواريها وحواشيها شيئًا مما كان لهم‏.‏

وفيها توفيت غادر جارية الهادي وكانت بارعة الجمال وكان الهادي مشغوفًا بحبها فبينما هي تغنيه يومًا فكر وتغير لونه فسأله من حضر من خواصه فقال‏:‏ ‏"‏ وقع في نفسي أني أموت ويتزوجها أخي هارون من بعدي ‏"‏ فأحضر هارون واستحلفه بالأيمان المغلظة من الحج ماشيًا وغيره أنه لا يتزوجها ثم استحلفها أيضًا كذلك ومكث الهادي بعد ذلك أقل من شهر ومات وتخلف هارون الرشيد فأرسل هارون الرشيد خطبها فقالت له‏:‏ وكيف يميني ويمينك فقال‏:‏ أكفر عن الكل وأحج راجلًا فتزوجته فزاد حب الرشيد لها على حب الهادي أخيه حتى إنها كانت تنام فتضع رأسها على حجره فلا يتحرك حتى تنتبه فبينما هي ذات يوم نائمة ‏"‏ ورأسها ‏"‏ على ركبته انتبهت فزعة تبكي وقالت‏:‏ رأيت الساعة أخاك الهادي وهو يقول وأنشدت أبياتًا منها‏:‏ ‏"‏ مجزوء الكامل ‏"‏ ونكحت عامدة أخي صدق الذي سماك غادر فلم تزل تبكي وتضطرب حتى ماتت وتنغص عليه عيشه بموتها‏.‏

وقيل‏:‏ إن الرشيد ما حج ماشيًا إلا بسبب اليمين التي كانت حلفه ‏"‏ إياها ‏"‏ أخوه الهادي بسببها‏.‏

وفيها توفي محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس كان من وجوه بني العباس وتولى الأعمال الجليلة وهو الذي تزوج العباسة بنت المهدي أخت هارون الرشيد وكان له خمسون ألف عبد منهم عشرون ألفًا عتقًا‏.‏

قاله أبو المظفر في مرآة الزمان‏.‏

ذكر الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي اسماعيل ابن زكرياء الخلقاني وجويرية بن أسماء الضبعي وأم الرشيد الخيزران وسعيد ابن عبد الله المعافري وسلام بن أبي مطيع والسيد الحميري الشاعر وزهير ابن معاوية بن كامل اللخمي المصري وعبد الرحمن بن أبي الموالي مولى بني هاشم والأمير محمد بن سليمان بن علي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وثلاثة أصابع‏.‏

ولاية محمد بن زهير على مصر هو محمد بن زهير الأزدي أمير مصر‏.‏

ولاه هارون الرشيد على إمرة مصر وجمع له بين الصلاة والخراج معًا وذلك بعد عزل مسلمة بن يحيى لخمس خلون من شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائة وسكن العسكر على عادة أمراء بني العباس واستعمل على خراج مصر عمر بن غيلان وعلى الشرطة حنك بن العلاء ثم عزله وولى عمار بن مسلم بن عبد الله الطائي أيامًا ثم صرفه وولى حبيب ابن أبان أبن الوليد البجلي ولما ولي عمر بن غيلان خراج مصر شدد على الناس وعلى أهل الخراج فنفرت القلوب منه وثار عليه الجند وقاتلوه وحصروه في داره فلم يدافع عنه محمد بن زهير صاحب الترجمة فانحط قمر عمر بن غيلان وتلاشى أمره مع الجند وغيرهم وبلغ الخليفة هارون الرشيد ذلك فعظم عليه عدم قيام محمد بن زهير بنصرة عمر بن غيلان المذكور فعزله عن إمرة مصر بداود بن يزيد بن حاتم المهلبي في سلخ ذي الحخة من سنة ثلاث وسبعين ومائة فكانت ولاية محمد بن زهير على إمرة مصر خمسة أشهر تنقص أيامًا وتوجه إلى الرشيد فزجره ثم جعله من جملة القواد وندبه للاستيلاء على مال محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بالبصرة بعد موته‏.‏

وكانت تركة محمد بن سليمان عظيمة من المال والمتاع والدواب فحملوا منها ما يصلح للخلافة وتركوا ما لا يصلح وكان من جملة ما أخذوا له ستون ألف ألف درهم فلما قدموا بذلك على الرشيد أطلق منه للندماء والمغنين شيئًا كثيرًا ورفع الباقي إلى خزانته‏.‏

وكان سبب أخذ الرشيد تركته أن أخاه جعفر بن سليمان كان يسعى به إلى الرشيد حسدًا له ويقول‏:‏ إنه لا مال له ولا ضيعة إلا وقد أخذ أكثر من ثمنها ليتقوى به على ما تحدثه به نفسه - يعني الخلافة - وأن أمواله حل طلق لأمير المؤمنين‏.‏

وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه فلما توفي محمد بن سليمان أخرجت الكتب الواردة من جعفر أخيه واحتج الرشيد عليه بها في أخذ أمواله ولم يكن له أخ لأبيه وأمه غيره فأقر جعفر بالكتب فأخذ الرشيد جميع المال ولم يعط جعفرًا منها الدرهم الواحد‏.‏

قلت‏:‏ انظر إلى شؤم الحسد وسوء عاقبته ولله در القائل‏:‏ الحاسد ظالم في صفة مظلوم مبتلى غير مرحوم‏.‏

ودام محمد بن زهير عند الرشيد إلى أن كان ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏